هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4227 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ شُعْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى ، قَالَ : كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي ، فَقَالَ : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ : { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } . ثُمَّ قَالَ لِي : لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي القُرْآنِ ، قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ . ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ ، قُلْتُ لَهُ : أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ ، قَالَ : { الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ } هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4227 حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن شعبة ، قال : حدثني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، قال : كنت أصلي في المسجد ، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ، فقلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلي ، فقال : ألم يقل الله : { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } . ثم قال لي : لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن ، قبل أن تخرج من المسجد . ثم أخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج ، قلت له : ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ، قال : { الحمد لله رب العالمين } هي السبع المثاني ، والقرآن العظيم الذي أوتيته
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [4474] قَوْله حَدثنِي خبيب بِالْمُعْجَمَةِ مصغر بن عبد الرَّحْمَن أَي بن خُبَيْبِ بْنِ يَسَافٍ الْأَنْصَارِيُّ وَحَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ أَي بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى بَيَّنَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ سَمَاعَ خُبَيْبٍ لَهُ مِنْ حَفْصِ وَحَفْصٍ لَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَلَيْسَ لِأَبِي سَعِيدٍ هَذَا فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ رَافِعٌ وَقِيلَ الْحَارِث وَقواهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَوَهَّى الَّذِي قَبْلَهُ وَقِيلَ أَوْسٌ وَقِيلَ بَلْ أَوْسٌ اسْمُ أَبِيهِ وَالْمُعَلَّى جَدُّهُ وَمَاتَ أَبُو سَعِيدٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَسبعين من الْهِجْرَة وأرخ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَفَاتَهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِي فِي الصَّحَابَةِ تَنْبِيهَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِإِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدُهُمَا نَسَبَ الْغَزَالِيُّ وَالْفَخْرُ الرَّازِّيُّ وَتَبِعَهُ الْبَيْضَاوِيُّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ وَهَمٌ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْمُعَلَّى ثَانِيهِمَا رَوَى الْوَاقِدِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ وَالْوَاقِدِيُّ شَدِيدُ الضَّعْفِ إِذَا انْفَرَدَ فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَ وَشَيْخُهُ مَجْهُولٌ وَأَظُنُّ الْوَاقِدِيَّ دَخَلَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ فَإِنَّ مَالِكًا أَخْرَجَ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِيهِ ذِكْرُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَمِنَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ قَالَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناداه وَكَذَلِكَ أخرجه الْحَاكِم وَوهم بن الْأَثِيرِ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ شَيْخَ الْعَلَاءِ هُوَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْمُعَلَّى فَإِنَّ بن الْمُعَلَّى صَحَابِيٌّ أَنْصَارِيٌّ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَدَنِيٌّ وَذَلِكَ تَابِعِيٌّ مَكِّيٌّ مِنْ مَوَالِي قُرَيْشٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْعَلَاءِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ وَأحمد من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ كُلُّهُمْ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بْنِ كَعْبٍ فَذكر الحَدِيث وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْعَلَاءِ مِثْلَهُ لَكِنْ قَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ كَوْنَهُ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي مَا رَجَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَلِأَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَخْرَجِ الْحَدِيثَيْنِ وَاخْتِلَافِ سِيَاقِهِمَا كَمَا سَأُبَيِّنُهُ .

     قَوْلُهُ  كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ زَادَ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ أَيْ أُبَيُّ فَالْتَفَتَ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ صَلَّى فَخَفَّفَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَيْحَكَ مَا مَنَعَكَ إِذْ دَعَوْتُكَ أَنْ لَا تُجِيبَنِي الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَجِيبُوا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة أَو لَيْسَ تَجِدُ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ أَنِ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الْآيَةَ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَنْبِيهٌ نقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ قَبْلَ قَوْلِ أَبِي سَعِيدِ كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ فَكَأَنَّهُ تَأَوَّلَ أَنَّ مَنْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْخِطَابِ قَالَ وَالَّذِي تَأَوَّلَ الْقَاضِيَانِ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَبُو الْوَلِيدِ أَنَّ إِجَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَرْضٌ يَعْصِي الْمَرْءُ بِتَرْكِهِ وَأَنَّهُحُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

.

قُلْتُ وَمَا ادَّعَاهُ الدَّاوُدِيُّ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْقَاضِيَانِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافٍ عِنْدَهُمْ بَعْدَ قَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ أَمْ لَا .

     قَوْلُهُ  لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي رِوَايَةِ رَوْحٍ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفرْقَان مثلهَا قَالَ بن التِّينِ مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَابَهَا أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ الْأَشْعَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ نَاقِصٌ عَنْ دَرَجَةِ الْأَفْضَلِ وَأَسْمَاءَ الله وَصِفَاته وَكَلَامه لانقص فِيهَا وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَى التَّفَاضُلِ أَنَّ ثَوَابَ بَعْضِهِ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ بَعْضٍ فَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَعَانِي لَا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ وَيُؤَيِّدُ التَّفْضِيلَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا وَقد روى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَيْ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالرِّفْقِ وَالرِّفْعَةِ وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ قَالَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَالتَّقْدِيرُ نَأْتِ مِنْهَا بِخَيْرٍ وَهُوَ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا لَكِنْ .

     قَوْلُهُ  فِي آيَةِ الْبَابِ أَوْ مِثْلِهَا يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنِي وَأَنَا أَتَبَاطَأُ مَخَافَةَ أَنْ يَبْلُغَ الْبَابَ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ الْحَدِيثُ .

