هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6237 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6237 حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قال عبد الله بن عمرو : قال النبي صلى الله عليه وسلم : حوضي مسيرة شهر ، ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من شرب منها فلا يظمأ أبدا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated `Abdullah bin `Amr:

The Prophet (ﷺ) said, My Lake-Fount is (so large that it takes) a month's journey to cross it. Its water is whiter than milk, and its smell is nicer than musk (a kind of Perfume), and its drinking cups are (as numerous) as the (number of) stars of the sky; and whoever drinks from it, will never be thirsty.

":"ہم سے سعید بن مریم نے بیان کیا ، کہا ہم کو نافع بن عمر نے خبر دی ، ان سے ابن ابی ملیکہ نے بیان کیا ، ان سے عبداللہ بن عمرو رضی اللہ عنہما نے بیان کیا کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ” میرا حوض ایک مہینے کی مسافت کے برابر ہو گا ۔ اس کا پانی دودھ سے زیادہ سفید اور اس کی خوشبو مشک سے زیادہ اچھی ہو گی اور اس کے کوزے آسمان کے ستاروں کی تعداد کے برابر ہوں گے ۔ جو شخص اس میں سے ایک مرتبہ پی لے گا وہ پھر کبھی بھی ( میدان محشرمیں ) پیاسا نہ ہو گا “ ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [6579] قَوْله نَافِع هُوَ بن عُمَرَ الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ خَالَفَ نَافِعُ بْنُ عُمَرَ فِي صَحَابِيِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَان بن خثيم فَقَالَ عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَنَافِع بن عمر احفظ من بن خُثَيْمٍ .

     قَوْلُهُ  حَوْضِي مَسِيرَةَ شَهْرٍ زَادَ مُسْلِمٌ والإسماعيلي وبن حِبَّانَ فِي رِوَايَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَدْفَعُ تَأْوِيلَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَحَادِيثِ فِي تَقْدِيرِ مَسَافَةِ الْحَوْضِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعَرْضِ وَالطُّولِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي بَعْدَهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ وَأَيْلَةُ مَدِينَةٌ كَانَتْ عَامِرَةً وَهِيَ بِطَرَفِ بَحْرِ الْقُلْزُمِ مِنْ طَرَفِ الشَّامِ وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ يَمُرُّ بِهَا الْحَاجُّ مِنْ مِصْرَ فَتَكُونُ شَمَالِيَّهُمْ وَيَمُرُّ بِهَا الْحَاجُّ مِنْ غَزَّةَ وَغَيْرِهَا فَتَكُونُ أَمَامَهُمْ وَيَجْلِبُونَ إِلَيْهَا الْمِيرَةَ مِنَ الْكُرْكِ وَالشَّوْبَكِ وَغَيْرِهِمَا يَتَلَقَّوْنَ بِهَا الْحَاجَّ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِلَيْهَا تُنْسَبُ الْعَقَبَةُ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ نَحْوَ الشَّهْرِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ إِنِ اقْتَصَرُوا كُلَّ يَوْمٍ عَلَى مَرْحَلَةٍ وَإِلَّا فَدُونَ ذَلِكَ وَهِيَ مِنْ مِصْرَ عَلَى أَكْثَرِ مِنَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُصِبْ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِمَّا بَيْنَ مِصْرَ وَمَكَّةَ بَلْ هِيَ دُونَ الثُّلُثِ فَإِنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى مِصْرَ وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَيْلَةَ شِعْبٌ مِنْ جَبَلِ رَضْوَى الَّذِي فِي يَنْبُعَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اسْمٌ وَافَقَ اسْمًا وَالْمُرَادُ بِأَيْلَةَ فِي الْخَبَرِ هِيَ الْمَدِينَةُ الْمَوْصُوفَةُ آنِفًا وَقَدْ ثَبَتَ ذِكْرُهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَفِيهِ أَنَّ صَاحِبَ أَيْلَةَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَالَحَهُ وَتَقَدَّمَ لَهَا ذِكْرٌ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ.

