هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
741 حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ ، وَسُورَةٍ سُورَةٍ ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
741 حدثنا المكي بن إبراهيم ، عن هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب ، وسورة سورة ، ويسمعنا الآية أحيانا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن الحارث بن ربعي السلمي ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ ، وَسُورَةٍ سُورَةٍ ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا .

Narrated `Abdullah bin Abi Qatada:

My father said, The Prophet (ﷺ) used to recite Al-Fatiha along with another Sura in the first two rak`at of the Zuhr and the `Asr prayers and at times a t verse or so was audible to us.

":"ہم سے مکی بن ابراہیم نے بیان کیا ، انھوں نے ہشام دستوائی سے ، انھوں نے یحییٰ بن ابی کثیر سے ، انھوں نے عبداللہ بن ابی قتادہ سے ، انھوں نے اپنے باپ حضرت ابوقتادہ رضی اللہ عنہ سے کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم ظہر اور عصر کی دو رکعات میں سورۃ الفاتحہ اور ایک ایک سورۃ پڑھتے تھے ۔ اور آپ صلی اللہ علیہ وسلم کبھی کبھی کوئی آیت ہمیں سنا بھی دیا کرتے ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [762] حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا داود، عن عمرو بن دينار، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قالَ: صليت مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة، فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برأسي من ورائي، فجعلني عن يمينه فصلى ورقد، فجاءه المؤذن، فقام يصلي، ولم يتوضأ.
مقصود البخاري بهذا الحديث في هذا الباب: أن ابن عباس كانَ قد صف مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن يساره، لكنه لما كان موقفه مكروها حوله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه، فأداره من ورائه إلى يمينه، فدل على أن إزالة بعض من في الصف عن مقامه وتحويله من الصف في الصلاة لمصلحة جائز، وصلاته تامة، وإن كانَ قد خرج من الصف وتأخر عنه.
ولا يدخل هذا في ترك تسوية الصفوف المنهي عنه، وإن كانَ فيهِ تأخر عن الصف، إلا أن المقصود منه: أن يعود إلى الصف على وجه أكمل من مقامه، فهوَ شبيه بإبطال الصلاة المكتوبة إذا دخل فيها منفردا، ثم أقيمت الصلاة ليؤديها في جماعة.
وقريب منه: تخريب بناء المسجد لأعادته على وجه أكمل منه.
وفي الحديث - أيضا -: دليل على أن مصير المأموم فذا خلف الإمام - أو خلف الصف - وقتا يسيرا لا تبطل به الصلاة، إذا زالت فذوذيته قبل الركوع؛ فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخرج ابن عباس من جهة يساره إلى ورائه، فصار فذا في تلك الحالة، ثم أعاده إلى يمينه في الحال، فزالت فذوذيته سريعا، ووقف في موقف هوَ أكمل من مقامه الأول قبل الركوع.
وسيأتي القول في ذَلِكَ في ((باب: الركوع دون الصف)) - إن شاء الله تعالى.
78 - باب المَرأَةِ تكونُ وَحْدَهَا صَفاً727 - حدثنا عبد الله بنِ محمد: ثنا سفيان، عَن إسحاق، عَن أنس بنِ مالك، قالَ: صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأمي خلفنا: أم سليمٍ.
دل هَذا الحديث على أن المرأة إذا صلت معَ الرجال، ولم تجد امرأةً تقف معها قامت وحدها صفاً خلف الرجالِ.
وهذا لا اختلاف فيهِ بين العلماء؛ فإنها منهيةٌ أن تصف معَ الرجال، وقد كانت صفوفُ النساء خلف الرجال في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفائه الراشدين، ولهذا قالَ ابن مسعود: أخروهنَّ مِن حيث أخرهنَّ الله.
خرجه وكيعٌ وغيرهُ.
ولا يعلم في هَذا خلاف بين العلماء، إلا أنَّهُ روي عَن أبي الدرداء، أن الجارية التي لَم تحضِ تقف معَ الرجال في الصف.
فأما إن وجدت امرأةً تقفُ معها، ثُمَّ وقفت وحدها، فهل تصح صلاتها حينئذٍ؟ فيهِ لأصحابنا وجهان.
أحدهما: لا تصحُّ، وَهوَ ظاهر كلام أبي بكرٍ الأثرم، وقول القاضيأبي يعلى في ((تعليقه)) وصاحب ((المحرر)) ، إلحاقاً للمرأة بالرجل، معَ القدرة على المصافّةِ.
والثاني: تصحُّ، وَهوَ قول صاحب ((الكافي)) أبي محمد المقدسي، وَهوَ ظاهر تبويب البخاري؛ لأن المرأةَ تكون وحدها صفاً، ولا تحتاج إلى مِن يصافّها، وكذا قالَ الإمام أحمد في رواية حربٍ: المرأة وحدها صفٌ.
وقد استدل طائفة مِن العلماء بصلاة المرأة وحدها على صحة صلاة الرجل النفل، وهذا جمعُ بين ما فرقت السنة بينهُ؛ فإن السنة دلت على صحة صلاة المرأة وحدها خلف الصفوف، ونهت الرجل عَن ذَلِكَ، فأمرتهُ بالإعادة، على ما يأتي ذكرهُ في موضعه - إن شاء الله تعالى.
وأقرب مِن هَذا: قولُ مِن قالَ: إن صلاةَ الرجلِ خلف الصفوف وحده إذا تعذَرَ عليهِ مِن يصافه تصحُّ إلحاقاً لها بصلاة المرأة وحدها، إذا لَم تجد مِن يصافها، كَما قالَه بعض المتأخرين مِن أصحابنا، ولكن المذهب خلافهُ.
واستدل - أيضاً - بحديث أنسٍ هَذا على أن الإمام إذا كانَ خلفهُ رجلانِ أو صبيان قاما خلفه، وهذا قول جمهور العلماء.
وكان ابن مسعود يرى ان الاثنين يقومان معَ الإمام عَن يمينه وشماله.
خرجه مسلم بإسناده عَنهُ.
وخرجه أبو داود والنسائي، عنه - مرفوعاً.
وقال ابن عبد البر: لا يصح رفعهُ.
فَمِن العلماء مِن قالَ: نُسخ ذَلِكَ؛ لأن ابن مسعودٍ قرنه بالتطبيق في حديث واحد، والتطبيق منسوخٌ، فكذلك القيام.
ومنهم مِن تأوَّله على أنَّهُ فعله لضيقِ المكان، رويَ ذَلِكَ عَن ابن سيرين.
وفيه نظرٌ.
ومنهم من تأوَّلهُ على ابن مسعودٍ فعل ذَلِكَ بعلقمة والأسود حيث فاتتهم الجمعةُ، وقصد إخفاء الجماعة للظهر يومَ الجمعةِ، وعلى ذَلِكَ حملهُ الإمام أحمد في رواية إسحاق بنِ هانئ، وفعله - أيضاً - معَ صاحبين لَهُ في مسجدٍ مِن المساجد.
ومنهم مِن تأوله على أن علقمة كانَ غلاماً، فلم يرَ ابن مسعودٍ للأسود أن يصافه في الفريضة، وعلى ذَلِكَ حمله الإمام أحمد في رواية أخرى عَنهُ، نقلها عَنهُ ابنه عبد الله والميموني وغيرهما.
وحمل أحمد حديث أنسٍ هَذا في مصافته لليتيم على أن الصلاةَ كانت نفلاً، والرجلُ يجوز لَهُ أن يصافف الصبيَّ في النفل خاصة.
وقد خرج هَذا الحديث أبو داود مِن حديث ثابتٍ، عَن أنسٍ، وفيه: فصلى بنا ركعتين تطوعاً.
وقد سبق الكلامُ عليهِ مستوفىً في ((باب: الصلاة على الحصير)) .
وقال الإمام أحمد - مرة أخرى -: قلبي لا يجسر على حديث إسحاق، عَن أنسٍ؛ لأن حديث موسى خلافهُ، ليسَ فيهِ ذكر اليتيمِ.
قالَ أبو حفصٍ البرمكيُّ مِن أصحابنا: حديث إسحاق الذِي فيهِ ذكر اليتيمِ.
وحديث موسى خرجه مسلمٌ مِن طريق شعبةَ، عَن عبد الله بنِ المختار: سمع موسى بنِ أنس يحدث، عَن أنس بنِ مالكٍ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى به وبأمه - أو خالته - قالَ: فأقامني عن يمينه، وأقام المرأةَ خلفَنا.
وخرج مسلم - أيضاً - مِن طريق سليمانِ بنِ المغيرةِ، عَن ثابت، عَن أنسٍ، قالَ: دخل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علينا، وما هوَ إلا أنا وأمِّي وأُمُّ حَرامٍ خالتي، فقالَ: ((قوموا فلأُصلِّي بكم)) في غير وقت صلاةٍ، فصلى بنا، فقالَ رجل لثابت: أين جعل أنساً منهُ؟ قالَ: جعله عَن يمينه.
وخرجه أبو داود مِن طريق حماد بنِ سلمة، عَن ثابتٍ، وقال فيهِ: فأقامني عَن يمينه وأمَّ حرامٍ خلفنا.
وفي رواية لَهُ: قالَ ثابت: لا أعلمه إلا قالَ: أقامني عَن يمينه.
وقد رجَّح الدارقطنيُّ وغيرهُ وقفَ الحديثِ على أنسٍ، وأنه هوَ الذِي أقام ثابتاً عَن يمينه.
وفي الجملة؛ فللعلماء في هَذهِ الأحاديث، عَن أنسٍ مسلكان: أحدهم: تعارُضُهُما، وترجيح رواية موسى بنِ أنسٍ عَنهُ؛ لموافقتِهِ لحديث ابن عباسٍ وغيرهِ.
والثاني: أنهما قضيَّتان متغايرتانِ، وَهوَ مسلكُ ابن حبان وغيره.
وأجاز أحمد مصافة الرجل للصبيِّ في النفل دونَ الفرض، كَما قال ذَلِكَ في إمامته بالرجال في إحدى الروايتين عَنهُ.
ومن أصحابنا مِن قالَ: يصحّ مصافته في الفرض والنفلِ.
ومنهم مِن قالَ: لا يصحُّ فيهما وحمل كلام أحمد على أن النفل يصحُّ فيهِ صلاةُ الفذِّ خلف الصفوفِ.
وهذا بعيدٌ.
واستدل بعضُ مِن يرى صحةَ صلاةِ الفذِّ بمصافةِ أنسٍ لليتيم، ذكره الترمذي في ((جامعه)) ، ثُمَّ ردَّهُ.
بأنهُ لو كانَ الصبيُّ لا صلاةَ لَهُ لأقام أنساً عَن يمينه.
ويحتمل - أيضاً - أن يكون أنسٌ حينئذٍ كانَ صبياً لم يبلغِ الحلمَ، أو أن الذِي صلى معه كانَ بالغاً، وسمى يتيماً تعريفاً لَهُ بما كانَ عليهِ، كَما يُقال: أبو الأسودِ يتيمٌ عروةَ.
وأكثر العلماء على أن الرجل يصحُّ أن يصافَّالصبيَّ، وَهوَ قولُ الثوريِّ.
وقالَ الأوزاعي: إن كانَ الصبِّيان ممن نَبتَ صفَ الرجلُ والصبيان خلف الإمام، وإن كانَ ممن لا نبت قامَ الرجلُ عَن يمين إمامهِ.
وقال حرب: سألت إسحاق عَن رجلٍ صلَّى وحضره رجلٌ وغلامٌ ابنُ ستِّ سنينَ، كيف يقيمهما؟ قالَ: يقيمهما خلفه: قلت يُقيمهما جميعاً عَن يمينه؟ فلم يرخص فيهِ، وذكر حديث أنسٍ: صليت أنا ويتيمٌ لنا خلفَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد تقدم عَن الحسن، أن مِن صلَّى معه رجلٌ وامرأةٌ قام الرجل خلفه والمرأةُ خلفهما.
وَهوَ مخالفٌ لرواية موسى بنِ أنسٍ وثابتٍ، عَن أنسٍ.
وجمهورُ أهلِ العلم على أنَّ الرجل يقوم عَن يمين الإمام، والمرأة خلفه، فعلى قول الحسن إذا كانَ معَ الرجل صبيٌّ، فلا إشكال عنده في مصافة الرجل.
واستدل - أيضاً - بحديث أنسٍ هَذا على أنَّ الصبي يقوم في صفِّ الرجال مِن غير كراهةٍ، قَد رُويت كراهته عن عمر بنِ الخطاب وأُبي بنِ كعبٍ، وكانا يُخرجان الصبيان مِن صفوف الرجال، وَهوَ قولُ الثوري وأحمد.
وأجاب أحمد عَن حديث أنسٍ هَذا في إقامةِ اليتيم معَ أنسٍ، بأنَّهُ كانَ في التطوع.
ويُجاب عَنهُ - أيضاً - بأنَّ الكراهة إنما هي حيث كانَ هناك رجالٌ يملئون الصفَّ، فيمنع الصبيُّ، ويخرج منهُ ليقوم مقامه رجلٌ، فَهوَ أولى بالصفِّ منهُ، فأما في حديث أنسٍ، فإنما هوَ ويتيمٌ واحدٌ في بيت، فلم يكن مقام اليتيم مانعاً للرجالِ مِن الصلاةِ في الصفِّ مكانه.
وعلى تقدير أن يكون أنسٌ صبياً إذ ذاكَ لَم يبلغِ الحلمَ، فَقد كانا جميعاُ صبيين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم.
79 - باب مَيْمَنَةَ المَسْجِدِ واَلإِمامِ728 - حدثنا موسى: ثنا ثابتُ بنِ يزيدَ: ثنا عَاصِمٌ، عَن الشعبي، عَن ابن عبَّاسٍ، قالَ قُمتُ ليلةً أُصلِّي عَن يَسارِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأخذَِ بيدي - أو بعضُدي - حَتَّى أقامَني عَن يمينهِ، وقَالَ بيدهِ مِن ورائِي.
مرادُ البخاري بهذا الحديث في هَذا الباب: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما حوَّل ابن عباس مِن عَن يساره إلى يمينه دلَّ على أن موقف المأمومِ عَن يمين الإمام، وأن جهةَ اليمين أشرفُ وأفضل فلذلك يكون موقفُ المأمومِ الواحدِ منها، فيُستدلُ بذلك على أن جهةَ يمين الإمام للمأمومين الذين يقومون خلف الإمام أشرف وأفضلُ مِن جهة يساره.
وقد ورد في هَذا أحاديثٌ مصرحةٌ بذلك: فخرج ابن ماجه مِن رواية أسامةَ بنِ زيدٍ، عَن عثمان بنِ عروةَ، عَن عروةَ، عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((إنَّ الله وملائكتَه يصلُّون على ميامنِ الصفُوفِ)) .
خرجه مِن رواية معاوية بنِ هشام، عَن سفيان، عَن اسامة، بهِ.
وذكر البيهقي: أنه تفرد به معاوية، عن سفيان.
قالَ: ولا أراه محفوظاً، وإنما المحفوظ بهذا الإسناد: ((إن الله وملائكته يصلُّون علىالذين يصلون الصفوف)) .
وخرج النسائيُّ وابن ماجه مِن حديث ثابت بنِ عبيدٍ، عَن ابن البراء بنِ عازب، عَن البراء، قالَ: كنَّا إذا صلينا خلف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما نحب - أو أحبُّ - أن نقوم عَن يمينه.
وخرج ابن ماجه مِن رواية ليث بنِ أبي سُليمٍ، عَن نافعٍ، عَن ابن عمرَ قالَ: قيل للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن ميسرةَ المسجد تعطلت.
فقالت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مِن عمَّر ميسرة المسجد كتب لَهُ كفلان مِن الأجر)) .
وخرج البيهقي بإسناد فيهِ جهالةٌ، عَن أبي برزة، قالَ لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إن استطعت أن تكون خلف الإمام، وإلا فعن يمينه)) .
وقال: هكذا كانَ أبو بكر وعمرُ خلف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وخرجه الطبراني - أيضاً - وخرج الطبراني والعقيلي وابن عدي مِن حديث ابن عباس مرفوعاً في فضل الوقوف بإزاء الإمام.
وخرجه أبو بكر بن أبي داود - أيضاً - من حديث أنس مرفوعاً.
وكلا الإسسنادين لا يصح.
وروي مرسلاً؛ رواه هشيمٌ، عَن داود بنِ أبي هندٍ أرسله إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وروى وكيع في ((كتابه)) عَن إسرائيل، عَن الحجاج بنِ دينار، يرفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((فضل أهل ميمنة المسجد على أهل المسجد بضعٌ وعشرون درجةً)) .
وعن سفيان، عَن ابن جريجٍ، عَن عطاء، عَن عبد الله بنِ عمرو، قالَ: أفضلُ المسجد ناحية المقام، ثُمَّ ميامنُه.
وعن الربيع، عَن الحسن، قالَ: أفضل الصفوف الصف المقدمُ، وأفضلهُ مما يلي الإمام.
وكأنه يريد: مقامَ الإمام.
والله أعلم وأكثر العلماء على تفضيل ميمنة الصفوف وخلف الإمام.
وأنكره مالكٌ.
ففي ((تهذيب المدونَّةِ)) : ومن دخل المسجد وقد قامت الصفوفُ قامَ حيث شاءَ، إن شاء خلف الإمام، وإن شاء عَن يمينه أو عَن يساره.
وتعجب مالك ممن قالَ: يمشي حتى يقف حذوَ الإمام.
80 - باب إذا كانَ بينَ الإِمَامِ وَبَيْنَ القَوْمِ حَائِطٌ اَوْ سُتْرَةٌ وقال الحسنُ: لا بأس أن تصلِّي وبينكَ وبينهُ نهر.
وقال أبو مجلزٍ: يأتمُّ بالإمامِ - وإنْ كانَ بينهما طَريقٌ أو جدارٌ - إذا سمعَ تكبيرَ الإمامِ.
مرادُ البخاري بهذا الباب: أنَّهُ يجوز اقتداء المأمومِ بالإمام، وإن كانَ بينهما طريق أو نهر، أو كانَ بينهما جدار يمنع المأموم مِن رؤية إمامه إذا سمع تكبيره.
فهاهنا مسألتان: إحداهما: إذا كانَ بين الإمام والمأموم طريق أو نهر، وقد حكى جوازه في صورة النهر عَن الحسن، وفي صورة الطريق عَن أبي مجلز.
وقال الأوزاعي في السفينتين، يأتم مِن في أحداهما بإمام الأخرى: الصلاة جائزةٌ، وإن كانَ بينهما فرجةٌ، إذا كانَ أمام الأخرى - وبه قالَ الثوري: نقله ابن المنذر.
وروى الأثرم بإسناده، عَن هشام بن عروة، قالَ: رأيت أبي وحميد بنِ عبد الرحمن يصليان الجمعة بصلاة الإمام في دار حميدٍ، وبينهما وبين المسجد جدارٌ.
وكره آخرون ذَلِكَ: روى ليثُ بنُ أبي سليمٍ، عَن نعيم بنِ أبي هندٍ، قالَ: قالَ عمر بنِ الخطاب: مِن صلى وبينه وبين الإمام نهرٌ أو جدار أوطريق لَم يصل معَ الإمام.
خرجه أبو بكر عبد العزيز بنِ جعفر في كِتابِ ((الشافي)) .
وكره أبو حنيفة وأحمد أن يصلي المأموم وبينه وبين إمامه طريقٌ لا تتصل فيهِ الصفوف، فإن فعل، فقالَ أبو حنيفة: لا تجرئه صلاته.
وفيه عَن أحمد روايتان.
والنهر بصلاة الذِي تجري فيهِ السفن كالطريق عند أحمد.
وعن أحمد جوازه.
واحتج بصلاة أنسٍ في غرفة يوم الجمعة.
فَمِن أصحابه مِن خصه بالجمعة عند الزحام.
والأكثرون لَم يخصُّوه بالجمعة.
وكذلك مذهب إسحاق: قالَ حربٌ: قلت لإسحاق: الرجل يصلي في داره، وبينه وبين المسجد طريقٌ يمرُّ فيهِ الناس؟ قالَ: لا يعجبني، ولم يرخِّص فيهِ.
قلت: صلاتهُ جائزةٌ؟ قالَ: لو كانت جائزةً كنت لا أقول: لا يعجبني.
قالَ: إلا أن يكون طريق يقوم فيهِ الناس، ويصفون فيهِ للصلاة.
قلت: فإنَّا حين صلينا لَم يمرَّ فيهِ أحدٌ، فذهب إلى أن الصلاة جائزةٌ.
قلت لإسحاق: فرجل صلى وبين يديه نهرٌ يجري فيهِ الماء؟ قالَ: إن كانَ نهراً تجري فيهِ السفن فلا يصلِّ، وإن لَم يكن تجري فيهِ السفن فَهوَ أسهل.
وكره آخرون الصلاة خلف الإمام خارجَ المسجد: روي عَن أبي هريرة وقيس بنِ عبادةَ، قالا: لا جمعة لمن لَم يصلِّ في المسجد.
ورخصت طائفةٌ في الصلاة في الرحاب المتصلة بالمسجد، منهم: النخعيُّ والشافعيُّ.
وكذلك قالَ مالك، وزاد: أنَّهُ يصلي فيما اتصل بالمسجد مِن غيره.
ذكر في ((الموطأِ)) عَن الثقة عنده، أن الناس كانوا يدخلون حُجَرَ أزواجِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد وفاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يصلُّون فيها الجمعة.
قالَ: وكان المسجد يضيقُ على أهله.
وحجر أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست مِن المسجد، ولكن أبوابها شارعةٌ في المسجد.
قالَ مالك: فَمِن صلى في شيء مِن المسجد أو في رحابه التي تليه، فإن ذَلِكَ مجزئٌ عَنهُ، ولم يزلْ ذَلِكَ مِن أمر الناس، لَم يعبه أحدٌ مِن أهل الفقه.
قالَ مالك: فأما دارٌ مغلقةٌ لا تدخل إلا بإذن، فإنه لا ينبغي لأحد أن يصلي فيها بصلاةِ الإمام يوم الجمعة، وإن قربُت، فإنها ليست مِن المسجد.
وفي ((تهذب المدونة)) .
أن ضابطَ ذَلِكَ: أن ما يُستطرَقُ بغير إذن مِن الدور والحوانيت تجوز الصلاة فيهِ، وما لا يدخل إليهِ إلا بإذن لا يجوز، وأن سائر الصلوات في ذَلِكَ كالجمعة.
وروى الأثرمُ بإسناده، عَن محمد بن عمرو بنِ عطاءٍ، قالَ: صليت معَ ابن عباسٍ في حجرة ميمونةَ زوجِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصلاة الإمام يوم الجمعة.
وبإسناده، عَن عطاء بنِ أبي ميمونة، قالَ كنت معَ أنسِ بنِ مالك يوم جمعة، فلم يستطع أن يزاحم على أبواب المسجد، فقالَ: اذهب إلى عبد ربِّه ابن مخارقٍ، فقل لَهُ: إن أبا حمزة يقول لك: أتأذن لنا أن نصليفي دارك؟ فقالَ: نعم.
فدخل فصلَّى بصلاة الإمام، والدار عَن يمين الإمام.
فهذا أنسٌ قَد صلى في دار لا تُدخل بغير إذن، وحجر أزواجِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل هدمها وإدخالها في المسجد لَم تكن تُدخل بغير إذنٍ - أيضاً.
وقد استدل أحمد بالمروي عَن أنس في هَذا في رواية حرب، ورخص في الصلاة في الدار خارج المسجد، وإن كانَ بينها وبين المسجد طريقٌ، ولم يشترط الإمام أحمد لذلك رؤية الإمام، ولا مِن خلفه، والظاهر: أنه اكتفى بسماعِ التكبير.
واشترط طائفة مِن أصحابه الرؤية.
واشترط كثيرٌ مِن متقدميهم اتصال الصفوف في الطريق.
وشرطه الشَافِعي - أيضاً - قالَ في رواية الربيع فيمن كانَ في دار قرب المسجد، أو بعيداً منهُ: لَم يجز لَهُ أن يصلي فيها، إلا أن تتصل الصفوف بهِ، وَهوَ في أسفل الدار، لا حائل بينه وبين الصفوف.
واستدلَّ بقول عائشة - مِن غير إسناد -، وتوقف في صحته عنها.
وذكره بإسناده في رواية الزعفراني، فقالَ: حدثنا إبراهيم بنِ محمد، عَن ليثٍ، عَن عطاء، عَن عائشة، أن نسوةً صلْين في حجرتها، فقالت: لا تصلِّين بصلاة الإمام؛ فإنكنَّ في حجابٍ.
وهذا إسناد ضعيفٌ، ولذلك توقف الشَافِعي في صحته.
المسألة الثانية: إذا كانَ بين المأموم والإمام حائلٌ يمنع الرؤية، فَقد حكى البخاري عَن أبي مجلَزٍ أنه يجوز الاقتداء بهِ إذا سمع تكبير الإمام.
وأجازه أبو حنيفة وإسحاق.
قالَ إسحاق: إذا سمع قراءته واقتدى بهِ.
وقد تقدم كلام الشافعي في منعه، واستدلاله بحديث عائشة.
قالَ الشَافِعي: هَذا مخالف للمقصورة، المقصورة شيء مِن المسجد، فَهوَ وإن كانَ حائلاً بينه وبين ما وراءَها، فإنما هو كحول الأصطوانِ أو أقلَّ، وكحول صندوق المصاحف وما أشبهَهَ.
وحاصلُه: إن صلَّى في المسجد وراء الإمام لَم يشترط أن يرى فيهِ الإمام بخلاف مِن صلَّى خارج المسجد.
وحكى أصحابنا روايتين عَن أحمد فيمن صلَّى في المسجد بسماعِ التكبير، ولم يرَ الإمام ولا مَنْ خلفهُ: هل يصح اقتداؤهُ بهِ، أو لا؟ وحكوا روايةً ثالثةً: أنَّهُ يصحُّ اقتداؤه بهِ، سواء صلى معه في المسجد، أو صلى خارجاً مِن المسجد.
قالَ أحمد في رواية حنبلٍ: إذا صلَّى الرجلُ وَهوَ يسمع قراءة الإمام في دار أو في سطح بيته كانَ ذَلِكَ مجزئاً عَنهُ، وفي الرحبة.
قالَ أبو بكر عبد العزيز بنِ جعفر في كِتابِ ((الشافي)) : ذَلِكَ جائزٌ إذا اتصلت الصفوف، وعلم التكبير والركوع والسجود، وأن لا يكون الدار والسطح مقدم القبلة، ولا فوق الإمام؛ فإنهم لا يمكنهم الاقتداء بهِ ولا اتباعه، ولا يعرفون ركوعه ولا سجوده، وكذلك في الرحاب والطرق تجوز الصلاة في ذَلِكَ إذا اتصلت الصفوف، ورأى بعضهم بعضاً، ولو أغلقت دونهم الأبواب، وارتفعت الشبابيك بينهم، أو كانَ عليها أبواب تُغلقُ، فلا يلحظون الصفوف، ولا يرى بعضُهم بعضاً - يعني: أنَّهُ لا يصح اقتداؤهم بالإمام - قالَ: وَهوَ مذهب أبي عبد الله.
انتهى ما ذكره.
وَهوَ مبني على اشتراط الرؤية خارجَ المسجد، وفيه خلافٌ سبقذكره.
وحُكي عن أحمد رواية: أن الحائل المانع للرؤية، والطريق الذِي لا تتصل فيهِ الصفوف يمنع الاقتداء في الفرض دونَ النفل.
وحُكي عَنهُ: أنه لا يمنع في الجمعة في حال الحاجة إليهِ خاصةً.
وحُكي عَنهُ: إن كانَ الحائل حائِطَ المسجد لَم يمنع، وإلا منع.
وإن كانَ الحائل يمنع الاستطراق دونَ الرؤية لَم يمنع.
وفيه وجهٌ: يمنع، وحكاه بعضهم روايةً.
خرج البخاري في هَذا الباب ثلاثة أحاديث: الحديث الأول:729 - حدثنا محمد: ثنا عبدةُ، عَن يحيى بنِ سعيد الأنصاريِّ، عَن عَمرةَ، عَن عائشة، قالت: كانَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصلي مِن الليل في حجرته، وجدار الحجرة قَصير، فرأى الناس شَخْص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقام أُناسٌ يُصلونَ بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام ليلته الثَّانية، فقام معه أُناسٌ يصلون بصلاته، صنعوا ذَلِكَ ليلتين - أو ثلاثاً -، حتى إذا كانَ بعد ذَلِكَ جلس رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذَلِكَ الناس، فقالَ: ((إنِّي خَشيت أن تكتبُ عليكم صلاةُ الليلِ)) .
ليسَ في هَذهِ الرواية: دليل على جواز الائتمام مِن وراء جدارٍ يحول بين المأموم وبين رؤية إمامه؛ فإنَّ في هَذا التصريح بأن جدار الحجرة كانَ قصيراً، وأنهم كانوا يرونَ منهُ شخص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومثلُ هَذا الجدار لا يمنع الاقتداء.
لكن؛ روى هَذا الحديث هُشيمٌ، عَن يحيى بنِ سعيد، فاختصر الحديث، وقال فيهِ: صلَّى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجرته، والناس يأتمون به مِن وراء الحجرة.
وهذا مختصر.
وقد أتم الحديث عبدة بنِ سليمان وعيسى بن يونس وغيرهما، عَن يحيى بنِ سعيد، وذكروا فيهِ: أن جدار الحجرة قصير، وأن الناس كانوا يرون شخص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الحديث الثاني:730 - حدثنا إبراهيم بنِ المنذر: ثنا ابن أبي فديك: ثنا ابن أبي ذئبٍ، عَن المقبري، عَن أبي سلمة بنِ عبد الرحمن، عَن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ لَهُ حصيرٌ يبسطهُ بالنهار، ويحتجرهُ بالليلِ، فثاب إليهِ ناسٌ فصفوا وراءهُ.
معنى ((يحتجره)) - أي: يتخذه كالحجرة، فيقيمه ويصلي وراءه.
وهذا هوَ المراد بالحجرة المذكورة في الحديث الذي قبله، ليسَ المراد حجرة عائشة التي كانَ يسكن فيها هوَ وأهلهُ؛ فإنَّ حجر أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت لهاجدرات تحجب مِن كانَ خارجاً منها أن يرى مِن في داخلها.
وقولها: ((فثاب عليهِ ناسٌ)) - أي: رجعوا، فكأنهم كانوا قد صلوا العشاء وانصرفوا من المسجد، فرجعوا إليه للصلاة خلف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ورُوي: ((فآب)) وبذلك فسَّرهُ الخطابي، قالَ: معناه: جاءوا من كل أَوب، آب أوباً وإياباً.
ومنه: آب المسافر، وهو: الرجوع.
الحديث الثالث: قالَ:731 - حدثنا عبد الأعلى بن حماد: ثنا وهيبٌ، قالَ: ثنا موسى بن عقبة، عن سالم أبيالنضر، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت، أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتخذ حجرة - قالَ: حسبت أنه قالَ: من حصير - في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم، فقالَ: ((قد عرفت الذي رأيتُ من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة)) .
وخرَّجهُ - أيضاً - في ((الاعتصام)) من كتابه هذا من طريق عفان، عن وهيبٍ، به، وقال فيهِ: اتخذ حجرةً في المسجد من حصير - ولم يذكر فيهِ شكاً.
وخرجه - أيضاً - من رواية عبد الله بن سعيدٍ، عن سالم مولى ابي النضر، ولفظُ حديثه: احتجر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجيرة مخصفة - أو حصيراً -، فخرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فيها - وذكر الحديث.
وهذه الحجرة هي المذكورة في حديث عائشة المتقدم، وقد تبين أنها لم تكنْ تمنع رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمن صلى وراءها خلفه.
وقد روى ابن لهيعة حديث زيد بن ثابت هذا، عن موسى بن عقبة، بهذا الإسناد، وذكر: أن موسى كتب به إليه، واختصر الحديث وصحفهُ، فقالَ: ((احتجم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد)) .
فقيل لابن لهيعة: مسجد بيتهِ؟ قالَ: لا، مسجد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد خرج حديثه هذا الإمام احمد.
وقوله: ((احتجم)) غلطٌ فاحش؛ وإنما هوَ: ((احتجر)) - أي: اتخذ حجرةً.
وهذا آخرُ ((أبواب: الإمامةِ)) ، وبعدها ((أبواب: صفة الصلاة)) .
82 - باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة فيهِ ثلاثةُ أحاديث:732 - حدثنا أبو اليمان: أنا شعيب، عن الزهري، قالَ: أخبرني أنس بن مالك، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركب فرساً فجحشَ شقهُ الأيمن.
قالَ أنس: فصلى لنا يومئذ صلاةً من الصلوات وهو قاعدٌ، فصلينا وراءه قعوداً، ثم قالَ لما سلمَ: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفعَ فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قالَ: سمع الله لمن حمدهُ، فقولوا: ربنا ولك الحمدُ)) .
733 – حدثنا قُتيبةُ: ثنا الليث، عن ابن شهابٍ، عن أنس بن مالك، قالَ: خرَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن فرس فجحشَ، فصلى لنا قاعداً، فصلينا معه قعوداً، ثم انصرف، فقالَ: ((إنما الإمام)) – أو ((إنما جعلَ الإمام – ليؤتم به، فإذا كبَّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قالَ: سمع الله لمن حمدهْ، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا)) .
734 – حدثنا أبو اليمان: أنا شعيب: حدثني أبو الزناد، عن الأعرج،عن أبي هريرة، قالَ: قالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إنما الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قالَ: سمع الله لمن حمدهْ، فقولوا: ربنا ولك الحمدُ، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعونَ)) .
حديث أنسٍ، ساقه من طريقين: من طريق شعيب، عن الزهري، وفيه: التصريح بسماع الزهري لهُ من أنسٍ.
ومن طريق الليث، عن الزهري، وليس فيهِ ذَلِكَ.
وقد تقدم من حديث مالكٍ، عن الزهري كذلك.
وليس في حديث مالك ولا شعيب ذكر التكبير، وهو في حديث الليث وحده.
وقد خرجه مسلم بهذه الزيادة من طريق ابن عيينة وغيرهِ، عن الزهري.
وخرجه البخاري بها – أيضاً – فيما تقدم من طريق حميدٍ، عن أنس.
وخرجه هاهنا من حديث أبي هريرة - أيضاً.
وهذه اللفظة، هي مقصودهُ من هذه الأحاديث في هذا الباب؛ فإنالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر من يصلي خلف الإمام أن يكبر إذا كبر الإمام، فدل على أن التكبير واجب على المأموم، فدخل في ذَلِكَ تكبيرة الإحرام وغيرها – أيضاً – من التكبير.
ويأتي الكلام في التكبير غير تكبيره الإحرام في غير هذا الموضع – إن شاء الله تعالى -، وإنما المقصود هنا: تكبيرة الإحرام.
وقوله: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) قد فسرهُ بمتابعة الإمام في أقواله وأفعاله.
وقد أدخل طائفةٌ من العلماء متابعته في نيته، وقد سبق القول في ذَلِكَ.
وأدخل بعضهم – أيضاً – متابعته في ترك بعض أفعال الصلاة المسنونة، كرفع اليدين، فقالَ: لا يرفع المأموم يديه إلا إذا رفع الإمام، وهو قول أبي بكر بن أبي شيبة.
والجمهور على خلاف ذَلِكَ، وأن المأموم يتابع إمامه فيما يفعلهُ، ويفعل ما تركه من السنن عمداً أو سهواً، كرفع اليدين والاستفتاح والتعوذ والتسمية وغير ذلك، فيما لا يفعله بعض الأئمة معتقداً لهُ، فكل هذا يفعله المأموم، ولا يقتدي بإمامه في تركه.
ومما يدخل في ائتمام المأموم بإمامه: أنه لا يتخلف عنه تخلفاً كثيراً، بل تكون أفعال المأموم عقب أفعال إمامه، حتى السلام.
وقد نص أحمد على أن الإمام إذا سلم وقد بقي على المأموم شيء من الدعاء، فإنه يسلم معه، إلا أن يكون بقي عليه شيء يسير، فيأتي به ويسلم واستدل بقولِهِ: ((إنما الإمام ليؤتم به)) .
وقوله: ((فإذا كبر فكبروا)) يدل على أن المأموم لا يكبر إلا بعد تكبيرالإمام عقيبه، وقد سبق الكلام على هذه المسألة مستوفىً.
وكان ذكرَ حديث أبي هريرة في تعليم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسيء في صلاته – وقوله: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة وكبر)) .
وذكر الحديث – وقد خرجه البخاري في موضع آخر – أولى من ذكر: ((إذا كبر فكبروا)) ؛ فإن هذا الحديث إنما فيهِ أمر المأموم بالتكبير، وأما تكبير الإمام فليس فيهِ الأمر به، بل فيهِ ما يشعر بأنه لا بد من فعله كركرعه وسجوده.
وحينئذٍ؛ فيستدل بحديث أنس على أنه لا بدَّ للإمام من التسميع، وأن المأموم مأمور بالتحميد عقيب تسميعه.
وأما حديث تعليم المسيء، ففيه تصريح بالأمر لكل قائم إلى الصلاة أن يكبر، وسواء كانَ إماماً أو مأموماً أو منفرداً.
وأما حديث: ((مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) فليس هوَ من شرط البخاري، مع تعدد طرقه.
وكذلك حديث عائشة: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفتتح الصلاة بالتكبير.
خرجه مسلم من طريق حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة.
وخالفه حماد بن زيد، فرواه عن بديل، عن عبد الله بم شقيق، عن عائشة.
ومقصود البخاري: أن الصلاة لا تفتتح إلا بالتكبير، ولا تنعقد بدونه.
وقد روي عن ابن مسعودٍ وابن عباسٍ والشعبي، قالوا: تحريم الصلاة التكبير.
وروي عن ابن المسيب وبكير بن الأشج والنخعي فيمن نسي تكبيرة الاستفتاح: يستأنف الصلاة.
وهو قول الثوري وابن المبارك ومالك والشافعي واحمد وإسحاق وغيرهم.
وقال الحكم وأبو حنيفة وعامةُ أصحابه: تنعقد الصلاة بكل لفظ من ألفاظ الذكر، كالتهليل والتسبيح.
وعن النخعي، قالَ: يجزئه، ويسجد للسهو.
وعن الشعبي، قالَ: بأي أسماء الله تعالى افتتحت الصلاة أجزأكَ.
وفي الإسناد إليه مجهولٌ.
خرجه ابن أبي شيبة في ((كتابه)) .
وهو رواية عن الثوري، رواها عنه النعمان بن عبد السلام.
وحكى ابن المنذر، عن الزهري، أن الصلاة تنعقد بمجرد النية، ولا تحتاج إلى لفظ بالكلية.
قلت: وروي نحوه – أيضاً – عن عطاء: قالَ عبد الرزاق: عن ابن جريجٍ، قلت لعطاء: أقيمت الصلاة وأنا مع الناس، فكبر الإمام ورفع من الركعة، ولم أكبر في ذَلِكَ؟ قالَ: إن كنت قد اعتدلت في الصف فاعتدَّ بها، وإن كنت لم تزل تتحدث حتى ركعَ ورفع رأسه من الركعة فكبر ثم اركعْ واعتدَّ بها وإن كنت لم تعتدل في الصف فلا.
وعن ابن جريج، عن عطاء، في رجل دخل المسجد والإمام ساجد، أو حين رفع رأسه من الركعة أو السجدة، أو جالساً يتشهد: يكبر تكبيرة استفتاح الصلاة؟ قالَ: إن شاء فليكبر، وإن شاء فلا يكبر، ولكن إذا قام وقد قام الإمام فليكبر ويستفتح.
وروى – أيضاً – عن معمر، عن قتادة، في رجل انتهى إلى قوم وهم جلوس في آخر صلاتهم؟ قالَ: يجلس معهم، ولا يكبر.
ولعله أراد: أنه يكتفي بتكبيره إذا قام إلى القضاء، فلا يكونُ قبل ذَلِكَ قد دخل في الصلاة وقريبٌ من هذا: أنه قد روي عن طائفة من السلف، أن من نسى تكبيرة الافتتاح في الصلاة، فإنه تجزئه تكبيرة الركوع، روي هذا عن سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتادة والحكم والأوزاعي، وهو رواية عن حماد بن أبي سليمان، حكاه ابن المنذر وغيره.
وروي عن الزهري، أنه قالَ: يسجد للسهو إذا سها.
وهذا يحتاج إلى تحقيق ونظر في مأخذ ذَلِكَ.
وظاهر ما حكاه ابن المنذر عن هؤلاء: أنهم رأوا تكبيرة الركوع تقوم مقام تكبيرة الافتتاح في انعقاد الصلاة بها، وهو ظاهر كلامهم – أيضاً -، حيث قالوا تجزئة تكبيرة الركوع، وتنعقد بها الصلاة.
وقال بكر المزني: يكبر إذا ذكر.
وظاهر كلامهم: أنه عامٌ في حق الإمام والمأموم والمنفرد، وقد روي عن الحكم صريحاً في الإمام، فأما في حق الإمام والمنفرد، فيحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون الصلاة انعقدت بمجرد النية، كما روي عنالزهري.
والثاني: أن تكون الصلاة إنما انعقدت بتكبيرة الركوع، وتكون القراءةُ ساقطةً عنهما في هذه الركعة، بناء على أن القراءة لا تجب في جميع الركعات وهذا هوَ الذي يتبادر فهمهُ من كلامهم.
وهو قول سفيان الثوري، ذكره أصحابه في كتبهم، لكنه يشترط: أن ينوي بتكبيرته عندَ الركوع تكبيرة الإحرام، كما سيأتي قوله في ذَلِكَ.
وأما قول بكر المزني: ((يكبر إذا ذكر)) ، فإن أراد ما يركع، فهوَ يرجع إلى ما ذكرنا، وإن كانَ مراده أعمَّ من ذَلِكَ، فلا يرجع إلا إلى أنَّ الصلاة يدخل فيهِا بمجرد النيةِ – أيضاً – إلا أن يكون أراد أنه يكبر متى ذكر، ويستأنف الصلاة من حينئذ.
وأما في حق المأموم، فقد وافق من تقدم ذكرهُ على قولهم يجزئه تكبيرة الركوع، مالك وأحمد – في رواية عنهما.
فذكر مالك في ((الموطأ)) في الإمام والمنفرد أنهما إذا نسيا تكبيرة الإحرام يبتدئان الصلاة.
وفي المأموم نسي تكبيرة الإحرام وكبر للركوع: رأيت ذَلِكَ مجزئاً عنه.
قالَ ابن عبد البر: قالَ الزهري والأوزاعي وطائفةٌ: تكبيرة الإحرام يبتدئان الصلاة.
وفي المأموم إذا نسي تكبيرة الإحرام وكبر للركوع: رأيت ذَلِكَ مجزئاً عنه.
قالَ ابن عبد البر: قالَ الزهري والأوزاعي وطائفة: تكبيرة الإحرام ليست بواجبة.
وقد روي عن مالك في المأموم ما يدل على هذا القول، ولم يختلف قوله في الإمام والمنفرد: أن تكبيرة الإحرام واجبة على كل واحدٍ منهما.
والصحيح من مذهبه: إيجاب تكبيرة الإحرام، وأنها فرضٌ ركنٌ من أركان الصلاة.
قلت: يمكن أن يحمل ما نقل عن السلف، أو عن بعضهم في المأموم خاصةً، وكذلك حكاه عنهم ابن عبد البر في المأموم خاصةً، وهذا أشبه وأظهر.
ويدل عليهِ: ما خرجه حربٌ بإسناده، عن خليد، عن الحسن وقتادة قالا: إن نسيت تكبيرة الاستفتاح وكبرت للركوع وأنت مع الإمام فقد مضت صلاتك.
وبإسناده، عن الوليد بن مسلم: قالَ أبو عمرو – يعني: الأوزاعي – فيمن نسي تكبيرة الاستفتاح: إن كانَ وحده استأنف الصلاة، وأن كانَ مع الإمام أجزأته تكبيرة الركوع، وكان كمن أدرك ركعة الإمام فكبر تكبيرة، وأمكن كفيه من ركبتيه، ورفع الإمام رأسه فقد أجزأتهُ تلك الركعة.
قالَ الوليد: فقلت لأبي عمرو: فإن نسي تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع؟ فأخبرني، أن ابن شهاب قالَ: يضيف إلى صلاته ركعةً، ولا يعتدُّ بتلك الركعة التي لم يكبِّر لها.
وقال أبو عمرٍو: وإذا كانَ وحده، فنسي الأولى والآخرة أعاد الصلاة وإذا كانَ مع الإمام أضاف إلى صلاته ركعةً أخرى.
فقد فرق الأوزاعي بين المنفرد والمأموم، وأما الزهري فلم يفرق.
والتفريق بينهما لهُ مأخذان:أحدهما: أن الإمام يتحمل عن المأموم التكبير، كما يتحمل عنه القراءة، وقد صرح بهذا المأخذ الإمام أحمد.
قالَ حنبل: سألت أبا عبد الله عن قول: إذا سها المأموم عن تكبيرة الافتتاح وكبر للركوع رأيت ذَلِكَ مجزئاً عنه؟ فقالَ أبو عبد الله: يجزئه إن كانَ ساهياً؛ لأن صلاة الإمام لهُ صلاةٌ.
فصرح بالمأخذ، وهو تحملُ الإمام عنه تكبيرة الإحرام في حال السهو.
ذكر هذه الرواية أبو بكر عبد العزيز في ((كتاب الشافي)) ، وهذه رواية غريبة عن أحمد، لم يذكرها الأصحاب.
والمذهب عندهم: أنه لا يجزئه، كما لا يجزئ الإمام والمنفرد، وقد نقله غير واحد عن أحمد.
ونقل إسماعيل بن سعيد، عن أحمد فيمن ترك تكبيرة الافتتاح في الصلاة؟ قالَ: إن تركها عمداً لم تجزئه صلاته.
ومفهومه: أنه إن تركها سهواً أجزأته صلاته.
وينبغي حمل ذَلِكَ على المأموم خاصةً، كما نقله حنبل.
وهذا المأخذ هوَ مأخذ من فرق بين الإمام والمأموم والمنفرد، كالأوزاعي؛ ولهذا طرد قوله في المأموم ينسى تكبيرة الافتتاح مع تكبيرة الركوع، وقال: إن صلاته جائزة، ويقضي ركعةً.
ولو كانَ مأخذه: أنصلاته انعقدت بالتكبيرة في الركعة الثانية، لم يكن بين الإمام والمأموم فرقٌ.
وهو – أيضاً – مأخذ مالك وأصحابه: وفي ((تهذيب المدونة)) : وإن ذكر مأموم أنه نسي تكبيرة الإحرام، فإن كانَ كبر للركوع ونوى بها تكبيرة الإحرام أجزأه، فإن كبرها ولم ينو بها ذَلِكَ تمادى مع الإمام، وأعاد صلاته احتياطاً؛ لأنه لا يجزئه عندَ ربيعة، ويجزئه عندَ ابن المسيب، وإن لَم يكبر للركوع ولا للافتتاح حتى ركع الإمام ركعةً ركعها معه، وابتدأ التكبير، وكان الآن داخلاً في الصلاة، ويقضي ركعةً بعد سلام الإمام، ولو كانَ وحده ابتدأ متى ذكر، قبل ركعةً أو بعد ركعةٍ، نوى بتكبيره الركوع الإحرام أم لا، وكذلك الإمام لا يجزئه إن نوى بتكبيرة الإحرام الركوع، فأن فعل أعاد هوَ ومن خلفه.
انتهى.
وهذا التفريق، إنما هوَ لتحمل الإمام القراءة.
وما ذكر مِن أن المسبوق إن لَم ينو بتكبيرته عند الركوع الإحرام يتمادى معَ الإمام، ويعيد صلاته احتياطاً، مخالف لما نص عليهِ مالك في ((الموطأ)) : أنَّهُ تجزئه صلاته إذا سها عَن تكبيرة الافتتاح.
ولكن في بعض رواية ((الموطأ)) عَن مالك، أنه اشترط في هَذا الموضع: نية الافتتاح - أيضاً.
وذكر ابن عبد البر: أن أصحاب مالك اضطربوا في هَذهِ المسألة اضطراباً عظيماً، ونقضوا أصلهم في وجوب تكبيرة الإحرام في حق المأموم؛ لأجل الاختلاف فيهِ.
وقد قالَ مالك في ((الموطأ)) : إن المأموم إذا نسي تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع وكبرَّ في الثانية، أنَّهُ يبتدئ صلاته أحبُّ إليَّ.
فظاهر هَذا: أنه لَم يوجب عليهِ الإعادة للاختلاف في تحمل الإمام عَنهُ التكبير، وهذا يدل على أنه رأى الاختلاف في حق المأموم خاصةً؛ فإنه قالَ في المنفرد: يعيد صلاته جزماً.
والمأخذ الثاني: وقد بنى ما روى عَن السلف عليهِ طائفة مِن العلماء، مِنهُم: عباس العنبري، وَهوَ: أن المأموم إذا أدرك الإمام في الركوع فكبر تكبيرة واحدةً، فإنه تجزئهُ وتنعقد صلاته عند جمهور العلماء، وفيه خلاف عَن ابن سيرين وحماد بنِ أبي سليمان.
وحكاه بعض أصحابنا روايةً عَن أحمد أنه لا يصح حتى يكبر تكبيرتين، ولا يصح هَذا عَن أحمد.
فعلى قول الجمهور: إذا كبر تكبيرةً واحدةً، فله أربعةُ أحوال: إحداها: أن ينوي بها تكبيرة الافتتاح، فتجزئه صلاته بغير توقف.
الحالة الثانية: أن ينوي تكبيرة الركوع خاصةً، فلا تجزئه عند الأكثرين -: قاله الثوري ومالك.
ونص عليهِ أحمد في رواية أبي الحارث، واحتج بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: ((تحريمها التكبير)) .
وهذا لَم يحرم بالصلاة.
فإن كانَ ساهياً عَن تكبيرة الإحرام، فقالَ مالك في ((الموطأ)) : تجزئه.
وَهوَ رواية حنبل عَن أحمد.
ولا تجزئه عند الثوري، وَهوَ المشهور عَن أحمد ومذهب الأكثرين.
الحالة الثالثة: أن ينويهما معاً، ففيه قولان: أحدهما: تجزئه، حكي عَن أبي حنيفة ومالك وأبي ثور، وحكي رواية عَن أحمد، اختارها ابن شاقلا.
والثاني: لا تجزئه، وَهوَ المشهور عند أصحابنا، وقول الشَافِعي وإسحاق.
الحالة الرابعة: أن لا ينوي شيئاً، بل يطلق النية، فهل تجزئه، أم لا؟ في قولان.
أحدهما: لا تجزئه حتى ينوي بها الافتتاح؛ فإنه قَد اجتمع في هَذا المحل تكبيرتان؛ إحداهما فرض، فاحتاج الفرض إلى تمييزه بالنية، بخلاف تكبير الإمام أو المنفرد أو المأموم إذا أدرك الإمام قبل الركوع، فإنه لَم يجتمع في حقه تكبيرتان في وقت واحدٍ.
وهذا القول حكي عَن أبي حنيفة، وَهوَ قول الثوري ومالك وإسحاق، ونقله ابن منصور وغير واحدٍ عَن أحمد.
وقاله أبو بكر عبد العزيز بنِ جعفر مِن أصحابنا في ((كتب الشافي)) والقاضي أبو يعلى في ((جامعه الكبير)) ، وجعله المذهب روايةً واحدةً، وتأول ما خالف ذَلِكَ عَن أحمد.
والثاني: تجزئه وإن أطلق النية -: نقله ابن منصور - أيضاً - عَن أحمد، ونقله - أيضاً - صالح ومهنا وأبو طالب عَن أحمد.
وقال: ما علمنا أحداً قالَ: ينوي بها الافتتاح.
يشير إلى الصحابة والتابعين.
وعلل: بأنَّهُ خرج مِن بيته وَهوَ يريد الصلاة.
يشير إلى أن نية الصلاة موجودة معه؛ بخروجه إلى الصلاة، فلا يكبر للصلاة إلا بتلك النية، ولا يكبر للركوع إلا مِن دخل في الصلاة ن فأما مِن لَم يكن دخل فيها فإنما يكبر لدخوله فيالصلاة أولاً، ولا يضره عدم استحضاره لهذه النية عند التكبيرة؛ لأن تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير جائزٌ عنده.
وللشافعي قولان في هَذهِ المسألة.
وقد يجاب عَن قول مِن قالَ: إنه قَد اجتمع في حقه تكبيرتان بأنهما لَم تجتمعا عليهِ؛ فإن تكبيرة الافتتاح محلها القيام، وتكبيرة الركوع محلها الانحناء للركوع، فلم تجتمعا في محل واحد.
وهذا بناءً على أنه لا تنعقد صلاة مدرك الركوع، إلا بالتكبير قائماً، وَهوَ قول الشَافِعي وإسحاق وأصحابنا.
وحكى صاحب ((شرحِ المهذب)) أنه رواية عَن مالك.
قالَ: والمشهور عَنهُ: أنه تنعقد صلاته إذا كبر وَهوَ مسبوق في حال الركوع.
قالَ: وَهوَ نصه في ((المدونة)) و ((الموطأ)) .
قلت: هَذا مقتضى الرواية عَن مالك في المأموم إذا نسي تكبيرة الافتتاح وكبر للركوع: أنه تجزئه، كذا رواه القعنبي وغيره عَن مالك.
ورواه يحيى بنِ يحيى، عَن مالك بشرط أن ينوي بها الافتتاح.
فينبغي على هَذا: أن لا يأتي بها إلا قائماً.
أو مقتضى قول مِن قالَ: تجزئه تكبيرة الركوع عَن تكبيرة الإحرام: أنه تنعقد الصلا بالتكبير في حال الركوع؛ لأن تكبيرة الركوع إنما تكون في حال الانحناء للركوع.
وقد روى عبد الرزاق في ((كتابه)) عَن ابن جريج، قالَ: أخبرت عَن ابن مسعود، أنه كانَ يقول: إذا وجدت الإمام والناس جلوساً في آخر الصلاة فكبر قائماً، ثم اجلس وكبر حين تجلس، فتلك تكبيرتان: الأولى وأنت قائملاستفتاح الصلاة، الأخرى حين تجلس؛ كأنها للسجدة.
وهذا منقطع.
وهذا التفسير كأنه مِن قول ابن جريج.
وروى وكيع، عَن إبراهيم بن إسماعيل بنِ مجمع، عَن الزهري، عن عروة وزيد بنِ ثابت، أنهما كانا يجيئان والامام راكع، فيكبران تكبيرة الافتتاح، لافتتاح الصلاة وللركعة.
إبراهيم هَذا، فيهِ مقال.
وقد رواه معمر وإبراهيم بنِ سعد وابن أبي ذئب، عَن الزهري، عَن ابن عمر وزيد بنِ ثابت، قالا: تجزئه تكبيرة واحدةٌ.
وروي عَن معمر، عَز الزهري، سالم، عَن ابن عمر وزيد.
فيصير إسناده متصلاً.
وليس في رواية أحدٍ مِنهُم يكبر للافتتاح،، وهذا أصح - إن شاء الله تعالى.
83 - باب رَفعِ اليدَينِ في التَّكبيرَةِ الأُولَى معَ الاِفْتِتَاحِ سَواءً735 - حدثنا عبد الله بنِ مسلمة، عَن مالك، عَن ابن شهاب، عَن سالم بنِ عبد الله، عَن أبيه، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع حَذو منكبيه إذا افتتحَ الصلاة وإذا كبر للركوع، واذا رفعَ رأسه مِن الركوع رفعهما كذلك أيضاً، وقالَ: ((سمع الله لمن حمدهُ، ربنا ولك الحمد)) ، وكان لا يفعل ذَلِكَ في السجود.
مقصود بهذا الحديث في هَذا الباب مسألتان إحداهما: أن رفع اليدين عند افتتاح الصلاة مشروع، وهذا كالمجمع عليهِ.
قالَ ابن المنذر: لَم يختلف أهلُ العلم أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع يديه إذا افتتح الصلاة.
وحكى بعضهم رواية عَن مالك، أنه لا يرفع يديه في الصلاة بحالٍ -: ذكره ابن عبد البر وغيره.
ولعل ذَلِكَ لا يصح عَن مالك، وحديثه هَذا مجمع على صحته لا مطعن لأحد فيهِ.
والرفع في افتتاح الصلاة سنةٌ مسنونة، وليس بركنٍ ولا فرض عندجمهور العلماء، ولا تبطل الصلاة بتركهِ عند أحد مِنهُم.
وحكي عَن الحميدي وداود وأحمد بنِ يسار مِن الشافعية: أنه تبطل الصلاة بتركه.
وروي عن علي بنِ المديني ما يشبهه، وأن الرفع واجب، لا يحل تركه.
ونقل حرب، عَن إسحاق ما يدل على بطلان الصلاة بترك الرفع عند تكبيرة الإحرام، وأنه واجب.
وَهوَ قول أبي بكر بنِ أبي شيبة والجوزجاني.
وقال ابن خزيمة: هوَ ركن مِن أركان الصلاة، حكاه الحاكم في ((تاريخ نيسابور)) عَن خاله أبي علي المؤذن - وأثنى عليهِ -، أنَّهُ سمع ابن خزيمة يقوله.
وحكاه ابن بد البر روايةً عَن الأوزاعي؛ لقوله فيمن ترك الرفع: نقصت صلاته.
وهذا لا يدل؛ فإن مراده: لَم يتم سننها، كَما قالَ ابن سيرين: الرفع مِن تمام الصلاة.
ونص أحمد على أن مِن ترك الرفع نقصت صلاته.
وفي تسميته: ((مِن تمام الصلاة)) ، عَنهُ روايتان.
ولا خلاف أنَّهُ لا يبطل تركه عمداً ولا سهواً.
وتوقف إسحاق بنِ راهوية في تسميته: ((ناقص الصلاة)) ، وقال: لا أقول سفيان الثوري ناقص الصلاة.
واستدل الأكثرون على أنَّهُ غير واجب، بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَم يعلمه المسيءفي صلاته، كَما علمه التكبير لافتتاح الصلاة، ولو كانَ حكم الرفع حكم التكبير لعلمه إياه معه.
وقد روى الوليد بنِ مسلم، عَن الأوزاعي: حدثني إسحاق بنِ عبد الله بنِ أبي طلحة، قالَ: بصر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجلٍ يسيء في صلاته، فقالَ لَهُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أحسن صلاتك)) ، وأمره برفع يديه عند تكبيرة الاستفتاح للصلاة، وبالقراءة، وبرفع يديه إذا كبر للركوع، وبرفع يديه عند تكبيرة السجدة التي بعد الركوع.
خرجه ابن جوصا في ((مسند الأوزاعي)) .
وَهوَ مرسل.
ورواه جماعةٌ عَن الوليد، عَن الأوزاعي، عَن إسحاق، عَن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يفعل ذلك في صلاته.
وَهوَ أصح.
وفي رواية: أن الوليد لَم يسمعه مِن الأوزاعي.
والوليد مدلس عَن غير الثقات، وقد استنكر الإمام أحمد حديثه هَذا.
المسألة الثانية: أن الرفع يكون معَ التكبير سواءً؛ ولهذا بوبَ عليهِ: ((رفع اليدين في التكبيرة الأولى معَ الافتتاح سواءً)) .
ومراده بالافتتاح: التكبيرة نفسها؛ فإن هَذهِ التكبيرة هي افتتاح الصلاة، كَما في حديث عائشة: كانَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفتتح الصلاة بالتكبير.
فالصلاة لها مفتاح، وَهوَ الطهور، كَما في حديث علي وأبي سعيد مرفوعاً: ((مفتاح الصلاة الطهور)) .
ولها افتتاح، وَهوَ التكبير , ولها استفتاح، وَهوَ ما يقوله بين التكبير والقراءة مِن الذكر والدعاء.
وممن ذهب إلى أن رفع اليدين معَ تكبيرة الإحرام سواء، فيبدأُ بهِ معَ ابتدائها، وينتهي معَ انتهائها: الإمام أحمد وعلي بنِ المديني، ونص عليهِ الشَافِعي في ((الأم)) ، قالَ: يرفع يديه معَ افتتاح التكبيرة، ويرد يديه عَن الرفع معَ انقضائه، ويثبت يديه مرفوعتين حتى يفرغ مِن التكبير كله.
وقال: إن أثبت يديه بعد انقضاء التكبير قليلاً لَم يضره، ولا آمره بهِ.
ومن أصحابه مِن قالَ: يرفع يديه ابتداء التكبير، ولا استحباب في انتهائه.
ومنهم مِن قالَ: يرفعهما قبل التكبير، ثُمَّ يرسلهما بعد فراغه مِن التكبير.
وقال إسحاق: إن رفع يديه معَ التكبير أجزأهُ، وأحب إلينا أن يرفع يديه، ثُمَّ يكبر.
وحكاه بعض أصحابنا روايةً عَن أحمد.
ومن أصحابنا مِن قالَ: يخير بين الرفع معَ التكبير وقبله، وهما سواء في الفضيلة وقد استدل البخاري لقوله بحديث ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع يديه إذا افتتح الصلاة.
يعني: إذا كبر للافتتاح.
وقد خرجه فيما بعد، ولفظهُ: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - افتتح التكبير فيالصلاة، فرفع يديه حين يكبر - وذكر الحديث.
وفي رواية لمسلم مِن طريق ابن جريج ويونس وعقيل، كلهم عَن الزهري بهذا الإسناد، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ إذا قام للصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، ثُمَّ كبر.
وروى الإمام أحمد، عن سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قالَ: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه مع التكبير معا.
قالَ الدارقطني في ((العلل)) : رواه يونس وعقيل وابن أخي الزهري والنعمان ابن راشد والزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع يديه، ثم يكبر.
رواه شعيب بن أبي حمزة وإبراهيم ابن أبي عبلة وابن جريج وفليح وهشيم وإسماعيل بن علية وابن عيينة، عن الزهري، وقالوا: يرفع يديه حين يكبر.