     قَوْلُهُ  أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّورَةُ الَّتِي قَدْ وَعَدْتَنِي قَالَ كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ أُمَّ الْكِتَابِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ فِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ هِيَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ إِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا من المثاني هِيَ الْفَاتِحَة وَقد روىالنسائي بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ السَّبْعَ الْمَثَانِيَ هِيَ السَّبْعُ الطِّوَالُ أَيِ السُّوَرُ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ إِلَى آخِرِ الْأَعْرَافِ ثُمَّ بَرَاءَةٌ وَقِيلَ يُونُسُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِالسَّبْعِ الْآيُ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتهَا مثانى فَقيل لِأَنَّهَا تثني فِي كُلَّ رَكْعَةٍ أَيْ تُعَادُ وَقِيلَ لِأَنَّهَا يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ لِأَنَّهَا اسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى مَنْ قَبْلَهَا قَالَ بن التِّينِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ كَذَا قَالَ وَعكس غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَرَادَ السُّورَةَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْآيَةَ لَمْ يَقُلْ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي لِأَنَّ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يُقَالُ لَهَا سَبْعٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا السُّورَةَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ أَسْمَائِهَا وَفِيهِ قُوَّةٌ لِتَأْوِيلِ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِيث أنس قَالَ كَانُوا يفتتحون الصَّلَاة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين قَالَ الشَّافِعِيُّ أَرَادَ السُّورَةَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تُسَمَّى سُورَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا تُسَمَّى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ هَذَا التَّعَقُّبَ وَفِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْفَوْرَ لِأَنَّهُ عَاتَبَ الصَّحَابِيَّ عَلَى تَأْخِيرِ إِجَابَتِهِ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ صِيغَةِ الْعُمُومِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ أَنَّ حُكْمَ لَفْظِ الْعُمُومِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى جَمِيعِ مُقْتَضَاهُ وَأَنَّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ إِذَا تَقَابَلَا كَانَ الْعَامُّ مُنَزَّلًا عَلَى الْخَاصِّ لِأَنَّ الشَّارِعَ حَرَّمَ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْعُمُومِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ إِجَابَةَ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ أَنَّ إِجَابَةَ الْمُصَلِّي دُعَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ بَحْثٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ إِجَابَتُهُ وَاجِبَةً مُطْلَقًا سَوَاءَ كَانَ الْمُخَاطَبُ مُصَلِّيًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ أَمَّا كَوْنُهُ يَخْرُجُ بِالْإِجَابَةِ مِنَ الصَّلَاةِ أَوْ لَا يَخْرُجُ فَلَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ مَا يَسْتَلْزِمُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ الْإِجَابَةُ وَلَوْ خَرَجَالْمُجِيبُ مِنَ الصَّلَاةِ وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَهَلْ يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالنِّدَاءِ أَوْ يَشْمَلُ مَا هُوَ أَعُمُّ حَتَّى تَجِبَ إِجَابَتُهُ إِذا سَأَلَ فِيهِ بحث وَقد جزم بن حِبَّانَ بِأَنَّ إِجَابَةَ الصَّحَابَةِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِهِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ وَأَنَّ الْوَاوَ لَيْسَتْ بِالْعَاطِفَةِ الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ الَّتِي تَجِيءُ بِمَعْنَى التَّفْصِيلِ كَقَوْلِهِ فَاكِهَةٌ ونخل ورمان وَقَوله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال انْتَهَى وَفِيهِ بَحْثٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مَحْذُوفَ الْخَبَرِ وَالتَّقْدِيرُ مَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَثَلًا فَيَكُونُ وَصْفُ الْفَاتِحَةِ انْتَهَى بِقَوْلِهِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي ثُمَّ عَطَفَ قَوْلَهَ وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ أَيْ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ رِعَايَةً لِنَظْمِ الْآيَةِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ هُوَ الَّذِي أُوتِيتُهُ زِيَادَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ تَنْبِيهٌ يُسْتَنْبَطُ مِنْ تَفْسِيرِ السَّبْعِ الْمَثَانِي بِالْفَاتِحَةِ أَنَّ الْفَاتِحَةَ مَكِّيَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِمُجَاهِدٍ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ امْتَنَّ عَلَى رَسُولِهِ بِهَا وَسُورَةُ الْحِجْرِ مَكِّيَّةٌ اتِّفَاقًا فَيَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ نُزُولِ الْفَاتِحَةِ عَلَيْهَا قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ هَذِهِ هَفْوَةٌ مِنْ مُجَاهِدٍ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ وَأَغْرَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَنَسَبَ الْقَوْلَ بِذَلِكَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَنَقَلُوا فِيهِ الْإِجْمَاعَ لَكِنْ جَاءَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ أَنَّهَا سِتُّ آيَاتٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدَّ الْبَسْمَلَةَ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهَا ثَمَانُ آيَاتٍ لِأَنَّهُ عدهَا وعد أَنْعَمت عَلَيْهِم وَقيل لم يعدها وعد إياك نعْبد وَهَذَا أغرب الْأَقْوَال ( قَولُهُ بَابُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ)
أَيْ مِنَ الْفَضْلِ أَوْ مِنَ التَّفْسِيرِ أَوْ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ مَعَ التَّقْيِيدِ بِشَرْطِهِ فِي كُلِّ وَجْهٍ .

     قَوْلُهُ  وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ هُوَ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي أَوَّلِ مَجَازِ الْقُرْآنِ لَكِنَّ لَفْظَهُ وَلِسُوَرِ الْقُرْآنِ أَسْمَاءٌ مِنْهَا أَنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ تُسَمَّى أُمَّ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يُبْدَأُ بِهَا فِي أَوَّلِ الْقُرْآنِ وَتُعَادُ قِرَاءَتُهَا فَيُقْرَأُ بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَبْلَ السُّورَةِ وَيُقَالُ لَهَا فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يُفْتَتَحُ بِهَا فِي الْمَصَاحِفِ فَتُكْتَبُ قَبْلَ الْجَمِيعِ انْتَهَى وَبِهَذَا تَبَيَّنَ الْمُرَادُ مِمَّا اخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ سُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ لِأَنَّ أُمَّ الشَّيْءِ ابْتِدَاؤُهُ وَأَصْلُهُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَرْضَ دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِهَا.

     وَقَالَ  بَعْضُ الشُّرَّاحِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهَا يُبْدَأُ بِهَا يُنَاسِبُ تَسْمِيَتَهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ لَا أُمَّ الْكِتَابِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُتَّجَهُ مَا قَالَ بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الْأُمَّ مَبْدَأُ الْوَلَدِ وَقِيلَ سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآنِ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّعَبُّدِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَعَلَى مَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْفِعْلِ وَاشْتِمَالِهَا عَلَى ذِكْرِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ وَنَقَلَ السُّهَيْلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ وبن سِيرِينَ وَوَافَقَهُمَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ كَرَاهِيَةَ تَسْمِيَةِ الْفَاتِحَةِ أُمَّ الْكِتَابِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ السُّهَيْلِيُّ.

.

قُلْتُ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ وَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْحِجْرِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَسْمِيَتِهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأُمِّ الْكِتَابِ وَلَعَلَّ الَّذِي كَرِهَ ذَلِكَ وَقَفَ عِنْدَ لَفْظِ الْأُمِّ وَإِذَا ثَبت النَّص طاح مادونه وَلِلْفَاتِحَةِ أَسْمَاءٌ أُخْرَى جُمِعَتْ مِنْ آثَارٍ أُخْرَى الْكَنْز والوافية والشافية والكافية وَسورَة الْحَمد وَالْحَمْد لِلَّهِ وَسُورَةُ الصَّلَاةِ وَسُورَةُ الشِّفَاءِ وَالْأَسَاسُ وَسُورَةُ الشُّكْرِ وَسُورَةُ الدُّعَاءِ .