.
وَأَمَّا صَنْعَاءُ فَإِنَّمَا قُيِّدَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْيَمَنِ احْتِرَازًا مِنْ صَنْعَاءَ الَّتِي بِالشَّامِ وَالْأَصْلُ فِيهَا صَنْعَاءُ الْيَمَنِ لَمَّا هَاجَرَ أَهْلُ الْيَمَنِ فِي زَمَنِ عُمَرَ عِنْدَ فُتُوحِ الشَّامِ نَزَلَ أَهْلُ صَنْعَاءَ فِي مَكَانٍ مِنْ دِمَشْقَ فَسُمِّيَ بِاسْمِ بَلَدِهِمْ فَعَلَى هَذَا فَمِنْ فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنَ الْيَمَنِ إِنْ كَانَتِ ابْتِدَائِيَّةً فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مَرْفُوعًا وَإِنْ كَانَتْ بَيَانِيَّةً فَيَكُونُ مُدْرَجًا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الزُّهْرِيُّ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَيْضًا كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ عَدَنَ بَدَلَ صَنْعَاءَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبْعَدَ مِنْ أَيْلَةَ إِلَى عَدَنَ وَعَدَنُ بِفَتْحَتَيْنِ بَلَدٌ مَشْهُورٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فِي أَوَاخِرِ سَوَاحِلِ الْيَمَنِ وَأَوَائِلِ سَوَاحِلِ الْهِنْدِ وَهِيَ تُسَامِتُ صَنْعَاءَ وَصَنْعَاءُ فِي جِهَةِ الْجِبَالِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَا بَيْنَ عُمَانَ إِلَى أَيْلَةَ وَعُمَانُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ بَلَدٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرَيْنِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ عِنْدَ بن حِبَّانَ مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَقَارِبَةٌ لِأَنَّهَا كُلُّهَا نَحْوَ شَهْرٍ أَوْ تَزِيدُ أَوْ تَنْقُصُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى التَّحْدِيدُ بِمَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ فَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّانَ الْبَلْقَاءَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَمَّانُ هَذِهِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ لِلْأَكْثَرِ وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا وَتُنْسَبُ إِلَى الْبَلْقَاءِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا وَالْبَلْقَاءُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا قَافٌ وَبِالْمَدِّ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ فِلَسْطِينَ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَا بَيْنَ بُصْرَى إِلَى صَنْعَاءَ أَوْ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ وَبُصْرَى بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ بِطَرَفِ الشَّامِ مِنْ جِهَةِ الْحِجَازِ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَحْمَدَ بُعْدَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَأَيْلَةَ وَفِي لَفْظٍ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعَمَّانَ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى بُصْرَى وَمِثْلُهُ لِابْنِ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ إِلَى أَيْلَةَ أَوْ بَيْنَ صَنْعَاءَ وَمَكَّةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سعيد عِنْد بن أبي شيبَة وبن مَاجَهْ مَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ كَمَا بَيْنَ الْبَيْضَاءِ إِلَى بُصْرَى وَالْبَيْضَاءُ بِالْقُرْبِ مِنَ الرَّبَذَةِ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهَذِهِ الْمَسَافَاتُ مُتَقَارِبَةٌ وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى نَحْوِ نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ تَنْقُصُ وَأَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِسَنَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَسَأَلْتُهُ قَالَ قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوُهُ لَهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَكِنْ قَالَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ فَقَالَ عِيَاضٌ هَذَا مِنِ اخْتِلَافِ التَّقْدِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ فَيُعَدُّ اضْطِرَابًا مِنَ الرُّوَاةِ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ سَمِعُوهُ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْرب فِي كل مِنْهَا مَثَلًا لِبُعْدِ أَقْطَارِ الْحَوْضِ وَسَعَتُهُ بِمَا يَسْنَحُ لَهُ من الْعبارَة وَيقرب ذَلِك للْعلم ببعد مَا بَيْنَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ لَا عَلَى إِرَادَةِ الْمَسَافَةِ الْمُحَقَّقَةِ قَالَ فَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى انْتَهَى مُلَخَّصًا وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ضَرْبَ الْمَثَلِ وَالتَّقْدِيرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَقَارَبُ.

.
وَأَمَّا هَذَا الِاخْتِلَافُ الْمُتَبَاعِدُ الَّذِي يَزِيدُ تَارَةً عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيَنْقُصُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ظَنَّ بَعْضُ الْقَاصِرِينَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِ الْحَوْضِ اضْطِرَابٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ عِيَاضٍ وَزَادَ وَلَيْسَ اخْتِلَافًا بَلْ كُلُّهَا تُفِيدُ أَنَّهُ كَبِيرٌ مُتَّسِعٌ مُتَبَاعِدُ الْجَوَانِبِ ثُمَّ قَالَ وَلَعَلَّ ذِكْرَهُ لِلْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِحَسَبِ مَنْ حَضَرَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ تِلْكَ الْجِهَةَ فَيُخَاطِبُ كُلَّ قَوْمٍ بِالْجِهَةِالَّتِي يَعْرِفُونَهَا وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِكْرِ الْمَسَافَةِ الْقَلِيلَةِ مَا يَدْفَعُ الْمَسَافَةَ الْكَثِيرَةَ فَالْأَكْثَرُ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَلَا مُعَارَضَةَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْمَسَافَةِ الْيَسِيرَةِ ثُمَّ أُعْلِمَ بِالْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ فَأَخْبَرَهُ بِهَا كَأَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِاتِّسَاعِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَيَكُونُ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَطْوَلِهَا مَسَافَةً وَتَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ جَمَعَ الِاخْتِلَافَ بِتَفَاوُتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَرَدَّهُ بِمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو زَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَوَقَعَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ وَجَابِرٍ وَأَبِي بَرْزَةَ وَأَبِي ذَرٍّ طُولُهُ وَعَرْضُهُ سَوَاءٌ وَجَمَعَ غَيْرُهُ بَيْنَ الِاخْتِلَافَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِاخْتِلَافِ السَّيْرِ الْبَطِيءِ وَهُوَ سَيْرُ الْأَثْقَالِ وَالسَّيْرِ السَّرِيعِ وَهُوَ سَيْرُ الرَّاكِبِ الْمُخِفِّ وَيُحْمَلُ رِوَايَةُ أَقَلِّهَا وَهُوَ الثَّلَاثُ عَلَى سَيْرِ الْبَرِيدِ فَقَدْ عُهِدَ مِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ مَسَافَةَ الشَّهْرِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ كَانَ نَادِرًا جِدًّا وَفِي هَذَا الْجَوَابِ عَنِ الْمَسَافَةِ الْأَخِيرَةِ نَظَرٌ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُ مُسَلَّمٌ وَهُوَ أَوْلَى مَا يُجْمَعُ بِهِ.

.
وَأَمَّا مَسَافَةُ الثَّلَاثِ فَإِنَّ الْحَافِظَ ضِيَاءَ الدِّينِ الْمَقْدِسِيَّ ذَكَرَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْحَوْضِ أَنَّ فِي سِيَاقِ لَفْظِهَا غَلَطًا وَذَلِكَ الِاخْتِصَارُ وَقَعَ فِي سِيَاقِهِ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ فَوَائِدِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْهَيْثَمِ الدَّيْرَعَاقُولِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي ذِكْرِ الْحَوْضِ فَقَالَ فِيهِ عَرْضُهُ مِثْلُ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ قَالَ الضِّيَاءُ فَظَهَرَ بِهَذَا انه وَقع فِي حَدِيث بن عُمَرَ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ كَمَا بَيْنَ مَقَامِي وَبَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ فَسَقَطَ مَقَامِي وَبَيْنَ.

