هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
75 حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا ، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا ، وَفَزِعْنَا ، فَقُمْنَا ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ لِبَنِي النَّجَّارِ ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا ؟ فَلَمْ أَجِدْ ، فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ - وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ - فَاحْتَفَزْتُ ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : مَا شَأْنُكَ ؟ قُلْتُ : كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا ، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا ، فَفَزِعْنَا ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ ، فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ ، وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِي ، فَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ ، قَالَ : اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ ، فَقَالَ : مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ فَقُلْتُ : هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَعَثَنِي بِهِمَا مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ ، بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ ، فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَخَرَرْتُ لِاسْتِي ، فَقَالَ : ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً ، وَرَكِبَنِي عُمَرُ ، فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قُلْتُ : لَقِيتُ عُمَرَ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ ، فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لِاسْتِي ، قَالَ : ارْجِعْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا عُمَرُ ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ ، وَأُمِّي ، أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ ، مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلْ ، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا ، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَخَلِّهِمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  والربيع الجدول فاحتفزت ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أبو هريرة فقلت : نعم يا رسول الله ، قال : ما شأنك ؟ قلت : كنت بين أظهرنا ، فقمت فأبطأت علينا ، فخشينا أن تقتطع دوننا ، ففزعنا ، فكنت أول من فزع ، فأتيت هذا الحائط ، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب ، وهؤلاء الناس ورائي ، فقال : يا أبا هريرة وأعطاني نعليه ، قال : اذهب بنعلي هاتين ، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه ، فبشره بالجنة ، فكان أول من لقيت عمر ، فقال : ما هاتان النعلان يا أبا هريرة ؟ فقلت : هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه ، بشرته بالجنة ، فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي ، فقال : ارجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجهشت بكاء ، وركبني عمر ، فإذا هو على أثري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك يا أبا هريرة ؟ قلت : لقيت عمر ، فأخبرته بالذي بعثتني به ، فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي ، قال : ارجع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمر ، ما حملك على ما فعلت ؟ قال : يا رسول الله ، بأبي أنت ، وأمي ، أبعثت أبا هريرة بنعليك ، من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة ؟ قال : نعم ، قال : فلا تفعل ، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها ، فخلهم يعملون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فخلهم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It is reported on the authority of Abu Huraira:

We were sitting around the Messenger of Allah (may peace and blessings be upon him). Abu Bakr and Umar were also there among the audience. In the meanwhile the Messenger of Allah got up and left us, He delayed in coming back to us, which caused anxiety that he might be attacked by some enemy when we were not with him; so being alarmed we got up. I was the first to be alarmed. I, therefore, went out to look for the Messenger of Allah (may peace and blessings be upon him) and came to a garden belonging to the Banu an-Najjar, a section of the Ansar went round it looking for a gate but failed to find one. Seeing a rabi' (i. e. streamlet) flowing into the garden from a well outside, drew myself together, like a fox, and slinked into (the place) where God's Messenger was. He (the Holy Prophet) said: Is it Abu Huraira? I (Abu Huraira) replied: Yes, Messenger of Allah. He (the Holy Prophet) said: What is the matter with you? replied: You were amongst us but got up and went away and delayed for a time, so fearing that you might be attacked by some enemy when we were not with you, we became alarmed. I was the first to be alarmed. So when I came to this garden, I drew myself together as a fox does, and these people are following me. He addressed me as Abu Huraira and gave me his sandals and said: Take away these sandals of mine, and when you meet anyone outside this garden who testifies that there is no god but Allah, being assured of it in his heart, gladden him by announcing that he shall go to Paradise. Now the first one I met was Umar. He asked: What are these sandals, Abu Huraira? I replied: These are the sandals of the Messenger of Allah with which he has sent me to gladden anyone I meet who testifies that there is no god but Allah, being assured of it in his heart, with the announcement that he would go to Paradise. Thereupon 'Umar struck me on the breast and I fell on my back. He then said: Go back, Abu Huraira, So I returned to the Messenger of Allah (ﷺ), and was about to break into tears. 'Umar followed me closely and there he was behind me. The Messenger of Allah (may peace and blessings be on him) said: What is the matter with you, Abu Huraira? I said: I happened to meet 'Umar and conveyed to him the message with which you sent me. He struck me on my breast which made me fall down upon my back and ordered me to go back. Upon this the Messenger of Allah (ﷺ) said: What prompted you to do this, 'Umar? He said: Messenger of Allah, my mother and father be sacrificed to thee, did you send Abu Huraira with your sandals to gladden anyone he met and who testified that there is no god but Allah, and being assured of it in his heart, with the tidings that he would go to Paradise? He said: Yes. Umar said: Please do it not, for I am afraid that people will trust in it alone; let them go on doing (good) deeds. The Messenger of Allah (ﷺ) said: Well, let them.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [31] أَبُو كثير بِالْمُثَلثَةِ أَي يزِيد بن عبد الرَّحْمَن بن أذينة وَيُقَال غفيلة بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء قعُودا حول يُقَال قعدنا حوله وحواليه وحواله بِفَتْح اللَّام فِي جَمِيعهَا أَي على جوانبه مَعنا بِفَتْح الْعين أفْصح من سكونها أَن يقتطع دُوننَا أَي يصاب بمكروه وفزعنا قَالَ عِيَاض الْفَزع يكون بِمَعْنى الروع وَبِمَعْنى الهيوب للشَّيْء والاهتمام بِهِ وَبِمَعْنى الإغاثة قَالَ وَالثَّلَاثَة صَحِيحَة هُنَا أَي ذعرنا لاحتباسه عَنَّا بِدَلِيل وخشينا أَن يقتطع دُوننَا وَيدل للآخرين قَوْله فَكنت أول من فزع حَائِط أَي بُسْتَان سمي بِهِ لِأَنَّهُ حَائِط لَا سقف لَهُ ربيع بِفَتْح الرَّاء على اللَّفْظ المشتهر من بِئْر خَارِجَة ضبط بِالتَّنْوِينِ فِي كل مِنْهُمَا وَآخر الثَّانِي تَاء على أَنه صفة ل بِئْر وبتنوين بِئْر وَآخر خَارجه هَاء مَضْمُومَة ضمير الْحَائِط أَي الْبِئْر فِي مَوضِع خَارج عَن الْحَائِط وبإضافة بِئْر إِلَى خَارجه آخِره هَاء التَّأْنِيث اسْم رجل وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور والبئر مُؤَنّثَة مَهْمُوزَة وَيجوز تسهيلها مُشْتَقَّة من بأرت أَي حفرت وَالربيع الْجَدْوَل هَذَا مدرج فِي الحَدِيث من التَّفْسِير الْجَدْوَل بِفَتْح الْجِيم النَّهر الصَّغِير فاحتفزت رُوِيَ بالراء وبالزاي وَالثَّانِي أصعب وَمَعْنَاهُ تضاممت ليسعني الْمدْخل وَيدل عَلَيْهِ تشبيهه بِفعل الثَّعْلَب وَهُوَ تضامه فِي المضايق أَبُو هُرَيْرَة أَي أَنْت أَبُو هُرَيْرَة كنت بَين أظهرنَا فِي بعض الْأُصُول ظهرينا وَأَعْطَانِي نَعْلَيْه ليَكُون عَلامَة ظَاهِرَة مَعْلُومَة عِنْدهم يعْرفُونَ بهَا أَنه لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيكون أوقع فِي نُفُوسهم لما يُخْبِرهُمْ بِهِ عَنهُ مُسْتَيْقنًا بهَا قلبه ذكر الْقلب للتَّأْكِيد وَنفي توهم الْمجَاز وَإِلَّا فالاستيقان لَا يكون إِلَّا بِهِ فَقلت هَاتين نعلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النَّوَوِيّ كَذَا فِي جَمِيع الْأُصُول بِنصب هَاتين وَرفع نعلا وَهُوَ صَحِيح وَمَعْنَاهُ فَقلت يَعْنِي هَاتين هما نعلا فنصب هَاتين بإضمار يَعْنِي وَحذف هما الْمُبْتَدَأ للْعلم بِهِ بَعَثَنِي بهما بالتثنية وَفِي كثير من الْأُصُول بهاء بِلَا مِيم وَهُوَ عَائِد إِلَى الْعَلامَة قَالَه النَّوَوِيّ ثديي تَثْنِيَة ثدي بِفَتْح الثَّاء مُذَكّر وَقد يؤنث وَاخْتلف فِي اخْتِصَاصه بِالْمَرْأَةِ وَعَلِيهِ يكون إِطْلَاقه فِي الرجل مجَازًا واستعاره فَخَرَرْت بِفَتْح الرَّاء الأولى لاستي هُوَ من أَسمَاء الدبر فأجهشت بِالْجِيم والشين الْمُعْجَمَة والهمزة وَالْهَاء مفتوحتان وَرُوِيَ فجهشت بِحَذْف الْألف يُقَال جهشت جهشا وأجهشت إجهاشا قَالَ عِيَاض وَهُوَ أَن يفزع الْإِنْسَان إِلَى غَيره وَهُوَ متغير الْوَجْه متهيء للبكاء وَلما يبك بعد.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ هُوَ الْفَزع والإستغاثة.