     قَوْلُهُ  الدِّينُ الْجَزَاءِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ هُوَ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا قَالَ الدِّينُ الْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ انْتَهَى وَقَدْ وَرَدَ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَهُوَ مُرْسَلٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَيْضًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا وَأَبُو قِلَابَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَلَهُ شَاهِدٌ مَوْصُولٌ من حَدِيث بن عمر أخرجه بن عَدِيِّ وَضَعَّفَهُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ بِالدِّينِ بِالْحِسَابِ مَدِينِينَ مُحَاسَبِينَ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كلا بل تكذبون بِالدّينِ قَالَ بِالْحِسَابِ وَمِنْ طَرِيقِ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فلولا أَن كُنْتُم غير مدينين غَيْرَ مُحَاسَبِينَ وَالْأَثَرُ الْأَوَّلُ جَاءَ مَوْقُوفًا عَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ السّديّ عَن مرّة الْهَمدَانِي عَن بن مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَالك يَوْم الدّين قَالَ هُوَ يَوْمُ الْحِسَابِ وَيَوْمُ الْجَزَاءِ وَلِلدِّينِ معَان أُخْرَى مِنْهَا الْعَادة وَالْعَمَل وَالْحُكْمُ وَالْحَالُ وَالْخَلْقُ وَالطَّاعَةُ وَالْقَهْرُ وَالْمِلَّةُ وَالشَّرِيعَةُ وَالْوَرَعُ وَالسِّيَاسَةُ وَشَوَاهِدُ ذَلِكَ يَطُولُ ذِكْرُهَا [ قــ :4227 ... غــ :4474] قَوْله حَدثنِي خبيب بِالْمُعْجَمَةِ مصغر بن عبد الرَّحْمَن أَي بن خُبَيْبِ بْنِ يَسَافٍ الْأَنْصَارِيُّ وَحَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ أَي بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى بَيَّنَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ سَمَاعَ خُبَيْبٍ لَهُ مِنْ حَفْصِ وَحَفْصٍ لَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَلَيْسَ لِأَبِي سَعِيدٍ هَذَا فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ رَافِعٌ وَقِيلَ الْحَارِث وَقواهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَوَهَّى الَّذِي قَبْلَهُ وَقِيلَ أَوْسٌ وَقِيلَ بَلْ أَوْسٌ اسْمُ أَبِيهِ وَالْمُعَلَّى جَدُّهُ وَمَاتَ أَبُو سَعِيدٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَسبعين من الْهِجْرَة وأرخ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَفَاتَهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِي فِي الصَّحَابَةِ تَنْبِيهَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِإِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدُهُمَا نَسَبَ الْغَزَالِيُّ وَالْفَخْرُ الرَّازِّيُّ وَتَبِعَهُ الْبَيْضَاوِيُّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ وَهَمٌ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْمُعَلَّى ثَانِيهِمَا رَوَى الْوَاقِدِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ وَالْوَاقِدِيُّ شَدِيدُ الضَّعْفِ إِذَا انْفَرَدَ فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَ وَشَيْخُهُ مَجْهُولٌ وَأَظُنُّ الْوَاقِدِيَّ دَخَلَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ فَإِنَّ مَالِكًا أَخْرَجَ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِيهِ ذِكْرُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَمِنَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ قَالَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناداه وَكَذَلِكَ أخرجه الْحَاكِم وَوهم بن الْأَثِيرِ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ شَيْخَ الْعَلَاءِ هُوَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْمُعَلَّى فَإِنَّ بن الْمُعَلَّى صَحَابِيٌّ أَنْصَارِيٌّ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَدَنِيٌّ وَذَلِكَ تَابِعِيٌّ مَكِّيٌّ مِنْ مَوَالِي قُرَيْشٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْعَلَاءِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ وَأحمد من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ كُلُّهُمْ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بْنِ كَعْبٍ فَذكر الحَدِيث وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْعَلَاءِ مِثْلَهُ لَكِنْ قَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ كَوْنَهُ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي مَا رَجَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَلِأَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَخْرَجِ الْحَدِيثَيْنِ وَاخْتِلَافِ سِيَاقِهِمَا كَمَا سَأُبَيِّنُهُ .

     قَوْلُهُ  كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ زَادَ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ أَيْ أُبَيُّ فَالْتَفَتَ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ صَلَّى فَخَفَّفَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَيْحَكَ مَا مَنَعَكَ إِذْ دَعَوْتُكَ أَنْ لَا تُجِيبَنِي الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَجِيبُوا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة أَو لَيْسَ تَجِدُ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ أَنِ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الْآيَةَ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَنْبِيهٌ نقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ قَبْلَ قَوْلِ أَبِي سَعِيدِ كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ فَكَأَنَّهُ تَأَوَّلَ أَنَّ مَنْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْخِطَابِ قَالَ وَالَّذِي تَأَوَّلَ الْقَاضِيَانِ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَبُو الْوَلِيدِ أَنَّ إِجَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَرْضٌ يَعْصِي الْمَرْءُ بِتَرْكِهِ وَأَنَّهُ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

.

قُلْتُ وَمَا ادَّعَاهُ الدَّاوُدِيُّ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْقَاضِيَانِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافٍ عِنْدَهُمْ بَعْدَ قَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ أَمْ لَا .

     قَوْلُهُ  لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي رِوَايَةِ رَوْحٍ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفرْقَان مثلهَا قَالَ بن التِّينِ مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَابَهَا أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ الْأَشْعَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ نَاقِصٌ عَنْ دَرَجَةِ الْأَفْضَلِ وَأَسْمَاءَ الله وَصِفَاته وَكَلَامه لانقص فِيهَا وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَى التَّفَاضُلِ أَنَّ ثَوَابَ بَعْضِهِ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ بَعْضٍ فَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَعَانِي لَا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ وَيُؤَيِّدُ التَّفْضِيلَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا وَقد روى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَيْ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالرِّفْقِ وَالرِّفْعَةِ وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ قَالَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَالتَّقْدِيرُ نَأْتِ مِنْهَا بِخَيْرٍ وَهُوَ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا لَكِنْ .

     قَوْلُهُ  فِي آيَةِ الْبَابِ أَوْ مِثْلِهَا يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنِي وَأَنَا أَتَبَاطَأُ مَخَافَةَ أَنْ يَبْلُغَ الْبَابَ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ الْحَدِيثُ .

