هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5277 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا ، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5277 حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من شرب الخمر في الدنيا ، ثم لم يتب منها ، حرمها في الآخرة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Ibn `Umar:

Allah's Messenger (ﷺ) said, Whoever drinks alcoholic drinks in the world and does not repent (before dying), will be deprived of it in the Hereafter.

":"ہم سے عبداللہ بن یوسف تینسی نے بیان کیا ، انہوں نے کہا ہم کو امام مالک نے خبر دی ، انہیں نافع نے اور ان سے حضرت عبداللہ بن عمر رضی اللہ عنہما نے بیان کیا کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا جس نے دنیا میں شراب پی اور پھر اس نے توبہ نہیں کی تو آخرت میں وہ اس سے محروم رہے گا ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [5575] .

     قَوْلُهُ  مَنْ شَرِبَ الْخَمْرُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ حُرِمَهَا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْخَفِيفَةِ مِنَ الْحِرْمَانِ زَادَ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ فِي آخِرِهِ لَمْ يُسْقَهَا وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ فَمَاتَ وَهُوَ مُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَأَوْرَدَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُسْتَقِلَّةً أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِ الْخَمْرِ من الْعَسَل وَيَأْتِي كَلَام بن بَطَّالٍ فِيهَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَقَولُهُ ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا أَيْ مِنْ شُرْبِهَا فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغْوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِأَنَّ الْخَمْرَ شَرَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِذَا حُرِّمَ شُرْبُهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يدْخل الْجنَّة.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يَدُلُّ عَلَى حِرْمَانِ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ أَنْهَارَ الْخَمْرِ لَذَّةٌ لِلشَّارِبِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ فَلَوْ دَخَلَهَا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا خَمْرًا أَوْ أَنَّهُ حُرِمَهَا عُقُوبَةً لَهُ لَزِمَ وُقُوعُ الْهَمِّ وَالْحُزْنِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا هَمَّ فِيهَا وَلَا حُزْنَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُودِهَا فِي الْجَنَّةِ وَلَا أَنَّهُ حُرِمَهَا عُقُوبَةً لَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي فَقْدِهَا أَلَمٌ فَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلًا قَالَ وَهُوَ مَذْهَبٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ قَالَ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِيهَا إِلَّا إِنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ فِي الْمَشِيئَةِ فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الْحَدِيثِ جَزَاؤُهُ فِي الْآخِرَةِ أَنْ يُحْرَمَهَا لِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْجَنَّةِ إِلَّا إِنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَجَائِزٌ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ بِالْعَفْوِ ثُمَّ لَا يَشْرَبُ فِيهَا خَمْرًا وَلَا تَشْتَهِيهَا نَفْسُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِوُجُودِهَا فِيهَا وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسهُ هُوَ.

.

قُلْتُ أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَقَرِيبٌ مِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَقَدْ لَخَّصَ عِيَاض كَلَام بن عَبْدِ الْبَرِّ وَزَادَ احْتِمَالًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِحِرْمَانِهِ شُرْبَهَا أَنَّهُ يُحْبَسُ عَنِ الْجَنَّةِ مُدَّةً إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ قَالَ وَمَنْ قَالَ لَا يَشْرَبُهَا فِي الْجَنَّةِ بِأَنْ يَنْسَاهَا أَوْ لَا يَشْتَهِيهَا يَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَسْرَةٌ وَلَا يَكُونُ تَرْكُ شَهْوَتِهِ إِيَّاهَا عُقُوبَةً فِي حَقِّهِ بَلْ هُوَ نَقْصُ نَعِيمٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ هُوَ أَتَمُّ نَعِيمًا مِنْهُ كَمَا تَخْتَلِفُ دَرَجَاتُهُمْ وَلَا يُلْحَقُ مَنْ هُوَ أُنْقَصُ دَرَجَةً حِينَئِذٍ بِمَنْ هُوَ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا أُعْطِيَ وَاغْتِبَاطًا لَهُ.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ ظَاهِرُ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِيهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أُمِرَ بِتَأْخِيرِهِ وَوُعِدَ بِهِ فَحُرِمَهُ عِنْدَ مِيقَاتِهِ كَالْوَارِثِ فَإِنَّهُ إِذَا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ مِيرَاثُهُ لِاسْتِعْجَالِهِ وَبِهَذَا قَالَ نَفَرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ وَمَوْقِفُ إِشْكَالٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ وَفَصَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ مَنْ يَشْرَبُهَا مستحلافَهُوَ الَّذِي لَا يَشْرَبُهَا أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلًا وَعَدَمُ الدُّخُولِ يَسْتَلْزِمُ حِرْمَانَهَا وَبَيْنَ مَنْ يَشْرَبُهَا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَهُوَ الَّذِي يُحْرَمُ شُرْبَهَا مُدَّةً وَلَوْ فِي حَالِ تَعْذِيبِهِ إِنْ عُذِّبَ أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ جَزَاؤُهُ إِنْ جُوزِيَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ التَّوْبَةَ تُكَفِّرُ الْمَعَاصِيَ الْكَبَائِرَ وَهُوَ فِي التَّوْبَةِ مِنَ الْكُفْرِ قَطْعِيٌّ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الذُّنُوبِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ هَلْ هُوَ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَقْوَى أَنَّهُ ظَنِّيٌّ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ مَنِ اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الصَّادِقِينَ قَطْعًا وَلِلتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ شُرُوطٌ سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهَا فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الْوَعِيدَ يَتَنَاوَلُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ السُّكْرُ لِأَنَّهُ رَتَّبَ الْوَعِيدَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مُجَرَّدِ الشُّرْبِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْخَمْرِ الْمُتَّخَذِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَكَذَا فِيمَا يُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهَا.