     وَقَالَ  أَبُو زيد جهشت للبكاء والحزن والشوق بكاء نصب على المفعولية وَرُوِيَ للبكاء وَهُوَ يمد وَيقصر وركبني عمر أَي تَبِعنِي وَمَشى خَلْفي فِي الْحَال بِلَا مهلة إثري بِكَسْر الْهمزَة وَإِسْكَان الْمُثَلَّثَة وبفتحهما بِأبي أَنْت وَأمي أَي أفديك أَو أَنْت مفدى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معنا أبو بكر وعمر، في نفر.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا.
فأبطأ علينا.
وخشينا أن يقتطع دوننا.
وفزعنا فقمنا.
فكنت أول من فزع.
فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار.
فدرت به هل أجد له بابا.
فلم أجد.
فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة ( والربيع الجدول) فاحتفزت كما يحتفز الثعلب.
فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال أبو هريرة قلت: نعم.
يا رسول الله.
قال ما شأنك؟ قلت: كنت بين أظهرنا.
فقمت فأبطأت علينا.
فخشينا أن تقتطع دوننا.
ففزعنا.
فكنت أول من فزع.
فأتيت هذا الحائط.

فاحتفزت كما يحتفز الثعلب.
وهؤلاء الناس ورائي.
فقال يا أبا هريرة! ( وأعطاني نعليه) قال اذهب بنعلي هاتين.
فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله.
مستيقنا بها قلبه.
فبشره بالجنة فكان أول من لقيت عمر.
فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعثني بهما.
من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، بشرته بالجنة.
فضرب عمر بيده بين ثديي.
فخررت لاستي.
فقال: ارجع يا أبا هريرة.
فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بكاء.
وركبني عمر.
فإذا هو على أثري.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك يا أبا هريرة؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به.
فضرب بين ثديي ضربة.
خررت لاستي.
قال ارجع.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي.
أبعثت أبا هريرة بنعليك، من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، بشره بالجنة؟ قال نعم قال: فلا تفعل.
فإني أخشى أن يتكل الناس عليها.
فخلهم يعملون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلهم.


المعنى العام

مثل رائع من أمثلة حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصهم عليه، ومثل أكثر روعة من أمثلة وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ومكافأته لهم على حسن صنيعهم.

ذلك ما يحدثنا به أبو هريرة الصحابي الجليل [الذي لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر أوقاته منذ أسلم رضي الله عنه حتى انتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى] يقول:

كنا قعودا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا جمعا كثيرا من الصحابة على رأسنا أبو بكر وعمر، وكنا نحيط برسول الله صلى الله عليه وسلم - حبا فيه وحرصا على ما ينطق به من تعاليم الإسلام وآدابه- إحاطة الهالة بالقمر، فقام صلى الله عليه وسلم من بيننا، وبقينا على وضعنا في انتظاره، ظانين أنه خرج لقضاء حاجة سريعة وسيعود، فقد كان شأنه صلى الله عليه وسلم إذا قام منصرفا أشعرنا بانصرافه فيصحبه بعضنا إلى حيث يريد - إن أذن - وينصرف البعض الآخر إلى عمله.

وقوى هذا الظن أنه صلى الله عليه وسلم لم يتجه إلى البيوت، ولكن نحو البساتين القريبة من مجلسنا.

وطال انتظارنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح الزمن يمضي بطيئا ثقيلا، ونظر بعضنا إلى بعض نظرات القلق والاضطراب لتأخره صلى الله عليه وسلم على غير عادته، وساورتنا الهواجس والأوهام، اليهود بالمدينة وحولها يتربصون به صلى الله عليه وسلم، والمنافقون يحقدون عليه ويدبرون له المكايد، والكفار يمكرون به ليقتلوه، وقد خرج صلى الله عليه وسلم وحده، وإلى مكان موحش، فماذا نحن فاعلون؟ واستبد بنا الخوف عليه صلى الله عليه وسلم، ونفد منا الصبر واستولى علينا الفزع، يقول أبو هريرة: وكنت أكثرهم فزعا وأولهم تحركا، وهب الجميع للبحث عنه صلى الله عليه وسلم بين المزارع والحدائق التي اتجه نحوها، وكان يقام على كل منها حائط مرتفع لا يسهل ارتقاؤه، ليمنع السائبة من الفساد في الحرث.

