هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
72 حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ ، فَقَالَ : يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّ حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
72 حدثنا هداب بن خالد الأزدي ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ، عن معاذ بن جبل ، قال : كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل ، فقال : يا معاذ بن جبل ، قلت : لبيك رسول الله ، وسعديك ، ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل قلت : لبيك رسول الله وسعديك ، ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل قلت : لبيك رسول الله وسعديك ، قال : هل تدري ما حق الله على العباد ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئا ، ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل قلت : لبيك رسول الله ، وسعديك ، قال : هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : أن لا يعذبهم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It is narrated on the authority of Mu'adh b. Jabal:

I was riding behind the Prophet (ﷺ) and there was nothing between him and me but the rear part of the saddle, when he said: Mu'adh b. Jabal: To which I replied: At your beck and call, and at your pleasure, Messenger of Allah! He moved along for a few minutes, when again he said: Mu'adh b. Jabal: To which I replied: At your beck and call, and at your pleasure, Messenger of Allah! He then again moved along for a few minutes and said: Mu'adh b. Jabal: To which I replied. At your beck and call, and at your pleasure. Messenger of Allah He, (the Holy Prophet) said: Do you know what right has Allah upon His servants? I said: Allah and His Messenger know best. He (the Holy Prophet) said: Verily the right of Allah over His servants is that they should worship Him, not associating anything with Him. He (the Holy Prophet) with Mu'adh behind him, moved along for a few minutes and said: Mu'adh b. Jabal: To which I replied: At your beck and call, and at your pleasure, Messenger of Allah! He (the Holy Prophet) said: Do you know what rights have servants upon Allah in case they do it (i. e. they worship Allah without associating anything with Him)? I (Mu'adh b. Jabal) replied: Allah and His Messenger know best. (Upon this) he (the Holy Prophet) remarked: That He would not torment them (with the fire of Hell).

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم.
ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل.
فقال: يا معاذ بن جبل قلت: لبيك رسول الله وسعديك.
ثم سار ساعة.
ثم قال يا معاذ بن جبل قلت: لبيك رسول الله وسعديك.
ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ بن جبل! قلت: لبيك رسول الله وسعديك.
قال هل تدري ما حق الله على العباد؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم.
قال فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثم سار ساعة.
ثم قال: يا معاذ بن جبل! قلت: لبيك رسول الله وسعديك.
قال هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قال قلت: الله ورسوله أعلم.
قال أن لا يعذبهم.



المعنى العام

كثيرا ما خرج المسلمون للجهاد مشاة ليس معهم ما يكفيهم من الإبل أو الحمير وكثيرا ما كان الحمار يحمل اثنين، وكذلك البعير، وكثيرا ما كان الجمع منهم يتعاقب الركوب على دابة واحدة، لا تكاد تميز بين صاحبها ومرافقيه.

اشتراكية فريدة لا نراها في أرقى الأمم على مر العصور، وتكافل إسلامي لا عهد له في أي دستور أو تشريع، و( ديمقراطية) عالية لا تكاد تميز بين القائد والجنود.

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفضل الخلق على الإطلاق، وسيد ولد آدم ولا فخر، وقائد الأمة وراعيها، يركب حمارا في غزوة من الغزوات، ويركب غيره من جنده النوق والجمال، وليس هذا فحسب، بل ويردف خلفه على حماره أحد الصحابة الأجلاء، معاذ بن جبل.

ثم يضرب المثل الأعلى في حسن المؤانسة، وإزالة الوحشة لدى رفيق السفر، فيناديه: يا معاذ بن جبل، فيجيب معاذ- وقد امتلأ سرورا بحظوة تحديث خير محدث، يجيب- وقد جمع كل مشاعره وأحاسيسه لما بعد النداء، يجيب - وكله آذان صاغية- لبيك وسعديك يا رسول الله، إجابة لندائك ثم إجابة، وسعدا بخطابك بعد سعد يا رسول الله.

ويسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة من الوقت والراحلة تسير.

يسكت لحظات تمر على معاذ كساعات، تثور فيها غريزة حب الاستطلاع وتتقد فيها نار التلهف لسماع الحديث، ويرقب الأمر، فإذا به يسمع النداء للمرة الثانية: يا معاذ بن جبل.
فيسرع بالإجابة لبيك وسعديك يا رسول الله، وتمضي لحظات سكون مثل التي مضت بعد النداء الأول، والراحلة تسير، ثم يسمع النداء للمرة الثالثة: يا معاذ بن جبل.
فيبادر بالإجابة أسرع وأسرع من المرتين السابقتين، لبيك وسعديك يا رسول الله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تعلم حق الله على العباد وواجبهم نحوه؟

قال معاذ: الله ورسوله أعلم.

