هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
27 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا ، فَقَالَ : أَوْ مُسْلِمًا فَسَكَتُّ قَلِيلًا ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي ، فَقُلْتُ : مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا ، فَقَالَ : أَوْ مُسْلِمًا . ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي ، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا سَعْدُ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ وَرَوَاهُ يُونُسُ ، وَصَالِحٌ ، وَمَعْمَرٌ ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
27 حدثنا أبو اليمان ، قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن سعد رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطا وسعد جالس ، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا هو أعجبهم إلي ، فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا ، فقال : أو مسلما فسكت قليلا ، ثم غلبني ما أعلم منه ، فعدت لمقالتي ، فقلت : ما لك عن فلان ؟ فوالله إني لأراه مؤمنا ، فقال : أو مسلما . ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي ، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : يا سعد إني لأعطي الرجل ، وغيره أحب إلي منه ، خشية أن يكبه الله في النار ورواه يونس ، وصالح ، ومعمر ، وابن أخي الزهري ، عن الزهري
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا ، فَقَالَ : أَوْ مُسْلِمًا فَسَكَتُّ قَلِيلًا ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي ، فَقُلْتُ : مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا ، فَقَالَ : أَوْ مُسْلِمًا . ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي ، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا سَعْدُ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ.

Narrated Sa'd:

Allah's Messenger (ﷺ) distributed (Zakat) amongst (a group of) people while I was sitting there but Allah's Messenger (ﷺ) left a man whom I thought the best of the lot. I asked, O Allah's Messenger (ﷺ)! Why have you left that person? By Allah I regard him as a faithful believer. The Prophet (ﷺ) commented: Or merely a Muslim. I remained quiet for a while, but could not help repeating my question because of what I knew about him. And then asked Allah's Messenger (ﷺ), Why have you left so and so? By Allah! He is a faithful believer. The Prophet (ﷺ) again said, Or merely a Muslim. And I could not help repeating my question because of what I knew about him. Then the Prophet (ﷺ) said, O Sa'd! I give to a person while another is dearer to me, for fear that he might be thrown on his face in the Fire by Allah.

0027 D’après Amin ben Sa’d ibn Abi Waqqâs, Sa’d rapporte que le Messager de Dieu avait fait quelques dons à un groupe de gens, en négligeant un homme qui me plaisait le plus, souligna Sa’d. Sa’d était assis. « O Messager de Dieu! dis-je, pourquoi négliges-tu Un tel; par Dieu! je crois qu’il est croyant. » « Ou musulman » rétorqua le Prophète. Sur ce, je gardai le silence pour un petit instant, puis, poussé par ce que je savais de l’homme, je repris : « Pourquoi négliges-tu Un tel ? Par Dieu ! Je crois qu’il est croyant. » « Ou musulman » répliqua de nouveau le Prophète. Poussé par ce que je savais de l’homme, je renouvelai ma question, et le Messager de Dieu de renouveler sa réplique; après quoi, il me dit : « Sa’d ! je donne à une personne, bien qu’une autre m’est plus chère, par crainte que Dieu la précipite dans le feu.«  Ce même hadith a été aussi rapporté par Yûmus, Sâlih, Ma’mar et par le neveu d’az-Zuhry, en le tenant d’az-Zuhry.

":"ہم سے ابوالیمان نے بیان کیا ، وہ کہتے ہیں کہ ہمیں شعیب نے زہری سے خبر دی ، انہیں عامر بن سعد بن ابی وقاص نے اپنے والد سعد رضی اللہ عنہ سے سن کر یہ خبر دی کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے چند لوگوں کو کچھ عطیہ دیا اور سعد وہاں موجود تھے ۔ ( وہ کہتے ہیں کہ ) رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے ان میں سے ایک شخص کو کچھ نہ دیا ۔ حالانکہ وہ ان میں مجھے سب سے زیادہ پسند تھا ۔ میں نے کہا حضور آپ نے فلاں کو کچھ نہ دیا حالانکہ میں اسے مومن گمان کرتا ہوں ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا مومن یا مسلمان ؟ میں تھوڑی دیر چپ رہ کر پھر پہلی بات دہرانے لگا ۔ حضور صلی اللہ علیہ وسلم نے بھی دوبارہ وہی جواب دیا ۔ پھر آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ اے سعد ! باوجود یہ کہ ایک شخص مجھے زیادہ عزیز ہے ( پھر بھی میں اسے نظرانداز کر کے ) کسی اور دوسرے کو اس خوف کی وجہ سے یہ مال دے دیتا ہوں کہ ( وہ اپنی کمزوری کی وجہ سے اسلام سے پھر جائے اور ) اللہ اسے آگ میں اوندھا ڈال دے ۔ اس حدیث کو یونس ، صالح ، معمر اور زہری کے بھتیجے عبداللہ نے زہری سے روایت کیا ۔

0027 D’après Amin ben Sa’d ibn Abi Waqqâs, Sa’d rapporte que le Messager de Dieu avait fait quelques dons à un groupe de gens, en négligeant un homme qui me plaisait le plus, souligna Sa’d. Sa’d était assis. « O Messager de Dieu! dis-je, pourquoi négliges-tu Un tel; par Dieu! je crois qu’il est croyant. » « Ou musulman » rétorqua le Prophète. Sur ce, je gardai le silence pour un petit instant, puis, poussé par ce que je savais de l’homme, je repris : « Pourquoi négliges-tu Un tel ? Par Dieu ! Je crois qu’il est croyant. » « Ou musulman » répliqua de nouveau le Prophète. Poussé par ce que je savais de l’homme, je renouvelai ma question, et le Messager de Dieu de renouveler sa réplique; après quoi, il me dit : « Sa’d ! je donne à une personne, bien qu’une autre m’est plus chère, par crainte que Dieu la précipite dans le feu.«  Ce même hadith a été aussi rapporté par Yûmus, Sâlih, Ma’mar et par le neveu d’az-Zuhry, en le tenant d’az-Zuhry.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [27] .

     قَوْلُهُ  عَنْ سَعْدٍ هُوَ بن أَبِي وَقَّاصٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ وَهُوَ وَالِدُ عَامِرٍ الرَّاوِي عَنْهُ كَمَا وَقَعَ فِي الزَّكَاةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ فِيهَا عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُ نَسَبِهِ فِي مَنَاقِبِ سَعْدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  أَعْطَى رَهْطًا الرَّهْطُ عَدَدٌ مِنَ الرِّجَالِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ قَالَ الْقَزَّازُ وَرُبَّمَا جَاوَزُوا ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَرَهْطُ الرَّجُلِ بَنُو أَبِيهِ الْأَدْنَى وَقِيلَ قَبِيلَتُهُ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيق بن أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ جَاءَهُ رَهْطٌ فَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ فَتَرَكَ رَجُلًا مِنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَسَعْدٌ جَالِسٌ فِيهِ تَجْرِيدٌ وَقَولُهُ أَعْجَبَهُمْ إِلَيَّ فِيهِ الْتِفَاتٌوَلَفْظُهُ فِي الزَّكَاةِ أَعْطَى رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فَسَاقَهُ بِلَا تَجْرِيدٍ وَلَا الْتِفَاتٍ وَزَادَ فِيهِ فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ وَغَفَلَ بَعْضُهُمْ فَعَزَا هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِلَى مُسْلِمٍ فَقَطْ وَالرَّجُلُ الْمَتْرُوكُ اسْمُهُ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ الضَّمْرِيُّ سَمَّاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي .

     قَوْلُهُ  مَالَكٌ عَنْ فُلَانٍ يَعْنِي أَيُّ سَبَبٍ لِعُدُولِكَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ وَلَفْظُ فُلَانٍ كِنَايَةٌ عَنِ اسْمٍ أُبْهِمَ بَعْدَ أَنْ ذُكِرَ .

     قَوْلُهُ  فَوَاللَّهِ فِيهِ الْقَسَمُ فِي الْإِخْبَارِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ .

     قَوْلُهُ  لَأُرَاهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ هُنَا وَفِي الزَّكَاةِ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ هُوَ بِفَتْحِهَا أَيْ أَعْلَمُهُ وَلَا يَجُوزُ ضَمُّهَا فَيَصِيرُ بِمَعْنَى أَظُنُّهُ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ اه وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى تَعَيُّنِ الْفَتْحِ لِجَوَازِ إِطْلَاقِ الْعِلْمِ عَلَى الظَّنِّ الْغَالِبِ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَإِن علمتموهن مؤمنات سَلَّمْنَا لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِطْلَاقِ الْعِلْمِ أَنْ لَا تَكُونَ مُقَدِّمَاتُهُ ظَنِّيَّةً فَيَكُونَ نَظَرِيًّا لَا يَقِينِيًّا وَهُوَ الْمُمْكِنُ هُنَا وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ الرِّوَايَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ جَوَازَ الْحَلِفِ عَلَى غَلَبَة الظَّن لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا نَهَاهُ عَنِ الْحَلِفِ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّهُ أَقْسَمَ عَلَى وِجْدَانِ الظَّنِّ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَمْ يُقْسِمْ عَلَى الْأَمْرِ الْمَظْنُونِ كَمَا ظُنَّ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَوْ مُسْلِمًا هُوَ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ لَا بِفَتْحِهَا فَقِيلَ هِيَ لِلتَّنْوِيعِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ هِيَ لِلتَّشْرِيكِ وَأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَهُمَا مَعًا لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَيَرُدُّ هَذَا رِوَايَة بن الْأَعْرَابِيِّ فِي مُعْجَمِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا تَقُلْ مُؤْمِنٌ بَلْ مُسْلِمٌ فَوَضَحَ أَنَّهَا لِلْإِضْرَابِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِنْكَارَ بَلِ الْمَعْنَى أَنَّ إِطْلَاقَ الْمُسْلِمِ عَلَى مَنْ لَمْ يُخْتَبَرْ حَالُهُ الْخِبْرَةَ الْبَاطِنَةَ أَوْلَى مِنْ إِطْلَاقِ الْمُؤْمِنِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ قَالَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ مُلَخَّصًا.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْحَدِيثُ دَالًّا عَلَى مَا عُقِدَ لَهُ الْبَابُ وَلَا يَكُونَ لِرَدِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَعْدٍ فَائِدَةٌ وَهُوَ تَعَقُّبٌ مَرْدُودٌ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالتَّرْجَمَةِ قَبْلُ وَمُحَصَّلُ الْقِصَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوسِعُ الْعَطَاءَ لِمَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ تَأَلُّفًا فَلَمَّا أَعْطَى الرَّهْطَ وَهُمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ وَتَرَكَ جُعَيْلًا وَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ سَأَلُوهُ خَاطَبَهُ سَعْدٌ فِي أَمْرِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ جُعَيْلًا أَحَقُّ مِنْهُمْ لِمَا اخْتَبَرَهُ مِنْهُ دُونَهُمْ وَلِهَذَا رَاجَعَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فَأَرْشَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا إِعْلَامُهُ بِالْحِكْمَةِ فِي إِعْطَاءِ أُولَئِكَ وَحِرْمَانِ جُعَيْلٍ مَعَ كَوْنِهِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّنْ أَعْطَى لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إِعْطَاءَ الْمُؤَلَّفِ لَمْ يُؤْمَنِ ارْتِدَادُهُ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ثَانِيهُمَا إِرْشَادُهُ إِلَى التَّوَقُّفِ عَنِ الثَّنَاءِ بِالْأَمْرِ الْبَاطِنِ دُونَ الثَّنَاءِ بِالْأَمْرِ الظَّاهِرِ فَوَضَحَ بِهَذَا فَائِدَةُ رَدِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَعْدٍ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَحْضَ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ بَلْ كَانَ أَحَدُ الْجَوَابَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ بِالْأَوْلَى وَالْآخَرُ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِذَارِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ سَعْدٍ لِجُعَيْلٍ بِالْإِيمَانِ وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِالْعَدَالَةِ لَقُبِلَ مِنْهُ وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ فَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ سَعْدٍ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ لَهُ وَالتَّوَسُّلِ فِي الطَّلَبِ لِأَجْلِهِ فَلِهَذَا نُوقِشَ فِي لَفْظِهِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لَمَا اسْتَلْزَمَتِ الْمَشُورَةُ عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ الْأَوْلَى رَدَّ شَهَادَتِهِ بَلِ السِّيَاقُ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّهُ قَبِلَ قَوْلِهِ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ وَرَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ كَيْفَ تَرَى جُعَيْلًا قَالَ.

.

قُلْتُ كَشَكْلِهِ مِنَ النَّاسِ يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ قَالَ فَكَيْفَ تَرَى فُلَانًا قَالَ.

.

قُلْتُ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِ النَّاسِ قَالَ فَجُعَيْلٌ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ فُلَانٍ قَالَ.

.

قُلْتُ فَفُلَانٌ هَكَذَا وَأَنْتَ تَصْنَعُ بِهِ مَا تَصْنَعُ قَالَ إِنَّهُ رَأْسُ قَوْمِهِ فَأَنَا أَتَأَلَّفُهُمْ بِهِ فَهَذِهِ مَنْزِلَةُ جُعَيْلٍ الْمَذْكُورِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَرَى فَظَهَرَتْ بِهَذَا الْحِكْمَةُ فِي حِرْمَانِهِ وَإِعْطَاءِ غَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ حَقِيقَتَيِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَتَرْكِ الْقَطْعِ بِالْإِيمَانِ الْكَامِلِ لِمَنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ.

.
وَأَمَّا مَنْعُ الْقَطْعِ بِالْجَنَّةِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صَرِيحًا وَإِنْ تَعَرَّضَ لَهُ بَعْضُالشَّارِحِينَ نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ النَّصُّ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ فِي اكْتِفَائِهِمْ فِي الْإِيمَانِ بِنُطْقِ اللِّسَانِ وَفِيهِ جَوَازُ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ وَتَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ وَإِنْ خَفِيَ وَجْهُ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الرَّعِيَّةِ وَفِيهِ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ فِيمَا يَعْتَقِدُ الشَّافِعُ جَوَازَهُ وَتَنْبِيهُ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ عَلَى مَا يَظُنُّ أَنَّهُ ذَهِلَ عَنْهُ وَمُرَاجَعَةُ الْمَشْفُوعِ إِلَيْهِ فِي الْأَمْرِ إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى مَفْسَدَةٍ وَأَنَّ الْإِسْرَارَ بِالنَّصِيحَةِ أَوْلَى مِنَ الْإِعْلَانِ كَمَا سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَسَارَرْتُهُ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ إِذَا جَرَّ الْإِعْلَانُ إِلَى مَفْسَدَةٍ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أُشِيرَ عَلَيْهِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْمُشِيرُ مَصْلَحَةً لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ بَلْ يُبَيَّنُ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ وَفِيهِ الِاعْتِذَارُ إِلَى الشَّافِعِ إِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي تَرْكِ إِجَابَتِهِ وَأَنْ لَا عَيْبَ عَلَى الشَّافِعِ إِذَا رُدَّتْ شَفَاعَتُهُ لِذَلِكَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْإِلْحَاحِ فِي السُّؤَالِ كَمَا اسْتَنْبَطَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْهُ فِي الزَّكَاةِ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ حُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِلتَّعْمِيمِ أَيْ أَيَّ عَطَاءٍ كَانَ .

     قَوْلُهُ  أَعْجَبُ إِلَيَّ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَحَبُّ وَكَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ وَمَا أُعْطِيهِ إِلَّا مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ إِلَخْ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ إِنِّي أُعْطِي رِجَالًا وَأَدَعُ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُمْ لَا أُعْطِيهِ شَيْئًا مَخَافَةَ أَنْ يُكَبُّوا فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَكُبَّهُ هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْكَافِ يُقَالُ أَكَبَّ الرَّجُلُ إِذَا أَطْرَقَ وَكَبَّهُ غَيْرُهُ إِذَا قَلَبَهُ وَهَذَا عَلَى خلاف الْقيَاس لِأَنَّ الْفِعْلَ اللَّازِمَ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَهَذَا زِيدَتْ عَلَيْهِ الْهَمْزَةُ فَقُصِرَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَقَالَ يُقَالُ أَكَبَّ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أَحَدٍ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ.

.

قُلْتُ كَبَّهُ وَكَبَبْتُهُ وَجَاءَ نَظِيرُ هَذَا فِي أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ مِنْهَا أَنْسَلَ رِيشُ الطَّائِرِ وَنَسْلْتُهُ وَأَنْزَفَتِ الْبِئْرُ وَنَزَفْتُهَا وَحَكَى بن الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمُتَعَدِّي كَبَّهُ وَأَكَبَّهُ مَعًا تَنْبِيهٌ لَيْسَ فِيهِ إِعَادَةُ السُّؤَالِ ثَانِيًا وَلَا الْجَوَابُ عَنهُ وَقد روى عَن بن وَهْبٍ وَرِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ جَمِيعًا عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدٍ آخَرَ قَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَنَقَلَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ رَاوِيهِ وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْهُمَا قَوْله وَرَوَاهُ يُونُس يَعْنِي بن يَزِيدَ الْأَيْلِيَّ وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ الزُّهْرِيِّ الْمُلَقَّبِ رُسْتَهْ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَقَبْلَ الْهَاءِ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٌ وَلَفْظُهُ قَرِيبٌ مِنْ سِيَاقِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَيْسَ فِيهِ إِعَادَةُ السُّؤَالِ ثَانِيًا وَلَا الْجَواب عَنهُ قَوْله وَصَالح يَعْنِي بن كَيْسَانَ وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِيهِ مِنِ اللَّطَائِفِ رِوَايَةُ ثَلَاثَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ صَالِحٌ وَالزُّهْرِيُّ وعامر قَوْله وَمعمر يَعْنِي بن رَاشِدٍ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْحُمَيْدِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ.

     وَقَالَ  فِيهِ إِنَّهُ أَعَادَ السُّؤَالَ ثَلَاثًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَوَقَعَ فِي إِسْنَادِهِ وَهْمٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ شَيْخِهِ لِأَنَّ مُعظم الرِّوَايَات فِي الْجَوَامِع وَالْمَسَانِيد عَن بن عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِزِيَادَةِ مَعْمَرٍ بَينهمَا وَكَذَا حدث بِهِ بن أَبِي عُمَرَ شَيْخُ مُسْلِمٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ بن عُيَيْنَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَزَعَمَ أَبُو مَسْعُودٍ فِي الْأَطْرَافِ أَن الْوَهم من بن أَبِي عُمَرَ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ الْوَهْمُ صَدَرَ مِنْهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ مُسْلِمًا لَكِنْ لَمْ يَتَعَيَّنِ الْوَهْمُ فِي جِهَتِهِ وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ محيي الدّين على أَن بن عُيَيْنَةَ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً بِإِسْقَاطِ مَعْمَرٍ وَمَرَّةً بِإِثْبَاتِهِ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ قَدْ تَضَافَرَتْ عَن بن عُيَيْنَةَ بِإِثْبَاتِ مَعْمَرٍ وَلَمْ يُوجَدْ بِإِسْقَاطِهِ إِلَّا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْمَوْجُودُ فِي مُسْنَدِ شَيْخِهِ بِلَا إِسْقَاطٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَنَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانَ الْعَمَلُ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا بِالنَّظَرِ إِلَى حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يُخَالِفُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْمَرْءَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِوَيُسَمَّى مُسْلِمًا إِذَا تَلَفَّظَ بِالْكَلِمَةِ أَيْ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يَشْمَلُ عَمَلَ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ.

