هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6780 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، قَالَ : سَمِعْتُ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ ، قَالُوا : إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا ، فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِهِ ، وَنَقْشُهُ : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6780 حدثني محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم ، قالوا : إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما ، فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة ، كأني أنظر إلى وبيصه ، ونقشه : محمد رسول الله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Anas bin Malik:

When the Prophet (ﷺ) intended to write to the Byzantines, the people said, They do not read a letter unless it is sealed (stamped). Therefore the Prophet (ﷺ) took a silver ring----as if I am looking at its glitter now----and its engraving was: 'Muhammad, Apostle of Allah'.

":"مجھ سے محمد بن بشار نے بیان کیا ، کہا ہم سے غندر نے بیان کیا ، ان سے شعبہ نے بیان کیا ، کہا کہ میں نے قتادہ سے سنا ، ان سے انس بن مالک رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہجب نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے اہل روم کو خط لکھنا چاہا تو صحابہ نے کہا کہ رومی صرف مہر لگا ہوا خط ہی قبول کرتے ہیں ۔ آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے چاندی کی ایک مہر بنوائی ۔ گویا میں اس کی چمک کو اس وقت بھی دیکھ رہا ہوں اور اس پر کلمہ ” محمد رسول اللہ “ نقش تھا ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [7162] .

     قَوْلُهُ  لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ الطَّوِيلِ الْمُذْكُورِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ .

     قَوْلُهُ  قَالُوا إِنَّهُمْ لَا يقرؤون كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا لَمْ أَعْرِفِ اسْمَ الْقَائِلِ بِعَيْنِهِ .

     قَوْلُهُ  فَاتَّخَذَ خَاتَمًا إِلَخْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ اللِّبَاسِ وَجُمْلَةُ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ بِآثَارِهَا ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ وَكِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ جَوَازُ جَمِيعِ ذَلِكَ فَأَمَّا الْحُكْمُ الْأَوَّلُ فَقَالَ بن بَطَّالٍ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ لِلشَّاهِدِ إِذَا رَأَى خَطَّهُ إِلَّا إِذَا تَذَكَّرَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ فَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا فَلَا يَشْهَدْ فَإِنَّهُ مَنْ شَاءَ انْتَقَشَ خَاتَمًا وَمَنْ شَاءَ كَتَبَ كِتَابًا وَقَدْ فُعِلَ مِثْلُهُ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ فِي قِصَّةٍ مَذْكُورَةٍ فِي سَبَبِ قَتْلِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ وَأَجَازَ مَالك الشَّهَادَة على الْخط وَنقل بن شعْبَان عَن بن وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ لَا آخُذُ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ خَالَفَ مَالِكًا جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ وَعَدُّوا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ شُذُوذًا لِأَنَّ الْخَطَّ قَدْ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَلَيْسَتْ شَهَادَةً عَلَى قَوْلٍ مِنْهُ وَلَا مُعَايَنَةً.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ خَطَأٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ رَأَيْتُ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ قَذَفَ لَا يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِهِ إِلَّا إِنْ أَشْهَدَهُ قَالَ فَالْخَطُّ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا وَأَضْعَفُ قَالَ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِشْهَادُ الْمَوْتَى.

     وَقَالَ  مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُقْضَى فِي دَهْرِنَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا ضُرُوبًا مِنَ الْفُجُورِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقَضِيَةٌ عَلَى نَحْوِ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الْفُجُورِ وَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِيمَا مَضَى يُجِيزُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي ثُمَّ رَأَى مَالِكٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَهَذِهِ أَقْوَال جمَاعَة مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ تُوَافِقُ الْجُمْهُورَ.

     وَقَالَ  أَبُو عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لَهُ أَجَازَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ قَوْمٌ لَا نَظَرَ لَهُمْ فَإِنَّ الْكُتَّابَ يُشَبِّهُونَ الْخَطَّ بِالْخَطِّ حَتَّى يُشْكِلَ ذَلِكَ عَلَى أَعْلَمِهِمْ انْتَهَى وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ فَكَيْفَ بِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ وَهُمْ أَكْثَرُ مُسَارَعَةً إِلَى الشَّرِّ مِمَّنْ مَضَى وَأَدَقُّ نَظَرًا فِيهِوَأَكْثَرُ هُجُومًا عَلَيْهِ.

.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّانِي فَقَالَ بن بَطَّالٍ اخْتَلَفُوا فِي كُتُبِ الْقُضَاةِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْجَوَازِ وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الْحُدُودَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَالًا إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ عَنِ الْقُضَاةِ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْ إِجَازَةِ ذَلِكَ حُجَّتُهُمْ فِيهِ ظَاهِرَةٌ مِنَ الْحَدِيثِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى الْمُلُوكِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَشْهَدَ أَحَدًا عَلَى كِتَابِهِ قَالَ ثُمَّ أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سوار وبن أَبِي لَيْلَى مِنَ اشْتِرَاطِ الشُّهُودِ لِمَا دَخَلَ النَّاسُ مِنَ الْفَسَادِ فَاحْتِيطَ لِلدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ إِجَازَةُ الْخَوَاتِيمِ حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ لَيَكْتُبُ لِلرَّجُلِ الْكِتَابَ فَمَا يَزِيدُ عَلَى خَتْمِهِ فَيُعْمَلُ بِهِ حَتَّى اتُّهِمُوا فَصَارَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ.

.
وَأَمَّا الحكم الثَّالِث فَقَالَ بن بَطَّالٍ اخْتَلَفُوا إِذَا أَشْهَدَ الْقَاضِي شَاهِدَيْنِ عَلَى مَا كَتَبَهُ وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمَا وَلَا عَرَّفَهُمَا بِمَا فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا شَهِدنَا الا بِمَا علمنَا قَالَ وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كِتَابُهُ فَالْغَرَضُ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إِلَيْهِ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إِلَيْهِ وَقَدْ يَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ أُمُور النَّاس مَا لَا يحب أَنْ يَعْلَمَهُ كُلُّ أَحَدٍ كَالْوَصِيَّةِ إِذَا ذَكَرَ الْمُوصِي مَا فَرَّطَ فِيهِ مَثَلًا قَالَ وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ أَيْضًا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى الْوَصِيَّةِ الْمَخْتُومَةِ وَعَلَى الْكِتَابِ الْمَطْوِيِّ وَيَقُولَانِ لِلْحَاكِمِ نَشْهَدُ عَلَى إِقْرَارِهِ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُمَّالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَهَا عَلَى مَنْ حَمَلَهَا وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالسُّنَنِ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ يُسْتَفَادُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ الْكِتَابَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا فَالْحُجَّةُ بِمَا فِيهِ قَائِمَةٌ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِمْ وَإِنَّمَا اتَّخَذَ الْخَاتَمَ لِقَوْلِهِمْ إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الْكِتَابَ إِلَّا إِذَا كَانَ مَخْتُومًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي حُجَّةٌ مَخْتُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَخْتُومٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْحُكْمِ بِالْخَطِّ الْمُجَرَّدِ كَأَنْ يَرَى الْقَاضِي خَطَّهُ بِالْحُكْمِ فَيَطْلُبُ مِنْهُ الْمَحْكُومُ لَهُ الْعَمَلَ بِهِ فَالْأَكْثَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الْوَاقِعَةَ كَمَا فِي الشَّاهِدِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ إِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِي حِرْزِ الْحَاكِمِ أَوِ الشَّاهِدِ مُنْذُ حُكِمَ فِيهِ أَوْ تَحَمَّلَ إِلَى أَنْ طُلِبَ مِنْهُ الْحُكْمُ أَوِ الشَّهَادَةُ جَازَ وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إِذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ سَاغَ لَهُ الْحُكْمُ وَالشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَالْأَوْسَطُ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ رَجَّحَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ بن الْمُنِيرِ لَمْ يَتَعَرَّضِ الشَّارِحُ لِمَقْصُودِ الْبَابِ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ اسْتَدَلَّ عَلَى الْخَطِّ بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرُّومِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ مَضْمُونَ الْكِتَابِ دُعَاؤُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ أَمْرٌ قَدِ اشْتَهَرَ لِثُبُوتِ الْمُعْجِزَةِ وَالْقَطْعِ بِصِدْقِهِ فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُمْ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ إِنَّمَا يُفِيدُ ظَنًّا وَالْإِسْلَامُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالظَّنِّ إِجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ حَصَلَ بِمَضْمُونِ الْخَطِّ مَقْرُونًا بِالتَّوَاتُرِ السَّابِقِ عَلَى الْكِتَابِ فَكَانَ الْكِتَابُ كَالتَّذْكِرَةِ وَالتَّوْكِيدِ فِي الْإِنْذَارِ مَعَ أَنَّ حَامِلَ الْكِتَابِ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اطَّلَعَ عَلَى مَا فِيهِ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْعُمْدَةَ عَلَى أَمْرِهِ الْمَعْلُومِ مَعَ قَرَائِنِ الْحَالِ الْمُصَاحِبَةُ لِحَامِلِ الْكِتَابِ وَمَسْأَلَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ مَفْرُوضَةٌ فِي الِاكْتِفَاءِ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ وَبَيْنَ كِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي فِي أَنَّ الْقَائِلَ بِالْأَوَّلِ أَقَلُّ مِنَ الْقَائِلِ بِالثَّانِي تَطَرُّقُ الِاحْتِمَالِ فِي الْأَوَّلِ وَنُدُورهُ فِي الثَّانِي لِبُعْدِ احْتِمَالِ التَّزْوِيرِ عَلَى الْقَاضِي وَلَا سِيَّمَا حَيْثُ تُمْكِنُ الْمُرَاجَعَةُ وَلِذَلِكَ شَاعَ الْعَمَلُ بِهِ فِيمَا بَيْنَ الْقُضَاةِ وَنُوَّابِهِمْ وَاللَّهُ أعلم( قَولُهُ بَابُ مَتَى يَسْتَوْجِبُ الرَّجُلُ الْقَضَاءَ) أَيْ مَتَى يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيِّ صَاحِبِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ آدَابِ الْقَضَاءِ لَهُ لَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ سَلَفَ خِلَافًا أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ بَانَ فَضْلُهُ وَصِدْقُهُ وَعِلْمُهُ وَوَرَعُهُ قَارِئًا لِكِتَابِ اللَّهِ عَالِمًا بِأَكْثَرِ أَحْكَامِهِ عَالِمًا بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ حَافِظًا لِأَكْثَرِهَا وَكَذَا أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ عَالِمًا بِالْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ وَأَقْوَالِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ يَعْرِفُ الصَّحِيحَ مِنَ السَّقِيمِ يَتَّبِعُ فِي النَّوَازِلِ الْكِتَابَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالسُّنَنُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَمِلَ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَإِنِ اخْتَلَفُوا فَمَا وَجَدَهُ أَشْبَهَ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ بِفَتْوَى أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ عَمِلَ بِهِ وَيَكُونُ كَثِيرَ الْمُذَاكَرَةِ مَعَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمُشَاوَرَةِ لَهُمْ مَعَ فَضْلٍ وَوَرَعٍ وَيَكُونُ حَافِظًا لِلِسَانِهِ وَبَطْنِهِ وَفَرْجِهِ فَهِمًا بِكَلَامِ الْخُصُومِ ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا مَائِلًا عَنِ الْهَوَى ثُمَّ قَالَ وَهَذَا وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ يَجْمَعُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُطْلَبَ مِنْ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ أَكْمَلُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ لَا يَكْفِي فِي اسْتِحْبَابِ الْقَضَاءِ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ بَلْ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لذَلِك.

     وَقَالَ  بن حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ القَاضِي عَالما عَاقِلا قَالَ بن حَبِيبٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلْمٌ فَعَقْلٌ وَوَرَعٌ لِأَنَّهُ بِالْوَرَعِ يَقِفُ وَبِالْعَقْلِ يَسْأَلُ وَهُوَ إِذَا طَلَبَ الْعِلْمَ وَجَدَهُ وَإِذَا طَلَبَ الْعَقْلَ لَمْ يجده قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا وَالْأَصْلُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُم الْآيَةَ قَالَ وَالْقَاضِي لَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ إِلَّا غَنِيًّا لِأَنَّ غِنَاهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا مُنِعَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاحْتَاجَ كَانَ تَوْلِيَةُ مَنْ يَكُونُ غَنِيًّا أَوْلَى مِنْ تَوْلِيَةِ مَنْ يَكُونُ فَقِيرًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَظِنَّةِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِتَنَاوُلِ مَا لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ.

.