     وَقَالَ  الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ هُمَا قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ غَلَّطَهُ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ بَيْنَهُمَا غَلْوَةَ سَهْمٍ وَهُمَا مَعْرُوفَتَانِ بَيْنَ الْقُدْسِ وَالْكَرْكِ قَالَ وَقَدْ ثَبَتَ الْقَدْرُ الْمَحْذُوفُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَجَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ.

.

قُلْتُ وَهَذَا يُوَافق رِوَايَة أبي سعيد عِنْد بن مَاجَهْ كَمَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِيهِ وَافَى أَهْلُ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ بِحَرَسِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْعَلَائِيِّ أَنَّهُمَا مُتَقَارِبَتَانِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ رَجَعَ جَمِيعُ الْمُخْتَلِفِ إِلَى أَنَّهُ لِاخْتِلَافِ السَّيْرِ البطيء وَالسير السَّرِيع وسأحكي كَلَام بن التِّينِ فِي تَقْدِيرِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّادِسَ عَشَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ قَالَ الْمَازِرِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ النُّحَاةِ أَنْ يُقَالَ أَشَدُّ بَيَاضًا وَلَا يُقَالَ أَبْيَضُ مِنْ كَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي الشِّعْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ بِقِلَّةٍ وَيَشْهَدُ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ.

.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَكَذَا لِابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَكَذَا لِأَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ بن أَبِي عَاصِمٍ .

     قَوْلُهُ  وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكَ فِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكَ وَمثله فِي حَدِيث أبي امامة عِنْد بن حبَان رَائِحَة وَزَاد بن أبي عَاصِم وبن أَبِي الدُّنْيَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ وَزَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَثَوْبَانَ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَلَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَحْلَى مَذَاقًا مِنَ الْعَسَلِ وَزَادَ أَحْمَدُ فِي حَدِيث بن عمر وَمن حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَمَاؤُهُ أَشَدُّ بَرْدًا مِنَ الثَّلْجِ .

     قَوْلُهُ  وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي بَعْدَهُ وَفِيهِ مِنَ الْأَبَارِيقِ كَعِدَّةِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَفِي حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِدِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ فِيهِ الْآنِيَةُ مِثْلُ الْكَوَاكِبِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَالَحَهُ وَتَقَدَّمَ لَهَا ذِكْرٌ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ.

.
وَأَمَّا صَنْعَاءُ فَإِنَّمَا قُيِّدَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْيَمَنِ احْتِرَازًا مِنْ صَنْعَاءَ الَّتِي بِالشَّامِ وَالْأَصْلُ فِيهَا صَنْعَاءُ الْيَمَنِ لَمَّا هَاجَرَ أَهْلُ الْيَمَنِ فِي زَمَنِ عُمَرَ عِنْدَ فُتُوحِ الشَّامِ نَزَلَ أَهْلُ صَنْعَاءَ فِي مَكَانٍ مِنْ دِمَشْقَ فَسُمِّيَ بِاسْمِ بَلَدِهِمْ فَعَلَى هَذَا فَمِنْ فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنَ الْيَمَنِ إِنْ كَانَتِ ابْتِدَائِيَّةً فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مَرْفُوعًا وَإِنْ كَانَتْ بَيَانِيَّةً فَيَكُونُ مُدْرَجًا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الزُّهْرِيُّ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَيْضًا كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ عَدَنَ بَدَلَ صَنْعَاءَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبْعَدَ مِنْ أَيْلَةَ إِلَى عَدَنَ وَعَدَنُ بِفَتْحَتَيْنِ بَلَدٌ مَشْهُورٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فِي أَوَاخِرِ سَوَاحِلِ الْيَمَنِ وَأَوَائِلِ سَوَاحِلِ الْهِنْدِ وَهِيَ تُسَامِتُ صَنْعَاءَ وَصَنْعَاءُ فِي جِهَةِ الْجِبَالِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَا بَيْنَ عُمَانَ إِلَى أَيْلَةَ وَعُمَانُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ بَلَدٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرَيْنِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ عِنْدَ بن حِبَّانَ مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَقَارِبَةٌ لِأَنَّهَا كُلُّهَا نَحْوَ شَهْرٍ أَوْ تَزِيدُ أَوْ تَنْقُصُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى التَّحْدِيدُ بِمَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ فَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّانَ الْبَلْقَاءَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَمَّانُ هَذِهِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ لِلْأَكْثَرِ وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا وَتُنْسَبُ إِلَى الْبَلْقَاءِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا وَالْبَلْقَاءُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا قَافٌ وَبِالْمَدِّ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ فِلَسْطِينَ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَا بَيْنَ بُصْرَى إِلَى صَنْعَاءَ أَوْ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ وَبُصْرَى بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ بِطَرَفِ الشَّامِ مِنْ جِهَةِ الْحِجَازِ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَحْمَدَ بُعْدَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَأَيْلَةَ وَفِي لَفْظٍ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعَمَّانَ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى بُصْرَى وَمِثْلُهُ لِابْنِ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ إِلَى أَيْلَةَ أَوْ بَيْنَ صَنْعَاءَ وَمَكَّةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سعيد عِنْد بن أبي شيبَة وبن مَاجَهْ مَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ كَمَا بَيْنَ الْبَيْضَاءِ إِلَى بُصْرَى وَالْبَيْضَاءُ بِالْقُرْبِ مِنَ الرَّبَذَةِ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهَذِهِ الْمَسَافَاتُ مُتَقَارِبَةٌ وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى نَحْوِ نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ تَنْقُصُ وَأَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِسَنَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَسَأَلْتُهُ قَالَ قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوُهُ لَهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَكِنْ قَالَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ فَقَالَ عِيَاضٌ هَذَا مِنِ اخْتِلَافِ التَّقْدِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ فَيُعَدُّ اضْطِرَابًا مِنَ الرُّوَاةِ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ سَمِعُوهُ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْرب فِي كل مِنْهَا مَثَلًا لِبُعْدِ أَقْطَارِ الْحَوْضِ وَسَعَتُهُ بِمَا يَسْنَحُ لَهُ من الْعبارَة وَيقرب ذَلِك للْعلم ببعد مَا بَيْنَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ لَا عَلَى إِرَادَةِ الْمَسَافَةِ الْمُحَقَّقَةِ قَالَ فَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى انْتَهَى مُلَخَّصًا وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ضَرْبَ الْمَثَلِ وَالتَّقْدِيرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَقَارَبُ.