     قَوْلُهُ  أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّورَةُ الَّتِي قَدْ وَعَدْتَنِي قَالَ كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ أُمَّ الْكِتَابِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ فِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ هِيَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ إِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا من المثاني هِيَ الْفَاتِحَة وَقد روىالنسائي بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ السَّبْعَ الْمَثَانِيَ هِيَ السَّبْعُ الطِّوَالُ أَيِ السُّوَرُ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ إِلَى آخِرِ الْأَعْرَافِ ثُمَّ بَرَاءَةٌ وَقِيلَ يُونُسُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِالسَّبْعِ الْآيُ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتهَا مثانى فَقيل لِأَنَّهَا تثني فِي كُلَّ رَكْعَةٍ أَيْ تُعَادُ وَقِيلَ لِأَنَّهَا يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ لِأَنَّهَا اسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى مَنْ قَبْلَهَا قَالَ بن التِّينِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ كَذَا قَالَ وَعكس غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَرَادَ السُّورَةَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْآيَةَ لَمْ يَقُلْ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي لِأَنَّ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يُقَالُ لَهَا سَبْعٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا السُّورَةَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ أَسْمَائِهَا وَفِيهِ قُوَّةٌ لِتَأْوِيلِ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِيث أنس قَالَ كَانُوا يفتتحون الصَّلَاة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين قَالَ الشَّافِعِيُّ أَرَادَ السُّورَةَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تُسَمَّى سُورَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا تُسَمَّى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ هَذَا التَّعَقُّبَ وَفِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْفَوْرَ لِأَنَّهُ عَاتَبَ الصَّحَابِيَّ عَلَى تَأْخِيرِ إِجَابَتِهِ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ صِيغَةِ الْعُمُومِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ أَنَّ حُكْمَ لَفْظِ الْعُمُومِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى جَمِيعِ مُقْتَضَاهُ وَأَنَّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ إِذَا تَقَابَلَا كَانَ الْعَامُّ مُنَزَّلًا عَلَى الْخَاصِّ لِأَنَّ الشَّارِعَ حَرَّمَ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْعُمُومِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ إِجَابَةَ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ أَنَّ إِجَابَةَ الْمُصَلِّي دُعَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ بَحْثٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ إِجَابَتُهُ وَاجِبَةً مُطْلَقًا سَوَاءَ كَانَ الْمُخَاطَبُ مُصَلِّيًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ أَمَّا كَوْنُهُ يَخْرُجُ بِالْإِجَابَةِ مِنَ الصَّلَاةِ أَوْ لَا يَخْرُجُ فَلَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ مَا يَسْتَلْزِمُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ الْإِجَابَةُ وَلَوْ خَرَجَ الْمُجِيبُ مِنَ الصَّلَاةِ وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَهَلْ يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالنِّدَاءِ أَوْ يَشْمَلُ مَا هُوَ أَعُمُّ حَتَّى تَجِبَ إِجَابَتُهُ إِذا سَأَلَ فِيهِ بحث وَقد جزم بن حِبَّانَ بِأَنَّ إِجَابَةَ الصَّحَابَةِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِهِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ وَأَنَّ الْوَاوَ لَيْسَتْ بِالْعَاطِفَةِ الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ الَّتِي تَجِيءُ بِمَعْنَى التَّفْصِيلِ كَقَوْلِهِ فَاكِهَةٌ ونخل ورمان وَقَوله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال انْتَهَى وَفِيهِ بَحْثٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مَحْذُوفَ الْخَبَرِ وَالتَّقْدِيرُ مَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَثَلًا فَيَكُونُ وَصْفُ الْفَاتِحَةِ انْتَهَى بِقَوْلِهِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي ثُمَّ عَطَفَ قَوْلَهَ وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ أَيْ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ رِعَايَةً لِنَظْمِ الْآيَةِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ هُوَ الَّذِي أُوتِيتُهُ زِيَادَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ تَنْبِيهٌ يُسْتَنْبَطُ مِنْ تَفْسِيرِ السَّبْعِ الْمَثَانِي بِالْفَاتِحَةِ أَنَّ الْفَاتِحَةَ مَكِّيَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِمُجَاهِدٍ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ امْتَنَّ عَلَى رَسُولِهِ بِهَا وَسُورَةُ الْحِجْرِ مَكِّيَّةٌ اتِّفَاقًا فَيَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ نُزُولِ الْفَاتِحَةِ عَلَيْهَا قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ هَذِهِ هَفْوَةٌ مِنْ مُجَاهِدٍ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ وَأَغْرَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَنَسَبَ الْقَوْلَ بِذَلِكَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَنَقَلُوا فِيهِ الْإِجْمَاعَ لَكِنْ جَاءَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ أَنَّهَا سِتُّ آيَاتٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدَّ الْبَسْمَلَةَ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهَا ثَمَانُ آيَاتٍ لِأَنَّهُ عدهَا وعد أَنْعَمت عَلَيْهِم وَقيل لم يعدها وعد إياك نعْبد وَهَذَا أغرب الْأَقْوَال

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  كتاب تفسير القرآن
الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ آسْمانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ كَالعَلِيمِ وَالْعَالِمِ.
كذا لأبي ذر ولغيره، ولأبي الوقت: كتاب تفسير القرآن بسم الله الرحمن الرحيم، ولغيرهما كتاب التفسير بسم الله الرحمن الرحيم فأخّر البسملة وعرّف التفسير وحذف المضاف إليه.
والتفسير: هو البيان، وهل التفسير والتأويل بمعنى؟ فقيل: التفسير بيان المراد باللفظ، والتأويل بيان المراد بالمعنى.
وقال قوم منهم أبو عبيد: هما بمعنى، وقال أبو العباس الأزدي: النظر في القرآن من وجهين.
الأوّل من حيث هو منقول وهي جملة التفسير وطريقه الرواية والنقل.
والثاني من حيث هو معقول وهي جملة التأويل وطريقه الدراية والعقل.
قال الله تعالى: { إنا جعلناه قرآنًا عربيًّا لعلكم تعقلون} [الزخرف: 3] فلا بدّ من معرفة اللسان العربي في فهم القرآن العربي، فيعرف الطالب الكلمة وشرح لغتها وإعرابها، ثم يتغلغل في معرفة المعاني ظاهرًا وباطنًا فيوفي لكل منها حقه.
وقال غيره: التفسير علم يعرف به فهم كتاب الله تعالى المنزل وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه، واستمداد ذلك من علم النحو واللغة والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراآت، ويحتاج إلى معرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وذكر القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب قانون التأويل: أن علوم القرآن خمسون علمًا وأربعمائة وسبعة آلاف علم وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة.
قال بعض السلف: إن لكل كلمة باطنًا وظاهرًا وحدًّا ومقطعًا، وهذا مطلق دون اعتبار تراكيبه وما بينها من روابط، وهذا مما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى انتهى وحذفت الألف من بسم الله بعد الباء تنبيهًا على شدة المصاحبة والاتصال بذكر الله.
( الرحمن الرحيم: اسمان) مشتقان ( من الرحمة) .
وزعم بعضهم أنه غير مشتق لقولهم: وما الرحمن؟ وأجيب بأنهم جهلوا الصفة لا الموصوف، ولذا لم يقولوا ومن الرحمن؟ وقول المبرد فيما حكاه ابن الأنباري في الزاهر الرحمن اسم عبراني ليس بعرني قول مرغوب عنه، والدليل على اشتقاقه ما صححه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "قال الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي" الحديث.
قال القرطبي: وهذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق.
اهـ.
والرحمن: فعلان من رحم كغضبان من غضب، والرحيم: فعيل منه كمريض من مرض، والرحمة في اللغة رقة في القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان، ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها وهو تجوّز باسم السبب عن المسبب، ويستعمل في حقه تعالى تجوّزًا عن إنعامه أو عن إرادة الخير لخلقه، إذ المعنى الحقيقي يستحيل في حقه تعالى، واختلف في اللفظين فقيل هما مترادفان كندمان ونديم، وردّ بأن إمكان المخالفة يمنع الترادف ثم على الاختلاف قيل: الرحمن أبلغ لأن زيادة البناء وهو الزيادة على الحروف الأصول تفيد الزيادة في المعنى كما في قطع وقطع وكبار وكبار، وبالاستعمال حيث يقال رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة.
وأسند ابن جرير عن العرزمي أنه قال: الرحمن لجميع الخلق والرحيم بالمؤمنين.
وقال تعالى: { الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] وقال تعالى: { وكان بالمؤمنين رحيمًا} [الأحزاب: 43] فخصهم باسمه الرحيم، فدلّ على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه والرحيم خاص بالمؤمنين.
وأجيب: بأنه ورد في الدعاء المأثور رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، وأورد على ما ذكر من زيادة البناء حذر وحاذر ذكره ابن أبي الربيع وغيره، لكن قال البدر بن الدماميني: والنقض بحذر وحاذر يندفع بأن هذا الحكم أكثري لا كلي وبأن ما ذكر لا ينافي أن يقع في البناء إلا نقص زيادة معنى بسبب آخر كالإلحاق بالأمور الجبلية مثل شره ونهم، وبأن ذلك فيما إذا كان اللفظان المتلاقيان في الاشتقاق متحدي النوع في المعنى كغوث وغوثان لا كحذر وحاذر للاختلاف في المعنى.
قال: وهنا فائدة حسنة وهي أن بعض المتأخرين كان يقول: إن صفات الله تعالى التي هي على صيغة المبالغة كغفار ورحيم وغفور كلها مجاز إذ هي موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها لأن المبالغة هي أن ينسب للشيء أكثر مما له، وصفات الله تعالى متناهية في الكمال لا يمكن المبالغة فيها، وأيضًا فالمبالغة إنما تكون في صفات تقبل الزيادة والنقص وصفات الله تعالى منزهة عن ذلك انتهى.
وقول بعضهم: إن الرحيم أشد مبالغة لأنه أكد به والمؤكد يكون أقوى من المؤكد.
أجيب عنه: بأنه ليس من باب التأكيد بل من باب النعت بعد النعت، وقول إن الرحمن علم بالغلبة لأنه جاء غير تابع لموصوف كقوله: { الرحمن علم القرآن} [الرحمن: 1] وشبهه.
تعقب بأنه لا يلزم من مجيئه غير تابع أن لا يكون نعتًا لأن المنعوت إذا علم جاز حذفه وإبقاء نعته.
وقال بعضهم: إن أراد القائل أنه علم اختصاصه تعالى به فصحيح ولا يمنع هذا وقوعه نعتًا، وإن أراد أنه جار كالعلم لا ينظر فيه إلى معنى المشتق فممنوع لظهور معنى الوصفية وعلمية الغلبة يردّهما أن لفظ الرحمن لم يستعمل إلا له تعالى فلا تتحقق فيه الغلبة، وأما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمن اليمامة فمن تعنتهم في كفرهم ولما تسمى بذلك كساه الله جلباب الكذب وشهر به، فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، والأظهر أن رحمن غير مصروف كعطشان.
وقال البيضاوي: وتخصيص التسمية بهذه الأسماء ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان به في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي الذي هو مولى النعم كلها عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها، فيتوجه بشراشره إلى جناب القدس ويتمسك بحبل التوفيق ويشغل سره بذكره والاستلذاذ به عن غيره.
( الرحيم الراحم: بمعنى واحد كالعليم والعالم) وهذا بالنظر إلى أصل المعنى وإلا فصيغة فعيل من صيغ المبالغة فمعناها زائد على معنى الفاعل وقد ترد صيغة فعيل بمعنى الصفة المشبهة، وفيها أيضًا زيادة لدلالتها على الثبوت بخلاف مجرد الفاعل فإنه يدل على الحدوث، ويحتمل أن يكون المراد أن فعيلًا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول لأنه قد يرد بمعنى مفعول فاحترز عنه.