ودار أبو هريرة حول بستان لبني النجار، غلب على ظنه أنه الذي اتجه إليه صلى الله عليه وسلم، لكنه لعجلته واضطرابه لم يعثر على بابه، أو لم يعثر على باب مفتوح ورأى ثقبا في أسفل الحائط تخترقه قناة تنقل الماء إلى البستان من بئر خارجه.

فانكمش أبو هريرة، وضم أعضاءه، كما ينكمش وينضم الثعلب عند ولوجه جحرا ضيقا، ودخل البستان من ثقب الحائط، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم داخله، فلما أحس به صلى الله عليه وسلم قال: من؟ أبو هريرة؟ فقال: نعم أنا أبو هريرة يا رسول الله.
قال له: ما شأنك؟ وما الذي جاء بك من هذه الجهة وبهذه الحالة؟ قال: كنت بيننا يا رسول الله فقمت فجأة، فانتظرناك، فأبطأت علينا، فخشينا عليك من أعداء الإسلام، ففزع الجميع، وكنت أول من فزع، فأتيت هذا البستان، فلم أعثر على بابه، فتحايلت على الدخول من ثقب الجدول الضيق كما يتحايل الثعلب، والناس ورائي حول هذا البستان يبحثون عنك.

وأحس صلى الله عليه وسلم أن الإيمان قد ملأ قلوب هذه الجماعة من أصحابه، وأنه صلى الله عليه وسلم قد أصبح أحب إليهم من أنفسهم التي بين جنوبهم، وليس لمثل هؤلاء جزاء إلا الجنة.
ومكافأتهم العاجلة على هذا الصنيع الحميد أن يبشروا بها، لتطمئن قلوبهم التي فزعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { { جزاء وفاقا } } [النبأ: 26] .

فقال: يا أبا هريرة اذهب إلى القوم فهدئ من روعهم، وأعد الطمأنينة إلى نفوسهم، وخذ نعلي هاتين علامة على لقياك لي، وبشر كل من لقيته وراء هذا الحائط يبحث عني، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله شهادة خالصة نابعة من تمكن الإيمان في قلبه.
بشره أنه من أهل الجنة.

وخرج أبو هريرة -فرحا مسرورا- ليؤدي الرسالة، فكان أول رجل يلقاه عمر بن الخطاب، وأبو هريرة يتهيبه، كما يتهيبه كثير من الصحابة لشدته، فلم يشأ أن يلقي إليه الخبر إلقاء، بل رغب في أن يكون مفتتح الكلام عمر، فأبرز نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقال: لقد لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا البستان وهاتان نعلاه، وهو على خير ما نحب له، بعثني بهما لأبشر بالجنة كل من لقيت وراء هذا البستان ممن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، شهادة خالصة نابعة من صميم قلبه.

وخاف عمر من عاقبة هذه البشرى على صالح صفوة المسلمين، ومنزلتهم عند الله، وأراد أن يمنع أبا هريرة من التبشير حتى يراجع بشأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يشتد في المنع خشية أن يستهتر أبو هريرة بطلبه أمام أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفعه في صدره وهو يقول له: لا تفعل يا أبا هريرة، وارجع أمامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولم يتحمل أبو هريرة دفعة عمر الشديدة - بدون قصد- فسقط على الأرض، ووقع على عجزه، ثم قام تخنقه العبرات، وسار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر يمشي من ورائه.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أبا هريرة؟ فشكا له ما لقي من عمر.

فنظر صلى الله عليه وسلم إلى عمر، وقال له: ما حملك على ما فعلت يا عمر؟

قال: يا رسول الله.
أفديك بأبي وأمي.
هل بعثت أبا هريرة بنعليك يبشر بالجنة من لقي وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مطمئنا بها قلبه؟ قال: نعم، قال عمر: لا تفعل هذا يا رسول الله، فإني أخشى أن يتكل الناس على هذه البشرى فلا يتسابقون إلى الخيرات، خلهم يعملون يا رسول الله.

وأمام وجهة نظر عمر، وخشيته من التقاعس عن عمل الخير، وعن التنافس في الطاعات رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تأجيل هذه البشرى فقال: فخلهم يعملون، صلى الله عليه وسلم ورضي عن عمر وأبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.

المباحث العربية

( كنا قعودا) خبر كان مصدر مؤول بمشتق، أي قاعدين.

( حول النبي صلى الله عليه وسلم) قال أهل اللغة: يقال قعدنا حوله وحوليه، وحواليه، وحواله، بفتح الحاء واللام في جميعها، أي على جوانبه.

( ومعنا أبو بكر وعمر) معنا بفتح العين على اللغة المشهورة، ويجوز تسكينها في لغة، وهي للمصاحبة، قال صاحب المحكم مع اسم معناه الصحبة مفتوحة العين أو ساكنتها غير أن المفتوحة تكون اسما وحرفا، والساكنة لا تكون إلا حرفا، والجملة هنا مكونة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر في محل النصب على الحال.

( في نفر) متعلق بمحذوف حال، والنفر في الأصل القوم ينفرون معك إذا حزبك أمر ثم أطلق على كل جماعة دون العشرة من الرجال وجمعه أنفار.

( من بين أظهرنا) وقال أبو هريرة بعد ذلك كنت بين أظهرنا فكلمة أظهرنا هكذا في الموضعين.

وقال القاضي عياض: وقع الثاني في بعض الأصول ظهرينا وكلاهما صحيح، فأهل اللغة يقولون: نحن بين أظهركم بالجمع، وبين ظهريكم وظهرانيكم بفتح النون على التثنية، ومعناه أن ظهرا منهم قدامه، وظهرا وراءه، فهو مكنوف من جانبيه، وهو مكنوف من جوانبه في حالة جمع أظهرنا ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا.

( وخشينا أن يقتطع دوننا) يقتطع بالبناء للمجهول، أي يختطف أو يصاب بمكروه من أعداء الإسلام.

( وفزعنا) الفزع يكون بمعنى الروع، وبمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به، وبمعنى الإغاثة، وهذه المعاني كلها تصح هنا، لكن قول أبي هريرة: وقمنا فكنت أول من فزع يرشح المعنيين الأخيرين، لترتيب أولية فزعه على القيام بالفاء.

( أبتغي) أي أبحث عنه صلى الله عليه وسلم، والجملة حال.

( حتى أتيت حائطا) أي بستانا، وسمي بذلك لأنه كان يحاط غالبا بحائط لا سقف له.

( فإذا ربيع) بفتح الراء وكسر الباء وهو قناة ماء، وفسره بعد بالجدول، قال النووي: وهو النهر الصغير.

( من بئر خارجة) قال بعضهم: روي على ثلاثة أوجه:

أحدها: بالتنوين في بئر وفي خارجة على أن خارجة صفة لبئر.

