هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
196 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمَانَ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ ؟ - قَالَ : حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ - فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ ، فَمَرِضَ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ ؟ فَقَالَ : غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ ؟ قَالَ : قِيلَ لِي : لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ ، فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قال : حصن كان لدوس في الجاهلية فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه ، فاجتووا المدينة ، فمرض ، فجزع ، فأخذ مشاقص له ، فقطع بها براجمه ، فشخبت يداه حتى مات ، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه ، فرآه وهيئته حسنة ، ورآه مغطيا يديه ، فقال له : ما صنع بك ربك ؟ فقال : غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما لي أراك مغطيا يديك ؟ قال : قيل لي : لن نصلح منك ما أفسدت ، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم وليديه فاغفر
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It is narrated on the authority of Jabir that Tufail son of Amr al-Dausi came to the Apostle (ﷺ) and said:

Do you need strong, fortified protection? The tribe of Daus had a fort in the pre-Islamic days. The Apostle (ﷺ) declined this offer, since it (the privilege of protecting the Holy Prophet) had already been reserved for the Ansar. When the Apostle (ﷺ) migrated to Medina, Tufail son of Amr also migrated to that place, and there also migrated along with him a man of his tribe. But the climate of Medina did not suit him, and he fell sick. He felt very uneasy. So he took hold of an iron head of an arrow and cut his finger-joints. The blood streamed forth from his hands, till he died. Tufail son of Amr saw him in a dream. His state was good and he saw him with his hands wrapped. He (Tufail) said to him: What treatment did your Allah accord to you? He replied. Allah granted me pardon for my migration to the Apostle (ﷺ): He (Tufail) again said: What is this that I see you wrapping up your hands? He replied: I was told (by Allah): We would not set right anything of yours which you damaged yourself. Tufail narrated this (dream) to the Messenger of Allah (ﷺ). Upon this he prayed: O Allah I grant pardon even to his hands.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [116] فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ) فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ فِي مَنَامِهِ وَهَيْئَتِهِ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ) .

     قَوْلُهُ  فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ هُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ الثَّانِيَةِ ضَمِيرُ جَمْعٍ وَهُوَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الطُّفَيْلِ وَالرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَمَعْنَاهُ كَرِهُوا الْمُقَامَ بِهَا لِضَجَرٍ وَنَوْعٍ مِنْ سَقَمٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا اجْتَوَيْتُ الْبَلَدَ إِذَا كَرِهْتُ الْمَقَامَ بِهِ وَإِنْ كُنْتُ فِي نِعْمَةٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَصْلُهُ مِنَ الْجَوَى وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الْجَوْفَ وَقَولُهُ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ جَمْعُ مِشْقَصٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ قال الخليل وبن فَارِسٍ وَغَيْرُهُمَا هُوَ سَهْمٌ فِيهِ نَصْلٌ عَرِيضٌ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ سَهْمٌ طَوِيلٌ لَيْسَ بِالْعَرِيضِ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ الْمِشْقَصُ مَا طَالَ وَعَرُضَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ هُنَا لِقَوْلِهِ قَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْعَرِيضِ.

.
وَأَمَّا الْبَرَاجِمُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْجِيمِ فَهِيَ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ وَاحِدَتهَا برجمة وقوله فَشَخَبَتْ يَدَاهُ هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ سَالَ دَمُهُمَا وَقِيلَ سَالَ بِقُوَّةٍ وَقَولُهُ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ ذَكَرَهُمَا بن السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَهِيَ الْعِزُّ وَالِامْتِنَاعُ مِمَّنْ يُرِيدُهُ وَقِيلَ الْمَنَعَةُ جَمْعُ مَانِعٍ كَظَالِمِ وَظَلَمَةٍ أَيْ جَمَاعَةً يَمْنَعُونَكَ مِمَّنْ يَقْصِدُكَ بِمَكْرُوهٍ أَمَّا أَحْكَامُ الْحَدِيثِ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِقَاعِدَةٍ عظيمةلِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً غَيْرَهَا وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا يُقْطَعُ لَهُ بِالنَّارِ بَلْ هُوَ فِي حُكْمِ الْمَشِيئَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْقَاعِدَةِ وَتَقْرِيرُهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ شَرْحٌ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي قَبْلَهُ الْمُوهِمُ ظَاهِرُهَا تَخْلِيدَ قَاتِلِ النَّفْسِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ عُقُوبَةِ بَعْضِ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي فَإِنَّ هَذَا عُوقِبَ فِي يَدَيْهِ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تَضُرُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( باب فِي الرِّيحِ الَّتِي تَكُونُ قُرْبَ الْقِيَامَةِ تَقْبِضُ ( مَنْ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ)