قال صلى الله عليه وسلم: حق الله على العباد أن يوحدوه ولا يتخذوا أربابا من دونه، ولا يشركوا به شيئا.

ثم سكت صلى الله عليه وسلم لحظات أخرى كالسابقة، والقافلة تسير، ثم قال: يا معاذ بن جبل.
قال: لبيك وسعديك يا رسول الله.

قال: هل تعلم حق العباد وما لهم عند الله إذا وحدوه ولم يشركوا به شيئا؟ قال: الله ورسوله أعلم.

قال: أن لا يعذبهم.
ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرم الله عليه النار.
من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة.

قال معاذ فرحا بهذه البشرى: أفأخبر الناس بهذا، وأبلغهم ما يسرهم يا رسول الله؟ فأذن له صلى الله عليه وسلم أن يبشر.

فحدث معاذ عمر - رضي الله عنهما - بهذا الحديث فقال له عمر: لا تعجل ولا تخبر الناس.
ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله أنت أفضل رأيا.
إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها.

قال: فرده، فرد عمر معاذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال معاذ: ألا أبشر الناس يا رسول الله؟ قال: لا.
دعهم فليتنافسوا في الأعمال فإني أخاف أن يتكلوا.

وكتم معاذ الحديث فلم يحدث به حتى جاءه الموت، فخاف الإثم إن هو مات ولم يبلغ ما سمع، فحدث به.

رضي الله عنه وأرضاه، ورضي عن الصحابة أجمعين، وجعلنا من أهل هذه البشرى.
آمين.

المباحث العربية

( كنت ردف النبي) بكسر الراء وسكون الدال، والرديف هو الراكب خلف الراكب، تقول: ردفت فلانا أردفه بكسر الدال في الماضي وفتحها في المضارع إذا ركبت خلفه، وتقول: أردفت فلانا إذا أركبته خلفك وأصله من الردف وهو العجز.

وأرداف الملوك في الجاهلية هم الذين كانوا يخلفونهم كالوزارء، أما في الإسلام فإنه لم تراع فيه منزلة الرديف الدنيوية بل روعي التشريف والتكريم بغض النظر عن منزلة الرديف، وقد جمع ابن مندة أرداف النبي صلى الله عليه وسلم فبلغوا نيفا وثلاثين رديفا.

( ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل) كناية عن شدة القرب منه، وفائدة ذكرها التوثيق من الرواية، والإشعار بدقة السماع والضبط، والرحل بفتح الراء وسكون الحاء خشبات توضع على البعير حول السنام، مكسوة بشيء من الصوف أو الليف أو نحوهما تمهد ظهر البعير للركوب، وهو بمنزلة السرج للفرس والإكاف للحمار، ومؤخرة الرحل بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء، وحكي فتح الهمزة والخاء المشددة، على ضعف وهي الخشبة التي تكون خلف الراكب.

وقد جاء في الرواية الثانية: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير ومن المعلوم أن التعبير بالرحل لا يتناسب مع ركوب الحمار إذ هو من اختصاص الإبل، ولهذا قال بعضهم بتعدد القصة.
مرة على بعير ومرة على حمار، وهذا بعيد، والأحرى بالقبول قول النووي: يحتمل أن يكونا قضية واحدة، وأراد بالحديث الأول قدر مؤخرة الرحل.

وعفير بالتصغير هو الحمار الذي كان له صلى الله عليه وسلم.
قيل إنه مات في حجة الوداع.

( يا معاذ بن جبل) يجوز في معاذ النصب والبناء على الضم، أما النصب فعلى أنه مع ما بعده كاسم واحد مركب، والمنادى المضاف منصوب، والضم على أنه منادى مفرد علم، وأما لفظ ابن هنا فمنصوب قولا واحدا، واختار ابن الحاجب النصب في معاذ وبه ضبط في الأصل، وقال ابن مالك: الاختيار فيه الضم، لأنه لا يحتاج إلى اعتذار، وتكرير نداء معاذ للتأكيد وتكميل انتباهه اهتماما بالخبر.