.
وَأَمَّا مَا لَا يُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهَا فَالْأَمْرُ فِيهِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا أَنَّ التَّوْبَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْغَرْغَرَةِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ثمَّ من التَّرَاخِي وَلَيْسَت الْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّوْبَةِ شَرْطًا فِي قَبُولِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ الحَدَيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( .

     قَوْلُهُ  كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس الْآيَةَ)

كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ الْبَاقُونَ إِلَى الْمُفْلِحُونَ كَذَا ذَكَرَ الْآيَةَ وَأَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ تَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَشْرِبَةَ مِنْهَا مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ فَيُنْظَرُ فِي حُكْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ فِي الْآدَابِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشُّرْبِ فَبَدَأَ بِتَبْيِينِ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا لَقِلَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَلَالِ فَإِذَا عُرِفَ مَا يَحْرُمُ كَانَ مَا عَدَاهُ حَلَالًا وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ الْوَقْتَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَأَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْفَتْحِ قَبْلَ الْفَتْحِ ثُمَّ رَأَيْتُ الدِّمْيَاطِيَّ فِي سِيرَتِهِ جَزَمَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ كَانَ سَنَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْحُدَيْبِيَةُ كَانَتْ سَنَةَ سِتّ وَذكر بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ فِي وَاقِعَةِ بَنِي النَّضِيرِ وَهِيَ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ عَلَى الرَّاجِحِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَنَسًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ كَانَ السَّاقِيَ يَوْمَ حُرِّمَتْ وَأَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الْمُنَادِيَ بِتَحْرِيمِهَا بَادَرَ فَأَرَاقَهَا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ لَكَانَ أَنَسٌ يَصْغُرُ عَنْ ذَلِكَ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفُ لَمَّحَ بِذِكْرِ الْآيَةِ إِلَى بَيَانِ السَّبَبِ فِي نُزُولِهَا وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ شَرِبُوا فَلَمَّا ثَمِلَ الْقَوْمُ عَبِثَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَلَمَّا أَنْ صَحَوْا جَعَلَ الرَّجُلُ يَرَى فِي وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ الْأَثَرَ فَيَقُولُ صَنَعَ هَذَا أَخِي فُلَانٌ وَكَانُوا إِخْوَةً لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ضَغَائِنُ فَيَقُولُ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ بِي رَحِيمًا مَا صَنَعَ بِي هَذَا حَتَّى وَقَعَتْ فِي قُلُوبِهِمُ الضَّغَائِنُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجل هَذِه الْآيَة يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر إِلَى مُنْتَهُونَ قَالَ فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ هِيَ رِجْسٌ وَهِيَ فِي بَطْنِ فُلَانٍ وَقَدْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طعموا إِلَى الْمُحْسِنِينَ وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبُخَارِيِّ كَمَا مَضَى فِي الْمَائِدَةِ وَوَقَعَتْ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَصَححهُ وَمن حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ قَالَ نَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصْحَابُنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ الَّذِي سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ نَحْوَ الْأَوَّلِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ لَتَرَكُوهُ كَمَا تَرَكْتُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ يُسْتَفَادُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ تَسْمِيَتِهَا رِجْسًا وَقَدْ سُمِّيَ بِهِ مَا أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمِنْ .

     قَوْلُهُ  مِنْ عمل الشَّيْطَان لِأَنَّ مَهْمَا كَانَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ حَرُمَ تَنَاوُلُهُ وَمِنَ الْأَمْرِ بِالِاجْتِنَابِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَمَا وَجَبَ اجْتِنَابُهُ حَرُمَ تَنَاوُلُهُ وَمِنَ الْفَلَاحِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الِاجْتِنَابِ وَمِنْ كَوْنِ الشُّرْبِ سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطِي مَا يُوقِعُ ذَلِكَ حَرَامٌ وَمِنْ كَوْنِهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ وَمِنْ خِتَامِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ فَإِنَّهُ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ لَمَّا سَمِعَهَا انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا وَسَبَقَهُ إِلَى نَحْو ذَلِك الطَّبَرِيّ وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وبن مَرْدَوَيْهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ سَعِيدِ بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ مَشَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَجُعِلَتْ عِدْلًا لِلشِّرْكِ قِيلَ يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخمر الْآيَةَ فَإِنَّ الْأَنْصَابَ وَالْأَزْلَامَ مِنْ عَمَلِ الْمُشْرِكِينَ بِتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ فَنُسِبَ الْعَمَلُ إِلَيْهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ فِيهَا أَنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَأَمَرَ بِاجْتِنَابِهَا عَادَلَتْ قَوْلَهُ تَعَالَى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ أَنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَدَلَّ لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فِيهِمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس فَلَمَّا أَخْبَرَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ إِثْمًا كَبِيرًا ثُمَّ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِ الْإِثْمِ ثَبَتَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ بِذَلِكَ قَالَ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْخَمْرَ تُسَمَّى الْإِثْمُ لَمْ نَجِدُ لَهُ أَصْلًا فِي الْحَدِيثِ وَلَا فِي اللُّغَةِ وَلَا دَلَالَةَ أَيْضًا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ شَرِبْتُ الْإِثْمَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي كَذَاكَ الْإِثْمُ يَذْهَبُ بِالْعُقُولِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْإِثْمَ عَلَى الْخَمْرِ مَجَازًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْهَا الْإِثْمُ وَاللُّغَةُ الْفُصْحَى تَأْنِيثُ الْخَمْرِ وَأَثْبَتَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وبن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا جَوَازَ التَّذْكِيرِ وَيُقَالُ لَهَا الْخَمْرَةُ أَثْبَتَهُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْهُمُ الْجَوْهَرِي.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ فِي الْمُثَلَّثِ الْخَمْرَةُ هِيَ الْخَمْرُ فِي اللُّغَةِ وَقِيلَ سُمِّيَتِ الْخَمْرُ لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ وَتُخَامِرُهُ أَيْ تُخَالِطُهُ أَوْ لِأَنَّهَا هِيَ تُخَمَّرُ أَيْ تُغَطَّى حَتَّى تَغْلِي أَوْ لِأَنَّهَا تَخْتَمِرُ أَيْ تُدْرِكُ كَمَا يُقَالُ لِلْعَجِينِ اخْتَمَرَ أَقْوَالٌ سَيَأْتِي بَسْطُهَا عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى الحَدِيث الأول حَدِيث بن عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ

[ قــ :5277 ... غــ :5575] .

     قَوْلُهُ  مَنْ شَرِبَ الْخَمْرُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ حُرِمَهَا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْخَفِيفَةِ مِنَ الْحِرْمَانِ زَادَ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ فِي آخِرِهِ لَمْ يُسْقَهَا وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ فَمَاتَ وَهُوَ مُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَأَوْرَدَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُسْتَقِلَّةً أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِ الْخَمْرِ من الْعَسَل وَيَأْتِي كَلَام بن بَطَّالٍ فِيهَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَقَولُهُ ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا أَيْ مِنْ شُرْبِهَا فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغْوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِأَنَّ الْخَمْرَ شَرَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِذَا حُرِّمَ شُرْبُهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يدْخل الْجنَّة.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يَدُلُّ عَلَى حِرْمَانِ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ أَنْهَارَ الْخَمْرِ لَذَّةٌ لِلشَّارِبِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ فَلَوْ دَخَلَهَا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا خَمْرًا أَوْ أَنَّهُ حُرِمَهَا عُقُوبَةً لَهُ لَزِمَ وُقُوعُ الْهَمِّ وَالْحُزْنِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا هَمَّ فِيهَا وَلَا حُزْنَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُودِهَا فِي الْجَنَّةِ وَلَا أَنَّهُ حُرِمَهَا عُقُوبَةً لَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي فَقْدِهَا أَلَمٌ فَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلًا قَالَ وَهُوَ مَذْهَبٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ قَالَ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِيهَا إِلَّا إِنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ فِي الْمَشِيئَةِ فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الْحَدِيثِ جَزَاؤُهُ فِي الْآخِرَةِ أَنْ يُحْرَمَهَا لِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْجَنَّةِ إِلَّا إِنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَجَائِزٌ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ بِالْعَفْوِ ثُمَّ لَا يَشْرَبُ فِيهَا خَمْرًا وَلَا تَشْتَهِيهَا نَفْسُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِوُجُودِهَا فِيهَا وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسهُ هُوَ.

.