قُلْتُ وَهَذَا قَالَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَلَمْ يُدْرِكْ زَمَانَهُ هَذَا الَّذِي صَارَ مَنْ يَطْلُبُ الْقَضَاءَ فِيهِ يُصَرِّحُ بِأَنَّ سَبَبَ طَلَبِهِ الِاحْتِيَاجُ إِلَى مَا يَقُومُ بِأَوَدِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ فِي الْقَاضِي إِلَّا عَنِالْحَنَفِيَّة واستثنوا الْحُدُود وَأطلق بن جَرِيرٍ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أُمُورَهُمُ امْرَأَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ الْقَاضِي يَحْتَاجُ إِلَى كَمَالِ الرَّأْيِ وَرَأْيُ الْمَرْأَةِ نَاقِصٌ وَلَا سِيَّمَا فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الْحَسَنُ هُوَ الْبَصْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ أَنْ لَا يَتَّبِعُوا الْهَوَى وَلَا يَخْشَوُا النَّاسَ وَلَا يَشْتَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ثُمَّ قَرَأَ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَليفَة فِي الأَرْض إِلَى يَوْم الْحساب وَقَرَأَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ إِلَى قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الْكَافِرُونَ.

.

قُلْتُ فَأَرَادَ مِنْ آيَةِ يَا دَاوُدُ قَوْلَهُ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله وَأَرَادَ مِنْ آيَةِ الْمَائِدَةِ بَقِيَّةَ مَا ذُكِرَ وَأَطْلَقَ عَلَى هَذِهِ الْمَنَاهِي أَمْرًا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ فَفِي النَّهْيِ عَنِ الْهَوَى أَمْرٌ بِالْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَفِي النَّهْيِ عَنْ خَشْيَةِ النَّاسِ أَمْرٌ بِخَشْيَةِ اللَّهِ وَمِنْ لَازِمِ خَشْيَةِ اللَّهِ الْحُكْمُ بِالْحَقِّ وَفِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ آيَاتِهِ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وُصِفَ الثَّمَنُ بِالْقِلَّةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِوَضِ فَإِنَّهُ أَغْلَى مِنْ جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  بِمَا اسْتُحْفِظُوا اسْتُوْدِعُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْآيَةَ ثَبَتَ هَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَهُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بِمَا اسْتُحْفِظُوا من كتاب الله أَيْ بِمَا اسْتُودِعُوا اسْتَحْفَظْتُهُ كَذَا اسْتَوْدَعْتُهُ إِيَّاهُ .

     قَوْلُهُ  وَقَرَأَ أَيِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الْمَذْكُورُ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِلَى آخِرِهَا رُوِّينَاهُ مَوْصُولًا فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَافِظِ الْمَعْرُوفِ بِمُرَبَّعٍ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ وَزْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سعيد هُوَ بن سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ هُوَ عِمْرَانُ الْقطَّان عَن قَتَادَة عَن الْحسن وَهُوَ بن أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَذَكَرَهُ وَمَعْنَى أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ عَهِدَ إِلَيْهِمْ .

     قَوْلُهُ  فَحَمِدَ سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَلُمْ دَاوُدَ وَلَوْلَا مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ هَذَيْنِ يَعْنِي دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَقَولُهُ لَرَأَيْتُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَرَوَيْتُ أَنَّ الْقُضَاةَ هَلَكُوا يَعْنِي لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَتَانِ الْمَاضِيَتَانِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ كَافِرٌ فَدَخَلَ فِي عُمُومِهِ الْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يَشْمَلُ الْعَامِدَ وَالْمُخْطِئَ فَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى فِي قِصَّةِ الْحَرْثِ أَنَّ الْوَعِيدَ خَاصٌّ بِالْعَامِدِ فَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ أَثْنَى عَلَى هَذَا بِعِلْمِهِ أَيْ بِسَبَبِ عِلْمِهِ أَيْ مَعْرِفَتِهِ وَفَهْمِهِ وَجْهَ الْحُكْمِ وَالْحُكْمَ بِهِ وَعَذَرَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هَذَا بِاجْتِهَادِهِ وَرُوِّينَا بَعْضَهُ فِي تَفْسِيرِ بن أَبِي حَاتِمٍ وَفِي الْمُجَالَسَةِ لِأَبِي بَكْرٍ الدِّينَوَرِيِّ وَفِي أَمَالِي الصُّولِيِّ جَمِيعًا يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ دَخَلْنَا مَعَ الْحَسَنِ عَلَى إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ اسْتُقْضِيَ قَالَ فَبَكَى إِيَاسٌ.

     وَقَالَ  يَا أَبَا سَعِيدٍ يَعْنِي الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ الْمَذْكُورَ يَقُولُونَ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ مَالَ مَعَ الْهَوَى فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ الْحَسَنُ إِنَّ فِيمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ سُلَيْمَانَ مَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا وَقَرَأَ وَدَاوُدَ وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث إِلَى قَوْله شَاهِدين قَالَ فَحَمِدَ سُلَيْمَانَ لِصَوَابِهِ وَلَمْ يَذُمَّ دَاوُدَ لِخَطَئِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ عَلَى الْحُكَّامِ عَهْدًا بِأَنْ لَا يَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا وَلَا يَتَّبِعُوا فِيهِ الْهَوَى وَلَا يَخْشَوْا فِيهِ أَحَدًا ثُمَّ تَلَا يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَليفَة إِلَى آخَرِ الْآيَةِ.

.

قُلْتُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ إِيَاسٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَلَكِنْ عِنْدَهُمُ الثَّالِثُ قَضَى بِغَيْرِ عِلْمٍ وَقَدْ جَمَعْتُ طُرُقَهُ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْأَحْكَامِ وَلَا يَنْتَظِرَ نُزُولَ الْوَحْيِ لِأَنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا وَرَدَ اجْتَهَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَضَى فِيهَا بِالْوَحْيِ مَا خَصَّ اللَّهُ سُلَيْمَانَ بِفَهْمِهَا دُونَهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ مَنْ أَجَازَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَجْتَهِدَ هَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِي اجْتِهَادِهِ فَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَذَلِكَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ وَقَدِ اتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ لَمْ يُقَرَّ عَلَى الْخَطَأِ وَأَجَابَ مَنْ مَنَعَ الِاجْتِهَادَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دَاوُدَ اجْتَهَدَ وَلَا أَخْطَأَ وَإِنَّمَا ظَاهِرُهَا أَنَّ الْوَاقِعَةَ اتَّفَقَتْ فَعُرِضَتْ عَلَى دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ فَقَضَى فِيهَا سُلَيْمَانُ لِأَنَّ اللَّهَ فَهَّمَهُ حُكْمَهَا وَلَمْ يَقْضِ فِيهَا دَاوُدُ بِشَيْءٍ وَيُرَدُّ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ النَّقْلِ فِي صُورَةِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَقَدْ تَضَمَّنَ أَثَرُ الْحَسَنِ الْمَذْكُورُ انهما جَمِيعًا حكما وَقد تعقب بن الْمُنِيرِ قَوْلَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَلَمْ يَذُمَّ دَاوُدَ بِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا لَحِقَ دَاوُدَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وعلما فَجَمَعَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَالْعِلْمِ وَمَيَّزَ سُلَيْمَانَ بِالْفَهْمِ وَهُوَ عِلْمٌ خَاصٌّ زَادَ عَلَى الْعَامِّ بِفَصْلِ الْخُصُومَةِ قَالَ وَالْأَصَحُّ فِي الْوَاقِعَةِ أَنَّ دَاوُدَ أَصَابَ الْحُكْمَ وَسُلَيْمَانَ أَرْشَدَ إِلَى الصُّلْحِ وَلَا يَخْلُو .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا أَنْ يَكُونَ عَامًّا أَوْ فِي وَاقِعَةِ الْحَرْثِ فَقَطْ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ أَثْنَى عَلَى دَاوُدَ فِيهَا بِالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ فَلَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ عُذْرِ الْمُجْتَهِدِ إِذَا أَخْطَأَ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَيْسَ حُكْمًا وَلَا عِلْمًا وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ غَيْرُ مُصِيبٍ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْوَاقِعَةِ فَلَا يَكُونُ تَعَالَى أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ بِخُصُوصِهَا عَنْ دَاوُدَ بِإِصَابَةٍ وَلَا خَطَأٍ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِتَفْهِيمِ سُلَيْمَانَ وَمَفْهُومُهُ لَقَبٌ وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ ضَعِيفٌ فَلَا يُقَالُ فَهِمَهَا سُلَيْمَانُ دُونَ دَاوُدَ وَإِنَّمَا خُصَّ سُلَيْمَانُ بِالتَّفْهِيمِ لِصِغَرِ سِنِّهِ فَيُسْتَغْرَبُ مَا يَأْتِي بِهِ.

.

قُلْتُ وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا نُقِلَ فِي الْقِصَّةِ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ كَانَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ حَمِدَ سُلَيْمَانَ أَيْ لِمُوَافَقَتِهِ الطَّرِيقَ الْأَرْجَحَ وَلَمْ يَذُمَّ دَاوُدَ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الطَّرِيقِ الرَّاجِحِ وَقَدْ وَقَعَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرِيبٌ مِمَّا وَقَعَ لِسُلَيْمَانَ وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ مَاتَ وَخَلَّفَ مَالًا لَهُ نَمَاءٌ وَدُيُونًا فَأَرَادَ أَصْحَابُ الدُّيُونِ بَيْعَ الْمَالِ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ لَهُمْ فَاسْتَرْضَاهُمْ عُمَرُ بِأَنْ يُؤَخِّرُوا التَّقَاضِيَ حَتَّى يَقْبِضُوا دُيُونَهُمْ مِنَ النَّمَاءِ وَيَتَوَفَّرَ لِأَيْتَامِ الْمُتَوَفِّي أَصْلُ الْمَالِ فَاسْتُحْسِنَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِ وَلَوْ أَنَّ الْخُصُومَ امْتَنَعُوا لَمَا مَنَعَهُمْ مِنَ الْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُمْكِنُ تَنْزِيلُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْحَرْثِ وَالْغَنَمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ شَرْحُ الْقِصَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ فِي الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اخذ الذِّئْب بن إِحْدَاهُمَا وَاخْتِلَافُ حُكْمِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ فِي ذَلِكَ وَتَوْجِيهُ حُكْمِ دَاوُدَ بِمَا يَقْرُبُ مِمَّا ذُكِرَ هُنَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَوَقَعَتْ لَهُمَا قِصَّةٌ ثَالِثَةٌ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشُّهُودِ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي اتُّهِمَتْ بِأَنَّهَا تَحْمِلُ عَلَى نَفْسِهَا فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ بِذَلِكَ فَأَمَرَ دَاوُدُ بِرَجْمِهَا فَعَمَدَ سُلَيْمَانُ وَهُوَ غُلَامٌ فَصَوَّرَ مِثْلَ قِصَّتِهَا بَيْنَ الْغِلْمَانِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الشُّهُودِ وَامْتَحَنَهُمْ فَتَخَالَفُوا فَدَرَأَ عَنْهَا وَوَقَعَتْ لَهُمَا رَابِعَةٌ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي صُبَّ فِي دُبُرِهَا مَاءُ الْبَيْضِ وَهِيَ نَائِمَةٌ وَقِيلَ إِنَّهَا زَنَتْ فَأَمَرَ دَاوُدُ بِرَجْمِهَا فَقَالَ سُلَيْمَانُ يُشْوَى ذَلِكَ الْمَاءُ فَإِنِ اجْتَمَعَ فَهُوَ بَيْضٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَنِيٌّ فَشُوِيَ فَاجْتَمَعَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كَانَ حَرْثُهُمْ عِنَبًا نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ أَيْ رَعَتْ لَيْلًا فَقَضَى دَاوُدُ بِالْغَنَمِ لَهُمْ فَمَرُّوا عَلَى سُلَيْمَانَ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ سُلَيْمَانُ لَا وَلَكِنْ أَقْضِي بَيْنَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْغَنَمَ فَيَكُونَ لَهُمْ لَبَنُهَا وَصُوفُهَا وَمَنْفَعَتُهَا وَيَقُومُ هَؤُلَاءِ عَلَى حَرْثِهِمْ حَتَّى إِذَا عَادَ كَمَا كَانَ رَدُّوا عَلَيْهِمْ غَنَمَهُمْ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَيِّنٌ فَقَالَ فِيهِ عَنْ مَسْرُوق عَن بن مَسْعُود وَأخرجه بن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن بن مَسْعُودٍ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَضَى دَاوُدُ أَنْ يَأْخُذُوا الْغَنَمَ فَفَهَّمَهَا اللَّهُ سُلَيْمَانَ فَقَالَ خُذُوا الْغَنَمَ فَلَكُمْ مَا خَرَجَ مِنْ رَسَلِهَا وَأَوْلَادِهَا وَصُوفِهَا إِلَى الْحَوْلِ وَأَخْرَجَ عبد بن حميد من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ أَعْطَاهُمْ دَاوُدُ رِقَابَ الْغَنَمِ بِالْحَرْثِ فَحَكَمَ سُلَيْمَانُ بِجِزَّةِ الْغَنَمِ وَأَلْبَانِهَا لِأَهْلِ الْحَرْثِ وَعَلَيْهِمْ رِعَايَتُهَا وَيَحْرُثُ لَهُمْ أَهْلُ الْغَنَمِ حَتَّى يَكُونَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ أُكِلَ ثُمَّ يُدْفَعُ لِأَهْلِهِ وَيَأْخُذُونَ غَنَمَهُمْ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ الْقِصَّةَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِزيد عَن خَليفَة عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ ذُكِرَ لَنَا فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنْ عَطِيَّة عَن بن عَبَّاسٍ وَلَكِنْ قَالَ فِيهَا قَالَ سُلَيْمَانُ إِنَّ الْحَرْثَ لَا يَخْفَى عَلَى صَاحِبِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ كُلَّ عَامٍ فَلَهُ مِنْ صَاحِبِ الْغَنَمِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَوْلَادِهَا وَصُوفِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَ حَرْثِهِ فَقَالَ دَاوُدُ قَدْ أَصَبْتَ وَأَخْرَجَ بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قيس نَحْو الأول قَالَ بن التِّينِ قِيلَ عَلِمَ سُلَيْمَانُ أَنَّ قِيمَةَ مَا أَفْسَدَتِ الْغَنَمُ مِثْلُ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِمْ مِنْ لَبَنِهَا وَصُوفِهَا.

