هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
562 حَدَّثَنِي يَحْيَى ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ ، عَنْ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ ، وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ أَبُو أُمِّهِ ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ : أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ عَلَيْهِ فَصَاحَ بِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ ، فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : غُلِبْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّبِيعِ ، فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ ، فَجَعَلَ جَابِرٌ يُسَكِّتُهُنَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعْهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوُجُوبُ ؟ قَالَ : إِذَا مَاتَ ، فَقَالَتِ ابْنَتُهُ : وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا ، فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ جِهَازَكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ ، وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ ؟ قَالُوا : الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ ، سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ ، وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
562 حدثني يحيى ، عن مالك ، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ، عن عتيك بن الحارث ، وهو جد عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمه ، أنه أخبره : أن جابر بن عتيك أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب عليه فصاح به فلم يجبه ، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : غلبنا عليك يا أبا الربيع ، فصاح النسوة وبكين ، فجعل جابر يسكتهن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية ، قالوا : يا رسول الله وما الوجوب ؟ قال : إذا مات ، فقالت ابنته : والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا ، فإنك كنت قد قضيت جهازك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته ، وما تعدون الشهادة ؟ قالوا : القتل في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشهداء سبعة ، سوى القتل في سبيل الله : المطعون شهيد ، والغرق شهيد ، وصاحب ذات الجنب شهيد ، والمبطون شهيد ، والحرق شهيد ، والذي يموت تحت الهدم شهيد ، والمرأة تموت بجمع شهيد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من شرح الزرقاني

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ أَبُو أُمِّهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ عَلَيْهِ فَصَاحَ بِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: غُلِبْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّبِيعِ، فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ، فَجَعَلَ جَابِرٌ يُسَكِّتُهُنَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوُجُوبُ؟ قَالَ: إِذَا مَاتَ، فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا، فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ جِهَازَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟ قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ، سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ.


( النهي عن البكاء على الميت)

( مالك عن عبد الله بن عبد الله) بفتح العين فيهما وهذا مما توافق فيه اسم الأب وابنه ( ابن جابر) ويقال جبر ( ابن عتيك) بفتح المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية وكاف الأنصاري المدني ( عن عتيك بن الحارث) بن عتيك الأنصاري المدني ( وهو جد) الراوي عنه ( عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمه أنه أخبره أن جابر بن عتيك) بن قيس الأنصاري صحابي جليل اختلف في شهوده بدرًا مات سنة إحدى وستين وهو ابن إحدى وتسعين ( أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت) بن قيس الأنصاري الأوسي ويقال إنه ظفري مات في العهد النبوي وقال الواقدي وابن الكلبي هو عبد الله بن عبد الله له ولأبيه صحبة قال الكلبي دفنه صلى الله عليه وسلم في قميصه وعاش الأب إلى خلافة عمر وكانا جميعًا شهدا أحدًا وكذا قال الطبري وابن السكن وآخرون وقال بعضهم إنه أخو خزيمة بن ثابت قاله في الإصابة ( فوجده قد غلب عليه) أي غلبه الألم حتى منعه إجابة النبي صلى الله عليه وسلم ( فصاح به) أي ناداه ( فلم يجبه فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون تصبيرًا لنفسه وإشعارًا لها أن الكل لله وراجع إليه ( وقال غلبنا عليك) قال الباجي يحتمل أنه أراد التصريح بمعنى استرجاعه وتأسفه ( يا أبا الربيع) كنيته رضي الله عنه وفيه تكنية الرئيس لمن دونه ولم يستكبر عن ذلك من الخلفاء إلا من حرم التقوى ( فصاح النسوة وبكين) وفيه إباحة البكاء على المريض بالصياح وغيره عند حضور وفاته ( فجعل جابر يسكتهن) لأنه سمع النهي عن البكاء فحمله على عمومه ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن) يبكين حتى يموت ( فإذا وجب فلا تبكين باكية) أي لا ترفع صوتها بالبكاء أما دمع العين وحزن القلب فالسنة ثابتة بإباحة ذلك في كل وقت وعليه جماعة العلماء بكى صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم وعلى ابنة زينب ابنته وقال هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده ومر بجنازة يبكى عليها فانتهرهن عمر فقال دعهن فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب قاله أبو عمر ( قالوا يا رسول الله وما الوجوب) الذي أردت بقولك فإذا وجب ( قال إذا مات) فلا تبكين باكية قال الباجي أشار به والله أعلم إلى بكاء مخصوص وهو ما جرت به العادة من الصياح والدعاء بالويل والثبور وفي الحديث إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه ( فقالت ابنته والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدًا فإنك كنت قد قضيت) أي أتممت ( جهازك) بفتح الجيم وكسرها ما تحتاج إليه في سفرك للغزو والخطاب لأبيها قال في الفتح الجهاز بفتح الجيم وتكسر ومنهم من أنكره وهو ما يحتاج إليه في السفر وقال في النور بكسر الجيم أفصح من فتحها بل لحن من فتح والذي في الصحاح وأما جهاز العروس والسفر فيفتح ويكسر ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته) أي على مقدار العمل الذي نواه كما نواه فالنية بمعنى المنوي ويحتمل أن له من الأجر بقدر ما يجب لنيته وهذا أظهر من جهة اللفظ والأول أظهر من جهة المعنى لأن القصد أن يخبر أن ما نواه لم يفته ولو لم يكن له من الأجر إلا بقدر النية لما كان لابنته في ذلك راحة قاله الباجي وقال ابن عبد البر فيه أن المتجهز للغزو إذا حيل بينه وبينه يكتب له أجر الغزو على قدر نيته والآثار بذلك متواترة صحاح منها قوله صلى الله عليه وسلم في تبوك إن بالمدينة قومًا ما سرتم مسيرًا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديًا إلا وهم معكم حبسهم العذر انتهى.
