هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
540 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
540 حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدثنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ .

Narrated Abu Huraira:

Allah's Messenger (ﷺ) said, Angels come to you in succession by night and day and all of them get together at the time of the Fajr and `Asr prayers. Those who have passed the night with you (or stayed with you) ascend (to the Heaven) and Allah asks them, though He knows everything about you, well, In what state did you leave my slaves? The angels reply: When we left them they were praying and when we reached them, they were praying.

":"ہم سے عبداللہ بن یوسف تنیسی نے بیان کیا ، کہا ہم سے امام مالک رحمہ اللہ علیہ نے ابوالزناد عبداللہ بن ذکوان سے ، انھوں نے عبدالرحمٰن بن ہرمز اعرج سے ، انھوں نے حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ سے کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ رات اور دن میں فرشتوں کی ڈیوٹیاں بدلتی رہتی ہیں ۔ اور فجر اور عصر کی نمازوں میں ( ڈیوٹی پر آنے والوں اور رخصت پانے والوں کا ) اجتماع ہوتا ہے ۔ پھر تمہارے پاس رہنے والے فرشتے جب اوپر چڑھتے ہیں تو اللہ تعالیٰ پوچھتا ہے حالانکہ وہ ان سے بہت زیادہ اپنے بندوں کے متعلق جانتا ہے ، کہ میرے بندوں کو تم نے کس حال میں چھوڑا ۔ وہ جواب دیتے ہیں کہ ہم نے جب انہیں چھوڑا تو وہ ( فجر کی ) نماز پڑھ رہے تھے اور جب ان کے پاس گئے تب بھی وہ ( عصر کی ) نماز پڑھ رہے تھے ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [555] .

     قَوْلُهُ  يَتَعَاقَبُونَ أَيْ تَأْتِي طَائِفَةٌ عَقِبَ طَائِفَةٍ ثمَّ تعود الأولى عقب الثَّانِيَة قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعَاقُبُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ بِأَنْ يَأْتِيَ هَذَا مَرَّةً وَيَعْقُبُهُ هَذَا وَمِنْهُ تَعْقِيبُ الْجُيُوشِ أَنْ يُجَهِّزَ الْأَمِيرُ بَعْثًا إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ يُجَهِّزَ غَيْرَهُمْ إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ يُجَهِّزَ الْأَوَّلِينَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ يَتَعَاقَبُونَ عَلَامَةُ الْفَاعِلِ الْمُذَكَّرِ الْمَجْمُوعِ عَلَى لُغَةِ بِلْحَارِثِ وَهُمُ الْقَائِلُونَ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ بِحُورَانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُهُ وَهِيَ لُغَةٌ فَاشِيَةٌ وَعَلَيْهَا حَمَلَ الْأَخْفَشُ قَوْلَهُ تَعَالَى وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا قَالَ وَقَدْ تَعَسَّفَ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي تَأْوِيلِهَا وَرَدِّهَا لِلْبَدَلِ وَهُوَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَإِنَّ تِلْكَ اللُّغَةَ مَشْهُورَةٌ وَلَهَا وَجْهٌ مِنَ الْقِيَاسِ وَاضِحٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  وأسروا عَائِد على النَّاس الْمَذْكُورين أَولا وَالَّذين ظَلَمُوا بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى قِيلَ مَنْ هُمْ قَالَ الَّذين ظلمُوا حَكَاهُ الشَّيْخ مُحي الدِّينِ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ وَتَوَارَدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْبَاب من هَذَا الْقَبِيل وَوَافَقَهُمْ بن مَالِكٍ وَنَاقَشَهُ أَبُو حَيَّانَ زَاعِمًا أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ اخْتَصَرَهَا الرَّاوِي وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ الْحَدِيثَ وَقَدْ سُومِحَ فِي الْعَزْوِ إِلَى مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَالْعَزْوُ إِلَيْهِمَا أَوْلَى وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي الزِّنَادِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً يَذْكُرُهُ هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا فَيُقَوِّي بَحْثَ أَبِي حَيَّانَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْأَعْرَجِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَوْهُتَامًّا فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ لَكِنْ بِحَذْفِ إِنَّ مِنْ أَوله وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ وَالسَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِن الْمَلَائِكَة فِيكُم يعتقبون وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْعَزْوُ إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي تَتَّحِدُ مَعَ الطَّرِيقِ الَّتِي وَقَعَ الْقَوْلُ فِيهَا أَوْلَى مِنْ طَرِيقٍ مُغَايِرَةٍ لَهَا فَلْيُعْزَ ذَلِكَ إِلَى تَخْرِيجِ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ لِمَا أَوْضَحْتُهُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْله فِيكُمْ أَيِ الْمُصَلِّينَ أَوْ مُطْلَقِ الْمُؤْمِنِينَ قَوْله مَلَائِكَةٌ قِيلَ هُمُ الْحَفَظَةُ نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْجُمْهُور وَتردد بن بَزِيزَةَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ وَيُقَوِّيهِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْحَفَظَةَ يُفَارِقُونَ الْعَبْدَ وَلَا أَنَّ حَفَظَةَ اللَّيْلِ غَيْرُ حَفَظَةِ النَّهَارِ وَبِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا هُمُ الْحَفَظَةُ لَمْ يَقَعِ الِاكْتِفَاءُ فِي السُّؤَالِ مِنْهُمْ عَنْ حَالَةِ التَّرْكِ دُونَ غَيْرِهَا فِي قَوْلِهِ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي قَوْله وَيَجْتَمِعُونَ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ التَّعَاقُبُ مُغَايِرٌ لِلِاجْتِمَاعِ لَكِنَّ ذَلِكَ مُنَزَّلٌ عَلَى حَالين قلت وَهُوَ ظَاهر.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَعَهُمُ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِلْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّعَاقُبَ يَقَعُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَأَنْ يَقَعَ التَّعَاقُبُ بَيْنَهُمْ فِي النَّوْعِ لَا فِي الشَّخْصِ قَالَ عِيَاضٌ وَالْحِكْمَةُ فِي اجْتِمَاعِهِمْ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ وَإِكْرَامِهِ لَهُمْ بِأَنْ جَعَلَ اجْتِمَاعَ مَلَائِكَتِهِ فِي حَالِ طَاعَةِ عِبَادِهِ لِتَكُونَ شَهَادَتُهُمْ لَهُمْ بِأَحْسَنِ الشَّهَادَةِ.

.