باب مَا جَاءَ فِى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِى الْمَصَاحِفِ وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِى الصَّلاَةِ، وَالدِّينُ الْجَزَاءُ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا تَدِينُ تُدَانُن.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: بِالدِّينِ بِالْحِسَابِ { مَدِينِينَ} مُحَاسَبِينَ.

( باب ما جاء في فاتحة الكتاب) أي من الفضل أو من التفسير أو أعم من ذلك والفاتحة في الأصل أما مصدر كالعافية سمي بها أول ما يفتتح به الشيء من باب إطلاق المصدر على المفعول، والتاء للنقل إلى الاسمية وإضافتها إلى الكتاب بمعنى "من" لأن أوّل الشيء بعضه، ثم جعلت علمًا للسورة المعينة لأنها أوّل الكتاب المعجز قاله بعضهم، وسقط لفظ باب لأبي ذر.

( وسميت أم الكتاب أنه) بفتح الهمزة أي لأنه ( يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة) هذا كلام أبي عبيدة في المجاز وكره أنس والحسن وابن سيرين تسميتها بذلك قال الأوّلان: إنما ذلك اللوح المحفوظ.

وأجيب: بأن في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب" صححه الترمذي، لكن قال السفاقسي: هذا التعليل منايسب لتسميتها بفاتحة الكتاب لا بأم الكتاب، وقد ذكر بعض المحققين أن السبب في تسميتها أم الكتاب اشتمالها على كليات المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى وهو ظاهر، ومن التعبد بالأمر والنهي وهو
في إياك نعبد، لأن معنى العبادة قيام العبد بما تعبّد به وكلفه من امتثال الأوامر والنواهي، وفي { الصراط المستقيم} أيضًا ومن الوعد والوعيد وهو في { الذين أنعمت عليهم} وفي { المغضوب عليهم} وفي { يوم الدين} أي الجزاء أيضًا، وإنما كانت الثلاثة أصول مقاصد القرآن، لأن الغرض الأصلي الإرشاد إلى المعارف الإلهية وما به نظام المعاش ونجاة المعاد.

والاعتراض بأن كثيرًا من السور كذلك يندفع بعدم المساواة لأنها فاتحة الكتاب وسابقة السور، وقد اقتصر مضمونها على كليات المعاني الثلاثة بالترتيب على وجه إجمالي لأن أوّلها ثناء وأوسطها تعبد وآخرها وعد ووعيد، ثم يصير ذلك مفصلًا في سائر السور فكانت منها بمنزلة مكة من سائر القرى على ما روي من أنها مهدت أرضها ثم دحيت الأرض من تحتها فتتأهل أن تسمى أم القرآن كما سميت مكة أم القرى اهـ.

وما قاله المؤلف هو معنى قول البيضاوي: وتسمى أم القرآن لأنها مفتتحه ومبدؤه أي يفتتح بها كتابة المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة، وقيل لأنها تفتح أبواب الجنة ولها أسماء أخر لا نطيل بها.

( والدين: الجزاء في الخير والشر) وسقطت الواو لأبي ذر، وهذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مرسل رجاله ثقات.
ورواه عبد الرزاق بهذا الإسناد أيضًا عن أبي قلابة عن أبي الدرداء موقوفًا، وأبو قلابة لم يدرك أبا الدرداء، لكن له شاهد موصول من حديث ابن عمر أخرجه ابن عدي وضعفه.

وفي المثل: ( كما تدين تدان) الكاف في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف أي: تدين دينًا مثل دينك.
وهذا من كلام أبي عبيدة أيضًا كسابقه وهو حديث مرفوع أخرجه ابن عدي في الكامل بسند ضعيف من حديث ابن عمر مرفوعًا، وله شاهد من مرسل أبي قلابة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت فكن كما شئت كما تدين تدان".

رواه عبد الرزاق في مصنفه.
وأخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات من طريقه، ومعناه: كما تعمل تجازى، وفي الزهد للإمام أحمد عن مالك بن دينار موقوفًا مكتوب في التوراة: كما تدين تدان وكما تزرع تحصد.

( وقال مجاهد) : فيما وصله عبد بن حميد من طريق منصور عنه في قوله كلا بل تكذبون ( بالدين) أي ( بالحساب) ومن طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضًا في قوله تعالى: { فلولا إن كنتم غير} ( { مدينين} ) [الواقعة: 86] بفتح الميم أي ( محاسبين) .


[ قــ :4227 ... غــ : 4474 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أُجِبْهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ { اسْتَجِيبُوا
لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}
؟» ثُمَّ قَالَ لِي: «لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ»، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ.

.

قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: «{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ».
[الحديث 4474 - أطرافه في: 4647، 4703، 5006] .