قُلْتُ أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَقَرِيبٌ مِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَقَدْ لَخَّصَ عِيَاض كَلَام بن عَبْدِ الْبَرِّ وَزَادَ احْتِمَالًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِحِرْمَانِهِ شُرْبَهَا أَنَّهُ يُحْبَسُ عَنِ الْجَنَّةِ مُدَّةً إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ قَالَ وَمَنْ قَالَ لَا يَشْرَبُهَا فِي الْجَنَّةِ بِأَنْ يَنْسَاهَا أَوْ لَا يَشْتَهِيهَا يَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَسْرَةٌ وَلَا يَكُونُ تَرْكُ شَهْوَتِهِ إِيَّاهَا عُقُوبَةً فِي حَقِّهِ بَلْ هُوَ نَقْصُ نَعِيمٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ هُوَ أَتَمُّ نَعِيمًا مِنْهُ كَمَا تَخْتَلِفُ دَرَجَاتُهُمْ وَلَا يُلْحَقُ مَنْ هُوَ أُنْقَصُ دَرَجَةً حِينَئِذٍ بِمَنْ هُوَ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا أُعْطِيَ وَاغْتِبَاطًا لَهُ.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ ظَاهِرُ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِيهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أُمِرَ بِتَأْخِيرِهِ وَوُعِدَ بِهِ فَحُرِمَهُ عِنْدَ مِيقَاتِهِ كَالْوَارِثِ فَإِنَّهُ إِذَا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ مِيرَاثُهُ لِاسْتِعْجَالِهِ وَبِهَذَا قَالَ نَفَرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ وَمَوْقِفُ إِشْكَالٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ وَفَصَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ مَنْ يَشْرَبُهَا مستحلا فَهُوَ الَّذِي لَا يَشْرَبُهَا أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلًا وَعَدَمُ الدُّخُولِ يَسْتَلْزِمُ حِرْمَانَهَا وَبَيْنَ مَنْ يَشْرَبُهَا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَهُوَ الَّذِي يُحْرَمُ شُرْبَهَا مُدَّةً وَلَوْ فِي حَالِ تَعْذِيبِهِ إِنْ عُذِّبَ أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ جَزَاؤُهُ إِنْ جُوزِيَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ التَّوْبَةَ تُكَفِّرُ الْمَعَاصِيَ الْكَبَائِرَ وَهُوَ فِي التَّوْبَةِ مِنَ الْكُفْرِ قَطْعِيٌّ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الذُّنُوبِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ هَلْ هُوَ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَقْوَى أَنَّهُ ظَنِّيٌّ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ مَنِ اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الصَّادِقِينَ قَطْعًا وَلِلتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ شُرُوطٌ سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهَا فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الْوَعِيدَ يَتَنَاوَلُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ السُّكْرُ لِأَنَّهُ رَتَّبَ الْوَعِيدَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مُجَرَّدِ الشُّرْبِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْخَمْرِ الْمُتَّخَذِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَكَذَا فِيمَا يُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهَا.

.
وَأَمَّا مَا لَا يُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهَا فَالْأَمْرُ فِيهِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا أَنَّ التَّوْبَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْغَرْغَرَةِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ثمَّ من التَّرَاخِي وَلَيْسَت الْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّوْبَةِ شَرْطًا فِي قَبُولِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ الحَدَيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  كتاب الأشربة
( بسم الله الرحمن الرحيم) .
( كتاب الأشربة) جمع شراب كأطعمة وطعام واسم لما يشرب وليس مصدرًا لأن المصدر وهو الشرب بتثليث الشين.

باب وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
( باب قول الله تعالى) : بالخفض على العطف وبالرفع على الاستئناف ( { وإنما الخمر} ) وهو المعتصر من العنب إذا غلى وقذف بالزبد ويطلق على ما غلى وقذف بالزبد من غير ماء العنب مجازًا وفي تسميتها خمرًا أربعة لأنها تخمر العقل أي تستره أو لأنها تغطى حتى تدرك وتشتدّ أو من المخالطة لأنها تخامر العقل أي تخالطه أو من الترك لأنها تترك حتى تدرك ومنه اختمر العجين أي بلغ إدراكه ( { والميسر} ) القمار مفعل من اليسر وهو السهولة لأن أخذه سهل من غير كد ( { والأنصاب} ) الأصنام لأنها تنصب فتعبد ( { والأَزْلامُ} ) القداح كانوا إذا أرادوا أمرًا عمدوا إلى قداح ثلاثة.
مكتوب على واحد منها أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، والثالث غفل فإن خرج الأمر مضى لحاجته وإن خرج النهي أمسك وإن خرج الغفل أعاده ( { رجس} ) خبر عن المذكورات.
واستشكل من حيث أخبر عن جمع بمفرد، وأجاب الزمخشري بأنه على حذف مضاف أي إنما شأن الخمر وكذا وكذا.
قال أبو حيان: ولا حاجة إلى هذا بل الحكم على هذه الأربعة أنفسها أنها رجس أبلغ من تقدير هذا المضاف كقوله: { إنما المشركون نجس} [التوبة: 28] والرجس الشيء القذر أو النجس أو الخبيث ( { من عمر الشيطان} ) في موضع رفع صفة لرجس ولما كان يحمل على فعل ما ذكر كان كأنه عمله والضمير في ( { فاجتنبوه} ) يعود إلى الرجس أو إلى عمل الشيطان أو إلى المذكور أو إلى المضاف المحذوف كأنه قيل: إنما تعاطي الخمر والميسر
( { لعلكم تفلحون} ) [المائدة: 90] أكد تحريم الخمر والميسر من وجوه حيث صدر الجملة بإنما وقرنها بعبادة الأصنام ومنه الحديث شارب الخمر كعابد الوثن وجعلهما رجسًا من عمل الشيطان ولا يأتي منه إلا الشر البحت وأمر بالاجتناب وجعل الاجتناب من الفلاح وإذا كان الاجتناب فلاحًا كان الارتكاب خسارًا والأمر بالاجتناب للوجوب وما وجب اجتنابه حرم تناوله، وسقط لأبي ذر قوله: { من عمل الشيطان} إلى آخره وقال بعد قوله: { رجس} الآية.