قُلْتُ وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ رَجَّحَ أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِينَ يَصْعَدُونَ كَانُوا مُقِيمِينَ عِنْدَهُمْ مُشَاهِدِينَ لِأَعْمَالِهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ تَعَالَى لَا يَسْأَلُهُمْ إِلَّا عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي تَرَكُوهُمْ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتُرُ عَنْهُمْ مَا يَعْمَلُونَهُ فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ لَكِنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ إِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا فَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ السُّؤَالُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ عَنْ آخِرِ شَيْءٍ فَارَقُوهُمْ عَلَيْهِ قَوْله ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِيَقَعَ عُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ إِذَا فَرَغَ مِنْهَا آخِرَ النَّهَارِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ إِذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يَصْعَدُونَ إِلَّا سَاعَةَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ بَلْ جَائِزٌ أَنْ تَفْرُغَ الصَّلَاةُ وَيَتَأَخَّرُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ وَلَا مَانِعَ أَيْضًا مِنْ أَنْ تَصْعَدَ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَبَعْضُ النَّهَارِ بَاقٍ وَتُقِيمُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ وَصْفُهُمْ بِالْمَبِيتِ بِقَوْلِهِ بَاتُوا فِيكُمْ لِأَنَّ اسْمَ الْمَبِيتِ صَادِقٌ عَلَيْهِمْ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ إِقَامَتَهُمْ بِاللَّيْلِ إقامتهم قِطْعَةٌ مِنَ النَّهَارِ .

     قَوْلُهُ  الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى سُؤَالِ الَّذِينَ بَاتُوا دُونَ الَّذِينَ ظَلُّوا فَقِيلَ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ عَنِ الْآخَرِ كَقَوْلِه تَعَالَى فَذكر إِن نَفَعت الذكرى أَيْ وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ وَقَولُهُ تَعَالَى سَرَابِيلَ تقيكم الْحر أَي وَالْبرد وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بن التِّينِ وَغَيْرُهُ ثُمَّ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ يُعْلَمُ مِنْ حُكْمِ طَرَفَيِ اللَّيْلِ فَلَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ تَكْرَارًا ثُمَّ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الشِّقِّ دُونَ الْآخَرِ أَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الْمَعْصِيَةِ فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ عِصْيَانٌ مَعَ إِمْكَانِ دَوَاعِي الْفِعْلِ مِنْ إِمْكَانِ الْإِخْفَاءِ وَنَحْوِهِ وَاشْتَغَلُوا بِالطَّاعَةِ كَانَ النَّهَارُ أَوْلَى بِذَلِكَ فَكَانَ السُّؤَالُ عَنِ اللَّيْلِ أَبْلَغَ مِنَ السُّؤَالِ عَنِ النَّهَارِ لِكَوْنِ النَّهَارِ مَحَلَّ الِاشْتِهَارِ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ إِذَا صَلَّوْا الْفَجْرَ عَرَجُوا فِي الْحَالِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ إِذَا صَلَّوْا الْعَصْرَ لَبِثُوا إِلَى آخِرِ النَّهَارِ لِضَبْطِ بَقِيَّةِ عَمَلِ النَّهَارِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن مَلَائِكَة النَّهَار لَا يسئلون عَنْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَهُوَخِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَنُبَيِّنُهُ وَقِيلَ بَنَاهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ فَقَطْ وَهُمْ لَا يَبْرَحُونَ عَنْ مُلَازَمَةِ بَنِي آدَمَ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ هُمُ الَّذِينَ يَعْرُجُونَ وَيَتَعَاقَبُونَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ قَالَ يَلْتَقِي الْحَارِسَانِ أَيْ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَلْبَثُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعُرُوجُ إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ خَاصَّةً.

.
وَأَمَّا النُّزُولُ فَيَقَعُ فِي الصَّلَاتَيْنِ مَعًا وَفِيهِ التَّعَاقُبُ وَصُورَتُهُ أَنْ تَنْزِلَ طَائِفَةٌ عِنْدَ الْعَصْرِ وَتَبِيتُ ثُمَّ تَنْزِلُ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ عِنْدَ الْفَجْرِ فَيَجْتَمِعُ الطَّائِفَتَانِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فَقَطْ وَيَسْتَمِرُّ الَّذِينَ نَزَلُوا وَقْتَ الْفَجْرِ إِلَى الْعَصْرِ فَتَنْزِلُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيَحْصُلُ اجْتِمَاعُهُمْ عِنْدَ الْعَصْرِ أَيْضًا وَلَا يَصْعَدُ مِنْهُمْ أَحَدٌ بَلْ تَبِيتُ الطَّائِفَتَانِ أَيْضًا ثُمَّ تَعْرُجُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ فَتَصِحُّ صُورَةُ التَّعَاقُبِ مَعَ اخْتِصَاصِ النُّزُولِ بِالْعَصْرِ وَالْعُرُوجُ بِالْفَجْرِ فَلِهَذَا خَصَّ السُّؤَالَ بِالَّذِينَ بَاتُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَهْمٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي طُرُقٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفجْر قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وأقرؤا إِنْ شِئْتُمْ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مشهودا وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِن قرأن الْفجْر كَانَ مشهودا قَالَ تشهده مَلَائِكَة اللَّيْل وَالنَّهَار وروى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ فِي هَذَا دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعَصْرِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْعَصْرِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْآخَرِ عَدَمَ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْعَصْرِ لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ قَدْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِدَلِيلٍ آخَرَ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاقْتِصَارُ وَقَعَ فِي الْفَجْرِ لِكَوْنِهَا جَهْرِيَّةٌ وَبَحْثُهُ الْأَوَّلُ مُتَّجَهٌ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى ادِّعَاءِ تَوْهِيمِ الرَّاوِي الثِّقَةِ مَعَ إِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الْعَدْلِ الضَّابِطِ مَقْبُولَةٌ وَلِمَ لَا يُقَالُ إِنَّ رِوَايَةَ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ الَّذِينَ أَقَامُوا فِي النَّهَارِ وَاقِعٌ مِنْ تَقْصِيرِ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَوْ يُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَبِيتِ بِاللَّيْلِ وَالْإِقَامَةِ بِالنَّهَارِ فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِلَيْلٍ دُونَ نَهَارٍ وَلَا عَكْسِهِ بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ إِذَا صَعِدَتْ سُئِلَتْ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ بَاتَ فِي أَقَامَ مَجَازًا وَيَكُونُ .