.
وَأَمَّا هَذَا الِاخْتِلَافُ الْمُتَبَاعِدُ الَّذِي يَزِيدُ تَارَةً عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيَنْقُصُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ظَنَّ بَعْضُ الْقَاصِرِينَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِ الْحَوْضِ اضْطِرَابٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ عِيَاضٍ وَزَادَ وَلَيْسَ اخْتِلَافًا بَلْ كُلُّهَا تُفِيدُ أَنَّهُ كَبِيرٌ مُتَّسِعٌ مُتَبَاعِدُ الْجَوَانِبِ ثُمَّ قَالَ وَلَعَلَّ ذِكْرَهُ لِلْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِحَسَبِ مَنْ حَضَرَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ تِلْكَ الْجِهَةَ فَيُخَاطِبُ كُلَّ قَوْمٍ بِالْجِهَةِالَّتِي يَعْرِفُونَهَا وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِكْرِ الْمَسَافَةِ الْقَلِيلَةِ مَا يَدْفَعُ الْمَسَافَةَ الْكَثِيرَةَ فَالْأَكْثَرُ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَلَا مُعَارَضَةَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْمَسَافَةِ الْيَسِيرَةِ ثُمَّ أُعْلِمَ بِالْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ فَأَخْبَرَهُ بِهَا كَأَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِاتِّسَاعِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَيَكُونُ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَطْوَلِهَا مَسَافَةً وَتَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ جَمَعَ الِاخْتِلَافَ بِتَفَاوُتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَرَدَّهُ بِمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو زَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَوَقَعَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ وَجَابِرٍ وَأَبِي بَرْزَةَ وَأَبِي ذَرٍّ طُولُهُ وَعَرْضُهُ سَوَاءٌ وَجَمَعَ غَيْرُهُ بَيْنَ الِاخْتِلَافَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِاخْتِلَافِ السَّيْرِ الْبَطِيءِ وَهُوَ سَيْرُ الْأَثْقَالِ وَالسَّيْرِ السَّرِيعِ وَهُوَ سَيْرُ الرَّاكِبِ الْمُخِفِّ وَيُحْمَلُ رِوَايَةُ أَقَلِّهَا وَهُوَ الثَّلَاثُ عَلَى سَيْرِ الْبَرِيدِ فَقَدْ عُهِدَ مِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ مَسَافَةَ الشَّهْرِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ كَانَ نَادِرًا جِدًّا وَفِي هَذَا الْجَوَابِ عَنِ الْمَسَافَةِ الْأَخِيرَةِ نَظَرٌ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُ مُسَلَّمٌ وَهُوَ أَوْلَى مَا يُجْمَعُ بِهِ.

.
وَأَمَّا مَسَافَةُ الثَّلَاثِ فَإِنَّ الْحَافِظَ ضِيَاءَ الدِّينِ الْمَقْدِسِيَّ ذَكَرَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْحَوْضِ أَنَّ فِي سِيَاقِ لَفْظِهَا غَلَطًا وَذَلِكَ الِاخْتِصَارُ وَقَعَ فِي سِيَاقِهِ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ فَوَائِدِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْهَيْثَمِ الدَّيْرَعَاقُولِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي ذِكْرِ الْحَوْضِ فَقَالَ فِيهِ عَرْضُهُ مِثْلُ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ قَالَ الضِّيَاءُ فَظَهَرَ بِهَذَا انه وَقع فِي حَدِيث بن عُمَرَ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ كَمَا بَيْنَ مَقَامِي وَبَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ فَسَقَطَ مَقَامِي وَبَيْنَ.

     وَقَالَ  الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ هُمَا قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ غَلَّطَهُ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ بَيْنَهُمَا غَلْوَةَ سَهْمٍ وَهُمَا مَعْرُوفَتَانِ بَيْنَ الْقُدْسِ وَالْكَرْكِ قَالَ وَقَدْ ثَبَتَ الْقَدْرُ الْمَحْذُوفُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَجَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ.

.

قُلْتُ وَهَذَا يُوَافق رِوَايَة أبي سعيد عِنْد بن مَاجَهْ كَمَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِيهِ وَافَى أَهْلُ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ بِحَرَسِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْعَلَائِيِّ أَنَّهُمَا مُتَقَارِبَتَانِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ رَجَعَ جَمِيعُ الْمُخْتَلِفِ إِلَى أَنَّهُ لِاخْتِلَافِ السَّيْرِ البطيء وَالسير السَّرِيع وسأحكي كَلَام بن التِّينِ فِي تَقْدِيرِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّادِسَ عَشَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ قَالَ الْمَازِرِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ النُّحَاةِ أَنْ يُقَالَ أَشَدُّ بَيَاضًا وَلَا يُقَالَ أَبْيَضُ مِنْ كَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي الشِّعْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ بِقِلَّةٍ وَيَشْهَدُ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ.