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن شعبة) بن الحجاج أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( خبيب بن عبد الرحمن) بالخاء المعجمة مصغرًا الأنصاري ( عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ( عن أبي سعيد بن المعلى) واسمه رافع، وقيل: الحرث، وقوّاه ابن عبد البر وهي الذي قبله أنه ( قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم أجبه) زاد في تفسير الأنفال من وجه آخر عن شعبة فلم آته حتى صليت ثم أتيته ( فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي فقال) :
( ألم يقل الله: { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم} ) [الأنفال: 24] زاد أبو ذر { لما يحييكم} واستدل به على أن إجابته واجبة يعصي المرء بتركها.
وهل تبطل الصلاة أم لا؟ صرح جماعة من أصحابنا الشافعية وغيرهم بعدم البطلان، وأنه حكم مختص به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو مثل خطاب المصلي له بقوله: السلام عليك أيها النبي، ومثله لا يبطل الصلاة.
وفيه بحث لاحتمال أن تكون إجابته واجبة سواء كان المخاطب في الصلاة أم لا.
أما كونه يخرج بالإجابة من الصلاة أو لا يخرج، فليس في الحديث ما يستلزمه فيحتمل أن تجب الإجابة، ولو خرج المجيب من الصلاة وإلى ذلك جنح بعض الشافعية.
( ثم قال لي) عليه الصلاة والسلام: ( لأعلمنك سورة هي أعظم السور) وفي نسخة: هي أعظم سورة ( في القرآن) لعظم قدرها بالخاصية التي لم يشاركها فيها غيرها من السور لاشتمالها على فوائد ومعان كثيرة مع وجازة ألفاظها، واستدلّ به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وهو محكي عن أكثر العلماء كابن راهويه وابن العربي، ومنع من ذلك الأشعري والباقلاني وجماعة لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماء الله تعالى وصفاته وكلامه لا نقص فيها.
وأجيب: بأن التفضيل إنما هو بمعنى أن ثواب بعضه أعظم من بعض، فالتفضيل إنما هو من حيث المعاني لا من حيث الصفة.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عند الحاكم.
"أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها" ( قبل أن تخرج) بالفوقية في اليونينية ( من المسجد ثم أخذ بيدي) بالإفراد ( فلما أراد أن يخرج) من المسجد ( قلت له) : زاد أبو هريرة يا رسول الله ( ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: { الحمد لله رب العالمين} ) [الفاتحة: 1] خبر مبتدأ محذوف أي هي كما صرح بها في رواية معاذ في تفسير الأنفال ( هي السبع) لأنها سبع آيات كسورة الماعون لا ثالث لهما وقيل للفاتحة ( المثاني) لأنهما تثنى على مرور الأوقات أي تكرر فلا تنقطع وتدرس فلا تندرس، وقيل لأنها تثنى في كل ركعة أي تعاد أو أنها
يثنى بها على الله، أو استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها.
فإن قيل: في الحديث السبع المثاني، وفي القرآن سبعًا من المثاني أجيب: بأنه لا اختلاف بين الصيغتين إذا جعلنا من للبيان ( والقرآن العظيم الذي أوتيته) .

قال التوربشتي: إن قيل كيف صح عطف القرآن على السبع المثاني وعطف الشيء على نفسه مما لا يجوز؟ قلنا: ليس كذلك، وإنما هو من باب ذكر الشيء بوصفين.
أحدهما: معطوف على الآخر والتقدير آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم أي الجامع لهذين النعتين.
وقال الطيبي: عطف القرآن على السبع المثاني المراد منه الفاتحة وهو من باب عطف العام على الخاص تنزيلًا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات، وإليه أومأ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: "ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن" حيث نكر السورة وأفردها ليدل على أنك إذا تقصيت سورة سورة في القرآن وجدتها أعظم منها، ونظيره في النسق لكن من عطف الخاص على العام { من كان عدوًّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98] .
اهـ.

وهو معنى قول الخطابي قال في الفتح: وفيه بحث لاحتمال أن يكون قوله: والقرآن العظيم محذوف الخبر والتقدير ما بعد الفاتحة مثلًا فيكون وصف الفاتحة انتهى بقوله هي السبع المثاني، ثم عطف قوله: والقرآن العظيم أي ما زاد على الفاتحة، وذكر ذلك رعاية لنظم الآية.
ويكون التقدير والقرآن العظيم هو الذي أوتيته زيادة على الفاتحة، وفيه دليل على أن الفاتحة سبع آيات، لكن منهم من عدّ البسملة دون { صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 7] ومنهم من عكس.
قال الطيبي: وعدّ التسمية أولى لأن أنعمت لا يناسب وزانه وزان فواصل السور ولحديث ابن عباس: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة، ونقل عن حسين بن علي الجعفي أنها ست آيات لأنه لم يعد البسملة.

وعن عمرو بن عبيد أنها ثمان لأنه عدها وعدّ أنعمت عليهم.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل القرآن والتفسير، وأبو داود في الصلاة، وكذا النسائي وفي التفسير أيضًا وفضائل القرآن، وابن ماجه في ثواب التسبيح.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( كِتابُ تَفْسيرِ القُرْآنِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا: كتاب تَفْسِير الْقُرْآن، وَعند غير أبي ذَر الْبَسْمَلَة مؤخرة عَن التَّرْجَمَة، وَالتَّفْسِير مصدر من فسر من بَاب التفعيل وَمَعْنَاهُ اللّغَوِيّ: الْبَيَان، يُقَال: فسَرت الشَّيْء بِالتَّخْفِيفِ وفسَّرته بِالتَّشْدِيدِ: إِذا بَينته، وَمَعْنَاهُ الإصطلاحي: التَّفْسِير هُوَ التكشيف عَن مدلولات نظم الْقُرْآن.
الرَّحْمانِ الرَّحِيمُ اسْمانِ منَ الرَّحْمَةِ: الرَّحِيمُ والرَّاحِمُ بِمَعْنى واحِدٍ كالْعَلِيمِ والعالِم قَوْله: ( من الرَّحْمَة) أَي: مشتقان من الرَّحْمَة، وَهِي فِي اللُّغَة: الحنو والعطف، وَفِي حق الله تَعَالَى مجَاز عَن إنعامه على عباده وَعَن ابْن عَبَّاس: الرَّحْمَن الرَّحِيم إسماه رقيقان أَحدهمَا أرق من الآخر، فالرحمن الرَّقِيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق، وَقيل: الرَّحْمَن لجَمِيع الْخلق، والرحيم للْمُؤْمِنين، وَقيل: رَحْمَن الدُّنْيَا وَرَحِيم الْآخِرَة، وَعَن ابْن الْمُبَارك: الرَّحْمَن إِذا سُئِلَ أعْطى، والرحيم إِذا لم يسْأَل يغْضب، وَعَن الْمبرد: الرَّحْمَن عبراني والرحيم عَرَبِيّ.
قلت: فِي العبراني بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
قَوْله: ( الرَّحِيم والراحم بِمَعْنى وَاحِد) ، فِيهِ نظر، لِأَن الرَّحِيم إِن كَانَ صِيغَة مُبَالغَة فيزيد مَعْنَاهُ على معنى الراحم، وَإِن كَانَ صفة مشبهة فَيدل على الثُّبُوت، بِخِلَاف الراحم فَإِنَّهُ يدل على الْحُدُوث، وَأجِيب بِأَن مَا قَالَه بِالنّظرِ إِلَى أصل الْمَعْنى دون الزِّيَادَة.

( بابُُ مَا جاءَ فِي فاتِحَةِ الكِتابِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي فَاتِحَة الْكتاب من الْفضل أَو من التَّفْسِير أَو أَعم من ذَلِك، إعلم أَن لسورة الْفَاتِحَة ثَلَاثَة عشر إسماً.
الأول: فَاتِحَة الْكتاب، لِأَنَّهُ يفْتَتح بهَا فِي الْمَصَاحِف والتعليم، وَقيل: لِأَنَّهَا أول سُورَة نزلت من السَّمَاء.
الثَّانِي: أم الْقُرْآن على مَا يَجِيء.
الثَّالِث: الْكَنْز.
وَالرَّابِع: الوافية، سميت بهَا لِأَنَّهَا لَا تقبل التنصف فِي رَكْعَة.
وَالْخَامِس: سُورَة الْحَمد، لِأَنَّهُ أَولهَا: الْحَمد.
وَالسَّادِس: سُورَة الصَّلَاة.
وَالسَّابِع: السَّبع المثاني.
وَالثَّامِن: الشِّفَاء والشافية، وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَاتِحَة الْكتاب شِفَاء من كل سم.
وَالتَّاسِع: الكافية لِأَنَّهَا تَكْفِي عَن غَيرهَا.
والعاشر: الأساس لِأَنَّهَا أول سُورَة الْقُرْآن فَهِيَ كالأساس.
وَالْحَادِي عشر: السُّؤَال لِأَن فِيهَا سُؤال العَبْد من ربه.
وَالثَّانِي عشر: الشُّكْر، لِأَنَّهَا ثَنَاء على الله تَعَالَى.
وَالثَّالِث عشر: سُورَة الدُّعَاء لاشتمالها على قَوْله: ( اهدنا الصِّرَاط) .

وسُمِّيَتْ أمَّ الكِتاب أنَّهُ يُبْدَأ بِكِتابَتِها فِي المَصاحِفِ ويُبْدَأ بِقِراءَتِها فِي الصَّلاَةِ
أَي: وَسميت سُورَة الْفَاتِحَة أم الْكتاب وَذَلِكَ بِالنّظرِ إِلَى أَن الْأُم مبدأ الْوَلَد، وَقيل: سميت بهَا لاشتمالها على الْمعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآن من الثَّنَاء على الله تَعَالَى والتعبد بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد، وَقيل: لِأَن فِيهَا ذكر الذَّات وَالصِّفَات وَالْأَفْعَال.
وَلَيْسَ فِي الْوُجُود سَوَاء.
وَقيل: لاشتمالها على ذكر المبدأ والمعاش والمعاد، وَسميت: أم الْقُرْآن لِأَن الْأُم فِي اللُّغَة الأَصْل، سميت بِهِ لِأَنَّهَا لَا تحْتَمل شَيْئا مِمَّا فِيهِ النّسخ والتبديل، بل آياتها كلهَا محكمَة فَصَارَت أصلا، وَقيل: سميت أم الْقُرْآن لِأَنَّهَا تؤم غَيرهَا كَالرّجلِ يؤم غَيره فيتقدم عَلَيْهِ.

والدِّينُ الجَزَاءُ فِي الخَيْرِ والشَّرِّ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ.

     وَقَالَ  مُجاهِدٌ بالدِّينِ بالحِسَابِ مَدِينِينَ مُحاسَبِينَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الدّين فِي قَوْله: { مَالك يَوْم الدّين} وَهُوَ كَلَام أبي عُبَيْدَة حَيْثُ قَالَ: الدّين الْجَزَاء والحساب، يُقَال فِي الْمثل: كَمَا تدين تجازي، أَي كَمَا تفعل تجازى بِهِ، وَرُوِيَ هَذَا حَدِيثا مُرْسلا، رَوَاهُ بعد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرُوِيَ أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي قلَابَة عَن أبي الدَّرْدَاء مَوْقُوفا، وَأَبُو قلَابَة: عبد الله بن زيد لم يدْرك أَبَا الدَّرْدَاء.
قَوْله: (.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: بِالدّينِ بِالْحِسَابِ)
.
هُوَ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { أَرَأَيْت الَّذِي يكذب بِالدّينِ} ( الماعون: 1) وَوَصله عبد بن حميد فِي التَّفْسِير من طَرِيق مَنْصُور عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: { كلا بل تكذبون بِالدّينِ} ( الانفطار: 9) ، قَالَ: الْحساب وَالدّين يَأْتِي لمعان كَثِيرَة: ( الْعَادة) ( وَالْعَمَل) ( الحكم) ( وَالْحَال) ( وَالْحق) ( وَالطَّاعَة) ( والقهر) ( وَالْملَّة) ( والشريعة) ( والورع) ( والسياسة) ، قَوْله: ( مدينين محاسبين) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فلولا أَن كُنْتُم غير مدينين} ( الْوَاقِعَة: 86) وَفسّر مدينين بقوله: محاسبين، بِفَتْح السِّين.



[ قــ :4227 ... غــ :4474 ]
- ح دَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عنْ شُعْبَةَ قَالَ حدَّثني خُبَيْبُ بنُ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ حَفْصِ ابنِ عاصِمٍ عنْ أبي سَعِيدِ بن المُعَلى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ فدَعانِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمْ أُجِبْهُ فقلْتُ يَا رسولَ الله إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَقال ألَمْ يَقُلِ الله اسْتَجِيبُوا لله ولِلرَّسُولِ إذَا دَعاكُمْ ثُمَّ قَالَ ألاَ أُعَلِّمَنَّكَ سورَةً هِيَ أعْظَمُ السُّوَر فِي القُرْآن قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ ثُمَّ أخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أرادَ أنْ يَخْرُجَ.

.

قُلْتُ لهُ ألمْ نَقُلْ لأُعَلِّمَنَّكَ سورَةً هِيَ أعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ قَالَ الحَمْدُ لله رَبِّ الْعالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ المَثانِي والقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أوتِيتُهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وخبيب، بِضَم الْخَاء العجمة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: ابْن عبد الرَّحْمَن بن خبيب بن يسَاف، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة: أَبُو الْحَارِث الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْمدنِي، وَحَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، وَأَبُو سعيد، بِفَتْح السِّين وَكسر الْعين وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن الْمُعَلَّى، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين وَاللَّام الْمُشَدّدَة على لفظ إسم مفعول من التعلية، وَاخْتلف فِي إسم أبي سعيد هَذَا فَقيل: اسْمه رَافع، وَقيل: الْحَارِث، وَقيل: أَوْس،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: من قَالَ هُوَ رَافع بن الْمُعَلَّى فقد أَخطَأ لِأَن رَافع بن الْمُعَلَّى قتل ببدر، وَأَصَح مَا قيل الله أعلم فِي اسْمه: الْحَارِث بن نفيع بن الْمُعَلَّى بن لوذان بن حَارِثَة بن زيد بن ثَعْلَبَة من بني زُرَيْق الْأنْصَارِيّ الزرقي توفّي سنة أَربع وَسبعين وَهُوَ ابْن أَربع وَسبعين،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر أَيْضا: لَا يعرف فِي الصَّحَابَة إلاَّ بحديثين: أَحدهمَا: عَن شُعْبَة عَن خبيب بن عبد الرَّحْمَن إِلَى آخر مَا ذكر هُنَا، وَالْآخر: عِنْد اللَّيْث بن سعد وَهُوَ حَدِيث طَوِيل، وأوله: كُنَّا نغدو إِلَى السُّوق على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبابُُ، وَقيل: نسب الْغَزالِيّ وَالْفَخْر الرَّازِيّ وتبعهما الْبَيْضَاوِيّ هَذَا الحَدِيث إِلَى أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَهُوَ وهم، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو سعيد بن الْمُعَلَّى،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وروى الْوَاقِدِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي رِوَايَة عَن أبي سعيد بن الْمُعَلَّى عَن أبي بن كَعْب وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالَّذِي هُنَا هُوَ الصَّحِيح، وَشَيخ الْوَاقِدِيّ هُنَا مَجْهُول أَيْضا وَهُوَ مُحَمَّد بن معَاذ،.