     وَقَالَ  أَيْضًا وَرَدَ فِي قِصَّةِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ الَّتِي أَفْسَدَتْ فِي حَائِطٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَأَنَّ الَّذِي أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَمَانُهُ عَلَى أَهْلِهَا أَيْ ضَمَانُ قِيمَتِهِ هَذَا خِلَافُ شَرْعِ سُلَيْمَانَ قَالَ فَلَوْ تَرَاضَيَا بِالدَّفْعِ عَنْ قِيمَةِ مَا أَفْسَدَتْ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَعْرِفَا الْقِيمَةَ.

.

قُلْتُ وَرِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً تَرْفَعُ الاشكال والا فَالْجَوَاب مَا نقل بن التِّينِ أَوَّلًا وَلَا يَكُونُ بَيْنَ الشَّرْعَيْنِ مُخَالَفَةٌ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مُزَاحِمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الزَّايِ وَبعد الْألف حاء مُهْملَة بن زُفَرَ بِزَايٍ وَفَاءٍ وَزْنُ عُمَرَ هُوَ الْكُوفِيُّ وَيُقَالُ مُزَاحِمُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ ثِقَةٌ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيِ الْخَلِيفَةُ الْمَشْهُورُ الْعَادِلُ .

     قَوْلُهُ  خَمْسٌ إِذَا أَخْطَأَ الْقَاضِي مِنْهُنَّ خُطَّةً بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَهُ عَنْهُ خَصْلَةً بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ وَهُمَا بِمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  وَصْمَةٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ عَيْبًا .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرٌ لِحَالِ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  فَهِمًا بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهُوَ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الْهَاءِ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فَقِيهًا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ خَصْلَةَ الْفِقْهِ دَاخِلَةٌ فِي خَصْلَةِ الْعِلْمِ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ بَعْدُ .

     قَوْلُهُ  حَلِيمًا أَيْ يُغْضِي عَلَى مَنْ يُؤْذِيهِ وَلَا يُبَادِرُ إِلَى الِانْتِقَامِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَلِيبًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالثَّانِي فِي حَقِّ غَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  عَفِيفًا أَيْ يَعِفُّ عَنِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ إِذا كَانَ عَالِمًا وَلَمْ يَكُنْ عَفِيفًا كَانَ ضَرَرُهُ أَشَدَّ مِنْ ضَرَرِ الْجَاهِلِ .

     قَوْلُهُ  صَلِيبًا بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مِنَ الصَّلَابَةِ بِوَزْنِ عَظِيمٍ أَيْ قَوِيًّا شَدِيدًا يَقِفُ عِنْدَ الْحَقِّ وَلَا يَمِيلُ مَعَ الْهَوَى وَيَسْتَخْلِصُ حَقَّ الْمُحِقِّ مِنَ الْمُبْطِلِ وَلَا يُحَابِيهِ .

     قَوْلُهُ  عَالِمًا سَئُولًا عَنِ الْعِلْمِ هِيَ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَيْ يَكُونُ مَعَ مَا يَسْتَحْضِرُهُ مِنَ الْعِلْمِ مُذَاكِرًا لَهُ غَيْرُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِمَّا عِنْدَهُ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي السُّنَنِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ عَفَّانَ كِلَاهُمَا قَالَ حَدَّثَنَا مُزَاحِمُ بْنُ زُفَرَ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي خِلَافَتِهِ وَفْدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَسَأَلَنَا عَنْ بِلَادِنَا وَقَاضِينَا وَأَمْرِهِ.

     وَقَالَ  خَمْسٌ إِذَا أَخْطَأَ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِلَفْظٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ هُوَ أَحْمَدُ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ عَفِيفٌ حَلِيمٌ عَالِمٌ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ يَسْتَشِيرُ ذَوِي الرَّأْيِ لَا يُبَالِي بِمَلَامَةِ النَّاسِ وَجَاءَ فِي اسْتِحْبَابِ الِاسْتِشَارَةِ آثَارٌ جِيَادٌ وَأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْوَثِيقَةِ مِنَ الْقَضَاءِ فَلْيَأْخُذْ بِقَضَاءِ عُمَرَ فَإِنَّهُ كَانَ يَسْتَشِيرُ( قَولُهُ بَابُ رِزْقِ الْحَاكِمِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ وَالرِّزْقُ مَا يُرَتِّبُهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

     وَقَالَ  الْمُطَرِّزِيُّ الرِّزْقُ مَا يُخْرِجُهُ الْإِمَامُ كُلَّ شَهْرٍ لِلْمُرْتَزِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالعطَاء مَا يُخرجهُ كل عَامٌّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا عَطْفًا عَلَى الْحَاكِمِ أَيْ وَرِزْقُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الْحُكُومَاتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَوْرَدَ الْجُمْلَةَ عَلَى الْحِكَايَةِ يُرِيدُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ بِآيَةِ الصَّدَقَاتِ وَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا لِعَطْفِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بَعْدَ قَوْله انما الصَّدقَات قَالَ الطَّبَرِيُّ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ الْقَاضِي الْأُجْرَةَ عَلَى الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ يَشْغَلُهُ الْحُكْمُ عَنِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ غَيْرَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ السَّلَفِ كَرِهَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يُحَرِّمُوهُ مَعَ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  أَبُو عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ لَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ الرِّزْقَ عَلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافًا وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْهُمْ مَسْرُوقٌ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ حَرَّمَهُ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ وَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِسَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجرا فَأَرَادُوا أَنْ يَجْرِيَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ وَلِئَلَّا يَدْخُلَ فِيهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَيَتَحَيَّلَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى الْقَضَاءِ إِذَا كَانَتْ جِهَةُ الْأَخْذِ مِنَ الْحَلَالِ جَائِزًا إِجْمَاعًا وَمَنْ تَرَكَهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ تَوَرُّعًا.

.
وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ فَالْأَوْلَى التَّرْكُ جَزْمًا وَيَحْرُمُ إِذَا كَانَ الْمَالُ يُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ وَاخْتُلِفَ إِذَا كَانَ الْغَالِبُ حَرَامًا.

.
وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ فَفِي جَوَازِ الْأَخْذِ مِنَ الْمُتَحَاكِمَيْنِ خِلَافٌ وَمَنْ أَجَازَهُ شَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا لَا بُدَّ مِنْهَا وَقَدْ جَرَّ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ إِلَى إِلْغَاءِ الشُّرُوطِ وَفَشَا ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ بِحَيْثُ تَعَذَّرَ إِزَالَةُ ذَلِكَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا هُوَ شُرَيْحُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِي الْكُوفَةِ وَلَّاهُ عُمَرُ ثُمَّ قَضَى لِمَنْ بَعْدَهُ بِالْكُوفَةِ دَهْرًا طَويلاوَلَهُ مَعَ عَلِيٍّ أَخْبَارٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ وَيُقَالُ إِنَّ لَهُ صُحْبَةً مَاتَ قَبْلَ الثَّمَانِينَ وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ مَجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ بِلَفْظِ كَانَ مَسْرُوقٌ لَا يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْخُذُ .

     قَوْلُهُ  .

     .

     وَقَالَتْ  
عَائِشَةُ يَأْكُل الْوَصِيّ بِقدر عمالته قلت وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ قَالَتْ أَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ يَقُومُ عَلَيْهِ بِمَا يُصْلِحُهُ إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَمَّا أَثَرُ أَبِي بَكْرٍ فَوَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ قَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزْ عَنْ مُؤْنَةِ أَهْلِي وَقَدْ شُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قِصَّةُ عُمَرَ وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبُيُوعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَبَقِيَّتُهُ فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا وَلِيَ أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنَ الْمَالِ وَاحْتَرَفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ واما أثر عمر فوصله بن أبي شيبَة وبن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَالَ قَالَ عُمَرُ إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ قَيِّمِ الْيَتِيمِ إِنِ اسْتَغْنَيْتُ عَنْهُ تَرَكْتُ وَإِنِ افْتَقَرْتُ إِلَيْهِ أَكَلْتُ بِالْمَعْرُوفِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَ الْكَرَابِيسِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْأَحْنَفِ قَالَ كُنَّا بِبَابِ عُمَرَ فَذَكَرَ قِصَّةً وَفِيهَا فَقَالَ عُمَرُ أَنَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَسْتَحِلُّ مَا أَحُجُّ عَلَيْهِ وَأَعْتَمِرُ وَحُلَّتَيِ الشِّتَاءِ وَالْقَيْظِ وَقُوتِي وَقُوتُ عِيَالِي كَرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَيْسَ بِأَعْلَاهُمْ وَلَا أَسْفَلَهُمْ وَرَخَّصَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يُعْجِبُنِي وَإِنْ كَانَ فَبِقَدْرِ عَمَلِهِ مِثْلُ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ الْمَخْتُومِ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْمَحْكُومِ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ كَافٍ أَيِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَسَقَطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لِابْنِ بَطَّالٍ وَمُرَادُهُ هَلْ تَصِحُّ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ أَيْ بِأَنَّهُ خَطُّ فُلَانٍ وَقَيَّدَ بِالْمَخْتُومِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى عَدَمِ التَّزْوِيرِ عَلَى الْخَطِّ .

     قَوْلُهُ  وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَضِيقُ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى التَّعْمِيمِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا بَلْ لَا يُمْنَعُ ذَلِكَ مُطْلَقًا فَتَضِيعُ الْحُقُوقُ وَلَا يُعْمَلُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا فَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ التَّزْوِيرُ فَيَكُونُ جَائِزًا بِشُرُوطٍ .

     قَوْلُهُ  وَكِتَابُ الْحَاكِمِ إِلَى عَامِلِهِ وَالْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي يُشِيرُ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ وَلم يجزها فِي كتاب القَاضِي وَكتاب الْحَاكِمِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَنْ قَالَهُ وَالْبَحْثُ مَعَهُ فِيهِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  بَعْضُ النَّاسِ كِتَابُ الْحَاكِمِ جَائِزٌ إِلَّا فِي الْحُدُودِ ثُمَّ قَالَ إِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ هَذَا مَالٌ بِزَعْمِهِ وَإِنَّمَا صَارَ مَالًا بَعْدَ أَنْ ثَبت الْقَتْل قَالَ بن بَطَّالٍ حُجَّةُ الْبُخَارِيِّ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَاضِحَةٌ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُجِزِ الْكِتَابَ بِالْقَتْلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا بَعْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْعَمْدُ أَيْضًا رُبَّمَا آلَ إِلَى الْمَالِ فَاقْتَضَى النَّظَرُ التَّسْوِيَةَ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عَامِلِهِ فِي الْحُدُودِ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَالْكُشْمِيهَنِيِّ فِي الْجَارُودِ بِجِيمٍ خَفِيفَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ رَاءٌ مَضْمُومَةٌ وَهُوَ بن الْمُعَلَّى وَيُقَال بن عَمْرِو بْنِ الْمُعَلَّى الْعَبْدِيُّ وَيُقَالُ كَانَ اسْمُهُ بِشْرًا وَالْجَارُودُ لَقَبُهُ وَكَانَ الْجَارُودُ الْمَذْكُورُ قَدْ أَسْلَمَ وَصَحِبَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ فَكَانَ بِهَا وَلَهُ قِصَّةٌ مَعَ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ عَامِلِ عُمَرَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ أَخْرَجَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ اسْتَعْمَلَ عُمَرُ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ فَقَدِمَ الْجَارُودُ سَيِّدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ إِنَّ قُدَامَةَ شَرِبَ فَسَكِرَ فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى قُدَامَةَ فِي ذَلِكَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا فِي قُدُومِ قُدَامَةَ وَشَهَادَةِ الْجَارُودِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ وَفِي احْتِجَاجِ قُدَامَةَ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ وَفِي رَدِّ عُمَرَ عَلَيْهِ وَجَلْدِهِ الْحَدَّ وَسَنَدُهَا صَحِيحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْحُدُودِ وَنُزُولِ الْجَارُودِ الْبَصْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاسْتُشْهِدَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ سَنَةَ عِشْرِينَ .