( لبيك رسول الله وسعديك) رسول الله منادى بتقدير حرف النداء وفي معنى لبيك أقوال كثيرة، أظهرها أن معناه إجابة لك بعد إجابة، والتكرير للتأكيد، وقيل: معناه قربا منك وطاعة لك، تثنية لب ومعناه الإجابة، وقال الخليل: لب بالمكان أقام به، وعليه فلبيك معناه أنا مقيم على طاعتك، وكان حقه أن يقال: لبا لك، فثني للتأكيد فصار: لبين لك فأضيف فحذفت النون، كما قالوا في حنانيك، أي رحمة بعد رحمة، وهو من المصادر المنصوبة بفعلها المحذوف وجوبا.

وسعديك تثنية سعد، والمعنى سعادة بحديثك بعد سعادة.

( ثم سار ساعة) أي قدرا من الزمن، وليس المراد الساعة المعروفة المقدرة بستين دقيقة.

( هل تدري ما حق الله على العباد؟) الاستفهام حقيقي، وتدري معلق عن العمل وحق الله على العباد معناه ما يستحقه عليهم استحقاقا متحتما.

( الله ورسوله أعلم) أفعل التفضيل على بابه، فمعاذ يعلم دون شك أن العبادة واجبة لله تعالى، ولكنه فوض العلم، وأسند الزيادة فيه لله ورسوله تأدبا، ومقصود هذه العبارة علمني يا رسول الله.

( أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) وفي الرواية الثانية أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وفي رواية أن يعبد الله ولا يشرك به شيء وفي رواية أن يعبد الله ولا يشرك به شيئا بنصب شيئا.
قال ابن الصلاح وهو صحيح على التردد بين وجوه ثلاثة.

أحدها: يعبد الله بفتح الياء التي هي للمذكر الغائب أي يعبد العبد الله ولا يشرك به شيئا.

الثاني: تعبد بفتح تاء المخاطب على التخصيص لمعاذ والتنبيه على غيره.

والثالث: يعبد بضم أوله، ويكون شيئا كناية عن المصدر، لا عن المفعول به، أي لا يشرك به إشراكا، ويكون الجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل.
قال: وإذا لم تعين الرواية شيئا من هذه الوجوه، فحق على من يروي هذا الحديث منا أن ينطق بها كلها، واحدا بعد واحد، ليكون آتيا بما هو المقول منها في نفس الأمر جزما.
اهـ.

والمراد من عبادة الله هنا توحيده، لا ما يعم كل الطاعات: بدليل الرواية الثالثة.
ويكون قوله ولا يشركوا به شيئا للتأكيد لرفع ما كان عليه المشركون من عبادة الأوثان لتقربهم إلى الله زلفى.

( هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك) أي ما وجب لهم شرعا بوعده الصادق، فهو متحقق لهم لا محالة إذا فعلوا، فلفظ حق على هذا مستعمل في أصل وصفه، وقيل إنه من مجاز المقابلة لحقه عليهم، كقوله تعالى { { ومكروا ومكر الله } } [آل عمران: 54] لأن الله لا يجب عليه شيء.

( أن لا يعذبهم) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر مبتدأ محذوف تقديره حق العباد على الله - إذا فعلوا ذلك - عدم تعذيبهم.

( أفلا أبشر الناس؟) التبشير الإخبار بخبر يظهر أثره على البشرة، خيرا كان الخبر أو شرا، ثم شاع في خبر الخير.

والهمزة للاستفهام، والفاء مؤخرة من تقديم -على المشهور- لأن الاستفهام له الصدارة، وهي عاطفة على محذوف تقديره: أقلت ذلك أفلا أبشر الناس؟.

( لا تبشرهم فيتكلوا) من الاتكال، وهو الاعتماد، وأصله فيوتكلوا لأنه من وكل الأمر إلى غيره، قلبت الواو تاء وأدغمت في تاء الافتعال.

والفعل منصوب بأن مضمرة بعد الفاء المسبوقة بالنهي.

( ومعاذ بن جبل رديفه) وردت في الرواية الثالثة، مبتدأ وخبر في محل النصب على الحال.

( على الرحل) حال أيضا.

( ما من عبد يشهد) ما نافية، ومن زائدة لتأكيد النفي، وعبد اسم ما وجملة يشهد صفة عبد.

( إلا حرمه الله على النار) معنى التحريم المنع، أي إلا منعه الله من النار، والمستثنى منه محذوف، والاستثناء مفرغ، والتقدير: ما عبد شاهد بكذا كائنا بحكم من الأحكام إلا بحكم تحريمه على النار.

( أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا) ضمير بها يعود على المقالة ما من عبد إلخ أي أفلا أخبر الناس بهذه المقالة؟ وفعل يستبشروا منصوب بأن مضمرة بعد الفاء المسبوقة باستفهام.

( إذا يتكلوا) إذا حرف جواب وجزاء، والفعل بعدها منصوب بها، والجمهور يكتبها بالألف، وكذا رسمت في المصاحف، والمازني والمبرد يكتبونها بالنون، وعن الفراء: إن عملت تكتب بالألف، وإلا تكتب بالنون، للفرق بينها وبين إذا الشرطية، وجاء في رواية إذا ينكلوا بالنون بدل التاء، من النكول وهو النكوص والامتناع عن العمل اعتمادا على الشهادتين.

( فأخبر بها معاذ عند موته تأثما) بفتح التاء والهمزة وضم الثاء المشددة مفعول لأجله، قال أهل اللغة: تأثم الرجل إذا فعل فعلا يخرج به من الإثم، وتحرج أزال عنه الحرج والمعنى هنا على هذا: أخبر معاذ بالمقالة عند موته للخروج من إثم الكتمان ولإزالته.

فقه الحديث

من الواضح أن معاذا استأذن في تبشير الناس وتحديثهم بهذا الحديث فلم يؤذن له، ومن الواضح أنه حدث به عند موته.

وأمام هذين الأمرين الواضحين يبرز إشكال مؤداه:

كيف خاف معاذ إثم الكتمان ولم يخف إثم مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وفي الجواب عن ذلك يقول النووي: كان معاذ يحفظ علما يخاف فواته وذهابه بموته، فخشي أن يكون ممن كتم علما، وممن لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ سنته فأخبر بالحديث مخافة الإثم، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن الإخبار بالمقالة نهي تحريم.

وحاصل هذا الجواب أن معاذا كان عليه أن يختار بين كتمان الحديث، الأمر الذي يبلغ الحرمة، وبين تبليغه، المكروه كراهة تنزيه، فاحتاط وأزال ما يؤدي إلى الحرمة.

وقال القاضي عياض: لعل معاذا لم يفهم من النبي صلى الله عليه وسلم النهي، لكن فهم أنه صلى الله عليه وسلم كسر عزمه عما عرض له من بشراهم.
اهـ.

فالقاضي عياض لا يرى نهيا أصلا، لا نهي تحريم ولا نهي تنزيه في فهم معاذ.

وقال بعضهم: لعل معاذا امتثل النهي عن التبشير، فلما سمع بحديث أبي هريرة الآتي -وفيه الأمر بالتبشير- اعتبره ناسخا فحدث به خروجا من إثم الكتمان.

وقال ابن الصلاح: منعه صلى الله عليه وسلم من التبشير العام خوفا من أن يسمع ذلك من لا خبرة له ولا علم، فيغتر ويتكل، وأخبر به صلى الله عليه وسلم على الخصوص من أمن عليه الاغترار والاتكال من أهل المعرفة فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر به معاذا، فسلك معاذ هذا المسلك، فأخبر به من الخاصة من رآه أهلا لذلك.
اهـ.

وهذا الوجه ظاهر.

وأمام هذه الأجوبة يرد إشكال آخر، هو:

حيث استباح معاذ وفضل التبشير فلم أخره وكتمه إلى الموت؟

وأجيب بأنه رأى أن النهي عن التبشير إنما هو خوف الاتكال، وخوف الاتكال إنما يكون في بادئ الأمر، أما بعد رسوخ الدين، وتقرر الشريعة وذوق حلاوة العمل الصالح والتنافس بين المسلمين في خصال البر فإن الاتكال بعيد، فأخر التحديث حتى زال خطره.

على أن كتم الحديث خصوصا الذي لا يدعو إلى عمل، بل قد يعوقه لا يتحقق إلا بالموت.

ويؤخذ من الحديث

1 - جواز ركوب الاثنين على دابة واحدة.

2 - منزلة معاذ رضي الله عنه وعزته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3 - تكرار الكلام لنكتة وقصد معني.

4 - تخصيص بعض الناس ببعض العلم لهدف ديني.

5 - جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه.

6 - الإجابة بلبيك وسعديك.

7 - استئذان الطالب في إشاعة ما يعلم به وحده.

8 - تواضع النبي صلى الله عليه وسلم.

9 - فيه بشارة عظيمة للموحدين، وسيأتي تفصيل الحكم فيها عما قريب.

والله أعلم