     قَوْلُهُ  فَيَسْأَلُهُمْ أَيْ كُلًّا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصْعَدُ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ كَانُوا فِيكُمْ فَعَلَى هَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَتْنِ اخْتِصَارٌ وَلَا اقْتِصَارٌ وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَجْوِبَةِ وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَاضِحًا وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِسُؤَالِ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ جَمِيعًا عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَبِيتُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَتَبِيتُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي الْحَدِيثَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُزِيلُ الْإِشْكَالَ وَتُغْنِي عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَيُحْمَلُ مَا نَقَصَ مِنْهَا عَلَى تَقْصِيرِ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَوْله فَيَسْأَلُهُمْ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ اسْتِدْعَاءُ شَهَادَتِهِمْ لِبَنِي آدَمَ بِالْخَيْرِ وَاسْتِنْطَاقِهِمْ بِمَا يَقْتَضِيالتَّعَطُّفَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِإِظْهَارِ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ أَيْ وَقَدْ وُجِدَ فِيهِمْ مَنْ يُسَبِّحُ وَيُقَدِّسُ مِثْلَكُمْ بِنَصِّ شَهَادَتِكُمْ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَبُّدِ لِلْمَلَائِكَةِ كَمَا أُمِرُوا أَنْ يَكْتُبُوا أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم من الْجَمِيع بِالْجَمِيعِ قَوْله كَيفَ تركْتُم عبَادي قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ آخِرِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِخَوَاتِيمِهَا قَالَ وَالْعِبَادُ الْمَسْئُولُ عَنْهُمْ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ قَوْله تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ لَمْ يراعوا التَّرْتِيب الوجودى لأَنهم بدؤا بِالتَّرْكِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُمْ طَابَقُوا السُّؤَالَ لِأَنَّهُ قَالَ كَيْفَ تَرَكْتُمْ وَلِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ صَلَاةُ الْعِبَادِ وَالْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا فَنَاسَبَ ذَلِكَ إِخْبَارَهُمْ عَنْ آخِرِ عَمَلِهِمْ قَبْلَ أَوَّلِهِ وَقَولُهُ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ عِنْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الْعَصْرِ سَوَاءٌ تَمَّتْ أَمْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ إِتْمَامِهَا وَسَوَاءٌ شَرَعَ الْجَمِيعُ فِيهَا أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ أَيْ ينتظرون صَلَاة الْمغرب.