وفي مسلم عن أنس مرفوعًا من طلب الشهادة صادقًا أعطيها ولو لم تصبه أي أعطي ثوابها ولو لم يقتل وأصرح منه ما أخرجه الحاكم بلفظ من سأل القتل في سبيل الله صادقًا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد وللنسائي من حديث معاذ مثله وللحاكم من حديث سهل بن حنيف مرفوعًا من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ( وما تعدون الشهادة قالوا القتل في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد ابن ماجه من حديث أبي هريرة ومن وجه آخر من حديث جابر بن عتيك نفسه أن شهداء أمتي إذن لقليل ( الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله) وتقدم في باب العتمة والصبح من حديث أبي هريرة الشهداء خمسة فقيل نسي بعض رواتها باقي السبع قال الحافظ وهو بعيد لكن يقربه أن مسلمًا روى من حديث أبي هريرة شاهدًا لحديث جابر بن عتيك هذا وزاد فيه ونقص فمن زيادته ومن مات في سبيل الله فهو شهيد والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم علم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة وتبلغ بطرق فيها ضعف أزيد من ذلك ( المطعون) الميت بالطاعون ( شهيد) وفي الحديث أن فناء أمتي بالطعن والطاعون قالت عائشة أما الطعن فقد عرفناه فما الطاعون قال غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط ( والغرق) بفتح الغين وكسر الراء الذي يموت غريقًا في الماء ( شهيد وصاحب ذات الجنب) مرض معروف وهو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع ويقال هو الشوصة ( شهيد والمبطون) قال ابن عبد البر قيل هو صاحب الإسهال وقيل المحسور وقال ابن الأثير هو الذي يموت بمرض بطنه كالاستسقاء ونحوه.
وفي كتاب الجنائز لأبي بكر المروزي عن شيخه شريح أنه صاحب القولنج ( شهيد والحرق) بفتح فكسر الميت بحرق النار ( شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع) بضم الجيم وتفتح وتكسر وسكون الميم الميتة في النفاس وولدها في بطنها لم تلده وقد تم خلقه وقيل هي التي تموت من الولادة سواء ألقت ولدها أم لا وقيل التي تموت عذراء والأول أشهر وأكثر كما قال ابن عبد البر والحافظ وزاد وقيل الميتة بمزدلفة وهو خطأ ظاهر انتهى.
وفي النهاية الجمع بالضم بمعنى المجموع والمعنى أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة ( شهيد) قال النضر بن شميل سمي بذلك لأنه حي فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة وقال ابن الأنباري لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة وقيل لشهوده عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة وقيل لأنه يشهد له بالأمان من النار وقيل لأن عليه شاهدًا بكونه شهيدًا وقيل لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة وقيل لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل وقيل لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة وقيل لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع لهم وقيل لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه وقيل لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره وقيل لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة وقيل لأن عليه علامة شاهدة أي حاضرة بأنه قد نجا وبعض هذه يختص بمن قتل في سبيل الله وبعضها يعم غيره وبعضها قد ينازع فيه وقد زاد على هذه الثمانية مسلم في حديث أبي هريرة الميت على فراشه في سبيل الله وأحمد من حديث راشد بن حبيش والطبراني من حديث سلمان والسل وهو بكسر المهملة وشد اللام وروى أصحاب السنن وصححه الترمذي عن سعيد بن زيد مرفوعًا من قتل دون ماله فهو شهيد وقال في الدين والدم والأهل مثل ذلك وللنسائي عن سويد بن مقرن مرفوعًا من قتل دون مظلمته فهو شهيد ولأبي داود والطبراني والحاكم عن أبي مالك الأشعري مرفوعًا من وقصه فرسه أو بعيره في سبيل الله أو لدغته هامة أو مات على أي حتف شاء الله فهو شهيد ولابن ماجه عن ابن عباس والبيهقي عن أبي هريرة والدارقطني وصححه عن ابن عمر والصابوني في المائتين عن جابر كله مرفوعًا موت الغريب شهادة وللطبراني من حديث ابن عباس أن اللديغ والشريق والذي يفترسه السبع والخار عن دابته شهيد وفي أبي داود من حديث أم حرام المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد وتقدم قريبًا أحاديث فيمن طلب الشهادة بنية صادقة أنه يكتب شهيدًا والطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح من تردى من رؤوس الجبال شهيد وفي البخاري من حديث عائشة ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد فهذه سبع وعشرون خصلة زائدة على القتل في سبيل الله ذكر الحافظ أن طرقها جيدة وأنه وردت خصال أخرى في أحاديث لم أعرج عليها لضعفها انتهى.
وروى الديلمي من حديث أنس صاحب الحمى وابن منده من حديث علي الميت في السجن وقد حبس ظلمًا والديلمي من حديث ابن عباس الميت عشقا والبزار من حديث أبي ذر وأبي هريرة الميت وهو طالب للعلم قال الباجي وتبعه ابن التين هذه ميتات فيها شدة الألم فتفضل الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعلها تمحيصًا لذنوبهم وزيادة في أجورهم حتى يبلغهم بها مراتب الشهداء قال الحافظ والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان عن جابر والدارمي وأحمد والطحاوي عن عبد الله بن حبشي وابن ماجه عن عمرو بن عنبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الجهاد أفضل قال من عقر جواده وأهريق دمه وروى الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة له بإسناد حسن عن علي قال كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل وتحصل مما ذكر في هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان شهداء الدنيا والآخرة وهو من قتل في حرب الكفار مقبلاً غير مدبر مخلصًا وشهداء الآخرة وهم من ذكر بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا ولأحمد والنسائي عن العرباض وأحمد عن عتبة بن عبد مرفوعًا يختصم الشهداء والمتوفون على فراشهم في الذين يتوفون زمن الطاعون فيقول انظروا إلى جراحهم فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم معهم فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم وإذا تقرر ذلك فإطلاق الشهيد على غير المقتول في سبيل الله مجاز فيحتج به من يجيز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه والمانع يجيب بأنه من عموم المجاز وقد يطلق الشهيد على من قتل في حرب الكفار لكن لا يكون له ذلك في حكم الآخرة لعارض يمنعه كالانهزام وفساد النية انتهى.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق مالك وصححه ابن حبان وقال النووي وهو صحيح باتفاق وإن لم يخرجه الشيخان ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ( عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ( أنها أخبرته) أي أبا بكر ( أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول و) قد ( ذكر لها) من ابن عباس كما في الصحيح ( أن عبد الله بن عمر يقول) عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عمر ( إن الميت ليعذب ببكاء الحي) الظاهر أنه مقابل الميت ويحتمل القبيلة واللام بدل من الضمير أي حيه أي قبيلته فيوافق رواية ابن أبي مليكة ببكاء أهله وفي رواية لمسلم من يبكى عليه يعذب ولفظها أعم وفيه أنه ليس خاصًا بالكافر ( فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن) كنية ابن عمر وهذا من الآداب الحسنة قدمته تمهيدًا ودفعا