[ قــ :5277 ... غــ : 5575 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) سقط لأبي ذر عبد الله ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها) من شربها ( حرمها) بضم الحاء المهملة وكسر الراء مخففة من الحرمان أي حرم شربها ( في الآخرة) ولمسلم من طريق أيوب عن نافع فمات وهو مدمنها لم يشربها في الآخرة وظاهره عدم دخوله الجنة ضرورة أن الخمر شراب أهلها، فإذا حرم شربها دل على أنه لا يدخلها ولأنه إن حرمها عقوبة له لزم وقوع الهمّ والحزن له والجنة لا همّ فيها ولا حزن، وحمله ابن عبد البر على أنه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله عنه كما في بقية الكبائر وهو في المشيئة فالمعنى جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلا إن عفا الله عنه وجائز أن يدخل الجنة بالعفو ثم لا يشرب فيها خمرًا ولا تشتهيها نفسه وإن علم بوجوده فيها، ويدل له حديث أبي سعيد المروي عند الطيالسي وصححه ابن حبان مرفوعًا "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو".
وفرّق بعضهم بين من يشربها مستحلاًّ لها ومن يشربها عالمًا بتحريمها، فالأوّل لا يشربها أبدًا لأنه لا يدخل الجنة، والثاني هو الذي اختلف فيه فقيل إنه يحرم شربها مدة ولو في حال تعذيبه إن عذب أو المعنى أن ذاك جزاؤه إن جوزي.
وقال النووي: قيل يدخل الجنة ويحرم شربها فإنها من فاخر أشربة الجنة فيحرمها هذا العاصي لشربها في الدنيا قيل إنه ينسى شهوتها فيكون هذا نقصًا عظيمًا لحرمانه أشرف نعيم الجنة.
وقال القرطبي: لا يبالي بعدم شربها ولا يحسد من يشربها فيكون حاله كحال أهل المنازل في الخفض والرفع فكما لا يشتهي منزلة مَن هو أرفع منه كذلك لا يشتهي الخمر في الجنة وليس ذلك بضار له.
وفي الحديث من الفوائد أن التوبة تكفّر المعاصي.

وقد أخرج الحديث مسلم في الأشربة والنسائي فيه وفي الوليمة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( { كِتابُ الأشْرِبَةِ} )
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْأَشْرِبَة مَا يحرم من ذَلِك وَمَا يُبَاح، وَهِي جمع شراب وَهُوَ إسم لما يشرب وَلَيْسَ بمصدر لِأَن الْمصدر: هُوَ الشّرْب بِتَثْلِيث الشين يُقَال: شرب المَاء وَغَيره شربا وشربا.
وقرىء ( فشاربون شرب الهيم) بالوجوه الثَّلَاثَة قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الشّرْب بِالْفَتْح مصدر، وبالخفض وَالضَّم إسمان من شرب.

{ بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيم}

( { كِتابُ الأشْرِبَةِ} )