     وَقَالَ  بن التِّينِ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَاوُ الْحَالِ أَيْ تَرَكْنَاهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَشْهَدُوهَا مَعَهُمْ وَالْخَبَرُ نَاطِقٌ بِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَهَا لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا الصَّلَاةَ مَعَ مَنْ صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَشَهِدُوا مَنْ دَخَلَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَمَنْ شَرَعَ فِي أَسْبَابِ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُفَارِقَ الشَّخْصُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِ إِلَّا وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ كَشَعْرِهِ إِذَا حَلَقَهُ وَظُفْرِهِ إِذَا قَلَّمَهُ وَثَوْبِهِ إِذَا أَبْدَلَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ أَجَابَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سُئِلُوا عَنْهُ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ سُؤَالٌ يَسْتَدْعِي التَّعَطُّفَ عَلَى بَنِي آدَمَ فَزَادُوا فِي مُوجِبِ ذَلِكَ قلت وَوَقع فِي صَحِيح بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَاغْفِرْ لَهُمْ يَوْمَ الدِّينِ قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ أَعْلَى الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ عَنْهَا وَقَعَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى عِظَمِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ لِكَوْنِهِمَا تَجْتَمِعُ فِيهِمَا الطَّائِفَتَانِ وَفِي غَيْرِهِمَا طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْإِشَارَةُ إِلَى شَرَفِ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرِّزْقَ يُقَسَّمُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَعُ آخِرَ النَّهَارِ فَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي طَاعَةٍ بُورِكَ فِي رِزْقِهِ وَفِي عَمَلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حِكْمَةُ الْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالِاهْتِمَامِ بِهِمَا وَفِيهِ تَشْرِيفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِهَا وَيَسْتَلْزِمُ تَشْرِيفَ نَبِيِّهَا عَلَى غَيْرِهِ وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِالْغُيُوبِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضَبْطِ أَحْوَالِنَا حَتَّى نَتَيَقَّظَ وَنَتَحَفَّظَ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَنَفْرَحَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِقُدُومِ رُسُلِ رَبِّنَا وَسُؤَالِ رَبِّنَا عَنَّا وَفِيهِ إِعْلَامُنَا بِحُبِّ مَلَائِكَةِ اللَّهِ لَنَا لِنَزْدَادَ فِيهِمْ حُبًّا وَنَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِذَلِكَ وَفِيهِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَلَائِكَتِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَعْرُجُ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى( قَوْله بَاب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِيهِ سَجْدَةً أَيْ رَكْعَةً وَقَدْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ شَيْبَانَ بِلَفْظِ مَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ رَكْعَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَلْفَاظِ وَقَعَ مِنَ الرُّوَاةِ وَسَتَأْتِي رِوَايَةُ مَالِكٍ فِي أَبْوَابِ وَقْتِ الصُّبْحِ بِلَفْظِ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى رَاوِيهَا فِي ذَلِكَ فَكَانَ عَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِالسَّجْدَةِ الرَّكْعَةُ بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَالرَّكْعَةُ إِنَّمَا يَكُونُ تَمَامُهَا بِسُجُودِهَا فَسُمِّيَتْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى سَجْدَةً انْتَهَى وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ وَهُوَ أَبُو نُعَيْمٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ أَوَّلَ سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ بِجَوَابِ الشَّرْطِ لِمَا فِي لَفْظِ الْمَتْنِ الَّذِي أَوْرَدَهُ مِنَ الِاحْتِمَالِ وَهُوَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [555] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ -وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ-: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ».
[الحديث أطرافه في: 3223، 7429، 7486] .
وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر أخبرنا ( مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان القرشي المدني ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال) : ( يتعاقبون) أي الملائكة يتعاقبون بأن تأتي طائفة عقب الأخرى على باب المفاعلة ( فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالهار) كذا أخرجه المؤلّف بهذا اللفظ، وأخرجه في بدء الخلق من طريق شعيب بن أبي حمزة بلفظ: "الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" وحينئذ ففي سياقه هنا إضمار الفاعل كأن الراوي اختصر المسوق هنا من المذكور في بدء الخلق، فملائكة المنكر بدل من الضمير أو بيان كأنه قيل: من هم؟ فقيل: هم ملائكة.
وذهب سيبويه فيه وفي نظائره، وإلى ذلك ذهب أبو حيان والسهيلي، وناقشه أبو حيان بأن هذه الطريقة اختصرها الراوي، واحتج بحديث أبي هريرة من وجه آخر عند البزار: "إن لله ملائكة يتعاقبون فيكما ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" تعقبه في المصابيح بأنها دعوى لا دليل عليها فلا يلتفت إليها اهـ.
فليتأمل مع ما مرّ.
نعم شوحح في العزو إلى مسند البزار مع كونه في الصحيحين بهذا اللفظ فالعزو إليهما أولى وبالجملة فوقع في طريق الحديث ما يدل على أنه اختلف فيه على أبي الزناد، فالظاهر أنه كان تارة يذكره هكذا وتارة هكذا وذلك يقوّي ما مرّ أولاً، وحمله ابن مالك وغيره على لغة بني الحرث في أكلوني البراغيث، فالواو علامة الفاعل المذكور المجموع وهي لغة فاشية، ونازعه أبو حيان بما مرّ والتعاقب أن تأتي جماعة عقب الأخرى ثم تعود الأولى عقب الثانية، وتنكير ملائكة في الموضعين ليفيد أن الثانية غير الأولى كما قيل في قوله تعالى: { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] .
إنه استئناف وعده تعالى بأن اليسر مشفوع بيسر آخر لقوله: لن يغلب عسر يسرين، فإن العسر معرف فلا يتعدد سواء كان للعهد أو للجنس، واليسر منكر فيحتمل أن يراد بالثاني فرد ما يغاير ما أريد بالأول، والمراد بالملائكة الحفظة عند الأكثرين، وتعقب لأنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار ( ويجتمعون) في وقت ( صلاة الفجر و) وقت ( صلاة العصر) .
فإن قلت: التعاقب يغاير الاجتماع؟ أجيب: بأن تعاقب المصنفين لا يمنع أجتماعهما لأن التعاقب أعم من أن يكون معه اجتماع كهذا أو لا يكون معه اجتماع كتعاقب الضدّين أو المراد حضورهم معهم الصلاة في الجماعة فينزل على حالين، وتخصيص اجتماعهم في الورود والصدور بأوقات العبادة تكرمة بالمؤمنين ولطفًا بهم لتكون شهادتهم بأحسن الثناء وأطيب الذكر، ولم يجعل اجتماعهم معهم في حال خلواتهم بلذّاتهم وانهماكهم على شهواتهم فللَّه الحمد.
( ثم يعرج) الملائكة ( الذين باتوا فيكم) أيها المصلون وذكرالذين باتوا دون الذين ظلوا إما للاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر نحو: { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] .
أي والبرد إما لأن طرفي النهار يعلم من طرفي الليل وإما لأنه استعمل بات في أقام مجازًا فلا يختص ذلك بليل دون نهار ولا نهار دون ليل، فكل طائفة منهم إذا صعدت سئلت، ويؤيد هذا ما رواه النسائي عن موسى بن عقبة عن أبي الزناد، ثم يعرج الذين كانوا فيكم، بل في حيث الأعمش عن صالح عن أبي هريرة عند ابن خزيمة في صحيحه مرفوعًا ما يغني عن كثير من الاحتمالات ولفظه: "يجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد ملائكة الليل وتثبت ملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتثبت ملائكة الليل".
( فيسألهم) تعبدًا لهم كما تعبدهم بكتب أعمالهم ( وهو أعلم بهم) أي بالمصلّين من الملائكة فحذف صلة أفعل التفضيل ولابن عساكر فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم ( كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون) الواو للحال لكنه استشكل لأنه يلزم منه مفارقتهم قبل أن يشهدوها معهم والحديث صرح بأنهم شهدوها معهم.
وأجيب: بالحمل على شهودهم لها مع المصلي لها أول وقتها، وشهدوا من دخل فيها ومن شرع في أسبابها بعد ذلك والمنتظر لها في حكم مصلّيها، وهذا آخر الجواب عن سؤالهم كيف تركتم، ثم زادوا في الجواب لإظهار فضيلة المصلّين والحرص على ذكر ما يوجب مغفرة ذنوبهم فقالوا: ( وأتيناهم وهم يصلون) .
ولما كان المراد الإخبار عن صلاتهم والأعمال بخواتيمها حسن أن يخبروا عن آخر أعمالهم قبل أولها.
ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف فتنيسي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في الصلاة وكذا النسائي فيها وفي البعوث.
17 - باب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ( باب) حكم ( من) أي الذي ( أدرك ركعة من العصر) أي من صلاتها ( قبل الغروب) وللأصيلي قبل المغرب، ويحتمل أن تكون من شرطية حذف جوابها وتقديره فليتم صلاته.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [555] حدثنا عبد الله بن يوسف: أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين كانوا فيكم، فيسألهم – وهو أعلم بهم -: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
قوله: " يتعاقبون فيكم ملائكة" جمع فيه الفعل مع إسناده إلى ظاهر، وهو مخرج على اللغة المعروفة بلغة " أكلوني البراغيث"، وقد عرفها بعض متأخري النحاة بهذا الحديث، فقال: " هي لغة يتعاقبون فيكم ملائكة".
والتعاقب: التناوب والتداول، والمعنى: أن كل ملائكة تأتي تعقب الأخرى.
وقد دل الحديث على أن ملائكة الليل غير ملائكة النهار.
وقد خرجا في "الصحيحين" من حديث الزهري، عن سعيد وأبي سلمة،عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: " تجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الفجر".
ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] .
ففي هذه الرواية: ذكر اجتماعهم في صلاة الفجر، واستشهد أبو هريرة بقول الله عز وجل: { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] .
وقد روي في حديث من رواية أبي الدرداء - مرفوعاً -، انه يشهده الله وملائكته.
وفي رواية: " ملائكة الليل وملائكة النهار".
خرجه الطبراني وابن منده وغيرهما.
فقد يكون تخصيص صلاة الفجر لهذا، وصلاة العصر يجتمع –أيضا - فيها ملائكة الليل والنهار، كما دل عليه حديث الأعرج، عن أبي هريرة.
وقد روي نحوه من حديث حميد الطويل، عن بكر المزني، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً.
وهؤلاء الملائكة، يحتمل أنهم المعقبات، وهم الحفظة، ويحتمل أنهم كتبة الأعمال.
وروى أبو عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود، في قوله: { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} ، قال: يعني صلاة الصبح، يتدارك فيه الحرسان ملائكة الليل وملائكة النهار.
وقال إبراهيم، عن الأسود بن يزيد: يلتقي الحارسان من ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة الصبح، فيسلم بعضهم على بعض، ويحيى بعضهم بعضاً، فتصعد ملائكة الليل وتبسط ملائكة النهار.
قال ابن المبارك: وكل بابن آدم خمسة أملاك: ملكا الليل، وملكا النهار، يجيئان ويذهبان، والخامس لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً.
وممن قال: إن ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع في صلاة الفجر، وفسر بذلك قول الله عز وجل: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ] كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] : مجاهدٌ ومسروقٌ وغيرهما.
قال ابن عبد البر: والأظهر أن ذلك في الجماعات.
قال: وقد يحتمل الجماعات وغيرها.
قلت: يشهد للأول قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إذا أمن الإمام فأمنوا، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".
ونهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أكل الثوم أن يشهد المسجد، وتعليله: أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
وقد بوب البخاري على اختصاصه بالجماعات في " أبواب صلاة الجماعة"، كما سيأتي في موضعه - إن شاء الله تعالى.
ويشهد الثاني: أن المصلي ينهى عن أن يبصق في صلاته عن يمينه؛ لأن عن يمينه ملكاً، ولا يفرق في هذا بين مصلي جماعة وفرادي.
17 - باب من أدرك من العصر ركعة قبل الغروب فيه ثلاثة أحاديث: الأول:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :540 ... غــ :555] .