.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَكَذَا لِابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَكَذَا لِأَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ بن أَبِي عَاصِمٍ .

     قَوْلُهُ  وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكَ فِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكَ وَمثله فِي حَدِيث أبي امامة عِنْد بن حبَان رَائِحَة وَزَاد بن أبي عَاصِم وبن أَبِي الدُّنْيَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ وَزَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَثَوْبَانَ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَلَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَحْلَى مَذَاقًا مِنَ الْعَسَلِ وَزَادَ أَحْمَدُ فِي حَدِيث بن عمر وَمن حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَمَاؤُهُ أَشَدُّ بَرْدًا مِنَ الثَّلْجِ .

     قَوْلُهُ  وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي بَعْدَهُ وَفِيهِ مِنَ الْأَبَارِيقِ كَعِدَّةِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَفِي حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِدِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ فِيهِ الْآنِيَةُ مِثْلُ الْكَوَاكِبِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنقُدَّامَكُمْ حَوْض فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ حَوْضِي بِزِيَادَةِ يَاءِ الْإِضَافَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي عِنْدَ كُلِّ مَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ كَمُسْلِمٍ .

     قَوْلُهُ  كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ أَمَّا جَرْبَاءُ فَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ بِلَفْظِ تَأْنِيثِ أَجْرَبَ قَالَ عِيَاضٌ جَاءَتْ فِي الْبُخَارِيِّ مَمْدُودَةً.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الصَّوَابُ أَنَّهَا مَقْصُورَةٌ وَكَذَا ذَكَرَهَا الْحَازِمِيُّ وَالْجُمْهُورُ قَالَ وَالْمَدُّ خَطَأٌ وَأَثْبَتَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ الْمَدَّ وَجَوَّزَ الْقَصْرَ وَيُؤَيِّدُ الْمَدَّ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ الْبَكْرِيِّ هِيَ تَأْنِيثُ أَجْرَبَ.

.
وَأَمَّا أَذْرُحُ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ قَالَ عِيَاضٌ كَذَا لِلْجُمْهُورِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعُذْرِيِّ فِي مُسْلِمٍ بِالْجِيمِ وَهُوَ وَهَمٌ.

.

قُلْتُ وَسَأَذْكُرُ الْخِلَافَ فِي تَعْيِينِ مَكَانَيْ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ على الحَدِيث السَّادِس إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْكَوْثَرِ وَقَولُهُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :6237 ... غــ :6579] قَوْله نَافِع هُوَ بن عُمَرَ الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ خَالَفَ نَافِعُ بْنُ عُمَرَ فِي صَحَابِيِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَان بن خثيم فَقَالَ عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَنَافِع بن عمر احفظ من بن خُثَيْمٍ .

     قَوْلُهُ  حَوْضِي مَسِيرَةَ شَهْرٍ زَادَ مُسْلِمٌ والإسماعيلي وبن حِبَّانَ فِي رِوَايَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَدْفَعُ تَأْوِيلَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَحَادِيثِ فِي تَقْدِيرِ مَسَافَةِ الْحَوْضِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعَرْضِ وَالطُّولِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي بَعْدَهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ وَأَيْلَةُ مَدِينَةٌ كَانَتْ عَامِرَةً وَهِيَ بِطَرَفِ بَحْرِ الْقُلْزُمِ مِنْ طَرَفِ الشَّامِ وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ يَمُرُّ بِهَا الْحَاجُّ مِنْ مِصْرَ فَتَكُونُ شَمَالِيَّهُمْ وَيَمُرُّ بِهَا الْحَاجُّ مِنْ غَزَّةَ وَغَيْرِهَا فَتَكُونُ أَمَامَهُمْ وَيَجْلِبُونَ إِلَيْهَا الْمِيرَةَ مِنَ الْكُرْكِ وَالشَّوْبَكِ وَغَيْرِهِمَا يَتَلَقَّوْنَ بِهَا الْحَاجَّ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِلَيْهَا تُنْسَبُ الْعَقَبَةُ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ نَحْوَ الشَّهْرِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ إِنِ اقْتَصَرُوا كُلَّ يَوْمٍ عَلَى مَرْحَلَةٍ وَإِلَّا فَدُونَ ذَلِكَ وَهِيَ مِنْ مِصْرَ عَلَى أَكْثَرِ مِنَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُصِبْ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِمَّا بَيْنَ مِصْرَ وَمَكَّةَ بَلْ هِيَ دُونَ الثُّلُثِ فَإِنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى مِصْرَ وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَيْلَةَ شِعْبٌ مِنْ جَبَلِ رَضْوَى الَّذِي فِي يَنْبُعَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اسْمٌ وَافَقَ اسْمًا وَالْمُرَادُ بِأَيْلَةَ فِي الْخَبَرِ هِيَ الْمَدِينَةُ الْمَوْصُوفَةُ آنِفًا وَقَدْ ثَبَتَ ذِكْرُهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَفِيهِ أَنَّ صَاحِبَ أَيْلَةَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَالَحَهُ وَتَقَدَّمَ لَهَا ذِكْرٌ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ.