وخرج أبو داود من حديث وائل بن حجر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه رفع يديه ثم كبر.
وخرج - أيضا - من حديث وائل بن حجر، أنه رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه مع التكبيرة.
وروى حرب الكرماني: ثنا محمد بن الوزير: ثنا الوليد بن مسلم، قالَ: قالَ أبو عمرو: أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عنأنس بن مالك أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفعهما مع التكبير.
وقد تقدم ذكر علة هذا الحديث، وأنه روي مر سلا، وأن الوليد لم يسمعه من الأوزاعي، بل دلسه عنه.
وروى - أيضا - من طريق ابن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة، قالَ: ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام إلى الصلاة قط إلا شهر بيديه إلى السماء قبل أن يكبر، ثم يكبر.
وقد حمل بعضهم هذا على أن هذا الرفع كانَ للدعاء قبل الصلاة.
وخرجه البيهقي، ولفظه: ما رأيت رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام في صلاة فريضة ولا تطوع إلا شهر يديه إلى السماء يدعوا، ثم يكبر.
وقد روي عن ابن عمر وغيره استحباب رفع رأسه ووجهه إلى السماء _ أيضا _ مع التكبير.
خرجه حرب بإسناده صحيح، عن ابن جريج، قالَ: سألت نافعا، فقلت: أكان ابن عمر إذا كبر بالصلاة يرفع رأسه ووجهه إلى السماء؟ فقالَ: نعم قليلا.
ومن طريق ابن جريج - أيضا -، قالَ: أخبرني ابن سابط، أن وجه التكبير: أن يكبر الرجل بيديه ووجهه وفيه، ويرفع رأسه وفاه شيئا حين يبدىء وحين يرفع رأسه.
وأعلم؛ أن حديث مالك الذي خرجه البخاري في هذا الباب، عن القعنبي، عنه ليس فيهِ ذكر الرفع إذا ركع، إنما فيهِ الرفع افتتح الصلاة، وإذا رفع رأسه من الركوع، وكذا هوَ في ((موطأ القعنبي)) عن مالك، وكذا رواه عامة رواة ((الموطأ)) عن مالك.
ورواه جماعة عن مالك، فذكروا فيهِ الرفع إذا كبر للركوع - أيضاً - منهم: الشافعي وابن وهب ويحيى القطان وابن مهدي وجويرية بن أسماء وإبراهيم بن طهمان ومعن وخالد بن مخلد وبشر بن عمر وغيرهم.
وكذلك رواه عامة أصحاب الزهري، عنه، منهم: يونس وشعيب وعقيل وابن جريج وغيرهم.
وكذلك رواه سليمان الشيباني والعلاء بن عبد الرحمن وغيرهما، عن سالم ابن عبد الله.
ذكر البيهقي وغيره.
وممن رواه عن مالك بذكر الرفع عندَ الركوع: عبد الله بن يوسف التنيسي وابن المبارك وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن نافع وإسماعيل بن أبي أويس ويحيى بن يحيى النيسابوري.
84 - بَابُ رَفعُ الْيَدَيَنِ إذَا كَبَّر، وَإِذَا ركَعَ، وإِذَا رَفّعَ فيهِ حديثان: أحدهما: قالَ:736 - حدثنا محمد بن مقاتل: ثنا عبد الله: أنا يونس، عن الزهري: أخبرني سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، قالَ: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذَلِكَ حين يكبر للركوع، ويفعل ذَلِكَ إذا رفع رأسه من الركوع، ويقول: ((سمع الله لمن حمده)) ، ولا يفعل ذَلِكَ في السجود.
الثاني: قالَ:737 - حدثنا إسحاق الواسطي: ثنا خالد بن عبد الله، عن خالد، عن أبي قلابة، أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وحدث أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صنع هكذا.
لم يخرج البخاري في ((صحيحه)) في رفع اليدين غير حديث ابن عمر وحديث مالك بن الحويرث، وقد أفرد للرفع كتابا، خرج فيهِالأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة، وكذلك صنف في الرفع غير واحد من أئمة أهل الحديث، منهم: النسائي ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما.
وسبب اعتنائهم بذلك: أن جميع أمصار المسلمين، كالحجاز واليمين ومصر والعراق كانَ عامة أهلها يرون رفع الأيدي في الصلاة عندَ الركوع والرفع منه، سوى أهل الكوفة، فكانوا لا يرفعون أيديهم في الصلاة، إلا في افتتاح الصلاة خاصة، فاعتنى علماء الأمصار بهذه المسألة، والاحتجاج لها، والرد على من خالفها.
قل الأوزاعي: ما اجتمع عليهِ علماء أهل الحجاز والشام والبصرة: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر لافتتاح الصلاة، وحين يكبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، إلا أهل الكوفة، فإنهم خالفوا في ذَلِكَ أئمتهم.
خرجه ابن جرير وغيره.
وقال البخاري في ((كتابه رفع اليدين)) بعد أن روى الآثار في المسألة: فهؤلاء أهل مكة والمدينة واليمن والعراق قد اتفقوا على رفع الأيدي.
وقال محمد بن نصر المروزي: لا نعلم مصرا من الأمصار تركوا الرفع بأجمعهم في الخفض والرفع منه، إلا أهل الكوفة.
وروى البيهقي بإسناده عن الأوزاعي، أنه تناظر هوَ والثوري في هذه المسألة بمكة، وغضب واشتد غضبه، وقال للثوري: قم بنا إلى المقام نلتعنأينا على الحق، فتبسم الثوري لما رأى الأوزاعي قد احتد رضي الله عنهما.
وحديث الزهري، عن سالم، عن ابن عمر مما اتفق العلماء كلهم على صحته وتلقيه بالقبول، وعليه اعتمد أئمة الإسلام في هذه المسألة، منهم: الأوزاعي وابن المبارك، وقال: ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
كذلك قالَ الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم.
وأما مالك، فإنه خرجه في ((كتاب الموطإ)) في ((باب: افتتاح الصلاة)) ، وذكر عن نافع، عن ابن عمر، أنه كانَ يعمل به.
وقد روى عامة أصحاب مالك، أنه كانَ يعمل به، منهم: ابن وهب وأبو مصعب وأشهب والوليد بن مسلم وسعيد بن أبي مريم.
وإنما روى عنه الرفع عندَ افتتاح الصلاة خاصة: ابن القاسم، قالَ: وكان مالك يرى رفع اليدين في الصلاة ضعيفا.
وقال: إن كانَ ففي الإحرام.
قالَ محمد بن الحكم: لم يرو أحد عن مالك مثل رواية ابن القاسم.
وذكر ابن عبد البر، عن أحمد بن خالد _ وهو: ابن الجباب، وكان أعلم أهل الأندلس بالفقه والحديث في وقته -، قالَ: كانَ جماعة من أصحابنا يرفعون أيديهم في الصلاة على حديث ابن عمر، ورواية من روى ذَلِكَ عن مالك وجماعة لا يرفعون، على رواية ابن القاسم، ولايعيب هؤلاء على هؤلاء، ولا هؤلاء على هؤلاء.
قلت: افترق الناس في هذه المسألة فرقا ثلاثة.
ففرفة منهم: تنكر على من يرفع أو تبدعه، وهؤلاء عامة فقهاء أهل الكوفة، حتى غالى بعصهم فجعله مبطلا للصلاة، وادعى بعضهم أن الرفع نسخ.
وقد وافقهم بعض المتقدمين من أهل الشام، حتى ضرب من رفع يديه في صلاته في زمن عمر بن عبد العزيز وغضب عمر من ذَلِكَ وأنكره على من فعله وحجبه عنه.
وفرقة: لا ينكرون على واحد من الفريقين، ويعدون ذَلِكَ من مسائل الخلاف السائغ، ثم منهم من يميل إلى الرفع، ومنهم من يميل إلى تركه، ومنهم: سفيان الثوري.
وقد روى ابن أبي شيبة في ((كتابه)) عن طائفة كثيرة من الصحابة والتابعين، أنهم لم يرفعوا أيديهم إلا عندَ الافتتاح، منهم عمر وابن عمر.
وهي رواية مجاهد عنه، وقد ضعفها الإمام أحمد والبخاري والدارقطني وغيرهم.
ومنهم: علي وابن مسعود وأصحابهما.
وقد روى ذَلِكَ عن علي وابن مسعود مرفوعا، وضعف المرفوع عامة أئمة الحديث قديما وحديثا.
وأكثر الصحابة والتابعين على الرفع عندَ الركوع، والرفع منه - أيضا -، حتى قالَ قتادة، عن الحسن: كانَ أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاتهم كأن أيديهم أيديهم المراوح، إذا ركعوا وإذا رفعوا رؤسهم.
وقال عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير أنه سئل عن رفع اليدين في الصلاة، فقالَ: هوَ شيء يزين به الرجل صلاته؛ كانَ أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفعون أيديهم في الافتتاح، وعند الركوع، وإذا رفعوا رؤسوهم.
وهو قول عامة التابعين.
وقال عمر بن عبد العزيز: إن كنا لنؤدب عليها بالمدينة إذا لم نرفع أيدينا.
وقول عامة فقهاء الأمصار.
وكان الإمام أحمد لا بيالغ في الإنكار على المخالفة في هذه المسألة: روى عنه المروذي وغيره، أنه سئل عمن ترك الرفع يقال: إنه تارك للسنة؟ قالَ: لا تقل هكذا، ولكن قل: راغب عن فعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ونقل عنه الميموني، قالَ: الرفع عندنا أكثر وأثبت، فإن تأول رجل، فما أصنع؟ ! وسئل الإمام أحمد، فقيل لهُ: إن عندنا قوما يأمروننا برفع اليدين في الصلاة، وقوما ينهوننا عنه؟ فقالَ: لا ينهاك إلا مبتدع، فعل ذَلِكَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان ابن عمر يحصب من لا يرفع.
فلم يبدع إلا من نهى عن الرفع وجعله مكروها، فأما المتأول فيتركه من غير نهي عنه فلم يبدعه.
وقد حمل القاضي أبو يعلى قول أحمد: أنه مبتدع، على من ترك الرفع عندَ تكبيرة الإحرام.
وهو بعيد.
ونقل جماعة عن أحمد في تارك الرفع، أنه يقال: إنه تارك السنة.
قالَ القاضي أبو يعلى: إنما توقف في ذَلِكَ في رواية المروذي متابعة للفظ المروي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قالَ: ((من رغب عن سنتي فليس مني)) ، وإلا ففي الحقيقة: الراغب عن الرفع هوَ التارك لهُ.
ونقل حرب، عن أحمد، قالَ: أنا أصلي خلف من لا يرفع يديه، والرفع أحب إلي وأصح.
وكلام البخاري في ((كتاب رفع اليدين)) لهُ إنما يدل على الإنكار على من أنكر الرفع، وقال: هوَ بدعة - أيضاً.
وخرج مسلم في ((صحيحه)) في الرفع عندَ الركوع والرفع منه حديث ابن عمر ومالك بن الحويرث - أيضاً.
وخرجه - أيضاً - من حديث وائل بن حجر.
وخرجه أبو داود والترمذي من حديث علي بن أبي طالب، ومن حديث أبي حميد في عشرة من الصحابة، منهم: أبو قتادة.
وخرجه ابن ماجه - أيضا.
وخرجه أبو داود - أيضا - من حديث أبي هريرة.
وخرجه ابن ماجه من حديث أنس وجابر وابن عباس.
وقد روي من وجوه أخر، حتى قالَ بعضهم: رواه قريب من ثلاثين نفسا من الصحابة.
وقال غيره: رواه نيف وثلاثون من الصحابة.
وقال الحاكم: رواه العشرة المشهود لهم بالجنة.
وفي هذه العبارات تسامح شديد، وقد ذكرت هذه الأحاديث وطرقها وعللها في ((كتاب شرح الترمذي)) بحمد الله ومنه.
وأحسن من ذَلِكَ: قول الشافعي: رواه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنا عشر غير ابن عمر.
وهذه عبارة صحيحة حسنة مليحة.
وكذا قالَ ابن عبد البر وغيره من الحفاظ.
وذكر الترمذي في ((جامعه)) لهُ أربعة عشر روايا عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ولم يوجب الرفع عندَ الركوع والرفع منه، ويبطل الصلاة بتركه، إلا شذوذ من الناس من أصحاب داود ونحوهم.
وسئل حماد بن زيد، عن معنى رفع اليدين في الصلاة؟ فقالَ: هوَ من إجلال الله.
خرجه أبو موسى المديني.
وقال الشافعي: فعلته إعظاما لجلال الله، واتباعا لسنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،ورجاء لثواب الله.
خرجه البيهقي في ((مناقبه)) .
85 - بَابُ إلَى أيْنَ يرفَعُ يَدَيْه؟ قالَ أبو حميد - في أصحابه -: رفع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حذو منكبيه.
حديث أبي حميد هذا، قد خرجه البخاري فيما بعد من رواية محمد بن عمرو بن عطاء، أنه كانَ جالسا في نفر من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكرنا صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالَ أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه _ وذكر بقية الحديث، ولم يذكر فيهِ رفع اليدين في غير هذا الموضع.
وخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من وجه آخر، عن محمد ابن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد، قالَ: سمعته في عشرة من الصحابة، منهم: أبو قتادة، ويقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قالوا: فاعرض قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قالَ: ((الله أكبر)) ، وركع، ثم قالَ: ((سمع الله لمن حمده)) ، ورفع يديه.
وعند أبي داود: ثم يرفع رأسه، فيقول: ((سمع الله لمن حمده)) ، ثم يرفع يديه حتى تحاذي منكبيه معتدلا.
وفي حديثه - أيضا -: رفع اليدين إذا قام من الركعتين.
وفي رواية للترمذي: قالوا: صدقت؛ هكذا كانَ يصلي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ورواه _ أيضا _: عباس بن سهل بن سعد، قالَ: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالَ أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام فكبر.
ورفع يديه، ثم رفع حين كبر للركوع، ثم قام فرفع يديه فاستوى حتى رجع كل عظم إلى موضعه.
خرجه أبن ماجه.
وخرجه أبو داود مختصرا.
وخرجه من وجه آخر، عن عباس مختصرا - أيضا -، وذكر أنه كانَ في المجلس: سهل بن سعد وأبو هريرة وأبو حميد وأبو أسيد.
وقد صحح الترمذي هذا الحديث.
وذكر الخلال، عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي، قالَ: سئل أحمد بن حنبل عن حديث أبي حميد الساعدي، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رفع الأيدي؟ فقالَ: صحيح.
قالَ البخاري:738 - حدثنا أبو اليمان: أنا شعيب، عن الزهري: أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قالَ: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع فعل [مثل ذَلِكَ] ، وإذا قالَ: ((سمع الله لمن حمده)) فعل مثله، وقال: ((ربنا ولك الحمد)) ولا يفعل ذَلِكَ حين يسجد، ولا حين يرفع من السجود.
ومراد البخاري: أن حديث ابن عمر فيهِ رفع اليدين إلى المنكبين، وكذلك حديث أبي حميد ومن معه من الصحابة.
وكذلك روي من حديث علي بن أبي طالب وأبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
خرج حديثهما أبو داود.
وخرج مسلم من حديث مالك بن الحويرث، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع يديه إلى فروع أذنيه.
وقد روى عنه - أيضا -: ((إلى حذو منكبيه)) .
خرجه الدارقطني.
واختلفت ألفاظ الروايات في حديث وائل بن حجر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فروي عنه الرفع إلى حيال أذنيه.
وروي عنه: الرفع إلى المنكبين.
ورويعنه: أنه جاء بعد ذَلِكَ في الشتاء، فرآهم يرفعون أيديهم في الأكسية والبرانس إلى صدورهم.
وقد خرجه أبو داود وغيره بهذه الألفاظ.
وقد اختلف العلماء في الترجيح: فمنهم: من رجح رواية من روى: الرفع إلى المنكبين؛ لصحة الروايات بذلك، واختلاف ألفاظ روايات الرفع إلى الأذنين.
وهذه طريقة البخاري، وهي _ أيضا _ ظاهر مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، عملا بحديث ابن عمر، فإنه أصح أحاديث الباب، وهو _ أيضا _ قول: أكثر السلف، وروي عن عمر بن الخطاب.
قالَ ابن عبد البر: عليهِ جمهور التابعين، وفقهاء الأمصار، وأهل الحديث.
ومنهم: من أخذ بحديث مالك بن الحويرث في الرفع إلى فروع الأذنين، وهو قول أهل الكوفة، منهم: النخعي وأبو حنيفة والثوري، وقول أحمد - في رواية عنه -، رجحها أبو بكر الخلال.
ومنهم: من قالَ: هما سواء لصحة الأحاديث بهما، وهو رواية أخرى عن أحمد، اختارها الخرقي وأبو حفص العكبري وغيرهما.
وقال ابن المنذر: هوَ قول بعض أهل الحديث، وهو حسن.
وروى مالك في ((الموطأ)) عن نافع، عن ابن عمر، أنه كانَ إذا ابتدأ الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع من الركوع رفعهما دون ذَلِكَ.
وخرجه أبوداود، وذكر أنه انفرد به مالك.
قالَ: وذكر الليث: قالَ ابن جريج: قلت لنافع: أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهن؟ قالَ: لا سواء.
قلت: أشر لي.
فأشار إلى الثديين أو أسفل من ذَلِكَ.
وقال حرب الكرماني: ربما رأيت أحمد يرفع يديه إلى فروع أذنيه، وربما رفعهما إلى منكبيه، وربما رفعهما إلى صدره، ورأيت الأمر عنده واسعا.
وقال طائفة من الشافعية: جمع الشافعي بين الروايات في هذا، بأنه يرفعهما حتى تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه.
قالوا: ومن حكى للشافعي ثلاثة أقوال في ذَلِكَ فقد وهم.
واختلفوا في المرأة: كيف ترفع يديها في الصلاة؟ فقالت طائفة: ترفع كما يرفع الرجل إلى المنكبين.
روي عن أم الدرداء، أنها كانت تفعله، وهو قول الأوزاعي والشافعي.
وقالت طائفة: ترفع إلى ثدييها، ولا تزيد على ذَلِكَ، وهو قول حماد وإسحاق.
وروي نحوه عن حفصة بنت سيرين، أنها كانت تفعله.
وقال أحمد - في رواية عنه - ترفع يديها في الصلاة، ولا ترفع كما يرفع الرجل، دون ذَلِكَ.
ونقل عنه جماعة، أنه قالَ: ما سمعنا في المرأة، فإن فعلت فلا بأس.
قالَ القاضي أبو يعلى: ظاهر هذا: أنه رآه فعلا جائزا، ولم يره مسنونا.
وقال عطاء: ترفع دون رفع الرجل، وإن تركته فلا بأس.
86 - بابُ رَفْعِ الَيدَيْنِ إذا قَامَ منَ الرَّكْعَتَيْنِ739 - حدثنا عياش: ثنا عبد الأعلى، قالَ: ثنا عبيد الله، عن نافع، أن ابن عمر كانَ إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قالَ: ((سمع الله لمن حمده)) رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذَلِكَ ابن عمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ورواه حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ورواه إبراهيم بن طهمان، عن أيوب وموسى بن عقبة - مختصرا.
عياش، هوَ: ابن الوليد الرقام البصري.
وعبد الأعلى، هوَ: ابن عبد الأعلى الشامي البصري.
وقد روى هذا الحديث، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر - مرفوعا.
وأنما رواه الناس عن عبيد الله - موقوفا - منهم: عبد الوهاب الثقفي ومحمد بن بشر، إلا أن محمدا لم يذكر فيهِ: الرفع إذا قام من الركعتين.
وكذلك رواه أصحاب نافع عنه موقوفا.
فلهذا المعنى احتاج البخاريإلى ذكر من تابعه عبد الأعلى على رفعه؛ ليدفع ما قيل من تفرده به.
فقد قالَ الإمام أحمد في رواية المروذي وغيره: رواه عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، وبلغني أن عبد الأعلى رفعه.
وقد روي عن أحمد، أنه صحح رفعه، وسنذكره _ إن شاء الله سبحانه وتعالى.
وقال الدارقطني في ((العلل)) : أشبهها بالصواب عن عبيد الله: ما قاله عبد الأعلى.
ثم قالَ: والموقوف عن نافع أصح.
وخرجه أبو داود في ((السنن)) ، عن نصر بن علي، عن عبد الأعلى، كما خرجه البخاري مرفوعا.
ثم قالَ: الصحيح: قول ابن عمر، وليس بمرفوع.
قالَ: روى بقية أوله عن عبيد الله وأسنده.
قالَ: ورواه الثقفي، عن عبيد الله، أوقفه على ابن عمر، وقال فيهِ: إذا قام من الركعتين يرفعهما إلى ثدييه وهذا هوَ الصحيح.
ورواه الليث بن سعد ومالك وأيوب وابن جريج _ موقوفا.
وأسنده حماد بن سلمة وحده، عن أيوب، ولم يذكر أيوب ومالك: الرفع إذا قام من السجدتين، وذكره الليث في حديثه - انتهى.
وقد رفعه بعضهم عن مالك، ولا يصح،قد رواه رزق الله بن موسى، عن يحيى القطان، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه كانَ إذا دخل في الصلاة رفع يديه نحو صدره، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بعد ذَلِكَ.
قالَ العقيلي والدارقطني: لا يتابع رزق الله على رفعه.
وذكر الدارقطني: أن عبد الله بن نافع الصائغ وخالد بن مخلد وإسحاق الجندي رووه، عن مالك - مرفوعا.
قالَ: ولا يصح ذَلِكَ في حديث مالك، عن ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع في كل رفع ووضع.
وقال: وهذا وهم على مالك في رفعه ولفظه.
قالَ: ورواه إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، عن نافع، عن ابن عمر - مرفوعا - أيضا.
وإسماعيل، سيء الحفظ لحديث الحجازيين.
ورواه إساعيل - أيضا - عن موسى بن عقبة وعبيد الله كلاهما، عن نافع، عن ابن عمر - مرفوعا - في التكبير في هذه المواضع الأربعة، دون الرفع.
وأما رواية إبراهيم بن طهمان التي استشهد بها البخاري، فخرجها البيهقي من رواية إبراهيم بن طهمان، عن أيوب بن أبي تميمة وموسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كانَ يرفع يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا استوى قائما من ركوعه حذو منكبيه، ويقول: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعل ذَلِكَ.
ولم يذكر في حديثه: الرفع إذا قام منالركعتين.
وهذا هوَ الرفع الذي أشار إليه البخاري.
قالَ الدارقطني: وتابع إبراهيم بن طهمان: حماد بن سلمة، عن أيوب _ وقيل: عن هدبة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، وإنما أراد: حماد بن سلمة: والله أعلم.
والصحيح: عن حماد بن زيد، عن أيوب _ موقوفا.
وكذا قالَ أبو ضمرة، عن موسى بن عقبة.
قالَ: وروي عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر - مرفوعا -: قاله محمد بن شعيب بن شابور.
وروي عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا.
ورواه إسماعيل بن أمية والليث، عن نافع، عن ابن عمر موقوفا.
قالَ: والموقوف عن نافع أصح.
انتهى.
قالَ: وروي عن يحيى بن أبي كثير، عن نافع وسالم، عن ابن عمر _ مرفوعا.
قلت: هوَ غير محفوظ عن يحيى.
وهذا هوَ المعروف عن الإمام أحمد وقول أبي داود والدارقطني.
فرواية نافع، عن ابن عمر، الأكثرون على أن وقفها أصح من رفعها، وكل هؤلاء لم يذكروا في رواياتهم القيام من الثنتين، وصحح رفعهاالبخاري والبيهقي.
قالَ ابن عبد البر: هذا أحد الأحاديث الأربعة التي اختلف فيها سالم ونافع، فرفعها سالم ووقفها نافع، والقول فيها قول سالم، ولم يلتفت الناس إلى نافع، هذا أحدهما.
والثاني: حديث: ((فيما سقت السماء العشر)) .
والثالث: حديث ((من باع عبدا وله مال)) .
والرابع: حديث: ((تخرج نار من قبل اليمن)) .
انتهى.
وقال النسائي والدارقطني: أحاديث نافع الثلاثة الموقوفة أولى بالصواب.
ورجح أحمد وقف: ((فيما سقت السماء)) وتوقف في حديث: ((من باع عبدا لهُ مال)) .
وقال إذا اختلف سالم ونافع فلا يقضى لأحدهما.
يشير إلى أنه لا بد من الترجيح بدليل.
وقد روي الرفع إذا قام من الركعتين من رواية سالم، عن ابن عمر.
خرجه النسائي من طريق معتمر، عن عبيد الله بن عمر، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع يديه إذا دخل في الصلاة , وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام من الركعتين.
يرفع يديه كذلك حذاء المنكبين.
وروي - أيضا - عن الثقفي، عن عبيد الله، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أنه كانَ إذا نهض رفع يديه.
فتبسم، وقال: كم روي هذا عن الزهري، ليس فيهِ هذا، وضعفه.
ورواه - أيضا - أبو سعيد ابن الأعربي، عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن عاصم، عن عبيد الله بن عمر كذلك.
وذكر الدارقطني في ((العلل)) : أن معتمر بن سليمان والثقفي روياه عن عبيد الله بن عمر - مرفوعا، وذكرا فيهِ: الرفع إذا قام من الثنتين.
ورواه ابن المبارك، عن عبيد الله، فلم يذكر: الرفع إذا قام من الثنتين من الثنتين.
ورواه - أيضا - إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية، عن أيوب، عن سالم، عن ابن عمر.
خرجه الطبراني.
وهذا غير محفوظ عن أيوب.
وقد روي عن ابن عمر _ مرفوعا _ من وجه آخر.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود من طريق محمد بن فضيل، عنعاصم بن كليب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه.
وخالفه عبد الواحد بن زياد، فرواه عن محارب بن دثار، عن ابن عمر - موقوفا - في الرفع عندَ الإحرام والركوع والرفع منه خاصة.
قالَ الدارقطني: وكذلك رواه أبو إسحاق الشيباني والنضر بن محارب بن دثار، عن محارب، عن ابن عمر - موقوفا.
وقد روي الرفع إذا قام من الركعتين في حديث أبي حميد وأصحابه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد سبق ذكره.
وفي حديث علي بن أبي طالب وأبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ?.
خرجهما أبو داود وغيره.
وقد تكلم في حديث أبي هريرة أبو حاتم الرازي والدارقطني.
وأما حديث علي، فصححه الإمام أحمد والترمذي.
وقد اختلف العلماء في الرفع إذا قام من التشهد الأول: فأكثرهم على أنه غير مستحب، حتى ادعى أبو حامد الإسفراييني من أعبان الشافعية الإجماع على ذَلِكَ، وجعله دليلا على نسخ الأحاديث الواردة فيهِ.
وليس الأمر كما قالَ.
واستحبه طائفة من العلماء، كما ذكره البخاري والنسائي في ((كتابيهما)) .
وقال حرب الكرماني: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا هاشم بن القاسم: حدثنا الربيع بن صبيح، قالَ: رأيت الحسن وابن سيرين وعطاء وطاوسا ومجاهدا ونافعا وقتادة وابن أبي نجيح والحسن بن مسلم إذا دخلوا في الصلاة كبروا ورفعوا أيديهم وإذا كبروا للركوع رفعوا أيديهم.
غير أن أهل الحجاز كانوا يرفعون أيديهم إذا قاموا من الركعتين من الفريضة وكانوا يقعون على أعقابهم.
والمشهور عن الشافعي وأحمد، أنه لا يرفع إذا قام من الركعتين.
قالَ أحمد: أنا لا أستعمله ولا أذهب إليه، واستدل بحديث ابن عمر، وقال فيهِ: وكان لا يرفع بعد ذَلِكَ - أي: بعد المواضع الثلاثة.
وهذا الحديث بهذا اللفظ قد سبق من رواية رزق الله بن موسى، عن يحيى القطان، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر - مرفوعا -، وأنه لا يصح رفعه.
ورواه - أيضا - بشير الكوسج، عن نافع، عن ابن عمر، قالَ: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه في أول التكبير، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ثم يكبر بعد ذَلِكَ ولا يرفع يديه.
قالَ بشير: وحدثني الحسن بن عثمان المديني، عن سالم، عن أبيه،عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمثل ذَلِكَ.
وبشير هذا، غير مشهور، وقد ذكره الحاكم في ((تاريخ نيسابور)) ، وذكر أنه روى عنه جماعة.
وقال إسحاق بن إبراهيم: سئل أحمد: إذا نهض الرجل من الركعتين يرفع يديه؟ قالَ: إن فعله فما أقربه؛ فيهِ عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبي حميد أحاديث صحاح، ولكن قالَ الزهري في حديثه: ولم يفعل في شيء من صلاته، وأنا لا أفعله.
وهذا اللفظ لا يعرف في حديث الزهري.
وذكر القاضي أبو يعلى: أن هذه الرواية عن أحمد تدل على جوازه، من غير استحباب.
وحكي عن أحمد رواية باستحبابه.
قالَ البيهقي في كتاب ((مناقب الإمام أحمد)) : أنبأني أبو عبد الله الحافظ - يعني: الحاكم -: ثنا أبو بكر ابن إسحاق الفقيه: أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قالَ: سألت أبي عن حديث عبد الأعلى، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر - في رفع اليدين، وكان إذا قام من الثنتين رفع يديه -؟ فقالَ: سنة صحيحة مستعملة، وقد روى مثلها علي بن أبي طالب وأبو حميد في عشرة من الصحابة، وأنا أستعملها.
قالَ الحاكم أبو عبد الله: سئل الشيخ أبو بكر - يعني: ابن إسحاق - عن ذَلِكَ؟ فقالَ: أنا أستعملها، ولم أر من أئمة الحديث أحدا يرجع إلى معرفة الحديث إلا وهو يستعملها.
وهذه الرواية غريبة عن أحمد جدا، لا يعرفها أصحابنا، ورجال إسنادها كلهم حفاظ مشهورون، إلا أن البيهقي ذكر أن الحاكم ذكرها في كتاب ((رفع اليدين)) وفي كتاب ((مزكي الأخبار)) ، وأنه ذكرها في ((كتاب التاريخ)) بخلاف ذَلِكَ، عندَ القيام من الركعتين، فوجب التوقف.
والله أعلم.
وحكي ذَلِكَ - أيضا - قولا للشافعي؛ لأنه ذكر حديث أبي حميد الساعدي بطوله، قالَ: وبهذا نقول.
قالَ البيهقي في ((كتاب المعرفة)) : ومذهب الشافعي متابعة السنة إذا ثبتت، وقد قالَ في حديث أبي حميد: وبهذا أقول.
وقال البغوي: لم يذكر الشافعي رفع اليدين إذا قام من الثنتين، ومذهبه اتباع السنة، وقد ثبت ذَلِكَ.
وذهب إلى هذا طائفة من أهل الحديث، منهم: ابن لمنذر، ومن أصحاب الشافعي، منهم: أبو علي الطبري والبيهقي والبغوي وغيرهم من المتأخرين، ورجحه - أيضا - طائفة من المتأخرين من أصحابنا، قالوا: وهو دون الرفع في الإحرام والركوع والرفع منه في الاستحباب.
فأما الرفع للسجود وللرفع منه، فلم يخرج في ((الصحيحين)) منه شيء، وقد خرج البخاري في حديث ابن عمر: وكان لا يفعل ذَلِكَ في السجود.
وفي رواية لهُ - أيضا -: وكان لا يفعل ذَلِكَ حين يسجد، ولا حين يرفع من السجود.
وقد سبقت الروايتان.
وهذا قول جمهور العلماء، وقد نص عليهِ الشافعي وأحمد.
وسئل أحمد: أليس يروى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه فعله؟ فقالَ: هذه الأحاديث أقوى وأكثر.
وروى هذا الحديث بقية، عن الزبيدي، عن الزهري - وابن أخي الزهري، عن عمه -، وزاد في روايته بعد قوله: ولا يرفعهما في السجود: ويرفعهما في كل تكبيره يكبرها قبل الركوع حتى تنقضي صلاته.
خرجه أبو داود من طريق بقية.
والإمام أحمد من الطريق الأخرى، وعنده: ((في كل ركعة وتكبيرة)) إلى آخره.
وذهب طائفة إلى استحباب رفع اليدين إذا قام من السجود، منهم: ابن المنذر وأبو علي الطبري من الشافعية.
واستدلوا: بما روى محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، أنه صلى مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان إذا كبر رفع يديه.
قالَ: ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه، فأدخل يديه في ثوبه، فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه، فإذا رفع رأسه - أيضا - من السجود رفع يديه حتى فرغ من صلاته.
خرجه أبو داود.
وخرجه مسلم إلى قوله: ((فلما سجد سجد بين كفيه)) ، ولم يذكر ما بعده.
وقالت طائفة: يرفع يديه مع كل تكبيرة، وكلما خفض ورفع، وهو قول بعض أهل الظاهر.
وقال أحمد بن أصرم المزني: رأيت أحمد يرفع يديه في كل خفض ورفع، وسئل عن رفع اليدين إذا قام من الركعتين؟ فقالَ: قد فعل.
وحمل القاضي أبو يعلى هذه الرواية على الجواز دون الاستحباب.
ونقل المروذي، عن أحمد، قالَ: لا يرفع يديه بين السجدتين، فإن فعل فهوَ جائز.
ونقل جعفر بن محمد، عن أحمد، قالَ: يرفع يديه في كل موضع، إلا بين السجدتين.
وروى محارب بن دثار، أنه رأى ابن عمر يرفع يديه إذا ركع وسجد.
وروى أبو أسامة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كانَ يرفع يديه إذا رفع رأسه من السجدة الأولى.
وروى حماد بن سلمة، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن أنس، أنه كانَيرفع يديه من السجدتين.
وروي ذَلِكَ - أيضا - عن الحسن وابن سيرين وطاوس ونافع وأيوب.
ذكره ابن أبي شيبة في ((كتابه)) .
وروى شعبة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث، أنه رأى نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه في الصلاة إذا ركع، وإذا رفع رأسه من ركوعه، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
خرجه النسائي.
وخرجه - أيضا - من طريق هشام، عن قتادة - بنحوه، إلا أنه [لم] يذكر فيهِ: الرفع إذا سجد.
وخرجه مسلم من رواية سعيد بن أبي عروبة وأبي عوانة، عن قتادة.
ولم يذكر فيهِ سوى الرفع في المواضع الثلاثة الأول خاصة.
وروى شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن عبد الرحمن اليحصبي، عن وائل بن حجر، أنه صلى مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان يكبر إذا خفض وإذا رفع، ويرفع يديه عندَ التكبير، ويسلم عنيمينه وعن يساره.
قالَ الإمام أحمد: أنا لا أذهب إلى حديث وائل بن حجر، وهو مختلف في ألفاظه.
ويجاب عن هذه الرويات كلها على تقدير أن يكون ذكر الرفع فيها محفوظا، ولم يكن قد اشتبه [بذكر] التكبير بالرفع - بأن مالك بن الحويرث ووائل بن حجر لم يكونا من أهل المدينة، وإنما كانا قد قدما إليها مرة أو مرتين، فلعلهما رأيا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذَلِكَ مرة، وقد عارض ذَلِكَ نفي ابن عمر، مع شدة وملازمته للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشدة حرصه على حفظ أفعاله واقتدائه به فيها، فهذا يدل على أن أكثر أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ ترك الرفع فيما عدا المواضع الثلاثة والقيام من الركعتين.
وقد روي في الرفع عندَ السجود وغيره أحاديث معلولة: فروى الثقفي: حدثنا حميد، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد.
خرجه الدارقطني.
وخرجه ابن ماجه إلى قوله: ((وإذا ركع)) .
وخرجه ابن خزيمة في ((صحيحه)) إلى قوله: ((وإذا رفع رأسه)) .
وقد أعل هذا بأنه قد رواه غير واحد من أصحاب حميد، عنحميد، عن أنس - من فعله غير مرفوع.
كذا قاله البخاري -: نقله عنه الترمذي في ((علله)) .
وقال الدارقطني: الصواب من فعل أنس.
وروى إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قالَ: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه في الصلاة حذو منكبيه، حين يفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد.
خرجه الإمام أحمد وابن ماجه.
زاد الإمام أحمد: وعن صالح: عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ذَلِكَ.
وإسماعيل بن عياش، سيء الحفظ لحديث الحجازيين.
وقد خالفه ابن إسحاق، فرواه عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة - موقوفا -: قاله الإمام أحمد وغيره.
وقال الدارقطني في ((علله)) : اختلف على إسماعيل بن عياش في لفظه، فذكرت عنه طائفة الرفع عندَ الافتتاح والركوع والسجود.
وذكرت طائفة عنه الرفع عندَ الافتتاح والركوع والرفع منه.
قالَ: وهو أشبه بالصواب.
وروى عمرو بن علي، عن ابن أبي عدي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنه كانَ يرفع يديه في كل خفض ورفع،ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
خرجه الدارقطني في كتاب ((العلل)) ، وقال: لا يتابع عليهِ عمرو بن علي وغيره يرويه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يكبر في كل خفض ورفع، وهو الصحيح.
وروى الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع يديه في الصلاة في كل خفض ورفع.
وفي رواية: كانَ يرفع يديه حين يهوي للسجود.
قالَ الوليد: وبهذا كانَ يأخذ الأوزاعي.
خرجه ابن جوصا في ((مسند الأوزاعي)) .
وقد اختلف على الوليد في إرساله ووصله، ولم يسمعه من الأوزاعي، بل دليه عنه، وهو يدلس عن [غيره] الثقات.
وروى الإمام أحمد: ثنا نصر بن باب، عن حجاج، عن الذيال بن حرملة، عن جابر، قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه في كل تكبيرة في الصلاة.
نصر بن باب، وحجاج بن أرطأة، لا يحتج بهما.
وروى رفدة بن قضاعة، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن جده عمير بن حبيب، قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة.
خرجه ابن ماجه.
وقال منها: سألت أحمد ويحيى عن هذا الحديث، فقالا جميعا: ليس بصحيح: قالَ أحمد: لا يعرف رفدة بن قضاعة، وقال يحيى: هوَ شيخ ضعيف.
وخرج ابن ماجه - أيضا - من رواية عمر بن رياح، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَيرفع يديه عندَ كل تكبيرة.
وعمر بن رياح، ساقط الرواية.
لكن؛ تابعه النضر بن كثير أبو سهل الأزدي، قالَ: صلى جنبي عبد الله بن طاوس بمنى في مسجد الخيف، فكان إذا سجد سجدة الأولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه، فأنكرت أنا ذَلِكَ، فقالَ عبد الله بن طاوس: رأيت أبي يصنعه، وقال أبي: رأيت ابن عباس يصنعه، وقال: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصنعه.
خرجه النسائي.
وخرجه أبو داود، وعنده: ولا أعلم إلا أنه قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصنعه.
والنضر بن كثير، قالَ البخاري: فيهِ نظر.
وقال - مرة -: عنده مناكير.
قالَ أبو أحمد الحاكم: هذا حديث منكر من حديث طاوس.
وقال العقيلي: لا يتابع النضر عليهِ.
وقال ابن عدي: هوَ ممن يكتب حديثه.
وخرج لهُ هذا الحديث، وعنده: أنه كانَ يرفع يديه كلما ركع وسجد [ويرفع] بين السجدتين.
وضعف الإمام أحمد النضر هذا.
وقال أبو حاتم والدارقطني: فيهِ نظر.
وقال النسائي: صالح.
وخرج أبو داود من حديث ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن ميمون المكي، أنه رأى عبد الله بن الزبير يصلي بهم يشير بكفيه حين يقوم، وحين يركع، وحين يسجد، وحين ينهض للقيام، فيقوم فيشير بيديه.
قالَ: فانطلقت إلى ابن عباس، فقلت: إني رأيت ابن الزبير صلى صلاة لم أر أحدا صلاها، ووصفت لهُ هذه الإشارة، فقالَ: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاقتد بصلاة عبد الله بن الزبير.
إسناده ضعيف.
87 - بَابُ وَضْعِ الْيُمْنى عَلَى الْيُسْرَى في الصَّلاةِ740 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قالَ: كانَ الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قالَ أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذَلِكَ إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قالَ: إسماعيل: ينمي ذَلِكَ، ولم يقل: ينمي.
هذا الحديث في ((الموطأ)) ليس فيهِ ذكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما فيهِ: قالَ أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذَلِكَ، ولم يذكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وكذا رأيناه في ((موطإ القعنبي)) ، وهو الذي خرج عنه البخاري هذا الحديث، ومراد البخاري: أن إسماعيل - وهو: ابن أبي أويس - رواه بالبناء للمفعول: ينمى.
ومعنى ((ينمى)) يرفع ويسند، والمراد: إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ورواه عمار بن مطر، عن مالك، فقالَ فيهِ: أمرنا أن نضع.
وعمار، ليس بحجة.
وليس في ((صحيح البخاري)) في هذا الباب غير هذا الحديث، ولا في ((صحيح مسلم)) فيه غير حديث محمد بن جحادة: حدثني عبد الجباربن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم، حدثاه عن أبيه وائل بن حجر، أنه رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يديه حين داخل في الصلاة، كبر ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من ثوبه، ثم رفعهما وكبر فركع، فلما قالَ: ((سمع الله لمن حمده)) رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه.
وله طرق أخرى عن وائل.
وفي رواية للأمام أحمد: وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد.
وفي الحديث: دليل على أن المصلي إذا التحف في صلاته بثوبه، ثم أخرج يديه منه لمصلحة الصلاة لم يضره ذَلِكَ.
وفي الباب أحاديث كثيرة، لا تخلو أسانيدها من مقال.
وقد خرج ابن حبان في ((صحيحه)) من طريق حرملة بن يحيى، عن أبن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، أنه سمع عطاء بن رباح يحدث، عن ابن عباس، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نؤخر سحورنا، ونعجل إفطارنا، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة)) .
وهذا إسناد في الظاهر على شرط مسلم، وزعم ابن حبان أن ابن وهب سمع هذا الحديث من عمرو بن الحارث وطلحة بن عمرو، كلاهما عن عطاء، وفي هذا إشارة إلى أن غير حرملة رواه عن ابن وهب، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، وهذا هوَ الأشبه، ولا يعرفهذا الحديث من رواية عمرو بن الحارث.
قالَ البيهقي: إنما يعرف هذا بطلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس - ومرة: عن أبي هريرة - وطلحة ليس بالقوي.
قلت: وقد روي، عن طلحة، عن عطاء - مرسلا.
خرجه وكيع عنه كذلك.
قالَ الترمذي في ((جامعه)) : العمل عندَ أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والتابعين ومن بعدهم على هذا، يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة.
انتهى.
وقد روي ذَلِكَ عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب.
وروي عن ابن الزبير، أنه قالَ: هوَ من السنة.
خرجه أبو داود.
وعن عائشة، قالت: هوَ من النبوة.
خرجه الدارقطني.
وروي عن أبي الدرداء، أنه قالَ: هوَ من أخلاق النبيين.
وروي عن علي وابن عباس، أنهما فسرا ((النحر)) المذكور في قوله تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] بهذا.
وهو قول عامة فقهاء الأمصار، منهم: الثوري وأبو حنيفة والحسن بن صالح والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وغيرهم.
وحكى ابن المنذر إرسال اليدين في الصلاة عن ابن الزبير والحسن والنخعي، وحكى عن مالك كقول الأولين.
وذكر ابن عبد البر: أنه روي عن مالك، أنه قالَ: لا بأس بذلك في الفريضة والنافلة.
قالَ: وهو قول المدنيين من أصحابه.
ونقل ابن القاسم، عنه، قالَ: إنما يفعل في النوافل من طول القيام وتركه أحب إلي.
قالَ: وقال الليث: سدل اليدين في الصلاة أحب إلي، أن يطول القيام فلا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى.
وقال الأوزاعي: من شاء فعل، ومن شاء ترك.
وهو قول عطاء.
قلت: وحكي رواية عن أحمد، وحكي عنه: أنه يرسل يديه في النوافل خاصة.
وهذا عكس ما نقله ابن القاسم عن مالك.
وروى ابن المبارك في ((كتاب الزهد)) عن صفوان بن عمرو، عن مهاجر النبال، أنه ذكر عنده قبض الرجل يمينه على شماله، فقالَ: ما أحسنه، ذل بين يدي عزوحكي مثل ذَلِكَ عن الإمام أحمد.
قالَ بعضهم: ما سمعت في العلم أحسن من هذا.
وروينا عن بشر بن الحارث، أنه قالَ: منذ اربعين سنة أشتهى أن أضع يدا على يد في الصلاة، مايمنعني من ذَلِكَ إلا أن أكون قد أظهرت من الخشوع ما ليس في قلبي مثله.
وروى محمد بن نصر المروزي في ((كتاب الصلاة)) بإسناده، عن أبي هريرة، قالَ: يحشر الناس يوم القيامة على قدر صنيعهم في الصلاة - وقبض بعض رواة الحديث شماله بيمينه، وانحنى هكذا.
وبإسناده عن الأعمش، عن أبي صالح، قالَ: يبعث الناس يوم القيامة هكذا - ووضع إحدى يديه على الأخرى.
واختلف القائلون بالوضع: هل يضعهما على صدره، أو تحت سرته، أو يخير بين الأمرين؟ على ثلاثة أقوال، هي ثلاث روايات عن أحمد.
وممن روي عنه، أنه يضعهما تحت سرته: علي وأبو هريرة والنخعي وأبو مجلز، وهو قول الثوري وأبي حنيفة ومالك وإسحاق.
وروي عن علي - أيضا - وعن سعيد بن جبير، أنه يضعهما على صدره، وهو قول الشافعي.
وقال أبو إسحاق المروزي من أصحابه: يضعهما تحت سرته.
وحكى ابن المنذر التخيير بينهما.
قالَ الترمذي في ((جامعه)) : رأى بعضهم أن يضعهما فوق سرته، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت سرته، كل ذَلِكَ واسع عندهم.
88 - بَابُ الْخُشُوعِ في الصَّلاةِ741 - حدثنا إسماعيل، قالَ: حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: ((هل ترون قبلتي هاهنا، والله ما يخفى علي ركوعكم ولا خشوعكم، وإني لأراكم من وراء ظهري)) .
742 - حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: ثنا شعبة: سمعت قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((أقيموا الركوع والسجود، فوالله إني لأراكم من بعدي)) - وربما قالَ: ((من بعد ظهري - إذا ركعتم وإذا سجدتم)) .
قد خرج البخاري حديث أبي هريرة وحديث أنس في ((باب: عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة)) ، وقد سبق الكلام عليهما هناك بما فيهِ كفاية.
وإنما خرجهما هاهنا؛ لدلاتهما على الخشوع في الصلاة.
وفي ((صحيح مسلم)) عن عثمان بن عفان، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((ما من امريء مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، مالم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله)) .
وقد مدح الله الخاشعين في صلاتهم، فقالَ: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1و2] وقال: { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: من الآية45] .
روي عن علي بن أبي طالب، قالَ: هوَ الخشوع في القلب، وأن تلين كنفك للمسلم، وأن لا تلتفت في صلاتك.
وعنه، قالَ: الخشوع: خشوع القلب، وأن لا تلتفت يمينا ولا شمالا.
وعن ابن عباس، قالَ: خاشعون: خائفون ساكنون.
وعن الحسن، قالَ: كانَ الخشوع في قلوبهم، فغضوا لهُ البصر، وخفضوا لهُ الجناح.
وعن مجاهد، قالَ: هوَ الخشوع في القلب، والسكون في الصلاة.
وعنه، قالَ: هوَ خفض الجناح وغض البصر، وكان المسلمون إذا قام أحدهم في الصلاة خاف ربه أن يلتفت عن يمينه وشماله.
وعنه، قالَ: العلماء إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن - عز وجل - أن يشذ نظره، أو يلتفت، أو يقلب الحصى، أو يبعث بشيء، أو يحدث نفسه بشيء من الدنيا، إلا ناسيا، مادم في صلاته.
وعن الزهري، قالَ: هوَ سكون العبد في صلاته.
وعن سعيد بن جبير، قالَ: يعني: متواضعين، لا يعرف من عن يمينه، ولا من عن شماله، ولا يلتفت من الخشوع لله - عز وجل -.
وروي عن حذيفة، أنه رأى رجلا يعبث في صلاته، فقالَ: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.
وروي عن ابن المسيب.
وروي مرسلا.
فأصل الخشوع: هوَ خشوع القلب، وهو انكساره لله، وخضوعه وسكونه عن التفاته إلى غير من هوَ بين يديه، فإذا خشع القلب خشعت الجوارح كلها تبعا لخشوعه؛ ولهذا كانَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في ركوعه: ((خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظامي، وما استقل به قدمي)) .
ومن جملة خشوع الجوارح خشوع البصر أن يلتفت عن يمينه أو يساره، وسيأتي حديث الإلتفات في الصلاة، وأنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، فيما بعد - إن شاء الله تعالى.
وقال ابن سيرين: كانَ رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلتفت في الصلاة عن يمينه وعن يساره، فأنزل الله تعالى: { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2] .
فخشع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يكن يلتفت يمنة ولا يسرة.
وخرجه الطبراني من رواية ابن سيرين، عن أبي هريرة.
والمرسل أصح.
والظاهر: أن البخاري إنما ذكر الخشوع في هذا الموضع؛ لأن كثيرا من الفقهاء والعلماء يذكرون في أوائل الصلاة: أن المصلي لا يجاوز بصره موضع سجوده، وذلك من جملة الخشوع في الصلاة.
وخرج ابن ماجه من حديث أم سلمة أم المؤمنين، قالت: كانَ الناس في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام أحد هم يصلي لم يعد بصره موضع قدمه، فتوفي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصره موضع جبينه، فتوفي أبو بكر فكان عمر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة، وكان عثمان بن عفان فكانت الفتنة، فالتفت الناس يمينا وشمالا.
وقال ابن سيرين: كانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه.
خرجه سعيد بن منصور.
وقال النخعي: كانَ يستحب أن يقع الرجل بصره في موضع سجوده.
وفسر قتادة الخشوع في الصلاة بذلك.
وقال مسلم بن يسار: هوَ حسن.
وفيه حديثان مرفوعان، من حديث أنس وابن عباس، ولا يصح إسنادهما.
وأكثر العلماء على أنه يستحب للمصلي أن ينظر إلى موضع سجوده، منهم: سليمان بن يسار وأبو حنيفة والثوري والحسن بن حي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
وقال مالك: يستحب أن يكون بصره أمام قبلته.
قالَ: واكره ما يصنع الناس من النظر إلى موضع سجودهم وهم قيام.
وحكي عن شريك بن عبد الله، قالَ: ينظر في قيامه إلى موضع قيامه، وإذا ركع إلى قدميه، وإذا سجد إلى أنفه، وإذا قعد إلى حجره.
واستحب ذَلِكَ بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي.
قالَ أصحابنا: ويستحب إذا جلس للتشهد أن لا يجاوز بصره أصبعه؛ لما روى ابن الزبير، أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ إذا جلس في التشهد أشار بالسبابة، ولم يجاوز بصره إشارته.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وحكى أصحاب الثوري في كتبهم، عن سفيان، أنه قالَ: إذا قام فيالصلاة فليكن بصره حيث يسجد إن استطاع، قالَ: وينظر في ركوعه إلى حيث يسجد - ومنهم من قالَ: إلى ركبتيه -، ويكون نظره في سجوده إلى طرف أنفه.
وبكل حال؛ فهذا مستحب، ولا تبطل الصلاة بالإخلال به، ولا باستغراق القلب في الفكر في أمور الدنيا، وقد حكى ابن حزم وغيره الإجماع على ذَلِكَ، وقد خالف فيهِ بعض المتأخرين من أصحابنا والشافعية.
وحكى ابن المنذر عن الحكم، قالَ: من تأمل من عن يمينه أو عن شماله حتى يعرفه فليس لهُ صلاة.
وهذا يرجع إلى الالتفات، ويأتى ذكره في موضعه - إن شاء الله - سبحانه وتعالى -.
وحكي عن ابن حامد من أصحابنا: أن عمل القلب في الصلاة إذا طال أبطل الصلاة كعمل البدن.
وهذا يرده حديث تذكير الشيطان المرء في صلاته حتى يظل لا يدري كم صلى وأمره أن يسجد سجدتين، ولم يأمره بالإعادة.
وخرج الإمام أحمد والنسائي والترمذي من حديث الفضل بن عباس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين، وتخشع وتضرع، وتمسكن، وتقنع يديك - يَقُول: ترفعهما إلى ربك - مستقبلاً ببطونهما وجهك، وتقول: يَا رب يَا رب، وإن لَمْ تفعل ذَلِكَ فهوكذا وكذا)) .
وهذا لفظ الترمذي.
وللإمام أحمد: ((وتقول: يارب ثلاثاً، فمن لَمْ يفعل ذَلِكَ فَهِيَّ خداج)) .
وفي إسناده اخْتِلاَف.
وخرجه أبو داود وابن ماجه، وعندهما: عَن المطلب، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد قَالَ أبو حاتم الرَّازِي: هُوَ إسناد حسن.
وضعفه البخاري،.