     قَوْلُهُ  يَتَعَاقَبُونَ أَيْ تَأْتِي طَائِفَةٌ عَقِبَ طَائِفَةٍ ثمَّ تعود الأولى عقب الثَّانِيَة قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعَاقُبُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ بِأَنْ يَأْتِيَ هَذَا مَرَّةً وَيَعْقُبُهُ هَذَا وَمِنْهُ تَعْقِيبُ الْجُيُوشِ أَنْ يُجَهِّزَ الْأَمِيرُ بَعْثًا إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ يُجَهِّزَ غَيْرَهُمْ إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ يُجَهِّزَ الْأَوَّلِينَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ يَتَعَاقَبُونَ عَلَامَةُ الْفَاعِلِ الْمُذَكَّرِ الْمَجْمُوعِ عَلَى لُغَةِ بِلْحَارِثِ وَهُمُ الْقَائِلُونَ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ بِحُورَانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُهُ وَهِيَ لُغَةٌ فَاشِيَةٌ وَعَلَيْهَا حَمَلَ الْأَخْفَشُ قَوْلَهُ تَعَالَى وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا قَالَ وَقَدْ تَعَسَّفَ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي تَأْوِيلِهَا وَرَدِّهَا لِلْبَدَلِ وَهُوَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَإِنَّ تِلْكَ اللُّغَةَ مَشْهُورَةٌ وَلَهَا وَجْهٌ مِنَ الْقِيَاسِ وَاضِحٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  وأسروا عَائِد على النَّاس الْمَذْكُورين أَولا وَالَّذين ظَلَمُوا بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى قِيلَ مَنْ هُمْ قَالَ الَّذين ظلمُوا حَكَاهُ الشَّيْخ مُحي الدِّينِ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ وَتَوَارَدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْبَاب من هَذَا الْقَبِيل وَوَافَقَهُمْ بن مَالِكٍ وَنَاقَشَهُ أَبُو حَيَّانَ زَاعِمًا أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ اخْتَصَرَهَا الرَّاوِي وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ الْحَدِيثَ وَقَدْ سُومِحَ فِي الْعَزْوِ إِلَى مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَالْعَزْوُ إِلَيْهِمَا أَوْلَى وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي الزِّنَادِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً يَذْكُرُهُ هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا فَيُقَوِّي بَحْثَ أَبِي حَيَّانَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْأَعْرَجِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَوْهُ تَامًّا فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ لَكِنْ بِحَذْفِ إِنَّ مِنْ أَوله وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ وَالسَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِن الْمَلَائِكَة فِيكُم يعتقبون وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْعَزْوُ إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي تَتَّحِدُ مَعَ الطَّرِيقِ الَّتِي وَقَعَ الْقَوْلُ فِيهَا أَوْلَى مِنْ طَرِيقٍ مُغَايِرَةٍ لَهَا فَلْيُعْزَ ذَلِكَ إِلَى تَخْرِيجِ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ لِمَا أَوْضَحْتُهُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْله فِيكُمْ أَيِ الْمُصَلِّينَ أَوْ مُطْلَقِ الْمُؤْمِنِينَ قَوْله مَلَائِكَةٌ قِيلَ هُمُ الْحَفَظَةُ نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْجُمْهُور وَتردد بن بَزِيزَةَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ وَيُقَوِّيهِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْحَفَظَةَ يُفَارِقُونَ الْعَبْدَ وَلَا أَنَّ حَفَظَةَ اللَّيْلِ غَيْرُ حَفَظَةِ النَّهَارِ وَبِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا هُمُ الْحَفَظَةُ لَمْ يَقَعِ الِاكْتِفَاءُ فِي السُّؤَالِ مِنْهُمْ عَنْ حَالَةِ التَّرْكِ دُونَ غَيْرِهَا فِي قَوْلِهِ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي قَوْله وَيَجْتَمِعُونَ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ التَّعَاقُبُ مُغَايِرٌ لِلِاجْتِمَاعِ لَكِنَّ ذَلِكَ مُنَزَّلٌ عَلَى حَالين قلت وَهُوَ ظَاهر.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَعَهُمُ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِلْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّعَاقُبَ يَقَعُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَأَنْ يَقَعَ التَّعَاقُبُ بَيْنَهُمْ فِي النَّوْعِ لَا فِي الشَّخْصِ قَالَ عِيَاضٌ وَالْحِكْمَةُ فِي اجْتِمَاعِهِمْ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ وَإِكْرَامِهِ لَهُمْ بِأَنْ جَعَلَ اجْتِمَاعَ مَلَائِكَتِهِ فِي حَالِ طَاعَةِ عِبَادِهِ لِتَكُونَ شَهَادَتُهُمْ لَهُمْ بِأَحْسَنِ الشَّهَادَةِ.

.

قُلْتُ وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ رَجَّحَ أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِينَ يَصْعَدُونَ كَانُوا مُقِيمِينَ عِنْدَهُمْ مُشَاهِدِينَ لِأَعْمَالِهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ تَعَالَى لَا يَسْأَلُهُمْ إِلَّا عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي تَرَكُوهُمْ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتُرُ عَنْهُمْ مَا يَعْمَلُونَهُ فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ لَكِنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ إِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا فَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ السُّؤَالُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ عَنْ آخِرِ شَيْءٍ فَارَقُوهُمْ عَلَيْهِ قَوْله ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِيَقَعَ عُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ إِذَا فَرَغَ مِنْهَا آخِرَ النَّهَارِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ إِذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يَصْعَدُونَ إِلَّا سَاعَةَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ بَلْ جَائِزٌ أَنْ تَفْرُغَ الصَّلَاةُ وَيَتَأَخَّرُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ وَلَا مَانِعَ أَيْضًا مِنْ أَنْ تَصْعَدَ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَبَعْضُ النَّهَارِ بَاقٍ وَتُقِيمُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ وَصْفُهُمْ بِالْمَبِيتِ بِقَوْلِهِ بَاتُوا فِيكُمْ لِأَنَّ اسْمَ الْمَبِيتِ صَادِقٌ عَلَيْهِمْ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ إِقَامَتَهُمْ بِاللَّيْلِ إقامتهم قِطْعَةٌ مِنَ النَّهَارِ .

     قَوْلُهُ  الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى سُؤَالِ الَّذِينَ بَاتُوا دُونَ الَّذِينَ ظَلُّوا فَقِيلَ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ عَنِ الْآخَرِ كَقَوْلِه تَعَالَى فَذكر إِن نَفَعت الذكرى أَيْ وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ وَقَولُهُ تَعَالَى سَرَابِيلَ تقيكم الْحر أَي وَالْبرد وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بن التِّينِ وَغَيْرُهُ ثُمَّ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ يُعْلَمُ مِنْ حُكْمِ طَرَفَيِ اللَّيْلِ فَلَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ تَكْرَارًا ثُمَّ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الشِّقِّ دُونَ الْآخَرِ أَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الْمَعْصِيَةِ فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ عِصْيَانٌ مَعَ إِمْكَانِ دَوَاعِي الْفِعْلِ مِنْ إِمْكَانِ الْإِخْفَاءِ وَنَحْوِهِ وَاشْتَغَلُوا بِالطَّاعَةِ كَانَ النَّهَارُ أَوْلَى بِذَلِكَ فَكَانَ السُّؤَالُ عَنِ اللَّيْلِ أَبْلَغَ مِنَ السُّؤَالِ عَنِ النَّهَارِ لِكَوْنِ النَّهَارِ مَحَلَّ الِاشْتِهَارِ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ إِذَا صَلَّوْا الْفَجْرَ عَرَجُوا فِي الْحَالِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ إِذَا صَلَّوْا الْعَصْرَ لَبِثُوا إِلَى آخِرِ النَّهَارِ لِضَبْطِ بَقِيَّةِ عَمَلِ النَّهَارِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن مَلَائِكَة النَّهَار لَا يسئلون عَنْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَنُبَيِّنُهُ وَقِيلَ بَنَاهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ فَقَطْ وَهُمْ لَا يَبْرَحُونَ عَنْ مُلَازَمَةِ بَنِي آدَمَ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ هُمُ الَّذِينَ يَعْرُجُونَ وَيَتَعَاقَبُونَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ قَالَ يَلْتَقِي الْحَارِسَانِ أَيْ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَلْبَثُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعُرُوجُ إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ خَاصَّةً.

.
وَأَمَّا النُّزُولُ فَيَقَعُ فِي الصَّلَاتَيْنِ مَعًا وَفِيهِ التَّعَاقُبُ وَصُورَتُهُ أَنْ تَنْزِلَ طَائِفَةٌ عِنْدَ الْعَصْرِ وَتَبِيتُ ثُمَّ تَنْزِلُ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ عِنْدَ الْفَجْرِ فَيَجْتَمِعُ الطَّائِفَتَانِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فَقَطْ وَيَسْتَمِرُّ الَّذِينَ نَزَلُوا وَقْتَ الْفَجْرِ إِلَى الْعَصْرِ فَتَنْزِلُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيَحْصُلُ اجْتِمَاعُهُمْ عِنْدَ الْعَصْرِ أَيْضًا وَلَا يَصْعَدُ مِنْهُمْ أَحَدٌ بَلْ تَبِيتُ الطَّائِفَتَانِ أَيْضًا ثُمَّ تَعْرُجُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ فَتَصِحُّ صُورَةُ التَّعَاقُبِ مَعَ اخْتِصَاصِ النُّزُولِ بِالْعَصْرِ وَالْعُرُوجُ بِالْفَجْرِ فَلِهَذَا خَصَّ السُّؤَالَ بِالَّذِينَ بَاتُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَهْمٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي طُرُقٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفجْر قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وأقرؤا إِنْ شِئْتُمْ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مشهودا وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِن قرأن الْفجْر كَانَ مشهودا قَالَ تشهده مَلَائِكَة اللَّيْل وَالنَّهَار وروى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ فِي هَذَا دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعَصْرِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْعَصْرِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْآخَرِ عَدَمَ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْعَصْرِ لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ قَدْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِدَلِيلٍ آخَرَ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاقْتِصَارُ وَقَعَ فِي الْفَجْرِ لِكَوْنِهَا جَهْرِيَّةٌ وَبَحْثُهُ الْأَوَّلُ مُتَّجَهٌ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى ادِّعَاءِ تَوْهِيمِ الرَّاوِي الثِّقَةِ مَعَ إِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الْعَدْلِ الضَّابِطِ مَقْبُولَةٌ وَلِمَ لَا يُقَالُ إِنَّ رِوَايَةَ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ الَّذِينَ أَقَامُوا فِي النَّهَارِ وَاقِعٌ مِنْ تَقْصِيرِ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَوْ يُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَبِيتِ بِاللَّيْلِ وَالْإِقَامَةِ بِالنَّهَارِ فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِلَيْلٍ دُونَ نَهَارٍ وَلَا عَكْسِهِ بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ إِذَا صَعِدَتْ سُئِلَتْ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ بَاتَ فِي أَقَامَ مَجَازًا وَيَكُونُ .

     قَوْلُهُ  فَيَسْأَلُهُمْ أَيْ كُلًّا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصْعَدُ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ كَانُوا فِيكُمْ فَعَلَى هَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَتْنِ اخْتِصَارٌ وَلَا اقْتِصَارٌ وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَجْوِبَةِ وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَاضِحًا وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِسُؤَالِ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ جَمِيعًا عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَبِيتُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَتَبِيتُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي الْحَدِيثَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُزِيلُ الْإِشْكَالَ وَتُغْنِي عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَيُحْمَلُ مَا نَقَصَ مِنْهَا عَلَى تَقْصِيرِ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَوْله فَيَسْأَلُهُمْ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ اسْتِدْعَاءُ شَهَادَتِهِمْ لِبَنِي آدَمَ بِالْخَيْرِ وَاسْتِنْطَاقِهِمْ بِمَا يَقْتَضِي التَّعَطُّفَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِإِظْهَارِ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ أَيْ وَقَدْ وُجِدَ فِيهِمْ مَنْ يُسَبِّحُ وَيُقَدِّسُ مِثْلَكُمْ بِنَصِّ شَهَادَتِكُمْ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَبُّدِ لِلْمَلَائِكَةِ كَمَا أُمِرُوا أَنْ يَكْتُبُوا أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم من الْجَمِيع بِالْجَمِيعِ قَوْله كَيفَ تركْتُم عبَادي قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ آخِرِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِخَوَاتِيمِهَا قَالَ وَالْعِبَادُ الْمَسْئُولُ عَنْهُمْ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ قَوْله تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ لَمْ يراعوا التَّرْتِيب الوجودى لأَنهم بدؤا بِالتَّرْكِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُمْ طَابَقُوا السُّؤَالَ لِأَنَّهُ قَالَ كَيْفَ تَرَكْتُمْ وَلِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ صَلَاةُ الْعِبَادِ وَالْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا فَنَاسَبَ ذَلِكَ إِخْبَارَهُمْ عَنْ آخِرِ عَمَلِهِمْ قَبْلَ أَوَّلِهِ وَقَولُهُ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ عِنْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الْعَصْرِ سَوَاءٌ تَمَّتْ أَمْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ إِتْمَامِهَا وَسَوَاءٌ شَرَعَ الْجَمِيعُ فِيهَا أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ أَيْ ينتظرون صَلَاة الْمغرب.