الثاني: من بئر خارجه، بتنوين بئر، وبهاء في آخر خارجه وهي ضمير الحائط، أي البئر في موضع خارج عن الحائط، وخارج منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف صفة لبئر.

الثالث: من بئر خارجة بإضافة بئر إلى خارجة وهو اسم رجل، والوجه الأول هو المشهور الظاهر.

والبئر مؤنثة مهموزة، ويجوز تخفيف همزتها، وجمع القلة أبؤر وأبآر.
بهمزة بعد الباء فيهما، ومن العرب من يقلب الهمزة في أبآر وينقل فيقول آبار، وجمع الكثرة بئار.

( فاحتفزت) اختار صاحب التحرير أنها بالراء، والصحيح بالزاي، ومعناه تضاممت ليسعني المدخل.

( فقال: أبو هريرة؟) خبر مبتدأ محذوف تقديره: أأنت أبو هريرة؟ والاستفهام للتقرير أو للتعجب، لاستغرابه من أين دخل مع سد الأبواب.

( وهؤلاء الناس) يعني النفر الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقاموا في طلبه.

( مستيقنا بها قلبه) ذكر القلب هنا للتأكيد، ونفي توهم المجاز، وإلا فالاستيقان لا يكون إلا بالقلب.

( فقلت: هاتين نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا هو في جميع الأصول فقلت هاتين نعلا بنصب هاتين ورفع نعلا وتوجيهه أن هاتين منصوب بفعل محذوف ونعلا خبر مبتدأ محذوف والتقدير: تعني هاتين؟ - هما نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهذا التوجيه مع ما فيه من التكلف أولى من تخطئة الرواية.

( فضرب بيده بين ثديي) مفعول ضرب محذوف، وبين ظرف مكان، أو الباء زائدة، ويده مفعول، أي دفع عمر يده بين ثديي وثديي تثنية ثدي لفظ مذكر، وقد يؤنث في لغة قليلة، وقد اختلفوا في اختصاصه بالمرأة، فقيل: يكون للرجل والمرأة، وقيل: هو للمرأة خاصة وعلى القول الأخير يكون إطلاقه على الرجل في هذا الحديث وفي أحاديث أخرى من قبيل المجاز.

( فخررت لاستي) است بألف وصل، وهو اسم من أسماء الدبر، وقد يطلق على العجز كما يطلق على حلقة الدبر، ومقصوده أنه سقط على الأرض جالسا على إليته وعجيزته.

( فأجهشت بكاء) وفي رواية فجهشت يقال: جهش جهشا، وأجهش إجهاشا، وهو أن يفزع الإنسان إلى غيره، وهو متغير الوجه متهيئ للبكاء ولما يبك بعد، ولفظ بكاء مفعول لأجله، وفي رواية للبكاء وهو بهمزة المد، وقد يقصر.

( وركبني عمر) أي تبعني ومشى خلفي.

( فإذا هو على أثري) فيه لغتان فصيحتان مشهورتان: كسر الهمزة وسكون الثاء، وفتح الهمزة والثاء، أي تبع خطواتي وآثار مشيي دون فاصل بيننا أو تراخ.

( بأبي أنت وأمي) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، والتقدير أنت مفدى بأبي وأمي، وليست العبارة على حقيقتها، فإنها تقال ممن مات أبوه وأمه، وإنما المقصود منها المبالغة في الحنان والبر الذي يفوق ما بين الولد وأبويه، حتى كأنه يضحي بهما من أجله.

( أبعثت أبا هريرة؟) الاستفهام حقيقي، للتأكد من كلام أبي هريرة وليبني على الجواب ما يريد.

( فلا تفعل) الفاء فصيحة في جواب شرط مقدر، أي إذا كان قد حصل هذا القول فلا تتبعه بالفعل.

( فخلهم يعملون) جملة يعملون في محل النصب على الحال.

فقه الحديث

قال بعض الفضلاء: إن خشية الصحابة على الرسول صلى الله عليه وسلم لا تتفق مع قوله تعالى: { { والله يعصمك من الناس } } [المائدة: 67] وأجاب باحتمال أن الخشية والفزع كانا قبل نزول الآية، وعلى فرض أنهما كانا بعد نزولها فذلك لفرط كلفهم به، كما يقال: المحب مولع بسوء الظن.

والمحقق في هذه المسألة يرى أن عصمة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من الناس لا تتنافى مع الحيطة والمحافظة عليه وحمايته المنبعثة عن الخشية والفزع، فالعاقبة المعلومة لا تمنع من الأخذ بالأسباب، بل قد تكون النتيجة متوقفة على المقدمات حسب العادة، والظاهر الذي أمرنا بالعمل به، وعلى هذا كان الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية، فالعشرة المبشرون بالجنة لم يتوقفوا عن الأخذ بأسباب دخولها، بل بالغوا في المحافظة عليها وتحصيلها.

على أن المفسرين ذهبوا إلى أن المقصود بالعصمة من الناس الوعد بحمايته صلى الله عليه وسلم من القتل، وهذا لا يمنع من لحوق إيذاء الناس له صلى الله عليه وسلم، فما أصابه صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، وما أصابه صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة هو إيذاء من الناس لا يدخل في العصمة الموعود بها.

وعليه فإيمان الصحابة بعصمته صلى الله عليه وسلم من القتل لا يتنافى مع خوفهم عليه وفزعهم من أن يناله أذى أو مكروه.

أما سبب انصرافه صلى الله عليه وسلم من بين أظهر الصحابة إلى هذا البستان فلم أر نصا فيه، ولعله كان لتبليغ الجن وقراءته عليهم بعض ما نزل فقد تعدد اجتماعه بهم صلى الله عليه وسلم.
أما دخول أبي هريرة بستان الأنصار بهذه الطريقة، فقد أثار بحثا فقهيا، وهو: هل يجوز دخول ملك الغير بدون إذنه؟.

فقال بعضهم: نعم يجوز دخول الإنسان ملك غيره بغير إذنه إذا علم أنه يرضى ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر أبا هريرة على ذلك ولم ينقل أنه أنكر عليه، بل زاد أصحاب هذا الرأي فقالوا: وإن ذلك لا يختص بدخول الأرض، بل يجوز له الانتفاع بأدواته، وأكل طعامه والحمل من طعامه إلى بيته: وركوب دابته، ونحو ذلك من التصرف الذي يعلم أنه لا يشق على صاحبه.

قال النووي: هذا هو المذهب الصحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف من العلماء.

ثم قال: واتفقوا على أنه إذا تشكك لا يجوز التصرف مطلقا فيما تشكك في رضاه به.

وذهب البعض إلى أنه لا يصح الاعتماد على الرضا، لأن الرضا أمر قلبي، وقد يظهر المالك الرضا بسيف الحياء، وفي نفسه حرج وضيق خصوصا في هذه الأيام التي غلب فيها شح النفس، واشتد فيها الحرص والأثرة.