.
وَأَمَّا الْإِسْلَامُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ فَهُوَ الشَّرْعِيُّ الْكَامِلُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يقبل مِنْهُ قَوْله وبن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورِينَ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ كَمَا رَوَاهُ شُعَيْب عَنهُ وَحَدِيث بن أَخِي الزُّهْرِيِّ مَوْصُولٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسَاقَ فِيهِ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفِي رِوَايَة بن أَخِي الزُّهْرِيِّ لَطِيفَةٌ وَهِيَ رِوَايَةِ أَرْبَعَةٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ عَلَى الْوِلَاءِ هُوَ وَعَمُّهُ وَعَامِرٌ وَأَبوهُ ( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ)
هُوَ مُنَوَّنٌ وَقَولُهُ السَّلَامُ مِنَ الْإِسْلَامِ زَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِفْشَاءَ السَّلَامِ وَالْمُرَادُ بِإِفْشَائِهِ نَشْرُهُ سِرًّا أَوْ جَهْرًا وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلْمَرْفُوعِ فِي

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [27] حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَىَّ.
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا.
فَقَالَ «أَوْ مُسْلِمًا».
فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا».
ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ «يَا سَعْدُ، إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ».
وَرَوَاهُ يُونُسُ وَصَالِحٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
[الحديث طرفه في: 1478] .
وبسندي الذي قدّمته أول هذا التعليق إلى المؤلف قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي ( قال أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا ( شعيب) هو ابن أبي حمزة الأموي ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( قال أخبرني) بالإفراد ( عامر بن سعد بن أبي وقاص) بتشديد القاف وسعد بسكون العين واسم أبي وقاص مالك القرشي المتوفى بالمدينة سنة ثلاث أو أربع ومائة ( عن) أبيه ( سعد) المذكور أحد العشرة المبشرة بالجنة المتوفى آخرهم بقصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة سنة سبع وخمسين، وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة ودفن بالبقيع، وله في البخاري عشرون حديثًا ( رضي الله عنه) .
( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى رهطاً) من المؤلفة شيئاً من الدنيا لما سألوه كما عند الإسماعيلي ليتألفهم لضعف إيمانهم، والرهط: العدد من الرجال لا امرأة فيهم من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو مما دون العشرة ولا واحد له من لفظه، وجمعه أرهط وأراهط وأرهاط وأراهيط.
( وسعد جالس) جملة اسمية وقعت حالاً ولم يقل أنا جالس كما هو الأْصل، بل جرّد من نفسه شخصًا وأخبر عنه ْبالجلوس أو هو من باب الالتفات من التكلم الذي هو مقتضى المقام إلى الغيبة كما هو قول صاحب المفتاح.
قال سعد: ( فترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً) سأله أيضًا مع كونه أحب إليه ممن أعطى وهو جعيل بن سراقة الضمري المهاجري ( هو أعجبهم إليّ) أي أفضلهم وأصلحهم في اعتقادي، والجملة نصب صفة لرجلاً، وكان السياق يقتضي أن يقول أعجبهم إليه لأنه قال وسعد جالس، بل قال إليَّ على طريق الالتفات من الغيبة إلى التكلم ( فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان) أي أيّ سبب لعدولك عنه إلى غيره؟ ولفظ فلان كناية عن اسم أبهم بعد أن ذكر ( فوالله إني لأراه مؤمنًا) بفتح الهمزة أي أعلمه.
وفي رواية أبي ذر وغيره هنا كالزيادة لأراه بضمها بمعنى أظنه وبه جزم القرطبي في المفهم، وعبارته الرواية بضم الهمزة وكذا رواه الإسماعيلي وغيره.
ولم يجوزه النووي محتجًا بقوله الآتي، ثم غلبني ما أعلم منه لأنه راجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرارًا فلو لم يكن جازمًا باعتقاده لما كررالمراجعة.
وتعقب بأنه لا دلالة فيه على تعين الفتح لجواز إطلاق العلم على الظن الغالب نحو قوله تعالى: { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] .
أي العلم الذي يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات، وإنما سماه علمًا إيذانًا بأنه كالعلم في وجوب العمل به كما قاله البيضاوي.
وأجيب بأن قسم سعد وتأكيد كلامه بإن واللام ومراجعته للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتكرار نسبة العلم إليه يدل على أنه كان جازمًا باعتقاده ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي رواية الأصيلي وابن عساكر قال: ( أو مسلمًا) بسكون الواو فقط بمعنى الإضراب على قول سعد وليس الإضراب هنا بمعنى إنكار كون الرجل مؤمنًا بل معناه النهي عن القطع بإيمان من لم يختبر حاله الخبرة الباطنة لأن الباطن لا يطّلع عليه إلا الله فالأولى التعبير بالإسلام الظاهر بل في الحديث إشارة إلى إيمان المذكور وهي قوله لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه قال سعد: ( فسكت) سكوتًا ( قليلاً ثم غلبني ما) أي الذي ( أعلم منه فعدت) أي فرجعت ( لمقالتي) مصدر ميمي بمعنى القول أي لقولي وثبت لأبي ذر وابن عساكر فعدت وسقط للأصيلي وأبي الوقت لفظ لمقالتي ( فقلت) يا رسول الله ( ما لك عن فلان فوالله إني لأراه) باللام وضم الهمزة وكذا رواه ابن عساكر ورواه أبو ذر أراه ( مؤمنًا فقال) عليه الصلاة والسلام ( أو مسلمًا فسكت) سكوتًا ( قليلاً) وسقط للحموي قوله فسكت قليلاً ( ثم غلبني ما) أي الذي ( أعلم منه فعدت لمقالتي وعاد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وليس في رواية الكشميهني إعادة السؤال ثانيًا ولا الجواب عنه وإنما لم يقبل عليه الصلاة والسلام قول سعد في جعيل لأنه لم يخرج مخرج الشهادة وإنما هو مدح له وتوسل في الطلب لأجله ولهذا ناقشه في لفظه نعم في الحديث نفسه ما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام قبل قوله فيه وهو قوله ( ثم قال) لمجيب مرشدًا له إلى الحكمة في إعطاء أولئك وحرمان جعيل مع كونه أحب إليه ممّن أعطاه ( يا سعد إني لأعطي الرجل) الضعيف الإيمان العطاء أتألف قلبه به ( وغيره أحب إليّ منه) جملة حالية وفي رواية أبي ذر والحموي والمستملي أعجب إلي منه ( خشية أن يكبه الله) بفتح المثناة التحتية وضم الكاف ونصب الموحدة بأن أي لأجل خشية كبّ الله إياه أي إلقائه منكوسًا ( في النار) لكفره إما بارتداده إن لم يعط، أو لكونه ينسب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى البخل، وأما من قوي إيمانه فهو أحب إلي فأكله إلى إيمانه ولا أخشى عليه رجوعًا عن دينه ولا سوءًا في اعتقاده، وفيه الكناية لأن الكب في النار من لازم الكفر فأطلق اللازم وأراد الملزوم.
وفي الحديث دلالة على جواز الحلف على الظن عند من أجاز ضم همزة أراه، وجواز الشفاعة إلى ولاة الأمور وغيرهم ومراددة الشفيع إذا لم يؤدّ إلى مفسدة، وأن المشفوع إليه لا عتب عليه إذا رد الشفاعة إذا كانت خلاف المصلحة، وأن الإمام يصرف الأموال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم، وأنه لا يقطع لأحد على التعيين بالجنة إلا العشرة البشرة، وأن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا قرن به الاعتقاد وعليه الإجماع كما مر.
واستدل به عياض لعدم ترادف الإيمان والإسلام، ولكنه لا يكون مؤمنًا إلا مسلمًا، وقد يكون مسلمًا غير مؤمن، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وفيه ثلاثة رواة زهريون مدنيون وثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، ورواية الأكابر عن الأصاغر، وأخرجه المؤلف أيضًا في الزكاة ومسلم في الإيمان والزكاة.
قال المؤلف: ( ورواه) بواو العطف وللأربعة بإسقاطها أي هذا الحديث أيضًا ( يونس) بن يزيد الأيلي ( وصالح) يعني ابن كيسان المدني ( ومعمر) بفتح الميمين يعني ابن راشد البصري ( وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم المتوفى فيما جزم به النووي في سنة اثنتين وخمسين ومائة.
هؤلاء الأربعة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بإسناده كما رواه شعيب عنه، فحديث يونس موصول في كتاب الإيمان لعبد الرحمن بن عمر الملقب رسته وهو قريب من سياق الكشميهني ليس فيه إعادة السؤال ولا الجواب عنه.
وحديثصالح موصول عند المؤلف في الزكاة.
وحديث معمر عند أحمد بن حنبل والحميدي وغيرهما عن عبد الرزاق عنه وقال فيه: أنه أعاد السؤال ثالثًا وحديث ابن أخي الزهري عند مسلم وساق فيه السؤال والجواب ثلاث مرات، والله تعالى أعلم.
20 - باب إِفْشَاءُ السَّلاَمِ مِنَ الإِسْلاَمِ.
وَقَالَ عَمَّارٌ: ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَار هذا ( باب) بالتنوين ( السلام من الإسلام) أي هذا باب بيان أن السلام من شعب الإسلام، وفي رواية غير الأصيلي وأبي ذر وابن عساكر إفشاء السلام من الإسلام وهو بكسر الهمزة أي إذاعة السلام ونشره ( وقال عمار) أبو اليقظان بالمعجمة ابن ياسر بن عامر أحد السابقين الأوّلين المقتول بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين مع علي ومقول قوله ( ثلاث) أي ثلاث خصال ( من جمعهن فقد جمع الإيمان) أي حاز كماله أحدهما: ( الإنصاف) وهو العدل ( من نفسك) بأن لم تترك لمولاك حقًا واجبًا عليك إلا أذيته ولا شيئًا مما نهيت عنه إلا اجتنبته وسقط لفظ فقد عند الأربعة، ( و) الثاني: ( بذل السلام) بالمعجمة ( للعالم) بفتح اللام أي لك مؤمن عرفته أو لم تعرفه وخرج الكافر بدليل آخر.
وفيه حضّ على مكارم الأخلاق والتواضع واستئلاف النفوس، ( و) الثالث: ( الإنفاق من الإقتار) بكسر الهمزة أي في حالة الفقر وفيه غاية الكرم لأنه إذا أنفق وهو محتاج كان مع التوسع أكثر إنفاقًا، والإنفاق شامل للنفقة على العيال وعلى الضيف والزائر، وهذا الأثر أخرجه أحمد في كتاب الإيمان، والبزار في مسنده، وعبد الرزاق في مصنفه، والطبراني في معجمه الكبير.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [27] حدّثنا أبُو اليَمَانِ قالَ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ أخبْرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبى وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدٍ رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطَى رَهْطاً وَسَعْدٌ جَالِسٌ فَتَرَكَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجُلاً هُوَ أعْجَبُهُمْ إلَيّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَالَكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللهِ إنّي لأَرَاِهُ مُؤْمِنَا فقالَ أوْ مُسْلِماً فَسَكَتُّ قَلِيلاً ثُم غَلَبَنِى مَا أعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُأَبُو إِسْحَاق فَذكره، وَرَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل فِي كتاب الْإِيمَان من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ، وَرَوَاهُ يَعْقُوب بن شيبَة فِي مُسْنده من طَرِيق شُعْبَة وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَغَيرهمَا، كلهم عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي، عَن صلَة بن زفر، عَن عمار، رَضِي الله عَنهُ؛ وَلَفظ شُعْبَة: ( ثَلَاث من كن فِيهِ فقد اسْتكْمل الْإِيمَان) .
وَهَكَذَا رُوِيَ فِي جَامع معمر عَن أبي إِسْحَاق، وَكَذَا حدث بِهِ عبد الرَّزَّاق فِي ( مُصَنفه) عَن معمر، وَحدث بِهِ عبد الرَّزَّاق بِآخِرهِ فرفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا أخرجه الْبَزَّار فِي مُسْنده، وَابْن أبي حَاتِم فِي ( الْعِلَل) كِلَاهُمَا عَن الْحسن بن عبد الله الْكُوفِي، وَكَذَا رَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي ( شرح السّنة) من طَرِيق أَحْمد بن كَعْب الوَاسِطِيّ، وَكَذَا أخرجه ابْن الْأَعرَابِي فِي مُعْجَمه عَن مُحَمَّد بن الصَّباح الصغاني، ثَلَاثَتهمْ عَن عبد الرَّزَّاق مَرْفُوعا..
     وَقَالَ  الْبَزَّار: غَرِيب،.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة: هُوَ خطأ، فقد رُوِيَ مَرْفُوعا من وَجه آخر عَن عمار، أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) وَلَكِن فِي إِسْنَاده ضعف، وَالله أعلم.
الثَّالِث فِي إعرابه وَمَعْنَاهُ.
فَقَوله: ( ثَلَاث) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة صفة لموصوف مَحْذُوف تَقْدِيره: خِصَال ثَلَاث، فَقَامَتْ الصّفة مقَام الْمَوْصُوف الْمَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَيجوز أَن يُقَال: يجوز وُقُوع النكرَة مُبْتَدأ إِذا كَانَ الْكَلَام بهَا فِي معنى الْمَدْح، نَحْو: طَاعَة خير من مَعْصِيّة، وَقد عدوه من جملَة الْمَوَاضِع الَّتِي يَقع فِيهَا الْمُبْتَدَأ نكرَة.
وَقَوله: ( من) مُبْتَدأ ثَان، وَهِي مَوْصُوفَة متضمنة لِمَعْنى الشَّرْط، وجمعهن صلتها.
وَقَوله: ( فقد جمع الْإِيمَان) خَبره، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول.
وَالْفَاء، فِي: ( فقد) ، لتضمن الْمُبْتَدَأ معنى الشَّرْط، و: ( الْإِيمَان) ، مَنْصُوب: بِجمع، وَمَعْنَاهُ: فقد حَاز كَمَال الْإِيمَان، تدل عَلَيْهِ رِوَايَة شُعْبَة ( فقد اسْتكْمل الْإِيمَان) .
قَوْله: ( الْإِنْصَاف) ، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف.
وَالتَّقْدِير: إِحْدَى ثَلَاث الانصاف، يُقَال: أنصفه من نَفسه، وانتصفت أَنا مِنْهُ،.

     وَقَالَ  الصغاني: الْإِنْصَاف الْعدْل، وَالنّصف والنصفة الِاسْم مِنْهُ، يُقَال: جَاءَ منصفا أَي: مسرعا.
قَوْله: ( وبذل السَّلَام) أَي: الثَّانِي من الثَّلَاث بذل السَّلَام، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة.
وَفِي ( الْعباب) : بذلت الشَّيْء أبذِله وأبذُله، وَهَذِه عَن ابْن عباد، أَي: أَعْطيته وجُدْتُ بِهِ، ثمَّ قَالَ فِي آخر الْبَاب: والتركيب يدل على ترك صِيَانة الشَّيْء.
قَوْله: ( للْعَالم) بِفَتْح اللَّام، وَأَرَادَ بِهِ كل النَّاس من عرفت وَمن لم تعرف.
فَإِن قلت: الْعَالم اسْم لما سوى الله تَعَالَى فَيدْخل فِيهِ الْكفَّار، وَلَا يجوز بذل السَّلَام لَهُم { قلت: ذَاك خرج بِدَلِيل آخر، وَهُوَ قَوْله: عَلَيْهِ السَّلَام: ( لَا تبدأوا الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى) إِلَخ كَمَا تقدم.
قَوْله: ( والإنفاق) ، أَي: الثَّالِث: الْإِنْفَاق من الإقتار، بِكَسْر الْهمزَة، وَهُوَ الافتقار.
يُقَال: اقتر الرجل إِذا افْتقر.
فَإِن قلت: على هَذَا التَّفْسِير يكون الْمَعْنى الْإِنْفَاق من الْعَدَم، وَهُوَ لَا يَصح}
قلت: كلمة: من، هَهُنَا يجوز أَن تكون بِمَعْنى: فِي، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} ( الْجُمُعَة: 9) أَي: فِيهِ، وَالْمعْنَى: والانفاق فِي حَالَة الْفقر، وَهُوَ من غَايَة الْكَرم، وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى: عِنْد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم من الله شَيْئا} ( آل عمرَان: 10 و 116، والمجادلة: 17) أَي: عِنْد الله، وَالْمعْنَى: والانفاق عِنْد الْفقر وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى الْغَايَة، كَمَا فِي قَوْلك: أَخَذته من زيد، فَيكون الافتقار غَايَة لإنفاقه، وَفِي الْحَقِيقَة هِيَ للابتداء، لِأَن الْمُنفق فِي الإقتار يبتدىء مِنْهُ إِلَى الْغَايَة..
     وَقَالَ  أَبُو الزِّنَاد بن سراج: جمع عمار فِي هَذِه الْأَلْفَاظ الْخَيْر كُله.
لِأَنَّك إِذا أنصفت من نَفسك فقد بلغت الْغَايَة بَيْنك وَبَين خالقك وَبَيْنك وَبَين النَّاس وَلم تضيع شَيْئا، أَي: مِمَّا لله وَلِلنَّاسِ عَلَيْك، وَأما بذل السَّلَام للْعَالم فَهُوَ كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام: ( وتقرأ السَّلَام على من عرفت وَمن لم تعرف) ، وَهَذَا حض على مَكَارِم الْأَخْلَاق، واستئلاف النُّفُوس.
وَأما الْإِنْفَاق من الإقتار فَهُوَ الْغَايَة فِي الْكَرم، فقد مدح الله، عز وَجل، من هَذِه صفته بقوله: { ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة} ( الْحَشْر: 9) وَهَذَا عَام فِي نَفَقَة الرجل على عِيَاله وأضيافه، وكل نَفَقَة فِي طَاعَة الله تَعَالَى.
وَفِيه: أَن نَفَقَة الْمُعسر على عِيَاله أعظم أجرا من نَفَقَة الْمُوسر.
قلت: هَذِه الْكَلِمَات جَامِعَة لخصال الْإِيمَان كلهَا لِأَنَّهَا إِمَّا مَالِيَّة أَو بدنية، فالإنفاق إِشَارَة إِلَى الْمَالِيَّة المتضمنة للوثوق بِاللَّه تَعَالَى، وَالزِّيَادَة فِي الدُّنْيَا وَقصر الأمل، وَنَحْو ذَلِك.
والبدنية إِمَّا مَعَ الله تَعَالَى، أَي: التَّعْظِيم لأمر الله تَعَالَى وَهُوَ الْإِنْصَاف، أَو مَعَ النَّاس وَهُوَ الشَّفَقَة على خلق الله تَعَالَى، وَهُوَ بذل السَّلَام الَّذِي يتَضَمَّن مَكَارِم الْأَخْلَاق والتواضع وَعدم الاحتقار، وَيحصل بِهِ التآلف والتحابب وَنَحْو ذَلِك.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [27] الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى رهطا وسعد جالس فترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا هو أعجبهم إلي فقلت: ما لك يا رسول الله عن فلان؟ ! فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال: " أو مسلما " فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فقلت يا رسول الله ! مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، قال ( 5) : " أو مسلما " فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي وعاد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: " يا سعد! إني لأعطي الرجل وغيره أعجب إلي منه خشية أن يكبه الله في النار " خرجه من طريق شعيب، عن الزهري ثم قال: رواه يونس وصالح وابن معمر وابن أخي الزهري، عن الزهري ( 6) .
وقد رواه ابن أبي ذئب - أيضا -، عن الزهري كذلك.
ورواه العباس الخلال ، عن الوليد بن مسلم، عن ابن وهب.
ورشدين بن سعد، عن يونس، عن الزهري، عن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخطئا في ذلك.
نقله ابن أبي حاتم الرازي عن أبيه .
فهذا الحديث محمول عند البخاري على أن هذا الرجل كان منافقا، وأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفى عنه الإيمان وأثبت له الاستسلام دون الإسلام الحقيقي، وهو – أيضا – قول محمد بن نصر المروزي .
وهذا غاية البعد، وآخر الحديث يرد على ذلك، وهو: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه " فإن هذا يدل على أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكله إلى إيمانه كما كان يعطي المؤلفة قلوبهم ويمنع المهاجرين والأنصار.
وزعم علي بن المديني في كتاب " العلل " له أن هذا باب المزاح من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإنه كان يمزح ولا يقول إلا حقا، فأوهم سعدا أنه ليس بمؤمن؛ بل مسلم وهما بمعنى واحد كما يقول ( 198 - أ/ ف) لرجل يمازحه وهو يدعى أنه أخ لرجل فيقول: إنما أنت ابن أبيه أو ابن أمه، وما أشبه ذلك مما يوهم الفرق والمعنى واحد.
وهذا تعسف شديد.
والظاهر – والله أعلم – أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زجر سعدا عن الشهادة بالإيمان؛ لأن الإيمان باطن في القلب لا اطلاع للعبد عليه، فالشهادة به شهادة على ظن فلا ينبغي الجزم بذلك كما قال: " إن كنت مادحا لا محالة فقل: أحسب فلانا كذا ولا أزكي على الله أحدا " ، وأمره أن يشهد بالإسلام لأنه أمر مطلع عليه كما في " المسند " عن أنس مرفوعا: " الإسلام علانية، والإيمان في القلب " .
ولهذا كره أكثر السلف أن يطلق الإنسان على نفسه أنه مؤمن، وقالوا: هو صفة مدح، وتزكية للنفس بما غاب من أعمالها؛ وإنما يشهد لنفسه بالإسلام لظهوره، فأما حديث: " إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان ": فقد خرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه من حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد مرفوعا .
وقال أحمد: هو حديث منكر، ودراج له مناكير ، والله أعلم.
وهذا الذي ذكره البخاري في هذا الباب من الآية والحديث إنما يطابق التبويب على اعتقاده أنه فرق بين الإسلام والإيمان.
وأما على قول الأكثرين بالتفريق بينهما: فإنما ينبغي أن يذكر في هذا الباب قوله عز وجل { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83] فإن الجمهور على أنه أراد استسلام الخلق كلهم له وخضوعهم فأما المؤمن فيستسلم ويخضع طوعا، وأما الكافر فإنه يضطر إلى الاستسلام عند الشدائد ونزول البلاء به كرها ثم يعود إلى شركه عند زوال ذلك كله كما أخبر الله عنهم بذلك في مواضع كثيرة من القرآن.
والحديث الذي يطابق الباب على اختيار المفرقين بين الإسلام والإيمان: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذكر قرينه من الجن: " ولكن الله أعانني عليه فأسلم " .
وقد روي بضم الميم وفتحها؛ فمن رواه بضمها قال: المراد: أي أنا أسلم من شره، ومن رواه بفتحها، فمنهم من فسره بأنه أسلم من كفره فصار مسلما.
وقد ورد التصريح بذلك في رواية خرجها البزار في " مسنده " بإسناد فيه ضعف.
ومنهم من فسره بأنه استسلم وخضع وانقاد كرها، وهو تفسير ابن عيينه وغيره، فيطابق على هذا ترجمة الباب، والله أعلم 20 - فصل قال البخاري: قال عمار: ثلاث من جمعهن جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار.
هذا الأثر معروف من رواية أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن عمار، رواه عنه الثوري وشعبة وإسرائيل وغيرهم.
وروي عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق مرفوعا.
خرجه البزار وغيره ، ورفعه وهم، قال أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وتردد أبو حاتم هل الخطأ منسوب فيه إلى عبد الرزاق أو معمر ، ومعمر ليس بالحافظ لحديث العراقيين كما ذكر ابن معين وغيره .
وقد روي مرفوعا من وجهين آخرين ولا يثبت واحد منهما ( 5) .
وإنما ذكر البخاري قول عمار في باب " إفشاء السلام من الإسلام " لأنه لا يفرق بين الإسلام والإيمان - كما تقدم.
ثم خرج البخاري حديث:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ)
حَذَفَ جَوَابَ قَوْلِهِ إِذَا لِلْعِلْمِ بِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ إِذَا كَانَ الْإِسْلَامُ كَذَلِكَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَمُحَصَّلُ مَا ذَكَرَهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهُوَ الَّذِي يُرَادِفُ الْإِيمَانَ وَيَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ وَعَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّ الدِّينَ عِنْد الله الْإِسْلَام وَقَولُهُ تَعَالَى فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ من الْمُسلمين وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَهُوَ مُجَرَّدُ الِانْقِيَادِ وَالِاسْتِسْلَامِ فَالْحَقِيقَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا هِيَ الشَّرْعِيَّةُ وَمُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمُسْلِمَ يُطْلَقَ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بَاطِنُهُ فَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ تَصْدُقْ عَلَيْهِ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ.