     وَقَالَ  بن التِّينِ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَاوُ الْحَالِ أَيْ تَرَكْنَاهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَشْهَدُوهَا مَعَهُمْ وَالْخَبَرُ نَاطِقٌ بِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَهَا لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا الصَّلَاةَ مَعَ مَنْ صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَشَهِدُوا مَنْ دَخَلَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَمَنْ شَرَعَ فِي أَسْبَابِ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُفَارِقَ الشَّخْصُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِ إِلَّا وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ كَشَعْرِهِ إِذَا حَلَقَهُ وَظُفْرِهِ إِذَا قَلَّمَهُ وَثَوْبِهِ إِذَا أَبْدَلَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ أَجَابَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سُئِلُوا عَنْهُ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ سُؤَالٌ يَسْتَدْعِي التَّعَطُّفَ عَلَى بَنِي آدَمَ فَزَادُوا فِي مُوجِبِ ذَلِكَ قلت وَوَقع فِي صَحِيح بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَاغْفِرْ لَهُمْ يَوْمَ الدِّينِ قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ أَعْلَى الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ عَنْهَا وَقَعَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى عِظَمِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ لِكَوْنِهِمَا تَجْتَمِعُ فِيهِمَا الطَّائِفَتَانِ وَفِي غَيْرِهِمَا طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْإِشَارَةُ إِلَى شَرَفِ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرِّزْقَ يُقَسَّمُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَعُ آخِرَ النَّهَارِ فَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي طَاعَةٍ بُورِكَ فِي رِزْقِهِ وَفِي عَمَلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حِكْمَةُ الْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالِاهْتِمَامِ بِهِمَا وَفِيهِ تَشْرِيفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِهَا وَيَسْتَلْزِمُ تَشْرِيفَ نَبِيِّهَا عَلَى غَيْرِهِ وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِالْغُيُوبِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضَبْطِ أَحْوَالِنَا حَتَّى نَتَيَقَّظَ وَنَتَحَفَّظَ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَنَفْرَحَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِقُدُومِ رُسُلِ رَبِّنَا وَسُؤَالِ رَبِّنَا عَنَّا وَفِيهِ إِعْلَامُنَا بِحُبِّ مَلَائِكَةِ اللَّهِ لَنَا لِنَزْدَادَ فِيهِمْ حُبًّا وَنَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِذَلِكَ وَفِيهِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَلَائِكَتِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَعْرُجُ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :540 ... غــ :555 ]
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين كانوا فيكم، فيسألهم – وهو أعلم بهم -: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".

قوله: " يتعاقبون فيكم ملائكة" جمع فيه الفعل مع إسناده إلى ظاهر، وهو مخرج على اللغة المعروفة بلغة " أكلوني البراغيث"، وقد عرفها بعض متأخري النحاة بهذا الحديث، فقال: " هي لغة يتعاقبون فيكم ملائكة".

والتعاقب: التناوب والتداول، والمعنى: أن كل ملائكة تأتي تعقب الأخرى.

وقد دل الحديث على أن ملائكة الليل غير ملائكة النهار.

وقد خرجا في "الصحيحين" من حديث الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: " تجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الفجر".
ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] .

ففي هذه الرواية: ذكر اجتماعهم في صلاة الفجر، واستشهد أبو هريرة بقول الله عز وجل: { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] .

وقد روي في حديث من رواية أبي الدرداء - مرفوعاً -، انه يشهده الله وملائكته.

وفي رواية: " ملائكة الليل وملائكة النهار".

خرجه الطبراني وابن منده وغيرهما.

فقد يكون تخصيص صلاة الفجر لهذا، وصلاة العصر يجتمع –أيضا - فيها ملائكة الليل والنهار، كما دل عليه حديث الأعرج، عن أبي هريرة.

وقد روي نحوه من حديث حميد الطويل، عن بكر المزني، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً.

وهؤلاء الملائكة، يحتمل أنهم المعقبات، وهم الحفظة، ويحتمل أنهم كتبة الأعمال.

وروى أبو عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود، في قوله: { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} ، قال: يعني صلاة الصبح، يتدارك فيه الحرسان ملائكة الليل وملائكة النهار.
وقال إبراهيم، عن الأسود بن يزيد: يلتقي الحارسان من ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة الصبح، فيسلم بعضهم على بعض، ويحيى بعضهم بعضاً، فتصعد ملائكة الليل وتبسط ملائكة النهار.

قال ابن المبارك: وكل بابن آدم خمسة أملاك: ملكا الليل، وملكا النهار، يجيئان ويذهبان، والخامس لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً.

وممن قال: إن ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع في صلاة الفجر، وفسر بذلك قول الله عز وجل: { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ] كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] : مجاهدٌ ومسروقٌ وغيرهما.

قال ابن عبد البر: والأظهر أن ذلك في الجماعات.
قال: وقد يحتمل الجماعات وغيرها.

قلت: يشهد للأول قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إذا أمن الإمام فأمنوا، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".

ونهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أكل الثوم أن يشهد المسجد، وتعليله: أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.

وقد بوب البخاري على اختصاصه بالجماعات في " أبواب صلاة الجماعة"، كما سيأتي في موضعه - إن شاء الله تعالى.

ويشهد الثاني: أن المصلي ينهى عن أن يبصق في صلاته عن يمينه؛ لأن عن يمينه ملكاً، ولا يفرق في هذا بين مصلي جماعة وفرادي.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :540 ... غــ : 555 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ -وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ-: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ».
[الحديث 555 - أطرافه في: 3223، 7429، 7486] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر أخبرنا ( مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان القرشي المدني ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال) :

( يتعاقبون) أي الملائكة يتعاقبون بأن تأتي طائفة عقب الأخرى على باب المفاعلة ( فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالهار) كذا أخرجه المؤلّف بهذا اللفظ، وأخرجه في بدء الخلق من طريق شعيب بن أبي حمزة بلفظ: "الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" وحينئذ ففي سياقه هنا إضمار الفاعل كأن الراوي اختصر المسوق هنا من المذكور في بدء الخلق، فملائكة المنكر بدل من الضمير أو بيان كأنه قيل: من هم؟ فقيل: هم ملائكة.
وذهب سيبويه فيه وفي نظائره، وإلى ذلك ذهب أبو حيان والسهيلي، وناقشه أبو حيان بأن هذه الطريقة اختصرها الراوي، واحتج بحديث أبي هريرة من وجه آخر عند البزار: "إن لله ملائكة يتعاقبون فيكما ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" تعقبه في
المصابيح بأنها دعوى لا دليل عليها فلا يلتفت إليها اهـ.
فليتأمل مع ما مرّ.

نعم شوحح في العزو إلى مسند البزار مع كونه في الصحيحين بهذا اللفظ فالعزو إليهما أولى وبالجملة فوقع في طريق الحديث ما يدل على أنه اختلف فيه على أبي الزناد، فالظاهر أنه كان تارة يذكره هكذا وتارة هكذا وذلك يقوّي ما مرّ أولاً، وحمله ابن مالك وغيره على لغة بني الحرث في أكلوني البراغيث، فالواو علامة الفاعل المذكور المجموع وهي لغة فاشية، ونازعه أبو حيان بما مرّ والتعاقب أن تأتي جماعة عقب الأخرى ثم تعود الأولى عقب الثانية، وتنكير ملائكة في الموضعين ليفيد أن الثانية غير الأولى كما قيل في قوله تعالى: { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] .
إنه استئناف وعده تعالى بأن اليسر مشفوع بيسر آخر لقوله: لن يغلب عسر يسرين، فإن العسر معرف فلا يتعدد سواء كان للعهد أو للجنس، واليسر منكر فيحتمل أن يراد بالثاني فرد ما يغاير ما أريد بالأول، والمراد بالملائكة الحفظة عند الأكثرين، وتعقب لأنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار ( ويجتمعون) في وقت ( صلاة الفجر و) وقت ( صلاة العصر) .