     وَقَالَ : لا يصح.
وَقَالَ العقيلي: فِيهِ نظر.
وأما قَوْلِ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إني أراكم من وراء ظهري)) ، فليس المراد مِنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يلتفت ببصره فِي صلاته إلى من خلفه حَتَّى يرى صلاتهم، كما ظنه بعضهم، وقد رد الإمام أحمد عَلَى من زعم ذَلِكَ، وأثبت ذَلِكَ من خصائص النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآياته ومعجزاته، وقد سبق ذكر كلامه فِي ذَلِكَ.
89 - بَاب مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ743 - حَدَّثَنَا حفص بْن عُمَر: نا شعبة، عَن قتادة، عَن أَنَس بْن مَالِك، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بَكْر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
744 - حَدَّثَنَا موسى بن إِسْمَاعِيل: ثنا عَبْد الواحد بن زياد: ثنا عمارة بن القعقاع: ثنا أبو زُرْعَة: ثنا أبو هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسكت بَيْن التكبير وبين القراءة إسكاتة - قَالَ: أحسبه قَالَ: هنية -، فَقُلْت: بأبي وأمي يَا رَسُول الله، إسكاتك بَيْن التكبير وبين القراءة، مَا تَقُول: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بَيْن المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) .
قَالَ الخطابي: قوله: ((إسكاتة)) وزن إفعالة، من السكوت، ومعناه: سكوت يقتضي بعده كلاماً، أو قراءة مَعَ قصر المدة فِيهِ، وإنما أراد ترك رفع الصوت، ألا تراه يَقُول: مَا تَقُول فِي إسكاتك.
قَالَ: وقوله: ((اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) ، فإنها أمثال، ولم يرد أعيان هذه المسميات، وإنما أراد التوكيد فِي التطهير، والثلج والبرد ماءان، لَمْ تمسهما الأيدي، ولم يمرس ولم يمتهن.
قَالَ: وفيه مستدل لمن منع من الماء المستعمل؛ لأنه يَقُول: إن منزلة الخطايا المغسولة بالماء بمنزلة الأوضار الحالة فِي الماء والغسولات المانعة من التطهير.
قَالَ: وعندي فِي قوله: ((اغسل خطاياي)) عجائب.
انتهى مَا ذكره.
وكأنه يشير إلى مسألة العصمة، ولا حاجة إلى ذكرها.
ولما كَانَتْ الذنوب تؤثر فِي القلب دنساً، وَهُوَ المذكور فِي قوله تعالى: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] وتوجب للقلب احترافاً؛ طلب فِي هَذَا الدعاء المباعدة بينه وبينها عَلَى أقصى وجوه المباعدة، والمراد: المباعدة من تأثيراتها وعقوباتها الدنيوية والأخروية.
وربما دَخَلَ فِيهِ المباعدة بَيْن مَا قدر مِنْهَا ولم يعلمه بعد، فطلب مباعدته مِنْهُ، عَلَى نحو قوله: ((أعوذ بك من شر مَا عملت وما لَمْ أعمل)) .
وطلب - أَيْضاً - أن ينقي قلبه من دنسها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
وطلب - أَيْضاً - إطفاء حرارتها وحريقها للقلب بأعظم مَا يوجد فِي الدنيا إنقاء وتبريداً، وَهُوَ الماء والثلج والبرد.
وفي حَدِيْث عَائِشَة، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُول فِي دعائه: ((اللهم اغسلخطاياي بالثلج والبرد، وأنق قلبي من الخطايا كما أنقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بَيْن المشرق والمغرب)) .
وقد خرجه البخاري فِي موضع آخر، وخرجه مُسْلِم - أَيْضاً.
وإنما كَانَ يدعو فِي افتتاح الصلاة المكتوبة بهذا - والله أعلم -؛ لأن الصلوات الخمس تكفر الذنوب والخطايا، كما قَالَ تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] ، فإقامة الصلوات المفروضات عَلَى وجهها يوجب مباعدة الذنوب، ويوجب - أَيْضاً - إنقاءها وتطهيرها؛ فإن ((مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار، يغتسل فِيهِ كل يوم خمس مرات)) وقد تقدم الحَدِيْث فِي ذَلِكَ، ويوجب - أَيْضاً - تبريد الحريق الَّذِي تكسبه الذنوب وإطفاءه.
وخرج الطبراني من حَدِيْث ابن مَسْعُود - مرفوعاً -: ((تحترقون [تحترقون] حَتَّى إذا صليتم الفجر غسلتها، ثُمَّ تحترقون تحترقون حَتَّى إذا صليتم الظهر غسلتها، ثُمَّ تحترقون تحترقون حَتَّى إذا صليتم العصر غسلتها، ثُمَّ تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثُمَّ تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها)) .
وقد روي موقوفاً، وَهُوَ أشبه.
وخرج - أَيْضاً - من حَدِيْث أَنَس - مرفوعاً -: ((إن الله ملكاً ينادي عِنْدَ كل صلاة ك يَا بني آدم، قوموا إلى نيرانكم الَّتِيْ أوقدتموها عَلَى أنفسكم فأطفئوها)) .
وخرج الإسماعيلي من حَدِيْث عُمَر بْن الخَطَّاب - مرفوعاً -: ((يجرقون، فإذا صلوا الصبح غسلت الصلاة مَا كَانَ قبلها)) حَتَّى ذكر الصلوات الخمس.
ولما كَانَتْ الصلاة صلة بَيْن العبد وربه، وكان المصلي يناجي ربه، وربه يقربه مِنْهُ، لَمْ يصلح للدخول فِي الصلاة إلا من كَانَ طاهراً فِي ظاهره وباطنه؛ ولذلك شرع للمصلي أن يتطهر بالماء، فيكفر ذنوبه بالوضوء، ثُمَّ يمشي إلى المساجد فيكفر ذنوبه بالمشي، فإن بقي من ذنوبه شيء كفرته الصلاة.
قَالَ سُلَيْمَان الفارسي: الوضوء يكفر الجراحات الصغار، والمشي إلى المسجد يكفر أكثر من ذَلِكَ، والصلاة تكفر أكثر من ذَلِكَ.
خرجه مُحَمَّد بْن نصر المروزي وغيره.
فإذا قام المصلي بَيْن يدي ربه فِي الصلاة وشرع فِي مناجاته، شرع لَهُ أول مَا يناجي ربه أن يسأل ربه أن يباعد بينه وبين مَا يوجب لَهُ البعد من ربه، وَهُوَ الذنوب، وأن يطهره مِنْهَا؛ ليصلح حينئذ للتقريب والمناجاة،فيستكمل فوائد الصلاة وثمراتها من المعرفة والأنس والمحبة والخشية، فتصير صلاته ناهية لَهُ عَن الفحشاء والمنكر، وهي الصلاة النافعة.
وقد روي، أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يستعيذ من صلاة لا تنفع.
خرجه أبو داود.
وخرجه البزار فِي ((مسنده)) بإسناد فِيهِ ضعف، عَن سمرة بْن جندب، أن رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُول لنا: ((إذا صلى أحدكم فليقل: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بيني وبين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك أن تصد عني وجهك يوم القيامة، اللهم نقني من خطاياي كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أحيني مسلماً وتوفني مسلماً)) .
وهذا حَدِيْث غريب.
والاستعاذة من الإعراض مناسبة لهذا المقام؛ فإن المصلي قائم بَيْن يدي الله لمناجاته، فيحسن أن يستعيذ بِهِ من أن يعرض بوجهه عَنْهُ.
وفي حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَةَ جواز التفدية بالأبوين، وفيه كلام يذكر فِي موضع آخر ذو القعدة إن شاء الله تعالى.
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ استدل بِهِ من يَقُول: إنه يستحب استفتاح [الصلاة] بذكر قَبْلَ الشروع فِي القراءة، وَهُوَ قَوْلِ أكثر العلماء، ثُمَّ اختلفوا: فَقَالَ كثير منهم: يستحب استفتاح الصلاة بقول:((سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)) .
صح هَذَا عَن عُمَر بْن الخَطَّاب، روي عَنْهُ من وجوه كثيرة، وعن ابن مَسْعُود، وروي عَن أَبِي بَكْر الصديق وعثمان بْن عَفَّانَ، وعن الْحَسَن وقتادة والنخعي، وَهُوَ قَوْلِ الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق - فِي رِوَايَة.
وقد روي فِي ذَلِكَ أحاديث مرفوعة من وجوه متعددة، أجودها: من حَدِيْث أَبِي سَعِيد وعائشة.
وَقَالَ الإمام أحمد: نذهب فِيهِ إلى حَدِيْث [عُمَر] ، وقد روي فِيهِ من وجوه ليست بذاك - فذكر حَدِيْث عَائِشَة وأبي هُرَيْرَةَ.
فصرح بأن الأحاديث المرفوعةليست قوية، وأن الاعتماد عَلَى الموقوف عَن الصَّحَابَة؛ لصحة مَا روي عَن عُمَر.
وروي عَن أَبِي إِسْحَاق، عَن عَبْد الله بْن أَبِي الخليل، قالَ: سَمِعْت علياً حِينَ افتتح الصلاة قَالَ: لا إله إلا أنت سبحانك إني قَدْ ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، فاغفر ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
وروي عَن ابن عُمَر، أَنَّهُ افتتح الصلاة، فَقَالَ: الله أكبر كبيراً، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلاً، اللهم اجعلك أحب شيء إلي، واخشى شيء عندي.
وذهب طائفة إلى الاستفتاح بقول: ((وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً)) - الآيات، وما بعده من الدعاء.
وقد خرجه مُسْلِم من حَدِيْث عَلِيّ بْن أَبِي طالب، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يستفتح بذلك، خرجه فِي ((أبواب: صلاة الليل)) .
وخرجه الترمذي، وعنده: أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يستفتح بِهِ فِي الصلاة المكتوبة.
وفي إسناده مقال.
وخرجه الطبراني من وجه آخر كذلك.
وخرجه النسائي من رِوَايَة مُحَمَّد بْن مسلمة، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذا قام يصلي تطوعاً يَقُول ذَلِكَ.
وممن ذهب إلى الاستفتاح بهذا: الشَّافِعِيّ وأصحابه وإسحاق - فِي رِوَايَة.
وروي عَن عَلِيّ، أَنَّهُ كَانَ يستفتح بِهِ من وجه منقطع.
وظاهر كلام الشَّافِعِيّ وبعض أصحابه: أَنَّهُ يستفتح بِهِ كله الإمام وغيره.
وَقَالَ كثير من أصحابه: يقتصر الإمام عَلَى قوله: ((وأنا من المُسْلِمِين)) .
وقالت طائفة: يجمع بَيْن قوله: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) وقوله: ((وجهت وجهي)) .
وَهُوَ قَوْلِ أَبِي يوسف وإسحاق - فِي رِوَايَة - وطائفة من الشافعية، ومنهم: أبو إِسْحَاق المروزي، وطائفة قليلة من أصحابنا.
وقد ورد فِي الجمع بَيْنَهُمَا أحاديث غير قوية الأسانيد.
وكل هَذَا عَلَى وجه الاستحباب، فلو لَمْ يستفتح الصلاة بذكر، بل بدأ بالقراءة صحت صلاته، ولو استفتح بشيء مِمَّا ورد حصلت بِهِ سَنَة الاستفتاح عِنْدَ الإمام أحمد وغيره من العلماء، ولو كَانَ الأفضل عِنْدَ بعضهم غيره.
وَقَالَ أحمد فِي رِوَايَة الميموني: مَا أحسن حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الاستفتاح - يعني: الحَدِيْث الَّذِي خرجه البخاري هاهنا - فَقِيلَ لَهُ: فإن بعض النَّاس يَقُول: هَذَا كلام؟ فَقَالَ - متعجباً -: وهل الدعاء إلا كلام فِي الصلاة ويجوز.
والمنكر لهذا هُوَ من يَقُول من الكوفيين: إنه لا يجوز الدعاء فِي الصلاة إلا بلفظ القرآن، فأما الثناء عَلَى الله فمتفق عَلَى جوازه فِي الصلاة.
وهذا مِمَّا يرجحبِهِ الاستفتاح بـ ((سبحانك اللهم وبحمدك)) ؛ لاشتماله عَلَى أفضل الكلام، فإنه إذا جمع مَعَ التكبير صار متضمناً لقول: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) ، وقد قَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهن: ((إنهن أفضل الكلام بعد القرآن)) .
وذهبت طائفة قليلة: إلى أن من ترك الاستفتاح عمداً أعاد صلاته، منهم: ابن بطة وغيره من أصحابنا، وربما حكي رِوَايَة عَن أحمد.
وَقَالَ الحكم: إذا قَالَ: سبحان الله حِينَ يفتتح الصلاة والحمد لله أجزأه.
وهذا يشعر بوجوبه.
وَقَالَ إِسْحَاق: إن تركه عمداً فهو مسيء، ولا يتبين لِي إيجاب الإعادة؛ لما ذكر فِي غير حَدِيْث، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذا كبر قرأ فاتحة الكتاب.
وحكي الترمذي عَن بعض أهل الكوفة: أن حَدِيْث عَلِيّ بْن أَبِي طالب يعمل بِهِ فِي التطوع دون الفريضة.
وكذلك خرجه مُسْلِم فِي ((أبواب قيام الليل)) .
وَقَالَ أحمد - فِي رِوَايَة ابن منصور -: أنا أذهب إلى قَوْلِ ابن عُمَر، وإن قَالَ كما روي عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا بأس، وعامة مَا قَالَ فِي صلاة الليل.
وَقَالَ الوليد بْن مُسْلِم: ذكرت ذَلِكَ لسعيد بْن عَبْد العزيز، فأخبرنيعَن المشيخة، أنهم كانوا يقولون: هؤلاء الكلمات حِينَ يقبلون بوجوههم إلى القبلة، قَبْلَ تكبيرة الاستفتاح - يعني: ((وجهت وجهي)) - قَالَ: ثُمَّ يتبعون تكبيرة الاستفتاح بـ ((سبحانك وبحمدك)) إلى آخره.
وذهب مَالِك إلى أَنَّهُ لا يشرع الاستفتاح فِي الصلاة، بل يتبع التكبير بقراءة الفاتحة.
وحكاه الإمام أحمد - فِي رِوَايَة حَنْبل - عَن ابن مَسْعُود وأصحابه.
وهذا غريب.
واستدل لمن ذهب إلى هَذَا القول بظاهر حَدِيْث أَنَس الَّذِي خرجه البخاري هاهنا فِي أول الباب.
وقد تقدم عَن إِسْحَاق، أَنَّهُ استدل بِهِ عَلَى أن الاستفتاح غير واجب.
وحمله آخرون عَلَى أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يتركه أحياناً؛ ليبين أَنَّهُ غير واجب.
وحمله آخرون عَلَى أن المراد بِهِ: أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يبدأ بقراءة الفاتحة قَبْلَ السورة، ولم يرد بِهِ نفي الاستفتاح والتعوذ، فالمراد بِهِ - حينئذ - استفتاح قراءة الصلاة بالفاتحة.
وعلى هَذَا حمله الشَّافِعِيّ وأصحابه.
ويدل عَلِيهِ: أن الترمذي خرج هَذَا الحَدِيْث من رِوَايَة أَبِي عوانة، عَن قتادة، عَن أَنَس، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بَكْر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ولو كَانَتْ رِوَايَة شعبة الَّتِيْ خرجها البخاري عَلَى ظاهرها فِي افتتاح الصلاة لذلت عَلَى أن الصلاةتفتتح بكلمة: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} دون التكبير، ولم يقل أحد: إن هَذَا هُوَ المراد من هَذَا الحَدِيْث.
وَقَالَ آخرون: المراد من حَدِيْث أَنَس: أن القراءة فِي الصلاة الجهرية تفتتح بكلمة { الْحَمْدُ لِلَّهِ} دون البسملة.
واستدلوا لذلك بما خرجه مُسْلِم فِي ((صحيحه)) من طريق غندر، عَن شعبة، قَالَ: سَمِعْت قتادة يحدث، عَن أَنَس، قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بَكْر وعمر وعثمان فَلَمْ أسمع أحداً منهم يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
وخرجه - أَيْضاً - من طريق أَبِي داود، عَن شعبة، وزاد: قَالَ شعبة: فَقُلْت لقتادة: أسمعته من أنس؟ قَالَ: نَعَمْ، نحن سألناه عَنْهُ.
ففي هذه الرواية: تصريح قتادة بسماعه لَهُ من أَنَس، فبطل بذلك [تخيل] من أعل الحَدِيْث بتدليس قتادة.
وخرجه مُسْلِم - أَيْضاً - من طريق الأوزاعي، عَن عبدة، أن عُمَر بْن الخَطَّاب كَانَ يجهر بهؤلاء الكلمات، يَقُول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.
وعن قتادة، أَنَّهُ كتب إليه يخبره عَن أَنَس بْن مَالِك، أَنَّهُ حدثه، قَالَ: صليت خلف النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بَكْر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لا يذكرون ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، لا فِي أول قراءة ولا آخرها.
وعن الأوزاعي، قَالَ: أخبرني إِسْحَاق بْن عَبْد الله بْن أَبِي طلحة، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك يذكر ذَلِكَ.
فهذه الرواية صحيحة، متصلة الإسناد بالسماع المُتَّصِل عَن قتادة، وإسحاق عَن أَنَس.
وقد روي حَدِيْث شعبة، عَن قتادة بالفاظ آخر.
فرواه وكيع، عَن شعبة، عَن قتادة، عَن أَنَس، قَالَ: صليت خلف النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخلف أَبِي بَكْر وعمر وعثمان، فكانوا لا يجهرون بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
خرجه الإمام أحمد، عَن وكيع.
وخرجه الدارقطني من طرق، عَن شعبة - بنحوه.
ومن طريق شيبان وهمام عَن قتادة - أَيْضاً - بنحوه.
ومن طريق زيد بْن الحباب، عَن شعبة،.