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْأَشْرِبَة مَا يحرم من ذَلِك وَمَا يُبَاح، وَهِي جمع شراب وَهُوَ إسم لما يشرب وَلَيْسَ بمصدر لِأَن الْمصدر: هُوَ الشّرْب بِتَثْلِيث الشين يُقَال: شرب المَاء وَغَيره شربا وشربا.
وقرىء ( فشاربون شرب الهيم) بالوجوه الثَّلَاثَة قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الشّرْب بِالْفَتْح مصدر، وبالخفض وَالضَّم إسمان من شرب.
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: { إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسَرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على الْأَشْرِبَة المجرورة بِالْإِضَافَة، وَالْآيَة بِتَمَامِهَا مَذْكُورَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر إِلَى قَوْله: ( رِجْس) الْآيَة.
وَأول الْآيَة: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} ( الْمَائِدَة: 90) الْآيَة وَذكر البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة تمهيدا لما يذكرهُ من الْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِي الْخمر، وَقد ذَكرنَاهَا فِي سُورَة الْمَائِدَة، وَسبب نُزُولهَا مَا قَالَ الإِمَام أَحْمد: حَدثنَا خلف بن الْوَلِيد حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي ميسرَة عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: لما نزل تَحْرِيم الْخمر، قَالَ: اللَّهُمَّ بيِّن لنا فِي الْخمر بَيَانا شافيا فَنزلت هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة: { يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير} ( الْبَقَرَة: 129) فدعي عمر فقرئت عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بيّن لنا فِي الْخمر بَيَانا شافيا.
فَنزلت الْآيَة الَّتِي فِي النِّسَاء: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} ( النِّسَاء: 43) فَكَانَ مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة يُنَادي أَن لَا يقرب الصَّلَاة سَكرَان فدعى عمر فقرئت عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بيِّن لنا فِي الْخمر بَيَانا شافيا فَنزلت الَّتِي فِي الْمَائِدَة فدعي عمر فقرئت عَلَيْهِ فَلَمَّا بلغ: { فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} ( الْمَائِدَة: 61) قَالَ عمر: انتهينا انتهينا، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طرق عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق، وَصحح هَذَا الحَدِيث التِّرْمِذِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ.
قَوْله: ( الْخمر) ، اخْتلف أهل اللُّغَة فِي اشتقاق اسْم الْخمر على أَلْفَاظ قريبَة الْمعَانِي، فَقيل: سميت خمرًا لِأَنَّهَا تخمر الْعقل أَي: تغطيه وتستره، وَمِنْه خمار الْمَرْأَة لِأَنَّهُ يُغطي رَأسهَا وَقيل: مُشْتَقَّة من المخامرة.
وَهِي المخالطة لِأَنَّهَا تخالط الْعقل، وَقيل: سميت خمرًا لِأَنَّهَا تركت حَتَّى أدْركْت يُقَال: خمر الْعَجِين أَي: بلغ إِدْرَاكه، وَقيل: سميت خمرًا لتغطيتها الدِّمَاغ،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: هِيَ مُؤَنّثَة وَقد ذكر ذَلِك الْفراء، وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
( وَكَانَ الْخمر الْعَتِيق من الإسف ... ط ممزوجة مَاء زلال)

وَذكرهَا حَيْثُ قَالَ: الْعَتِيق لإِرَادَة الشَّرَاب، وَلها أَسمَاء كَثِيرَة وَذكر صَاحب ( التَّلْوِيح) مَا يناهز تسعين اسْما، وَذكر ابْن المعتز مائَة وَعشْرين اسْما وَذكر ابْن دحْيَة مائَة وَتِسْعين أسما قَوْله: ( وَالْميسر) الغمار، وَعَن عَطاء وَمُجاهد وطاووس كل شَيْء من الْقمَار فَهُوَ الميسر حَتَّى لعب الصّبيان بالجوز،.

     وَقَالَ  رَاشد بن سعيد وَحَمْزَة بن حبيب: حَتَّى الكعاب والجوز وَالْبيض الَّتِي يلْعَب بهَا الصّبيان.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: الميسر الْقمَار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعلهمَا، يُقَال: يسرته إِذا قمرته واشتقاقه من الْيُسْر لِأَنَّهُ أَخذ مَال الرجل بيسر ومهولة من غير تَعب وَلَا كد أَو من الْيَسَار لِأَنَّهُ يسلب يسَاره.
قَوْله: ( والأنصاب) ، جمع نصب بِضَم الصَّاد وسكونها وَهُوَ حجر كَانُوا ينصبونه فِي الْجَاهِلِيَّة ويتخذونه صنما فيعبدونه.
وَقيل: كَانُوا ينصبونه ويذبحون عَلَيْهِ فيحمر بِالدَّمِ.
قَوْله: ( والأزلام) جمع زلم وَهُوَ بِفَتْح الزَّاي، وَهِي عبارَة عَن قداح ثَلَاثَة على أَحدهَا: أَمرنِي رَبِّي، وعَلى الآخر: نهاني رَبِّي، وَالثَّالِث: عطل لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء فَإِذا خرج الْأَمر فعله، وَإِذا خرج الناهي تَركه، وَإِن طلع الفارغ أعَاد الاستقسام، وَقيل: نعتت الْخمر بِأَنَّهَا رِجْسٌ أَي: نَجِسَة وقذرة وَلَا عين تُوصَف بذلك إلاَّ وَهِي مُحرمَة يدل على ذَلِك الْميتَة وَالدَّم، والرجس قد ورد فِي كتاب الله عزّ وجلّ وَالْمرَاد بِهِ الْكفْر.
قَالَ الله تَعَالَى: { فزادتهم رجسا إِلَى رجسهم} ( التَّوْبَة: 125) يَعْنِي: الْكفْر، وَلَا يَصح أَن يكون الرجس الْمَذْكُور فِي آيَة الْخمر يُرَاد بِهِ الْكفْر لِأَن الْأَعْيَان لَا يَصح أَن تكون أيمانا وَلَا كفر أَو لِأَن الْخمر لَو كَانَت كفرا لوَجَبَ أَن يكون الْعصير أيمانا لِأَن الْكفْر وَالْإِيمَان طريقهما الِاعْتِقَاد وَالْقَوْل، وَإِنَّمَا أطلق عَلَيْهَا الرجس لكَونهَا أقوى فِي التَّحْرِيم وأوكد عِنْد الْعلمَاء، وَقد مر فِي التَّفْسِير بأبسط من هَذَا.