وعلى هذا الرأي يمكن الاعتذار عن أبي هريرة بأنه دخل في حالة دهشة بدافع ديني كبير، وهذه ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.

وهذا الاعتذار يمكن اعتماده في دخول أبي هريرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون إذنه وقد جعل الإذن من أجل البصر.
حتى لو قيل: إنه لم يكن يعلم وجوده داخله، فإنه كان من الممكن أن ينادي: يا أهل البستان ويا من بداخله، أتأذن لي بالدخول فأدخل؟

ولعل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم بدهشة واستغراب عندما رآه: أبو هريرة؟ .. ما شأنك؟ وفي اعتذار أبي هريرة بالفزع.
لعل في ذلك إشارة من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أنه ما كان ينبغي هذا الفعل واعتذارا من أبي هريرة عنه بالفزع.

أما إعطاؤه النعلين فلتكون علامة ظاهرة معلومة عندهم، يعرفون بها أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم ويكون أوقع في نفوسهم، وآكد لهذه البشرى المستبعدة في اعتقادهم، وليس في هذا طعن في قبول خبر أبي هريرة بدون هذه العلامة، فإنه عدل وثقة مقبول الخبر.

ولما كان التبشير بالجنة خاصا بمن شهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه.

ولما كان أبو هريرة لا يعلم استيقان القلوب، كان المقصود من تبشيره من لقي إخباره أن من كانت هذه صفته فهو من أهل الجنة.

وأما دفع عمر لأبي هريرة -رضي الله عنهما -فإنه لم يقصد به سقوطه أو إيذاءه بل قصد رده عما هو عليه، وضرب بيده في صدره ليكون أبلغ في زجره، وليس فعل عمر ومراجعته النبي صلى الله عليه وسلم اعتراضا عليه، أو ردا لأمره، وإنما رأى المصلحة في عدم التبشير خوف الاتكال فتكثر أجورهم، ولذا صوبه النبي صلى الله عليه وسلم.

على أن الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم ليس أمرا حقيقة، بل كان تطييبا لنفوس الصحابة.

وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم منع معاذا ( في الحديث السابق) من التبشير العام، وأذن لأبي هريرة بالتبشير لأفراد يأمن عليهم الاتكال، فلما خاف عمر من عدم انحصار الموضوع، وانتشار خطره وافقه الرسول صلى الله عليه وسلم على وجهة نظره، ومنع التبشير الخاص كذلك.

ومع أن منع التبشير ليس صريحا هنا فقد جعله العلماء من قبيل تغير الاجتهاد، قال النووي: وقد كان الاجتهاد جائزا له، وواقعا منه صلى الله عليه وسلم عند المحققين وله مزية على سائر المجتهدين بأنه لا يقر على الخطأ في اجتهاده.

قال: ومن نفى ذلك، وقال لا يجوز له القول في الأمور الدينية إلا عن وحي.
فليس يمتنع أن يكون قد نزل عليه صلى الله عليه وسلم وحي ناسخ للوحي السابق.

والقول بجواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم في أحكام الدين قول أكثر العلماء مستندين إلى أنه إذا جاز الاجتهاد لغيره فله صلى الله عليه وسلم أولى.

وقال جماعة: لا يجوز لأنه قادر على اليقين، وقال بعضهم: كان يجوز في الحروب دون غيرها، وتوقف آخرون في كل ذلك.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم.

1 - جلوس العالم لأصحابه يعلمهم ويفيدهم.

2 - حسن الإخبار إذا أريد الإخبار عن جماعة كثيرة يصعب ذكرهم بأسمائهم، فإنه يذكر أشرافهم أو بعض أشرافهم على أنهم بعض الجماعة.

3 - ما كانت عليه الصحابة -رضي الله عنهم- من القيام بحقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامه والشفقة عليه، والانزعاج البالغ لغيبته المجهولة.

4 - اهتمام الأتباع بحقوق متبوعهم والاعتناء بتحصيل مصالحه ودفع المفاسد عنه.

5 - إرسال الإمام والمتبوع إلى أتباعه بعلامة يعرفونها ليزدادوا بها طمأنينة.

6 - فيه دلالة لأهل الحق في أنه لا ينفع اعتقاد التوحيد دون النطق ولا النطق دون الاعتقاد، وأن الإيمان المنجي من الخلود في النار لا بد فيه من الجمع بين الاعتقاد والنطق.

7 - جواز التعبير بالألفاظ المستهجنة كلفظ الاست والأحسن فيما يقبح سماعه استعمال الكناية عنه أو المجاز، إلا أن يكون في التصريح مصلحة راجحة، وبالكناية والأدب الرفيع جاء القرآن كقوله تعالى: { { فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } } [البقرة: 222] .

8 - جواز قول الرجل للآخر: بأبي أنت وأمي، وقد كرهه بعض السلف، وقال: لا يفدى بمسلم، لكن الأحاديث الصحيحة، تدل على جوازه، وخصوصا أن الافتداء غير مقصود حقيقة، وإنما المقصود التعبير عن الحب والبر والحنان.

9 - إشارة أهل الفضل والوزراء على الإمام وإن لم يستشرهم، فإن الإمام أو الكبير إذا رأى شيئا، ورأى بعض أتباعه خلافه، فإنه ينبغي للتابع أن يعرضه على المتبوع لينظر فيه.

10 - وقف بعض الأتباع أمر المتبوع مؤقتا حتى يعرضوا عليه ما رأوا.

11 - رجوع الإمام عما رآه إذا ظهرت المصلحة في غيره.

12 - إمساك بعض العلوم التي لا حاجة إليها للمصلحة أو خوف المفسدة.

13 - استدل به بعضهم على وقوع النسخ قبل الفعل، ورد بأن الأمر هنا قد بلغ ولو لواحد.

14 - فيه منقبة ظاهرة لعمر بن الخطاب، وفضيلة لأبي هريرة رضي الله عنهما.

والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ سـ :75 ... بـ :31]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ لِبَنِي النَّجَّارِ فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا فَلَمْ أَجِدْ فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا شَأْنُكَ.

قُلْتُ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا فَفَزِعْنَا فَكُنْتُ أَوَّلَ مِنْ فَزِعَ فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ قَالَ اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ فَقَالَ مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي بِهِمَا مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَخَرَرْتُ لِاسْتِي فَقَالَ ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً وَرَكِبَنِي عُمَرُ فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ .

قُلْتُ لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لِاسْتِي قَالَ ارْجِعْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ يَا عُمَرُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلِّهِمْ
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ ) هُوَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاسْمُهُ يَزِيدُ بِالزَّايِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ .
وَيُقَالُ : ابْنُ غُفَيْلَةَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْفَاءِ .
وَيُقَالُ : ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ .
قَالَ أَبُو عَوَانَةَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ فِي مُسْنَدِهِ : غُفَيْلَةُ أَصَحُّ مِنْ أُذَيْنَةَ .