.
وَأَمَّا صَنْعَاءُ فَإِنَّمَا قُيِّدَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْيَمَنِ احْتِرَازًا مِنْ صَنْعَاءَ الَّتِي بِالشَّامِ وَالْأَصْلُ فِيهَا صَنْعَاءُ الْيَمَنِ لَمَّا هَاجَرَ أَهْلُ الْيَمَنِ فِي زَمَنِ عُمَرَ عِنْدَ فُتُوحِ الشَّامِ نَزَلَ أَهْلُ صَنْعَاءَ فِي مَكَانٍ مِنْ دِمَشْقَ فَسُمِّيَ بِاسْمِ بَلَدِهِمْ فَعَلَى هَذَا فَمِنْ فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنَ الْيَمَنِ إِنْ كَانَتِ ابْتِدَائِيَّةً فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مَرْفُوعًا وَإِنْ كَانَتْ بَيَانِيَّةً فَيَكُونُ مُدْرَجًا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الزُّهْرِيُّ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَيْضًا كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ عَدَنَ بَدَلَ صَنْعَاءَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبْعَدَ مِنْ أَيْلَةَ إِلَى عَدَنَ وَعَدَنُ بِفَتْحَتَيْنِ بَلَدٌ مَشْهُورٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فِي أَوَاخِرِ سَوَاحِلِ الْيَمَنِ وَأَوَائِلِ سَوَاحِلِ الْهِنْدِ وَهِيَ تُسَامِتُ صَنْعَاءَ وَصَنْعَاءُ فِي جِهَةِ الْجِبَالِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَا بَيْنَ عُمَانَ إِلَى أَيْلَةَ وَعُمَانُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ بَلَدٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرَيْنِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ عِنْدَ بن حِبَّانَ مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَقَارِبَةٌ لِأَنَّهَا كُلُّهَا نَحْوَ شَهْرٍ أَوْ تَزِيدُ أَوْ تَنْقُصُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى التَّحْدِيدُ بِمَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ فَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّانَ الْبَلْقَاءَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَمَّانُ هَذِهِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ لِلْأَكْثَرِ وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا وَتُنْسَبُ إِلَى الْبَلْقَاءِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا وَالْبَلْقَاءُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا قَافٌ وَبِالْمَدِّ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ فِلَسْطِينَ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَا بَيْنَ بُصْرَى إِلَى صَنْعَاءَ أَوْ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ وَبُصْرَى بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ بِطَرَفِ الشَّامِ مِنْ جِهَةِ الْحِجَازِ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَحْمَدَ بُعْدَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَأَيْلَةَ وَفِي لَفْظٍ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعَمَّانَ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى بُصْرَى وَمِثْلُهُ لِابْنِ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ إِلَى أَيْلَةَ أَوْ بَيْنَ صَنْعَاءَ وَمَكَّةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سعيد عِنْد بن أبي شيبَة وبن مَاجَهْ مَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ كَمَا بَيْنَ الْبَيْضَاءِ إِلَى بُصْرَى وَالْبَيْضَاءُ بِالْقُرْبِ مِنَ الرَّبَذَةِ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهَذِهِ الْمَسَافَاتُ مُتَقَارِبَةٌ وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى نَحْوِ نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ تَنْقُصُ وَأَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِسَنَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَسَأَلْتُهُ قَالَ قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوُهُ لَهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَكِنْ قَالَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ فَقَالَ عِيَاضٌ هَذَا مِنِ اخْتِلَافِ التَّقْدِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ فَيُعَدُّ اضْطِرَابًا مِنَ الرُّوَاةِ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ سَمِعُوهُ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْرب فِي كل مِنْهَا مَثَلًا لِبُعْدِ أَقْطَارِ الْحَوْضِ وَسَعَتُهُ بِمَا يَسْنَحُ لَهُ من الْعبارَة وَيقرب ذَلِك للْعلم ببعد مَا بَيْنَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ لَا عَلَى إِرَادَةِ الْمَسَافَةِ الْمُحَقَّقَةِ قَالَ فَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى انْتَهَى مُلَخَّصًا وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ضَرْبَ الْمَثَلِ وَالتَّقْدِيرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَقَارَبُ.

.
وَأَمَّا هَذَا الِاخْتِلَافُ الْمُتَبَاعِدُ الَّذِي يَزِيدُ تَارَةً عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيَنْقُصُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ظَنَّ بَعْضُ الْقَاصِرِينَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِ الْحَوْضِ اضْطِرَابٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ عِيَاضٍ وَزَادَ وَلَيْسَ اخْتِلَافًا بَلْ كُلُّهَا تُفِيدُ أَنَّهُ كَبِيرٌ مُتَّسِعٌ مُتَبَاعِدُ الْجَوَانِبِ ثُمَّ قَالَ وَلَعَلَّ ذِكْرَهُ لِلْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِحَسَبِ مَنْ حَضَرَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ تِلْكَ الْجِهَةَ فَيُخَاطِبُ كُلَّ قَوْمٍ بِالْجِهَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِكْرِ الْمَسَافَةِ الْقَلِيلَةِ مَا يَدْفَعُ الْمَسَافَةَ الْكَثِيرَةَ فَالْأَكْثَرُ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَلَا مُعَارَضَةَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْمَسَافَةِ الْيَسِيرَةِ ثُمَّ أُعْلِمَ بِالْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ فَأَخْبَرَهُ بِهَا كَأَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِاتِّسَاعِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَيَكُونُ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَطْوَلِهَا مَسَافَةً وَتَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ جَمَعَ الِاخْتِلَافَ بِتَفَاوُتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَرَدَّهُ بِمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو زَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَوَقَعَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ وَجَابِرٍ وَأَبِي بَرْزَةَ وَأَبِي ذَرٍّ طُولُهُ وَعَرْضُهُ سَوَاءٌ وَجَمَعَ غَيْرُهُ بَيْنَ الِاخْتِلَافَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِاخْتِلَافِ السَّيْرِ الْبَطِيءِ وَهُوَ سَيْرُ الْأَثْقَالِ وَالسَّيْرِ السَّرِيعِ وَهُوَ سَيْرُ الرَّاكِبِ الْمُخِفِّ وَيُحْمَلُ رِوَايَةُ أَقَلِّهَا وَهُوَ الثَّلَاثُ عَلَى سَيْرِ الْبَرِيدِ فَقَدْ عُهِدَ مِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ مَسَافَةَ الشَّهْرِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ كَانَ نَادِرًا جِدًّا وَفِي هَذَا الْجَوَابِ عَنِ الْمَسَافَةِ الْأَخِيرَةِ نَظَرٌ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُ مُسَلَّمٌ وَهُوَ أَوْلَى مَا يُجْمَعُ بِهِ.