.
وَأَمَّا اللُّغَوِيَّةُ فَحَاصِلَةٌ

[ قــ :27 ... غــ :27] .

     قَوْلُهُ  عَنْ سَعْدٍ هُوَ بن أَبِي وَقَّاصٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ وَهُوَ وَالِدُ عَامِرٍ الرَّاوِي عَنْهُ كَمَا وَقَعَ فِي الزَّكَاةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ فِيهَا عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُ نَسَبِهِ فِي مَنَاقِبِ سَعْدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  أَعْطَى رَهْطًا الرَّهْطُ عَدَدٌ مِنَ الرِّجَالِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ قَالَ الْقَزَّازُ وَرُبَّمَا جَاوَزُوا ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَرَهْطُ الرَّجُلِ بَنُو أَبِيهِ الْأَدْنَى وَقِيلَ قَبِيلَتُهُ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيق بن أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ جَاءَهُ رَهْطٌ فَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ فَتَرَكَ رَجُلًا مِنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَسَعْدٌ جَالِسٌ فِيهِ تَجْرِيدٌ وَقَولُهُ أَعْجَبَهُمْ إِلَيَّ فِيهِ الْتِفَاتٌ وَلَفْظُهُ فِي الزَّكَاةِ أَعْطَى رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فَسَاقَهُ بِلَا تَجْرِيدٍ وَلَا الْتِفَاتٍ وَزَادَ فِيهِ فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ وَغَفَلَ بَعْضُهُمْ فَعَزَا هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِلَى مُسْلِمٍ فَقَطْ وَالرَّجُلُ الْمَتْرُوكُ اسْمُهُ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ الضَّمْرِيُّ سَمَّاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي .

     قَوْلُهُ  مَالَكٌ عَنْ فُلَانٍ يَعْنِي أَيُّ سَبَبٍ لِعُدُولِكَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ وَلَفْظُ فُلَانٍ كِنَايَةٌ عَنِ اسْمٍ أُبْهِمَ بَعْدَ أَنْ ذُكِرَ .

     قَوْلُهُ  فَوَاللَّهِ فِيهِ الْقَسَمُ فِي الْإِخْبَارِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ .

     قَوْلُهُ  لَأُرَاهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ هُنَا وَفِي الزَّكَاةِ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ هُوَ بِفَتْحِهَا أَيْ أَعْلَمُهُ وَلَا يَجُوزُ ضَمُّهَا فَيَصِيرُ بِمَعْنَى أَظُنُّهُ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ اه وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى تَعَيُّنِ الْفَتْحِ لِجَوَازِ إِطْلَاقِ الْعِلْمِ عَلَى الظَّنِّ الْغَالِبِ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَإِن علمتموهن مؤمنات سَلَّمْنَا لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِطْلَاقِ الْعِلْمِ أَنْ لَا تَكُونَ مُقَدِّمَاتُهُ ظَنِّيَّةً فَيَكُونَ نَظَرِيًّا لَا يَقِينِيًّا وَهُوَ الْمُمْكِنُ هُنَا وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ الرِّوَايَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ جَوَازَ الْحَلِفِ عَلَى غَلَبَة الظَّن لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا نَهَاهُ عَنِ الْحَلِفِ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّهُ أَقْسَمَ عَلَى وِجْدَانِ الظَّنِّ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَمْ يُقْسِمْ عَلَى الْأَمْرِ الْمَظْنُونِ كَمَا ظُنَّ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَوْ مُسْلِمًا هُوَ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ لَا بِفَتْحِهَا فَقِيلَ هِيَ لِلتَّنْوِيعِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ هِيَ لِلتَّشْرِيكِ وَأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَهُمَا مَعًا لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَيَرُدُّ هَذَا رِوَايَة بن الْأَعْرَابِيِّ فِي مُعْجَمِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا تَقُلْ مُؤْمِنٌ بَلْ مُسْلِمٌ فَوَضَحَ أَنَّهَا لِلْإِضْرَابِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِنْكَارَ بَلِ الْمَعْنَى أَنَّ إِطْلَاقَ الْمُسْلِمِ عَلَى مَنْ لَمْ يُخْتَبَرْ حَالُهُ الْخِبْرَةَ الْبَاطِنَةَ أَوْلَى مِنْ إِطْلَاقِ الْمُؤْمِنِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ قَالَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ مُلَخَّصًا.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْحَدِيثُ دَالًّا عَلَى مَا عُقِدَ لَهُ الْبَابُ وَلَا يَكُونَ لِرَدِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَعْدٍ فَائِدَةٌ وَهُوَ تَعَقُّبٌ مَرْدُودٌ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالتَّرْجَمَةِ قَبْلُ وَمُحَصَّلُ الْقِصَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوسِعُ الْعَطَاءَ لِمَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ تَأَلُّفًا فَلَمَّا أَعْطَى الرَّهْطَ وَهُمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ وَتَرَكَ جُعَيْلًا وَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ سَأَلُوهُ خَاطَبَهُ سَعْدٌ فِي أَمْرِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ جُعَيْلًا أَحَقُّ مِنْهُمْ لِمَا اخْتَبَرَهُ مِنْهُ دُونَهُمْ وَلِهَذَا رَاجَعَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فَأَرْشَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا إِعْلَامُهُ بِالْحِكْمَةِ فِي إِعْطَاءِ أُولَئِكَ وَحِرْمَانِ جُعَيْلٍ مَعَ كَوْنِهِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّنْ أَعْطَى لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إِعْطَاءَ الْمُؤَلَّفِ لَمْ يُؤْمَنِ ارْتِدَادُهُ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ثَانِيهُمَا إِرْشَادُهُ إِلَى التَّوَقُّفِ عَنِ الثَّنَاءِ بِالْأَمْرِ الْبَاطِنِ دُونَ الثَّنَاءِ بِالْأَمْرِ الظَّاهِرِ فَوَضَحَ بِهَذَا فَائِدَةُ رَدِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَعْدٍ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَحْضَ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ بَلْ كَانَ أَحَدُ الْجَوَابَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ بِالْأَوْلَى وَالْآخَرُ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِذَارِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ سَعْدٍ لِجُعَيْلٍ بِالْإِيمَانِ وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِالْعَدَالَةِ لَقُبِلَ مِنْهُ وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ فَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ سَعْدٍ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ لَهُ وَالتَّوَسُّلِ فِي الطَّلَبِ لِأَجْلِهِ فَلِهَذَا نُوقِشَ فِي لَفْظِهِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لَمَا اسْتَلْزَمَتِ الْمَشُورَةُ عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ الْأَوْلَى رَدَّ شَهَادَتِهِ بَلِ السِّيَاقُ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّهُ قَبِلَ قَوْلِهِ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ وَرَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ كَيْفَ تَرَى جُعَيْلًا قَالَ.

.

قُلْتُ كَشَكْلِهِ مِنَ النَّاسِ يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ قَالَ فَكَيْفَ تَرَى فُلَانًا قَالَ.

.

قُلْتُ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِ النَّاسِ قَالَ فَجُعَيْلٌ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ فُلَانٍ قَالَ.

.

قُلْتُ فَفُلَانٌ هَكَذَا وَأَنْتَ تَصْنَعُ بِهِ مَا تَصْنَعُ قَالَ إِنَّهُ رَأْسُ قَوْمِهِ فَأَنَا أَتَأَلَّفُهُمْ بِهِ فَهَذِهِ مَنْزِلَةُ جُعَيْلٍ الْمَذْكُورِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَرَى فَظَهَرَتْ بِهَذَا الْحِكْمَةُ فِي حِرْمَانِهِ وَإِعْطَاءِ غَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ حَقِيقَتَيِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَتَرْكِ الْقَطْعِ بِالْإِيمَانِ الْكَامِلِ لِمَنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ.

.
وَأَمَّا مَنْعُ الْقَطْعِ بِالْجَنَّةِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صَرِيحًا وَإِنْ تَعَرَّضَ لَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ النَّصُّ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ فِي اكْتِفَائِهِمْ فِي الْإِيمَانِ بِنُطْقِ اللِّسَانِ وَفِيهِ جَوَازُ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ وَتَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ وَإِنْ خَفِيَ وَجْهُ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الرَّعِيَّةِ وَفِيهِ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ فِيمَا يَعْتَقِدُ الشَّافِعُ جَوَازَهُ وَتَنْبِيهُ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ عَلَى مَا يَظُنُّ أَنَّهُ ذَهِلَ عَنْهُ وَمُرَاجَعَةُ الْمَشْفُوعِ إِلَيْهِ فِي الْأَمْرِ إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى مَفْسَدَةٍ وَأَنَّ الْإِسْرَارَ بِالنَّصِيحَةِ أَوْلَى مِنَ الْإِعْلَانِ كَمَا سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَسَارَرْتُهُ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ إِذَا جَرَّ الْإِعْلَانُ إِلَى مَفْسَدَةٍ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أُشِيرَ عَلَيْهِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْمُشِيرُ مَصْلَحَةً لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ بَلْ يُبَيَّنُ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ وَفِيهِ الِاعْتِذَارُ إِلَى الشَّافِعِ إِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي تَرْكِ إِجَابَتِهِ وَأَنْ لَا عَيْبَ عَلَى الشَّافِعِ إِذَا رُدَّتْ شَفَاعَتُهُ لِذَلِكَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْإِلْحَاحِ فِي السُّؤَالِ كَمَا اسْتَنْبَطَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْهُ فِي الزَّكَاةِ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ حُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِلتَّعْمِيمِ أَيْ أَيَّ عَطَاءٍ كَانَ .

     قَوْلُهُ  أَعْجَبُ إِلَيَّ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَحَبُّ وَكَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ وَمَا أُعْطِيهِ إِلَّا مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ إِلَخْ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ إِنِّي أُعْطِي رِجَالًا وَأَدَعُ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُمْ لَا أُعْطِيهِ شَيْئًا مَخَافَةَ أَنْ يُكَبُّوا فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَكُبَّهُ هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْكَافِ يُقَالُ أَكَبَّ الرَّجُلُ إِذَا أَطْرَقَ وَكَبَّهُ غَيْرُهُ إِذَا قَلَبَهُ وَهَذَا عَلَى خلاف الْقيَاس لِأَنَّ الْفِعْلَ اللَّازِمَ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَهَذَا زِيدَتْ عَلَيْهِ الْهَمْزَةُ فَقُصِرَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَقَالَ يُقَالُ أَكَبَّ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أَحَدٍ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ.

.

قُلْتُ كَبَّهُ وَكَبَبْتُهُ وَجَاءَ نَظِيرُ هَذَا فِي أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ مِنْهَا أَنْسَلَ رِيشُ الطَّائِرِ وَنَسْلْتُهُ وَأَنْزَفَتِ الْبِئْرُ وَنَزَفْتُهَا وَحَكَى بن الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمُتَعَدِّي كَبَّهُ وَأَكَبَّهُ مَعًا تَنْبِيهٌ لَيْسَ فِيهِ إِعَادَةُ السُّؤَالِ ثَانِيًا وَلَا الْجَوَابُ عَنهُ وَقد روى عَن بن وَهْبٍ وَرِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ جَمِيعًا عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدٍ آخَرَ قَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَنَقَلَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ رَاوِيهِ وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْهُمَا قَوْله وَرَوَاهُ يُونُس يَعْنِي بن يَزِيدَ الْأَيْلِيَّ وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ الزُّهْرِيِّ الْمُلَقَّبِ رُسْتَهْ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَقَبْلَ الْهَاءِ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٌ وَلَفْظُهُ قَرِيبٌ مِنْ سِيَاقِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَيْسَ فِيهِ إِعَادَةُ السُّؤَالِ ثَانِيًا وَلَا الْجَواب عَنهُ قَوْله وَصَالح يَعْنِي بن كَيْسَانَ وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِيهِ مِنِ اللَّطَائِفِ رِوَايَةُ ثَلَاثَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ صَالِحٌ وَالزُّهْرِيُّ وعامر قَوْله وَمعمر يَعْنِي بن رَاشِدٍ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْحُمَيْدِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ.

     وَقَالَ  فِيهِ إِنَّهُ أَعَادَ السُّؤَالَ ثَلَاثًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَوَقَعَ فِي إِسْنَادِهِ وَهْمٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ شَيْخِهِ لِأَنَّ مُعظم الرِّوَايَات فِي الْجَوَامِع وَالْمَسَانِيد عَن بن عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِزِيَادَةِ مَعْمَرٍ بَينهمَا وَكَذَا حدث بِهِ بن أَبِي عُمَرَ شَيْخُ مُسْلِمٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ بن عُيَيْنَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَزَعَمَ أَبُو مَسْعُودٍ فِي الْأَطْرَافِ أَن الْوَهم من بن أَبِي عُمَرَ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ الْوَهْمُ صَدَرَ مِنْهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ مُسْلِمًا لَكِنْ لَمْ يَتَعَيَّنِ الْوَهْمُ فِي جِهَتِهِ وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ محيي الدّين على أَن بن عُيَيْنَةَ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً بِإِسْقَاطِ مَعْمَرٍ وَمَرَّةً بِإِثْبَاتِهِ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ قَدْ تَضَافَرَتْ عَن بن عُيَيْنَةَ بِإِثْبَاتِ مَعْمَرٍ وَلَمْ يُوجَدْ بِإِسْقَاطِهِ إِلَّا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْمَوْجُودُ فِي مُسْنَدِ شَيْخِهِ بِلَا إِسْقَاطٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَنَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانَ الْعَمَلُ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا بِالنَّظَرِ إِلَى حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يُخَالِفُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْمَرْءَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَيُسَمَّى مُسْلِمًا إِذَا تَلَفَّظَ بِالْكَلِمَةِ أَيْ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يَشْمَلُ عَمَلَ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ.

.
وَأَمَّا الْإِسْلَامُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ فَهُوَ الشَّرْعِيُّ الْكَامِلُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يقبل مِنْهُ قَوْله وبن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورِينَ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ كَمَا رَوَاهُ شُعَيْب عَنهُ وَحَدِيث بن أَخِي الزُّهْرِيِّ مَوْصُولٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسَاقَ فِيهِ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفِي رِوَايَة بن أَخِي الزُّهْرِيِّ لَطِيفَةٌ وَهِيَ رِوَايَةِ أَرْبَعَةٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ عَلَى الْوِلَاءِ هُوَ وَعَمُّهُ وَعَامِرٌ وَأَبوهُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  18 - فصل
قال البخاري:
إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله عز وجل {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] .
فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19] وقوله {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] .

معنى هذا الكلام: أن الإسلام يطلق باعتبارين:
أحدهما: باعتبار الإسلام الحقيقي وهو دين الإسلام الذي قال الله فيه {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} وقال { {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} .

والثاني: باعتبار الاستسلام ظاهرا مع عدم إسلام الباطن إذا وقع خوفا كإسلام المنافقين، واستدل بقوله تعالى {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} وحمله عل الاستسلام خوفا وتقية.
وهذا مروي عن طائفة من السلف، منهم مجاهد، وابن زيد، ومقاتل بن حيان وغيرهم .
وكذلك رجحه محمد بن نصر المروزي – كما رجحه البخاري -؛ لأنهما لا يفارقان بين الإسلام والإيمان، فإذا انتفى أحدهما انتفى الآخر.
وهو اختيار ابن عبد البر، وحكاه عن أكثر أهل السنة من أصحاب مالك والشافعي وداود.

وأما من يفرق بين الإسلام والإيمان فإنه يستدل بهذه الآية ( 197 – أ / ف) على الفرق بينهما ويقول: نفي الإيمان عنهم لا يلزم منه نفي الإسلام كما نفي الإيمان عن الزاني والسارق والشارب وإن كان الإسلام عنهم غير منفي.
وقد ورد هذا المعنى في الآية عن ابن عباس، وقتادة، والنخعي، وروي عن ابن زيد معناه – أيضا -، وهو قول الزهري، وحماد بن زيد، وأحمد، ورجحه ابن جرير وغيره .