قَوْلُهُ : ( كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي نَفَرٍ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قَعَدْنَا حَوْلَهُ وَحَوْلَيْهِ وَحَوَالَيْهِ وَحَوَالَهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ فِي جَمِيعِهِمَا أَيْ عَلَى جَوَانِبِهِ .
قَالُوا : وَلَا يُقَالُ : حَوَالِيهِ بِكَسْرِ اللَّامِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ ( وَمَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ) فَهُوَ مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ وَحُسْنِ الْإِخْبَارِ فَإِنَّهُمْ إِذَا أَرَادُوا الْإِخْبَارَ عَنْ جَمَاعَةٍ فَاسْتَكْثَرُوا أَنْ يَذْكُرُوا جَمِيعَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ، ذَكَرُوا أَشْرَافَهُمْ أَوْ بَعْضَ أَشْرَافِهِمْ ، ثُمَّ قَالُوا : وَغَيْرُهُمْ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ ( مَعَنَا ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ .
وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا فِي لُغَةٍ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهِيَ لِلْمُصَاحَبَةِ .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ : ( مَعَ ) اسْمٌ مَعْنَاهُ الصُّحْبَةُ وَكَذَلِكَ ( مَعْ ) بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ .
غَيْرَ أَنَّ الْمُحَرَّكَةَ تَكُونُ اسْمًا وَحَرْفًا ، وَالسَّاكِنَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا حَرْفًا .
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ : قَالَ الْكِسَائِيُّ : رَبِيعَةُ وَغَنْمٌ يُسَكِّنُونَ فَيَقُولُونَ مَعْكُمْ وَمَعْنَا فَإِذَا جَاءَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوْ أَلِفُ الْوَصْلِ اخْتَلَفُوا فَبَعْضُهُمْ يَفْتَحُ الْعَيْنِ وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُهَا فَيَقُولُونَ مَعَ الْقَوْمِ وَمَعَ ابْنِكِ ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مَعِ الْقَوْمِ وَمَعِ ابْنِكَ .
أَمَّا مَنْ فَتَحَ فَبَنَاهُ عَلَى قَوْلِكَ كُنَّا مَعًا وَنَحْنُ مَعًا .
فَلَمَّا جَعَلَهَا حَرْفًا وَأَخْرَجَهَا عَنْ الِاسْمِ حَذَفَ الْأَلِفَ وَتَرَكَ الْعَيْنَ عَلَى فَتْحَتِهَا .
وَهَذِهِ لُغَةُ عَامَّةِ الْعَرَبِ ..
وَأَمَّا مَنْ سَكَّنَ ثُمَّ كَسَرَ عِنْدَ أَلِفِ الْوَصْلِ فَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْأَدَوَاتِ مِثْلَ ( هَلْ ) وَ ( بَلْ ) فَقَالَ : مَعِ الْقَوْمِ ، كَقَوْلِكَ هَلِ الْقَوْمُ ؟ وَبَلِ الْقَوْمُ .
وَهَذِهِ الْأَحْرُفُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي ( مَعَ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَوْضِعَهَا فَلَا ضَرَرَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا لِكَثْرَةِ تَرْدَادِهَا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ) .

     وَقَالَ  بَعْدَهُ : ( كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ) ، هَكَذَا هُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَظْهُرِنَا ..
     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَوَقَعَ الثَّانِي فِي بَعْضِ الْأُصُولِ ظَهْرَيْنَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ .
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ : نَحْنُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَظَهْرَيْكُمْ وَظَهْرَانَيْكُمْ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ بَيْنَكُمْ .

قَوْلُهُ : ( وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعُ دُونَنَا ) أَيْ يُصَابَ بِمَكْرُوهٍ مِنْ عَدُوٍّ إِمَّا بِأَسْرٍ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَفَزِعْنَا وَقُمْنَا فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَزَعُ يَكُونُ بِمَعْنَى الرَّوْعُ ، وَبِمَعْنَى الْهُبُوبِ لِلشَّيْءِ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ ، وَبِمَعْنَى الْإِغَاثَةِ .
قَالَ : فَتَصِحُّ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ أَيْ ذُعِرْنَا لِاحْتِبَاسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنَّا .
أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ قَالَ : وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا ؟ وَيَدُلُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ قَوْلُهُ : فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ .

قَوْلُهُ : ( حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ ) أَيْ بُسْتَانًا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَائِطٌ لَا سَقْفَ لَهُ .