.
وَأَمَّا مَسَافَةُ الثَّلَاثِ فَإِنَّ الْحَافِظَ ضِيَاءَ الدِّينِ الْمَقْدِسِيَّ ذَكَرَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْحَوْضِ أَنَّ فِي سِيَاقِ لَفْظِهَا غَلَطًا وَذَلِكَ الِاخْتِصَارُ وَقَعَ فِي سِيَاقِهِ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ فَوَائِدِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْهَيْثَمِ الدَّيْرَعَاقُولِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي ذِكْرِ الْحَوْضِ فَقَالَ فِيهِ عَرْضُهُ مِثْلُ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ قَالَ الضِّيَاءُ فَظَهَرَ بِهَذَا انه وَقع فِي حَدِيث بن عُمَرَ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ كَمَا بَيْنَ مَقَامِي وَبَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ فَسَقَطَ مَقَامِي وَبَيْنَ.

     وَقَالَ  الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ هُمَا قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ غَلَّطَهُ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ بَيْنَهُمَا غَلْوَةَ سَهْمٍ وَهُمَا مَعْرُوفَتَانِ بَيْنَ الْقُدْسِ وَالْكَرْكِ قَالَ وَقَدْ ثَبَتَ الْقَدْرُ الْمَحْذُوفُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَجَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ.

.

قُلْتُ وَهَذَا يُوَافق رِوَايَة أبي سعيد عِنْد بن مَاجَهْ كَمَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِيهِ وَافَى أَهْلُ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ بِحَرَسِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْعَلَائِيِّ أَنَّهُمَا مُتَقَارِبَتَانِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ رَجَعَ جَمِيعُ الْمُخْتَلِفِ إِلَى أَنَّهُ لِاخْتِلَافِ السَّيْرِ البطيء وَالسير السَّرِيع وسأحكي كَلَام بن التِّينِ فِي تَقْدِيرِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرَحَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّادِسَ عَشَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ قَالَ الْمَازِرِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ النُّحَاةِ أَنْ يُقَالَ أَشَدُّ بَيَاضًا وَلَا يُقَالَ أَبْيَضُ مِنْ كَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي الشِّعْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ بِقِلَّةٍ وَيَشْهَدُ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ.

.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَكَذَا لِابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَكَذَا لِأَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ بن أَبِي عَاصِمٍ .

     قَوْلُهُ  وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكَ فِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكَ وَمثله فِي حَدِيث أبي امامة عِنْد بن حبَان رَائِحَة وَزَاد بن أبي عَاصِم وبن أَبِي الدُّنْيَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ وَزَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَثَوْبَانَ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَلَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَحْلَى مَذَاقًا مِنَ الْعَسَلِ وَزَادَ أَحْمَدُ فِي حَدِيث بن عمر وَمن حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَمَاؤُهُ أَشَدُّ بَرْدًا مِنَ الثَّلْجِ .

     قَوْلُهُ  وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي بَعْدَهُ وَفِيهِ مِنَ الْأَبَارِيقِ كَعِدَّةِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَفِي حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِدِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ فِيهِ الْآنِيَةُ مِثْلُ الْكَوَاكِبِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ فِيهِ أَبَارِيقُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ شَرِبَ مِنْهَا أَيْ مِنَ الْكِيزَانِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ أَيْ مِنَ الْحَوْضِ فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْآتِي قَرِيبًا مَنْ مَرَّ عَلِيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مَنْ وَرَدَهُ فَشَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا وَهَذَا يُفَسِّرُ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْ مَرَّ بِهِ شَرِبَ أَيْ مَنْ مَرَّ بِهِ فَمُكِّنَ مِنْ شُرْبِهِ فَشَرِبَ لَا يَظْمَأُ أَوْ مَنْ مُكِّنَ مِنَ الْمُرُورِ بِهِ شَرِبَ وَفِي حَدِيث أبي امامة وَلم يسود وَجه ابدا وَزَاد بن أَبِي عَاصِمٍ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَنْ صُرِفَ عَنْهُ لَمْ يُرْوَ أَبَدًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ بن أَبِي الدُّنْيَا أَوَّلُ مَنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ يَسْقِي كُلَّ عَطْشَانَ الْحَدِيثُ السَّابِعُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :6237 ... غــ : 6579 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «حَوْضِى مَسِيرَةُ شَهْرٍ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا».