     قَوْلُهُ  وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سِنٍّ كُسِرَتْ وَصَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ زُرَيْقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كِتَابًا أَجَازَ فِيهِ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى سِنٍّ كُسِرَتْ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي جَائِزٌ إِذَا عُرِفَ الْكتاب والخاتم وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنِ عُبَيْدَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يُجِيزُ الْكِتَابَ الْمَخْتُومَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقَاضِي وَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ أَبِي عَزَّةَ قَالَ كَانَ عَامِرٌ يَعْنِي الشَّعْبِيَّ يُجِيزُ الْكِتَابَ الْمَخْتُومَ يَجِيئُهُ مِنَ الْقَاضِي وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ لَا يَشْهَدُ وَلَوْ عَرَفَ الْكِتَابَ وَالْخَاتَمَ حَتَّى يَذْكُرَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ إِذَا كَانَ مِنَ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي وَالثَّانِي فِي حَقِّ الشَّاهِدِ .

     قَوْلُهُ  وَيُرْوَى عَنِ بن عُمَرَ نَحْوُهُ.

.

قُلْتُ لَمْ يَقَعْ لِي هَذَا الْأَثر عَن بن عُمَرَ إِلَى الْآنَ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الثَّقَفِيُّ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالضَّالِّ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَلَامٍ ثَقِيلَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ ضَلَّ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سعيد الْمصْرِيّ وَوَثَّقَهُ احْمَد وبن مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَكَانَ مُعَمِّرًا أَدْرَكَ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ وَقَدْ وَصَلَ أَثَرَهُ هَذَا وَكِيعٌ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  شَهِدْتُ أَيْ حَضَرْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ هُوَ اللَّيْثِيُّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ هُبَيْرَةَ وَلَّاهُ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ لَمَّا وَلِيَ إِمَارَتَهَا مِنْ قِبَلِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْبَصْرَةِ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ مَاتَ وَهُوَ على الْقَضَاء وأرخه بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ سَنَةَ مِائَةٍ فَوَهِمَ وَذَكَرَ بن سَعْدٍ أَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا قَبْلَ الْحَسَنِ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالصَّوَابُ بَعْدَ الْحَسَنِ وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ هُوَ الْمُعْتَمد وان بن هُبَيْرَةَ هُوَ الَّذِي وَلَّاهُ وَمَاتَ عَلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمِائَةِ بِسَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَيُقَالُ بَلْ عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَعَزَلَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ وَوَلَّى ثُمَامَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ .

     قَوْلُهُ  وَإِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ هُوَ الْمُزَنِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالذَّكَاءِ وَكَانَ قَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَّاهُ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ عَامِلُ عُمَرَ عَلَيْهَا بَعْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ وَلَهُ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْكَرَابِيسِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَائِشَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَيْسِيُّ قَالَ قَالُوا لِإِيَاسٍ لَمَّا امْتَنَعَ مِنَ الْوِلَايَةِ يَا أَبَا وَاثِلَةَ اخْتَرْ لَنَا قَالَ لَا أَتَقَلَّدُ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ لَوْ وَجَدْتَ رَجُلًا تَرْضَاهُ أَكُنْتَ تُشِيرُ بِهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ وَتَرْضَى لَهُ أَنْ يَلِيَ إِذَا كَانَ رِضًا قَالَ نَعَمْ قِيلَ لَهُ فَإِنَّكَ خِيَارٌ رِضًا فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى وَلِيَ.

.

قُلْتُ ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فَرَكِبَ إِيَاسٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَبَادَرَ عَدِيٌّ فَوَلَّى الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ الْقَضَاءَ فَكَتَبَ عُمَرُ يُنْكِرُ عَلَى عَدِيٍّ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ إِيَاسٌ وَيُوَفِّقُ صُنْعَهُ فِي تَوْلِيَةِ الْحَسَنِ الْقَضَاءَ ذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ وَمَاتَ إِيَاسٌ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ .

     قَوْلُهُ  وَالْحَسَنَ هُوَ بن أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ وَكَانَ وَلِيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ مُدَّةً لَطِيفَةً وَلَّاهُ عَدِيٌّ أَمِيرُهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَمَاتَ الْحَسَنُ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ .

     قَوْلُهُ  وَثُمَامَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ هُوَ الرَّاوِي الْمَشْهُورُ وَكَانَ تَابِعِيًّا ثِقَةً نَابَ فِي الْقَضَاءِ بِالْبَصْرَةِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَّاهُ خَالِدٌ الْقَسْرِيُّ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ وَعَزَلَهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَوَلَّى بِلَالَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ وَمَاتَ ثُمَامَةُ بَعْدَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَبِلَالَ بْنَ أبي بردة أَي بن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَكَانَ صَدِيقَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ فَوَلَّاهُ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ لَمَّا وَلِيَ إِمْرَتَهَا مِنْ قِبَلِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَضَمَّ إِلَيْهِ الشُّرُطَةَ فَكَانَ أَمِيرًا قَاضِيًا وَلَمْ يَزَلْ قَاضِيًا إِلَى أَنْ قَتَلَهُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ لَمَّا وَلِيَ الْإِمْرَةَ بَعْدَ خَالِدٍ وَعَذَّبَ خَالِدًا وَعُمَّالَهُ وَمِنْهُمْ بِلَالٌ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَيُقَالُ إِنَّهُ مَاتَ فِي حَبْسِ يُوسُفَ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا وَلَمْ يَكُنْ مَحْمُودًا فِي أَحْكَامِهِ وَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَخْتَصِمَانِ إِلَيَّ فَأَجِدُ أَحَدَهُمَا أَخَفَّ عَلَى قَلْبِي فَأَقْضِي لَهُ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ .

     قَوْلُهُ  وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيَّ هُوَ التَّابِعِيُّ الْمَشْهُورُ وَكَانَ وَلِيَ قَضَاءَ مَرْوَ بَعْدَ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ إِلَى أَنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَى قَضَائِهَا سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَذَلِكَ فِي وِلَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ عَلَى خُرَاسَانَ وَهُوَ أَخُو خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْخَصِيبِ هَذَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ .

     قَوْلُهُ  وَعَامِرَ بْنَ عَبْدَةَ هُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقيل بسكونها ذكره بن مَاكُولَا بِالْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا عَبِيدَةُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ وَجَمِيعُ مَنْ فِي الْبُخَارِيِّ بِالسُّكُونِ إِلَّا بَجَالَةَ بْنَ عَبَدَةَ الْمُقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ بِالتَّحْرِيكِ وَعَامِرٌ هُوَ البَجلِيّ أَبُو إِيَاس الْكُوفِي وَوَثَّقَهُ بن مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مِنْ قُدَمَاءِ التَّابِعِينَ لَهُ رِوَايَة عَن بن مَسْعُودٍ وَرَوَى عَنْهُ الْمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَكَانَ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ مَرَّةً وَعَمَّرَ .

     قَوْلُهُ  وَعَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ أَي النَّاجِي بِالنُّونِ وَالْجِيمِ يُكْنَى أَبَا سَلَمَةَ بَصْرِيٌّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلِيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ وَذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا وَلِيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَلَّاهُ يَزِيدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ فَلَمَّا عُزِلَ وَوَلِيَ مُسْلِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ عَزَلَهُ وَوَلَّى مُعَاوِيَةَ بْنَ عَمْرٍو ثُمَّ اسْتَعْفَى فَأَعْفَاهُ مُسْلِمٌ وَأَعَادَ عَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ وَكَانَ عَبَّادٌ يُرْمَى بِالْقَدَرِ وَيُدَلِّسُ فَضَعَّفُوهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَيُقَالُ إِنَّهُ تَغَيَّرَ وَحَدِيثُهُ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَعَلَّقَ لَهُ الْبُخَارِيُّ شَيْئًا وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ .

     قَوْلُهُ  يُجِيزُونَ كُتُبَ الْقُضَاةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ إِلَخْ يَعْنِي قَوْلَهُ فَالْتَمِسِ الْمَخْرَجَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ جِيمٌ أَطْلُبُ الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ إِمَّا بِالْقَدْحِ فِي الْبَيِّنَةِ بِمَا يُقْبَلُ فَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ وَإِمَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنَ الْمَشْهُودِ بِهِ .

     قَوْلُهُ  وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ على كتاب القَاضِي الْبَيِّنَة بن أَبِي لَيْلَى هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَاضِي الْكُوفَةِ وَإِمَامُهَا وَلِيَهَا فِي زَمَنِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ الثَّقَفِيِّ فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ صَدُوقٌ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِهِ مِنْ قِبَلِ سُوءِ حِفْظِهِ.

     وَقَالَ  السَّاجِيُّ كَانَ يُمْدَحُ فِي قَضَائِهِ فَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلَيْسَ بِحجَّة.

     وَقَالَ  احْمَد فقه بن أَبِي لَيْلَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَدِيثِهِ وَحَدِيثُهُ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَأَغْفَلَ الْمِزِّيُّ أَنْ يُعَلِّمَ لَهُ فِي التَّهْذِيبِ عَلَامَةَ تَعْلِيقِ الْبُخَارِيِّ كَمَا أَغْفَلَ أَنْ يُتَرْجِمَ لِسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ أَصْلًا مَعَ أَنَّهُ أَعْلَمُ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ هُنَا مِمَّنْ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ شَيْئًا مَوْصُولًا .

     قَوْلُهُ  وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَهُوَ الْعَنْبَرِيُّ نِسْبَةً إِلَى بَنِي الْعَنْبَرِ من بني تَمِيم قَالَ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَانَ فَقِيهًا وَلَّاهُ الْمَنْصُورُ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فَبَقِيَ عَلَى قَضَائِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَحَفِيدُهُ سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَلِيَ قَضَاءَ الرُّصَافَةِ بِبَغْدَادَ وَالْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ وَحَدِيثُهُ فِي السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ بن مُحْرِزٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ هُوَ كُوفِيٌّ مَا رَأَيْتُ لَهُ رَاوِيًا غَيْرَ أَبِي نُعَيْمٍ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْأَثَرِ وَلَمْ يَزِدِ الْمِزِّيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْأَثَرُ .

     قَوْلُهُ  جِئْتُ بِكِتَابٍ مِنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ قَاضِي الْبَصْرَة أَي بن مَالِكٍ التَّابِعِيِّ الْمَشْهُورِ وَكَانَ وَلِيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ فِي وِلَايَةِ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ الثَّقَفِيِّ وَهُوَ ثِقَة حَدِيثه فِي الْكتب السِّتَّة.

     وَقَالَ  بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ مَاتَ بَعْدَ أَخِيهِ النَّضْرِ بِالْبَصْرَةِ وَكَانَتْ وَفَاةُ النَّضْرِ قَبْلَ وَفَاةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَمِائَةٍ .

     قَوْلُهُ  فَجِئْتُ بِهِ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيِ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَسْعُودِيَّ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.

     وَقَالَ  الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ وَكَانَ عَلَى قَضَاءِ الْكُوفَةِ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ لَا يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا وَكَانَ ثِقَة صَالحا وَهُوَ تَابِعِيّ قَالَ بن الْمَدِينِيِّ لَمْ يَلْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ وَيُقَالُ إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ .

     قَوْلُهُ  فَأَجَازَهُ بِجِيمٍ وَزَايٍ أَيْ أَمْضَاهُ وَعَمِلَ بِهِ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ يُشْتَرَطُ فِي قَوْلِ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى أَنْ يَشْهَدَ بِكِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي شَاهِدَانِ عَدْلَانِ وَلَا تَكْفِي مَعْرِفَةُ خَطِّ الْقَاضِي وَخَتْمِهِ وَحَكَى عَنِ الْحَسَنِ وَسَوَّارٍ وَالْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا إِذَا كَانَ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَخَتْمَهُ قَبِلَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ.

.