     وَقَالَ  فِي حديثه: فَلَمْ أسمع ـحد منهم يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
وكذا رواه سَعِيد بْن أَبِي عروبة وحجاج، عَن قتادة، عَن أَنَس.
وخرجه النسائي من رِوَايَة سَعِيد بْن أَبِي عروبة وشعبة، كلاهما عَن قتادة، ولفظه: فَلَمْ أسمع أحداً منهم يجهر بِهَا.
وخرجه أبو يعلى الموصلي من طريق غندر، عَن شعبة، ولفظه: لَمْ يكونوا يستفتحون الصلاة بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
قُلتُ لقتادة:أسمعته من أَنَس؟ قَالَ: نَعَمْ، ونحن سألناه عَنْهُ.
ورواه الأعمش، عَن شعبة، فَقَالَ: عَن ثابت، عَن أَنَس - بنحو هَذَا اللفظ.
وأخطأ فر قوله: ((ثابت)) ، إنما هُوَ: ((عَن قتادة)) -: قاله أبو حاتم الرَّازِي والترمذي فِي ((كِتَاب العلل)) .
وقيل: إن الخطأ من عمار بْن رزيق، رِوَايَة عَن الأعمش.
وقد روي عَن شعبة، عَن قتادة وحميد وثابت، عَن أنس من وجه آخر فِيهِ نظر.
ورواه يزيد بْن هارون، عَن حماد، عَن قتادة وثابت، عَن أَنَس.
وخرجه الإمام أحمد عَن أَبِي كامل، عَن حماد بْن سَلَمَة، عَن ثابت وقتادة وحميد، عَن أَنَس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بَكْر وعمر كانوا يفتتحون القراءة بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
ورواه حماد بْن سَلَمَة فِي ((كتابه)) كذلك، [إلا] أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يذكر حميد فِي روايته: النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
يعني: أن حميداً وحده وقفه، ولم يرفعه.
وقد رواه مَالِك فِي ((الموطإ)) عَن حميد، عَن أَنَس، قَالَ: قمت وراء أَبِي بَكْر وعمر وعثمان، فكلهم لا يقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم))إذا افتتح الصلاة.
وقد رفعه عَن مَالِك الوليد بْن مُسْلِم وأبو قرة الزبيدي وإسماعيل بْن موسى السدي وابن وهب - من رِوَايَة ابن أخيه عَنْهُ.
والصحيح عَن مَالِك: ليس فِيهِ ذكر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكذا الصحيح عَن حميد.
قَالَ أحمد: حميد لَمْ يرفعه.
وذكر الدارقطني جماعة رووه عَن حميد ورفعوه، منهم: معمر وابن عُيَيْنَة والثقفي وأبو بَكْر بْن عياش ومروان بْن معاوية وغيرهم.
ثُمَّ قَالَ: والمحفوظ: أن حميداً رواه عَن أَنَس، وشك فِي رفعه، وأخذه عَن قتادة، عَن أنس مرفوعاً.
وخرج النسائي من رِوَايَة أَبِي حَمْزَة، عَن منصور بْن زاذان، عَن أَنَس، قَالَ: صلى بنا رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يسمعنا قراءة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، وصلى بنا أبو بَكْر وعمر فَلَمْ نسمعها منهما.
وروى مُحَمَّد بْن أَبِي السري، عَن معتمر بْن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن الْحَسَن، عَن أَنَس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يسر ((بسم الله الرحمن الرحيم)) وأبو بَكْر وعمر.
خرجه الطبراني.
وروي من وجه آخر، عَن الْحَسَن، عَن أَنَس.
وروي عَن أَنَس من وجوه أخر، مِنْهَا: عَن أَبِي قلابة وثمامة وعائذ بْن شريح وغيرهم.
وقد اعترض طائفة من العلماء عَلَى هَذَا، بأن حَدِيْث أَنَس اختلفت ألفاظه، والمحفوظ من ذَلِكَ رِوَايَة من قَالَ: كَانَ يفتتح الصلاة - أو القراءة - بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، كما هِيَ الرواية الَّتِيْ خرجها البخاري، وهذه الرواية تحتمل أن المراد: افتتاح القراءة بقراءة سورة الفاتحة دون غيرها من السور.
وزعم الدارقطني: أن عامة أصْحَاب قتادة رووه عَنْهُ كذلك، منهم: أيوب وحميد، وأنه المحفوظ عَن قتادة وغيره، عَن أَنَس.
وكذلك رواه جماعة عَن شعبة كما خرجه البخاري، عَن أَبِي عُمَر الحوضي، عَنْهُ، كذا رواه يَحْيَى القطان ويزيد بْن هارون، عَن شعبة.
وكذلك ذكر الشَّافِعِيّ: أن أصْحَاب حميد خالفوا مالكاً فِي لفظ حديثه الَّذِي خرجه فِي ((الموطإ)) ، وقالوا: كانوا يفتتحون قراءتهم بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وذكر منهم سبعة أو ثمانية، منهم: ابن عُيَيْنَة والفزاري والثقفي.
والجواب عَن ذَلِكَ: أن مَا ذكروه من اخْتِلاَف ألفاظ الرواية يدل عَلَى أنهم كانوا يروون الحَدِيْث بالمعنى، ولا يراعون اللفظ، فإذا كَانَ أحد الألفاظ محتملاً، والآخر صريحاً لا احتمال فِيهِ، علم أنهم أرادوا باللفظ المحتمل هُوَ مَا دل عَلَيْهَا اللفظ الصريح الَّذِي لا احتمال فِيهِ، وأن معناهما عندهم واحد، وإلا لكان الرواة قَدْ رووا الحَدِيْث الواحد بألفاظ مختلفة متناقضة، ولا يظن ذَلِكَ بهم مَعَ علمهم وفقههم وعدالتهم وورعهم.
لا سيما وبعضهم قَدْ زاد فِي الحَدِيْث زيادة تنفي كل احتمال وشك، وهيعدم ذكر قراءة البسملة فِي القراءة، وهذه زيادة من ثقات عدول حفاظ، تقضي عَلَى كل لفظ محتمل، فكيف لا تقبل؟ لا سيما وممن زاد هذه الزيادة الأوزاعي فقيه أهل الشام وإمامهم وعالمهم، مَعَ مَا اشتهر من بلاغته وفصاحته وبلوغه الذروة العليا من ذَلِكَ.
والذي رَوَى نفي قراءة البسملة من أصْحَاب حميد هُوَ مَالِك، ومالك مَالِك فِي فقهه وعلمه وورعه وتحريه فِي الرواية، فكيف ترد روايته المصرحة بهذا المعنى برواية شيوخ ليسوا فقهاء لحديث حميد بلفظ محتمل؟ فالواجب فِي هَذَا ونحوه: أن تجعل الرواية الصريحة مفسرة للرواية المحتملة؛ فإن هَذَا من بَاب عرض المتشابه عَلَى المحكم، فأما رد الروايات الصريحة للرواية المحتملة فغير جائز، كما لا يجوز رد المحكم للمتشابه.
ومن زعم: أن ألفاظ الحَدِيْث متناقضة فلا يجوز الاحتجاج بِهِ فَقَدْ أبطل، وخالف مَا عَلِيهِ أئمة الإسلام قديماً وحديثاً فِي الاحتجاج بهذا الحَدِيْث والعمل بِهِ.
وأيضاً؛ فأي فائدة فِي رِوَايَة أَنَس أو غيره: أن القراءة تفتتح بفاتحة الكتاب، فتقرأ الفاتحة قَبْلَ السورة، وهذا أمر معلوم من عمل الأمة، لَمْ يخالف فِيهِ منهم أحد، ولا اختلف فِيهِ اثنان، لا يحتاج إلى الإخبار بِهِ، كما أن أحداً من الصَّحَابَة لَمْ يرو فِي أمور الصلاة مَا كَانَ مقرراً عِنْدَ الأمة، لا يحتاج إلى الإخبار بِهِ، مثل عدد الركعات بعد استقرارها أربعاً، ومثل الجهر فيما يجهر بِهِ والإسرار فيما يسر، ونحو ذَلِكَ مِمَّا لا فائدة فِي الإخبار بِهِ.
فكذلك ابتداء القراءة بالفاتحة، لا يحتاج إلى الإخبار بِهِ، ولا إلى السؤال عَنْهُ، وقد كَانَ أَنَس يسأل عَن هَذَا - كما قَالَ قتادة: نحن سألناه عَنْهُ، وقد تقدم - وكان يَقُول - أحياناً -: مَا سألني عَن هَذَا أحد.
وروي عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أحفظه.
وهذا يدل عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يخفى عَلَى السائل والمسئول، ولو كَانَ السؤال عَن الابتداء بقراءة الفاتحة لَمْ يخف عَلَى سائل ولا مسئول عَنْهُ.
فخرج الإمام أحمد من طريق شعبة: قَالَ قتادة: سألت أَنَس بْن مَالِك: بأي شيء كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستفتح القراءة؟ قَالَ: إنك لتسألني عَن شيء مَا سألني عَنْهُ أحد.
ومن طريق سَعِيد، عَن قتادة، قَالَ: قُلتُ لأنس - فذكره.
قَالَ: وحدثنا إِسْمَاعِيل - يعني: ابن علية -: ثنا سَعِيد بْن يزيد: أنا قتادة - أبو مسلمة -، قَالَ: قُلتُ لأنس.
قَالَ أحمد: وحدثنا غسان بْن مضر، عَن أَبِي مسلمة سَعِيد بْن يزيد، قَالَ: سألت أَنَس بْن مَالِك: أكان رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) أو { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ؟ فَقَالَ: إنك تسألني عَن شيء مَا أحفظه، أو مَا سألني عَنْهُ أحد قبلك.
وخرجه من هَذَا الوجه ابن خزيمة والدارقطني، وصحح إسناده.
وقد ذكرنا أَنَّهُ مختلف فِيهِ، وعلى تقدير أن يكون محفوظاً، فالمراد: هَلْ كَانَ يقرأ البسملة فِي نفسه، أم لا؟ فَلَمْ يكن عنده مِنْهُ علم؛ لأنه لَمْ يسمع قراءتها، فلا يدري: هَلْ كَانَ يسرها، أم لا؟ وأيضاً؛ فَقَدْ شك الرَّاوي: هَلْ قَالَ: ((لا أحفظه)) ، أو ((مَا سألني عَنْهُ أحد قبلك)) ، فالظاهر: أَنَّهُ إنما قَالَ: ((مَا سألني عَنْهُ أحد قبلك)) ، كما رواه شعبة وغيره عَن قتادة، كما تقدم.
وعلى تقدير: أن يكون قَالَ: ((مَا أحفظه)) ، فيجوز أن يكون نسي مَا أخبر بِهِ قتادة وغيره من قَبْلَ ذَلِكَ، ويكون قَالَ ذَلِكَ عِنْدَ كبره وبعد عهده بما سئل عَنْهُ.
قَالَ ابن عَبْد البر: من حفظ عَنْهُ حجة عَلَى من سأله فِي حال نسيانه.
والله أعلم.
فإن قيل: فَقَدْ رَوَى الأوزاعي، عَن إِسْحَاق بْن عَبْد الله بْن أَبِي طلحة، عَن أَنَس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بَكْر وعمر وعثمان كانوا يستفتحون بأم القرآن، فيما يجهر فِيهِ.
خرجه ابن جوصة والدارقطني.
وهذا صريح فِي أن المراد ابتداء القراءة بفاتحة الكتاب.
قيل: ليس المراد الإخبار بأنهم كانوا يقرءون أم القرآن قَبْلَ سور سواها؛ فإن هذه لا فائدة فِيهِ إنما المراد: أنهم كانوا لا يقرءون قَبْلَ أم القرآن شيئاً يجهرون بِهِ فِي الصلاة، فتدخل فِي ذَلِكَ البسملة؛ فإنها ليست من أم القرآن.
ويدل على هَذَا شيئان:أحدهما: أن رِوَايَة الأوزاعي الَّتِيْ فِي ((صحيح مُسْلِم)) : لا يذكرون ((بسم الله الرحمن الرحيم)) فِي أول قراءة ولا آخرها.
والأوزاعي إمام فقيه عندما يروي، فرواياته كلها متفقة.
والثاني: أن الأوزاعي كَانَ يأخذ بهذا الحَدِيْث الَّذِي رواه، ولا يرى قراءة البسملة قَبْلَ الفاتحة من أولا جهراً، وسنذكر قوله فِي ذَلِكَ فيما بعد - إن شاء الله - سبحانه وتعالى -.
وقد عارض بعضهم حَدِيْث أَنَس هَذَا بما خرجه البخاري فِي ((فضل القرآن)) من ((صحيحه)) هَذَا: حَدَّثَنَا عَمْرِو بْن عاصم: ثنا همام، عَن قتادة، قَالَ: سئل أَنَس: كَيْفَ كَانَتْ قراءة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: كَانَتْ مداً، ثُمَّ قرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، يمد بـ ((بسم الله)) ، ويمد بـ ((الرحمن)) ويمد بـ ((الرحيم)) .
وخرجه - أَيْضاً - من طريق جرير بْن حَازِم، عَن قتادة - إلى قوله: ((مداً)) ، ولم يذكر: ((ثُمَّ قرأ)) وما بعده.
وقد ذكر ابن أَبِي خيثمة فِي ((كتابه)) : أن يَحْيَى بْن معين سئل عَن حَدِيْث جرير هَذَا، فَقَالَ: ليس بشيء.
قُلتُ: وروايات جرير بْن حَازِم عَنْ قتادة فيها مناكير -: قاله الإمام أحمد ويحيى وغير واحد.
وقد تابعه عَلَى هَذَا: همام.
قَالَ: وروي عَن قتادة مرسلاً، وَهُوَ أشبه -: ذكره فِي ((العلل)) .
قُلتُ: وقد روي بإسناد فِيهِ لين، عَن حرب بْن شداد، عَن قتادة، قَالَ: سألت أَنَس بْن مَالِك: كَيْفَ كَانَتْ قراءة النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: كَانَ إذا قرأ مد صوته مداً.
خرجه الطبراني.
وفي الجملة؛ فتفرد عَمْرِو بْن عاصم عَن همام بذكر البسملة فِي هَذَا الحَدِيْث.
وقد روي عَن شعبة، عَن همام بدون هذه الزيادة.
خرجه أبو الحسين بن المظفر فِي ((غرائب شعبة)) .
وعلى تقدير أن تكون محفوظة، فليس فِي الحَدِيْث التصريح بقراءته فِي الصلاة، فَقَدْ يكون وصف قراءته فِي غير الصلاة، ويحتمل - وَهُوَ أشبه -: أن يكون أَنَس أو قتادة قرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) عَلَى هَذَا الوجه، وأراد تمثيل قراءته بالمد، ولم يرد بِهِ حكاية عين قراءته للبسملة.
ويشهد بهذا: مَا خرجه أبو داود من حَدِيْث ابن جُرَيْج، عَن ابن أَبِي مليكة، عَن أم سَلَمَة، ذكرت قراءة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
، يقطع قراءته آية آية.
وخرجه الترمذي ولم يذكر فِي أوله البسملة، وزاد: وكان يقرأها { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .
وقراءة هذه الآيات عَلَى هَذَا الوجه إنما هُوَ من حكاية ابن جُرَيْجلحديث أم سَلَمَة، وقولها: كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقطع قراءته آية آية، كذلك قاله النسائي وأبو داود السجستاني، حكاه عنهما أبو بَكْر بْن أَبِي داود فِي كتابه ((المصاحف)) .
وكذا قَالَ الإمام أحمد فِي رِوَايَة ابن الْقَاسِم، وقالوا: ابن جُرَيْج هُوَ الَّذِي قرأ { ملِكِ} ، وليس ذَلِكَ فِي حَدِيْث أم سَلَمَة.
يدل على صحة هَذَا: مَا خرجه الإمام أحمد من طريق نَافِع، عَن ابن أَبِي مليكة، عَن بعض أزواج النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ نَافِع: أراها حَفْصَةَ -، أنها سئلت عَن قراءة النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَتْ: إنكم لا تستطيعونها، فَقِيلَ: أخبرينا بِهَا، فقرأت قراءة ترسلت فيها.
قَالَ نَافِع: فحكى لنا ابن أَبِي مليكة: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ثُمَّ قطع { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ثُمَّ قطع { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .
ففي هذه الرواية: تصريح ابن جُرَيْج بأن هذه القراءة إنما هِيَ حكاية مَا قرأ لهم ابن أَبِي مليكة.
وفي لفظ الحَدِيْث اختلاف فِي ذكر البسملة وإسقاطها.
وفي إسناده - أَيْضاً - اخْتِلاَف؛ فَقَدْ أدخل الليث بْن سعد فِي روايته عَن ابن أَبِي مليكة بينه وبين أم سليمة: يعلى بْن مملك، وصحح روايته الترمذي وغيره.
وَقَالَ النسائي فِي يعلى هَذَا: ليس بمشهور.
وَقَالَ بعضهم: عَن يعلى، عَن عَائِشَة.
وقد ذكر الاختلاف فِيهِ الدارقطني فِي ((علله)) ، وذكر أن عُمَر بْنهارون زاد فِيهِ: عَن ابن جُرَيْج، وعد: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) آية.
وعمر بْن هارون، لا يلتفت إلى تفرد بِهِ.
وقد يكون ابن جُرَيْج عدها آية - أو ابن أَبِي مليكة.
ومن زعم: أَنَّهُ صحيح؛ لتخريج ابن خزيمة لَهُ، فَقَدْ وهم.
ومن زعم من متقدمي الفقهاء أن حفص بْن غياث رواه عَن ابن جُرَيْج كذلك وأنه أخبره بِهِ عَنْهُ غير واحد، فَقَدْ وهم، ورواه بالمعنى الَّذِي فهمه هُوَ، وَهُوَ وأمثاله من الفقهاء يروون بالمعنى الَّذِي يفهمونه، فيغيرون معنى الحَدِيْث.
وحديث حفص مشهور، مخرج فِي المسانيد والسنن باللفظ المشهور.
وقد ادعى طائفة: أن حَدِيْث قتادة وإسحاق بْن أَبِي طلحة ومن تابعهما عَن أَنَس كما تقدم معارض بروايات أخر عَن أَنَس، تدل عَلَى الجهر بالبسملة، فإما أن تتعارض الروايات وتسقط، أو ترجح رِوَايَة الجهر؛ لأن الإثبات مقدم عَلَى النفي.
فروى الشَّافِعِيّ: نا عَبْد المجيد بْن عَبْد العزيز، عَن ابن جُرَيْج، قَالَ: أخبرني عَبْد الله بْن عُثْمَان بْن خثيم، أن أَبَا بَكْر بْن حفص بْن عُمَر أخبره، أن أنس بْن مَالِك قَالَ: صلى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) لأم القرآن، ولم يقرأ بِهَا للسورة الَّتِيْ بعدها حَتَّى قضى تلك القراءة، ولم يكبر حَتَّى قضى تلك، فلما سلم ناداه من شهد ذَلِكَ من المهاجرين من كل مكان: يَا معاوية: أسرقتالصلاة، أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذَلِكَ قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) للسورة الَّتِيْ بعد أم القرآن، وكبر حِينَ يهوي ساجداً.
ورواه عَبْد الرزاق عَن ابن جُرَيْج بهذا الإسناد،.

     وَقَالَ  فِيهِ: فَلَمْ يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) لأم القرآن، ولم يقرأ بِهَا للسورة التي بعدها.
وخرجه الشافعي - أيضا - عن إبراهيم بن محمد - هو: ابن أبي يحيى -: حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم، ولم يقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، ولم يكبر إذا رفع.
ورواه - أَيْضاً - عَن يَحْيَى بْن سليم، عَن عَبْد الله بْن عُثْمَان بْن خثيم، عَن إِسْمَاعِيل بْن عُبَيْدِ بن رِفَاعَة، عَن أَبِيه - فذكر بنحوه.
قَالَ الشَّافِعِيّ: وأحسب هَذَا الإسناد أحفظ من الإسناد الأول.
قَالَ البيهقي: ورواه إِسْمَاعِيل بْن عياش، عَن ابن خثيم، عَنإِسْمَاعِيل ابن عُبَيْدِ بْن رِفَاعَة، عن أبيه، عَن جده، أن معاوية قدم المدينة.
قَالَ: ويحتمل أن يكون ابن خثيم سمعه منهما، والله أعلم.
انتهى.
فعلى طريقة الشَّافِعِيّ فِي ترجيح الإسناد الثاني عَلَى الحَدِيْث، ليس هَذَا الحَدِيْث من رِوَايَة أَنَس بْن مَالِك بالكلية، فلا يكون معارضاً لروايات أَنَس الصحيحة الثابته.
وعلى التقدير الآخر، فليس هَذَا الحَدِيْث مرفوعاً، وإنما فِيهِ إنكار من كَانَ حاضراً تلك الصلاة من المهاجرين، وإنما حضر ذَلِكَ قليل منهم؛ فإن أكابرهم توفوا قَبْلَ ذَلِكَ، فغاية هَذَا: أن يكون موقوفاً عَلَى جماعة من الصَّحَابَة، فكيف ترد بِهِ الرواية المرفوعة، وليس فِيهِ تصريح بإنكار ترك الجهر بالبسملة، بل يحتمل أنهم إنما أنكروا قراءتها فِي الجملة، وذلك محتمل بأن يكون معاوية وصل تكبيرة الإحرام بقراءة { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} من غير سكوت بَيْنَهُمَا يتسع للبسملة، ثُمَّ وصل الفاتحة بقراءة سورة من غير سكوت يتسع للبسملة.
ورواية ابن جُرَيْج صريحة فِي أن معاوية لَمْ يقرأ البسملة مَعَ الفاتحة - ?? أَيْضاً -، فيدل هَذَا عَلَى اتفاقهم عَلَى أن البسملة ليست من الفاتحة، وإلا لأمروه بإعادة الصلاة، أو لأعادوا هم صلاتهم خلفه.
وبكل حال؛ المضطرب إسناده وألفاظه لا يجوز أن يكون معارضاً لأحاديث أَنَس الصحيحة الصريحة.
وقد تفرد بهذا الحَدِيْث عَبْد الله بْن عُثْمَان بْن خثيم، وليس بالقوي؛ ترك حديثه يَحْيَى القطان وابن مهدي.
ومن العجب، قَوْلِ بعضهم: يكفي أن مسلماً خرج لَهُ، مَعَ طعنهفِي حَدِيْث الأوزاعي الَّذِي خرجه مُسْلِم فِي ((صحيحه)) من حَدِيْث أنس المصرح بنفي قراءة البسملة.
وقوله: إنه معلول غير ثابت، بغير حجة ولا برهان، نعوذ بالله من اتباع الهوى.
فإن قيل: فَقَدْ روي عَن أَنَس أحاديث صريحة فِي الجهر بالبسملة: فروى حاتم بْن إِسْمَاعِيل، عَن شريك بن عَبْد الله بن أَبِي نمر، عَن أَنَس، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
خرجه الحَاكِم فِي ((المستدرك)) من طريق أصبع بْن الفرج، عَن حاتم، بِهِ.
وَقَالَ: رواته ثقات.
قُلتُ: هَذَا لا يثبت؛ فَقَدْ خرجه الدارقطني من طريق آخر عَن حاتم بْن إِسْمَاعِيل، عَن شريك بْن عَبْد الله، عَن إِسْمَاعِيل المكي، عَن قتادة، عَن أَنَس - فذكره.
فتبين بهذه الرواية أَنَّهُ سقط من رِوَايَة الحَاكِم من إسناده رجلان: أحدهما إِسْمَاعِيل المكي، وَهُوَ: ابن مُسْلِم، متروك الحَدِيْث، لا يجوز الاحتجاج بِهِ.
وخرج الدارقطني - أَيْضاً - من طريق معتمر بْن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن أَنَس، قَالَ: كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
وفي إسناده مجاهيل لا يعرفون.
وخرج - أَيْضاً - بإسناد منقطع وجادة وجدها فِي كِتَاب عَن مُحَمَّد بْن المتوكل بْن أَبِي السري العسقلاني، أَنَّهُ صلى خلف المعتمر بْنسُلَيْمَان، فكان يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ،.

     وَقَالَ : إني مَا آلو أن اقتدي بصلاة المعتمر،.

     وَقَالَ  أَنَس: مَا آلو أن اقتدي بصلاة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وهذا لا يثبت؛ لوجوه: مِنْهَا: انقطاع أول إسناده.
ومنها: أَنَّهُ ليس فِيهِ تصريح برواية معتمر للجهر بالبسملة بهذا الإسناد، وإنما فِيهِ اقتداء كلي فِي الصلاة، ومثل هَذَا لا يثبت به نقل تفاصيل أحكام الصلاة الخاصة.
ومنها: أن المعتمر بْن سُلَيْمَان إنما كَانَ يروي حَدِيْث البسملة بإسناد آخر عَن إِسْمَاعِيل بْن حماد، عَن أَبِي خَالِد، عَن ابن عَبَّاس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يفتتح صلاته بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
خرجه من طريقه كذلك أبو داود،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيْث ضَعِيف.
والترمذي،.

     وَقَالَ : إسناده ليس بذاك.
وقال: إِسْمَاعِيل بْن حماد، هُوَ: ابن أَبِي سُلَيْمَان، وأبو خالد، هُوَ: الوالبي، كذا قَالَ.
وَقَالَ الإمام أحمد - فِي رِوَايَة حَنْبل -: إِسْمَاعِيل بْن حماد: ليس بِهِ بأس، ولا أعرف أبا خَالِد - يعني: أَنَّهُ غير الوالبي.
كذا قَالَ العقيلي، قَالَ: إِسْمَاعِيل بْن حماد بْن أَبِي سليمان حديثه غير محفوظ - يعني: هَذَا الحَدِيْث -، ويحكيه عَن مجهول كوفي.
وخرجه ابن عدي فِي ((كتابه)) من طريق معتمر، كما خرجه أبو داود وغيره.
وخرج - أَيْضاً - من طريق آخر عَن معتمر، قَالَ: سَمِعْت ابن حماد، عَن عمران بْن خَالِد، عَن ابن عَبَّاس.
ثُمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيْث لا يرويه غير معتمر، وَهُوَ غير محفوظ، سواء قَالَ: عَن أَبِي خَالِد، أو عمران بْن خَالِد؛ جميعاً مجهولان.
وَقَالَ ابن عَبْد البر: هَذَا الحَدِيْث - والله أعلم - إنه روي عَن ابن عَبَّاس من فعله لا مرفوعاً إلى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ومنها: أن مُحَمَّد بْن المتوكل لَمْ يخرج لَهُ فِي ((الصحيح)) ، وقد تكلم فِيهِ أبو حاتم الرَّازِي وغيره ولينوه، وَهُوَ كثير الوهم.
وقد روي عَنْهُ هَذَا الحَدِيْث عَلَى وجه آخر: خرجه الطبراني عَن عَبْد الله بْن وهيب الغزي، عَن مُحَمَّد بْن أَبِي السري، عَن معتمر بْن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن الْحَسَن، عَن أَنَس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يسر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) وأبو بَكْر وعمر.
فهذه الرواية المتصلة الإسناد أولى من تلك المنقطعة.
وأعجب من هَذَا: مَا خرجه الحَاكِم من طريق سيف بْن عَمْرِو أَبِيجابر، عَن مُحَمَّد بْن أَبِي السري، عَن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أويس، عَن مَالِك، عَن حميد، عَن أَنَس، قَالَ: صليت خلف النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلف أَبِي بَكْر وخلف عُمَر وخلف عُثْمَان وخلف عَلِيّ، فكلهم كانوا يجهرون بقراءة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
وتخريج هَذَا فِي ((المستدرك)) من المصائب، ومن يخفى عَلِيهِ أن هَذَا كذب عَلَى مَالِك، وأنه لَمْ يحدث بِهِ عَلَى هَذَا الوجه قط؛ إنما رَوَى عَن حميد، عَن أَنَس، أن أَبَا بَكْر وعمر وعثمان كانوا لا يقرأون: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
هكذا خرجه فِي ((الموطإ)) ، ورواه عَنْهُ جماعة، وذكروا فِيهِ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضاً - وقد سبق ذكر ذَلِكَ.
فمن اتقى وأنصف علم أن حَدِيْث أنس الصحيح الثابت لا يدفع بمثل هذه المناكير والغرائب والشواذ الَّتِيْ لَمْ يرض بتخريجها أصْحَاب الصحاح، ولا أهل السنن مَعَ تساهل بعضهم فيما يخرجه، ولا أهل المسانيد المشهورة مَعَ تساهلهم فيما يخرجونه.
وإنما جمعت هذه الطرق الكثيرة الغريبة والمنكرة لما اعتنى بهذه المسألة من اعتنى بِهَا، ودخل فِي ذَلِكَ نوع من الهوى والتعصب، فإن أئمة الإسلام المجتمع عليهم إنما قصدوا اتباع مَا ظهر لهم من الحق وسنة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يكن لهم قصد فِي غير ذَلِكَ - رضي الله عنهم -، ثُمَّ حدث بعدهم من كَانَ قصده أن تكون كلمة فلان وفلان هِيَ العليا، ولم يكن ذَلِكَ قصد أولئك المتقدمين، فجمعوا وكثروا الطرق والرواياتالضعيفة والشاذة والمنكرة والغريبة، وعامتها موقوفات رفعها من ليس بحافظ، أو من هُوَ ضَعِيف لا يحتج بِهِ، أو مرسلات وصلها من لا يحتج بِهِ، مثلما وصل بعضهم مرسل الزُّهْرِيّ فِي هَذَا، فجعله عَنْهُ، عَن ابن المُسَيِّب، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، ووصله باطل قطعاً.
والعجب ممن يعلل الأحاديث الصحيحة المخرجة فِي ((الصحيح)) بعلل لا تساوي شيئاً، إنما هِيَ تعنت محض، ثُمَّ يحتج بمثل هذه الغرائب الشاذة المنكرة، ويزعم أنها صحيحة لا علة لها.
وقد اعتنى بهذه المسألة وأفرادها بالتصنيف كثير من المُحَدِّثِين، منهم: مُحَمَّد بْن نصر وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وأبو بَكْر الخَطِيْب والبيهقي وابن عَبْد البر وغيرهم من المتأخرين.
ولولا خشية الإطالة لذكرنا كل حَدِيْث احتجوا بِهِ، وبيان أَنَّهُ لا حجة فِيهِ عَلَى الجهر؛ فإنها دائرة بَيْن أمرين: إما حَدِيْث صحيح غير صريح، أو حَدِيْث صريح غير صحيح.
ومن أقوى مَا احتجوا بِهِ: حَدِيْث خَالِد بْن يزيد، عَن سَعِيد بْن أَبِي هلال، عَن نعيم المجمر، أَنَّهُ صلى وراء أَبِي هُرَيْرَةَ، فقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، ثُمَّ قرأ بأم القرآن، ثُمَّ قَالَ لما سلم: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
خرجه النسائي وابن خزيمة والحاكم وغيرهم.
وسعيد وخالد، وإن كانا ثقتين، لكن قَالَ أبو عُثْمَان البرذعي فِي ((علله عَن أَبِي زُرْعَة الرَّازِي)) ، أَنَّهُ قَالَ فيهما: ربما وقع فِي قلبي من حسن حديثهما.
قَالَ:.