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي قال: ( حدّثنا نافع بن عمر) بن عبد الله الجمحي المكي الحافظ ( عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بالتصغير ابن عبد الله بن جدعان ويقال اسم أبي مليكة زهير التيمي المدني أدرك ثلاثين من الصحابة أنه ( قال: قال عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاصي -رضي الله عنهما- ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( حوضي مسيرة شهر) زاد مسلم من هذا الوجه زوايا سواء أي لا يزيد طوله على عرضه وفيه رد على من جمع بين اختلاف الأحاديث في تقدير مسافة الحوض باختلاف العرض والطول كما سبق قريبًا ( ماؤه أبيض من اللبن) فيه حجة للكوفيين على إجازة أفعل التفضيل من اللون.
وقال البصريون: لا يصاغ منه ولا من غير الثلاثي فقيل لأن اللون الأصل في أفعاله الزيادة على
ثلاثة، وقيل لأنه خلق ثابت في العادة وإنما يتعجب مما يقبل الزيادة والنقصان فجرت ذلك مجرى الأجسام الثابتة على حال واحد قالوا: وإنما يتوصل إلى التفضيل فيه وفيما زاد على الثلاثي بأفعل مصوغًا من فعل دال على مطلق الرجحان، والزيادة نحو أكبر وأزيد وأرجح وأشد.
قال الجوهري تقول: هذا أشد بياضًا من كذا ولا تقل أبيض منه وأهل الكوفة يقولونه ويحتجون يقول الراجز:
جارية في دعها الفضفاض ... أبيض من أخت بني أباض
قال المبرد ليس البيت الشاذ بحجة على الأصل المجمع عليه وأما قول الراجز طرفة:
إذا الرجال شتوا واشتد أكلهم ... فأنت أبيضهم سربال طباخ
فيحتمل أن لا يكون بمعنى أفعل الذي تصحبه من للمفاضلة، وإنما هو بمنزلة قولك هو أحسنهم وجهًا وأكرمهم أبًا تريد حسنهم وجهًا وكريمهم أبًا فكأنه قال: فأنت مبيضهم سربالاً، فلما أضافه انتصب ما بعده على التمييز وجعل ابن مالك قوله أبيض من المحكوم بشذوذه.
وقال النووي: هي لغة وإن كانت قليلة الاستعمال والحديث يدل على صحتها، وفي مسلم من رواية أبي ذر وابن مسعود عند أحمد بلفظ أشد بياضًا من اللبن ( وريحه أطيب) ريحًا ( من المسك) .
وزاد مسلم من حديث أبي ذر وثوبان وأحلى من العسل، وزاد أحمد من حديث ابن مسعود وأبرد من الثلج ( وكيزاته كنجوم السماء) أي في الإشراق والكثرة ولأحمد من رواية الحسن عن أنس أكثر من عدد نجوم السماء ( من شرب) بفتح الشين وكسر الراء ( منها) من الكيزان، ولأبي ذر عن الكشميهني: من يشرب بلفظ المضارع والجزم على أن من شرطية ويجوز الرفع على أنها موصولة، ولأبي ذر منه أي من الحوض ( فلا يظمأ أبدًا) .
وعند ابن أبي الدنيا عن النواس بن سمعان أول من يرد عليه من يسقي كل عطشان.

وحديث الباب أخرجه مسلم في الحوض أيضًا.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :6237 ... غــ :6579 ]
- حدّثنا سَعيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حدّثنا نافِعُ بنُ عُمَرَ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بنُ عَمْروٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَوْله: ( حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، ماؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، ورِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِس، وكِيزانُهُ كَنُجُومِ السَّماءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْها فَلاَ يَظْمَأُ أبَداً) .

سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الجُمَحِي الْمصْرِيّ، وَنَافِع بن عمر الجُمَحِي الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة التَّيْمِيّ الْمَكِّيّ، يروي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْحَوْض عَن دَاوُد بن عَمْرو عَن نَافِع بِهِ.
قَوْله: ( حَوْضِي مسيرَة شهر) وَفِي رِوَايَة مُسلم: مسيرَة شهر وزواياه سَوَاء.
قَوْله: ( مَاؤُهُ أَبيض من اللَّبن) قَالَ الْمَازرِيّ: مُقْتَضى كَلَام النُّحَاة أَن يُقَال: أَشد بَيَاضًا، وَلَا يُقَال: أَبيض من كَذَا، وَمِنْهُم من أجَازه فِي الشّعْر، وَمِنْهُم من أجَاز بقلة، وَيشْهد لَهُ هَذَا الحَدِيث وَغَيره،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك من تصرف الروَاة، فقد وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عِنْد مُسلم بِلَفْظ: أَشد بَيَاضًا من اللَّبن.
انْتهى.

قلت: القَوْل بِأَن هَذَا جَاءَ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أولى من نِسْبَة الروَاة إِلَى الْغَلَط على زعم النُّحَاة، واستشهاده لذَلِك بِرِوَايَة مُسلم لَا يفِيدهُ لِأَنَّهُ لَا مَانع أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اسْتعْمل أفعل التَّفْضِيل من اللَّوْن فَيكون حجَّة على النُّحَاة.
قَوْله: ( وريحه أطيب من الْمسك) وَعند التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر: أطيب ريحًا من الْمسك، وَعند ابْن حبَان فِي حَدِيث أبي أُمَامَة: أطيب رَائِحَة، وَزَاد ابْن أبي عَاصِم وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي حَدِيث بُرَيْدَة: وألين من الزّبد، وَزَاد مُسلم فِي حَدِيث أبي ذَر وثوبان: وَأحلى من الْعَسَل، وَزَاد أَحْمد فِي حَدِيث ابْن عَمْرو من حَدِيث ابْن مَسْعُود: وأبرد من الثَّلج، وَعند التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث ابْن عمر: وماؤه أَشد بردا من الثَّلج.
قَوْله: ( وكيزانه) جمع كوز قَوْله: ( كنجوم السَّمَاء) الظَّاهِر أَن التَّشْبِيه فِي الْعدَد، وَيحْتَمل أَن يكون فِي الضياء.
وَعند مُسلم من حَدِيث ابْن عمر: فِيهِ أَبَارِيق كنجوم السَّمَاء.
قَوْله: ( من شرب مِنْهَا) أَي: من الكيزان، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من شرب مِنْهُ، أَي: من شرب من الْحَوْض.
قَوْله: ( فَلَا يظمأ أبدا) أَي: فَلَا يعطش أبدا، وَزَاد ابْن أبي عَاصِم فِي حَدِيث أبي ابْن كَعْب: وَمن صرف عَنهُ لم يرو أبدا.