     وَقَالَ  أَيْضا: الْوَاقِدِيّ شَدِيد الضعْف إِذا انْفَرد فَكيف إِذا خَالف؟ قلت: ذكر الْحَافِظ الْمزي هَذَا وَلم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء من ذَلِك، وَمن الْعجب أَن الْوَاقِدِيّ أحد مَشَايِخ إِمَامه الشَّافِعِي ويحط عَلَيْهِ هَذَا الْحَط وَهُوَ، وَإِن كَانَ ضعفه بَعضهم، فقد وَثَّقَهُ آخَرُونَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: الْوَاقِدِيّ أَمِين النَّاس على أهل الْإِسْلَام، وَعَن مُصعب بن الزبير: ثِقَة مَأْمُون، وَكَذَا وَثَّقَهُ أَبُو عبيد وَأثْنى عَلَيْهِ ابْن الْمُبَارك وَآخَرُونَ.

وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن عَليّ بن عبد الله وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَعَن بنْدَار.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن عبيد الله بن معَاذ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن بنْدَار.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي ثَوَاب التَّسْبِيح عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

قَوْله: ( فِي الْمَسْجِد) ، أَي: فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فَلم أجبه) ، لِأَنَّهُ ظن أَن الْخطاب لمن هُوَ خَارج عَن الصَّلَاة.
قَوْله: ( ألم يقل الله اسْتجِيبُوا لله وَالرَّسُول إِذا دعَاكُمْ) هَذَا خَاص بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( أَلا أعلمنك) كلمة: إلاَّ للحث والتحضيض على مَا يَقُوله الْقَائِل فِي مثل هَذَا الْموضع، وأعلمنك، بنُون التَّأْكِيد الْمُشَدّدَة.
قَوْله: ( أعظم سُورَة فِي الْقُرْآن) قَالَ ابْن بطال: يحْتَمل أَن يكون أعظم بِمَعْنى عَظِيم،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: مَعْنَاهُ أَن ثَوَابهَا أعظم من غَيرهَا، وَاسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز تَفْضِيل بعض الْقُرْآن على بعض، وَقد منع ذَلِك الْأَشْعَرِيّ وَجَمَاعَة لِأَن الْمَفْضُول نَاقص عَن دَرَجَة الْأَفْضَل، وأسماه الله وَصِفَاته وَكَلَامه لَا نقص فِيهَا، وَأجِيب عَن هَذَا بِأَن الْأَفْضَلِيَّة من حَيْثُ الثَّوَاب والنفع للمتعبدين لَا من حَيْثُ الْمَعْنى وَالصّفة، فَإِن قلت: يُؤَيّد التَّفْضِيل قَوْله تَعَالَى: { نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} ( الْبَقَرَة: 106) قلت: الْخَيْرِيَّة فِي الْمَنْفَعَة والرفق لِعِبَادِهِ لَا من حَيْثُ الذَّات.
قَوْله: ( قَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين) ، هَذَا صَرِيح فِي الدّلَالَة على أَن الْبَسْمَلَة لَيست من الْفَاتِحَة.
قَوْله: ( هِيَ السَّبع المثاني) ، أما السَّبع فَلِأَنَّهَا سبع آيَات بِلَا خلاف إِلَّا أَن مِنْهُم من عد: أَنْعَمت عَلَيْهِم دون التَّسْمِيَة، وَمِنْهُم من مذْهبه على الْعَكْس، قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ، قلت: الأول قَول الْحَنَفِيَّة، وَالْعَكْس قَول الشَّافِعِيَّة، فَإِنَّهُم يعدون التَّسْمِيَة من الْفَاتِحَة وَلَا يعدون: أَنْعَمت عَلَيْهِم آيَة، وَلكُل فريق حجج وبراهين عرفت فِي موضعهَا، وَإِمَّا تَسْمِيَتهَا بالمثاني فَلِأَنَّهَا تثني فِي كل رَكْعَة، وَقيل: المثاني من التَّثْنِيَة وَهِي التكرير لِأَن الْفَاتِحَة تكَرر قرَاءَتهَا فِي الصَّلَاة، أَو من الثَّنَاء لاشتمالها على مَا هُوَ ثَنَاء على الله تَعَالَى، وَفِيه نظر، والمثاني: جمع مثنى الَّذِي هُوَ معدول عَن اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، فَافْهَم.
وروى ابْن عَبَّاس: أَن السَّبع المثاني هِيَ السَّبع الطوَال: ( الْبَقَرَة) و ( آل عمرَان) و ( النِّسَاء) و ( الْمَائِدَة) و ( الْأَنْعَام) و ( الْأَعْرَاف) و ( يُونُس) وَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير، وَكَذَا ذكره الْحَاكِم،.

     وَقَالَ : الْكَهْف، بدل: يُونُس، وَذكر الدَّاودِيّ عَن غَيره: أَنَّهَا من ( الْبَقَرَة) إِلَى ( بَرَاءَة) قَالَ: وَقيل: هِيَ السَّبع الَّتِي تلِي هَذِه السَّبع، وَقيل: السَّبع الْفَاتِحَة، والمثاني الْقُرْآن،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يَعْنِي بالعظيم عَظِيم المثوبة على قرَاءَتهَا وَذَلِكَ لما تجمع هَذِه السُّورَة من الثَّنَاء وَالدُّعَاء وَالسُّؤَال، وَالْوَاو فِي: وَالْقُرْآن الْعَظِيم، لَيست وَاو الْعَطف الْمُوجبَة للفصل بَين الشَّيْئَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ الْوَاو الَّتِي تَجِيء بِمَعْنى التَّخْصِيص كَقَوْلِه: { وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل} ( الْبَقَرَة: 98) ، وَكَقَوْلِه: { فَاكِهَة ونخل ورمان} ( الرَّحْمَن: 68) .

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي الْمَشْهُور بَين النُّحَاة أَن هَذِه الْوَاو للْجمع بَين الوصفين، فمعني: { وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم} أَي: مَا يُقَال لَهُ: السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم، وَمَا يُوصف بهما انْتهى.
قلت: قَول الْخطابِيّ: إِن هَذِه الْوَاو وَلَيْسَت للْعَطْف خلاف مَا قَالَه النُّحَاة وَغَيرهم، وَهَذَا من عطف الْعَام على الْخَاص، وَقد مثل هُوَ أَيْضا بقوله: { فَاكِهَة ونخل ورمان} ( الْحجر: 87) وَهَذَا يرد كَلَامه على مَا لَا يخفى، وَكَون الْعَطف عطف الْعَام على الْخَاص أَو بِالْعَكْسِ لَا يخرج الْوَاو عَن العطفية.