قُلْتُ وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَوَّارٍ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ الْبَيِّنَةَ وَيَنْضَمُّ إِلَى مَنْ ذَكَرَهُمُ بن قُدَامَةَ سَائِرُ مَنْ ذَكَرَهُمُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قُضَاةِ الْأَمْصَارِ مِنَ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَكَرِهَ الْحَسَنُ هُوَ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو قِلَابَةَ هُوَ الْجَرْمِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَشْهَدَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ أَيِ الشَّاهِدُ .

     قَوْلُهُ  عَلَى وَصِيَّةٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا فِيهَا أَمَّا أَثَرُ الْحَسَنِ فَوَصَلَهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بن حسان عَنْهُ قَالَ لَا تَشْهَدْ عَلَى وَصِيَّةٍ حَتَّى تُقْرَأَ عَلَيْكَ وَلَا تَشْهَدْ عَلَى مَنْ لَا تَعْرِفُ وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوَهُ.

.
وَأَمَّا أثر أبي قلَابَة فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ جَمِيعًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ اشْهَدُوا عَلَى مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ لَا حَتَّى يُعْلَمَ مَا فِيهَا زَادَ يَعْقُوبُ.

     وَقَالَ  لَعَلَّ فِيهَا جَوْرًا وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ بَيَانُ السَّبَبِ فِي الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ وَافَقَ الدَّاوُدِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ هَذَا الْقَوْلَ فَقَالَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عَلَى وَصِيَّةٍ حَتَّى يعرف مَا فِيهَا وَتعقبه بن التِّينِ بِأَنَّهَا إِذَا كَانَ فِيهَا جَوْرٌ لَمْ يَمْنَعِ التَّحَمُّلَ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَادِرٌ عَلَى رَدِّهِ إِذَا أَوْجَبَ حُكْمُ الشَّرْعِ رَدَّهُ وَمَا عَدَاهُ يَعْمَلُ بِهِ فَلَيْسَ خَشْيَةُ الْجَوْرِ فِيهَا مَانِعًا مِنَ التَّحَمُّلِ وَإِنَّمَا الْمَانِعُ الْجَهْلُ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ قَالَ وَوَجْهُ الْجَوْرِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَرْغَبُ فِي إِخْفَاءِ أَمْرِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَمُوتَ فَيَحْتَاطُ بِالْإِشْهَادِ وَيَكُونُ حَالُهُ مُسْتَمِرًّا عَلَى الْإِخْفَاءِ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ إِلَخْ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي قِصَّةِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَقَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ بِخَيْبَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي الدِّيَاتِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ وَيَأْتِي بِهَذَا اللَّفْظِ فِي بَابِ كِتَابَةِ الْحَاكِمِ إِلَى عُمَّالِهِ بَعْدَ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ بَابًا .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الزُّهْرِيُّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنَ السِّتْرِ أَيْ مِنْ وَرَائِهِ .

     قَوْلُهُ  إِنْ عَرَفْتَهَا فَاشْهَدْ وَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِنَحْوِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَرَاهَا حَالَةَ الْإِشْهَادِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَهَا بِأَيِّ طَرِيقٍ فُرِضَ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ أُشِيرُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ

[ قــ :6780 ... غــ :7162] .

     قَوْلُهُ  لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ الطَّوِيلِ الْمُذْكُورِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ .

     قَوْلُهُ  قَالُوا إِنَّهُمْ لَا يقرؤون كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا لَمْ أَعْرِفِ اسْمَ الْقَائِلِ بِعَيْنِهِ .

     قَوْلُهُ  فَاتَّخَذَ خَاتَمًا إِلَخْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ اللِّبَاسِ وَجُمْلَةُ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ بِآثَارِهَا ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ وَكِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ جَوَازُ جَمِيعِ ذَلِكَ فَأَمَّا الْحُكْمُ الْأَوَّلُ فَقَالَ بن بَطَّالٍ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ لِلشَّاهِدِ إِذَا رَأَى خَطَّهُ إِلَّا إِذَا تَذَكَّرَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ فَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا فَلَا يَشْهَدْ فَإِنَّهُ مَنْ شَاءَ انْتَقَشَ خَاتَمًا وَمَنْ شَاءَ كَتَبَ كِتَابًا وَقَدْ فُعِلَ مِثْلُهُ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ فِي قِصَّةٍ مَذْكُورَةٍ فِي سَبَبِ قَتْلِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ وَأَجَازَ مَالك الشَّهَادَة على الْخط وَنقل بن شعْبَان عَن بن وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ لَا آخُذُ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ خَالَفَ مَالِكًا جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ وَعَدُّوا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ شُذُوذًا لِأَنَّ الْخَطَّ قَدْ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَلَيْسَتْ شَهَادَةً عَلَى قَوْلٍ مِنْهُ وَلَا مُعَايَنَةً.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ خَطَأٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ رَأَيْتُ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ قَذَفَ لَا يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِهِ إِلَّا إِنْ أَشْهَدَهُ قَالَ فَالْخَطُّ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا وَأَضْعَفُ قَالَ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِشْهَادُ الْمَوْتَى.

     وَقَالَ  مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُقْضَى فِي دَهْرِنَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا ضُرُوبًا مِنَ الْفُجُورِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقَضِيَةٌ عَلَى نَحْوِ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الْفُجُورِ وَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِيمَا مَضَى يُجِيزُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي ثُمَّ رَأَى مَالِكٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَهَذِهِ أَقْوَال جمَاعَة مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ تُوَافِقُ الْجُمْهُورَ.

     وَقَالَ  أَبُو عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لَهُ أَجَازَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ قَوْمٌ لَا نَظَرَ لَهُمْ فَإِنَّ الْكُتَّابَ يُشَبِّهُونَ الْخَطَّ بِالْخَطِّ حَتَّى يُشْكِلَ ذَلِكَ عَلَى أَعْلَمِهِمْ انْتَهَى وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ فَكَيْفَ بِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ وَهُمْ أَكْثَرُ مُسَارَعَةً إِلَى الشَّرِّ مِمَّنْ مَضَى وَأَدَقُّ نَظَرًا فِيهِ وَأَكْثَرُ هُجُومًا عَلَيْهِ.

.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّانِي فَقَالَ بن بَطَّالٍ اخْتَلَفُوا فِي كُتُبِ الْقُضَاةِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْجَوَازِ وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الْحُدُودَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَالًا إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ عَنِ الْقُضَاةِ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْ إِجَازَةِ ذَلِكَ حُجَّتُهُمْ فِيهِ ظَاهِرَةٌ مِنَ الْحَدِيثِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى الْمُلُوكِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَشْهَدَ أَحَدًا عَلَى كِتَابِهِ قَالَ ثُمَّ أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سوار وبن أَبِي لَيْلَى مِنَ اشْتِرَاطِ الشُّهُودِ لِمَا دَخَلَ النَّاسُ مِنَ الْفَسَادِ فَاحْتِيطَ لِلدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ إِجَازَةُ الْخَوَاتِيمِ حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ لَيَكْتُبُ لِلرَّجُلِ الْكِتَابَ فَمَا يَزِيدُ عَلَى خَتْمِهِ فَيُعْمَلُ بِهِ حَتَّى اتُّهِمُوا فَصَارَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ.

.
وَأَمَّا الحكم الثَّالِث فَقَالَ بن بَطَّالٍ اخْتَلَفُوا إِذَا أَشْهَدَ الْقَاضِي شَاهِدَيْنِ عَلَى مَا كَتَبَهُ وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمَا وَلَا عَرَّفَهُمَا بِمَا فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا شَهِدنَا الا بِمَا علمنَا قَالَ وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كِتَابُهُ فَالْغَرَضُ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إِلَيْهِ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إِلَيْهِ وَقَدْ يَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ أُمُور النَّاس مَا لَا يحب أَنْ يَعْلَمَهُ كُلُّ أَحَدٍ كَالْوَصِيَّةِ إِذَا ذَكَرَ الْمُوصِي مَا فَرَّطَ فِيهِ مَثَلًا قَالَ وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ أَيْضًا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى الْوَصِيَّةِ الْمَخْتُومَةِ وَعَلَى الْكِتَابِ الْمَطْوِيِّ وَيَقُولَانِ لِلْحَاكِمِ نَشْهَدُ عَلَى إِقْرَارِهِ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُمَّالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَهَا عَلَى مَنْ حَمَلَهَا وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالسُّنَنِ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ يُسْتَفَادُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ الْكِتَابَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا فَالْحُجَّةُ بِمَا فِيهِ قَائِمَةٌ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِمْ وَإِنَّمَا اتَّخَذَ الْخَاتَمَ لِقَوْلِهِمْ إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الْكِتَابَ إِلَّا إِذَا كَانَ مَخْتُومًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي حُجَّةٌ مَخْتُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَخْتُومٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْحُكْمِ بِالْخَطِّ الْمُجَرَّدِ كَأَنْ يَرَى الْقَاضِي خَطَّهُ بِالْحُكْمِ فَيَطْلُبُ مِنْهُ الْمَحْكُومُ لَهُ الْعَمَلَ بِهِ فَالْأَكْثَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الْوَاقِعَةَ كَمَا فِي الشَّاهِدِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ إِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِي حِرْزِ الْحَاكِمِ أَوِ الشَّاهِدِ مُنْذُ حُكِمَ فِيهِ أَوْ تَحَمَّلَ إِلَى أَنْ طُلِبَ مِنْهُ الْحُكْمُ أَوِ الشَّهَادَةُ جَازَ وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إِذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ سَاغَ لَهُ الْحُكْمُ وَالشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَالْأَوْسَطُ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ رَجَّحَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ بن الْمُنِيرِ لَمْ يَتَعَرَّضِ الشَّارِحُ لِمَقْصُودِ الْبَابِ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ اسْتَدَلَّ عَلَى الْخَطِّ بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرُّومِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ مَضْمُونَ الْكِتَابِ دُعَاؤُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ أَمْرٌ قَدِ اشْتَهَرَ لِثُبُوتِ الْمُعْجِزَةِ وَالْقَطْعِ بِصِدْقِهِ فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُمْ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ إِنَّمَا يُفِيدُ ظَنًّا وَالْإِسْلَامُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالظَّنِّ إِجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ حَصَلَ بِمَضْمُونِ الْخَطِّ مَقْرُونًا بِالتَّوَاتُرِ السَّابِقِ عَلَى الْكِتَابِ فَكَانَ الْكِتَابُ كَالتَّذْكِرَةِ وَالتَّوْكِيدِ فِي الْإِنْذَارِ مَعَ أَنَّ حَامِلَ الْكِتَابِ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اطَّلَعَ عَلَى مَا فِيهِ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْعُمْدَةَ عَلَى أَمْرِهِ الْمَعْلُومِ مَعَ قَرَائِنِ الْحَالِ الْمُصَاحِبَةُ لِحَامِلِ الْكِتَابِ وَمَسْأَلَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ مَفْرُوضَةٌ فِي الِاكْتِفَاءِ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ وَبَيْنَ كِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي فِي أَنَّ الْقَائِلَ بِالْأَوَّلِ أَقَلُّ مِنَ الْقَائِلِ بِالثَّانِي تَطَرُّقُ الِاحْتِمَالِ فِي الْأَوَّلِ وَنُدُورهُ فِي الثَّانِي لِبُعْدِ احْتِمَالِ التَّزْوِيرِ عَلَى الْقَاضِي وَلَا سِيَّمَا حَيْثُ تُمْكِنُ الْمُرَاجَعَةُ وَلِذَلِكَ شَاعَ الْعَمَلُ بِهِ فِيمَا بَيْنَ الْقُضَاةِ وَنُوَّابِهِمْ وَاللَّهُ أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ الْمَخْتُومِ وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَضِيقُ عَلَيْهِمْ وَكِتَابِ الْحَاكِمِ إِلَى عَامِلِهِ وَالْقَاضِى إِلَى الْقَاضِى
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كِتَابُ الْحَاكِمِ جَائِزٌ إِلاَّ فِى الْحُدُودِ ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَهْوَ جَائِزٌ لأَنَّ هَذَا مَالٌ بِزَعْمِهِ وَإِنَّمَا صَارَ مَالاً بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ فَالْخَطَأُ وَالْعَمْدُ وَاحِدٌ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عَامِلِهِ فِى الْجَارُودِ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِى سِنٍّ كُسِرَتْ،.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ: كِتَابُ الْقَاضِى إِلَى الْقَاضِى جَائِزٌ، إِذَا عَرَفَ الْكِتَابَ وَالْخَاتَمَ، وَكَانَ الشَّعْبِىُّ يُجِيزُ الْكِتَابَ الْمَخْتُومَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقَاضِى وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ،.