فإن قلت: التعاقب يغاير الاجتماع؟ أجيب: بأن تعاقب المصنفين لا يمنع أجتماعهما لأن التعاقب أعم من أن يكون معه اجتماع كهذا أو لا يكون معه اجتماع كتعاقب الضدّين أو المراد حضورهم معهم الصلاة في الجماعة فينزل على حالين، وتخصيص اجتماعهم في الورود والصدور بأوقات العبادة تكرمة بالمؤمنين ولطفًا بهم لتكون شهادتهم بأحسن الثناء وأطيب الذكر، ولم يجعل اجتماعهم معهم في حال خلواتهم بلذّاتهم وانهماكهم على شهواتهم فللَّه الحمد.

( ثم يعرج) الملائكة ( الذين باتوا فيكم) أيها المصلون وذكر الذين باتوا دون الذين ظلوا إما للاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر نحو: { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] .
أي والبرد إما لأن طرفي النهار يعلم من طرفي الليل وإما لأنه استعمل بات في أقام مجازًا فلا يختص ذلك بليل دون نهار ولا نهار دون ليل، فكل طائفة منهم إذا صعدت سئلت، ويؤيد هذا ما رواه النسائي عن موسى بن عقبة عن أبي الزناد، ثم يعرج الذين كانوا فيكم، بل في حيث الأعمش عن صالح عن أبي هريرة عند ابن خزيمة في صحيحه مرفوعًا ما يغني عن كثير من الاحتمالات ولفظه: "يجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد

ملائكة الليل وتثبت ملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتثبت ملائكة الليل".

( فيسألهم) تعبدًا لهم كما تعبدهم بكتب أعمالهم ( وهو أعلم بهم) أي بالمصلّين من الملائكة فحذف صلة أفعل التفضيل ولابن عساكر فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم ( كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون) الواو للحال لكنه استشكل لأنه يلزم منه مفارقتهم قبل أن يشهدوها معهم والحديث صرح بأنهم شهدوها معهم.
وأجيب: بالحمل على شهودهم لها مع المصلي لها أول وقتها، وشهدوا من دخل فيها ومن شرع في أسبابها بعد ذلك والمنتظر لها في حكم مصلّيها، وهذا آخر الجواب عن سؤالهم كيف تركتم، ثم زادوا في الجواب لإظهار فضيلة المصلّين والحرص على ذكر ما يوجب مغفرة ذنوبهم فقالوا: ( وأتيناهم وهم يصلون) .

ولما كان المراد الإخبار عن صلاتهم والأعمال بخواتيمها حسن أن يخبروا عن آخر أعمالهم قبل أولها.

ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف فتنيسي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في الصلاة وكذا النسائي فيها وفي البعوث.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :540 ... غــ :555]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُف قَالَ حدَّثنا مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أَبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ ومَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ باتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ويجتمعون فِي صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الْعَصْر) وَقد ذكرنَا أَن اقْتِصَاره فِي التَّرْجَمَة على الْعَصْر من بابُُ الإكتفاء.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :540 ... غــ :555 ]
- حدَّثنا يَحْيَى حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أخبرنِي ابنُ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخَلَ علَيْهَا مَسْرُوراً تَبْرُقُ أسَارِيرُ وجْهِهِ فَقَالَ ألَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ المُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وأُسَامَةَ ورَأي أقْدَامَهُمَا إنَّ بَعْضَ هاذِهِ الأقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( تبرق أسارير وَجهه) فَإِن هَذَا من جملَة صِفَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيحيى: إِمَّا ابْن مُوسَى بن عبد ربه السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي الَّذِي يُقَال لَهُ: خت، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَإِمَّا يحيى بن جَعْفَر ابْن أعين البيكندي، وَكِلَاهُمَا من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَكِلَاهُمَا رويا عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن عبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق.

قَوْله: ( مَسْرُورا) حَال، أَي: فرحان.
قَوْله: ( تبرق) بِضَم الرَّاء، أَي: تضيء وتستنير من الْفَرح، قَوْله: ( أسارير وَجهه) الأسارير جمع الْأَسْرَار، وَهُوَ جمع السرر: وَهِي الخطوط الَّتِي تكون فِي الجبين، وبرقانها يكون عِنْد الْفَرح.
قَوْله: ( ألم تسمعي) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة: ألم تسمعي مَا قَالَ المدلجي؟ بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وبالجيم، واسْمه: مجزز، بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَكسر الزَّاي الأولى الْمُشَدّدَة، ونسبته إِلَى مُدْلِج بن مرّة بن عبد مَنَاة بن كنَانَة، بطن من كنَانَة كَبِير مَشْهُور بالقيافة، والقائف هُوَ من يتتبع الْآثَار ويعرفها وَيعرف شبه الرجل بأَخيه وَأَبِيهِ، وَالْجمع: الْقَافة، يُقَال: فلَان يقوف الْأَثر ويقتافه قيافة، مثل: قفا الْأَثر واقتفاه، وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة تقدح فِي نسب أُسَامَة بن زيد لكَونه أسود وَزيد أَبيض، فَمر بهما مجزز وهما تَحت قطيفة قد بَدَت أقدامهما من تحتهَا، فَقَالَ: إِن هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض، فَلَمَّا قضى هَذَا الْقَائِف بإلحاق نسبه، وَكَانَت الْعَرَب تعتمد قَول الْقَائِف ويعترفون بحقية القيافة، فَرح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَونه زجرا لَهُم عَن الطعْن فِي النّسَب، وَكَانَت أم أُسَامَة بركَة حبشية سَوْدَاء، وَكَانَ أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة بن شرَاحِيل بن كَعْب بن عبد الْعُزَّى، وَأمه أم أَيمن حاضنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يُسمى حب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَاخْتلفُوا فِي الْعَمَل بقول الْقَائِف: فأثبته الشَّافِعِي وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث، وَالْمَشْهُور عَن مَالك إثْبَاته فِي الْإِمَاء ونفيه فِي الْحَرَائِر، ونفاه أَبُو حنيفَة مُطلقًا لقَوْله تَعَالَى: { وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} ( الْإِسْرَاء: 63) .
وَلَيْسَ فِي حَدِيث المدلجي دَلِيل على وجوب الحكم بقول الْقَافة لِأَن أُسَامَة كَانَ نسبه ثَابتا من زيد قبل ذَلِك، وَلم يحْتَج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك إِلَى قَول أحد، وَإِنَّمَا تعجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِصَابَة مجزز كَمَا يتعجب من ظن الرجل الَّذِي يُصِيب ظَنّه حَقِيقَة الشَّيْء الَّذِي ظَنّه، وَلَا يثبت الحكم بذلك، وَترك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِنْكَار عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يتعاطَ فِي ذَلِك إِثْبَات مَا لم يكن ثَابتا.