قَوْلُهُ : ( فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ ) أَمَّا ( الرَّبِيعُ ) فَبِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى لَفْظِ الرَّبِيعِ الْفَصْلِ الْمَعْرُوفِ .
وَ ( الْجَدْوَلُ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ النَّهَرُ الصَّغِيرُ .
وَجَمْعُ الرَّبِيعِ أَرْبِعَاءُ كَنَبِيٍّ وَأَنْبِيَاءٍ .
وَقَوْلُهُ : ( بِئْرٍ خَارِجَةٍ ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالتَّنْوِينِ فِي بِئْرٍ وَفِي خَارِجَةٍ عَلَى أَنَّ خَارِجَةٍ صِفَةٌ لِبِئْرٍ .
وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ الْعَبْدَرِيِّ ، وَالْأَصْلُ الْمَأْخُوذُ عَنِ الْجُلُودِيِّ .
وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ رُوِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا هَذَا .
وَالثَّانِي مِنْ بِئْرٍ خَارِجَهُ بِتَنْوِينِ بِئْرٍ وَبِهَاءٍ فِي آخِرِ خَارِجَهُ مَضْمُومَةٌ وَهِيَ هَاءُ ضَمِيرِ الْحَائِطِ أَيِ الْبِئْرِ فِي مَوْضِعٍ خَارِجٍ عَنِ الْحَائِطِ .
وَالثَّالِثُ مِنْ بِئْرِ خَارِجَةَ بِإِضَافَةِ بِئْرٍ إِلَى خَارِجَةَ آخِرَهُ تَاءُ التَّأْنِيثِ وَهُوَ اسْمُ رَجُلٍ .
وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ الظَّاهِرُ .
وَخَالَفَ هَذَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَقَالَ : الصَّحِيحُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ .
قَالَ : وَالْأَوَّلُ تَصْحِيفٌ .
قَالَ : وَالْبِئْرُ يَعْنُونَ بِهَا الْبُسْتَانَ .
قَالَ : وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُونَ هَذَا فَيُسَمُّونَ الْبَسَاتِينَ بِالْآبَارِ الَّتِي فِيهَا يَقُولُونَ : بِئْرُ أَرِيسٍ ، وَبِئْرُ بُضَاعَةَ ، وَبِئْرُ حَاءٍ وَكُلُّهَا بَسَاتِينُ .
هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَأَكْثَرُهُ أَوْ كُلُّهُ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَالْبِئْرُ مُؤَنَّثَةٌ مَهْمُوزَةٌ يَجُوزُ تَخْفِيفُ هَمْزَتِهَا وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَأَرْتُ أَيْ حَفَرْتُ وَجَمْعُهَا فِي الْقِلَّةِ أَبْؤُرٌ وَأَبْآرٌ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ فِيهِمَا .
وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ الْهَمْزَةَ فِي أَبْآرٍ وَيَنْقُلُ فَيَقُولُ آبَارٌ .
وَجَمْعُهَا فِي الْكَثْرَةِ بِئَارٌ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ ) هَذَا قَدْ رُوِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ رُوِيَ بِالزَّايِ ، وَرُوِيَ بِالرَّاءِ .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : رَوَاهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا بِالرَّاءِ عَنِ الْعَبْدَرِيِّ وَغَيْرِهِ .
قَالَ : وَسَمِعْنَا عَنِ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ الشَّاشِيِّ عَنْ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ عَنِ الْجُلُودِيِّ بِالزَّايِ .
وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَمَعْنَاهُ تَضَامَمْتُ لِيَسَعَنِي الْمَدْخَلُ .
وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو : إِنَّهُ بِالزَّايِ فِي الْأَصْلِ الَّذِي بِخَطِّ أَبِي عَامِرٍ الْعَبْدَرِيِّ ، وَفِي الْأَصْلِ الْمَأْخُوذِ عَنِ الْجُلُودِيِّ وَإِنَّهَا رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَإِنَّ رِوَايَةَ الزَّايِ أَقْرَبُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَشْبِيهُهُ بِفِعْلِ الثَّعْلَبِ وَهُوَ تَضَامُّهُ فِي الْمَضَايِقِ ..
وَأَمَّا صَاحِبُ ( التَّحْرِيرِ ) فَأَنْكَرَ الزَّايَ وَخَطَّأَ رُوَاتَهَا وَاخْتَارَ الرَّاءَ وَلَيْسَ اخْتِيَارُهُ بِمُخْتَارٍ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ : نَعَمْ ) مَعْنَاهُ أَنْتَ أَبُو هُرَيْرَةَ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ ،.

     وَقَالَ  : اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ )
فِي هَذَا الْكَلَامِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ فَإِنَّهُ أَعَادَ لَفْظَةَ قَالَ ، وَإِنَّمَا أَعَادَهَا لِطُولِ الْكَلَامِ وَحُصُولِ الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ وَهَذَا حَسَنٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بَلْ جَاءَ أَيْضًا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى .
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : فَلَمَّا جَاءَهُمْ تَكْرِيرٌ لِلْأَوَّلِ لِطُولِ الْكَلَامِ .
قَالَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ أَعَادَ أَنَّكُمْ لِطُولِ الْكَلَامِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا إِعْطَاؤُهُ النَّعْلَيْنِ فَلِتَكُونَ عَلَامَةً ظَاهِرَةً مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ يَعْرِفُونَ بِهَا أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونَ أَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ لِمَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَلَا يُنْكَرُ كَوْنُ مِثْلِ هَذَا يُفِيدُ تَأْكِيدًا وَإِنْ كَانَ خَبَرُهُ مَقْبُولًا مِنْ غَيْرِ هَذَا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ) مَعْنَاهُ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .
وَإِلَّا فَأَبُو هُرَيْرَةَ لَا يَعْلَمُ اسْتِيقَانَ قُلُوبِهِمْ .
وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ اعْتِقَادُ التَّوْحِيدِ دُونَ النُّطْقِ ، وَلَا النُّطْقَ دُونَ الِاعْتِقَادِ .
بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا .
وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ .
وَذِكْرُ الْقَلْبِ هُنَا لِلتَّأْكِيدِ وَنَفْيِ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ .
إِلَّا فَالِاسْتِيقَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْقَلْبِ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ : مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ فَقُلْتُ : هَاتَيْنِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَنِي بِهِمَا ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ .
( فَقُلْتُ : هَاتَيْنِ نَعْلَا ) بِنَصْبِ هَاتَيْنِ وَرَفْعِ نَعْلَا وَهُوَ صَحِيحٌ مَعْنَاهُ فَقُلْتُ يَعْنِي هَاتَيْنِ هُمَا نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
فَنَصَبَ هَاتَيْنِ بِإِضْمَارِ يَعْنِي وَحَذَفَ هُمَا الَّتِي هِيَ الْمُبْتَدَأُ لِلْعِلْمِ بِهِ ..
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( بَعَثَنِي بِهِمَا ) فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ ( بِهِمَا ) عَلَى التَّثْنِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ أَوْ أَكْثَرِهَا ( بِهَا ) مِنْ غَيْرِ مِيمٍ .
وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا .
وَيَكُونُ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْعَلَامَةِ ; فَإِنَّ النَّعْلَيْنِ كَانَتَا عَلَامَةً .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَضَرَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَخَرَرْتُ لِاسْتِي ، فَقَالَ ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ) أَمَّا قَوْلُهُ ( ثَدْيَيَّ ) فَتَثْنِيَةُ ثَدْيٍ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ .
وَاخْتَلَفُوا فِي اخْتِصَاصِهِ بِالْمَرْأَةِ .
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَكُونُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً فَيَكُونُ إِطْلَاقُهُ فِي الرَّجُلِ مَجَازًا وَاسْتِعَارَةً .
وَقَدْ كَثُرَ إِطْلَاقُهُ فِي الْأَحَادِيثِ لِلرَّجُلِ وَسَأَزِيدُهُ إِيضَاحًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ غِلَظِ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( لِاسْتِي ) فَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الدُّبُرِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي مِثْلِ هَذَا الْكِنَايَةُ عَنْ قَبِيحِ الْأَسْمَاءِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَالْأَلْفَاظِ الَّتِي تُحَصِّلُ الْغَرَضَ وَلَا يَكُونُ فِي صُورَتِهَا مَا يُسْتَحْيَا مِنَ التَّصْرِيحِ بِحَقِيقَةِ لَفْظِهِ .
وَبِهَذَا الْأَدَبِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَالسُّنَنُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَ صَرِيحَ الِاسْمِ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ وَهِيَ إِزَالَةُ اللَّبْسِ أَوِ الِاشْتِرَاكُ أَوْ نَفْيِ الْمَجَازِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنِكْتَهَا وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ وَكَقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : الْحَدَثُ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ ، وَاسْتِعْمَالُ أَبِي هُرَيْرَةَ هُنَا لَفْظُ الِاسْتِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا دَفْعُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ فَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ سُقُوطَهُ وَإِيذَاءَهُ بَلْ قَصَدَ رَدَّهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِهِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِ .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : وَلَيْسَ فِعْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُرَاجَعَتُهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتِرَاضًا عَلَيْهِ وَرَدًّا لِأَمْرِهِ إِذْ لَيْسَ فِيمَا بَعَثَ بِهِ أَبَا هُرَيْرَةَ غَيْرُ تَطْيِيبِ قُلُوبِ الْأُمَّةِ وَبُشْرَاهُمْ ، فَرَأَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ كَتْمَ هَذَا أَصْلَحُ لَهُمْ وَأَحْرَى أَنْ لَا يَتَّكِلُوا ، وَأَنَّهُ أَعْوَدُ عَلَيْهِمْ بِالْخَيْرِ مِنْ مُعَجَّلِ هَذِهِ الْبُشْرَى .
فَلَمَّا عَرَضَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَوَّبَهُ فِيهِ .
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْكَبِيرَ مُطْلَقًا إِذَا رَأَى شَيْئًا وَرَأَى بَعْضُ أَتْبَاعِهِ خِلَافَهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلتَّابِعِ أَنْ يَعْرِضَهُ عَلَى الْمَتْبُوعِ لِيَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَا قَالَهُ التَّابِعُ هُوَ الصَّوَابُ رَجَعَ إِلَيْهِ وَإِلَّا بَيَّنَ لِلتَّابِعِ جَوَابَ الشُّبْهَةِ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً وَرَكِبَنِي عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي ) أَمَّا قَوْلُهُ : ( أَجْهَشْتُ ) فَهُوَ بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، وَالْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ مَفْتُوحَتَانِ .
هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا .
وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : فَجَهَشْتُ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَهُمَا صَحِيحَانِ .
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ .
يُقَالُ : جَهْشًا وَجُهُوشًا وَأَجْهَشْتُ إِجْهَاشًا .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَهُوَ أَنْ يَفْزَعَ الْإِنْسَانُ إِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ مُتَغَيِّرُ الْوَجْهِ مُتَهَيِّئٌ لِلْبُكَاءِ ، وَلَمَّا يَبْكِ بَعْدُ .
قَالَ الطَّبَرِيُّ : هُوَ الْفَزَعُ وَالِاسْتِغَاثَةُ ..
     وَقَالَ  أَبُو زَيْدٍ : جَهَشْتُ لِلْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ وَالشَّوْقِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : بُكَاءً فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ .
وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ ( لِلْبُكَاءِ ) ، وَالْبُكَاءُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ لُغَتَانِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ ( وَرَكِبَنِي عُمَرُ ) فَمَعْنَاهُ تَبِعَنِي وَمَشَى خَلْفِي فِي الْحَالِ بِلَا مُهْلَةٍ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ ( عَلَى أَثَرِي ) فَفِيهِ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ) مَعْنَاهُ أَنْتَ مُفَدًّى أَوْ أَفْدِيكَ بِأَبِي وَأُمِّي .
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ مِنْهُ جُمَلٌ .
فَفِيهِ جُلُوسُ الْعَالِمِ لِأَصْحَابِهِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْتَفْتِينَ وَغَيْرِهِمْ يُعَلِّمهُمْ وَيُفِيدُهُمْ وَيُفْتِيهِمْ .
وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ فَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ بَعْضِهِمْ ذَكَرَ أَشْرَافَهُمْ أَوْ بَعْضَ أَشْرَافِهِمْ ثُمَّ قَالَ : وَغَيْرَهُمْ .
وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِكْرَامِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَالِانْزِعَاجِ الْبَالِغِ لِمَا يُطْرِقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .

وَفِيهِ اهْتِمَامُ الْأَتْبَاعِ بِحُقُوقِ مَتْبُوعِهِمْ وَالِاعْتِنَاءِ بِتَحْصِيلِ مَصَالِحِهِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُ .
وَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الْإِنْسَانِ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ إِذَا عَلِمَ بِرِضَا ذَلِكَ لِمَوَدَّةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ .
فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَخَلَ الْحَائِطَ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ .
وَهَذَا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِدُخُولِ الْأَرْضِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِأَدَوَاتِهِ وَأَكْلِ طَعَامِهِ وَالْحَمْلِ مِنْ طَعَامِهِ إِلَى بَيْتِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفِ الَّذِي يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ .
هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْعُلَمَاءِ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - ، وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا .
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ الطَّعَامَ وَأَشْبَاهَهُ إِلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَأَشْبَاهِهِمَا .
وَفِي ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ فِي حَقِّ مَنْ يَقْطَعُ بِطِيبِ قَلْبِ صَاحِبهِ بِذَلِكَ نَظَرٌ .
وَلَعَلَّ هَذَا يَكُونُ فِي الدَّرَاهِمِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي يُشَكُّ أَوْ قَدْ يُشَكُّ فِي رِضَاهُ بِهَا فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَشَكَّكَ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا فِيمَا تَشَكَّكَ فِي رِضَاهُ بِهِ .
ثُمَّ دَلِيلُ الْجَوَازِ فِي الْبَابِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَفِعْلُ وَقَوْلُ أَعْيَانِ الْأُمَّةِ .

فَالْكِتَابُ قَوْلُهُ تَعَالَى : لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ إِلَى قَوْلُهُ تَعَالَى : أَوْ صَدِيقِكُمْ وَالسُّنَّةُ هَذَا الْحَدِيثُ ، وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِنَحْوِهِ .
وَأَفْعَالُ السَّلَفِ وَأَقْوَالُهُمْ فِي هَذَا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى .
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

وَفِيهِ إِرْسَالُ الْإِمَامِ وَالْمَتْبُوعِ إِلَى أَتْبَاعِهِ بِعَلَامَةٍ يَعْرِفُونَهَا لِيَزْدَادُوا بِهَا طُمَأْنِينَةً .

وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُنْجِيَ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الِاعْتِقَادِ وَالنُّطْقِ .

وَفِيهِ جَوَازُ إِمْسَاكِ بَعْضِ الْعُلُومِ الَّتِي لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ خَوْفَ الْمَفْسَدَةِ .

وَفِيهِ إِشَارَةُ بَعْضِ الْأَتْبَاعِ عَلَى الْمَتْبُوعِ بِمَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً ، وَمُوَافَقَةُ الْمَتْبُوعِ لَهُ إِذَا رَآهُ مَصْلَحَةً ، وَرُجُوعُهُ عَمَّا أَمَرَ بِهِ بِسَبَبِهِ .

وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْآخَرِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ ..
     وَقَالَ  : لَا يُفْدَى بِمُسْلِمٍ .
وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُفَدَّى بِهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا .
وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .