هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5422 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ - أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ ، فَلَمَّا كَانَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ - فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا ، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  أن عمر خرج إلى الشأم ، فلما كان بسرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشأم فأخبره عبد الرحمن بن عوف : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها ، فلا تخرجوا فرارا منه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated `Abdullah bin 'Amir:

`Umar went to Sham and when h ached Sargh, he got the news that an epidemic (of plague) had broken out in Sham. `Abdur-Rahman bin `Auf told him that Allah's Messenger (ﷺ) said, If you hear that it (plague) has broken out in a land, do not go to it; but if it breaks out in a land where you are present, do not go out escaping from it.

":"ہم سے عبداللہ بن یوسف نے بیان کیا ، کہا ہم کو امام مالک نے خبر دی ، انہیں ابن شہاب نے ، انہیں عبداللہ بن عامر نے کہحضرت عمر رضی اللہ عنہ شام کے لیے روانہ ہوئے جب مقام سرغ میں پہنچے تو آپ کو خبر ملی کہ شام میں طاعون کی وبا پھوٹ پڑی ہے ۔ پھر حضرت عبدالرحمٰن بن عوف رضی اللہ عنہ نے ان کو خبر دی کہ رسول کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا جب تم وبا کے متعلق سنو کہ وہ کسی جگہ ہے تو وہاں نہ جاؤ اور جب کسی ایسی جگہ وبا پھوٹ پڑے جہاں تم موجود ہو تو وہاں سے بھی مت بھاگو ۔ ( وبا میں طاعون ہیضہ وغیرہ سب داخل ہیں ۔ )

شرح الحديث من فتح الباري لابن حجر

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    [ قــ :5422 ... غــ :5730] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَامر هُوَ بن رَبِيعَةَ وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْكِ الْحِيَلِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ هَذَا مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسمع مِنْهُ بن شِهَابٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَالِيًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعُمَرَ لَكِنَّهُ اخْتَصَرَ الْقِصَّةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَفِي رِوَايَة القعْنبِي عقب هَذِه الطَّرِيق وَعَن بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ لِمُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ.

     وَقَالَ  إِنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ مِنْ سَرْغَ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَدْ رَوَاهُ جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ مُطَوَّلًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ فَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ إِذَا سَمِعَ بِهِ وَأَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ إِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ هُوَ بِهَا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ بِمَعْنَاهُ وَرِوَايَةُ سَالِمٍ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ وَلَا جَدَّهُ عُمَرَ وَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَقَدْ رَوَاهُ بن أبي ذِئْب عَن بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ فَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ عُمَرَ وَهُوَ فِي طَرِيقِ الشَّامِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ بِهَا الطَّاعُونَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ فَإِن كَانَ مَحْفُوظًا فَيكون بن شِهَابٍ سَمِعَ أَصْلَ الْحَدِيثِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَبَعْضَهُ مِنْ سَالِمٍ عَنْهُ وَاخْتَصَرَ مَالِكٌ الْوَاسِطَةَ بَيْنَ سَالِمٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَيْسَ مُرَادُ سَالِمٍ بِهَذَا الْحَصْرِ نَفْيَ سَبَبِ رُجُوعِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ عَنْ رَأْيِهِ الَّذِي وَافَقَ عَلَيْهِ مَشْيَخَةَ قُرَيْشٍ مِنْ رُجُوعِهِ بِالنَّاسِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الْخَبَرَ رَجَحَ عِنْدَهُ مَا كَانَ عَزَمَ عَلَيْهِ مِنَ الرُّجُوعِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَبَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي الرُّجُوعِ حَتَّى جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَحَدَّثَ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ فَوَافَقَ رَأْيَ عُمَرَ الَّذِي رَآهُ فَحَضَرَ سَالِمٌ سَبَبُ رُجُوعِهِ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْأَقْوَى وَلَمْ يُرِدْ نَفْيَ السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ اجْتِهَادُ عُمَرَ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَوْلَا وُجُودُ النَّصِّ لَأَمْكَنَ إِذَا أَصْبَحَ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ أَوْ يَرْجِعَ عَنْ رَأْيِهِ فَلَمَّا سَمِعَ الْخَبَرَ اسْتَمَرَّ عَلَى عَزْمِهِ الْأَوَّلِ وَلَوْلَا الْخَبَرُ لَمَا اسْتَمَرَّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ بِالرُّجُوعِ تَرْكَ الْإِلْقَاءِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَهُوَ كَمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ إِلَى دَارٍ فَرَأَى بِهَا مَثَلًا حَرِيقًا تَعَذَّرَ طَفْؤُهُ فَعَدَلَ عَنْ دُخُولِهَا لِئَلَّا يُصِيبَهُ فَعَدَلَ عُمَرُ لِذَلِكَ فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ جَاءَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ فَأَعْجَبَهُ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ إِنَّمَا رَجَعَ لِأَجْلِ الْحَدِيثِ لَا لِمَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ فَقَطْ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ أَتَى الشَّامَ فَاسْتَقْبَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ فَقَالَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ مَعَكَ وُجُوهَ الصَّحَابَةِ وَخِيَارَهُمْ وَإِنَّا تَرَكْنَا مَنْ بَعْدَنَا مِثْلَ حَرِيقِ النَّارِ فَارْجِعِ الْعَامَ فَرَجَعَ وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ يُعَارِضُ حَدِيثَ الْبَابِ فَإِنَّ فِيهِ الْجَزْمَ بِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ أَنْكَرَ الرُّجُوعَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ أَشَارَ أَوَّلًا بِالرُّجُوعِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ مَقَامُ التَّوَكُّلِ لَمَّا رَأَى أَكْثَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ جَنَحُوا إِلَيْهِ فَرَجَعَ عَنْ رَأْيِ الرُّجُوعِ وَنَاظَرَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ عُمَرُ بِالْحُجَّةِ فَتَبِعَهُ ثُمَّ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِالنَّصِّ فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ رُجُوعِ مَنْ أَرَادَ دُخُولَ بَلْدَةٍ فَعَلِمَ أَنَّ بِهَا الطَّاعُونَ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الطِّيَرَةِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مَنْعِ الْإِلْقَاءِ إِلَى التَّهْلُكَةِ أَوْ سَدِّ الذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَعْتَقِدَ مَنْ يَدْخُلُ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا أَنْ لَوْ دَخَلَهَا وَطَعْنُ الْعَدْوَى الْمَنْهِيِّ عَنْهَا كَمَا سَأَذْكُرُهُ وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِلتَّنْزِيهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ لِمَنْ قَوِيَ تَوَكُّلُهُ وَصَحَّ يَقِينُهُ وَتَمَسَّكُوا بِمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ نَدِمَ عَلَى رُجُوعِهِ مِنْ سَرْغَ كَمَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ جِئْتُ عُمَرَ حِينَ قَدِمَ فَوَجَدْتُهُ قَائِلًا فِي خِبَائِهِ فَانْتَظَرْتُهُ فِي ظِلِّ الْخِبَاءِ فَسَمِعَتْهُ يَقُولُ حِينَ تَضَوَّرَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي رُجُوعِي مِنْ سَرْغَ وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا وَأَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ قَالَ وَكَيْفَ يَنْدَمُ عَلَى فِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرْجِعُ عَنْهُ وَيَسْتَغْفِرُ مِنْهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ سَنَدَهُ قَوِيٌّ وَالْأَخْبَارَ الْقَوِيَّةَ لَا تُرَدُّ بِمِثْلِ هَذَا مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَمَا حَكَاهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ وَأَنَّ الْقُدُومَ عَلَيْهِ جَائِزٌ لِمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّوَكُّلُ وَالِانْصِرَافُ عَنْهُ رُخْصَةٌ وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ أَقْوَى أَنْ يَكُونَ سَبَبُ نَدَمِهِ أَنَّهُ خَرَجَ لِأَمْرٍ مُهِمٍّ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى قُرْبِ الْبَلَدِ الْمَقْصُودِ رَجَعَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْبَلَدِ الْمَقْصُودِ إِلَى أَنْ يَرْتَفِعَ الطَّاعُونُ فَيَدْخُلُ إِلَيْهَا وَيَقْضِي حَاجَةَ الْمُسْلِمِينَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّاعُونَ ارْتَفَعَ عَنْهَا عَنْ قُرْبٍ فَلَعَلَّهُ كَانَ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَنَدِمَ عَلَى رُجُوعِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَا عَلَى مُطْلَقِ رُجُوعِهِ فَرَأَى أَنَّهُ لَوِ انْتَظَرَ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي رُجُوعِهِ عَلَى الْعَسْكَرِ الَّذِي كَانَ صُحْبَتُهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالْخَبَرُ لَمْ يَرِدْ بِالْأَمْرِ بِالرُّجُوعِ وَإِنَّمَا وَرَدَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْقُدُومِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ إِنَّ النَّاسَ قَدْ نَحَلُونِي ثَلَاثًا أَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْهُنَّ زَعَمُوا أَنِّي فَرَرْتُ مِنَ الطَّاعُونِ وَأَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ وَذَكَرَ الطِّلَاءَ وَالْمَكْسَ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ غَيْرِ عُمَرَ التَّصْرِيحُ بِالْعَمَلِ فِي ذَلِكَ بمحض التَّوَكُّل فَأخْرج بن خُزَيْمَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ خَرَجَ غَازِيًا نَحْوَ مِصْرَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أُمَرَاءُ مِصْرَ أَنَّ الطَّاعُونَ قَدْ وَقَعَ فَقَالَ إِنَّمَا خَرَجْنَا لِلطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ فَدَخَلَهَا فَلَقِيَ طَعْنًا فِي جَبْهَتِهِ ثُمَّ سَلَّمَ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا مَنْعُ مَنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدٍ هُوَ فِيهَا مِنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى أَبِي مُنِيبٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ فِي الطَّاعُونِ إِنَّ هَذَا رِجْزٌ مِثْلُ السَّيْلِ مَنْ تَنَكَّبَهُ أَخْطَأَهُ وَمِثْلُ النَّارِ مَنْ أَقَامَ أَحْرَقَتْهُ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ إِنَّ هَذَا رَحْمَةُ رَبِّكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ وَقَبْضُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَأَبُو مُنِيبٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ دِمَشْقِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَة يعرف بالأحدب وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وبن حِبَّانَ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيُّ فِيمَا تَرَجَّحَ عِنْدِي لِأَنَّ الْأَحْدَبَ أَقْدَمُ مِنَ الْجُرَشِيِّ وَقَدْ أَثْبَتَ الْبُخَارِيُّ سَمَاعَ الْأَحْدَبِ مِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَالْجُرَشِيُّ يَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَنَحْوُهُ وَلِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ شُرَحْبِيلَ بْنِ شُفْعَةَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وشرحبيل بن حَسَنَة بِمَعْنَاهُ وَأخرجه بن خُزَيْمَة والطَّحَاوِي وَسَنَده صَحِيح وَأخرجه أَحْمد وبن خُزَيْمَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بِمَعْنَاهُ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَقَعَتْ عَن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاثِلَةَ الْهُذَلِيِّ وَفِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ صَدَّقَ شُرَحْبِيلَ وَغَيْرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَنَقَلَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ جَوَازَ الْخُرُوجِ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الطَّاعُونُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَمِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمُ الْأَسْوَدُ بْنُ هِلَالٍ وَمَسْرُوقٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ النَّهْيُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ فَيُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وَخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ فَقَالُوا يَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لِظَاهِرِ النَّهْيِ الثَّابِتِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَاضِيَةِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَيُؤَيِّدهُ ثُبُوتُ الْوَعيد على ذَلِك فَأخْرج أَحْمد وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الطَّاعُونُ قَالَ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ الْمُقِيمُ فِيهَا كَالشَّهِيدِ وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ الْفَارُّ مِنَ الطَّاعُونِ كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ وَالصَّابِرُ فِيهِ كالصابر فِي الزَّحْف أخرجه أَحْمد أَيْضا وبن خُزَيْمَةَ وَسَنَدُهُ صَالِحٌ لِلْمُتَابَعَاتِ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ اسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ الْخُرُوجَ بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنِ الدُّخُولِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا قَالُوا وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يُعْدِيَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّهْيُ لِهَذَا لَجَازَ لِأَهْلِ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْخُرُوجُ وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ فَعُرِفَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ مُنِعُوا مِنَ الْقُدُومِ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْنَى الْعَدْوَى وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ عَنِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُصِيبَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فَيَقُولُ لَوْلَا أَنِّي قَدِمْتُ هَذِهِ الْأَرْضَ لَمَا أَصَابَنِي وَلَعَلَّهُ لَوْ أَقَامَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ لَأَصَابَهُ فَأَمَرَ أَنْ لَا يَقْدَمَ عَلَيْهِ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ وَنَهَى مَنْ وَقَعَ وَهُوَ بِهَا أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا لِئَلَّا يَسْلَمَ فَيَقُولَ مَثَلًا لَوْ أَقَمْتُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ لَأَصَابَنِي مَا أَصَابَ أَهْلَهَا وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ أَقَامَ بِهَا مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ اه وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ قَالَ إِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ قَدْ وَقَعَ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ وَاحْذَرُوا اثْنَتَيْنِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ خَرَجَ خَارِجٌ فَسَلِمَ وَجَلَسَ جَالِسٌ فَأُصِيبَ فَلَوْ كُنْتُ خَرَجْتُ لَسَلِمْتُ كَمَا سَلِمَ فُلَانٌ أَوْ لَوْ كُنْتُ جَلَسْتُ أُصِبْتُ كَمَا أُصِيبَ فُلَانٌ لَكِنْ أَبُو مُوسَى حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى مَنْ قَصَدَ الْفِرَارَ مَحْضًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ مَنْ خَرَجَ لِقَصْدِ الْفِرَارِ مَحْضًا فَهَذَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ لَا مَحَالَةَ وَمَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ مُتَمَحِّضَةٍ لَا لِقَصْدِ الْفِرَارِ أَصْلًا وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَنْ تَهَيَّأَ لِلرَّحِيلِ مِنْ بَلَدٍ كَانَ بِهَا إِلَى بَلَدِ إِقَامَتِهِ مَثَلًا وَلَمْ يَكُنِ الطَّاعُونُ وَقَعَ فَاتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي أَثْنَاءِ تَجْهِيزِهِ فَهَذَا لَمْ يَقْصِدِ الْفِرَارَ أَصْلًا فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ وَالثَّالِثُ مَنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَأَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَيْهَا وَانْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ الرَّاحَةَ مِنَ الْإِقَامَةِ بِالْبَلَدِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ فَهَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ وَمِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ الَّتِي وَقَعَ بِهَا وَخِمَةً وَالْأَرْضُ الَّتِي يُرِيدُ التَّوَجُّهَ إِلَيْهَا صَحِيحَةً فَيَتَوَجَّهُ بِهَذَا الْقَصْدِ فَهَذَا جَاءَ النَّقْلُ فِيهِ عَنِ السَّلَفِ مُخْتَلِفًا فَمَنْ مَنَعَ نَظَرَ إِلَى صُورَةِ الْفِرَارِ فِي الْجُمْلَةِ وَمَنْ أَجَازَ نَظَرَ إِلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ الْخُرُوجِ فِرَارًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِلْفِرَارِ وَإِنَّمَا هُوَ لِقَصْدِ التَّدَاوِي وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا وَقَعَ فِي أَثَرِ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورِ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَلَا تَضَعْ كِتَابِي مِنْ يَدِكَ حَتَّى تُقْبِلَ إِلَيَّ فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ حَاجَتَكَ وَإِنِّي فِي جُنْدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا أَجِدُ بِنَفْسِي رَغْبَةً عَنْهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ نَزَلْتَ بِالْمُسْلِمِينَ أَرْضًا غَمِيقَةً فَارْفَعْهُمُ إِلَى أَرْضِ نُزْهَةٍ فَدَعَا أَبُو عُبَيْدَةَ أَبَا مُوسَى فَقَالَ اخْرُجْ فَارْتَدْ للْمُسلمين منزلا حَتَّى انْتقل بهم فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي اشْتِغَالِ أَبِي مُوسَى بِأَهْلِهِ وَوُقُوعِ الطَّاعُونِ بِأَبِي عُبَيْدَةَ لَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ مُتَوَجِّهًا وَأَنَّهُ نَزَلَ بِالنَّاسِ فِي مَكَانٍ آخَرَ فَارْتَفَعَ الطَّاعُونُ وَقَولُهُ غَمِيقَةً بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَقَافٍ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ أَيْ قَرِيبَةٍ مِنَ الْمِيَاهِ وَالنُّزُوزِ وَذَلِكَ مِمَّا يَفْسُدُ غَالِبًا بِهِ الْهَوَاءُ لِفَسَادِ الْمِيَاهِ وَالنُّزْهَةُ الْفَسِيحَةُ الْبَعِيدَةُ عَنِ الْوَخْمِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ رَأَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْخُرُوجِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ قَصَدَ الْفِرَارَ مُتَمَحِّضًا وَلَعَلَّهُ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِأَبِي عُبَيْدَةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلِذَلِكَ اسْتَدْعَاهُ وَظَنَّ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهُ إِنَّمَا طَلَبَهُ لِيَسْلَمَ مِنْ وُقُوعِ الطَّاعُونِ بِهِ فَاعْتَذَرَ عَنْ إِجَابَتِهِ لِذَلِكَ وَقَدْ كَانَ أَمْرُ عُمَرَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ بَعْدَ سَمَاعِهِمَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَتَأَوَّلَ عُمَرُ فِيهِ مَا تَأَوَّلَ وَاسْتَمَرَّ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِهِ وَأَيَّدَ الطَّحَاوِيُّ صَنِيعَ عُمَرَ بِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ فَإِنَّ خُرُوجَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ لِلْعِلَاجِ لَا لِلْفِرَارِ وَهُوَ وَاضِحٌ مِنْ قِصَّتِهِمْ لِأَنَّهُمْ شَكَوْا وَخَمَ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا لَمْ تُوَافِقْ أَجْسَامَهُمْ وَكَانَ خُرُوجُهُمْ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاقِعِ لِأَنَّ الْإِبِلَ الَّتِي أُمِرُوا أَنْ يَتَدَاوَوْا بِأَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا وَاسْتِنْشَاقِ رَوَائِحِهَا مَا كَانَتْ تَتَهَيَّأُ إِقَامَتُهَا بِالْبَلَدِ وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي مَرَاعِيهَا فَلِذَلِكَ خَرَجُوا وَقَدْ لَحَظَ الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ فَتَرْجَمَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الطَّاعُونِ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي لَا تُلَائِمُهُ وَسَاقَ قِصَّةَ الْعُرَنِيِّينَ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ فَرْوَةَ بْنِ مسيك بِمُهْملَة وكاف مصغر قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدَنَا أَرْضًا يُقَالُ لَهَا أَبْيَنُ هِيَ أَرْضُ رِيفِنَا وَمِيرَتِنَا وَهِيَ وَبِئَةٌ فَقَالَ دَعْهَا عَنْكَ فَإِنَّ من القرف التّلف قَالَ بن قُتَيْبَةَ الْقَرَفُ الْقُرْبُ مِنَ الْوَبَاءِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ فِي هَذَا إِثْبَاتُ الْعَدْوَى وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّدَاوِي فَإِنَّ اسْتِصْلَاحَ الْأَهْوِيَةِ مِنْ أَنْفَعِ الْأَشْيَاءِ فِي تَصْحِيحِ الْبَدَنِ وَبِالْعَكْسِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الْبَلَدِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ قَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهُ وَالْمَجْذُومُ قَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْفِرَارِ مِنْهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجُذَامِ مِنْ بَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ مَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْخُرُوجِ حِكَمًا مِنْهَا أَنَّ الطَّاعُونَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ عَامًّا فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ فَإِذَا وَقَعَ فَالظَّاهِرُ مُدَاخَلَةُ سَبَبِهِ لِمَنْ بِهَا فَلَا يُفِيدُهُ الْفِرَارُ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ إِذَا تَعَيَّنَتْ حَتَّى لَا يَقَعَ الِانْفِكَاكُ عَنْهَا كَانَ الْفِرَارُ عَبَثًا فَلَا يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ وَمِنْهَا أَنَّ النَّاسَ لَوْ تَوَارَدُوا عَلَى الْخُرُوجِ لَصَارَ مَنْ عَجَزَ عَنْهُ بِالْمَرَضِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِغَيْرِهِ ضَائِعَ الْمَصْلَحَةِ لِفَقْدِ مَنْ يَتَعَهَّدُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَأَيْضًا فَلَوْ شُرِعَ الْخُرُوجُ فَخَرَجَ الْأَقْوِيَاءُ لَكَانَ فِي ذَلِكَ كَسْرُ قُلُوبِ الضُّعَفَاءِ وَقَدْ قَالُوا إِنَّ حِكْمَةَ الْوَعِيدِ فِي الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ مَنْ لَمْ يَفِرَّ وَإِدْخَالِ الرُّعْبِ عَلَيْهِ بِخِذْلَانِهِ وَقَدْ جَمَعَ الْغَزَالِيُّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ الْهَوَاءُ لَا يَضُرُّ مِنْ حَيْثُ مُلَاقَاتِهِ ظَاهِرَ الْبَدَنِ بَلْ مِنْ حَيْثُ دَوَامِ الِاسْتِنْشَاقِ فَيَصِلُ إِلَى الْقَلْبِ وَالرِّئَةِ فَيُؤَثِّرُ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يَظْهَرُ عَلَى الظَّاهِرِ إِلَّا بَعْدَ التَّأْثِيرِ فِي الْبَاطِنِ فَالْخَارِجُ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ لَا يَخْلُصُ غَالِبًا مِمَّا اسْتَحْكَمَ بِهِ وَيَنْضَافُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ رُخِّصَ لِلْأَصِحَّاءِ فِي الْخُرُوجِ لَبَقِيَ الْمَرْضَى لَا يَجِدُونَ مَنْ يَتَعَاهَدُهُمْ فَتَضِيعُ مَصَالِحُهُمْ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْوَبَاءُ تَتَكَيَّفُ أَمْزِجَةُ أَهْلِهِ بِهَوَاءِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَتَأْلَفُهَا وَتَصِيرُ لَهُمْ كَالْأَهْوِيَةِ الصَّحِيحَةِ لِغَيْرِهِمْ فَلَوِ انْتَقِلُوا إِلَى الْأَمَاكِنِ الصَّحِيحَةِ لَمْ يُوَافِقْهُمْ بَلْ رُبَّمَا إِذَا اسْتَنْشَقُوا هَوَاءَهَا اسْتَصْحَبَ مَعَهُ إِلَى الْقَلْبِ مِنَ الْأَبْخِرَةِ الرَّدِيئَةِ الَّتِي حَصَلَ تَكَيُّفُ بَدَنِهِ بِهَا فَأَفْسَدَتْهُ فَمُنِعَ مِنَ الْخُرُوجِ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْخَارِجَ يَقُولُ لَوْ أَقَمْتُ لَأُصِبْتُ وَالْمُقِيمُ يَقُولُ لَوْ خَرَجْتُ لَسَلِمْتُ فَيَقَعُ فِي اللَّوِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ فِي قَوْلِهِ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ فِيهِ مَنْعُ مُعَارَضَةِ مُتَضَمِّنِ الْحِكْمَةِ بِالْقَدَرِ وَهُوَ مِنْ مَادَّةِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة وَفِي قَوْلِهِ فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ إِشَارَةً إِلَى الْوُقُوفِ مَعَ الْمَقْدُورِ وَالرِّضَا بِهِ قَالَ وَأَيْضًا فَالْبَلَاءُ إِذَا نَزَلَ إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ أَهْلُ الْبُقْعَةِ لَا الْبُقْعَةُ نَفْسُهَا فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ إِنْزَالَ الْبَلَاءِ بِهِ فَهُوَ وَاقِعٌ بِهِ وَلَا مَحَالَةَ فَأَيْنَمَا تَوَجَّهَ يُدْرِكْهُ فَأَرْشَدَهُ الشَّارِعُ إِلَى عَدَمِ النَّصْبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ الْمَحْذُورَ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ تَعْرِيضَ النَّفْسِ لِلْبَلَاءِ وَلَعَلَّهَا لَا تَصْبِرُ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الدَّعْوَى لِمَقَامِ الصَّبْرِ أَوِ التَّوَكُّلِ فَمُنِعَ ذَلِكَ حَذَرًا مِنَ اغْتِرَارِ النَّفْسِ وَدَعْوَاهَا مَا لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاخْتِبَارِ.
وَأَمَّا الْفِرَارُ فَقَدْ يَكُونُ دَاخِلًا فِي التَّوَغُّلِ فِي الْأَسْبَابِ بِصُورَةِ مَنْ يُحَاوَلُ النَّجَاةَ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَأَمَرَنَا الشَّارِعُ بِتَرْكِ التَّكَلُّفِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَمِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا فَأَمَرَ بِتَرْكِ التَّمَنِّي لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْبَلَاءِ وَخَوْفِ اغْتِرَارِ النَّفْسِ إِذْ لَا يُؤْمَنُ غَدْرُهَا عِنْدَ الْوُقُوعِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْوُقُوعِ تَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي قِصَّةِ عُمَرَ مِنَ الْفَوَائِدِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُنَاظَرَةِ وَالِاسْتِشَارَةُ فِي النَّوَازِلِ وَفِي الْأَحْكَامِ وَأَنَّ الِاخْتِلَافِ لَا يُوجِبُ حُكْمًا وَأَنَّ الِاتِّفَاقَ هُوَ الَّذِي يُوجِبُهُ وَأَنَّ الرُّجُوعَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ إِلَى النَّصِّ وَأَنَّ النَّصَّ يُسَمَّى عِلْمًا وَأَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا تَجْرِي بِقَدَرِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ وَأَنَّ الْعَالِمَ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ مَا لَا يَكُونُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَفِيهِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَبِلُوهُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلَمْ يَطْلُبُوا مَعَهُ مُقَوِّيًا وَفِيهِ التَّرْجِيحُ بِالْأَكْثَرِ عَدَدًا وَالْأَكْثَرِ تَجْرِبَةً لِرُجُوعِ عُمَرَ لِقَوْلِ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَيْهِمْ مِمَّنْ وَافَقَ رَأْيَهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَإِنَّ مَجْمُوعَ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَوَازَنَ مَا عِنْدَ الَّذِينَ خَالَفُوا ذَلِكَ مِنْ مَزِيدِ الْفَضْلِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ مَا عِنْدَ الْمَشْيَخَةِ مِنَ السِّنِّ وَالتَّجَارِبِ فَلَمَّا تَعَادَلُوا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ رُجِّحَ بِالْكَثْرَةِ وَوَافَقَ اجْتِهَادُهُ النَّصَّ فَلِذَلِكَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِهِ لِذَلِكَ وَفِيهِ تَفَقُّدُ الْإِمَامِ أَحْوَالَ رَعِيَّتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِزَالَةِ ظُلْمِ الْمَظْلُومِ وَكَشْفِ كُرْبَةِ الْمَكْرُوبِ وَرَدْعِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَإِظْهَارِ الشَّرَائِعِ وَالشَّعَائِرِ وَتَنْزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ الْمَسِيحُ وَلَا الطَّاعُونُ كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي الْحَج عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ أَتَمَّ مِنْ هَذَا بِلَفْظِ عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ وَقَدَّمْتُ هُنَاكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّجَّالِ وَأَخْرَجَهُ فِي الْفِتَنِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ الْمَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ فَلَا يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدِ اسْتَشْكَلَ عَدَمُ دُخُولِ الطَّاعُونِ الْمَدِينَةَ مَعَ كَوْنِ الطَّاعُونِ شَهَادَةً وَكَيْفَ قُرِنَ بِالدَّجَّالِ وَمُدِحَتِ الْمَدِينَةُ بِعَدَمِ دُخُولِهِمَا وَالْجَوَابُ أَنَّ كَوْنَ الطَّاعُونِ شَهَادَةً لَيْسَ الْمُرَادُ بِوَصْفِهِ بِذَلِكَ ذَاتَهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَنْشَأُ عَنْهُ لِكَوْنِهِ سَبَبَهُ فَإِذَا اسْتُحْضِرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ طَعْنُ الْجِنِّ حَسُنَ مَدْحُ الْمَدِينَةِ بِعَدَمِ دُخُولِهِ إِيَّاهَا فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ كُفَّارَ الْجِنِّ وَشَيَاطِينَهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ دُخُولِ الْمَدِينَةِ وَمَنِ اتَّفَقَ دُخُولُهُ إِلَيْهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ طَعْنِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَإِنْ قِيلَ طَعْنُ الْجِنِّ لَا يَخْتَصُّ بِكُفَّارِهِمْ بَلْ قَدْ يَقَعُ مِنْ مُؤْمِنِيهِمْ قُلْنَا دُخُولُ كُفَّارِ الْإنْسِ الْمَدِينَةَ مَمْنُوعٌ فَإِذَا لَمْ يَسْكُنِ الْمَدِينَةَ إِلَّا مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَالِصَ الْإِسْلَامِ فَحَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ وُصُولِ الْجِنِّ إِلَى طَعْنِهِمْ بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْهَا الطَّاعُونُ أَصْلًا وَقَدْ أَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْمَعْنَى لَا يَدْخُلُهَا مِنَ الطَّاعُونِ مِثْلُ الَّذِي وَقَعَ فِي غَيْرِهَا كَطَاعُونِ عَمَوَاسَ وَالْجَارِفِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ أَنَّهُ دَخَلَهَا فِي الْجُمْلَة وَلَيْسَ كَذَلِك فقد جزم بن قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ جَمٌّ مِنْ آخِرِهِمُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ بِأَنَّ الطَّاعُونَ لَمْ يَدْخُلِ الْمَدِينَةَ أَصْلًا وَلَا مَكَّةَ أَيْضًا لَكِنْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ فِي الطَّاعُونِ الْعَامِّ الَّذِي كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِخِلَافِ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَذْكُرِ أَحَدٌ قَطُّ أَنَّهُ وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ أصلا وَلَعَلَّ الْقُرْطُبِيُّ بَنَى عَلَى أَنَّ الطَّاعُونَ أَعَمُّ مِنَ الْوَبَاءِ أَوْ أَنَّهُ هُوَ وَأَنَّهُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ فَيَقَعُ بِهِ الْمَوْتُ الْكَثِيرُ وَقَدْ مَضَى فِي الْجَنَائِزِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُ أَبِي الْأَسْوَدِ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَمُوتُونَ بِهَا مَوْتًا ذَرِيعًا فَهَذَا وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ وَبَاءٌ بِلَا شَكٍّ وَلَكِنِ الشَّأْنُ فِي تَسْمِيَتِهِ طَاعُونًا وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّاعُونِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَنْفِيِّ دُخُولُهُ الْمَدِينَةَ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْ طَعْنِ الْجِنِّ فَيُهَيِّجُ بِذَلِكَ الطَّعْنِ الدَّمَ فِي الْبَدَنِ فَيَقْتُلُ فَهَذَا لَمْ يَدْخُلِ الْمَدِينَةَ قَطُّ فَلَمْ يَتَّضِحْ جَوَابُ الْقُرْطُبِيِّ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ سَبَبَ التَّرْجَمَةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الطَّاعُونِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي فَكَانَ مَنْعُ دُخُولِ الطَّاعُونِ الْمَدِينَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْمَدِينَةِ وَلَوَازِمِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا بِالصِّحَّةِ.

     وَقَالَ  آخَرُ هَذَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لِأَنَّ الْأَطِبَّاءَ مِنْ أَوَّلِهِمُ إِلَى آخِرِهِمْ عَجَزُوا أَنْ يَدْفَعُوا الطَّاعُونَ عَنْ بَلَدٍ بَلْ عَنْ قَرْيَةٍ وَقَدِ امْتَنَعَ الطَّاعُونُ عَنِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ الدُّهُورَ الطَّوِيلَةَ.

قُلْتُ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ جَوَابًا عَنِ الْإِشْكَالِ وَمِنَ الْأَجْوِبَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوَّضَهُمْ عَنِ الطَّاعُونِ بِالْحُمَّى لِأَنَّ الطَّاعُونَ يَأْتِي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَالْحُمَّى تَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ حِينٍ فَيَتَعَادَلَانِ فِي الْأَجْرِ وَيَتِمُّ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ دُخُولِ الطَّاعُونِ لِبَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَسْبَابِ وَيَظْهَرُ لِي جَوَابٌ آخَرُ بَعْدَ اسْتِحْضَارِ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَسِيبٍ بِمُهْمَلَتَيْنِ آخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ وَزْنُ عَظِيمٍ رَفَعَهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ بِالْحُمَّى وَالطَّاعُونِ فَأَمْسَكت الْحمى بِالْمَدِينَةِ وَأرْسلت الطَّاعُون إلىالشام وَهُوَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ كَانَ فِي قِلَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَدَدًا وَمَدَدًا وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ وَبِئَةً كَمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ثُمَّ خُيِّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرَيْنِ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْأَجْرُ الْجَزِيلُ فَاخْتَارَ الْحُمَّى حِينَئِذٍ لِقِلَّةِ الْمَوْتِ بِهَا غَالِبًا بِخِلَافِ الطَّاعُونِ ثُمَّ لَمَّا احْتَاجَ إِلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ وَأُذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ كَانَتْ قَضِيَّةُ اسْتِمْرَار الْحمى بِالْمَدِينَةِ أَنْ تُضْعِفَ أَجْسَادَ الَّذِينَ يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّقْوِيَةِ لِأَجْلِ الْجِهَادِ فَدَعَا بِنَقْلِ الْحُمَّى مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْجُحْفَةِ فَعَادَتِ الْمَدِينَةُ أَصَحَّ بِلَادِ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ بِخِلَافِ ذَلِكَ ثُمَّ كَانُوا مِنْ حِينَئِذٍ مَنْ فَاتَتْهُ الشَّهَادَةُ بِالطَّاعُونِ رُبَّمَا حَصَلَتْ لَهُ بِالْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَصَلَتْ لَهُ الْحُمَّى الَّتِي هِيَ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ تَمْيِيزًا لَهَا عَنْ غَيْرِهَا لِتَحَقُّقِ إِجَابَةِ دَعَوْتِهِ وَظُهُورِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ الْعَظِيمَةِ بِتَصْدِيقِ خَبَرِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ الْمُتَطَاوِلَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ سَيَأْتِي فِي ذِكْرِ الدَّجَّالِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفِتَنِ حَدِيثُ أَنَسٍ وَفِيهِ فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا فَلَا يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّهُ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فَقِيلَ هُوَ لِلتَّبَرُّكِ فَيَشْمَلُهُمَا وَقِيلَ هُوَ لِلتَّعْلِيقِ وَأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالطَّاعُونِ وَأَنَّ مُقْتَضَاهُ جَوَازُ دُخُولِ الطَّاعُونِ الْمَدِينَةَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمدينةُ وَمَكَّةُ مَحْفُوفَتَانِ بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهُمَا مَلَكٌ لَا يَدْخُلُهُمَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ أَخْرَجَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ عَنْ شُرَيْحٍ عَنْ فُلَيْحٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَعَلَى هَذَا فَالَّذِي نُقِلَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ مِنْهُ لَيْسَ كَمَا ظَنَّ مَنْ نَقَلَ ذَلِكَ أَوْ يُجَابُ إِنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِجَوَابِ الْقُرْطُبِيِّ الْمُتَقَدِّمِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