     وَقَالَ  مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الثَّقَفِىُّ: شَهِدْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ يَعْلَى قَاضِىَ الْبَصْرَةِ، وَإِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَسَنَ وَثُمَامَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ وَبِلاَلَ بْنَ أَبِى بُرْدَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِىَّ وَعَامِرَ بْنَ عَبِيدَةَ وَعَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ يُجِيزُونَ كُتُبَ الْقُضَاةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ فَإِنْ قَالَ: الَّذِى جِىءَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ إِنَّهُ زُورٌ قِيلَ لَهُ اذْهَبْ فَالْتَمِسِ الْمَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِى الْبَيِّنَةَ ابْنُ أَبِى لَيْلَى وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.

وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ جِئْتُ بِكِتَابٍ مِنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ قَاضِى الْبَصْرَةِ وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لِى عِنْدَ فُلاَنٍ كَذَا وَكَذَا وَهْوَ بِالْكُوفَةِ وَجِئْتُ بِهِ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَجَازَهُ وَكَرِهَ الْحَسَنُ وَأَبُو قِلاَبَةَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّةٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا فِيهَا لأَنَّهُ لاَ يَدْرِى لَعَلَّ فِيهَا جَوْرًا وَقَدْ كَتَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ «إِمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ».

وَقَالَ الزُّهْرِىُّ: فِى شَهَادَةٍ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ إِنْ عَرَفْتَهَا فَاشْهَدْ وَإِلاَّ فَلاَ تَشْهَدْ.

( باب) حكم ( الشهادة على الخط المختوم) أنه خط فلان وقال المختوم لأنه أقرب إلى عدم تزوير الخط وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني المحكوم بالحاء المهملة بدل المعجمة والكاف بدل الفوقية أي المحكوم به ( وما يجوز من ذلك) أي من الشهادة على الخط ( وما يضيق عليهم) وللأصيلي زيادة فيه فلا يجوز لهم الشهادة به، ولأبي ذر عليه أي الشاهد فالقول بذلك ليس على التعميم إثباتًا ونفيًا بل لا يمنع مطلقًا لما فيه من تضييع الحقوق ولا يعمل به مطلقًا إذ لا يؤمن فيه التزوير ( و) حكم ( كتاب الحاكم إلى عماله) بضم العين وتشديد الميم وفي الفرع كأصله إلى عامله بلفظ الإفراد ( و) كتاب ( القاضي إلى القاضي.
وقال بعض الناس)
: أبو حنيفة وأصحابه ( كتاب الحاكم جائز إلا في الحدود ثم) ناقض بعض الناس حيث ( قال: إن كان القتل خطأ فهو) أي كتاب الحاكم ( جائز لأن هذا) أي قتل الخطأ في نفس الأمر ( مال بزعمه) بضم الزاي وفتحها وإنما كان عنده مالاً لعدم القصاص فيه فيلحق بسائر الأموال في هذا الحكم ثم ذكر المؤلّف وجه
المناقضة فقال ( وإنما صار) قتل الخطأ ( مالاً بعد أن ثبت) ولأبي ذر أن يثبت ( القتل) عند الحاكم ( فالخطأ والعمد) في أول الأمر حكمهما ( واحد) لا تفاوت في كونهما حدًّا.

( وقد كتب عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( إلى عامله في الحدود) بالحاء والدالين المهملات والعامل المذكور هو يعلى بن أمية عامله على اليمن كتب إليه في قصة رجل زنى بامرأة مضيفه: إن كان عالمًا بالتحريم فحدّه، وللأصيلي وأبي ذر عن المستملي والكشميهني في الجارود بالجيم بعدها ألف فراء فواو فدال مهملة ابن المعلى أبي المنذر العبدي، وله قصة مع قدامة بن مظعون عامل عمر على البحرين ذكرها عبد الرزاق بسند صحيح من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: استعمل عمر قدامة بن مظعون فقدم الجارود بسبب عبد القيس على عمر فقال: إن قدامة شرب فسكر فكتب عمر إلى قدامة في ذلك فذكر القصة بطولها في قدوم قدامة وشهادة الجارود وأبي هريرة عليه، وفي احتجاج قدامة بآية المائدة، وفي رد عمر عليه وجلده الحد.

( وكتب عمر بن عبد العزيز) -رحمه الله- إلى عامله زريق بن حكيم ( في) شأن ( سنّ كسرت) بضم الكاف وكسر السين وهذا وصله أبو بكر الخلال في كتاب القصاص والديات من طريق عبد الله بن المبارك عن حكيم بن زريق بن حكيم عن أبيه بلفظ كتب إليّ عمر بن عبد العزيز كتابًا أجاز فيه شهادة رجل على سن كسرت.

( وقال إبراهيم) النخعي مما وصله ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عبيدة عنه ( كتاب القاضي إلى القاضي جائز إذا عرف) القاضي المكتوب إليه ( الكتاب والخاتم) الذي يختم به عليه بحيث لا يلتبسان بغيرهما.

( وكان الشعبي) عامر بن شراحيل مما وصله ابن أبي شيبة من طريق عيسى بن أبي عزة ( يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي ويروى عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- ( نحوه) :
أي نحو ما روي عن الشعبي.
قال في فتح الباري: ولم يقع لي هذا الأثر عن ابن عمر إلى الآن.

( وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي) : المعروف بالضال بضاد معجمة ولام مشددة سمي به لأنه ضل في طريق مكة ( شهدت) أي حضرت ( عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة) الليثي التابعي ولاه عليها يزيد بن هبيرة لما ولي إمارتها من قبل يزيد بن عبد الملك بن مروان كما ذكره عمر بن شبة في أخبار البصرة ( و) شهدت ( إياس بن معاوية) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية المزني وكان ولي قضاء البصرة في خلافة عمر بن عبد العزيز من قبل عدي بن أرطأة عامل عمر بن عبد العزيز عليها ( والحسن) البصري، وكان قد وليس القضاء بالبصرة مدة قليلة ولاّه عدي بن أرطأة عاملها ( وثمامة بن عبد الله بن أنس) أي ابن مالك وكان قاضي البصرة في أوائل خلافة هشام بن عبد الملك ولاه خالد القسري ( وبلال بن أبي بردة) بضم الموحدة عامر أو الحارث بن أبي موسى
الأشعري ولاه خالد القسري قضاء البصرة ( وعبد الله بن بريدة) بضم الموحدة ( الأسلمي) التابعي المشهور ولي قضاء مرو ( وعامر بن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة بعدها تحتية مصحح عليه في الفرع وأصله وزاد في فتح الباري عبدة بفتح العين وسكون الموحدة وفتحها وقال ذكره ابن ماكولا بالوجهين وعامر هو أبو إياس البجلي الكوفي ( وعباد بن منصور) بفتح العين والموحدة المشددة الناجي بالنون والجيم يكنى أبا سلمة الثمانية حال كونهم ( يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود) بضم الشين ولأبي ذر من المشهود بزيادة ميم وسكون الشين ( فإن قال الذي جيء عليه بالكتاب) بكسر الجيم وسكون التحتية بعدها همزة ( أنه) أي الكتاب ( زور قيل له اذهب فالتمس المخرج من ذلك) بفتح الميم والراء بينهما، معجمة ساكنة أي اطلب الخروج من عهدة ذلك إما بالقدح في البيّنة بما يقبل فتبطل الشهادة، وإما بما يدل على البراءة من المشهود به.
وقال المالكية: إذا جاء كتاب من قاض إلى قاض آخر مع شاهدين فإنه يعتمد على ما شهد به الشاهدان ولو خالفا ما في الكتاب، وقيد ذلك في الجواهر بما إذا طابقت شهادتهما الدعوى قال: ولو شهدا بما فيه وهو مفتوح جاز وندب ختمه ولم يفد وحده فلا بد من شهود بأن هذا الكتاب كتاب فلان القاضي، وزاد أشهب ويشهدون أنه أشهدهم بما فيه اهـ.

واحتج من لم يشترط الإشهاد بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب إلى الملوك ولم ينقل أنه أشهد أحدًا على كتابه.
وأجيب: بأنه لما حصل في الناس الفساد احتيط للدماء والأموال.

قال البخاري: ( وأول من سأل على كتاب القاضي البيّنة ابن أبي ليلى) محمد بن عبد الرحمن قاضي الكوفة، وأول ما وليها في زمن يوسف بن عمر الثقفي في خلافة الوليد بن يزيد وهو صدوق لكنه اتفق على ضعف حديثه لسوء حفظه ( وسوار بن عبد الله) بفتح السين المهملة والواو المشددة وبعد الألف راء العنبري قاضي البصرة من قبل المنصور.

قال البخاري بالسند إليه: ( وقال لنا أبو نعيم) الفضل بن دكين مذاكرة ( حدّثنا عبيد الله) بضم العين ( ابن محرز) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الراء بعدها زاي الكوفي قال: ( جئت بكتاب من موسى بن أنس) أي ابن مالك التابعي ( قاضي البصرة و) كنت ( أقمت عنده البيّنة أن لي عند فلان كذا وكذا وهو) أي فلان ( بالكوفة، وجئت به) بالواو وللأصيلي وأبي ذر فجئت به أي بالكتاب ( القاسم بن عبد الرحمن) بن أبي عبد الله بن مسعود المسعودي التابعي قاضي الكوفة زمن عمر بن عبد العزيز ( فأجازه) بجيم وزاي أمضاه وعمل به.

( وكره الحسن) البصري ( وأبو قلابة) الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء وكسر الميم ( أن يشهد) بفتح أوله الشاهد ( على وصية حتى يعلم ما فيها لأنه لا يدري لعل فيها جورًا) أي باطلاً.
وقال الداودي من المالكية: وهذا هو الصواب، وتعقبه ابن التين بأنها إذا كان فيها جور لم يمنع التحمل لأن الحاكم قادر على ردّه إذا أوجب حكم الشرع ردّه وما عداه يعمل به فليس خشية الجور فيها مانعًا من التحمل، وإنما المانع الجهل بما يشهد به، ومذهب مالك -رحمه الله- جواز الشهادة على
الوصية وإن لم يعلم الشاهد ما فيها وكذا الكتاب المطويّ ويقول الشاهد: إن للحاكم نشهد على إقراره بما في الكتاب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب إلى عماله من غير أن يقرأها على من حملها وهي مشتملة على الأحكام والسنن، وأثر الحسن وصله الدارمي بلفظ: لا تشهد على وصية حتى تقرأ عليك ولا تشهد على من لا تعرف، وأثر أبي قلابة وصله ابن أبي شيبة ويعقوب بن سفيان بلفظ قال أبو قلابة في الرجل يقول: اشهدوا على ما في هذه الصحيفة.
قال: لا حتى لا نعلم ما فيها.
زاد يعقوب وقال لعل فيها جور أو في هذه الزيادة بيان السبب في المنع المذكور.

( وقد كتب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أهل خيبر) في قصة حويصة ومحيصة ( إما) بكسر الهمزة وتشديد الميم ( أن تدوا) بالفوقية والتحتية ( صاحبكم) عبد الله بن سهل أي تعطوا ديته وأضافه إليهم لكونه وجد قتيلاً بين اليهود بخيبر والإضافة تكون بأدنى ملابسة وهذا وإن كان تدوا بتاء الخطاب وإن كان بالتحتية فظاهر ( وإما أن تؤذنوا بحرب) أي تعلموا به.

وهذا طرف من حديث سبق في باب القسامة من الدّيات.

( وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب فيما وصله أبو بكر بن أبي شيبة ( في شهادة) ولأبي ذر في الشهادة ( على المرأة من وراء الستر) بكسر السين المهملة ( إن عرفتها فاشهد) عليها ( وإلاّ) أي وإن لم تعرفها ( فلا تشهد) ومقتضاه أنه لا يشترط أن يراها حالة الإشهاد بل تكفي معرفته لها بأي طريق كان.
وقال الشافعية: لا تصح شهادة على متنقبة اعتمادًا على صوتها فإن الأصوات تتشابه فإن عرفها بعينها أو باسم ونسب وأمسكها حتى شهد عليها جاز التحمل عليها متنقبة وأدى بما علم من ذلك فيشهد في العلم بعينها عند حضورها وفي العلم بالاسم والنسب عند غيبتها لا بتعريف عدل أو عدلين أنها فلانة بنت فلان.
أي فلا يجوز التحمل عليها بذلك وهذا ما عليه الأكثر والعمل بخلافه وهو العمل عليها بذلك.

وقال المالكية: لا يشهد على متنقبة حتى يكشف وجهها ليعينها عند الأداء ويميزها عن غيرها وإن أخبره عنها رجل يثق به أو امرأة جاز له أن يشهد، وكذا لفيف النساء إذا شهدن عنده أنها فلانة إذا وقع عنده العلم بشهادتين وجوّز مالك شهادة الأعمى في الأقوال كأن يقر بشيء لأن الصحابة رووا عن أمهات المؤمنين من وراء الحجاب وميّزوهن بأصواتهن.

وقال الشافعية: ولا تقبل شهادة أعمى يقول كعقد وفسخ وإقرار لجواز اشتباه الأصوات، وقد يحكي الإنسان صوت غيره فيشتبه به إلا أن يقر شخص في أذنه بنحو طلاق أو عتق أو مال لرجل معروف الاسم والنسب فيمسكه حتى يشهد عليه عند قاض أو يكون عماه بعد تحمله والمشهود له والمشهود عليه معروفي الاسم والنسب فيقبل لحصول العلم بأنه المشهود عليه.


[ قــ :6780 ... غــ : 7162 ]
- حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قَالُوا: إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلاَّ
مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِهِ وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع ( محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة بندار قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال: سمعت قتادة) بن دعامة ( عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ( قال: لما أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكتب إلى) أهل ( الروم) في سنة ست ( قالوا: إنهم) أي قال الصحابة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن الروم ( لا يقرؤون كتابًا مختومًا) ولم أعرف القائل بعينه ( فاتخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا) بفتح التاء وكسرها ( من فضة كأني أنظر إلى وبيصه) بفتح الواو وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة إلى لمعانه وبريقه ( ونقشه محمد رسول الله) .
ويستفاد منه أن الكتاب إذا لم يكن مختومًا فالحجة بما فيه قائمة لكونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يكتب إليهم وإنما اتخذ الخاتم لقولهم إنهم لا يقبلون الكتاب إلا إذا كان مختومًا، فدل على أن كتاب القاضي حجة مختومًا كان أو غير مختوم، وفي الباب العمل بالشهادة على الخط وقد أجازها مالك وخالفه ابن وهب فيه، وقال الطحاوي: خالف مالكًا جميع الفقهاء في ذلك لأن الخط قد يشبه الخط، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: لا يقضى في دهرنا بالشهادة على الخط لأن الناس قد أحدثوا ضروبًا من الفجور، وقد قال مالك: تحدث للناس أقضية على نحو ما أحدثوا من الفجور، وقد كان الناس فيما مضى يجيزون الشهادة على خاتم القاضي ثم رأى مالك أن ذلك لا يجوز.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ الشَّهادَةِ عَلى الخَطِّ المَخْتُومِ وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذالِكَ وَمَا يَضيقُ عَلَيْهِمْوكِتابِ الحاكمِ إِلَى عامِلهِ، والقاضِي إِلَى القاضِي)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الشَّهَادَة على الْخط الْمَخْتُوم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الْمَحْكُوم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْكَاف، وَلَيْسَت هَذِه اللَّفْظَة بموجودة عِنْد ابْن بطال، وَمَعْنَاهُ: هَل تصح الشَّهَادَة على خطّ بِأَنَّهُ خطّ فلَان؟ وَقيد: بالمختوم، لِأَنَّهُ أقرب إِلَى عدم التزوير على الْخط.
قَوْله: وَمَا يجوز من ذَلِك أَي: من الشَّهَادَة على الْخط.
قَوْله: وَمَا يضيق أَي: وَمَا لَا يجوز من ذَلِك، وَحَاصِل الْمَعْنى أَن القَوْل بِجَوَاز الشَّهَادَة على الْخط لَيْسَ على الْعُمُوم نفيا وإثباتاً لِأَنَّهُ لَو منع مُطلقًا تضيع الْحُقُوق وَلَا يعْمل بِهِ مُطلقًا، لِأَنَّهُ لَا يُؤمن فِيهِ التزوير، فحينئذٍ يجوز ذَلِك بِشُرُوط، قَوْله: وَكتاب الْحَاكِم إِلَى عماله عطف على قَوْله: بابُُ الشَّهَادَة، أَي: وَفِي بَيَان جَوَاز كتاب الْحَاكِم إِلَى عماله، بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمِيم جمع عَامل.
قَوْله: وَكتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي أَي: وَفِي بَيَان جَوَاز كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي، وَهَذِه التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على ثَلَاثَة أَحْكَام كَمَا رَأَيْتهَا وَيَجِيء الْآن بَيَان حكم كل مِنْهَا مَعَ بَيَان الْخلاف فِيهَا.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كِتابُ الحاكِمِ جائِزٌ إِلَّا فِي الحُدُودِ، ثمَّ قَالَ: إنْ كانَ القتْلُ خَطَأً فَهْوَ جائِزٌ لأنَّ هاذَا مالٌ بِزَعْمِهِ، وإنَّما صارَ مَالا بَعْدَ أنْ ثَبَتَ القَتْلُ، فالخَطَأُ والعَمْدُ واحِدٌ.

أَرَادَ بِبَعْض النَّاس الْحَنَفِيَّة، وَلَيْسَ غَرَضه من ذكر هَذَا وَنَحْوه مِمَّا مضى إلاَّ التشنيع على الْحَنَفِيَّة لأمر جرى بَينه وَبينهمْ، وَحَاصِل غَرَض البُخَارِيّ من هَذَا الْكَلَام إِثْبَات المناقضة فِيمَا قَالَه الْحَنَفِيَّة، فَإِنَّهُم قَالُوا: كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي جَائِز إلاَّ فِي الْحُدُود، ثمَّ قَالُوا: إِن كَانَ الْقَتْل خطأ يجوز فِيهِ كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي، لِأَن قتل الْخَطَأ فِي نفس الْأَمر مَال لعدم الْقصاص، فَيلْحق بِسَائِر الْأَمْوَال فِي هَذَا الحكم، وَقَوله: وَإِنَّمَا صَار مَالا إِلَى آخِره بَيَان وَجه المناقضة فِي كَلَام الْحَنَفِيَّة حَاصله إِنَّمَا يصير قتل الْخَطَأ مَالا بعد ثُبُوته عِنْد الْحَاكِم، وَالْخَطَأ والعمد وَاحِد يَعْنِي فِي أول الْأَمر حكمهمَا وَاحِد لَا تفَاوت فِي كَونهمَا حدا، وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَن يُقَال: لَا نسلم أَن الْخَطَأ والعمد وَاحِد، وَكَيف يَكُونَا وَاحِدًا وَمُقْتَضى الْعمد الْقصاص، وَمُقْتَضى الْخَطَأ عدم الْقصاص وَوُجُوب المَال لِئَلَّا يكون دم الْمَقْتُول خطأ هدرا، وَسَوَاء كَانَ هَذَا قبل الثُّبُوت أَو بعده.

وقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عامِلِهِ فِي الحُدُودِ.

أَي: كتب عمر بن الْخطاب إِلَى عَامله فِي الْحُدُود، وغرضه من إِيرَاد هَذَا، الردُّ على الْحَنَفِيَّة أَيْضا فِي عدم رُؤْيَتهمْ جَوَاز كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي فِي الْحُدُود، وَلَا يرد على مَا نذكرهُ، وَذكر هَذَا الْأَثر عَن عمر للرَّدّ عَلَيْهِم فِيمَا قَالُوهُ.
قَوْله: فِي الْحُدُود، رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: فِي الْجَارُود، بِالْجِيم وبالراء المضمومة وَفِي آخِره دَال مُهْملَة وَهُوَ الْجَارُود بن الْمُعَلَّى يكنى أَبَا غياث كَانَ سيداً فِي عبد الْقَيْس رَئِيسا، قَالَ ابْن إِسْحَاق: قدم على رَسُول الله فِي سنة عشر فِي وَفد عبد الْقَيْس وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَأسلم وَحسن إِسْلَامه، وَيُقَال: إِن اسْمه بشر بن عَمْرو، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: الْجَارُود، لِأَنَّهُ أغار فِي الْجَاهِلِيَّة على بكر بن وَائِل وَمن مَعَه فَأَصَابَهُمْ وجردهم وَسكن الْبَصْرَة إِلَى أَن مَاتَ وَقيل: بِأَرْض فَارس، وَقيل: قتل بِأَرْض نهاوند مَعَ النُّعْمَان بن مقرن فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين، وَله قصَّة مَعَ قدامَة بن مَظْعُون عَامل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الْبَحْرين أخرجهُمَا عبد الرَّزَّاق من طَرِيق عبد الله بن عَامر بن ربيعَة قَالَ: اسْتعْمل عمر قدامَة بن مَظْعُون، فَقدم الْجَارُود سيد عبد الْقَيْس على عمر فَقَالَ: إِن قدامَة شرب فَسَكِرَ، فَكتب عمر إِلَى قدامَة فِي ذَلِك، فَذكر الْقِصَّة بِطُولِهَا فِي قدوم قدامَة وَشَهَادَة الْجَارُود وَأبي هُرَيْرَة عَلَيْهِ، وَجلده الْحَد ... وَالْجَوَاب عَنهُ أَن كتاب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى عَامله لم يكن فِي إِقَامَة الْحَد، وَإِنَّمَا كَانَ لأجل كشف الْحَال.
أَلا يرى أَن عمر هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْحَد فِيهِ بِشَهَادَة الْجَارُود وَأبي هُرَيْرَة؟ .

وكَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ فِي سِنَ كُسِرَتْ.

أَي: كتب إِلَى عَامله زُرَيْق بن حَكِيم فِي شَأْن سنّ كسرت، وَكَانَ كتب إِلَيْهِ كتابا أجَاز فِيهِ شَهَادَة رجل على سنّ كسرت، وَهَذَا وَصله أَبُو بكر الْخلال فِي كتاب الْقصاص والديات من طَرِيق عبد الله بن الْمُبَارك عَن حَكِيم بن زُرَيْق عَن أَبِيه، فَذكر مَا ذَكرْنَاهُ.

وَقَالَ إبْراهِيمُ كِتابُ القاضِي إِلَى القاضِي جائِز إِذا عَرَفَ الكِتابَ والخاتِمَ.

إِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَوَصله ابْن أبي شيبَة عَن عِيسَى بن يُونُس عَن عُبَيْدَة عَنهُ.

وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يُجيزُ الكِتابَ المَخْتُومَ بِما فِيهِ مِنَ القاضِي.

الشّعبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل التَّابِعِيّ الْكَبِير، وَوَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عِيسَى بن أبي عزة، قَالَ: كَانَ عمر يَعْنِي: الشّعبِيّ يُجِيز الْكتاب الْمَخْتُوم يَجِيئهُ من القَاضِي.

ويُرْواى عنِ ابْن عُمَرَ نَحْوُهُ.

أَي: يرْوى عَن عبد الله بن عمر نَحْو مَا رُوِيَ عَن الشّعبِيّ، وَلم يَصح هَذَا، فَلذَلِك ذكره بِصِيغَة التمريض.

وَقَالَ مُعاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيم الثَّقَفِيُّ: شَهِدْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ يَعْلَى قاضِي البَصْرَةِ وإياسَ بنَ مُعاوِيَةَ والحَسَنِ وثُمامَةَ بنَ عَبْدِ الله بنِ أنَسٍ وبلالَ بنَ أبي بُرْدَةَ وعَبْدَ الله بن بُرَيْدَةَ الأسْلَمِيَّ وعامِرَ بنَ عُبِيدَةَ وعَبَّادَ بنَ مَنْصُورٍ يُجِيزُونَ كُتُبَ القُضاةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ، فإنْ قَالَ الّذِي جِيءَ عَلَيْهِ بِالكِتابِ: إنّه زُورٌ، قيلَ لهُ: اذْهَبْ فالْتَمِسِ المَخْرَجَ مِنْ ذالِكَ.