     وَقَالَ  أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل، عَن ابن أبي فروة وابن سمعان.
يعني: مدلسة عنهما.
ثُمَّ هَذَا الحَدِيْث ليس بصريح فِي الجهر، إنما فِيهِ أَنَّهُ قرأ البسملة، وهذا يصدق بقراءتها سراً.
وقد خرجه النسائي فِي ((باب: ترك الجهر بالبسملة)) .
وعلى تقدير أن يكون جهر بِهَا، فيحتمل أن يكون جهر بِهَا ليعلم النَّاس استحباب قراءتها فِي الصلاة، كما جهر عُمَر بالتعوذلذلك.
وأيضاً؛ فإنه قَالَ: قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ثُمَّ قرأ بأم القرآن، وهذا دليل عَلَى أنها ليست من أم القرآن، وإنما تقرأ قَبْلَ أم القرآن تبركاً بقراءتها.
وأيضاً؛ فليس فِي الحَدِيْث تصريح بأن جميع مَا فعله أبو هُرَيْرَةَ فِي هذه الصلاة نقله صريحاً عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما فِيهِ أن صلاته أشبه بصلاة النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غيره.
وخرج الدارقطني من حَدِيْث أَبِي أويس، عَن العلاء، عَن أَبِيه، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ إذا أم النَّاس قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
وهذا مِمَّا تفرد بِهِ أبو أويس، وقد تكلم فِيهِ، وإن خرج لَهُ مُسْلِم، ووثقه غير واحد.
وليس - أَيْضاً - بصريح فِي الجهر، بل يحتمل أَنَّهُ كَانَ يقرأها سراً.
وقد روي بهذا الإسناد بعينة، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لا يجهر بِهَا، وسنذكره.
وخرج ابن عَبْد البر بهذا الإسناد: التصريح بالجهر بِهَا، بإسناد فِيهِالنضر ابن سَلَمَة شاذان، وَهُوَ متهم بالكذب.
وخرج الدارقطني - أَيْضاً - من رِوَايَة أَبِي بَكْر الحنفي، عَن عَبْد الحميد بْن جَعْفَر، عَن نوح بْن أَبِي بلال، عَن سَعِيد المقبري، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ((إذا قرأتم { الْحَمْدُ} فاقرءوا: بسم الله الرحمن الرحيم؛ إنها أحد آياتها)) ، وذكر فِيهِ فضل الفاتحة.
قَالَ الحنفي: لقيت نوحاً، فحدثني عَن سَعِيد، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ - بمثله، ولم يرفعه.
وذكر الدارقطني فِي ((علله)) : أن وقفه أشبه بالصواب.
قُلتُ: ويدل عَلَى صحة قوله: أن ابن أَبِي ذئب رَوَى الحَدِيْث فِي فضل الفاتحة، عَن المقبري، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً، ولم يذكر فِيهِ: البسملة.
وروى إِبْرَاهِيْم بْن إِسْحَاق السراج، عَن عقبة بْن مكرم، عَن يونس بْن بكير: ثنا مِسْعَر، عَن مُحَمَّد بْن قيس، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
خرجه الدارقطني والحاكم.
وظن بعضهم أَنَّهُ إسناد صحيح، وليس كذلك؛ فإن السراج وهم فِي قوله فِي إسناده: ((حَدَّثَنَا مِسْعَر)) ، إنما هُوَ ((أبو معشر)) ، كذا قَالَ الدارقطني والخطيب، وقبلهما أبو بَكْر الإسماعيلي فِي ((مسند مِسْعَر)) ، وحكاه عَن أَبِي بَكْر ابن عمير الحافظ.
وَقَالَ البيهقي: الصواب أبو معشر.
وأبو معشر، وَهُوَ نجيح السندي، ضَعِيف جداً.
وخرج الدارقطني وغيره من حَدِيْث حميد، عَن الْحَسَن، عَن سمرة، قَالَ: كَانَتْ لرَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سكتتان: سكتة إذا قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، وسكتة إذا فرغ من القراءة، فأنكر ذَلِكَ عمران بْن حصين، فكتبوا إلى أَبِي بْن كعب، فكتب: أن صدق سمرة.
ورواة هَذَا الحَدِيْث كلهم ثقات، كما ذكره غير واحد، لكن سماع الْحَسَن من سمرة مختلف فِيهِ.
وإن ثبت فهو دليل عَلَى الإسرار بالبسملة، لا عَلَى الجهر؛ لأنه صرح بأن سكتته الأولى كَانَتْ إذا قرأ البسملة، ومراده: إذا أراد قراءتها، فدل عَلَى أَنَّهُ كَانَ يقرأها فِي السكتة الأولى، وإلا فلا يَقُول أحد: إن السنة أن يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) جهزاً، ثُمَّ يسكت بعد ذَلِكَ سكتة، ثُمَّ يقرأ الفاتحة، ولا نقل هَذَا أحد عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا عَن أحد من أصحابه، ولا قَالَ بِهِ قائل.
وقد رَوَى هَذَا الحَدِيْث قتادة، عَن الْحَسَن، عَن سمرة، وفسر قتادة السكتتين: إذا دَخَلَ فِي الصلاة، وإذا فرغ من القراءة.
وفي رِوَايَة قَالَ: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ.
خرجه أبو داود وغيره.
وخرج - أَيْضاً - من حَدِيْث يونس، عَن الْحَسَن، عَن سمرة، قَالَ: حفظت سكتتين فِي الصلاة: سكتة إذا كبر الإمام حَتَّى يقرأ، وسكتة إذا فرغ.
ففي هذه الروايات كلها: تصريح بأن السكتة كَانَتْ بَيْن التكبير والقرءاة، كما فِي حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَةَ.
وخرج الحَاكِم من طريق عَبْد الله بْن عَمْرِو بْن حسان، عَن شريك، عَن سَالِم الأفطس، عَن سَعِيد بْن جبير، عَن ابن عَبَّاس، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
وَقَالَ: صحيح، ليس لَهُ علة.
وهذه زلة عظيمة؛ فإن عَبْد الله بْن عَمْرِو بْن حسان هَذَا هُوَ الواقعي، نسبه ابن المديني إلى الوضع..
     وَقَالَ  الدارقطني: كَانَ يكذب..
     وَقَالَ  أبو حاتم الرَّازِي: كَانَ لا يصدق.
وخرج الدارقطني هَذَا الحَدِيْث من طريق أَبِي الصلت الهروي، عَن عباد ابن العَوَّامِ، عَن شريك،.

     وَقَالَ  فِيهِ: يجهر فِي الصلاة.
وأبو الصلت هَذَا، متروك.
وخرجه الطبراني فِي ((أوسطه)) من طريق يَحْيَى بْن طلحة اليربوعي، عَن عباد بْن العَوَّامِ بهذا الإسناد، ولفظ حديثه: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) هزأ مِنْهُ المشركون، وقالوا: مُحَمَّد يذكر إله اليمامة، وكان مسيلمة يتسمى الرحمن، فلما نزلت هذه الآية أمر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا يجهر بِهَا.
وهذا لَوْ صح لدل عَلَى نسخ الجهر بِهَا، ولكن الصحيح أَنَّهُ مرسل، وكذلك رواه يَحْيَى بْن معين، عَن عباد بْن العَوَّامِ: ثنا شريك بْن عَبْد الله بْن سنان، عَن سَالِم الأفطس، عَن سَعِيد بْن جبير، فِي قوله تعالى: { وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الاسراء:110] قَالَ: نَزَلَتْ فِي ((بسم الله الرحمن الرحيم)) - وذكر الحَدِيْث بمعناه مرسلاً.
كذا خرجه عَنْهُ المفضل الغلابي فِي ((تاريخه)) .
وكذا خرجه أبو داود فِي ((المراسيل)) عَن عباد بْن موسى، عَن عباد بْن العَوَّامِ، وعنده: فأمر رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإخفائها، فما جهر بِهَا حَتَّى مات.
وكذا رواه يَحْيَى بْن آدم، عَن شريك، عَن سَالِم، عَن سَعِيد - مرسلاً.
وَهُوَ أصح.
وقد روي عَن إِسْحَاق بْن راهويه، [عَن إِسْحَاق] - موصولاً، ولا يصح.
ذكره البيهقي فِي ((المعرفة)) .
وروى عُبَيْدِ الله بْن عَمْرِو الرقي، عَن عَبْد الكريم الجزري، عَن أَبِي الزُّبَيْر، عَن ابن عُمَر، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ كَانَ إذا قام إلى الصلاة، فأراد أن يقرأ قَالَ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
قَالَ ابن عَبْد البر: قَدْ رفعه غيره - أَيْضاً -، عَن ابن عُمَر، ولا يصح؛لأنه موقوف عَلَى ابن عُمَر من فعله، كذلك رواه سَالِم ونافع ويزيد الفقير، عَن ابن عُمَر.
وَقَالَ البيهقي: الصواب موقوف.
وقد قَالَ العقيلي فِي ((كتابه)) : لا يصح فِي الجهر بالبسملة حَدِيْث مسند.
يعني: مرفوعاً إلى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وحكي مثله عَن الدارقطني.
وما ينقل عَنْهُ فِي ((سننه)) من تصحيح احاديث فِي هَذَا الباب، فلا توجد فِي جميع النسخ، بل فِي بعضها، ولعله من زيادة بعض الرواة.
وفي ترك الجهر بِهَا: حَدِيْث عَبْد الله بْن مغفل، وَهُوَ شاهد لحديث أَنَس الَّذِي خرجه مُسْلِم، وَهُوَ من رِوَايَة أَبِي نعامة الحنفي، عَن ابن عَبْد الله بْن مغفل، قَالَ: سمعني أَبِي وأنا فِي الصلاة أقول: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
فَقَالَ: أي بني، محدث، إياك والحدث.
قَالَ: ولم أرأحداً من أصْحَاب النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أبغض إليهى الحدث فِي الإسلام - يعني: مِنْهُ -قَالَ: وقد صليت مَعَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومع أَبِي بَكْر ومع عُمَر ومع عُثْمَان، فَلَمْ أسمع أحداً منهم يقولها، إذا أنت صليت فقل: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
خرجه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي،.

     وَقَالَ : حَدِيْث حسن.
وخرجه النسائي مختصراً.
وأبو نعامة هَذَا، بصري، قَالَ ابن معين: ثقة.
قَالَ ابن عَبْد البر: هُوَ ثقة عِنْدَ جميعهم.
وله رِوَايَة عَن عَبْد الله بْن مغفل فِي الاعتداء فِي الدعاء والطهور.
وأما هَذَا الحديث، فَقَدْ رواه عَن ابن عَبْد الله بْن مغفل، عَن أَبِيه.
وابن عَبْد الله بْن مغفل، يقال: اسمه: يزيد.
وقد رَوَى هَذَا الحَدِيْث أبو حنيفة، عَن أَبِي سُفْيَان، عَن يزيد بْن عبد الله ابن مغفل، عَن أَبِيه.
وكذلك خرجه أبو بَكْر عَبْد العزيز بن جَعْفَر فِي ((كِتَاب الشافي)) لَهُ من طريق حَمْزَة الزيات، عَن أَبِي سُفْيَان، عَن يزيد بْن عَبْد الله بْن مغفل، قَالَ: صلى بنا إمام فجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: تأخر عَن مصلانا، تجنب عنا هَذَا الحرف الَّذِي أراك تجهر بِهِ؛ فإني صليت خلف النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بَكْر وعمر فَلَمْ يجهروا بِهَا.
قَالَ لَهُ رَجُل: وعثمان؟ فسكت.
ويزيد هَذَا، لَمْ نعلم فِيهِ جرحاً، وقد حسن حديثه الترمذي.
وما قالهطائفة من المتأخرين: إنه مجهول، كابن خزيمة وابن عَبْد البر، فَقَدْ علله ابن عَبْد البر، بأنه لَمْ يرو عَنْهُ إلاّ واحد فيكون مجهولاً؛ يجاب عَنْهُ: بأنه قَدْ رَوَى عَنْهُ اثنان، فخرج بذلك عَن الجهالة عِنْدَ كثير من أهل الحَدِيْث.
وقد رَوَى سُفْيَان الثوري، عَن خَالِد الحذاء، عَن أَبِي نعامة، عَن أَنَس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يكن ولا أبو بَكْر ولا عُمَر يجهرون بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
كذا رواه غير واحد عَن سُفْيَان.
وخالفهم يَحْيَى بْن آدم، فرواه عَن سُفْيَان، عَن خَالِد، عَن أَبِي قلابة، عَن أنس.
ووهم فِيهِ، إنما هُوَ أبو نعامة -: قاله الإمام أحمد.
ثُمَّ اختلف الحفاظ: فمنهم من قَالَ: الأشبه بالصواب رِوَايَة من رواه عَن أَبِي نعامة، عَن ابنَ مغفل، عَن أَبِيه، ومنهم: الدارقطني، وكلام أحمد يدل عَلِيهِ - أَيْضاً -، قالوا: لأنه رواه ثَلاَثَة عَن أَبِي نعامة بهذا الإسناد، وهم: الجريري وعثمان بْن غياث وراشد الحراني، فقولهم أولى من قَوْلِ خَالِد الحذاء وحده.
ومنهم من قَالَ: يجوز أن يكون القولان عَن أَبِي نعامة صحيحين.
ومن العجائب تأويل بعضهم لحديث ابن مغفل عَلَى مثل تأويله لحديث أَنَس، وأن المراد افتتاحهم بالفاتحة.
وهذا إسقاط لفائدة أول الحَدِيْث وآخره، والسبب الَّذِي لأجله رواه ابن مغفل، وإنما الصواب عكس هَذَا، وَهُوَ حمل حَدِيْث أَنَس عَلَى مثل مَا رواه ابن مغفل.
وروى عُبَيْدِ الله بْن عَمْرِو الرقي، عَن زيد بْن أَبِي أنيسة، عَن عَمْرِو بْن مرة، عَن نَافِع بْن جبير بْن مطعم، عَن أَبِيه، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يجهر فِي صلاته بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
ذكره الدارقطني، فِي ((علله)) .
وهذا الإسناد، رجاله كلهم ثقات مشهورون، ولكن لَهُ علة، وهي: أن هَذَا الحَدِيْث قطعة من حَدِيْث جبير بْن مطعم فِي صفة تكبير النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتعوذه فِي الصلاة، وقد رواه الثقات عَن عَمْرِو بْن مرة، عَن عاصم العنزي، عَنْ نَافِع بْن جبير، عَن أَبِيه بدون هذه الزيادة؛ فإنه تفرد بِهَا الرقي عَن زيد.
وروى الحافظ أبو أحمد العسال: ثنا عَبْد الله بن العباس الطيالسي: ثنا عَبْد الرحيم بْن زياد السكري: ثنا عَبْد الله بْن إدريس، عَن عُبَيْدِ الله بْن عُمَر، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر، قَالَ: صليت خلف رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بَكْر وعمر وعثمان، فَلَمْ يقنتوا ولم يجهروا.
وهذا الإسناد - أَيْضاً - كلهم ثقات مشهورون.
وهذا والذي قلبه خير من كثير من أحاديث الجهر الَّتِيْ يصححها الحَاكِم وأمثاله، ويحتجون بِهَا، ولكن لا نستحل كتمان مَا ذكر فِي تعليله.
فذكر الدارقطني فِي ((العلل)) أَنَّهُ تفرد بِهِ السكري، عَن ابن إدريس مرفوعاً.
قَالَ: ورواه زائدة والقطان ومحمد بْن بشر وابن نمير، عَن عُبَيْدِ الله، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر - موقوفاً.
قَالَ: وكذلك رواه مَالِك فِي ((الموطإ)) عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر - موقوفاً.
قَالَ: وَهُوَ الصواب.
وفي ((صحيح مُسْلِم)) عَن عَائِشَة، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وفيه: عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذا نهض فِي الثانية استفتح بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ولم يسكت.
وروى منصور بْن مزاحم - وَهُوَ صدوق -: ثنا أبو أويس، عَن العلاء بن عَبْد الرحمن، عَن أَبِيه، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لا يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
ذكره ابن عَبْد البر وغيره.
وهذا إسناد جيد.
وقد عضده: أن مسلماً خرج بهذا الإسناد بعينة حَدِيْث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) ، وذكر سورة الفاتحة بكمالها، فَلَمْ يذكر فيها البسملة.
وروى عمار بْن زربي، عَن المعتمر بْن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن أَبِي عُثْمَان النهدي، عَن عُمَر بْن الخَطَّاب، قَالَ: كَانَ قراءة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مداً { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حَتَّى يختم السورة.
عمار هَذَا، تكلم فِيهِ.
وليست هذه الأحاديث بدون الأحاديث الَّتِيْ يستدل بِهَا الحَاكِم وأمثاله عَلَى الجهر، بل إما أن تكون مساوية لها، أو أقوى مَعَ اعتضادها بالأحاديث الصحيحة والحسنة المخرجة فِي الصحاح والسنن، وتلك لا تعتضد بشيء من ذَلِكَ.
وفي الباب: أحاديث أخر، تركناها اختصاراً، وبعضها مخرج فِي بعض السنن - أَيْضاً.
وأما الآثار الموقوفة فِي المسألة فكثيرة جداً.
وإلى ذَلِكَ ذهب أكثر أهل العلم من أصْحَاب النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، منهم: أبو بَكْر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، ومن بعدهم من التابعين، وبه يَقُول سُفْيَان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق، لا يرون أن يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
قالوا: ويقولها فِي نفسه.
انتهى.
وحكى ابن المنذر هَذَا القول عَن سُفْيَان وأهل الرأي وأحمد وأبي عُبَيْدِ، قَالَ: ورويناه عَن عُمَر وعلي وابن مَسْعُود وعمار بْن ياسروابن الزُّبَيْر والحكم وحماد.
قَالَ:.

     وَقَالَ  الأوزاعي: الإمام يخفيها.
وحكاه ابن شاهين عَن عامة أهل السنة، قَالَ: وهم السواد الأعظم.
وروى شعبة، عَن حصين، عَن أَبِي وائل، قَالَ: كانوا لا يجهرون بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
وروى الأثرم بإسناده، عَن عُرْوَةَ بْن الزُّبَيْر، قَالَ: أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلاّ بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وعن الأعرج - مثله.
وعن النخعي، قَالَ: مَا أدركت أحداً يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
وعنه، قَالَ: الجهر بِهَا بدعة.
وعن عَكْرِمَة، قَالَ: أنا أعرابي إن جهرت بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
وروى وكيع فِي ((كتابه)) عَن همام، عَن قتادة، قَالَ: الجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) أعرابية.
وعن سُفْيَان، عَن عَبْد الملك بْن أَبِي بشير، عَن عَكْرِمَة، عَن ابن عَبَّاس، قَالَ: الجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) قراءة الأعراب.
وعن إسرائيل، عَن جابر، عَن أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ، قَالَ: لا يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
وهذه الرواية تدل عَلَى أَنَّهُ لا يصح مَا حكي عَن أَبِي جَعْفَر وأهل البيت من الجهر بِهَا، ولعل الشيعة تفتري ذَلِكَ عليهم.
وممن روي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لا يجهر بِهَا: بَكْر المزني والحسن وابن سيرين والشعبي وأبو إِسْحَاق السبيعي وعمر بْن عَبْد العزيز - فِي رِوَايَة عَنْهُ، رواها الوليد ابن مُسْلِم، عَن عَبْد الله بْن العلاء، عَنْهُ -، وقتادة وابن أَبِي ليلى وابن شبرمة والحسن بْن حي.
وَقَالَ الْحَسَن: الجهر بِهَا أعرابية.
خرجه حرب الكرماني.
وروي عَنْهُ من وجه آخر، قَالَ: الجهر بِهَا قراءة الأعراب.
وأكثر هؤلاء يكرهون الجهر، كما أنكره عَبْد الله بْن مغفل، وكما أنكره من قَالَ: ذَلِكَ قراءة الأعراب، ومن قَالَ: هُوَ بدعة، ونص أحمد عَلَى كراهته.
وروي عَن طائفة، أَنَّهُ يخير بَيْن الجهر والإسرار، ولا يكره الجهر وإن كَانَ الإسرار أفضل، وحكي هَذَا عَن ابن أَبِي ليلى وإسحاق، ورجحه طائفة من أهل الحَدِيْث.
ومنهم من قَالَ: الجهر أفضل.
وقالت طائفة: يجهر بِهَا وَهُوَ السنة، وَهُوَ قَوْلِ الشَّافِعِيّ وأصحابه وأبي ثور، وروي عَن الليث بْن سعد.
قَالَ ابن المنذر: وروينا عَن عُمَر وابن عَبَّاس أنهما كانا يستفتحان بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
انتهى.
وليس عَن ابن عُمَر تصريح بالجهر، بل بقراءة البسملة.
وأما المروي عَن عُمَر، فَقَدْ ثبت عَنْهُ فِي ((صحيح مُسْلِم)) من حَدِيْث أَنَس، أَنَّهُ لَمْيكن يجهر بِهَا، فلعله جهر بِهَا مرة ليبين جواز ذَلِكَ.
وخرج ابن أَبِي شيبة بإسناد جيد، عَن الأسود، قَالَ: صليت خلف عُمَر سبعين صلاة، فَلَمْ يجهر فيها بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
قَالَ ابن عَبْد البر: روي عَن عُمَر وعلي وعمار بْن ياسر، أنهم كانوا يجهرون بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، والطرق ليست بالقوية، وقد قدمنا الاختلاف عنهم فِي ذَلِكَ.
قَالَ: وروي عَن عُمَر فيها ثلاث روايات: أحدها: أَنَّهُ كَانَ لا يَقْرَؤُهَا.
والثانية: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا سراً.
والثالثة: أَنَّهُ جهر بِهَا.
وكذلك اختلف عَن أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الجهر والإسرار، وعن ابن عَبَّاس - أَيْضاً -، والأكثر عَنْهُ الجهر بِهَا، وعليه جماعة أصحابه.
وذكر ابن عَبْد البر جماعة ممن كَانَ يرى الجهر بِهَا، منهم: مكحول وعمر ابن عَبْد العزيز ومحمد بْن كعب القرظي، قَالَ: وَهُوَ أحد قولي ابن وهب، إلا أَنَّهُ رجع عَنْهُ إلى الإسرار بِهَا.
وعن عَطَاء الخراساني، قَالَ: الجهر بِهَا حسن.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: من سَنَة الصلاة أن يقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ثُمَّ فاتحة الكتاب، ثُمَّ يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ثُمَّ يقرأ بسورة.
وكان يَقُول: أول من قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم) سراً بالمدينة عَمْرِو بْن سَعِيد بْن العاص.
خرجه البيهقي.
ومراسيل الزُّهْرِيّ من أردإ المراسيل.
وإنما عنى أول من أسر بِهَا ممن أدركه، فَقَدْ ثبت عَن أَبِي بَكْر وعمر وعثمان الإسرار بِهَا، فلا عبرة بمن حدث بعدهم وبعد انتقال عَلِيّ بْن أَبِي طالب من المدينة؛ فإن هؤلاء هم الخُلَفَاء الراشدون الذين أمرنا رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باتباع سنتهم، وهم كانوا لا يجهرون بِهَا.
قَالَ البيهقي: وروينا الجهر بِهَا عَن فقهاء مكة: عَطَاء وطاوس ومجاهد وسعيد بْن جبير.
وَقَالَ الإمام أحمد - فِي رِوَايَة مهنا -: عامة أهل المدينة يجهر بِهَا: الزُّهْرِيّ وربيعة، وذكر ابن عَبَّاس وابن الزُّبَيْر.
وأما مَا ذكره الخَطِيْب فِي كتابه فِي الجهر بالبسملة من الآثار الكثيرة فِي المسألة حَتَّى اعتقد بعض من وقف عَلِيهِ أَنَّهُ قَوْلِ الجمهور، فغالب آثاره أو كثير مِنْهَا معلول لا يصح عِنْدَ التحقيق.
وكثير منهم يروي الجهر والإسرار، وقد حكي عَن الدارقطني، أَنَّهُ قَالَ فِي المنقول عَن الصَّحَابَة [ ... ] منهم: عَمْرِو بْن دينار وابن جُرَيْج ومسلم بْن خَالِد، وعن بعض أهل المدينة دون سائر الأمصار، ولقلة من كَانَ يجهر بِهَا اعتقد بعضهم أن الجهر بِهَا بدعة، وأنه من شعار أهل الأهواء كالشيعة، حَتَّى تركه بعض أئمة الشافعية، منهم: ابن أَبِي هُرَيْرَةَ لهذا المعنى.
وكان سُفْيَان الثوري وغيره من أئمة الأمصار يعدون الإسرار بالبسملة من جملة مسائل أصول الدين الَّتِيْ يتميز بِهَا أهل السنة عَن غيرهم، كالمسح عَلَى الخفين ونحوه، حَتَّى قَالَ سُفْيَان لشعيب بْن حرب: لا ينفعك مَا كتبت حَتَّى ترى أن إخفاء: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) أفضل من الجهر بِهَا.
وَقَالَ وكيع: لا يصلى خلف من يجهر بِهَا.
وَقَالَ أحمد فِي الصلاة خلف من يجهر بِهَا: إن كَانَ يتأول فلا بأس بِهِ، وإن كَانَ غير ذَلِكَ فلا يصلى خلفه.
يشير إلى أَنَّهُ يصلي خلف من جهر بِهَا من أهل العلم والحديث، دون من يجهر بِهَا من أهل الأهواء، فإنهم المعروفون بالجهر بِهَا.
ونقل أبو طالب، عَن أحمد، وسأله: يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ؟ قَالَ: بالمدينة نَعَمْ، وهاهنا من كَانَ يرى أنها آية من كِتَاب الله مثلما قَالَ ابن عَبَّاس وأبو هُرَيْرَةَ وابن الزُّبَيْر كانوا يجهرون بِهَا، ويتأولونها من كِتَاب الله.
قَالَ القاضي أبو يعلى: ظاهر هَذَا أَنَّهُ أجاز الجهر لمن كَانَ بالمدينة دون غيرها من البلاد.
قَالَ: ولعله ذهب فِي هَذَا إلى أن أهل المدينة يرون الجهر بِهِا، فإذا خافت استنكروا فعله، وامتنعوا من الصلاة خلفه.
قُلتُ: إنما مراد أحمد الإخبار عَن الجهر بِهَا أَنَّهُ سائغ لمثل أهل المدينة ومن يتأول من غيرهم من أهل الحَدِيْث والعلم، وليس مراده أَنَّهُ يرى الجهر بِهَا بالمدينة.
وقد حكى أبو حفص العكبري رِوَايَة أَبِي طالب عَن أحمد، بلفظ صريح فِي هَذَا المعنى، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: سئل أحمد: هَلْيصلي الرَّجُلُ خلف من يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ؟ قَالَ: بالمدينة نَعَمْ، وهاهنا من كَانَ يتأول - وذكر بقية الرواية.
وهذا تصريح بالمعنى الَّذِي ذكرناه، وَهُوَ أَنَّهُ إنما يسوغ الخلاف فِي هذه المسألة من مثل هؤلاء العلماءالمجتهدين، دون أهل الأهواء الذين كَانَتْ هذه المسألأة مشهورة عنهم.
ولذلك نقل مهنا عَن أحمد، أن عامة أهل المدينة يرون الجهر بالبسملة.
ونقل صالح بْن أحمد، عَن أَبِيه، قَالَ: نحن لا نرى الجهر ولا نقنت؛ فإن جهر رَجُل - وليس بصاحب بدعة، يتبع مَا روي عَن ابن عَبَّاس وابن عُمَر - فلا بأس بالصلاة خلفه والقنوت هكذا.
ونقل عَنْهُ يعقوب بْن بختان، قَالَ: يصلى خلف من يجهر من الكوفيين، إلا أن يكون رافضياً.
واختلفت الرواية عَن أحمد فِي قراءة البسملة بَيْن السورتين فِي قيام رمضان: فروي عَنْهُ، أَنَّهُ يسر بِهَا ولا يجهر.
وروي عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: أرجو.
وظاهر هذه الرواية: يدل عَلَى أَنَّهُ لا يكره الجهر بِهَا فِي هَذَا الموطن خاصة؛ فإن النفل يسامح فِيهِ وخصوصاً قيام الليل؛ فإنه لا يكره الجهر بالقراءة فِيهِ للمنفرد.
وإلى هَذَا القول ذهب أبو عُبَيْدِ وعلي بْن المديني -: حكاه عنهما الأثرم.
وذهبت طائفة إلى أَنَّهُ لا يقرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) فِي الصلاة سراً ولا جهراً، هَذَا قَوْلِ مَالِك وأصحابه، ورخص فِيهِ فِي السور بعد الفاتحة فِي قيام رمضان خاصة.
وحكي عَنْهُ إجازته فِي اول الفاتحة وغيرها للمتهجدين، وفي النوافل.
وروي عَنْهُ، أَنَّهُ لا بأس بقراءتها فِي الفرائض والنوافل -: ذكره القاضي إِسْمَاعِيل فِي((مبسوطه)) من طريق ابن نَافِع، عَن مَالِك.
قَالَ ابن عَبْد البر: لا يصح هَذَا عندنا عَن مَالِك، إنما هُوَ عَن صاحبه عَبْد الله بْن نَافِع.
وكذلك روي عَن عُمَر بْن عَبْد العزيز، أَنَّهُ لا يَقْرَؤُهَا سراً ولا جهراً من وجه فِيهِ نظر -: ذكره ابن سعد فِي ((طبقاته)) .
وكذلك قَالَ الأوزاعي: لا يقرأ بِهَا سراً ولا جهراً -: نقله عَنْهُ الوليد بْن مُسْلِم.
قَالَ الوليد: فذكرت ذَلِكَ لخليد، فأخبرني أن الْحَسَن كَانَ لا يَقْرَؤُهَا.
فَقَالَ الَّذِي سأله: أكان رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسرها؟ فَقَالَ الْحَسَن: لَوْ أسر قراءتها فيما يسر بِهَا لجهر بِهَا فيما يجهر، ولكنها أعرابية.
قَالَ الوليد: وأقول أنا: إن قرأتها فحسن، وذلك لما أخبرنا بِهِ عَبْد الله بْن عُمَر بْن حفص، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر، أَنَّهُ كَانَ لا يدع قراءة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) حِينَ يستفتح الحمد والسورة الَّتِيْ بعدها.
خرجه حرب الكرماني.
واختاره ابن جرير الطبري، وَهُوَ مذهب مَالِك والأوزاعي.
وبهذا المروي عَن ابن عُمَر استدل أحمد عَلَى قراءتها ـ وبالمروي عَن ابن عَبَّاس وابن الزُّبَيْر وأبي هُرَيْرَةَ.
ومالك ومن وافقه تأولوا ظاهر حَدِيْث أَنَس، وعند التحقيق فِي التأمل إنما يدل عَلَى نفي الجهر لا عَلَى قراءتهاسراً، وبذلك تجتمع ألفاظ الحَدِيْث وعامة الأدلة فِي هذه المسألة.
والله أعلم.
وأكثر من يرى قراءتها فِي الصلاة يرى قراءتها فِي الفاتحة والسورة الَّتِيْ بعدها.
وقالت طائفة قليلة منهم: إنما يقرأ بِهَا فِي ابتداء الفاتحة دون السورة الَّتِيْ بعدها، روي عَن طاوس، وَهُوَ قَوْلِ سُفْيَان الثوري وسليمان بْن داود الهاشمي، وَهُوَ رِوَايَة عَن أَبِي حنيفة.
وروى يوسف بْن أسباط، عَن الثوري، قَالَ: من قرأ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) فِي أول القرآن أجزأه لكل القرآن.
وأعلم: أن الجهر بقراءة البسملة مَعَ الفاتحة ليس مبنياً عَلَى القول بأن البسملة آية من سورة الفاتحة وغيرها، كما ظنه طائفة من النَّاس من أصحابنا وغيرهم، وإنما الصحيح عِنْدَ المحققين من أصحابنا وأصحاب الشَّافِعِيّ وغيرهم أَنَّهُ غير مبني عَلَى ذَلِكَ.
ولهذا اختلفت الرواية عَن أحمد: هَلْ البسملة آية من الفاتحة، أو لا؟ وأكثر الروايات عَنْهُ عَلَى أنها ليست من الفاتحة، وَهُوَ قَوْلِ أكثر أصحابه.
ولم تختلف عَنْهُ فِي أَنَّهُ لا يجهر بِهَا، وكذا قَالَ الجوزجاني وغيره من فقهاء الحَدِيْث.
واختلف قَوْلِ الشَّافِعِيّ: هَلْ البسملة آية من كل سورة سوى الفاتحة، وَهُوَ يرى الجهر بِهَا فِي السور - أَيْضاً.
وحينئذ؛ فلا يصح أن يؤخذ الجهر بِهَا من القول بأنها آية من الفاتحة، كما يفعله كثير من النَّاس؛ فإنهم يحكون عمن قَالَ: هِيَ آية من الفاتحة: الجهر بِهَا، وليس ذَلِكَ بلازم.
ومما يستحب الإتيان بِهِ قَبْلَ القراءة فِي الصلاة: التعوذ، عِنْدَ جمهور العلماء.
واستدلوا بقوله تعالى: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] والمعنى: إذا أردت القراءة، هكذا فسر الآية الجمهور، وحكي عَن بعض المتقدمين، منهم: أبو هُرَيْرَةَ وابن سيرين وعطاء: التعوذ بعد القراءة.
والمروي عَن ابن سيرين: قَبْلَ قراءة أم القرآن وبعدها، فلعله كَانَ يستعيذ لقراءة السورة، كما يقرأ البسملة لها - أَيْضاً.
وقد جاءت الأحاديث بأن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يتعوذ قَبْلَ القراءة فِي الصلاة: فروى عَمْرِو بْن مرة، عَن عاصم العنزي، عَن [ابن] جبير بْن مطعم، عَن أَبِيه، أَنَّهُ رأى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي صلاة، قَالَ: ((الله أكبر كبيراً، والله أكبر كبيراً، والله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، سبحان الله بكرة وأصيلاً)) - ثلاثاً - ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من نفخه ونفثه وهمزه)) .
قَالَ: نفثه الشعر، ونفخه الكبر، وهمزه الموتة.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان فِي((صحيحه)) والحاكم، وصححه.
وابن جبير، هُوَ: نَافِع، وقع مسمى فِي رِوَايَة كذلك.
وعاصم العنزي، قَالَ أحمد: لا يعرف..
     وَقَالَ  غيره: رَوَى عَنْهُ غير واحد.
ذكره ابن حبان فِي ((ثقاته)) .
وروى عَطَاء بْن السائب، عَن أَبِي عَبْد الرحمن السلمي، عَن ابن مَسْعُود، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ كَانَ إذا دَخَلَ فِي الصلاة يَقُول: ((اللهم إني أعوذ بك من الشيطان وهمزه ونفخه ونفثه)) .
خرجه ابن ماجه والحاكم، وهذا لفظه.
وَقَالَ: صحيح الإسناد؛ فَقَدْ استشهد البخاري بعطاء بْن السائب.
وروى عَلِيّ بْن عَلِيّ الرفاعي، عَن أَبِي المتوكل، عَن أَبِي سَعِيد الْخُدرِيَّ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر، ثُمَّ يَقُول: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه)) .
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي.
وَقَالَ: كَانَ يَحْيَى بْن سَعِيد يتكلم فِي عَلِيّ بْن عَلِيّ..
     وَقَالَ  أحمد: لا يصح هَذَا الحَدِيْث.
كذا قَالَ، وإنما تكلم فِيهِ يَحْيَى بْن سَعِيد من جهة أَنَّهُ رماه بالقدر، وقد وثقه وكيع ويحيى بْن معين وأبو زُرْعَة.
وَقَالَ أحمد: لا بأس بِهِ، إلا أَنَّهُ رفع أحاديث.
وَقَالَ أبو حاتم: ليس بِهِ بأس، ولا يحتج بحديثه.
وإنما تكلم أحمد فِي هَذَا الحَدِيْث؛ لأنه روي عَن عَلِيّ بْن عَلِيّ، عَن الْحَسَن - مرسلاً -، وبذلك أعله أبو داود، وخرج فِي ((مراسيله)) من طريق عمران بْن مُسْلِم، عَن الْحَسَن، أن رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذا قام من الليل يريد أن يتهجد، يَقُول - قَبْلَ أن يكبر: ((لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، والله أكبر كبيراً الله أكبر كبيراً، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه)) ، ثُمَّ يَقُول: ((الله أكبر)) .
وفي الباب أحاديث أخر مرفوعة، فيها ضعف.
واعتماد الإمام أحمد عَلَى المروي عَن الصَّحَابَة فِي ذَلِكَ؛ فإنه روي التعوذ قَبْلَ القراءة فِي الصلاة عَن عُمَر بْن الخَطَّاب وابن مَسْعُود وابن عُمَر وأبي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ قَوْلِ جمهور العلماء كما تقدم.
والجمهور عَلَى أَنَّهُ غير واجب، وحكي وجوبه عَن عَطَاء والثوري وبعض الظاهرية، وَهُوَ قَوْلِ ابن بطة من أصحابنا.
والجمهور عَلَى أَنَّهُ يسره فِي الصلاة الجهرية، وَهُوَ قَوْلِ ابن عُمَر وابن مَسْعُود والأكثرين.
وروي عَن أَبِي هُرَيْرَةَ الجهر بِهِ.
وللشافعي قولان.
وعن ابن أَبِي ليلى: الإسرار والجهر سواء.
واختلفوا: هَلْ يختص التعوذ بالركعة الأولى، أم يستحب فِي كل ركعة؟ عَلَى قولين: أحدهما: يستحب فِي كل ركعة، وَهُوَ قَوْلِ ابن سيرين والحسن والشافعي وأحمد - فِي رِوَايَة.
والثاني: أَنَّهُ يختص بالركعة الأولى، وَهُوَ قَوْلِ عَطَاء والحسن والنخعي والثوري وأبي حنيفة وأحمد - فِي رِوَايَة عَنْهُ.
وَقَالَ هِشَام بْن حسان: كَانَ الْحَسَن يتعوذ فِي كل ركعة، وكان ابن سيرين يتعوذ فِي كل ركعتين.
وذهب مَالِك وأصحابه إلى أَنَّهُ لا يتعوذ فِي الصلاة المكتوبة، بل يفتتح بعد التكبير بقراءة الفاتحة من غير استعاذة ولا بسملة، واستدلوا بظاهر حَدِيْث أَنَس: كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفتتح الصلاة بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وَهُوَ الحَدِيْث الَّذِي خرجه البخاري فِي أول هَذَا الباب.
ويجاب عَنْهُ؛ بأنه إنما أراد أَنَّهُ يفتتح قراءة الصَّلاة بالتكبير والقراءة بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وافتتاح القراءة بـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ} إما أن يراد بِهِ افتتاحها بقراءة الفاتحة كما يَقُول الشَّافِعِيّ، أو افتتاح قراءة الصلاة الجهرية بكلمة { الْحَمْدُ} من غير بسملة كما يقوله الآخرون.
ودل عَلِيهِ: حَدِيْث أَنَس الَّذِي خرجه مُسْلِم صريحاً.
وعلى التقديرين، فلا ينفي ذَلِكَ أن يكون يَقُول قَبْلَ القراءة ذكراً، أو دعاء، أو استفتاحاً، أو تعوذاً، أو بسملةً؛ فإنه لا يخرج بذلك عَن أن يكون افتتح القراءة بالفاتحة، أو افتتح الجهر بالقراءة بكلمة { الْحَمْدُ} .
ولايمكن حمل الحَدِيْث عَلَى أَنَّهُ كَانَ أول مَا يفتتح بِهِ الصلاة قراءة كلمة { الْحَمْدُ} ؛ فإنه لَوْ كَانَ كذلك لكان لا يفتتح الصلاة بالتكبير، وهذا باطل غير مراد قطعاً.
والله أعلم.
90 - بَاب745 - حَدَّثَنَا ابن أَبِي مريم: أنا نَافِع بْن عُمَر: حَدَّثَنِي ابن أَبِي مليكة، عَن أسماء بنة أَبِي بَكْر، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة الكسوف، فقام فأطال القيام، ثُمَّ ركع فأطال الركوع، ثُمَّ قام فأطال القيام، ثُمَّ ركع فأطال الركوع، ثُمَّ رفع، ثُمَّ سجد فأطال السجود، ثُمَّ رفع، ثُمَّ سجد فأطال السجود، ثُمَّ قام فأطال القيام، ثُمَّ ركع فأطال الركوع، ثُمَّ رفع فأطال القيام، ثُمَّ ركع فأطال الركوع، ثُمَّ رفع فسجد فأطال السجود، ثُمَّ رفع، ثُمَّ سجد فأطال السجود، ثُمَّ انصرف، فَقَالَ: ((قَدْ دنت مني الجنة حَتَّى لَوْ اجترأت عَلَيْهَا لجئتكم بقطاف من قطافها، ودنت مني النار حَتَّى قُلتُ: أي رب، وأنا معهم؟ فإذا امرأة)) - حسبت أَنَّهُ قَالَ: تخدشها هرة - ((قُلتُ: مَا شأن هذه؟ قالوا: حبستها حَتَّى ماتت جوعاً لا هِيَ أطعمتها ولا هِيَ أرسلتها تأكل)) .
قَالَ نَافِع: حسبته من خشيش الأرض - أو خشاش.
قَالَ الخطابي: خشيش ليس بشيء، إنما هُوَ خشاش - مفتوحة الخاء -، وَهُوَ حشرات الأرض وهوامها، فأما الخشاش - بكسر الخاء -، فهو العود الَّذِي يجعل فِي أنف البعير.
وفي ((الفائق)) : خشاش الأرض: هوامها.
الواحدة: خشاشة، سميت بذلك لاندساسها فِي التراب من خش فِي الشيء إذا دَخَلَ فِيهِ، يخش وخشه غيره فخشه، ومنه الخشاش؛ لأنه يخش فِي أنف البعير، انتهى.
وفي هَذَا الحَدِيْث فوائد كثيرة: مِنْهَا: مَا يتعلق بصفة صلاة الكسوف، ويأتي الكلام عَلِيهِ فِي موضعه - إن شاء الله - سبحانه وتعالى -.
ومنها: أَنَّهُ يدل عَلَى وجود الجنة والنار، كما هُوَ مذهب أهل السنة والجماعة.
ومنها: مَا يدل عَلَى تحريم قتل الحيوان غير المؤذي، لغير مأكله.
ومنها: مَا هُوَ مقصوده بإيراد الحَدِيْث فِي هذا الباب: أن المصلي لَهُ النظر فِي صلاته إلى مَا بَيْن يديه، وما كَانَ قريباً، ولا يقدح ذَلِكَ فِي صلاته.
ولكن المنظور إليه نوعان: أحدهما: مَا هُوَ من الدنيا الملهية، فهذا يكره النظر إليه فِي الصلاة؛ فإنه يلهي.
وقد دل عَلِيهِ حَدِيْث الإنبجانية، وقد سبق.
والثاني: مَا ينظر إليه مِمَّا يكشف من أمور الغيب، فالنظر إليه غير قادح فِي الصلاة؛ لأنه كالفكر فِيهِ بالقلب، ولو فكر فِي الجنة والنار بقلبه فِي صلاته كَانَ حسناً.
وقد كَانَ ذَلِكَ حال كثير من السلف، ومنهم من كَانَ يكشف لقلبه عَن بعض ذَلِكَ حَتَّى ينظر إليه بقلبهبنور إيمانه، وَهُوَ من كمال مقام الإحسان.
وأما النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه كشف ذَلِكَ لَهُ فرآه عياناً بعين رأسه، هَذَا هُوَ الظاهر، ويحتمل أن يكون جلي ذَلِكَ لقلبه.
وقوله: ((أي رب، وأنا معهم)) يشير إلى قوله: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33] ، فخشي أن يكون إدناؤها مِنْهُ عذاباً أرسل عَلَى الأمة، فاستفهم عَن ذَلِكَ،.

     وَقَالَ : ((أتعذبهم وأنا معهم؟)) بحذف همزة الاستفهام.
وهذا القول، الظاهر: أَنَّهُ كَانَ بقلبه دون لسانه، وكذلك سؤاله عَن المرأة؛ فإن عالم الغيب فِي هذه الدار إنما تدركه الأرواح دون الأجساد - غالباً -، وقد تدرك بالحواس الظاهرة لمن كشف الله لَهُ ذَلِكَ من أنبيائه ورسله، ويحتمل أن يكون قوله: ((وأنا فيهم)) بلسانه؛ لأن هَذَا من بَاب الدعاء؛ فإنه إشارة مِنْهُ إلى أَنَّهُ موعود بأنه لا تعذب أمته وَهُوَ فيهم.
يدل عَلَى ذَلِكَ: مَا رَوَى عَطَاء بْن السائب، عَن أَبِيه، عَن عَبْد الله بْن عَمْرِو بْن العاص، قَالَ: كسفت الشمس عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الحَدِيْث بطوله، وفيه: فجعل ينفخ فِي آخر سجوده فِي الركعة الثانية، ويبكي، ويقول: ((لَمْ تعدني هَذَا وأنا فيهم، لَمْ تعدني هَذَا ونحن نستغفرك)) - وذكر بقية الحَدِيْث.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وأما سؤاله عَن المرأة فلا يحتمل أن يكون بلسانه.
والله أعلم.
وفي الجملة؛ فإن كَانَ البخاري ذكر هَذَا الباب للاستدلال بهذا الحَدِيْث عَلَى أن نظر المصلي إلى مَا بَيْن يديه غير قادح فِي صلاته، فَقَدْ ذكرنا أن الحَدِيْث لا دليل فِيهِ عَلَى النظر إلى الدنيا ومتعلقاتها، وإن كَانَ مقصوده الاستدلال بِهِ عَلَى استحباب الفكر للمصلي فِي الآخرة ومتعلقاتها، وجعل نظر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ إلى الجنة بقلبه كَانَ حسناً؛ لأن المصلي مأمور بأن يعبد الله كأنه يراه، فينبغي لَهُ أن يسغرق فكره فِي قربه من الله، وفيما وعد الله أولياءه، وتوعد بِهِ أعداءه، وفي الفكر فِي معاني مَا يتلوه من القرآن.
وقد كَانَ السلف الصالح ينجلي الغيب لقلوبهم فِي الصلاة، حَتَّى كأنهم ينظرون إليها رأى عين، فمن كَانَ يغلب عَلِيهِ الخوف والخشية ظهر لقلبه فِي الصلاة صفات الجلال من القهر والبطش والعقاب والانتقام ونحو ذَلِكَ، فيشهد النار ومتعلقاتها وموقف القيامة، كما كَانَ سَعِيد بْن عَبْد العزيز - صاحب الأوزاعي - يَقُول: مَا دخلت فِي الصلاة قط إلا مثلت لِي جهنم.
ومن كَانَ يغلب عَلِيهِ المحبة والرجاء، فإنه مستغرق فِي مطالعة صفات الجلال والكمال والرأفة والرحمة والود واللطف ونحو ذَلِكَ، فيشهد الجنة ومتعلقاتها، وربما شهد يوم المزيد وتقريب المحبين فِيهِ.
وقد روي عَن أَبِي ريحانة - وَهُوَ من الصَّحَابَة -، أَنَّهُ صلى ليلة، فما انصرف حَتَّى أصبح،.

     وَقَالَ : مَا زال قلبي يهوى فِي الجنة وما أعد الله فيهالأهلها حَتَّى أصبحت.
وعن ابن ثوبان - وكان من عباد أهل الشام -، أَنَّهُ صلى ليلة ركعة الوتر، فما انصرف إلى الصبح،.