واستدلوا به على التفريق بين الإسلام والإيمان.
وكذا قال قتادة في هذه الآية قال: " قولوا أسلمنا ": شهادة أن لا إله إلا الله، وهو دين الله، والإسلام درجة الإيمان تحقيق في القلب ووالهجرة في الإيمان درجة، والجهاد درجة، والقتل في سبيل الله درجة.
خرجه ابن أبي حاتم.

فجعل قتادة الإسلام الكلمة، وهي أصل الدين، والإيمان ما قام بالقلوب من تحقيق التصديق بالغيب، فهؤلاء القوم لم يحققوا الإيمان في قلوبهم، وإنما دخل في قلوبهم تصديق ضعيف بحيث صح به إسلامهم، ويدل عليه: {وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات: 14] .

واختلف من فرق بين الإسلام والإيمان في حقيقة الفرق بينهما.
فقالت طائفة: الإسلام: كلمة الشهادتين، والإيمان العمل.
وهذا مروي عن الزهري وابن أبي ذئب ، وهو رواية عن أحمد ، وهي المذهب عند القاضي أبي يعلى وغيره من أصحابه.
ويشبه هذا: قول ابن زيد في تفسير هذه الآية قال: لم يصدقوا إيمانهم بأعمالهم فرد الله عليهم وقال: {لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} فقال: الإسلام إقرار، والإيمان تصديق .
وهو قول أبي خيثمة وغيره من أهل الحديث.
وقد ضعف ابن حامد من أصحابنا هذا القول عن أحمد وقال: الصحيح: أن مذهبه: أن الإسلام قول وعمل ورواية واحدة؛ ولكن لا يدخل كل الأعمال في الإسلام كما يدخل في الإيمان، وذكر أن المنصوص عن أحمد أنه لا يكفر تارك الصلاة، فالصلاة من خصال الإيمان دون الإسلام وكذلك اجتناب الكبائر من شرائط الإيمان دون الإسلام.
كذا قال، وأكثر أصحابنا أن ظاهر مذهب أحمد تكفير تارك الصلاة فلو لم تكن الصلاة من الإسلام لم يكن تاركها عنده كافرا.
والنصوص الدالة على أن الأعمال داخلة في الإسلام كثيرة جدا.
وقد ذهب طائفة إلى أن الإسلام عام والإيمان خاص، فمن ارتكب الكبائر خرج من دائرة الإيمان الخاصة إلى دائرة الإسلام العامة.

هذا مروي عن أبي جعفر محمد بن علي، وضعفه ابن نصر المروزي من جهة راويه عنه وهو فضيل بن يسار، وطعن فيه ، وروي عن حماد ابن زيد نحو هذا – أيضا.
وحكى رواية عن أحمد – أيضا -؛ فإنه قال في رواية الشالنجي في مرتكب الكبائر: يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام.
ونقل حنبل عن أحمد معناه .
وقد تأول هذه الرواية القاضي أبو يعلى وأقرها غيره، وهي اختيار أبي عبد الله بن بطة وابن حامد وغيرهما من الأصحاب.
وقالت طائفة: الفرق بين الإسلام والإيمان: أن الإيمان هو التصديق تصديق القلب فهو علم القلب وعمله، والإسلام: الخضوع والاستسلام والانقياد؛ فهو عمل القلب والجوارح.
وهذا قول كثير من العلماء، وقد حكاه أبو الفضيل التميمي عن أصحاب أحمد، وهو قول طوائف من المتكلمين ( 197 - ب/ ف) ؛ لكن المتكلمون عندهم أن الأعمال لا تدخل في الإيمان وتدخل في الإسلام.

وأما أصحابنا وغيرهم من أهل الحديث فعندهم أن الأعمال تدخل في الإيمان مع اختلافهم في دخولها الإسلام – كما سبق – فلهذا قال كثير من العلماء: إن الإسلام والإيمان تختلف دلالتهما بالإفراد والاقتران، فإن أفرد أحدهما دخل الآخر فيه، وإن قرن بينهما كانا شيئين حينئذ.

وبهذا يجمع بين حديث سؤال جبريل عن السلام والإيمان ففرق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهما وبين حديث وفد عبد القيس حيث فسر فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإيمان المنفرد بما فسر به الإيمان المقرون في حديث جبريل.
وقد حكى هذا القول أبو بكر الإسماعيلي عن كثير من أهل السنة والجماعة، وروي عن أبي بكر بن أبي شيبة ما يدل عليه ، وهو أقرب الأقوال في هذه المسألة وأشبهها بالنصوص والله أعلم.

والقول بالفرق بين الإسلام والإيمان مروي عن: الحسن، وابن سيرين، وشريك، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيي بن معين، ومؤمل ابن إهاب، وحكى عن مالك - أيضا -، وقد سبق حكايته عن قتادة، وداود بن أبي هند، والزهري، وابن أبي ذئب، وحماد بن زيد، وأحمد ، وأبي خيثمة وكذلك حكاه أبو بكر بن السمعاني عن أهل السنة والجماعة جملة.

فحكاية ابن نصر وابن عبد البر عن الأكثرين التسوية بينهما غير جيد؛ بل قد قيل: إن السلف لم يرو عنهم غير التفريق، والله أعلم.

وخرج البخاري في هذا الباب حديث:
[ قــ :27 ... غــ :27 ]
- الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى رهطا وسعد جالس فترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا هو أعجبهم إلي فقلت: ما لك يا رسول الله عن فلان؟ ! فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال: " أو مسلما " فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فقلت يا رسول الله ! مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، قال : " أو مسلما " فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي وعاد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: " يا سعد! إني لأعطي الرجل وغيره أعجب إلي منه خشية أن يكبه الله في النار "
خرجه من طريق شعيب، عن الزهري ثم قال: رواه يونس وصالح وابن معمر وابن أخي الزهري، عن الزهري .

وقد رواه ابن أبي ذئب - أيضا -، عن الزهري كذلك.
ورواه العباس الخلال ، عن الوليد بن مسلم، عن ابن وهب.
ورشدين بن سعد، عن يونس، عن الزهري، عن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخطئا في ذلك.
نقله ابن أبي حاتم الرازي عن أبيه .
فهذا الحديث محمول عند البخاري على أن هذا الرجل كان منافقا، وأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفى عنه الإيمان وأثبت له الاستسلام دون الإسلام الحقيقي، وهو – أيضا – قول محمد بن نصر المروزي .
وهذا غاية البعد، وآخر الحديث يرد على ذلك، وهو: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه " فإن هذا يدل على أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكله إلى إيمانه كما كان يعطي المؤلفة قلوبهم ويمنع المهاجرين والأنصار.

وزعم علي بن المديني في كتاب " العلل " له أن هذا باب المزاح من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإنه كان يمزح ولا يقول إلا حقا، فأوهم سعدا أنه ليس بمؤمن؛ بل مسلم وهما بمعنى واحد كما يقول ( 198 - أ/ ف) لرجل يمازحه وهو يدعى أنه أخ لرجل فيقول: إنما أنت ابن أبيه أو ابن أمه، وما أشبه ذلك مما يوهم الفرق والمعنى واحد.
وهذا تعسف شديد.

والظاهر – والله أعلم – أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زجر سعدا عن الشهادة بالإيمان؛ لأن الإيمان باطن في القلب لا اطلاع للعبد عليه، فالشهادة به شهادة على ظن فلا ينبغي الجزم بذلك كما قال: " إن كنت مادحا لا محالة فقل: أحسب فلانا كذا ولا أزكي على الله أحدا " ، وأمره أن يشهد بالإسلام لأنه أمر مطلع عليه كما في " المسند " عن أنس مرفوعا: " الإسلام علانية، والإيمان في القلب " .

ولهذا كره أكثر السلف أن يطلق الإنسان على نفسه أنه مؤمن، وقالوا: هو صفة مدح، وتزكية للنفس بما غاب من أعمالها؛ وإنما يشهد لنفسه بالإسلام لظهوره، فأما حديث: " إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان ": فقد خرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه من حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد مرفوعا .
وقال أحمد: هو حديث منكر، ودراج له مناكير ، والله أعلم.

وهذا الذي ذكره البخاري في هذا الباب من الآية والحديث إنما يطابق التبويب على اعتقاده أنه فرق بين الإسلام والإيمان.
وأما على قول الأكثرين بالتفريق بينهما: فإنما ينبغي أن يذكر في هذا الباب قوله عز وجل {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83] فإن الجمهور على أنه أراد استسلام الخلق كلهم له وخضوعهم فأما المؤمن فيستسلم ويخضع طوعا، وأما الكافر فإنه يضطر إلى الاستسلام عند الشدائد ونزول البلاء به كرها ثم يعود إلى شركه عند زوال ذلك كله كما أخبر الله عنهم بذلك في مواضع كثيرة من القرآن.

والحديث الذي يطابق الباب على اختيار المفرقين بين الإسلام والإيمان: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذكر قرينه من الجن: " ولكن الله أعانني عليه فأسلم " .
وقد روي بضم الميم وفتحها؛ فمن رواه بضمها قال: المراد: أي أنا أسلم من شره، ومن رواه بفتحها، فمنهم من فسره بأنه أسلم من كفره فصار مسلما.
وقد ورد التصريح بذلك في رواية خرجها البزار في " مسنده " بإسناد فيه ضعف.

ومنهم من فسره بأنه استسلم وخضع وانقاد كرها، وهو تفسير ابن عيينه وغيره، فيطابق على هذا ترجمة الباب، والله أعلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلاَمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَكَانَ عَلَى الاِسْتِسْلاَمِ أَوِ الْخَوْفِ مِنَ الْقَتْلِ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} .
فَإِذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ}
هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يكن) أي إن لم يكن (الإسلام على الحقيقة) الشرعية (وكان على الاستسلام) أي الانقياد الظاهر فقط والدخول في السلم (أو) كان على (الخوف من القتل) لا ينتفع به في الآخرة فإذا متضمنة معنى الشرط والجزاء محذوف وتقديره نحو ما قدرته (لقوله تعالى) ولأبي ذر والأصيلي عز وجل: (قالت الأعراب) أهل البدو ولا واحد له من لفظه ومقول قولهم (آمنا) نزلت في نفر من بني أسلم قدموا المدينة في سنة مجدبة وأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون، فقال الله تعالى: { قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} إذ الإيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب { وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] .
فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار للشهادة لا بالحقيقة، ومن ثم قال تعالى: (قل لم تؤمنوا) لأن كل ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان، وكان نظم الكلام أن يقول لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا إذ لم تؤمنوا ولكن أسلمتم، فعدل عنه إلى هذا النظم ليفيد تكذيب دعواهم.
وفي هذه الآية كما قال الإمام أبو بكر بن الطيب حجة على الكرامية ومن وافقهم من المرجئة في قولهم: إن الإيمان إقرار باللسان فقط، ومثل هذه الآية في الدلالة لذلك قوله تعالى: { أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَان} [المجادلة: 22] .
ولم يقل كتب في ألسنتهم، ومن أقوى ما يردّ به عليهم الإجماع على كفر المنافقين مع كونهم أظهروا الشهادتين.

(فإذا كان) أي الإسلام (على الحقيقة) الشرعية وهو الذي يرادف الإيمان وينفع عند الله تعالى (فهو على قوله جل ذكره: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] .
أي لا دين مرضي عنده تعالى سواه، وفتح الكسائي همزة أن على أنه بدل من أنه بدل الكل من الكل إن فسر الإسلام بالإيمان وبدل الاشتمال إن فسر بالشريعة، وقد استدل المؤلف بهذه الآية على أن الإسلام الحقيقي هو الدين، وعلى أن الإسلام والإيمان مترادفان وهو قول جماعة من المحدثين وجمهور المعتزلة والمتكلمين، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: { فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِين} [الذاريات: 35، 36] .
فاستثنى المسلمين من المؤمنين، والأصل في الاستثناء كون المستثنى من جنس المستثنى منه فيكون الإسلام هو الإيمان وردّ بقوله تعالى: { قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] .
فلو كان شيئًا واحدًا لزم إثبات شيء ونفيه في حالة واحدة وهو مُحال.
وأجيب بأن الإسلام المعتبر في الشرع لا يوجد بدون الإيمان، وهو في الآية بمعنى انقياد الظاهر من غير انقياد الباطن كما تقدم قريبًا، ثم استدل المؤلف أيضًا على مذهبه بقوله تعالى:

{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ} أي غير التوحيد والانقياد لحكم الله تعالى { دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] .
جواب الشرط.
ووجه الدلالة على ترادفهما أن الإيمان لو كان غير الإسلام لما كان مقبولاً، فتعين أن يكون عينه لأن الإيمان هو الدين والدين هو الإسلام لقوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) فينتج أن الإيمان هو الإسلام وسقط للكشميهني والحموي من قوله: ومن يبتغ إلخ.


[ قــ :27 ... غــ : 27 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَىَّ.
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا.
فَقَالَ «أَوْ مُسْلِمًا».
فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا».
ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ «يَا سَعْدُ، إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ».
وَرَوَاهُ يُونُسُ وَصَالِحٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
[الحديث طرفه في: 1478] .


وبسندي الذي قدّمته أول هذا التعليق إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي (قال أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة الأموي (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال أخبرني) بالإفراد (عامر بن سعد بن أبي وقاص) بتشديد القاف وسعد بسكون العين واسم أبي وقاص مالك القرشي المتوفى بالمدينة سنة ثلاث أو أربع ومائة (عن) أبيه (سعد) المذكور أحد العشرة المبشرة بالجنة المتوفى آخرهم بقصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة سنة سبع وخمسين، وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة ودفن بالبقيع، وله في البخاري عشرون حديثًا (رضي الله عنه).

(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى رهطاً) من المؤلفة شيئاً من الدنيا لما سألوه كما عند الإسماعيلي ليتألفهم لضعف إيمانهم، والرهط: العدد من الرجال لا امرأة فيهم من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو مما دون العشرة ولا واحد له من لفظه، وجمعه أرهط وأراهط وأرهاط وأراهيط.
(وسعد جالس) جملة اسمية وقعت حالاً ولم يقل أنا جالس كما هو الأْصل، بل جرّد من نفسه شخصًا وأخبر عنه ْبالجلوس أو هو من باب الالتفات من التكلم الذي هو مقتضى المقام إلى الغيبة كما هو قول صاحب المفتاح.

قال سعد: (فترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً) سأله أيضًا مع كونه أحب إليه ممن أعطى وهو جعيل بن سراقة الضمري المهاجري (هو أعجبهم إليّ) أي أفضلهم وأصلحهم في اعتقادي، والجملة نصب صفة لرجلاً، وكان السياق يقتضي أن يقول أعجبهم إليه لأنه قال وسعد جالس، بل قال إليَّ على طريق الالتفات من الغيبة إلى التكلم (فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان) أي أيّ سبب لعدولك عنه إلى غيره؟ ولفظ فلان كناية عن اسم أبهم بعد أن ذكر (فوالله إني لأراه مؤمنًا) بفتح الهمزة أي

أعلمه.
وفي رواية أبي ذر وغيره هنا كالزيادة لأراه بضمها بمعنى أظنه وبه جزم القرطبي في المفهم، وعبارته الرواية بضم الهمزة وكذا رواه الإسماعيلي وغيره.
ولم يجوزه النووي محتجًا بقوله الآتي، ثم غلبني ما أعلم منه لأنه راجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرارًا فلو لم يكن جازمًا باعتقاده لما كرر المراجعة.
وتعقب بأنه لا دلالة فيه على تعين الفتح لجواز إطلاق العلم على الظن الغالب نحو قوله تعالى: { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] .
أي العلم الذي يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات، وإنما سماه علمًا إيذانًا بأنه كالعلم في وجوب العمل به كما قاله البيضاوي.


وأجيب بأن قسم سعد وتأكيد كلامه بإن واللام ومراجعته للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتكرار نسبة العلم إليه يدل على أنه كان جازمًا باعتقاده (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي رواية الأصيلي وابن عساكر قال: (أو مسلمًا) بسكون الواو فقط بمعنى الإضراب على قول سعد وليس الإضراب هنا بمعنى إنكار كون الرجل مؤمنًا بل معناه النهي عن القطع بإيمان من لم يختبر حاله الخبرة الباطنة لأن الباطن لا يطّلع عليه إلا الله فالأولى التعبير بالإسلام الظاهر بل في الحديث إشارة إلى إيمان المذكور وهي قوله لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه قال سعد: (فسكت) سكوتًا (قليلاً ثم غلبني ما) أي الذي (أعلم منه فعدت) أي فرجعت (لمقالتي) مصدر ميمي بمعنى القول أي لقولي وثبت لأبي ذر وابن عساكر فعدت وسقط للأصيلي وأبي الوقت لفظ لمقالتي (فقلت) يا رسول الله (ما لك عن فلان فوالله إني لأراه) باللام وضم الهمزة وكذا رواه ابن عساكر ورواه أبو ذر أراه (مؤمنًا فقال) عليه الصلاة والسلام (أو مسلمًا فسكت) سكوتًا (قليلاً) وسقط للحموي قوله فسكت قليلاً (ثم غلبني ما) أي الذي (أعلم منه فعدت لمقالتي وعاد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وليس في رواية الكشميهني إعادة السؤال ثانيًا ولا الجواب عنه وإنما لم يقبل عليه الصلاة والسلام قول سعد في جعيل لأنه لم يخرج مخرج الشهادة وإنما هو مدح له وتوسل في الطلب لأجله ولهذا ناقشه في لفظه نعم في الحديث نفسه ما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام قبل قوله فيه وهو قوله (ثم قال) لمجيب مرشدًا له إلى الحكمة في إعطاء أولئك وحرمان جعيل مع كونه أحب إليه ممّن أعطاه (يا سعد إني لأعطي الرجل) الضعيف الإيمان العطاء أتألف قلبه به (وغيره أحب إليّ منه) جملة حالية وفي رواية أبي ذر والحموي والمستملي أعجب إلي منه (خشية أن يكبه الله) بفتح المثناة التحتية وضم الكاف ونصب الموحدة بأن أي لأجل خشية كبّ الله إياه أي إلقائه منكوسًا (في النار) لكفره إما بارتداده إن لم يعط، أو لكونه ينسب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى البخل، وأما من قوي إيمانه فهو أحب إلي فأكله إلى إيمانه ولا أخشى عليه رجوعًا عن دينه ولا سوءًا في اعتقاده، وفيه الكناية لأن الكب في النار من لازم الكفر فأطلق اللازم وأراد الملزوم.
وفي الحديث دلالة على جواز الحلف على الظن عند من أجاز ضم همزة أراه، وجواز الشفاعة إلى ولاة الأمور وغيرهم ومراددة الشفيع إذا لم يؤدّ إلى مفسدة، وأن المشفوع إليه لا عتب عليه إذا رد الشفاعة إذا كانت خلاف المصلحة، وأن الإمام يصرف الأموال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم، وأنه لا يقطع لأحد على التعيين بالجنة إلا العشرة البشرة، وأن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا قرن به الاعتقاد وعليه الإجماع كما مر.
واستدل به عياض لعدم ترادف الإيمان والإسلام، ولكنه لا يكون مؤمنًا إلا مسلمًا، وقد

يكون مسلمًا غير مؤمن، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وفيه ثلاثة رواة زهريون مدنيون وثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، ورواية الأكابر عن الأصاغر، وأخرجه المؤلف أيضًا في الزكاة ومسلم في الإيمان والزكاة.

قال المؤلف: (ورواه) بواو العطف وللأربعة بإسقاطها أي هذا الحديث أيضًا (يونس) بن يزيد الأيلي (وصالح) يعني ابن كيسان المدني (ومعمر) بفتح الميمين يعني ابن راشد البصري (وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم المتوفى فيما جزم به النووي في سنة اثنتين وخمسين ومائة.

هؤلاء الأربعة (عن الزهري) محمد بن مسلم بإسناده كما رواه شعيب عنه، فحديث يونس موصول في كتاب الإيمان لعبد الرحمن بن عمر الملقب رسته وهو قريب من سياق الكشميهني ليس فيه إعادة السؤال ولا الجواب عنه.
وحديث صالح موصول عند المؤلف في الزكاة.
وحديث معمر عند أحمد بن حنبل والحميدي وغيرهما عن عبد الرزاق عنه وقال فيه: أنه أعاد السؤال ثالثًا وحديث ابن أخي الزهري عند مسلم وساق فيه السؤال والجواب ثلاث مرات، والله تعالى أعلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ إذَا لَمْ يَكُنِ الإسْلاَمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وكانَ عَلَى الإستسْلاَمِ أَو الْخَوْفِ مِنَ الْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالىَ { قَالَتِ الاَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنَا} فَاذَا كانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهْوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكرُهُ { إنّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلاَمُ وَمَنْ يَبْتَغ غَيْرَ الاِسْلاَمِ دِيِناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} .

الْكَلَام فِيهِ على وُجُوه الاول: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ هُوَ أَن فِي الْبابُُ الأول ذكر الْإِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله، وَفِي هَذَا الْبابُُ يبين ان الْمُعْتَبر المعتد بِهِ من هَذَا الْإِيمَان مَا هُوَ.
الثَّانِي: يجوز فِي قَوْله بابُُ، الْوَجْهَانِ: أَحدهمَا الْإِضَافَة إِلَى الْجُمْلَة الَّتِي بعده، وَتَكون كلمة إِذا، للظرفية الْمَحْضَة، وَالتَّقْدِير: بابُُ حِين عدم كَون الْإِسْلَام على الْحَقِيقَة.
وَالْوَجْه الآخر: أَن يَنْقَطِع عَن الْإِضَافَة وَتَكون، إِذا، متضمنة معنى الشَّرْط، وَالْجَزَاء مَحْذُوف.
وَالتَّقْدِير: بابُُ إِن لم يكن الْإِسْلَام على الْحَقِيقَة لَا يعْتد بِهِ، أَو لَا يَنْفَعهُ، أَو لَا ينجيه، وَنَحْو ذَلِك.
وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ ارْتِفَاع بابُُ على انه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف.
اي: هَذَا بابُُ..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فان قلت إِذا، للاستقبال، وَلم، لقلب الْمُضَارع مَاضِيا، فَكيف اجْتِمَاعهمَا؟ قلت: إِذا، هُنَا لمُجَرّد الْوَقْت، وَيحْتَمل أَن يُقَال: لم، لنفي الْكَوْن المقلوب مَاضِيا، و: اذا، لاستقبال ذَلِك النَّفْي.
الثَّالِث: مُطَابقَة الْآيَات للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن التَّرْجَمَة أَن الْإِسْلَام إِذا لم يكن على الْحَقِيقَة لَا ينفع، والآيات تدل على ذَلِك على مَا لَا يخفى.
الرَّابِع: قَوْله: (على الاستسلام) اي الانقياد الظَّاهِر فَقَط وَالدُّخُول فِي السّلم وَلَيْسَ هَذَا إسلاما على الْحَقِيقَة، وإلاَّ لما صَحَّ نفي الايمان عَنْهُم، لَان الْإِيمَان والاسلام وَاحِد عِنْد البُخَارِيّ، وَكَذَا عِنْد آخَرين، لِأَن الْإِيمَان شَرط صِحَة الْإِسْلَام عِنْدهم.
قَوْله: (أَو الْخَوْف أَو الْقَتْل) أَي وَكَانَ الْإِسْلَام على الْخَوْف من الْقَتْل، وَكلمَة على التَّعْلِيل، قَوْله: (فَهُوَ على قَوْله) اي: فَهُوَ وَارِد على مُقْتَضى قَوْله، عز وَجل { ان الدّين عِنْد الله الاسلام} (آل عمرَان: 19) الْخَامِس: الْكَلَام فِي قَوْله تَعَالَى: { قَالَت الاعراب} (الحجرات: 14) الْآيَة، وَهُوَ على انواع.
الأول: فِي سَبَب نُزُولهَا، وَهُوَ مَا ذكره الواحدي: أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أَعْرَاب من بني أَسد بن خُزَيْمَة قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فِي سنة جدبة، واظهروا الشَّهَادَتَيْنِ وَلم يَكُونُوا مُؤمنين فِي السِّرّ، وافسدوا طرق الْمَدِينَة بالعذرات، واغلوا أسعارها، وَكَانُوا يَقُولُونَ لرَسُول لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَيْنَاك بالاثقال والعيال وَلم نقاتلك كَمَا قَاتلك بَنو فلَان، فَأَعْطِنَا من الصَّدَقَة، وَجعلُوا يمنون عَلَيْهِ، فَانْزِل الله تَعَالَى عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة.
النَّوْع الثَّانِي: فِي مَعْنَاهَا، فَقَوله: (الاعراب) هم: أهل البدو قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ وَفِي (الْعبابُ) : وَلَا وَاحِد للأعراب، وَلِهَذَا نسب إِلَيْهَا وَلَا ينْسب إِلَى الْجمع وَلَيْسَت الْأَعْرَاب جمعا للْعَرَب كَمَا كَانَت الأنباط جمعا للنبط، وَإِنَّمَا الْعَرَب اسْم جنس، سميت الْعَرَب لِأَنَّهُ نَشأ أَوْلَاد أسماعيل، عَلَيْهِ السَّلَام، بعربة، وَهِي من تهَامَة، فنسبوا إِلَى بلدهم، وكل من سكن بِلَاد الْعَرَب وجزيرتها ونطق بِلِسَان اهلها فَهُوَ عرب: يمنهم ومعدهم،.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: وَالْأَقْرَب عِنْدِي أَنهم سموا عربا باسم بلدهم العربات..
     وَقَالَ  اسحق بن الْفرج: عربة باجة الْعَرَب، وباجة الْعَرَب دَار أبي الفصاحة اسماعيل بن ابراهيم عَلَيْهِمَا السَّلَام، قَالَ: وفيهَا يَقُول قَائِلهمْ:
(وعربة أَرض مَا يُحِلُّ حرامَها ... من النَّاس إلاَّ اللوذعيُّ الحُلاحل)

يعْنى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، احلت لَهُ مَكَّة سَاعَة من نَهَار، ثمَّ هِيَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
قَالَ: واضطر الشَّاعِر إِلَى تسكين الرَّاء من عربة، فسكنها.
قلت: اللوذعي: الْخَفِيف الذكي، الظريف الذِّهْن، الْحَدِيد الْفُؤَاد، الفصيح اللِّسَان، كَأَنَّهُ يلذع بالنَّار من ذكائه وحرارته.
والحُلاحل، بِضَم الْحَاء الأولى وَكسر الثَّانِيَة كِلَاهُمَا مهملتان: السَّيِّد الركين.
وَيجمع على حَلاحل بِالْفَتْح.
قَوْله { آمنا} (الحجرات: 14) مقول قَوْلهم..
     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ الْإِيمَان: هُوَ التَّصْدِيق بِاللَّه مَعَ الثِّقَة وطمأنينة النَّفس، والاسلام: الدُّخُول فِي السّلم وَالْخُرُوج من ان يكون حَربًا للْمُؤْمِنين بِإِظْهَار الشَّهَادَتَيْنِ ألاَ ترى إِلَى قَوْله: { وَلما يدْخل الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ} (الحجرات: 14) فَاعْلَم أَن كل مَا يكون من الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ من غير مواطأة الْقلب فَهُوَ إِسْلَام، وَمَا واطأ فِيهِ الْقلب اللِّسَان فَهُوَ ايمان.
فان قلت: مَا وَجه قَوْله: { قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا اسلمنا} (الحجرات: 14) وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ نظم الْكَلَام أَن يُقَال: قل لَا تَقولُوا آمنا وَلَكِن قُولُوا اسلمنا؟ قلت: أَفَادَ هَذَا النّظم تَكْذِيب دَعوَاهُم أَولا، وَدفع مَا انتحلوه، فَقيل: قل لم تؤمنوا، وروعي فِي هَذَا النَّوْع من التَّكْذِيب أدب حسن حِين لم يُصَرح بِلَفْظِهِ، فَلم يقل: كَذبْتُمْ، وَاسْتغْنى بِالْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ: لم تؤمنوا، عَن أَن يُقَال: لَا تَقولُوا، الاستهجان أَن يخاطبوا بِلَفْظ مؤداه النَّهْي عَن القَوْل بِالْإِيمَان.
فان قلت: قَوْله: { وَلما يدْخل الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ} (الحجرات: 14) بعد قَوْله: { قل لم تؤمنوا} (الحجرات: 14) يشبه التّكْرَار من غير اسْتِقْلَال بفائدة متجددة.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك فَإِن فَائِدَة قَوْله { لم تؤمنوا} (الحجرات: 14) تَكْذِيب دَعوَاهُم وَقَوله: { وَلما يدْخل الايمان فِي قُلُوبكُمْ} (الحجرات: 14) تَوْقِيت لما امروا بِهِ ان يَقُولُوا، كَأَنَّهُ قيل لَهُم: وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا، حِين لم تثبت مواطأة قُلُوبكُمْ لألسنتكم.
النَّوْع الثَّالِث: قَالَ ابو بكر بن الطّيب: هَذِه الْآيَة حجَّة على الكرامية وَمن وافقهم من المرجئة فِي قَوْلهم: إِن الايمان هُوَ الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ دون عقد الْقلب، وَقد رد الله تَعَالَى قَوْلهم فِي مَوضِع آخر من كِتَابه فَقَالَ: { أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الايمان} (المجادلة: 22) وَلم يقل: كتب فِي ألسنتهم، وَمن أقوى مَا يرد عَلَيْهِم بِهِ الْإِجْمَاع على كفر الْمُنَافِقين، وَإِن كَانُوا قد اظهروا الشَّهَادَتَيْنِ.
النَّوْع الرَّابِع: أَن البُخَارِيّ اسْتدلَّ بِذكر هَذِه الْآيَة هَهُنَا على أَن الاسلام الْحَقِيقِيّ هُوَ الْمُعْتَبر وَهُوَ الْإِيمَان الَّذِي هُوَ عقد الْقلب الْمُصدق لإقرار اللِّسَان الَّذِي لَا ينفع عِنْد الله غَيره، أَلا ترى كَيفَ قَالَ تَعَالَى: { قل لم تؤمنوا} (الحجرات: 14) حَيْثُ قَالُوا بألسنتهم دون تَصْدِيق قُلُوبهم..
     وَقَالَ : { وَلما يدْخل الايمان فِي قُلُوبكُمْ} (الحجرات: 14) .

الْوَجْه السَّادِس: فِي قَوْله تَعَالَى: { ان الدّين عِنْد الله الاسلام} (آل عمرَان: 19) وَالْكَلَام فِيهِ على وُجُوه.
الأول: ان هَذِه الْجُمْلَة مستأنفة مُؤَكدَة للجملة الاولى، وَهِي قَوْله تَعَالَى: { شهد الله أَنه لَا اله الا هُوَ} (آل عمرَان: 18) الْآيَة، وقرىء بِفَتْح: أَن، على الْبَدَلِيَّة من الأول، كَأَنَّهُ قَالَ: شهد الله أَن الدّين عِنْد الله الاسلام، وَقَرَأَ أبي بن كَعْب: ان الدّين عِنْد الله للاسلام، بلام التَّأْكِيد فِي الْخَبَر.
الثَّانِي: قَالَ الْكَلْبِيّ: لما ظهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْمَدِينَةِ قدم عَلَيْهِ حبران من أَحْبَار أهل الشَّام، فَلَمَّا أبصرا الْمَدِينَة قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: مَا أشبه هَذِه الْمَدِينَة بِصفة مَدِينَة النَّبِي الَّذِي يخرج فِي آخر الزَّمَان، فَلَمَّا دخلا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعرفاه بِالصّفةِ والنعت قَالَا لَهُ: أَنْت مُحَمَّد؟ قَالَ: نعم.
قَالَا: وَأَنت أَحْمد؟ قَالَ: نعم، قَالَا: إِنَّا نَسْأَلك عَن شَهَادَة، فَإِن أَنْت أخبرتنا بهَا آمنا بك وَصَدَّقنَاك.
قَالَ لَهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (سلاني) .
فَقَالَا: أخبرنَا عَن أعظم شَهَادَة فِي كتاب الله تَعَالَى، فَأنْزل الله تَعَالَى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: { شهد الله} الى قَوْله { ان الدّين عِنْد الله الاسلام} (آل عمرَان: 19) ؛ فَأسلم الرّجلَانِ وصدقا برَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام.
الثَّالِث: ان البُخَارِيّ اسْتدلَّ بهَا على أَن الْإِسْلَام الْحَقِيقِيّ هُوَ الدّين، لِأَنَّهُ تَعَالَى أخبر أَن الدّين هُوَ الاسلام، فَلَو كَانَ غير الْإِسْلَام لما كَانَ مَقْبُولًا، وَاسْتدلَّ بهَا أَيْضا على أَن الْإِسْلَام والايمان وَاحِد، وأنهما مُتَرَادِفَانِ، وَهُوَ قَول جمَاعَة من الْمُحدثين، وَجُمْهُور الْمُعْتَزلَة والمتكلمين؛ وَقَالُوا أَيْضا: إِنَّه اسْتثْنى الْمُسلمين من الْمُؤمنِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: { فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} (الذاريات: 35) وَالْأَصْل فِي الِاسْتِثْنَاء أَن يكون الْمُسْتَثْنى من جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، فَيكون الْإِسْلَام هُوَ الْإِيمَان، وعورض بقوله تَعَالَى: { قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا} (الحجرات: 14) فَلَو كَانَ الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَاحِدًا لزم إِثْبَات شَيْء ونفيه فِي حَالَة وَاحِدَة، وانه محَال.

الْوَجْه السَّابِع فِي قَوْله تَعَالَى: { من يبتغ غير الاسلام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} (آل عمرَان: 19) وَالْكَلَام فِيهِ على وَجْهَيْن.
الأول: فِي مَعْنَاهُ، فَقَوله: { وَمن يبتغ} (آل عمرَان: 19) اي: وَمن يطْلب، من بغيت الشَّيْء طلبته، وبغيتك الشَّيْء طلبته لَك يُقَال بغى بغية وبغاء بِالضَّمِّ وبغاية.
قَوْله { فَلَنْ يقبل مِنْهُ} (آل عمرَان: 19) جَوَاب الشَّرْط.
قَوْله: { هُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين} (آل عمرَان: 19) اي: من الَّذين وَقَعُوا فِي الخسران مُطلقًا من غير تَقْيِيد، قصدا للتعميم.
وقرىء وَمن يبتغ غير الاسلام، بالادغام.
الثَّانِي: أَن البُخَارِيّ اسْتدلَّ بِهِ مثل مَا اسْتدلَّ بقوله: { ان الدّين عِنْد الله الاسلام} (آل عمرَان: 19) وَاسْتدلَّ بِهِ أَيْضا على اتِّحَاد الْإِيمَان وَالْإِسْلَام، لَان الْإِيمَان لَو كَانَ غير الْإِسْلَام لما كَانَ مَقْبُولًا.
واجيب: بِأَن الْمَعْنى: وَمن يبتغ دينا غير دين مُحَمَّد، عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَنْ يقبل مِنْهُ.
قلت: ظَاهره يدل على أَنه لَو كَانَ الْإِيمَان غير الاسلام لم يقبل قطّ، فَتعين أَن يكون عينه، لَان الْإِيمَان هُوَ الدّين، وَالدّين هُوَ الاسلام، لقَوْله تَعَالَى: { ان الدّين عِنْد الله الاسلام} (آل عمرَان: 19) فينتج أَن الْإِيمَان هُوَ الْإِسْلَام، وَقد حققنا الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى فِي أول كتاب الايمان.



[ قــ :27 ... غــ :27 ]
- حدّثنا أبُو اليَمَانِ قالَ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ أخبْرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبى وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدٍ رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطَى رَهْطاً وَسَعْدٌ جَالِسٌ فَتَرَكَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجُلاً هُوَ أعْجَبُهُمْ إلَيّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَالَكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللهِ إنّي لأَرَاِهُ مُؤْمِنَا فقالَ أوْ مُسْلِماً فَسَكَتُّ قَلِيلاً ثُم غَلَبَنِى مَا أعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ مَالكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللهِ إنِي لأَرَاهُ مُؤْمِناً فقالَ أوْ مُسلِماً ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْت لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ مَالكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللَّهِ إنِي لأَرَاهُ مُؤْمِناً فقالَ أوْ مُسلِماً ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْت لِمَقَالَتِي وَعَادَ رسولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قالَ يَا سَعْدُ إنى لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أحَبُّ إليَّ مِنْهُ خَشيَةَ أنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّار..
(الحَدِيث 27 طرفه فِي: 1478) .

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي أَن الاسلام إِن لم يكن على الْحَقِيقَة لَا يقبل، فَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (أَو مُسلما) لِأَن فِيهِ النَّهْي عَن الْقطع بِالْإِيمَان لِأَنَّهُ بَاطِن لَا يُعلمهُ إلاَّ الله، وَالْإِسْلَام مَعْلُوم بِالظَّاهِرِ..
     وَقَالَ  بَعضهم: مُنَاسبَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمُسلم يُطلق على من أظهر الْإِسْلَام، وَإِن لم يعلم بَاطِنه.
قلت: لَيست الْمُنَاسبَة إلاَّ مَا ذَكرْنَاهُ، فَإِن مَوْضُوع الْبابُُ لَيْسَ على إِطْلَاق الْمُسلم على من يظْهر الْإِسْلَام على مَا لَا يخفى.

(بَيَان رِجَاله:) وهم خَمْسَة.
الأول: ابو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي.
الثَّانِي: شُعَيْب بن ابي حَمْزَة الاموي.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الرَّابِع: عَامر بن سعد بن ابي وَقاص الْقرشِي الزُّهْرِيّ، سمع اباه وَعُثْمَان وَجَابِر بن سَمُرَة وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة، روى عَنهُ سعد بن الْمسيب وَسعد بن ابراهيم وَالزهْرِيّ وَآخَرُونَ، وَكَانَ ثِقَة كثير الحَدِيث، مَاتَ سنة ثَلَاث أَو أَربع وَمِائَة بِالْمَدِينَةِ، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الْخَامِس: ابو إِسْحَاق سعد بن ابي وَقاص، بِالْقَافِ الْمُشَدّدَة، من الوقص وَهُوَ الْكسر، واسْمه مَالك بن وهيب، وَيُقَال: اهيب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب الْقرشِي، اُحْدُ الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ، وَأحد السِّتَّة أَصْحَاب الشورى الَّذين جعل عمر بن الْخطاب، رَضِي الله عَنهُ، أَمر الْخلَافَة إِلَيْهِم، وَأمه حمْنَة بنت سُفْيَان اخي حَرْب، وأخوته بني امية ابْن عبد شمس، يلتقي سعد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كلاب، وَهُوَ الْأَب الْخَامِس، أسلم قَدِيما وَهُوَ ابْن ارْبَعْ عشرَة سنة بعد أَرْبَعَة، وَقيل بعد سِتَّة، وَشهد بَدْرًا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، وَكَانَ مجاب الدعْوَة، وَهُوَ اول من رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله، واول من أراق دَمًا فِي سَبِيل الله، وَكَانَ يُقَال لَهُ: فَارس الاسلام، وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، هَاجر إِلَى الْمَدِينَة قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اليها، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِائَتَا حَدِيث وَسَبْعُونَ حَدِيثا، اتفقَا مِنْهَا على خَمْسَة عشر وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِخَمْسَة، وَمُسلم بِثمَانِيَة عشر، روى لَهُ الْجَمَاعَة، وَهُوَ الَّذِي فتح مَدَائِن كسْرَى فِي زمن عمر، رَضِي الله عَنهُ، وولاه عمر الْعرَاق وَهُوَ الَّذِي بنى الْكُوفَة، وَلما قتل عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ إعتزل سعد الْفِتَن، وَمَات بقصره بالعقيق على عشرَة اميال من الْمَدِينَة سنة سبع وَخمسين وَقيل خمس وَهُوَ ابْن بضع وَسبعين سنة، وَحمل إِلَى الْمَدِينَة على أرقاب الرِّجَال، وَصلى عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ يَوْمئِذٍ وَالِي الْمَدِينَة، وَدفن بِالبَقِيعِ وَهُوَ آخر الْعشْرَة موتا، وَعَن مُحَمَّد بن سعد عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: أقبل سعد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فَقَالَ: هَذَا خَالِي فليرني امْرُؤ خَاله، وَذَلِكَ أَن أمه، عَلَيْهِ السَّلَام، آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف وَسعد هُوَ ابْن مَالك بن وهيب اخي وهب ابْني عبد منَاف، وَفِي الصَّحَابَة من اسْمه سعد فَوق الْمِائَة.
وَالله اعْلَم.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: ان فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة.
وَمِنْهَا: ان فِيهِ ثَلَاثَة زهريين مدنيين.
وَمِنْهَا: ان فِيهِ ثَلَاثَة تابعين يروي بَعضهم عَن بعض: ابْن شهَاب وعامر وَصَالح، وَصَالح اكبر من ابْن شهَاب لِأَنَّهُ اِدَّرَكَ ابْن عمر، رَضِي الله عَنْهُمَا.
وَمِنْهَا: ان فِيهِ رِوَايَة الأكابر عَن الاصاغر.
وَمِنْهَا: ان قَوْله: عَن سعد ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَكَذَا هُوَ هُنَا وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: عَن سعد هُوَ ابْن ابي وَقاص.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: اخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا عَن ابي الْيَمَان عَن شُعَيْب، وَأخرجه فِي الزَّكَاة عَن مُحَمَّد بن عَزِيز حَدثنَا يَعْقُوب بن ابراهيم عَن ابيه عَن صَالح، كِلَاهُمَا عَن الزُّهْرِيّ بِهِ عَن عَامر.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان وَالزَّكَاة، عَن ابْن عمر وَعَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ، وَعَن زُهَيْر عَن يَعْقُوب بن ابراهيم عَن ابيه عَن صَالح، كلهم عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، وَفِي الزَّكَاة عَن اسحاق بن ابراهيم وَعبد بن حميد انبأنا عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ، وَأخرجه ابو دَاوُد ايضاً من طَرِيق معمر، وَقد اعْترض على مُسلم فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث فِي قَوْله: عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ بِهِ وَرَوَاهُ الْحميدِي، وَسَعِيد بن عبد الرَّحْمَن، وَمُحَمّد بن الصَّباح الجرجراي، كلهم عَن سُفْيَان عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ عَن سفيانٍ ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي الاستدراكات على مُسلم، وَأجَاب النَّوَوِيّ بِأَنَّهُ يحْتَمل ان سُفْيَان سَمعه من الزُّهْرِيّ مرّة وَمن معمر عَن الزُّهْرِيّ، فَرَوَاهُ على الْوَجْهَيْنِ..
     وَقَالَ  بعض الشُّرَّاح: وَفِيمَا ذكره نظر، وَلم يبين وَجهه، وَوَجهه ان مُعظم الرِّوَايَات فِي الْجَوَامِع وَالْمَسَانِيد عَن ابْن عُيَيْنَة عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِزِيَادَة معمر بَينهمَا، وَالرِّوَايَات قد تظافرت عَن ابْن عُيَيْنَة باثبات معمر، وَلم يُوجد بإسقاطه إلاَّ عِنْد مُسلم، وَالْمَوْجُود فِي مُسْند شيخ مُسلم، مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر بِلَا إِسْقَاط، وَكَذَلِكَ اخْرُج ابو نعيم فِي مستخرجه من طَرِيقه، وَزعم ابو مَسْعُود فِي (الْأَطْرَاف) أَن الْوَهم من ابْن ابي عمر، وَيحْتَمل ذَلِك بِأَن صدر مِنْهُ الْوَهم لما حدث بِهِ مُسلما، وَلَكِن هَذَا احْتِمَال غير مُتَعَيّن، وَيحْتَمل ان يكون الْوَهم من مُسلم، وَيحْتَمل ان يكون مثل مَا قَالَه النَّوَوِيّ، وَبابُُ الِاحْتِمَالَات مَفْتُوح.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (رهطا) ، قَالَ ابْن التياني: قَالَ ابو زيد: الرَّهْط مَا دون الْعشْرَة من الرِّجَال،.

     وَقَالَ  صَاحب (الْعين) الرَّهْط عدد جمع من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، وَبَعض يَقُول من سَبْعَة إِلَى عشرَة، وَمَا دون السَّبْعَة إِلَى الثَّلَاثَة نفر، وَتَخْفِيف الرَّهْط أَحسن، تَقول: هَؤُلَاءِ رهطك وراهطك، وهم رجال عشيرتك.
وَعَن ثَعْلَبَة: الرَّهْط بَنو الْأَب الْأَدْنَى.
وَعَن النَّصْر: جَاءَنَا أرهوط مِنْهُم، مثل: اركوب، وَالْجمع أرهط وأراهط، وَفِي (الْمُحكم) : لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَقد يكون الرَّهْط من الْعشْرَة، وَفِي (الْجَامِع) و (الجمهرة) : الرَّهْط من الْقَوْم وَهُوَ مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَرُبمَا جاوزوا ذَلِك قَلِيلا ورهط الرجل بَنو أَبِيه وَيجمع على ارهط وَيجمع الْجمع على أرهاط.
وَفِي (الصِّحَاح) : رَهْط الرجل قومه وقبيلته.
يُقَال: هم رَهْط دينه، والرهط: مَا دون الْعشْرَة من الرِّجَال لَا يكون فيهم امْرَأَة، وَالْجمع أرهط وأرهاط وأراهط.
وَفِي (مجمع الغرائب) : الرَّهْط جمَاعَة غير كثيري الْعدَد.
قَوْله: (هُوَ أعجبهم إِلَيّ) أَي: أفضلهم وأصلحهم فِي اعتقادي.
قَوْله: (عَن فلَان) ، لَفْظَة: فلَان، كِنَايَة عَن اسْم سمي بِهِ الْمُحدث عَنهُ الْخَاص، وَيُقَال فِي غير النَّاس: الفلان والفلانة بالالف وَاللَّام.
قَوْله: (فعدت لمقالتي) يُقَال: عَاد لكذا، إِذا رَجَعَ إِلَيْهِ، والمقالة والمقال مصدران ميميان بِمَعْنى القَوْل.
قَوْله: (ان يكبه الله) ، بِفَتْح الْيَاء وَضم الْكَاف، أَي: يلقيه منكوساً، هَذَا من النَّوَادِر على عكس الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة، فَإِن الْمَعْرُوف أَن يكون الْفِعْل اللَّازِم بِغَيْر الْهمزَة، والمتعدي بِالْهَمْزَةِ، فان أكب لَازم، وكب متعدٍ وَنَحْوه: أحجم وحجم، وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا فِي كتاب الزَّكَاة، فَقَالَ: أكب الرجل إِذا كَانَ فعله غير وَاقع على أحد، فَإِذا وَقع الْفِعْل قلت: كَبه وكببته، وَجَاء نَظِير هَذَا فِي أحرف يسيرَة.
مِنْهَا: انْسَلَّ ريش الطَّائِر ونسلته، وأنزفت الْبِئْر ونزفتها أَنا، وأمريت النَّاقة درت لَبنهَا ومريتها أَنا، وأنشق الْبَعِير رفع رَأسه وشنقتها أَنا، وأقشع الْغَيْم وقشعته الرّيح وَحكى ابْن الاعرابي فِي الْمُتَعَدِّي: كَبه وأكبه مَعًا، وَفِي (الْعبابُ) يُقَال: كَبه الله لوجهه: صرعه على وَجهه، يُقَال: كب الله الْعَدو، وأكب على وَجهه: سقط.
وَهَذَا من النَّوَادِر، أَن يُقَال: أفعلت أَنا وَفعلت غَيْرِي.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعطى) تَقْدِير الْكَلَام عَن سعد، قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعطى، و: أعْطى، جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر إِن، و: رهطاً، مَنْصُوب على انه مفعول: أعْطى، وَقد علم أَن بابُُ: اعطيت، يجوز فِيهِ الِاقْتِصَار على أحد مفعوليه، تَقول: اعطيت زيدا، وَلَا تذكر مَا أَعْطيته، أَو أَعْطَيْت درهما، وَلَا تذكر من أعطتيه.
وَقَوله: (اعطى رهطا) ، من قبيل الأول، وَالتَّقْدِير: أعْطى رهطاً شَيْئا من الدُّنْيَا؛ بِخِلَاف أَفعَال الْقُلُوب فَإِنَّهُ لَا يجوز الِاقْتِصَار فِيهَا على أحد المفعولين عَن لِأَنَّهَا دَاخِلَة على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، فَكَمَا لَا يَسْتَغْنِي الْمُبْتَدَأ عَن الْخَبَر وَلَا الْخَبَر عَن الْمُبْتَدَأ، فَكَذَلِك لَا يَسْتَغْنِي أحد المفعولين عَن صَاحبه، وَلَكِن يجوز أَن يسكت عَنْهُمَا جَمِيعًا، ويجعلان نسياً منسياً، نَحْو قَوْله: من يسمع يخل، كَمَا فِي قَوْلهم: فلَان يُعْطي وَيمْنَع.
قَوْله: (وَسعد جَالس) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا.
قَوْله: (رجلا) ، مفعول لقَوْله: (ترك) واسْمه جعيل بن سراقَة الضمرِي، سَمَّاهُ الْوَاقِدِيّ فِي الْمَغَازِي.
قَوْله: (هُوَ أعجبهم إِلَيّ) ، جملَة اسمية فِي مَحل النصب على أَنَّهَا صفة لقَوْله: (رجلا) ، قَوْله: (مَا لَك عَن فلَان) ، أَي: أَي شَيْء حصل لَك أَعرَضت عَن فلَان، أَو عداك عَن فلَان، أَو من جِهَة فلَان، بِأَن لم تعطه؟ وَكلمَة: مَا، للاستفهام، و: اللَّام، تتَعَلَّق بِمَحْذُوف، وَكَذَلِكَ كلمة: عَن، وَهُوَ حصل فِي اللَّام، وأعرضت وَنَحْوه فِي: عَن قَوْله: (فوَاللَّه) مجرور بواو الْقسم.
قَوْله: (لأُراه) ، وَقع بِضَم الْهمزَة هَهُنَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَغَيره، وَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاة، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيره..
     وَقَالَ  ابو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ: الرِّوَايَة بِضَم الْهمزَة من: أرَاهُ، بِمَعْنى: أَظُنهُ..
     وَقَالَ  النووى: هُوَ بِفَتْح الْهمزَة، أَي: أعلمهُ، وَلَا يجوز ضمهَا على أَن يَجْعَل بِمَعْنى أَظُنهُ، لِأَنَّهُ قَالَ: ثمَّ غلبني مَا أعلم مِنْهُ، ولانه رَاجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَارًا، فَلَو لم يكن جَازِمًا باعتقاده لما كرر الْمُرَاجَعَة..
     وَقَالَ  بَعضهم: لَا دلَالَة فِيمَا ذكر على تعين الْفَتْح لجَوَاز إِطْلَاق الْعلم على الظَّن الْغَالِب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { فان علمتموهن مؤمنات} (الممتحنة: 10) سلمنَا، لَكِن لَا يلْزم من إِطْلَاق الْعلم أَن لَا تكون مقدماته ظنية، فَيكون نظرياً لَا يقينياً.
قلت: بل الَّذِي ذكره يدل على تعين الْفَتْح، لِأَن قسم سعد وتأكيد كَلَامه بِأَن وَاللَّام وصوغه فِي صُورَة الإسمية، ومراجعته إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتكرار نِسْبَة الْعلم إِلَيْهِ يدل على أَنه كَانَ جَازِمًا باعتقاده، وَهَذَا لَا يشك فِيهِ، وَقَوله: لَكِن لَا يلْزم من إِطْلَاق الْعلم الخ، لَا يساعد هَذَا الْقَائِل، لِأَن سَعْدا وَقت الْإِخْبَار كَانَ عَالما بِالْجَزْمِ، لما ذكرنَا من الدَّلَائِل عَلَيْهِ، فَكيف يكون نظرياً لَا يقينيا فِي ذَلِك الْوَقْت؟ .
قَوْله: (فَقَالَ) ، اي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، (أَو مُسلما) قَالَ القَاضِي: هُوَ بِسُكُون الْوَاو على أَنَّهَا: أَو، الَّتِي للتقسيم والتنويع، أَو للشَّكّ والتشريك، وَمن فتحهَا أَخطَأ وأحال الْمَعْنى، وَيُقَال: امْرَهْ أَن يقولهما مَعًا لِأَنَّهُ أحوط، لِأَن قَوْله: اَوْ مُسلما، لَا يقطع بايمانه.
وروى ابْن أبي شيبَة، عَن زيد بن حبَان، عَن عَليّ بن مسْعدَة الْبَاهِلِيّ؛ ثَنَا قَتَادَة، عَن انس يرفعهُ: (الاسلام عَلَانيَة والايمان فِي الْقلب ثمَّ يُشِير بِيَدِهِ إِلَى صَدره التَّقْوَى هَهُنَا، التَّقْوَى هَهُنَا) وَيرد هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي فِي (مُعْجَمه) فِي هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: (لَا تقل: مُؤمن قل: مُسلم) .
وَالَّذِي رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة: قَالَ ابْن عدي: هُوَ غير مَحْفُوظ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مَعْنَاهُ أَن لَفْظَة الْإِسْلَام أولى أَن يَقُولهَا لِأَنَّهَا مَعْلُومَة بِحكم الظَّاهِر، وَأما الْإِيمَان فباطن لَا يُعلمهُ إلاَّ الله تَعَالَى،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّحْرِير) فِي (شرح صَحِيح مُسلم) : هَذَا حكم على فلَان بِأَنَّهُ غير مُؤمن..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: لَيْسَ فِيهِ إِنْكَار كَونه مُؤمنا، بل مَعْنَاهُ النَّهْي عَن الْقطع بِالْإِيمَان لعدم مُوجب الْقطع، وَقد غلط من توهم كَونه حكما بِعَدَمِ الْإِيمَان، بل فِي الحَدِيث إِشَارَة إِلَى إيمَانه، وَهُوَ قَوْله: (لأعطي الرجل وَغَيره أحب إِلَيّ مِنْهُ) ..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فعلى هَذَا التَّقْدِير لَا يكون الحَدِيث دَالا على مَا عقد لَهُ الْبابُُ، وَأَيْضًا لَا يكون لرد الرَّسُول، عَلَيْهِ السَّلَام، على سعد فَائِدَة، وَلَئِن سلمنَا أَن فِيهِ إِشَارَة إِلَيْهِ فَذَلِك حصل بعد تكْرَار سعد إخْبَاره بإيمانه، وَجَاز أَن يُنكر أَولا ثمَّ يسلم آخرا، لحُصُول أَمر يُفِيد الْعلم بِهِ..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَهُوَ تعقب مَرْدُود، وَلم يبين وَجهه، ثمَّ قَالَ: وَقد بَينا وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة قبل.
قلت: قد بَينا نَحن أَيْضا هُنَاكَ أَن الَّذِي ذكره لَيْسَ بِوَجْه صَحِيح، فليعد إِلَيْهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (قَلِيلا) نصب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي: سكُوتًا قَلِيلا.
قَوْله: (مَا أعلم) كلمة مَا، مَوْصُولَة فِي مَحل الرّفْع على أَنه فَاعل: غلبني، قَوْله: (غَيره أحب إِلَيّ مِنْهُ) : جملَة اسمية وَقعت حَالا، وَهَكَذَا هُوَ عِنْد أَكثر الروَاة.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (أعجب إِلَيّ) ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ بعد قَوْله: (أحب إِلَيّ مِنْهُ، وَمَا أعْطِيه إلاَّ مَخَافَة أَن يكبه الله) .
إِلَى آخِره قَوْله: (خشيَة) ، نصب على أَنه مفعول لَهُ لأعطي، أَي: لأجل خشيَة أَن يكبه الله، بِإِضَافَة خشيَة إِلَى مَا بعده، وَأَن، مَصْدَرِيَّة.
وَالتَّقْدِير: لاجل خشيَة كب الله إِيَّاه فِي النَّار..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: سَوَاء فِيهِ رِوَايَة التَّنْوِين مَعَ تنكيره، وَتَقْدِيره: لأجل خشيَة من أَن يكبه الله.
وَرِوَايَة الْإِضَافَة مَعَ تعريفة لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى أَن مَعَ الْفِعْل، وَأَن مَعَ الْفِعْل معرفَة، وَيجوز فِي الْمَفْعُول لأَجله التَّعْرِيف والتنكير.
قلت: لَا حَاجَة فِيهِ إِلَى تَقْدِير: من، لعدم الدَّاعِي إِلَى تقديرها، بل لَفْظَة: خشيَة، مُضَاف إِلَى مَا بعْدهَا على التَّقْدِير الَّذِي ذَكرْنَاهُ، فَافْهَم.

بَيَان الْمعَانِي وَالْبَيَان: فِيهِ حذف الْمَفْعُول الثَّانِي من بابُُ: اعطيت فِي الْمَوْضِعَيْنِ الأول: فِي قولهِ أعْطى رهطاً، وَالثَّانِي: فِي قَوْله: إِنِّي لاعطي الرجل، تَنْبِيها على التَّعْمِيم بِأَيّ شَيْء كَانَ، أَو جعل الْمُتَعَدِّي إِلَى اثْنَيْنِ كالمتعدي إِلَى وَاحِد، وَالْمعْنَى إِيجَاد هَذِه الْحَقِيقَة، يَعْنِي ايجاد الْإِعْطَاء.
والفائدة فيهمَا قصد الْمُبَالغَة، وَفِيه من بابُُ الإلتفات، وَهُوَ فِي قَوْله: (أعجبهم إِلَيّ) لِأَن السِّيَاق كَانَ يَقْتَضِي أَن يُقَال: اعجبهم إِلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ: وَسعد جَالس، وَلم يقل: وَأَنا جَالس، وَهُوَ الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى التَّكَلُّم.
وَأما قَوْله: (وَسعد جَالس) فَفِيهِ وَجْهَان.
الأول: أَن يكون فِيهِ الْتِفَات على قَول صَاحب (الْمِفْتَاح) من التَّكَلُّم الَّذِي هُوَ مُقْتَضى الْمقَام إِلَى الْغَيْبَة، واما على قَول غَيره، فَلَيْسَ فِيهِ الْتِفَات لأَنهم شرطُوا أَن يكون الِانْتِقَال من التَّكَلُّم وَالْخطاب والغيبة محققاً.
وَصَاحب (الْمِفْتَاح) لم يشْتَرط ذَلِك، بل قَالَ: الِانْتِقَال أَعم أَن يكون محققاً أَو مُقَدرا.
وَالْوَجْه الثَّانِي: ان يكون هَذَا من بابُُ التَّجْرِيد، وَهُوَ ان يجرد من نَفسه شخصا ويخبر عَنهُ، وَذَلِكَ أَن الْقيَاس فِي قَوْله: (وَسعد جَالس) أَن يَقُول: وَأَنا جَالس، وَلكنه جرد من نَفسه ذَلِك وَأخْبر عَنهُ بقوله: (جَالس) وَهُوَ من محسنات الْكَلَام من الضروب المعنوية الراجعة إِلَى وَظِيفَة البلاغة، وَفِيه من بابُُ الْكِنَايَة: وَهُوَ فِي قَوْله: (خشيَة ان يكبه الله) ، لِأَن الكب فِي النَّار لَازم الْكفْر، فَأطلق اللَّازِم وَأَرَادَ الْمَلْزُوم، وَهُوَ كِنَايَة، وَلَيْسَ بمجاز.
فَإِن قلت: لم لَا يكون مجَازًا من بابُُ إِطْلَاق الْمَلْزُوم وَإِرَادَة اللَّازِم إِذْ الْمُلَازمَة فِي الْكِنَايَة لَا بُد ان تكون مُسَاوِيَة؟ قلت: شَرط الْمجَاز امْتنَاع معنى الْمجَاز والحقيقة، وَهَهُنَا لَا امْتنَاع فِي اجْتِمَاع الْكفْر والكب، فَهُوَ كِنَايَة لَا غير.
فَإِن قلت: الكب قد يكون للمعصية، فَلَا يسْتَلْزم الْكفْر.
قلت: المُرَاد من الكب كب مَخْصُوص لَا يكون إلاَّ للْكَافِرِ، وإلاَّ فَلَا تصح الْكِنَايَة أَيْضا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِن المُرَاد كب مَخْصُوص لَان معنى قَوْله: (خشيَة أَن يكبه الله فِي النَّار) مَخَافَة من كفره الَّذِي يُؤَدِّيه إِلَى كب الله إِيَّاه فِي النَّار، وَالضَّمِير فِي: يكبه، للرجل فِي قَوْله: (إِنِّي لأعطي الرجل) أَي: اتألف قلبه بالإعطاء مَخَافَة من كفره إِذا لم يُعْط، وَالتَّقْدِير: أَنا أعطي من فِي إيمَانه ضعف، لِأَنِّي أخْشَى عَلَيْهِ لَو لم أعْطه أَن يعرض لَهُ اعْتِقَاد يكفر بِهِ فيكبه الله تَعَالَى فِي النَّار، كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى الْمُؤَلّفَة أَو إِلَى من، إِذْ منع نسب الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الْبُخْل، وَأما من قوي إيمَانه فَهُوَ أحب إِلَيّ فَأَكله إِلَى ايمانه وَلَا أخْشَى عَلَيْهِ رُجُوعا عَن دينه وَلَا سوء اعْتِقَاد، وَلَا ضَرَر فِيمَا يحصل لَهُ من الدُّنْيَا.
وَالْحَاصِل ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُوسع الْعَطاء لمن أظهر الْإِسْلَام تألفاً، فَلَمَّا أعْطى الرَّهْط وهم من الْمُؤَلّفَة، وَترك جعيلاً وَهُوَ من الْمُهَاجِرين، مَعَ أَن الْجَمِيع سَأَلُوهُ، خاطبه سعد، رَضِي الله عَنهُ، فِي أمره، لِأَنَّهُ كَانَ يرى أَن جعيلاً أَحَق مِنْهُم لما اختبر مِنْهُ دونهم، وَلِهَذَا رَاجع فِيهِ أَكثر من مرّة، فَنَبَّهَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأمرين: احدهما: نبهه على الْحِكْمَة فِي إِعْطَاء أُولَئِكَ الرَّهْط، وَمنع جعيل مَعَ كَونه أحب إِلَيْهِ مِمَّن أعْطى، لانه لَو ترك إِعْطَاء الْمُؤَلّفَة لم يُؤمن ارتدادهم فيكبون فِي النَّار.
وَالْآخر: نبهه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنه يَنْبَغِي التَّوَقُّف عَن الثَّنَاء بِالْأَمر الْبَاطِن دون الثَّنَاء بِالْأَمر الظَّاهِر.
فَإِن قلت: كَيفَ لم يقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَهَادَة مثل سعد، رَضِي الله عَنهُ، لجعيل بالايمان؟ قلت: قَوْله: (فوَاللَّه، إِنِّي لاراه مُؤمنا) لم يخرج الشَّهَادَة، وَإِنَّمَا خرج مخرج الْمَدْح لَهُ، والتوسل فِي الطّلب لأَجله، فَلهَذَا ناقشه فِي لَفظه.
وَفِي الحَدِيث مَا يدل على أَنه قبل قَوْله فِيهِ وَهُوَ قَوْله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (يَا سعد إِنِّي لاعطي الرجل) الخ.
وَمِمَّا يدل على ذَلِك مَا رُوِيَ فِي مُسْند مُحَمَّد بن هَارُون الرَّوْيَانِيّ وَغَيره، بِإِسْنَادِهِ صَحِيح إِلَى أبي سَالم الجيشاني: (عَن أبي ذَر، رَضِي الله عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لَهُ: كَيفَ ترى جعيلا؟ قَالَ: قلت: كشكله من النَّاس، يَعْنِي الْمُهَاجِرين.
قَالَ: فَكيف ترى فلَانا؟ قَالَ: قلت: سيداً من سَادَات النَّاس.
قَالَ: فجعيل خير من مَلأ الأَرْض من فلَان.
قَالَ: قلت: ففلان هَكَذَا وانت تصنع بِهِ مَا تصنع! قَالَ: إِنَّه رَأس قومه.
فَأَنا أتألفهم بِهِ) .
انْتهى فَهَذِهِ منزلَة جعيل، رَضِي الله عَنهُ، عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك علم أَن حرمانه وَإِعْطَاء غَيره كَانَ لمصْلحَة التَّأْلِيف.

بَيَان استنباط الاحكام: وَهُوَ على وُجُوه.
الأول: فِيهِ جَوَاز الشَّفَاعَة، إِلَى وُلَاة الْأَمر وَغَيرهم.
الثَّانِي: فِيهِ مُرَاجعَة الْمَشْفُوع إِلَيْهِ فِي الْأَمر الْوَاحِد إِذا لم يؤد إِلَى مفْسدَة.
الثَّالِث: فِيهِ الْأَمر بالتثبت وَترك الْقطع بِمَا لَا يعلم فِيهِ الْقطع.
الرَّابِع: فِيهِ أَن الإِمَام يصرف الْأَمْوَال فِي مصَالح الْمُسلمين الأهم فالأهم.
الْخَامِس: فِيهِ أَن الْمَشْفُوع إِلَيْهِ لَا عتب عَلَيْهِ اذا رد الشَّفَاعَة اذا كَانَت خلاف الْمصلحَة، السَّادِس: فِيهِ أَنه يَنْبَغِي أَن يعْتَذر إِلَى الشافع وَيبين لَهُ عذره فِي ردهَا.
السَّابِع: فِيهِ أَن الْمَفْضُول يُنَبه الْفَاضِل على مَا يرَاهُ مصلحَة لينْظر فِيهِ الْفَاضِل.
الثَّامِن: فِيهِ أَنه لَا يقطع لأحد على التَّعْيِين بِالْجنَّةِ إلاَّ من ثَبت فِيهِ النَّص، كالعشرة المبشرة بِالْجنَّةِ.
التَّاسِع: فِيهِ أَن الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ لَا ينفع إلاَّ إِذا اقْترن بِهِ الِاعْتِقَاد بِالْقَلْبِ، وَعَلِيهِ الْإِجْمَاع، وَلِهَذَا كفر المُنَافِقُونَ.
وَاسْتدلَّ بِهِ جمَاعَة على جَوَاز قَول الْمُسلم: أَنا مُؤمن، مُطلقًا من غير تَقْيِيده بقوله: ان شَاءَ الله تَعَالَى.
قَالَ القَاضِي: فِيهِ حجَّة لمن يَقُول بِجَوَاز قَوْله: أَنا مُؤمن، من غير اسْتثِْنَاء، ورد على من أَبَاهُ.
وَقد اخْتلف فِيهَا من لدن الصَّحَابَة، رَضِي الله عَنْهُم، إِلَى يَوْمنَا هَذَا، وكل قَول إِذا حقق كَانَ لَهُ وَجه، فَمن لم يسْتَثْن أخبر عَن حكمه فِي الْحَال، وَمن اسْتثْنى أَشَارَ إِلَى غيب مَا سبق لَهُ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَإِلَى التَّوسعَة فِي الْقَوْلَيْنِ ذهب الْأَوْزَاعِيّ وَغَيره، وَهُوَ قَول أهل التَّحْقِيق نظرا إِلَى مَا قدمْنَاهُ، ورفعا للْخلاف.
الْعَاشِر: قَالُوا: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز الْحلف على الظَّن، وَهِي: يَمِين اللَّغْو، وَهُوَ قَول مَالك وَالْجُمْهُور.
قلت: قد اخْتلف الْعلمَاء فِي يَمِين اللَّغْو على سِتَّة اقوال: أَحدهَا: قَول مَالك كَمَا ذَكرُوهُ عَنهُ،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: هِيَ أَن يسْبق لِسَانه إِلَى الْيَمين من غير أَن يقْصد الْيَمين، كَقَوْل الْإِنْسَان: لَا وَالله وبلى وَالله وَاسْتدلَّ بِمَا رُوِيَ عَن عائشةِ رَضِي الله عَنْهَا، مَرْفُوعا: (إِن لَغْو الْيَمين قَول الْإِنْسَان لَا وَالله وبلى وَالله) .
وَحكى ذَلِك مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة، رَضِي الله عَنهُ، وَأما الْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا أَن: لَغْو الْيَمين هُوَ الْحلف على أَمر يَظُنّهُ كَمَا قَالَ، وَالْحَال أَنه خِلَافه كَقَوْلِه فِي الْمَاضِي: وَالله مَا دخلت الدَّار، وَهُوَ يظنّ أَنه لم يدخلهَا، وَالْأَمر خلاف ذَلِك، وَفِي الْحَال عَمَّن يقبل: وَالله إِنَّه لزيد، وَهُوَ يظنّ أَنه زيد فَإِذا هُوَ عَمْرو.
الْحَادِي عشر: قَالَ القَاضِي عِيَاض: هَذَا الحَدِيث أصح دَلِيل على الْفرق بَين الْإِسْلَام وَالْإِيمَان، وان الْإِيمَان بَاطِن وَمن عمل الْقلب، وَالْإِسْلَام ظَاهر وَمن عمل الْجَوَارِح، لَكِن لَا يكون مُؤمن إلاَّ مُسلما، وَقد يكون مُسلم غير مُؤمن، وَلَفظ هَذَا الحَدِيث يدل عَلَيْهِ..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذَا الحَدِيث ظَاهره يُوجب الْفرق بَين الْإِسْلَام وَالْإِيمَان، فَيُقَال لَهُ: مُسلم، أَي: مستسلم، وَلَا يُقَال لَهُ: مُؤمن، وَهُوَ معنى الحَدِيث.
قَالَ الله تَعَالَى: { قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا} (الحجرات: 14) أَي: استسلمنا.
وَقد يتفقان فِي اسْتِوَاء الظَّاهِر وَالْبَاطِن، فَيُقَال للْمُسلمِ: مُؤمن، وللمؤمن: مُسلم.
وَقد حققنا الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى فِي أول كتاب الْإِيمَان.

ورواهُ يُونُسُ وَصَالِحٌ وَمَعْمَرٌ وابْنُ أخي الزُّهْرِيِّ عَن الزُّهْرِيِّ.

أَي: روى هَذَا الحَدِيث هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة عَن الزُّهْرِيّ، وتابعوا شعيبا فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ، فَيَزْدَاد قُوَّة بِكَثْرَة طرقه.

وَفِي هَذَا وَشبهه من قَول التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبابُُ عَن فلَان وَفُلَان إِلَى آخِره.
فَوَائِد إِحْدَاهَا هَذِه.
الثَّانِيَة: أَن تعلم رُوَاته ليتتبع رواياتهم ومسانيدهم من يرغب فِي شَيْء من جمع الطّرق أَو غَيره، لمعْرِفَة مُتَابعَة أَو استشهاد أَو غَيرهمَا.
الثَّالِثَة: ليعرف أَن هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين رَوَوْهُ، فقد يتَوَهَّم من لَا خبْرَة لَهُ أَنه لم يروه غير ذَلِك الْمَذْكُورَة فِي الْإِسْنَاد، فَرُبمَا رَآهُ فِي كتاب آخر عَن غَيره، فيتوهمه غَلطا.
وَزعم أَن الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ من جِهَة فلَان، فَإِذا قيل فِي الْبابُُ: عَن فلَان وَفُلَان وَنَحْو ذَلِك، زَالَ الْوَهم الْمَذْكُور.
الرَّابِعَة: الْوَفَاء بِشَرْطِهِ صَرِيحًا، إِذْ شَرطه على مَا قيل أَن يكون لكل حَدِيث راويان فَأكْثر.
الْخَامِسَة: أَن يصير الحَدِيث مستفيضا، فَيكون حجَّة عِنْد الْمُجْتَهدين الَّذين اشترطوا كَون الحَدِيث مَشْهُورا فِي تَخْصِيص الْقُرْآن وَنَحْوه، والمستفيض أَي: الْمَشْهُور مَا زَاد نقلته على الثَّلَاث.

قَوْله (يُونُس) : هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَقد مر ذكره.
(وَصَالح) هُوَ ابْن كيسَان الْمدنِي، وَرِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ من رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر، لِأَنَّهُ أسن من الزُّهْرِيّ وَقد مر ذكره أَيْضا.
و (معمر) بِفَتْح الميمين، ابْن رَاشد الْبَصْرِيّ، وَقد تقدم ذكره أَيْضا.
(وَابْن أخي الزُّهْرِيّ) هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهَاب بن عبد الله بن الْحَارِث بن زهرَة بن كلاب الزُّهْرِيّ ابْن أخي مُحَمَّد الإِمَام أبي بكر الزُّهْرِيّ الْمَشْهُور، روى عَن عَمه مُحَمَّد، وروى عَنهُ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم سعد والدراوردي والقعنبي، روى عَنهُ: البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة وَالْأَضَاحِي، وَمُسلم فِي الْإِيمَان وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة،.

     وَقَالَ  الْحَاكِم أَبُو عبد الله بن البيع فِي كتاب (الْمدْخل) : وَمِمَّا عيب على البُخَارِيّ وَمُسلم إخراجهما حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الله ابْن أخي الزُّهْرِيّ، أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي الْأُصُول، وَمُسلم فِي الشواهد،.

     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، يكْتب حَدِيثه..
     وَقَالَ  فِيهِ ابْن معن: ضَعِيف..
     وَقَالَ  ابْن عدي: وَلم أر بحَديثه بَأْسا، وَلَا رَأَيْت لَهُ حَدِيثا مُنْكرا..
     وَقَالَ  عَبَّاس عَن يحيى بن معِين: ابْن أخي الزُّهْرِيّ أمثل من أبي أويس،.

     وَقَالَ  مرّة فِيهِ: لَيْسَ بذلك الْقوي.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: قَتله غلمانه بِأَمْر ابْنه، وَكَانَ ابْنه سَفِيها شاطرا، قَتله للميراث فِي آخر خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور، توفّي أَبُو جَعْفَر سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَة، ثمَّ وثب غلمانه على ابْنه بعد سِنِين فَقَتَلُوهُ، وَجزم النَّوَوِيّ فِي شَرحه بِأَن مُحَمَّدًا هَذَا، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَة.
أما رِوَايَة يُونُس عَن الزُّهْرِيّ فَهِيَ مَوْصُولَة فِي كتاب الْإِيمَان لعبد الرَّحْمَن بن عمر الزُّهْرِيّ الملقب رسته، بِضَم الرَّاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا تَاء مثناة من فَوق وَبعدهَا هَاء، وَلَفظه قريب من سِيَاق الْكشميهني.
وَأما رِوَايَة صَالح عَن الزُّهْرِيّ فَهِيَ مَوْصُولَة عِنْد البُخَارِيّ فِي كتاب الزَّكَاة.
وَأما رِوَايَة معمر عَنهُ فَهِيَ مَوْصُولَة عِنْد أَحْمد بن حَنْبَل والْحميدِي وَغَيرهمَا عَن عبد الرَّزَّاق عَنهُ،.

     وَقَالَ  فِيهِ إِنَّه إِنَّمَا أعَاد السُّؤَال ثَلَاثًا.
وَعند أبي دَاوُد أَيْضا، من طَرِيق معمر عَنهُ، وَلَفظه: (إِنِّي أعطي رجلا وأدع من أحب إِلَيّ مِنْهُم لَا أعْطِيه شَيْئا مَخَافَة أَن يكبوا فِي النَّار على وُجُوههم) .
وَأما رِوَايَة ابْن أبي الزُّهْرِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، فَهِيَ مَوْصُولَة عِنْد مُسلم، وَفِيه السُّؤَال وَالْجَوَاب ثَلَاث مَرَّات،.

     وَقَالَ  فِي آخِره: خشيَة أَن يكب على الْبناء للْمَفْعُول، وَفِي رِوَايَته لَطِيفَة وَهِي رِوَايَة أَرْبَعَة من بني زهرَة: هُوَ، وَعَمه، وعامر، وَأَبوهُ.
على الْوَلَاء، وَالله تَعَالَى أعلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ إذَا ذَكَرَ فِي المَسْجِدِ أنَّهُ جُنُبٌ يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلَا يَتَيَمَّمُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من إِذا ذكر فِي الْمَسْجِد أَنه جنب، وَحكمه أَنه يخرج على حَالَته وَلَا يحْتَاج إِلَى التَّيَمُّم قَوْله: ( ذكر) من الْبابُُ الَّذِي مصدره الذّكر بِضَم الذَّال، لَا من الْبابُُ الَّذِي مصدره الذّكر بِالْكَسْرِ؟ وَهَذِه دقة لَا يفهمها إلاَّ من لَهُ ذوق من نكات الْكَلَام، فَلذَلِك فسر بَعضهم قَوْله: ذكر بقوله: تذكر فَلَو ذاق هَذَا مَا ذَكرْنَاهُ لما احْتَاجَ إِلَى تَفْسِير، فعل يتفعل.
قَوْله: ( يخرج) رِوَايَة أبي ذَر وكريمة وَرِوَايَة غَيرهمَا.
( خرج) قَوْله: ( كَمَا هُوَ) أَي: على هَيئته وحاله جنياً وَقَوله: ( وَلَا يتَيَمَّم) توضيح لقَوْله كَمَا هُوَ.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مَا مَوْصُولَة وموصوفة وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي كالأمر الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَو كحالة هُوَ عَلَيْهَا قلت على كل تَقْدِير هَذِه الْجُمْلَة محلهَا النصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي يخرج.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أَيْضا فَإِن قلت: تَسْمِيَة هَذِه الْكَاف، بكاف الْمُقَارنَة تصرف مِنْهُ، واصطلاح، بل الْكَاف، هُنَا للتشبيه على أَصله وَنظر ذَلِك قَوْلك لشخص: كن أَنْت عَلَيْهِ وَالْمعْنَى: على مَا أَنْت عَلَيْهِ، ثمَّ فِي هَذَا وُجُوه من الْإِعْرَاب.
الأول: أَن تكون مَا مَوْصُولَة وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: كَالَّذي هُوَ عَلَيْهِ من الْجَنَابَة.
الثَّانِي: أَن يكون هُوَ خَبرا مَحْذُوف الْمُبْتَدَأ، وَالتَّقْدِير: كَالَّذي هُوَ عَلَيْهِ، كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى: { اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} ( سُورَة الْأَعْرَاف: 138) أَي: كَالَّذي هُوَ لَهُم آلِهَة.
وَالثَّالِث: أَن تكون مَا زَائِدَة ملغاة عَن الْعَمَل وَالْكَاف، جَارة، وَهُوَ ضمير مَرْفُوع أنيب عَن الْمَجْرُور، كَمَا فِي قَوْله: مَا أَنا كَانَت وَالْمعْنَى: يخرج فِي الْمُسْتَقْبل مماثلاً لنَفسِهِ فِيمَا مضى.
وَالرَّابِع: أَن تكون مَا، كَافَّة، وَهُوَ مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر، أَي: عَلَيْهِ، أَو كَائِن.
وَالْخَامِس: أَن تكون مَا كَافَّة، وه، فَاعل، وَالْأَصْل: يخرج كَمَا كَانَ، ثمَّ حذفت كَانَ فانفصل الضَّمِير، وعَلى هَذَا الْوَجْه يجوز أَن تكون مَا مَصْدَرِيَّة.


[ قــ :27 ... غــ :27 ]
- ( حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن عمر قَالَ أخبرنَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أُقِيمَت الصَّلَاة وَعدلت الصُّفُوف قيَاما وَخرج إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذكر أَنه جنب فَقَالَ لنا مَكَانكُمْ ثمَّ رَجَعَ فاغتسل ثمَّ خرج إِلَيْنَا وَرَأسه يقطر فَكبر فصلينا مَعَه) مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ المسندي تقدم فِي بابُُ أُمُور الْإِيمَان وَعُثْمَان بن عَمْرو بن فَارس أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ وَيُونُس بن يزِيد وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم وَأَبُو سَلمَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف تقدمُوا فِي بابُُ الْوَحْي ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد والعنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وأيلي ومدني.
( ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن إِسْحَاق الكوسج عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن الْأَوْزَاعِيّ بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ نَحوه وَعَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِهِ مُخْتَصرا وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن الْفضل عَن الْوَلِيد بن مُسلم نَحْو حَدِيث زُهَيْر بن حَرْب فِي الصَّلَاة عَن مَحْمُود بن خَالِد وَدَاوُد بن رشيد كِلَاهُمَا عَن الْوَلِيد بن مُسلم نَحْو حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مُوسَى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن عَمْرو بن عُثْمَان الْحِمصِي عَن الْوَلِيد بن مُسلم نَحوه.
( ذكر مَعَانِيه) قَوْله " أُقِيمَت الصَّلَاة " المُرَاد من الْإِقَامَة ذكر الْأَلْفَاظ الْمَخْصُوصَة الْمَشْهُورَة المشعرة بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاة وَهِي أُخْت الْأَذَان كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي قلت مَعْنَاهُ إِذا نَادَى الْمُؤَذّن بِالْإِقَامَةِ فأقيم الْمُسَبّب مقَام السَّبَب قَوْله " وَعدلت " أَي سويت وتعديل الشَّيْء تقويمه يُقَال عدلته فاعتدل أَي قومته فاستقام وَفِي رِوَايَة فعدلت الصُّفُوف قبل أَن يخرج إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبَين البُخَارِيّ ذَلِك فِي الصَّلَاة فِي رِوَايَة صَالح بن كيسَان أَنه كَانَ قبل أَن يكبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للصَّلَاة قَوْله " قيَاما " جمع قَائِم كتجار بِكَسْر التَّاء جمع تَاجر وَيجوز أَن يكون مصدرا جَارِيا على حَقِيقَته.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي فَهُوَ تَمْيِيز أَو مَحْمُول على اسْم الْفَاعِل فَهُوَ حَال ( قلت) إِذا كَانَ لفظ قيَاما مصدرا يكون مَنْصُوبًا على التَّمْيِيز لِأَن فِي قَوْله وَعدلت الصُّفُوف فِيهِ إِبْهَام فيفسره قَوْله قيَاما أَي من حَيْثُ الْقيام وَإِذا كَانَ جمعا لقائم يكون انتصابه على الحالية وَذُو الْحَال مَحْذُوف تَقْدِيره وَعدل الْقَوْم الصُّفُوف حَال كَونهم قَائِمين قَوْله " فِي مُصَلَّاهُ " بِضَم الْمِيم وَهُوَ مَوضِع صلَاته قَوْله " ذكر " من بابُُ الذّكر بِضَم الذَّال وَهُوَ الذّكر القلبي فَلَا يحْتَاج إِلَى تَفْسِير ذكر بِمَعْنى تذكر كَمَا فسره بَعضهم هَكَذَا قَوْله " فَقَالَ لنا مَكَانكُمْ " بِالنّصب أَي الزموا مَكَانكُمْ.

     وَقَالَ  بَعضهم وَفِيه إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل فَإِن فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن مَكَانكُمْ ( قلت) لَيْسَ فِيهِ إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل بل القَوْل على حَاله وَرِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ لَا تَسْتَلْزِم ذَلِك لاحْتِمَال الْجمع بَين الْكَلَام وَالْإِشَارَة ( فَإِن قلت) إِذا كَانَ القَوْل على بابُُه فَيكون وَاقعا فِي الصَّلَاة ( قلت) لَيْسَ كَذَلِك بل كَانَ ذكره أَنه جنب قبل أَن يكبر وَقبل أَن يدْخل فِي الصَّلَاة كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح ( فَإِن قلت) فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه ( قَامَ إِلَى الصَّلَاة وَكبر ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهِم فَمَكَثُوا ثمَّ انْطلق فاغتسل وَكَانَ رَأسه يقطر مَاء فصلى بهم فَلَمَّا انْصَرف قَالَ إِنِّي خرجت إِلَيْكُم جنبا وَإِنِّي أنسيت حَتَّى قُمْت فِي الصَّلَاة) وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أنس ( دخل فِي صَلَاة فَكبر وَكَبَّرْنَا مَعَه ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَوْم كَمَا أَنْتُم) وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد من حَدِيث عَليّ ( كَانَ قَائِما فصلى بهم إِذا انْصَرف) وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من حَدِيث أبي بكرَة ( دخل فِي صَلَاة الْفجْر فَأَوْمأ بِيَدِهِ أَن مَكَانكُمْ) وَفِي رِوَايَة أُخْرَى ( ثمَّ جَاءَ وَرَأسه يقطر فصلى بهم) وَفِي أُخْرَى لَهُ مُرْسلَة " فَكبر ثمَّ أَوْمَأ إِلَى الْقَوْم أَن اجلسوا " وَفِي مُرْسل ابْن سِيرِين وَعَطَاء وَالربيع بن أنس " كبر ثمَّ أَوْمَأ إِلَى الْقَوْم أَن اجلسوا " ( قلت) هَذَا كُله لَا يُقَاوم الَّذِي فِي الصَّحِيح وَأَيْضًا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا " ثمَّ رَجَعَ فاغتسل فَخرج إِلَيْنَا وَرَأسه يقطر فَكبر " فَلَو كَانَ كبر أَولا لما كَانَ يكبر ثَانِيًا على أَنه اخْتلف فِي الْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات فَقيل أُرِيد بقوله كبر أَرَادَ أَن يكبر عملا بِرِوَايَة الصَّحِيح قبل أَن يكبر وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فِي البُخَارِيّ فانتظرنا تكبيره وَقيل إنَّهُمَا قضيتان أبداه الْقُرْطُبِيّ احْتِمَالا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ أَنه الْأَظْهر وأبداه ابْن حبَان فِي صَحِيحه فَقَالَ بعد أَن أخرج الرِّوَايَتَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَحَدِيث أبكر بكرَة وَهَذَانِ فعلان فِي موضِعين متباينين خرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مرّة فَكبر ثمَّ ذكر أَنه جنب فَانْصَرف فاغتسل ثمَّ جَاءَ فاستأنف بهم الصَّلَاة وَجَاء مرّة أُخْرَى فَلَمَّا وَقع ليكبر ذكر أَنه جنب قبل أَن يكبر فَذهب فاغتسل ثمَّ رَجَعَ فَأَقَامَ بهم الصَّلَاة من غير أَن يكون بَين الْخَبَرَيْنِ تضَاد وَلَا تهاتر وَقَول أبي بكرَة فصلى بهم أَرَادَ بذلك بَدَأَ بتكبير مُحدث لِأَنَّهُ رَجَعَ فَبنى على صلَاته إِذْ محَال أَنه يذهب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليغتسل وَيبقى النَّاس كلهم قيَاما على حالتهم من غير إِمَام إِلَى أَن يرجع انْتهى.
وَلما رأى مَالك هَذَا الحَدِيث مُخَالفا لأصل الصَّلَاة قَالَ أَنه خَاص بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وروى بعض أَصْحَابنَا أَن انتظارهم لَهُ هَذَا الزَّمن الطَّوِيل بعد أَن كبروا من قبيل الْعَمَل الْيَسِير فَيجوز مثله ( فَإِن قلت) كَيفَ قلت كبروا ( قلت) لِأَن الْعَادة جَارِيَة بِأَن تَكْبِير الْمَأْمُومين يَقع عقيب تَكْبِير إمَامهمْ وَلَا يُؤَخر ذَلِك إِلَّا الْقَلِيل من أهل الوسوسة ( فَإِن قلت) إِذا ثَبت أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكبر فَكيف كبروا وَأَيْضًا فَكيف أَشَارَ إِلَيْهِم وَلم يتَكَلَّم وَلم انتظروه قيَاما ( قلت) أما تكبيرهم فعلى رِوَايَة تَكْبِير النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأما قَوْلك وَلم يتَكَلَّم فَيردهُ مَجِيء قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَكَانكُمْ ( فَإِن قلت) إِذا أثبت أَنه تكلم بِهَذِهِ اللَّفْظَة فالإشارة لماذا ( قلت) يحْتَمل أَنه جمع بَين الْكَلَام وَالْإِشَارَة أَو يكون الرَّاوِي روى أَحدهمَا بِالْمَعْنَى ( فَإِن قلت) هَل اقْتصر على الْإِقَامَة الأولى أَو أنشأ إِقَامَة ثَانِيَة ( قلت) لم يَصح فِيهِ نقل وَلَو فعله لنقل قَوْله " ثمَّ رَجَعَ " أَي إِلَى الْحُجْرَة قَوْله " وَرَأسه يقطر " جملَة اسمية وَقعت حَالا على أَصْلهَا بِالْوَاو وَقَوله " يقطر " أَي من مَاء الْغسْل وَنسبَة الْقطر إِلَى الرَّأْس مجَاز من قبيل ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال.
( ذكر استنباط الْأَحْكَام) فِيهِ تَعْدِيل الصُّفُوف وَهُوَ مُسْتَحبّ بِالْإِجْمَاع.

     وَقَالَ  ابْن حزم فرض على الْمَأْمُومين تَعْدِيل الصُّفُوف الأول فَالْأول والتراص فِيهَا والمحاذاة بالمناكب والأرجل ( فَإِن قلت) فِي رِوَايَة أُقِيمَت الصَّلَاة فقمنا فعدلنا الصُّفُوف قبل أَن يخرج فَكيف هَذَا وَقد جَاءَ " إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تقوموا حَتَّى تروني " ( قلت) لَعَلَّه كَانَ مرّة أَو مرَّتَيْنِ لبَيَان الْجَوَاز أَو لعذر أول لَعَلَّ قَوْله " فَلَا تقوموا حَتَّى تروني " بعد ذَلِك ( فَإِن قلت) مَا الْحِكْمَة فِي هَذَا النَّهْي ( قلت) لِئَلَّا يطول عَلَيْهِم الْقيام وَلِأَنَّهُ قد يعرض لَهُ عَارض فَيتَأَخَّر بِسَبَب.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء من السّلف فَمن بعدهمْ مَتى يقوم النَّاس إِلَى الصَّلَاة وَمَتى يكبر الإِمَام فَذهب الشَّافِعِي وَطَائِفَة إِلَى أَنه يسْتَحبّ أَن لَا يقوم أحد حَتَّى يفرغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة وَكَانَ أنس يقوم إِذا قَالَ الْمُؤَذّن قد قَامَت الصَّلَاة وَبِه قَالَ أَحْمد.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة والكوفيون يقومُونَ فِي الصَّفّ إِذا قَالَ حَيّ على الصَّلَاة فَإِذا قَالَ قد قَامَت الصَّلَاة كبر الإِمَام وَحَكَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن سُوَيْد بن غَفلَة وَقيس بن أبي سَلمَة وَحَمَّاد.

     وَقَالَ  جُمْهُور الْعلمَاء من السّلف وَالْخلف لَا يكبر الإِمَام حَتَّى يفرغ الْمُؤَذّن ( قلت) مَذْهَب مَالك أَن السّنة عِنْده أَن يشرع الإِمَام فِي الصَّلَاة بعد فرَاغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة وندائه باستواء الصَّفّ وَعِنْدنَا يشرع عِنْد التَّلَفُّظ بقوله قد قَامَت الصَّلَاة.

     وَقَالَ  زفر إِذا قَالَ قد قَامَت الصَّلَاة قَامُوا وَإِذا قَالَ ثَانِيًا افتتحوا وَعَن أبي يُوسُف أَنه يشرع عقيب الْفَرَاغ من الْإِقَامَة مُحَافظَة على القَوْل بِمثل مَا يَقُوله الْمُؤَذّن وَبِه قَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ.
وَفِيه أَن الإِمَام إِذا طَرَأَ لَهُ مَا يمنعهُ من التَّمَادِي اسْتخْلف بِالْإِشَارَةِ لَا بالْكلَام وَهُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ لأَصْحَاب مَالك حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ وَفِيه جَوَاز الْبناء فِي الْحَدث وَهُوَ قَوْله أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى.
وَفِيه جَوَاز النسْيَان على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي الْعِبَادَات.
وَفِيه كَمَا قَالَ ابْن بطال حجَّة لمَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة أَن تَكْبِير الْمَأْمُوم يَقع بعد تَكْبِير الإِمَام وَهُوَ قَول عَامَّة الْفُقَهَاء قَالَ وَالشَّافِعِيّ أجَاز تَكْبِير الْمَأْمُوم قبل إِمَامه أَي فِيمَا إِذا أحرم مُنْفَردا ثمَّ نوى الِاقْتِدَاء فِي أثْنَاء الصَّلَاة لِأَنَّهُ روى حَدِيث أبي هُرَيْرَة على مَا رَوَاهُ مَالك عَن إِسْمَاعِيل بن أبي الحكم عَن عَطاء بن يسَار أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كبر فِي صَلَاة من الصَّلَوَات ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهِم بِيَدِهِ أَن امكثوا فَلَمَّا قدم كبر وَالشَّافِعِيّ لَا يَقُول بالمرسل وَمَالك الَّذِي رَوَاهُ لم يعْمل بِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي صَحَّ عِنْده أَنه لم يكبر انْتهى.
( قلت) ذكر ابْن بطال أَن أَبَا حنيفَة مَعَ مَالك غير صَحِيح لِأَن مَذْهَب أبي حنيفَة أَن الْمَأْمُوم يجب عَلَيْهِ أَن يكبر مَعَ الإِمَام مُقَارنًا وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد يكبر بعده ثمَّ قيل الْخلاف فِي الْأَفْضَلِيَّة.
وَفِيه مَا اسْتدلَّ بِهِ البُخَارِيّ على أَن الْجنب إِذا دخل فِي الْمَسْجِد نَاسِيا فَذكر فِيهِ أَنه جنب يخرج وَلَا يتَيَمَّم فَلذَلِك ذكر فِي التَّرْجَمَة بقوله يخرج كَمَا هُوَ وَلَا يتَيَمَّم.

     وَقَالَ  ابْن بطال من التَّابِعين من يَقُول أَن الْجنب إِذا نسي فَدخل الْمَسْجِد فَإِنَّهُ يتَيَمَّم وَيخرج قَالَ والْحَدِيث يرد عَلَيْهِم ( قلت) من الَّذين ذَهَبُوا إِلَى التَّيَمُّم الثَّوْريّ واسحق قَالَ وَكَذَا قَول أبي حنيفَة فِي الْجنب الْمُسَافِر يمر على مَسْجِد فِيهِ عين مَاء فَإِنَّهُ يتَيَمَّم وَيدخل الْمَسْجِد فيستقي ثمَّ يخرج المَاء من الْمَسْجِد وَفِي نَوَادِر ابْن أبي زيد من نَام فِي الْمَسْجِد ثمَّ احْتَلَمَ يَنْبَغِي أَن يتَيَمَّم لِخُرُوجِهِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي لَهُ العبور فِي الْمَسْجِد من غير لبث كَانَت لَهُ حَاجَة أَو لَا وَمثله عَن الْحسن وَابْن الْمسيب وَعَمْرو بن دِينَار وَأحمد وَعَن الشَّافِعِي لَهُ الْمكْث فِيهِ إِذا تَوَضَّأ.

     وَقَالَ  دَاوُد والمزني يجوز لَهُ الْمكْث فِيهِ مُطلقًا واعتبره بالمشرك وتعلقوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ( الْمُؤمن لَا ينجس) وروى سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه بِسَنَد جيد عَن عَطاء " رَأَيْت رجَالًا من الصَّحَابَة يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِد وَعَلَيْهِم الْجَنَابَة إِذا توضؤوا للصَّلَاة " وَحَدِيث وَفد ثَقِيف وَإِنْزَالهمْ فِي الْمَسْجِد وَأهل الصّفة وَغَيرهم كَانُوا يبيتُونَ فِي الْمَسْجِد وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول يجلس الْجنب فِيهِ ويمر فِيهِ إِذا تَوَضَّأ ذكره ابْن الْمُنْذر وَاحْتج من أَبَاحَ العبور بقوله تَعَالَى { وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل} قَالَ الشَّافِعِي قَالَ بعض الْعلمَاء الْقُرْآن مَعْنَاهُ لَا تقربُوا مَوَاضِع الصَّلَاة وَأجَاب من منع بِأَن المُرَاد بِالْآيَةِ نفس الصَّلَاة وَحملهَا على مَكَانهَا مجَازًا وَحملهَا على عمومها أَي لَا تقربُوا الصَّلَاة وَلَا مَكَانهَا على هَذِه الْحَال إِلَّا أَن تَكُونُوا مسافرين فَتَيَمَّمُوا وأقربوا ذَلِك وصلوا وَقد نقل الرَّازِيّ عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس أَن المُرَاد بعابري السَّبِيل الْمُسَافِر يعْدم المَاء يتَيَمَّم وَيُصلي وَالتَّيَمُّم لَا يرفع الْجَنَابَة فأبيح لَهُم الصَّلَاة تَخْفِيفًا.
وَفِي طَهَارَة المَاء الْمُسْتَعْمل لِأَنَّهُ خرج وَرَأسه يقطر.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى ينطف وَهِي بمعناها
( تَابعه عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ) أَي تَابع عُثْمَان ابْن عمر عبد الْأَعْلَى السَّامِي بِالسِّين الْمُهْملَة عَن معمر بِفَتْح الْمِيم بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَهَذِه مُتَابعَة نَاقِصَة وَهُوَ تَعْلِيق للْبُخَارِيّ وَهُوَ مَوْصُول عِنْد الإِمَام أَحْمد عَن عبد الْأَعْلَى قَوْله " وَرَوَاهُ " أَي روى هَذَا الحَدِيث عبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَرِوَايَته مَوْصُولَة عِنْد البُخَارِيّ فِي أَوَائِل أَبْوَاب الْإِمَامَة كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

     وَقَالَ  بَعضهم ظن بَعضهم أَن السَّبَب فِي التَّفْرِقَة بَين قَوْله تَابعه وَبَين قَوْله وَرَوَاهُ كَون الْمُتَابَعَة وَقعت بِلَفْظِهِ وَالرِّوَايَة بِمَعْنَاهُ وَلَيْسَ كَمَا ظن بل هُوَ من التفنن فِي الْعبارَة انْتهى.
( قلت) أَرَادَ بقوله ظن بَعضهم الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرحه فَإِن قلت لم قَالَ أَولا تَابعه وَثَانِيا رَوَاهُ قلت لم يقل وَتَابعه الْأَوْزَاعِيّ إِمَّا لِأَنَّهُ لم ينْقل لفظ الحَدِيث بِعَيْنِه بل رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ إِذْ الْمَفْهُوم من الْمُتَابَعَة الْإِتْيَان بِمثلِهِ على وَجهه بِلَا تفَاوت وَالرِّوَايَة أَعم من ذَلِك وَإِمَّا لِأَنَّهُ يكون موهما بِأَنَّهُ تَابع عُثْمَان أَيْضا وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ لَا وَاسِطَة بَين الْأَوْزَاعِيّ وَالزهْرِيّ وَإِمَّا للتفنن فِي الْكَلَام أَو لغير ذَلِك انْتهى فَهَذَا كَمَا رَأَيْت جَوَاب الْكرْمَانِي عَنهُ بِثَلَاثَة أجوبة وَكلهَا جِيَاد وَالْجَوَاب الَّذِي استحسنه هَذَا الْقَائِل من الْكرْمَانِي أَيْضا وَلَكِن قَصده الغمز فِيهِ حَيْثُ يَأْخُذ ثمَّ ينْسبهُ إِلَى الظَّن مَعَ علمه بِأَن الَّذِي اخْتَارَهُ بمعزل عَن هَذَا الْفَنّ