مُعَاوِيَة بن عبد الْكَرِيم الثَّقَفِيّ الْمَعْرُوف بالضال بالضاد الْمُعْجَمَة وَاللَّام الْمُشَدّدَة، سمي بذلك لِأَنَّهُ ضل فِي طَرِيق مَكَّة، وَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَمَات سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة، وَوصل أَثَره وَكِيع فِي مُصَنفه عَنهُ.
قَوْله: شهِدت أَي: حضرت عبد الْملك بن يعلى بِوَزْن.
يرضى، التَّابِعِيّ الثِّقَة، ولاه يزِيد بن هُبَيْرَة قَضَاء الْبَصْرَة لما ولي إمارتها من قبل يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان، وَمَات على الْقَضَاء بعد الْمِائَة بِسنتَيْنِ أَو ثَلَاث، وَيُقَال: بل عَاشَ إِلَى خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك، فَعَزله.
قَوْله: وَإيَاس بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة ابْن مُعَاوِيَة الْمُزنِيّ الْمَعْرُوف بالذكاء، وَكَانَ قد ولي قَضَاء الْبَصْرَة فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ولاه عدي بن أَرْطَأَة عَامل عمر عَلَيْهَا بعد امْتنَاع مِنْهُ، مَاتَ سنة ثِنْتَيْنِ وَمِائَة وَهُوَ ثِقَة عِنْد الْجَمِيع.
قَوْله: وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ الإِمَام الْمَشْهُور، وَكَانَ ولي قَضَاء الْبَصْرَة مُدَّة لَطِيفَة، ولاه عدي بن أَرْطَاة عاملها وَأَبوهُ يسَار رأى مائَة وَعشْرين من أَصْحَاب رَسُول الله، مَاتَ فِي شهر رَجَب سنة عشر وَمِائَة وَهُوَ ابْن تسع وَثَمَانِينَ سنة.
قَوْله: وثمامة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الميمين ابْن عبد الله بن أنس بن مَالك، وَكَانَ تابعياً ثِقَة، ولي قَضَاء الْبَصْرَة فِي أَوَائِل خلَافَة ابْن هِشَام بن عبد الْملك، ولاه خَالِد الْقَسرِي سنة سِتّ وَمِائَة، وعزله سنة عشر، وَولى بِلَال بن أبي بردة، وَمَات ثُمَامَة بعد ذَلِك، روى عَن جده أنس بن مَالك والبراء بن عَازِب.
قَوْله: وبلال بن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه عَامر أَو الْحَارِث بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَكَانَ صديق خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي فولاه قَضَاء الْبَصْرَة لما ولي إمرتها من قبل هِشَام بن عبد الْملك، وَضم إِلَيْهِ الشرطة وَكَانَ أَمِيرا وقاضياً، إِلَى أَن قَتله يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ لما ولي الإمرة بعد خَالِد، وَلم يكن مَحْمُودًا فِي أَحْكَامه.
قَوْله: وَعبد الله بن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء الْأَسْلَمِيّ التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، وَكَانَ ولي قَضَاء مرو بعد أَخِيه سُلَيْمَان سنة خمس وَمِائَة إِلَى أَن مَاتَ وَهُوَ على قَضَائهَا سنة خمس عشرَة وَمِائَة، وَذَلِكَ فِي ولَايَة أَسد بن عبد الله الْقَسرِي على خُرَاسَان، وَهُوَ أَخُو خَالِد الْقَسرِي.
وَحَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة الْحصيب هَذَا فِي الْكتب السِّتَّة.
قَوْله: وعامر بن عُبَيْدَة بِضَم الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقيل: عَبدة، بِفتْحَتَيْنِ، وَقيل: عَبدة، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء وَهُوَ تَابِعِيّ قديم ثِقَة، وَحَدِيثه عِنْد النَّسَائِيّ وعامر كَانَ ولي الْقَضَاء بِالْكُوفَةِ مرّة.
قَوْله: وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن مَنْصُور النَّاجِي بالنُّون وَالْجِيم أَبُو سَلمَة الْبَصْرِيّ، قَالَ أَبُو دَاوُد: ولي قَضَاء الْبَصْرَة خمس مَرَّات، وَكَانَ يرْمى بِالْقدرِ فَلذَلِك ضَعَّفُوهُ، وَحَدِيثه فِي السّنَن الْأَرْبَعَة وعلق لَهُ البُخَارِيّ شَيْئا، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَة.
قَوْله: يجيزون جملَة حَالية.
قَوْله: فالتمس الْمخْرج بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي: اطلب الْخُرُوج من عُهْدَة ذَلِك إِمَّا بالقدح فِي الْبَيِّنَة بِمَا يقبل فَتبْطل الشَّهَادَة، وَإِمَّا بِمَا يدل على الْبَرَاءَة من الْمَشْهُود بِهِ.

وأوَّلُ مَنْ سَألَ عَلى كِتابِ القاضِي البَيِّنَةَ ابنُ أبي لَيْلَى وسَوَّارُ بنُ عَبْدِ الله.

ابْن أبي ليلى هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى، وَاسم أبي ليلى يسَار قَاضِي الْكُوفَة، وَأول مَا وَليهَا فِي زمن يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ فِي خلَافَة الْوَلِيد بن يزِيد، وَمَات سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَهُوَ صَدُوق اتَّفقُوا على ضعف حَدِيثه من قبل سوء حفظه وَحَدِيثه فِي السّنَن الْأَرْبَعَة.
وسوار بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو ابْن عبد الله الْعَنْبَري نِسْبَة إِلَى بني العنبر من بني تَمِيم قَالَ ابْن حبَان فِي الثِّقَات: كَانَ فَقِيها ولاه الْمَنْصُور قَضَاء الْبَصْرَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فَبَقيَ على قَضَائهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَة.

{.

     وَقَالَ  لنا أبُو نُعَيْمٍ: حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُحْرِزٍ جِئْتُ بِكِتابٍ مِنْ مُوساى بن أنَسٍ قاضِي البَصْرَةِ وأقَمْتُ عِنْدَهُ البَيِّنَةَ أنَّ لي عِنْدَ فُلانٍ كَذاا وكَذاا وهْوَ بِالكُوفَةِ وجِئْتُ بِهِ القَاسِمَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ فأجازَهُ}
.

أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ نَقله عَنهُ مذاكرة، وَعبيد الله بن مُحرز بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره زَاي هُوَ كُوفِي، وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْأَثر، ومُوسَى بن أنس بن مَالك قَاضِي الْبَصْرَة التَّابِعِيّ الْمَشْهُور ثِقَة، وَحَدِيثه فِي الْكتب السِّتَّة، وَكَانَ ولي الْقَضَاء بِالْبَصْرَةِ فِي ولَايَة الحكم بن أَيُّوب الثَّقَفِيّ، وَالقَاسِم بن عبد الرحمان بن عبد الله بن مَسْعُود وَكَانَ على قَضَاء الْبَصْرَة من عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ لَا يَأْخُذ على الْقَضَاء أجرا، وَكَانَ ثِقَة صَالحا من التَّابِعين، لَقِي جَابر بن سَمُرَة، قيل: إِنَّه مَاتَ سنة سِتّ عشرَة وَمِائَة.
قَوْله: فَأَجَازَهُ بِالْجِيم أَي: أَمْضَاهُ وَعمل بِهِ، وَفِي مُغنِي الْحَنَابِلَة يشْتَرط فِي قَول أَئِمَّة الْفَتْوَى أَن يشْهد بِكِتَاب القَاضِي إِلَى القَاضِي شَاهِدَانِ عَدْلَانِ وَلَا يَكْفِي مَعْرفَته خطّ القَاضِي وختمه، وَحكى عَن الْحسن وسوار وَالْحسن الْعَنْبَري أَنهم قَالُوا: إِذا كَانَ يعرف خطه وختمه قبله، وَهُوَ قَول أبي ثَوْر أَيْضا.
وَفِي التَّوْضِيح وَاخْتلفُوا إِذا أشهد القَاضِي شَاهِدين على كِتَابه وَلم يقرأه عَلَيْهِمَا وَلَا عرفهما بِمَا فِيهِ، فَقَالَ مَالك: يجوز ذَلِك وَيلْزم القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ قبُوله.
بقول الشَّاهِدين: هَذَا كِتَابه دَفعه إِلَيْنَا مَخْتُومًا،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: إِذا لم يقرأه عَلَيْهِمَا القَاضِي وَلم يحرره لم يعْمل القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ بِمَا فِيهِ، وَرُوِيَ عَن مَالك مثله، وَاخْتلفُوا إِذا انْكَسَرَ ختم الْكتاب، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر: لَا يقبله الْحَاكِم،.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف: يقبله وَيحكم بِهِ إِذا شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي.
وكَرِهَ الحَسَنُ وأبُو قِلاَبَةَ أنْ يَشْهَدَ عَلى وَصِيَّةٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا فِيها لأنَّه لَا يَدْرِي لَعَلَّ فِيها جَوْراً.

الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام هُوَ عبد الله بن زيد الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء.
قَوْله: أَن يشْهد بِفَتْح الْيَاء وفاعله مَحْذُوف تَقْدِير: أَن يشْهد أحد على وَصِيَّة ... إِلَى آخِره.
قَوْله: جوراً بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ فِي الأَصْل: الظُّلم، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا غير الْحق،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي لَا شكّ فِيهِ أَنه لَا يشْهد على وَصِيَّة حَتَّى يعلم مَا فِيهَا، وَتعقبه ابْن التِّين فَقَالَ: لَا أَدْرِي لم صَوبه وَهِي إِن كَانَ فِيهَا جور يُوجب الحكم أَن لَا يمْضِي لَا يمض وَإِن كَانَ يُوجب الحكم إمضاءه يمض، وَمذهب مَالك: جَوَاز الشَّهَادَة على الْوَصِيَّة وَإِن لم يعلم الشَّاهِد مَا فِيهَا.

وقَدْ كَتَبَ النبيُّ إِلَى أهْلِ خَيْبَرَ: إمَّا أنْ يَدُوا صاحِبَكُمْ وإمَّا أنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ.

هَذَا قِطْعَة من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة فِي قصَّة حويصة ومحيصة وَقتل عبد الله بن سهل بِخَيْبَر، وَسَيَأْتِي هَذَا بعد عدَّة أَبْوَاب فِي: بابُُ كتاب الْحَاكِم إِلَى عماله.
قَوْله: إِمَّا أَن يدوا أَي: إِمَّا أَن يُعْطوا الدِّيَة، وَهُوَ من ودى يَدي إِذا أعْطى الدِّيَة، وأصل: يدوا، يوديوا، فحذفت الْوَاو الَّتِي هِيَ فَاء الْفِعْل فِي الْمُفْرد لوقوعها بَين الْيَاء والكسرة، ثمَّ حذفت فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع تبعا للمفرد، ثمَّ نقلت ضمة الْيَاء إِلَى الدَّال فَالتقى ساكنان وهما الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء وَلم يحذف الْوَاو لِأَنَّهُ عَلامَة الْجمع، فَصَارَ: يدوا، على وزن: يعلوا.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي شَهادَةٍ عَلى المَرْأةِ مِنْ وراءِ السِّتْرِ: إنْ عَرَفْتَها فاشْهَدْ، وَإِلَّا فَلاَ تَشْهَدْ.

أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ فِي حكم الشَّهَادَة على الْمَرْأَة: إِن عرفهَا الشَّاهِد يشْهد لَهَا وَعَلَيْهَا، وَإِن لم يعرفهَا فَلَا يشْهد.
قَوْله: فِي شَهَادَة ويروى: فِي الشَّهَادَة، بِالْألف وَاللَّام.
قَوْله: من وَرَاء السّتْر إِمَّا بالتنقب وَإِمَّا بِغَيْر ذَلِك، وَحَاصِله أَنه إِذا عرفهَا بِأَيّ طَرِيق كَانَ يجوز الشَّهَادَة عَلَيْهَا، وَلَا يشْتَرط أَن يَرَاهَا حَال الْإِشْهَاد.

وَأثر الزُّهْرِيّ هَذَا وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق جَعْفَر بن يرقان عَنهُ، وَمذهب مَالك: جَوَاز شَهَادَة الْأَعْمَى فِي الْإِقْرَار وَفِي كل مَا طَرِيقه الصَّوْت سَوَاء عِنْده تحملهَا أعمى أَو بَصيرًا ثمَّ عمي،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تقبل إِذا تحملهَا أعمى، وَدَلِيل مَالك أَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رووا عَن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ من وَرَاء حجاب وميزوا أشخاصهن بالصوت، وَكَذَا آذان ابْن أم مَكْتُوم، وَلم يفرقُوا بَين ندائه ونداء بِلَال إلاَّ بالصوت، وَلِأَن الْإِقْدَام على الْفروج أَعلَى من الشَّهَادَة بالحقوق، وَالْأَعْمَى لَهُ وَطْء زَوجته وَهُوَ لَا يعرفهَا إِلَّا بالصوت، وَهَذَا لم يمْنَع مِنْهُ أحد.



[ قــ :6780 ... غــ :7162 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا غُنْدَرٌ، حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَة عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: لَمَّا أرادَ النبيُّ أنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قالُوا: إنَّهُمْ لَا يَقْرَأونَ كِتاباً إلاّ مَخْتُوماً، فاتَّخَذَ النبيُّ خاتَماً مِنْ فِضَّةٍ كأنِّي أنْظُرُ إِلَى وَبِيصِهِ، ونَقَّشُهُ: مُحَمَّدٌ رسولُ الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا مُشْتَمِلَة على أَحْكَام.
مِنْهَا الشَّهَادَة على الْخط الْمَخْتُوم، وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ الْخط والختم..
     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يُسْتَفَاد مِنْهُ أَن الْكتاب إِذا لم يكن مَخْتُومًا فالحجة بِمَا فِيهِ قَائِمَة لكَونه أَرَادَ أَن يكْتب إِلَيْهِم.
قَالُوا: إِنَّهُم لَا يقرؤون كتابا إِلَّا مَخْتُومًا فَلذَلِك اتخذ خَاتمًا من فضَّة.

والْحَدِيث تقدم بَيَانه شرح حَدِيث أبي سُفْيَان مطولا فِي بَدْء الْوَحْي.
وَأخرجه هُنَا عَن مُحَمَّد بن بشار الَّذِي يُقَال لَهُ بنْدَار عَن غنْدر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر.

قَوْله: وبيصه بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالصاد الْمُهْملَة أَي: بريقه ولمعانه.
<"