لما يوحش من نسبته إلى النسيان والخطأ ( أما أنه لم يكذب) أي لم يتعمده حاشاه من ذلك وإلا فالكذب عند أهل السنة الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عمدًا أو نسيانًا ولكن الإثم يختص بالعامد ( ولكنه نسي أو أخطأ) في الفهم فحدث بما ظنه صوابًا ( إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودية يبكي عليها أهلها فقال إنكم لتبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها) بعذاب الكفر لا بسبب البكاء ولم ينفرد ابن عمر برواية ذلك بل رواه أبوه وصهيب بن سنان كما في الصحيحين من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقال ابن عباس لما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول وا أخاه واصاحباه فقال عمر يا صهيب أتبكي علي وقد قال صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه قال ابن عباس فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت يرحم الله عمر والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله وقالت حسبكم القرآن { { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } وقال ابن عباس والله هو أضحك وأبكى قال ابن أبي مليكة والله ما قال ابن عمر شيئًا وفي الصحيحين أيضًا عن أبي موسى لما أصيب عمر جعل صهيب يبكي ويقول يا أخاه فقال عمر أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببكاء الحي وفيه دلالة أن صهيبًا سمعه من المصطفى أيضًا وكأنه نسيه حتى ذكره به عمر قال القرطبي ليس سكوت ابن عمر لشك طرأ له بعدما صرح برفع الحديث ولكن احتمل عنده قبوله للتأويل ولم يتعين له محمل يحمله عليه حينئذ أو كان المجلس لا يقبل المماراة ولم تتعين الحاجة إليها حينئذ ويحتمل كما أشار إليه الكرماني أن ابن عمر فهم من استشهاد ابن عباس بالآية قبول روايته لأنها يمكن أن يتمسك بها في أن الله له أن يعذب بلا ذنب ويكون بكاء الحي علامة على ذلك وقال الخطابي الرواية إذا ثبتت لم يكن إلى دفعها سبيل بالظن وقد رواه عمر وابنه وليس فيما حكت عائشة ما يدفع روايتهما فالخبران معًا صحيحان ولا منافاة بينهما فالميت إنما يعذب إذا أوصى بذلك في حياته وكان ذلك مشهورًا في العرب موجودًا في أشعارهم كقول طرفة

إذا مت فانعيني بما أنا أهله
وشقي علي الجيب يا ابنة معبد

وعلى هذا حمل الجمهور حديث عمر وابنه وقال النووي إنه الصحيح وأجمعوا على أن المراد بالبكاء هنا البكاء بصوت ونياحة لا بمجرد دمع العين انتهى.
واعترض بأن التعذيب بسبب الوصية بمجرد صدورها والحديث دال على أنه إنما يقع عند امتثالها وأجيب بأنه لا حصر في السياق فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا وحمل أيضًا على من كانت عادته النوح والبكاء فمشى أهله على عادته وحمل أيضًا على من أهمل نهي أهله على ذلك قال ابن المرابط إذا علم المرء ما جاء في النهي عن النوح وعرف من شأن أهله فعله ولم يعلمهم بحرمته ولا زجرهم عن تعاطيه فإذا عذب على ذلك فبفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده وبأن معنى الحديث أنه يعذب بنظير ما يبكيه به أهله لأن الأفعال التي يعددون بها عليه غالبًا من الأمور المنهية فهم يمدحونه بها وهو يعذب بصنعه عين ما مدحوه به وقيل معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله به كما رواه أحمد عن أبي موسى مرفوعًا الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة واعضداه واناصراه واكاسباه جبذ الميت وقيل له أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسبها ورواه الترمذي وابن ماجه بنحوه وفي البخاري عن النعمان بن بشير قال أغمي على ابن رواحة فجعلت أخته تبكي وتقول واجبلاه واكذا واكذا فقال حين أفاق ما قلت شيئًا إلا قيل لي أنت كذلك وقيل معنى التعذيب تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها واختاره ابن جرير ورجحه ابن المرابط وعياض وتبعه جماعة واستشهدوا له بحديث قيلة بنت مخرمة قلت يا رسول الله قد ولدته فقاتل معك ثم أصابته الحمى فمات وترك على البكاء فقال صلى الله عليه وسلم أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفًا فإذا مات استرجع فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم الحديث أخرجه ابن أبي خيثمة وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم قال ابن المرابط هذا نص في المسألة فلا يعدل عنه واعترضه ابن رشيد بأنه ليس نصًا في أن المراد صويحبه الميت بل يحتمل أنه صاحبه الحي وإن الميت يعذب حينئذ ببكاء الجماعة عليه وقيل غير ذلك قال الحافظ ويحتمل الجمع بتنزيل هذه التوجيهات على اختلاف الأشخاص فمن كانت طريقته النوح فمشى أهله عليها أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنعه ومن كان ظالمًا فندب بأفعاله الجائزة عذب بما ندب به ومن علم من أهله النياحة وأهمل نهيهم عنها راضيًا بذلك التحق بالأول وإن كان غير راضٍ عذب بالنوح لأنه أهمل النهي ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهاهم ثم خالفوه فعذابه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربه وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك لكن اختصره فقال سمعت عائشة تقول إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره ومسلم عن قتيبة بن سعيد عن مالك به تامًا.