     وَقَالَ : عرضت لِي روضة من رياض الجنة، فجعلت أنظر إليها حَتَّى أصبحت.
يعني: ينظرها بعين قلبه.
91 - بَاب رفعِ البصرِ إلى الإمَامِ فِي الصَّلاَةِ وقالت عَائِشَة: قَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً حِينَ رأيتموني تأخرت)) .
حَدِيْث عَائِشَة، يأتي فِي ((أبواب: الكسوف)) - إن شاء الله تعالى -، وليس فِيهِ رفع البصر إلى الإمام فِي الصلاة، إنما فِيهِ مد البصر إلى مَا بَيْن يدي المصلي، وقد سبق القول فِي هَذَا في الباب الماضي، وأن النظر إلى الآخرة ومتعلقاتها فِي الصلاة حسن، سواء كَانَ نظر عين أو قلب.
وقد خرج فِي هَذَا الباب أربعة أحاديث: الأول:746 - حَدَّثَنَا موسى: ثنا عَبْد الواحد: ثنا الأعمش، عَن عمارة بْن عمير، عَن أَبِي معمر، قَالَ: قلنا لخباب: أكان رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ فِي الظهر والعصر؟ قَالَ نَعَمْ.
قلنا: بم كنتم تعرفون ذَلِكَ؟ قَالَ: باضطراب لحيته.
فهذا فِيهِ دليل عَلَى أن المأموم ينظر إلى إمامه، ويراعي أقواله فِي قيامه؛ لأنهم إنما شاهدوا اضطراب لحية النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صلاته بمدهم بصرهم إليه فِي قيامه.
وهذا قَدْ يقال: إنه يختص بالصلاة خلف النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،لما يترتب عَلَى ذَلِكَ من معرفة أفعاله فِي صلاته فيقتدي بِهِ، فأما غيره من الأئمة فلا يحتاج إلى النظر إلى لحيته، فالأولى بالمصلى وراءه أن ينظر إلى محل سجوده، كما سبق.
الحَدِيْث الثاني:747 - حَدَّثَنَا حجاج: ثنا شعبة، أنبأنا أبو إِسْحَاق، قَالَ: سَمِعْت عَبْد الله بْن يزيد يخطب: حَدَّثَنَا البراء - وكان غير كذوب -، أنهم كانوا إذا صلوا مَعَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرفع رأسه من الركوع، قاموا قياماً حَتَّى يروه قَدْ سجد.
قَدْ سبق هَذَا الحَدِيْث فِي ((بَاب: متى يسجد من وراء الإمام)) من حَدِيْث سُفْيَان، عَن أَبِي إِسْحَاق، وهاهنا خرجه من رِوَايَة شعبة: أنبأنا أبو إِسْحَاق.
ومراد شعبة بقوله: ((أنبأنا)) كقوله: ((أخبرنا)) أو ((حَدَّثَنَا)) ، وليس مراده - كما يقوله المتأخرون -: الإجازة.
وفي الحَدِيْث: دليل عَلَى أن المأموم يراقب حال إمامه فِي ركوعه وسجوده؛ ليسجد بعد سجوده، وتقع أفعاله بعد أفعال إمامه، وهذا حكم عام فِي جميع النَّاس، فإن اقتداء المأموم بأفعال إمامه الَّتِيْ يشاهدها أولى من الاكتفاء بمجرد سماع تكبيره؛ فإنه قَدْ ينهي تكبيره قَبْلَ أن ينهي فعله، فلذلك كانوا يراعون تمام سجود النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستقراره عَلَى الأرض، حَتَّى يسجدوا بعده.
قَالَ أصحابنا وغيرهم: ولهذا المعنى كره أن يكون موقف الإمام أعلىمن المأموم؛ لأن المأموم يحتاج إلى رفع بصره إلى إمامه، فإذا كَانَ عالياً عَلِيهِ احتاج إلى كثرة رفع بصره، وَهُوَ مكروه فِي الصلاة.
الحَدِيْث الثالث:748 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل: حَدَّثَنِي مَالِك، عَن زيد بْن أسلم، عَن عَطَاء بْن يسار، عَن عَبْد الله بْن عَبَّاس، قَالَ: خسفت الشمس عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فصلى، قالوا: يَا رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رأيناك تناولت شيئاً فِي مقامك، ثُمَّ رأيناك تكعكعت؟ قَالَ: ((إني رأيت الجنة فتناولت مِنْهَا عنقوداً، ولو أخذته لأكلتم مِنْهُ مَا بقيت الدنيا)) .
قَالَ الخطابي: التكعكع التأخر، واصله فِي الجبن.
كع الرَّجُلُ عَن الأمر إذا جبن وتأخر.
وأصله: تكعع، فأدخل الكاف لئلا: يجمع بَيْن حرفين.
ويقال: كاع يكيع: مثله.
انتهى.
وفي الحَدِيْث: دليل عَلَى أن رفع بصر المصلي إلى مَا بَيْن يديه، ومد يده لتناول شيء قريب مِنْهُ لا يقدح فِي صلاته.
وليس فِيهِ نظر المأموم إلى إمامه، إنما فِيهِ نظر الإمام إلى مَا بَيْن يديه، وقد تقدمت الإشارة إلى أن هَذَا النظر والتناول ليس هُوَ مَا يكره فِي الصلاة؛ لأنه نظر إلى الآخرة لا إلى الدنيا، ومد يده إلى العنقود كَانَ فِيهِ مصلحة دينية، ليري أصحابه بعض مَا وعدوا به عياناً فِي الجنة، لكنه أوحي إليه أن لا يفعل؛ فإنه كَانَ يصير الغيب شهادة، فتزول فائدة التكليف بالإيمان بالغيب.
وقوله: ((فتناولت مِنْهُ عنقوداً)) .
يعني: أَنَّهُ مد يده يريد تناول العنقود،ولكنه لَمْ يتناوله، ولهذا قَالَ: ((لَوْ أخذته لأكلتم مِنْهُ)) .
وقوله: ((لأكلتم مِنْهُ مَا بقيت الدنيا)) إشارة إلى أن مَا فِي الجنة لا ينفد؛ فإنه كُلَّمَا أكل مِنْهُ استخلف فِي الحال مثلاه.
وفي رِوَايَة أخرى: ((لأكل مِنْهُ من بَيْن السماء والأرض، لا ينقصونه شيئاً)) .
ولهذا يروى أن الطير يمر بأهل الجنة، فيشتهونه، فيخر بَيْن أيديهم، فيأكلون مِنْهُ مَا يشاءون ثُمَّ يطير، والكأس يشربون مَا فِيهِ ثُمَّ يعود ممتلئاً فِي الحال، لا حرمنا الله خير مَا عنده بشر مَا عندنا بمنه ورحمته.
الحَدِيْث الرابع:749 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سنان: ثنا فليح: ثنا هلال، عَن أَنَس بْن مَالِك، قَالَ: صلى رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رقى المنبر، فأشار بيده قَبْلَ قبلة المسجد، ثُمَّ قَالَ: ((لَقَدْ رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين فِي قبلة هَذَا الجدار، فَلَمْ أر كاليوم فِي الخير والشر)) - ثلاثا.
الظاهر: أن هذه الصلاة كَانَتْ غير صلاة الكسوف وأن الجنة والنار مثلتا لهُ في هذه الصلاة في جدار القبلة تمثيلاً، وأما إدناء الجنة والنار في صلاة الكسوف، فكان حقيقة.
والله أعلم.
وفيه: أن رفع بصر المصلي إلى مَا مثل لَهُ من أمور الآخرة إذا ظهرت لَهُ غير قادح فِي الصلاة.
وليس فِيهِ - أَيْضاً -: نظر المأموم إلى إمامه، كما بوب عَلِيهِ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
92 - بَاب رَفْعِ الْبَصَرِ إلى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ750 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد الله: أنا يَحْيَى بْن سَعِيد: أنا ابن أَبِي عروبة: نا قتادة، أن أنس بْن مَالِك حدثهم، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَا بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء فِي صلاتهم)) ، فاشتد قوله قي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: ((لينتهين عَن ذَلِكَ أو ليخطفن الله أبصارهم)) .
هَذَا الإسناد كله مصرح بسماع رواته بعضهم من بعض، وقد أمن بذلك تدليس قتادة فِيهِ.
وفي الحَدِيْث: دليل عَلَى كراهة رفع بصره إلى السماء فِي صلاته.
وقد روي هَذَا الحَدِيْث عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رِوَايَة عدة من الصَّحَابَة.
وروي النهي عَن حذيفة وابن مَسْعُود.
وَقَالَ سُفْيَان: بلغنا أن رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يرفع بصره إلى السماء فِي الصلاة، حَتَّى نَزَلَتْ { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2] فرمى ببصره نحو مسجده.
والمعنى فِي كراهة ذَلِكَ: خشوع المصلي وخفض بصره، ونظره إلى محل سجوده؛ فإنه واقف بَيْن يدي الله - عز وجل - يناجيه، فينبغي أنيكون خاشعاً منكساً رأسه، مطرقاً إلى الأرض.
وقد تقدم فِي تفسير الخشوع أن خشوع البصر: غضه.
وإنما يكره رفع البصر إلى السماء عبثاً، فأما لحاجة فيجوز.
وقد أشارت عَائِشَة لأختها أسماء إلى السماء فِي صلاة الكسوف.
وقد نَصَّ أحمد عَلَى أن من تجشأ فِي صلاته فإنه يرفع رأسه إلى السماء؛ لئلا يتأذى من إلى جانبه برائحة جشائه.
ولكن؛ قَدْ يقال - مَعَ رفع رأسه -: إنه يغض بصره.
وقد سبق عَن عُمَر وابن سابط: رفع الوجه إلى السماء عِنْدَ تكبيره الإحرام.
وزاد ابن سابط: وإذا رفع رأسه.
وأما تغميض البصر فِي الصلاة، فاختلفوا فِيهِ: فكرهه الأكثرون، منهم: أبو حنيفة والثوري والليث وأحمد.
قَالَ مُجَاهِد: هُوَ من فعل اليهود.
وفي النهي عَنْهُ حَدِيْث مرفوع، خرجه ابن عدي، وإسناده ضَعِيف.
ورخص فِيهِ مَالِك.
وَقَالَ ابن سيرين: كَانَ يؤمر إذا كَانَ يكثر الالتفات فِي الصلاة أن يغمض عينيه.
خرجه عَبْد الرزاق.
93 - بَاب الالْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ فِيهِ حديثان: الأول:751 - حَدَّثَنَا مسدد: ثنا أبو الأحوص: ثنا أشعث بْن سليم - هُوَ: أبو الشعثاء -، عَن أَبِيه، عَن مسروق، عَن عَائِشَة، قَالَتْ: سألت رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَن الالتفات فِي الصلاة: فَقَالَ: ((هُوَ اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) .
الثاني:752 - حَدَّثَنَا قتيبة: ثنا سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَةَ، عَن عَائِشَة، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى فِي خميصة لها أعلام، فَقَالَ: ((شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بِهَا إلى أَبِي جهم، وأتوني بأنبجانية)) .
حَدِيْث عَائِشَة فِي خميصة، قَدْ سبق فِي ((أبواب: الصلاة فِي الثيات)) فِي ((بَاب: إذا صلى فِي ثوب وله أعلام ونظر إلى علمها)) ، وسبق الكلامعَلِيهِ مستوفى.
وبعده حَدِيْث أنس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لعائشة: ((أميطي عنا قرامك؛ فإنه لا تزال تصاويره تعرض فِي صلاتي)) .
وذكرنا أن الحديثين دليلاً عَلَى كراهة أن يصلي إلى مَا يلهي النظر إليه أأو لبسه فِي الصلاة.
وأما حَدِيْث عَائِشَة الَّذِي خرجه هاهنا فِي الالتفات، فتفرد بِهِ دون مُسْلِم، وفي إسناده اخْتِلاَف عَلَى أشعث بْن أَبِي الشعثاء.
فالأكثرون رووه عَنْهُ، كما رواه عَنْهُ أبو الأحوص، كما أسنده البخاري من طريقه.
قَالَ الدارقطني: وَهُوَ الصحيح عَنْهُ، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، لَمْ يذكر: ((مسروقاً)) فِي إسناده.
ورواه إسرائيل، عَن أشعث، عَن أَبِي عطية الهمداني، عَن مسروق، عَن عَائِشَة.
ورواه مِسْعَر، عَن أشعث، عَن أَبِي وائل، عَن مسروق، عَن عَائِشَة وكلهم رفعوه.
ورواه الأعمش موقوفاً، واختلف عَلِيهِ: فرواه الأكثرون، عَنْهُ، عَن عمارة، عَن أَبِي عطية، عَن عَائِشَة موقوفاً.
وَقَالَ شعبة، عَن الأعمش، عَن خيثمة، عَن أَبِي عطية، عَن عَائِشَة موقوفاً.
ولهذا الاختلاف - والله أعلم - تركه مُسْلِم فَلَمْ يخرجه.
وفي الالتفات أحاديث أخر متعددة، لا تخلو أسانيدها من مقال.
ومن أجودها: مَا رَوَى الزُّهْرِيّ، عَن أَبِي الأحوص، عَن أي ذر، قَالَ: قَالَرَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لا يزال الله مقبلاً عَلَى العبد وَهُوَ فِي صلاته مَا لَمْ يلتفت، فإذا التفت انصرف عَنْهُ)) .
رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة فِي ((صحيحه)) .
وأبو الأحوص، قَدْ قيل: إنه غير معروف.
وخرج الإمام أحمد والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حَدِيْث الحارث، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيْث طويل ذكره -: ((إن الله ينصب وجهه لوجه عبده مَا لَمْ يلتفت، فإذا صليتم فلا تلتفتوا)) .
وصححه الترمذي.
وروى عَبْد الرزاق، عَن ابن جُرَيْج، عَن عَطَاء: سَمِعْت أبا هُرَيْرَةَ يَقُول: إذا صلى أحدكم فلا يلتفت؛ فإنه يناجي [ربه] إن ربه أمامه، وإنه يناجيه، فلا يلتفت.
قَالَ عَطَاء: وبلغنا أن الرب - عز وجل - يَقُول: ((يابن آدم، إلى أين تلتفت، أنا خير ممن تلتفت إليه)) .
ورواه إِبْرَاهِيْم بْن يزيد الخوزي وعمر بْن قيس المكي سندل - وهما ضعيفان -، عَن عَطَاء، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ - مرفوعاً كله.
والموقوف أصح -:قاله العقيلي وغيره.
وكذا رواه طلحة بْن عَمْرِو، عَن عَطَاء، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا التفت عَبْد فِي صلاته قط إلا قَالَ الله: ((أنا خير لَكَ مِمَّا تلتفت إليه)) .
والأشبه: أن هَذَا قَوْلِ عَطَاء، كما سبق.
وقوله: ((هُوَ اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) يعني: أن الشيطان يسترق من العبد فِي صلاته التفاته فيها ويختطفه مِنْهُ اختطافاً حَتَّى يدخل عَلِيهِ بذلك نقص في صلاته وخلل ولم يأمره بالإعادة لذلك، فدل على أنه نقص لا يوجب الإعادة والالتفات نوعان: أحدهما: التفات القلب إلى غير الصلاة ومتعلقاتها، وهذا يخل بالخشوع فيها، وقد سبق ذكر الخشوع في الصلاة وحكمه.
والثاني: التفات الوجه بالنظر إلى غير ما فيه مصلحة الصلاة، والكلام هاهنا في ذلك.
وروي عن ابن مسعود، قال: لا يقطع الصلاة إلا الالتفات.
خرجه وكيع بإسناد فيه ضعف.
وروى بإسناد جيد، عن ابن عمر، قال: يدعى الناس يوم القيامة المنقوصين.
قيل: وما المنقوصون؟ قالَ: الذي أحدهم صلاته في وضوئه والتفاته.
قالَ ابن المنذر -: فيما يجب على الملتفت في الصلاة -: فقالت طائفة: تنقص صلاته، ولا إعادة.
روي عن عائشة، أنها قالت: الالتفات في الصلاة نقص.
وبه قال سعيد بن جبير.
وقال عطاء: لا يقطع الالتفات الصلاة.
وبه قال مالك والأوزاعي وأصحاب الرأي.
وقال الحكم: من تأمل من عن يمينه في الصلاة أو عن شماله حتى يعرفه فليس له صلاة.
وقال أبو ثور: إذا التفت ببدنه كله تفسد صلاته.
وروينا عن الحسن، أنه قال: إذا استدبر القبلة استقبل، وإن التفت عن يمينه وعن شماله مضى في صلاته.
والذي قاله الحسن حسن.
انتهى.
قال ابن المنصور: قلت لأحمد: إذا التفت في الصلاة يعيد الصلاة؟ قالَ: ولا أعلم أني سمعت فيهِ حديثاً أنه يعيد.
قال إسحاق: كما قال.
وقال أصحابنا: الالتفات الذي لا يبطل أن يلوي عنقه، فأما إن استدار بصدره بطلت صلاته، لأنه ترك استقبال القبلة بمعظم بدنه، بخلاف ما إذا استدار بوجهه، فإن معظم بدنه مستقبل للقبلة.
وحكوا عن المالكلية، أنه لا يبطل بالتفاته بصدره حتى يستدبر، إلحاقاً للصدر على الوجه.
فأما الالتفات لمصلحة الصلاة، كالتفات أبي بكر لما صفق الناس خلفه وأكثروا التصفيق – وقد سبق حديثه – فلا ينقص الصلاة.
ويدل عليه: قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((من نابه شيء في صلاته فليسبح؛ فإنه إذا سبح التفت إليه)) .
وكذلك التفت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى من صلى خلفه، لما صلى بهم جالساً وصلوا وراءه قياماً، وقد سبق - أيضاً.
وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه كان يلتفت في صلاته لمصلحة غير مصلحة الصلاة: فروى سهل بن الحنظلية، قال: ثوب بالصلاة – يعني: صلاة الصبح -، فجعل رسول الله يصلي، وهو يلتفت إلى الشعب.
خرجه أبو داود.
وقال: كان أرسل فارساً إلى الشعب من الليل يحرس.
وخرجه ابن خزيمة في ((صحيحه)) والحاكم وصححه.
وهذا فيه جمع بين الصلاة والجهاد.
ومن هذا المعنى: قول عمر: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة.
وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه كان يلحظ في صلاته.
فروى الفضل بن موسى، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يلحظ يميناً وشمالاً، ولا يلوي عنقه خلف ظهرة.
خرجه الإمام أحمد والنسائي والترمذي.
وقال: غريب ثم خرجه من طريق وكيع، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن بعض أصحاب عكرمة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يلحظ في الصلاة – فذكر نحوه.
وخرجه أبو داود في بعض نسخ ((سننه)) .
ثم خرجه من طريق رجلٍ، عن عكرمة.
وقال: هو أصح.
وأنكر الدارقطني وصل الحديث إنكاراً شديداً، وقال: هو مرسل.
وقد رواه – أيضاً – مندل، عن الشيباني عن ابن عباس، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى يلاحظ يميناً وشمالاً.
خرجه ابن عدي.
ومندل، ضعيف.
وروى الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يلمح في الصلاة، ولا يلتفت.
خرجه ابن أبي شيبة بإسناد فيه جهالة، وهو مرسل.
وقد وصله بعضهم، وأنكر ذلك الإمام أحمد، وضعف إسناده، وقال: إنما هو: عن رجل، عن سعيد.
وقد يحمل هذا – إن صح – على الالتفات لمصلحة.
وقد روى عن علي بن شيبان الحنفي، قال: قدمنا على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصلينا معه، فلمح بمؤخر عينه رجلا لا يقيم صلبه في الركوع ولا في السجود فقال: ((لا صلاة لمن لا يقيم صلبه)) .
خرجه الإمام أحمد وابن حبان وابن ماجه.
وقد روي الالتفات في الصلاة يميناً وشمالاً عن طائفة من السلف، منهم أنس والنخعي وعبد الله بن معقل بن مقرن.
وروى مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان لا يلتفت في صلاتهحتى يقضيها.
وعن أبي جعفر القارئ، قال كنت أصلي وابن عمر ورائي، ولا أعلم فالتفت، فغمزني.
وروى حميد، عن معاوية بن قرة، قال: قيل لابن عمر: إن الزبير إذا صلى لم يقل هكذا ولا هكذا؟ قال: لكنا نقول كذا وكذا.
وفي رواية: ونكون مثل الناس.
وقد رويت الرخصة في الالتفات في النافلة.
فخرج الترمذي في حديث علي بن زيد، عن ابن المسيب، عن أنس، قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((يابني، إياك والالتفات في الصلاة؛ فإن الالتفات في الصَّلاة هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع، لا في الفريضة)) .
وقال: حديث حسن.
وذكر في ((كتاب العلل)) : أنه ذاكر به البخاري، فلم يعرفه، ولم يعرف لابن المسيب عن أنس شيئا.
وقد روي عن أنس من وجوه أخر، وقد ضعفت كلها.
وخرج الطبراني نحوه بإسناد ضعيف، عن أبي الدرداء مرفوعاً.
ولايصح إسناده – أيضاً.
قال الدارقطني: إسناده مضطرب، لا يثبت.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم.
94 - باب هل يلتفت لأمر ينْزل به أو يَرَى شيئاً أو بصاَقاً في القِبلْةِ؟ وقال سهل: التفت أبو بكر، فرأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
حديث سهل، قد سبق بتمامه في التفات أبي بكر لما جاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأكثر الناس التصفيق خلف أبي بكر.
خرج فيه حديثين: أحدهما: قال:753 - حدثنا قتيبة: ثناليث، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نخامة قبلة المسجد، وهو يصلى بين يدي الناس فحتها، ثم قال حين أنصرف: ((إن أحدكم إذا كان في الصلاة، فإن الله قبل وجهه، فلا يتنخمن أحد قبل وجهه في الصلاة)) .
رواه موسى بن عقبة وابن أبي رواد، عن نافع.
هذا الحديث، قد خرجه البخاري في مواضع أخر من طريق مالك وجويرية ابن أسماء، عن نافع.
ومراده بتخريجه هاهنا: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رآها في حال صلاته، كما في رواية الليث التي خرجها هاهنا، وذكر أنه تابعه على ذلك موسى بن عقبةوابن أبي رواد.
وقد خرج مسلم حديث موسى، إلا أنه لم يتم لفظه.
وقد رواه أيوب، عن نافع، وذكر فيه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى النخامة وهو يخطبُ.
خرجه أبو داود.
وظاهر رواية الليث يدل على أنه حتها وهو في الصلاة.
وقد روى: أنه حتها حين فرغ من الصلاة.
خرجه الإمام أحمد من رواية عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرأى نخامة، فلما قضى صلاته قال: ((إن أحدكم إذا صلى في المسجد فإنه يناجي ربه، وإن الله تبارك وتعالى يستقبله بوجهه، فلا يتنخمن أحدكم في القبلة، ولا عن يمينه)) ثم دعا بعود فحكه، ثم دعا بخلوق فخضبه.
فهذه رواية ابن أبي رواد التي أشار إليها البخاري.
وأما رواية موسى بن عقبة [.
.
.
.
.
]
وبكل حال؛ فليس في الحديث دليل على الالتفات في الصلاة، إنما فيه دليل على جواز نظر المصلي إلى قبلته، ورؤيته ما فيها، وأن ذلك لا ينافي الخشوع كما يحكى عن بعضهم، وأنه لا يكره للمصلي أن ينظرفي قيامه إلى ما بين يديه، ويزيد رفع بصره عن محل سجوده.
وأما حديث سهل المتقدم، ففيه جواز التفات المصلي في صلاته لأمر يعرض له في صلاته، ولا سيما إذا نبهه المأمومون بالتسبيح ونحوه؛ ولهذا قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((فإنه إذا سبح به التفت)) .
وقد سبق في ((أبواب: المساجد)) قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المصلي: ((إنه يبزق عن يساره، أو تحت قدمه)) .
وبصاقه يساره إنما يكون بنوع من الالتفات يسير، ولكنه لمصلحة الصلاة؛ فلذلك أمر به.
الحديث الثاني:754 – حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك، قال: بينما المسلمون في صلاة الفجر، لم يفجأهم إلا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم صفوف، فتبسم يضحك، ونكص أبو بكر على عقبيه، ليصل الصف، فظن أنه يريد الخروج، وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم، فأشار إليهم أن أتموا صلاتكم، وأرخى الستر، وتوفي في آخر ذلك اليوم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قد تقدم هذا الحديث – أيضاً.
والمقصود منه في هذا الباب: أن أبا بكر ومن كان خلفه في صلاة الفجر رأوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين كشف سترحجرة عائشة، وظنوا أنه خارج للصلاة، حتى نكص أبو بكر على عقبيه، ليصل إلى الصف؛ لأجل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى يجيء فيقوم مقامه في الإمامة.
وإنما يكون نظرهم إليه في الصلاة بنوع من الالتفات، فإن حجرة عن يسار المسجد، ليست في قبلته، على ما لا يخفى، وقد أشار إليهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أتموا صلاتكم، ولم ينههم عن نظرهم إليه فدل على جواز التفات المصلى التفاتاً يسيراً يتعلق بالصلاة، فإنه غير منهي عنه.
95 - باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت قد ذكرنا هذا الباب بكماله عند تفسير قوله تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] في آخر سورة الأعراف، فأغنى عن إعادته هنا.
ولله الحمد.
96 - باب القراءة في الظهر فيه ثلاثة أحاديث: الأول:758 - حدثنا أبو النعمان: ثنا أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر ابن سمرة، قال: قال سعد: قد كنت أصلي بهم صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، صلاة العشي، لا أخرم عنها، أركد في الأوليين، وأحذف في الأخريين.
قال عمر: ذلك الظن بك.
صلاة العشي: هي صلاة الظهر والعصر، لأن العشي هو ما بعد الزوال.
وركودهُ في الأوليين وتطويله، إنما هو لطول القراءة، وقد خالف ابن عباس في ذلك.
وقد خرج البخاري فيما بعد من حديث أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قرأ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما أمر، وسكت فيما أمر { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم: 64] و { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة} [الأحزاب: 21] .
فهذا يدل على أن ابن عباس كان يرى أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يقرأ في صلاة الظهر والعصر شيئاً.
وقد تأوله الإسماعيلي وغيره على أنه لم يكن يجهر بالقراءة، بل يقرأ سراً وهذا لا يصح؛ فإن قراءة السر لا تسمى سكوتا.
وقد روي عن ابن عباس التصريح بخلاف بذلك.
وخرج الإمام أحمد حديث أيوب، عن عكرمة بزيادة في أوله، وهي لم يكن ابن عباس يقرأ في الظهر والعصر – وذكر الحديث.
وخرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث موسى بن سالم: ثنا عبد الله بن عبيد الله، قال: دخلت على ابن عباس في شباب من بني هاشم، فقلنا لشباب منا: سل ابن عباس: أكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: لا.
قيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه فقال: خمشاً، هذه شر من الأولى، وكان عبداً مأموراً بلغ ما أرسل به – وذكر الحديث.
وخرج الإمام أحمد من رواية أبي يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس نحو حديث أيوب، وزاد: قيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه، فغضب منهم وقال: أيتهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟!وروى ابن أبي ذئب، عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، أنه سئل أفي الظهر والعصر قراءة؟ قال: لا قيل له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا؟ قال: لا، ثم قال: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو قرأ علم ذلك الناس.
وخرج الإمام أحمد وأبو داود - أيضاً - من طريق حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لا أدري أكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهر والعصر، أم لا؟ وهذه الرواية تقتضي أنه شك في ذلك، ولم يجزم فيه بشيء.
وخرج الإمام أحمد من رواية الحسن العرني، عن ابن عباس، قال: ما أدري أكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهر والعصر، أم لا، ولكنا نقرأ.
الحسن العرني، لم يسمع من ابن عباس.
وروى موسى بن عبد العزيز القنباري، عن الحكم - هو ابن أبان - عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لم أسمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في الظهر والعصر، ولم يأمرنا به، وقد بلغ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قد روي عن ابن عباس من وجه آخر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ، ولكن في إسناده ضعف.
خرجه أبو داود في ((كتاب الصلاة)) من طريق سفيان، عن زيد العمي، عن أبي العالية، عن ابن عباس، قال رمق أصحاب رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحزروا قراءته في الظهر والعصر، بقدر (تَنْزِيلُ) [السجدة: 2] ، وقال: لم يسنده عن سفيان إلاّ يزيد بن هارون، ولم نسمعه من أحد إلاّ من الحسن بن منصور، وذكرته لأبي: فأعجب به، وقال: حديث غريب.
وزيد العمي، متكلم فيهِ.
الحديث الثاني:759 - ثنا أبو نعيم: ثنا شيبان، عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قالَ: كانَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى ويقصر في الثانية، ويسمع الآية أحياناً، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول [في الأولى، وكان يطول] في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية.
في هذا الحديث: دليل على استحباب القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والعصر بسورة سورة مع الفاتحة، وهذا متفق على استحبابه بين العلماء، وفي وجوبه خلاف سبق ذكره.
وفيه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت القراءة بسورة تامة، وهذا هوَالأفضل بالاتفاق؛ فأن قرأ السورة في ركعتين لم يكره - أيضاً - وقد فعله أبو بكر الصديق.
قالَ: الزهري: أخبرني أنس، أن أبا بكر صلى بهم صلاة الفجر، فافتتح بهم سورة البقرة، فقرأها في ركعتين، فلما سلم قام إليه عمر، فقالَ: ما كنت تفرغ حتَّى تطلع الشمس.
قالَ: لو طلعت لألفتنا غير غافلين.
ورخص فيهِ سعيد بن جبير وقتادة وأحمد، ولا نعلم فيهِ خلافاً إلاّ رواية عن مالك.
وسيأتي حديث قراءة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأعراف في ركعتين من المغرب.
وفي ((صحيح مسلم)) عن عبد الله بن السائب، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم صلاة الفجر فافتتح بسورة المؤمنين، حتى أتى عليهِ ذكر موسى وهارون فأخذته سعلة فركع.
وكذلك لو قرأ في ركعة بسورة وفي أخرى ببعض سورة، وقد روي عن عمر وابن مسعود.
وإن قرأ في الركعتين ببعض سورة: إما في أوائلها، أو أواسطها، أو أواخرها ففي كراهته خلاف عن أحمد، وسنذكره فيما بعد - إن شاء الله - سبحانه وتعالى -؛ فإن البخاري أشار إلى هذه المسائل.
وليس في حديث أبي قتادة تعيين السورتين المقروء بهما في الظهر والعصر، وقد ورد تعيين السور، وتقدير قراءته في أحاديث أخر.
فخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، قالَ: كنا نحزر قيام رسول الله، في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة { ألم تَنْزِيلُ} السجدة، وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذَلِكَ، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر قدر قيامه من الأخريين في الظهر، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذَلِكَ.
وفي رواية لهُ أيضاً: كانَ يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية - أو قالَ: نصف ذَلِكَ - وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة، وفي الأخريين قدر نصف ذَلِكَ.
وخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي سعيد، قالَ: اجتمع ثلاثون من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: تعالوا حتى نقيس قراءة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما لم يجهر به من الصلاة، فما اختلف منهم رجلان، فقاسوا قراءته في الركعة الأولى من الظهر بقدر ثلاثين آية، وفي الركعة الأخرى بقدر النصف من ذَلِكَ، وقاسوا ذَلِكَ في صلاة العصر على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر.
وفي إسناده: زيد العمي، وفيه مقال.
وخرج مسلم - أيضاً - من حديث جابر بن سمرة، قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر نحو ذَلِكَ، وفي الصبح أطول من ذَلِكَ.
وفي رواية: كانَ يقرأ في الظهر { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} .
وخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، وعندهم: كانَ يقرأ في الظهر والعصر بالسماء ذات البروج، والسماء والطارق، وشبهها.
وقد سبق حديث عمران بن حصين، أن النبي، صلى بهم الظهر والعصر، ثم قالَ: ((أيكم قرأ خلفي بـ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ؟)) قالَ رجل: أنا.
قالَ: ((قد علمت أن بعضكم خالجنيها)) .
خرجه مسلم - أيضاً.
وخرج النسائي وابن ماجه من حديث البراء بن عازب، قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بنا الظهر، فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات.
وخرج النسائي من حديث أنس، أنه صلى بهم الظهر، قالَ: إني صليت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الظهر فقرأ لنا بهاتيين السوررتين في الظهر: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} و { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُالْغَاشِيَةِ} .
وذكر الترمذي - تعليقاً - أن عمر كتب إلى أبي موسى، يأمره أن يقرأ بأوساط المفصل.
وهو قول طائفة من أصحابنا.
وقال إسحاق: الظهر تعدل في القراءة بالعشاء.
لكنه يقول: إن الظهر يقرأ فيها بنحو الثلاثين آية.
وحديث جابر بن سمرة الذي خرجه مسلم كما تقدم: يدل على أن قراءة الظهر أقصر من قراءة الصبح.
وقال طائفة: يقرأ في الظهر بطوال المفصل كالصبح، وهو قول الثوري والشافعي وطائفة من أصحابنا كالقاضي أبي يعلي في ((جامعه الكبير)) ، لكنه خصه بالركعة الأولى من الظهر.
وروى وكيع بإسناده، عن عمر، أنه قرأ في الظهر بـ { ق} { والذاريات} .
وعن عبد الله بن عمرو، أنه قرأ في الظهر بـ { كهيعص} .
وروى حرب بإسناده، عن ابن عمر، أنه كانَ يقرأ في الظهر بـ { ق} { والذاريات} .
وخرجه ابن جرير، وعنده: بـ { ق} { والنازعات} .
قالَ: وكان عمر يقرأ بـ { ق} .
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كانَ يقرأ في الظهر بـ { الَّذِينَ كَفَرُوا} [محمد: 1] و { إِنَّا فَتَحْنَا لَك} [الفتح: 1] .
وممن رأي استحباب القراءة في الظهر بقدر ثلاثين آية: إبراهيم النخعي والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وقال الثوري وإسحاق: كانوا يستحبون أن يقرأوا في الظهر قدر ثلاثين في الركعة الأولى، وفي الثانية بنصفها - زاد إسحاق: أو أكثر.
وظاهر كلام أحمد وفعله يدل على أن المستحب أن يقرأ في الصبح والظهر في الركعة الأولى من طوال المفصل، وفي الثانية من وسطه.
وروي عن خباب بن الأرت، أنه قرأ في الظهر بـ { إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة:1] .
قالَ أبو بكر الأثرم: الوجه في اختلاف الأحاديث في القراءة في الظهر أنه كله جائز، وأحسنه استعمال طول القراءة في الصيف، وطول الأيام، واستعمال التقصير في القراءة في الشتاء وقصر الأيام، وفي الأسفار، وذلك كله معمول به.
انتهى.
ومن الناس من حمل اختلاف الأحاديث في قدر القراءة على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يراعي أحوال المأمومين، فإذا علم أنهم يؤثرون التطويل طول، أو التخفيف خفف، وكذلك إذا عرض لهُ في صلاته ما يقتضي التخفيف، مثل أن يسمع بكاء صبي مع أمه، ونحو ذَلِكَ.
وفي حديث أبي قتادة: يطول الركعة الأولى على الثانية.
وقد ذهب إلى القول بظاهره في استحباب تطويل الركعة الأولى على ما بعدها من جميع الصوات طائفة من العلماء، منهم: الثوريوأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن، وطائفة من أصحاب الشافعي، وروى عن عمر - رضي الله عنه -.
وقد خرج الإمام أحمد وأبو داود حديث أبي قتادة، وزاد فيهِ: فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى.
وخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، قالَ: لقد كانت صلاة الظهر تقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الركعة الأولى؛ مما يطولها.
وقد سبق حديث أبي سعيد الذي خرجه مسلم، أن قراءته في الثانية كانت على النصف من قراءته في الأولى.
وخرج الإمام أحمد من حديث شهر بن حوشب، عن أبي مالك الأشعري، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام ويجعل الركعة الأولى هي أطولهن، لكي يثوب الناس.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يطيل سوى الركعة من الفجر؛ لأنه وقت غفلة ونوم، ويسوي بين الركعات في سائر الصلوات.
وقال مالك والشافعي: يسوى بين الركعتين الأولتين في جميع الصلوات واستدل لذلك بقول (سعد) : ((أركد في الأوليين)) ، وليس بصريح ولا ظاهر في التسوية بينهما.
واستدل أيضاً - بحديث أبي سعيد، أنهم حزروا قيام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الظهر في الركعتين الأوليين قدر قراءة ثلاثين آية، وقد سبق.
ولكن في رواية أحمد وابن ماجه: أن قيامه في الثانية كانَ على النصف من ذَلِكَ، وهذه الرواية توافق أكثر الأحاديث الصحيحة، فهي أولى.
واستدل لهم بقراءة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((سبح)) و ((الغاشية)) و ((الجمعة)) و ((المنافقين)) و ((تَنزِيُلُ السجدة)) و ((هلُ أَتَى)) و ((ق)) و ((اقتْرَبَتْ)) ، هي سور متقاربة.
وأما تطويل الركعة الثالثة على الرابعة، فالأكثرون على أنه لا يستحب، ومن الشافعية من نقل الاتفاق عليهِ، ومنهم من حكى لأصحابهم فيهِ وجهين.
وهذا إنما يتفرع على أحد قولي الشافعي باستحباب القراءة في الأخريين بسور مع الفاتحة.
وقد خرج البزار والبيهقي من حديث عبد الله بن أبي أوفي، قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطيل الركعة الأولى من الظهر، فلا يزال يقرأ قائماً ما دام يسمع خفق نعال القوم، ويجعل الركعة الثانية أقصر من الأولى، والثالثة أقصر من الثانية، والرابعة أقصر من الثالثة وذكر مثل ذَلِكَ في صلاة العصر والمغرب وفي إسناده: أبو إسحاق الحميسي، ضعفوه.
وقد خرجه بقي بن مخلد في ((مسنده)) بإسناد أجود من هذا، لكن ذكر أبو حاتم الرازي أن فيهِ انقطاعاً، ولفظه في الظهر: ويجعل الثانية أقصر من الأولى، والثالثة أقصر من الثانية، والرابعة كذلك، وقال في العصر: يطيل في الأولى، ويقصر الثانية والثالثة والرابعة كذلك.
وقال في المغرب: يطيل في الأولى، ويقصر في الثانية والثالثة.
وهذا اللفظ لا يدل على تقصير الرابعة عن الثالثة.
وقوله: ((ويسمعنا الآية أحياناً)) مما يحقق أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يقرأ في الظهر والعصر، ويأتي بقية الكلام على ذَلِكَ فيما بعد - إن شاء الله تعالى.
الحديث الثالث:760 - حدثنا عمر - هوَ: ابن حفص بن غياث -: ثنا أبي: ثنا الأعمش: حدثني عمارة، عن أبي معمر، قالَ: سألنا خبابا: أكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهرِ والعصر؟ ، قالَ: نعم قلنا: بأي شيء كنتم تعرفون ذَلِكَ؟ قالَ: باضطراب لحيته.
يعني: بحركة شعر لحيته.
هكذا رواه جماعة عن الأعمش.
ورواه بعضهم عنه، قالَ: بتحريك لحيته.
ورواه أبو معاوية، عن الأعمش، فقالَ: باضطراب لحييه - بيائين تثنية لحي، وهو عظم الفك.
وقد كانَ غير واحد من الصحابة يستدل بمثل هذا على قراءة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة النهار.
وروى سفيان، عن أبي الزعراء، عن أبي الأحوص، عن بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: كانت تعرف قراءة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الظهر بتحريك لحيته.
خرجه الإمام أحمد.
وخرج - أيضاً - من رواية كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله، قالَ: تماروا في القراءة في الظهر والعصر، فأرسلوا إلى خارجه بن زيد، فقالَ: قالَ أبي: قام - أو كانَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطيل القيام، ويحرك شفتيه، فقد أعلم ذَلِكَ لم يكن إلا بقراءة، فأنا أفعله.
وفي هذه الأحاديث: دليل على أن قراءة السر تكون بتحريك اللسان والشفتين وبذلك يتحرك شعر اللحية، وهذا القدر لابد منه في القراءة والذكر وغيرهما من الكلام.
فأما إسماع نفسه فاشترطه الشافعي وبعض الحنفية وكثير منأصحابنا.
وقال الثوري: لا يشترط، بل يكفي تصوير الحروف، وهو قول الحرقي من الحنفية، وظاهر كلام أحمد.
قالَ أبو داود: قيل لأحمد: كم يرفع صوته بالقراءة؟ فقالَ: قالَ ابن مسعود: من أسمع أذنية فلم يخافت.
فهذا يدل على أن إسماع الأذنين جهر، فيكون السر دونه.
وكذا قالَ ابن أبي موسى من أصحابنا: القراءة التي يسرها في الصلاة يتحرك اللسان والشفتان بالتكلم بالقرآن، فأما الجهر فيسمع نفسه ومن يليه.
97 - باب القراءة في العصر761 - حدثنا محمد بن يوسف: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة ابن عمير، عن أبي معمر، قالَ: قلنا لخباب بن الأرت: أكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهر والعصر؟ قالَ: نعم.
قلت: بأي شيء كنتم تعلمون قراءته؟ قالَ: باضطراب لحيته.
762 - حدثنا مكي بن إبراهيم، عن هشام، عن يحيى بن كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قالَ: كانَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الركعتين (الأوليين) من الظهر والعصر بفاتحه الكتاب وسورة (سورةٍ) ، ويسمعنا الآية أحيانا.
هذان الحديثان سبقا في الباب الماضي.
والمقصود منهما هاهنا: القراءة في صلاة العصر.
وقد ذكرنا حديث أبي سعيد الخدري الذي خرجه مسلم، وفيه: أن قيامه في الركعتين الأوليين من صلاة العصر كانَ على قدر قيامه في الأخريين من الظهر.
وفي رواية: أنه قدر خمس عشرة آية.
وفي رواية ابن ماجه: أن قيامه في صلاة العصر على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر.
واختلف العلماء في القراءة في العصر: فقالَ النخعي: العصر مثل المغرب في القراءة: يعني: أن قراءتها تخفف.
وعنه قالَ: تضاعف الظهر على العصر أربعة أضعاف.
وكذا قالَ الثوري في قراءة العصر: إنها كقراءة المغرب بقصار المفصل.
وقال إسحاق: الظهر يعدل في القراءة بالعشاء، والعصر تعدل المغرب.
يعني: أنه يقرأ فيها بقصار المفصل.
وسياتي في الباب الذي بعده في تقصير العصر حديث مرفوع.
وقالت طائفة: قراءة العصر على نصف قراءة الظهر، وقراءة الظهر نحو ثلاثين آية، ونص على ذَلِكَ الإمام أحمد، واحتج بحديث أبي سعيد الخدري.
وقال أصحاب الشافعي: يقرأ في الصبح بطوال المفصل كالحجرات والواقعة، وفي الظهر بقريب من ذَلِكَ، وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصاره ولإن خالف وقرأ بالطول أو القصر جاز.
وقالت طائفة: يسوى بين قراءة الظهر والعصر، روي ذَلِكَ عن أنس بن مالك، وروي عن ابن عمر من وجه ضيعف.
وحديث جابر بن سمرة الذي خرجه مسلم يشهد لذلك: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر نحو ذَلِكَ.
98 - باب القراءة في المغرب فيهِ حديثان: الأول:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  بَابُ
إذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ وَحَوَّلَهُ
الإِمَامُ خَلْفَهِ إِلَى يَمِيِنِهِ تَمَّتْ صَلاَتُهُ
[ قــ :741 ... غــ :762 ]
- حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا داود، عن عمرو بن دينار، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قالَ: صليت مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة، فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برأسي من ورائي، فجعلني عن يمينه فصلى ورقد، فجاءه المؤذن، فقام يصلي، ولم يتوضأ.

مقصود البخاري بهذا الحديث في هذا الباب: أن ابن عباس كانَ قد صف مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن يساره، لكنه لما كان موقفه مكروها حوله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه، فأداره من ورائه إلى يمينه، فدل على أن إزالة بعض من في الصف عن مقامه وتحويله من الصف في الصلاة لمصلحة جائز، وصلاته تامة، وإن كانَ قد خرج من الصف وتأخر عنه.

ولا يدخل هذا في ترك تسوية الصفوف المنهي عنه، وإن كانَ فيهِ تأخر عن الصف، إلا أن المقصود منه: أن يعود إلى الصف على وجه أكمل من مقامه، فهوَ شبيه بإبطال الصلاة المكتوبة إذا دخل فيها منفردا، ثم أقيمت الصلاة ليؤديها في جماعة.

وقريب منه: تخريب بناء المسجد لأعادته على وجه أكمل منه.
وفي الحديث - أيضا -: دليل على أن مصير المأموم فذا خلف الإمام - أو خلف الصف - وقتا يسيرا لا تبطل به الصلاة، إذا زالت فذوذيته قبل الركوع؛ فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخرج ابن عباس من جهة يساره إلى ورائه، فصار فذا في تلك الحالة، ثم أعاده إلى يمينه في الحال، فزالت فذوذيته سريعا، ووقف في موقف هوَ أكمل من مقامه الأول قبل الركوع.

وسيأتي القول في ذَلِكَ في ( ( باب: الركوع دون الصف) ) - إن شاء الله تعالى.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :741 ... غــ :762 ]
- حدثنا مكي بن إبراهيم، عن هشام، عن يحيى بن كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قالَ: كانَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الركعتين ( الأوليين) من الظهر والعصر بفاتحه الكتاب وسورة ( سورةٍ) ، ويسمعنا الآية أحيانا.

هذان الحديثان سبقا في الباب الماضي.

والمقصود منهما هاهنا: القراءة في صلاة العصر.

وقد ذكرنا حديث أبي سعيد الخدري الذي خرجه مسلم، وفيه: أن قيامه في الركعتين الأوليين من صلاة العصر كانَ على قدر قيامه في الأخريين من الظهر.

وفي رواية: أنه قدر خمس عشرة آية.
وفي رواية ابن ماجه: أن قيامه في صلاة العصر على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر.

واختلف العلماء في القراءة في العصر:
فقالَ النخعي: العصر مثل المغرب في القراءة:
يعني: أن قراءتها تخفف.

وعنه قالَ: تضاعف الظهر على العصر أربعة أضعاف.

وكذا قالَ الثوري في قراءة العصر: إنها كقراءة المغرب بقصار المفصل.

وقال إسحاق: الظهر يعدل في القراءة بالعشاء، والعصر تعدل المغرب.

يعني: أنه يقرأ فيها بقصار المفصل.

وسياتي في الباب الذي بعده في تقصير العصر حديث مرفوع.

وقالت طائفة: قراءة العصر على نصف قراءة الظهر، وقراءة الظهر نحو ثلاثين آية، ونص على ذَلِكَ الإمام أحمد، واحتج بحديث أبي سعيد الخدري.

وقال أصحاب الشافعي: يقرأ في الصبح بطوال المفصل كالحجرات والواقعة، وفي الظهر بقريب من ذَلِكَ، وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصاره ولإن خالف وقرأ بالطول أو القصر جاز.

وقالت طائفة: يسوى بين قراءة الظهر والعصر، روي ذَلِكَ عن أنس بن مالك، وروي عن ابن عمر من وجه ضيعف.

وحديث جابر بن سمرة الذي خرجه مسلم يشهد لذلك: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر نحو ذَلِكَ.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :741 ... غــ : 762 ]
- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا".

وبه قال: ( حدّثنا المكي) بالتعريف، ولأبي ذر والأصيلي: مكي ( بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد التيمي الحنظلي البلخي ( عن هشام) الدستوائي ( عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة ( عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحرث بن ربعي ( قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في الركعتين) الأوليين ( من الظهر والعصر) أي من كلٍّ منهما ( بفاتحة الكتاب وسورة سورة) بالخفض عطفًا على سابقه، وبالتكرير لأنه موزع على الركعات، يعني يقرأ في كل ركعة من ركعتيهما سورة بعد الفاتحة، ( ويسمعنا الآية أحيانًا) .

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :741 ... غــ :762 ]
- حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْراهِيمَ عَنْ هِشَامٍ عنْ يَحْيَى بنِ أبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي قَتَادَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ وَيُسْمِعُنَا الآيةَ أحْيانا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ومكي بن إِبْرَاهِيم بن بشير بن فرقد التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي الْبَلْخِي، ولد سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة،.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ: مَاتَ سنة أَربع عشرَة أَو خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهِشَام الدستوَائي.
قَوْله: ( سُورَة سُورَة) كرر لفظ: السُّورَة، ليُفِيد التَّوْزِيع على الرَّكْعَات، يَعْنِي: يقْرَأ فِي كل رَكْعَة من ركعتيهما سُورَة.