وَقَوْلِ الله تَعَالَى: { إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسَرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على الْأَشْرِبَة المجرورة بِالْإِضَافَة، وَالْآيَة بِتَمَامِهَا مَذْكُورَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر إِلَى قَوْله: ( رِجْس) الْآيَة.
وَأول الْآيَة: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} ( الْمَائِدَة: 90) الْآيَة وَذكر البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة تمهيدا لما يذكرهُ من الْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِي الْخمر، وَقد ذَكرنَاهَا فِي سُورَة الْمَائِدَة، وَسبب نُزُولهَا مَا قَالَ الإِمَام أَحْمد: حَدثنَا خلف بن الْوَلِيد حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي ميسرَة عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: لما نزل تَحْرِيم الْخمر، قَالَ: اللَّهُمَّ بيِّن لنا فِي الْخمر بَيَانا شافيا فَنزلت هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة: { يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير} ( الْبَقَرَة: 129) فدعي عمر فقرئت عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بيّن لنا فِي الْخمر بَيَانا شافيا.
فَنزلت الْآيَة الَّتِي فِي النِّسَاء: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} ( النِّسَاء: 43) فَكَانَ مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة يُنَادي أَن لَا يقرب الصَّلَاة سَكرَان فدعى عمر فقرئت عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بيِّن لنا فِي الْخمر بَيَانا شافيا فَنزلت الَّتِي فِي الْمَائِدَة فدعي عمر فقرئت عَلَيْهِ فَلَمَّا بلغ: { فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} ( الْمَائِدَة: 61) قَالَ عمر: انتهينا انتهينا، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طرق عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق، وَصحح هَذَا الحَدِيث التِّرْمِذِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ.
قَوْله: ( الْخمر) ، اخْتلف أهل اللُّغَة فِي اشتقاق اسْم الْخمر على أَلْفَاظ قريبَة الْمعَانِي، فَقيل: سميت خمرًا لِأَنَّهَا تخمر الْعقل أَي: تغطيه وتستره، وَمِنْه خمار الْمَرْأَة لِأَنَّهُ يُغطي رَأسهَا وَقيل: مُشْتَقَّة من المخامرة.
وَهِي المخالطة لِأَنَّهَا تخالط الْعقل، وَقيل: سميت خمرًا لِأَنَّهَا تركت حَتَّى أدْركْت يُقَال: خمر الْعَجِين أَي: بلغ إِدْرَاكه، وَقيل: سميت خمرًا لتغطيتها الدِّمَاغ،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: هِيَ مُؤَنّثَة وَقد ذكر ذَلِك الْفراء، وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
( وَكَانَ الْخمر الْعَتِيق من الإسف ... ط ممزوجة مَاء زلال)

وَذكرهَا حَيْثُ قَالَ: الْعَتِيق لإِرَادَة الشَّرَاب، وَلها أَسمَاء كَثِيرَة وَذكر صَاحب ( التَّلْوِيح) مَا يناهز تسعين اسْما، وَذكر ابْن المعتز مائَة وَعشْرين اسْما وَذكر ابْن دحْيَة مائَة وَتِسْعين أسما قَوْله: ( وَالْميسر) الغمار، وَعَن عَطاء وَمُجاهد وطاووس كل شَيْء من الْقمَار فَهُوَ الميسر حَتَّى لعب الصّبيان بالجوز،.

     وَقَالَ  رَاشد بن سعيد وَحَمْزَة بن حبيب: حَتَّى الكعاب والجوز وَالْبيض الَّتِي يلْعَب بهَا الصّبيان.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: الميسر الْقمَار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعلهمَا، يُقَال: يسرته إِذا قمرته واشتقاقه من الْيُسْر لِأَنَّهُ أَخذ مَال الرجل بيسر ومهولة من غير تَعب وَلَا كد أَو من الْيَسَار لِأَنَّهُ يسلب يسَاره.
قَوْله: ( والأنصاب) ، جمع نصب بِضَم الصَّاد وسكونها وَهُوَ حجر كَانُوا ينصبونه فِي الْجَاهِلِيَّة ويتخذونه صنما فيعبدونه.
وَقيل: كَانُوا ينصبونه ويذبحون عَلَيْهِ فيحمر بِالدَّمِ.
قَوْله: ( والأزلام) جمع زلم وَهُوَ بِفَتْح الزَّاي، وَهِي عبارَة عَن قداح ثَلَاثَة على أَحدهَا: أَمرنِي رَبِّي، وعَلى الآخر: نهاني رَبِّي، وَالثَّالِث: عطل لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء فَإِذا خرج الْأَمر فعله، وَإِذا خرج الناهي تَركه، وَإِن طلع الفارغ أعَاد الاستقسام، وَقيل: نعتت الْخمر بِأَنَّهَا رِجْسٌ أَي: نَجِسَة وقذرة وَلَا عين تُوصَف بذلك إلاَّ وَهِي مُحرمَة يدل على ذَلِك الْميتَة وَالدَّم، والرجس قد ورد فِي كتاب الله عزّ وجلّ وَالْمرَاد بِهِ الْكفْر.
قَالَ الله تَعَالَى: { فزادتهم رجسا إِلَى رجسهم} ( التَّوْبَة: 125) يَعْنِي: الْكفْر، وَلَا يَصح أَن يكون الرجس الْمَذْكُور فِي آيَة الْخمر يُرَاد بِهِ الْكفْر لِأَن الْأَعْيَان لَا يَصح أَن تكون أيمانا وَلَا كفر أَو لِأَن الْخمر لَو كَانَت كفرا لوَجَبَ أَن يكون الْعصير أيمانا لِأَن الْكفْر وَالْإِيمَان طريقهما الِاعْتِقَاد وَالْقَوْل، وَإِنَّمَا أطلق عَلَيْهَا الرجس لكَونهَا أقوى فِي التَّحْرِيم وأوكد عِنْد الْعلمَاء، وَقد مر فِي التَّفْسِير بأبسط من هَذَا.


[ قــ :5277 ... غــ :5575 ]
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنا مَالِكٌ عَنْ نِافَعٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما.
أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتِبْ مِنْها حُرِمَها فِي الآخِرَةِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة أَيْضا عَن القعني وَيحيى بن يحيى فرقهما.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْوَلِيمَة عَن قُتَيْبَة وَغَيره.

قَوْله: ( حرمهَا) بِضَم الْحَاء وَكسر الرَّاء المخففة على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى المفعولين لِأَنَّهُ ضد أَعْطَتْ أَي: لَا يشْربهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وأنهار من خمر لَذَّة للشاربين} ( مُحَمَّد: 15) فَإِن قلت: الْمعْصِيَة لَا توجب حرمَان الْجنَّة.
قلت: يدخلهَا وَلَا يشرب من نهرها فَإِنَّهَا من فاخر شراب أَهلهَا.
فَإِن قلت: فِيهَا كل مَا تشْتَهي الْأَنْفس.
قلت قيل: إِنَّه ينسى شهوتها، وَقيل: لَا يشتهيها وَإِن ذكرهَا..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: ظَاهر الحَدِيث تأبيد التَّحْرِيم، فَإِن دخل الْجنَّة شرب من جَمِيع أشربتها إلاَّ الْخمر، وَمَعَ ذَلِك فَلَا يتألم لعدم شربهَا وَلَا يحْسد من يشْربهَا وَيكون حَاله كَحال أَصْحَاب الْمنَازل فِي الْخَفْض والرفعة فَكَمَا لَا يَشْتَهِي منزلَة من هُوَ أرفع مِنْهُ لَا يشتهيها أَيْضا، وَلَيْسَ ذَلِك بعقوبة لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا} ( الْحجر: 47) وَقيل: إِنَّه يعذب فِي النَّار فَإِذا خرج من النَّار بِالرَّحْمَةِ وبالشفاعة وَدخل الْجنَّة لم يحرم شَيْئا.
قَوْلنَا: فِي لبس الْحَرِير وَالشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة..
     وَقَالَ  أَبُو عمر: قَالَ بعض من تقدم: إِن من شرب الْخمر ثمَّ لم يتب مِنْهَا لم يدْخل الْجنَّة وَهُوَ مَذْهَب غير مرضِي عندنَا إلاَّ إِذا كَانَ على الْقطع فِي إِنْفَاذ الْوَعيد، ومحمله عندنَا أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إلاَّ أَن يغْفر الله لَهُ إِذا مَاتَ غير تائب مِنْهَا كَسَائِر الْكَبَائِر، وَكَذَلِكَ قَوْلهم: لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة مَعْنَاهُ: عندنَا إلاَّ أَن يغْفر الله لَهُ فَيدْخل الْجنَّة ويشربها وَهُوَ عندنَا فِي الْمَشِيئَة، إِن شَاءَ غفر لَهُ وَإِن شَاءَ عذبه، فَإِن عذبه بِذَنبِهِ ثمَّ أدخلهُ الْجنَّة برحمته لم يحرمها إِن شَاءَ الله عز وَجل.