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [116] وَمنعه بِفَتْح الْمِيم وَفِي النُّون الْفَتْح والإسكان وَالْفَتْح أفْصح الْعِزَّة والامتناع مِمَّن يُريدهُ وَقيل المنعة بِالْفَتْح جمع مَانع كظلمة وظالم أَي جمَاعَة يمنعوك مِمَّن يقصدوك بمكروه وَهَاجَر مَعَه رجل من قومه فاجتووا الْمَدِينَة أَي كَرهُوا الْمقَام بهَا لضجر وَنَوع من سقم قَالَ أهل اللُّغَة اجتويت الْبَلَد إِذا كرهت الْمقَام بِهِ وَإِن كنت فِي نعْمَة وَأَصله من الجوى دَاء يُصِيب الْجوف مشاقص بِفَتْح الْمِيم والمعجمة وقاف وصاد مُهْملَة جمع مشقص بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْقَاف سهم فِيهِ نصل عريض وَقيل سهم طَوِيل لَيْسَ بالعريض.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي مَا طَال وَعرض قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن قطع البراجم لَا يحصل إِلَّا بالعريض براجمه بِفَتْح الْمُوَحدَة وَكسر الْجِيم مفاصل الْأَصَابِع وَاحِدهَا برجمة فشخبت بِفَتْح الشين وَالْخَاء الْمُعْجَمَة سَأَلَ دَمهَا وَقيل سَأَلَ بِقُوَّة

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن جابر رضي الله عنه أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومنعة؟ ( قال حصن كان لدوس في الجاهلية) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
للذي ذخر الله للأنصار.
فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
هاجر إليه الطفيل بن عمرو.
وهاجر معه رجل من قومه.
فاجتووا المدينة.
فمرض، فجزع فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات.
فرآه الطفيل بن عمرو في منامه.
فرآه وهيئته حسنة.
ورآه مغطيا يديه.
فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت.
فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه فاغفر.


المعنى العام

قدم الطفيل بن عمرو الدوسي من وطنه باليمن إلى مكة، وكان من وجهاء قومه، فخافت قريش أن يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، فحذرته منه بأنه يفرق بين المرء وزوجه، وبأنه ساحر إلخ، فدفعه حب الاستطلاع إلى القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث لا يشعر، فسمع منه بعض آيات القرآن الكريم، فوقعت في قلبه، فما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته أدركه الطفيل، فطلب منه أن يعرض عليه الإسلام فأسلم، ورجع إلى قومه، ودعاهم إلى الإسلام، فكان ممن أجابه أبو هريرة رضي الله عنه وجماعة من أهله، وبعد مدة رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى إيذاء قريش له وللمسلمين، فعرض عليه أن يهاجر إلى اليمن ويقيم في حصن دوس المنيع، وفي حماية جماعة من قوم الطفيل المسلمين، فاعتذر عن الهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان ربه قد أراه أرض طيبة، وأعلمه أنها أرض الهجرة، ولم يكن قد أذن له فيها، فعاد الطفيل إلى أهله، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبعد بدر وأحد والخندق، وفي عمرة القضية هاجر الطفيل بن عمرو، ومعه رجل من قومه، واستقر بهم المقام في المدينة، لكن هواءها لم يناسبهما، فأصابتهما بعض الأمراض، واشتد المرض بصاحبه، وبرحت به الآلام، فلم يطق عليها صبرا، فأخذ سهما عريضا حادا كالسكين، وقطع به أصابعه، ففجر شرايينه، فسال دمه بغزارة، ولم ينقطع حتى مات، فرآه الطفيل في المنام، رآه حسن الهيئة، وقد كان يعلم أنه مات عاصيا بانتحاره، فتعجب من حسن هيئته فقال له: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي خطاياي بفضل هجرتي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، قال له: فما بالك تغطي يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فبقي الأذى الذي فعلته، بقي في يدي.
فقص الطفيل رؤياه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعلم منه أنها حق، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن تشمل المغفرة والرحمة اليدين، كما شملت الرجل كله، فقال اللهم وليديه فاغفر.

المباحث العربية

( هل لك في حصن حصين) الحصن: القصر المسور بسور خاص لحماية من به من الأعداء، والوصف بحصين للتأكيد، فعيل بمعنى اسم الفاعل، أي محصن من بداخله.

( ومنعة) بفتح الميم، وبفتح النون وإسكانها لغتان، والفتح أفصح، وهي: العز والامتناع ممن يريده، فهي بمعنى الحصن الحصين، والعطف تفسيري، وقيل: المنعة جمع مانع، كظلمة جمع ظالم، أي جماعة يمنعونك ممن يقصدك بمكروه.

( قال: حصن كان لدوس في الجاهلية) أي قال الطفيل ذلك تكميلا لعرضه وحصن خبر لمبتدأ محذوف.
أي ما أعرضه عليك حصن كان لدوس قبيلتي.

( فأبى ذلك) أي لم يقبل العرض.

( للذي ذخر الله للأنصار) اللام في للذي لام العاقبة.
أي رفض العرض لتكون العاقبة [الفضل والشرف الذي ادخره الله] لأهل المدينة ( الأنصار) .

( هاجر إليه الطفيل) كانت هجرة الطفيل في عمرة القضية، وقيل: قدم مع أبي هريرة في خيبر.

( وهاجر معه رجل من قومه) لم أقف على اسمه.
ولعل الرواة أغفلوا اسمه ( كدأبهم) للستر على أصحاب المعاصي.

( فاجتووا المدينة) بفتح الواو الأولى وضم الثانية، وضمير الجمع يعود على الطفيل والرجل المذكور ومن يتصل بهما، ومعناه: كرهوا المقام بها لضجر ونوع سقم.
وأصله من الجوى وهو يصيب الجوف.
وقال أبو عبيد: اجتويت البلدة كرهت المقام بها، وإن وافقتك في بدنك واستوبلتها إذا أحببتها وإن لم توافقك في بدنك.
وفي رواية فاجتوى المدينة فمرض فجزع فأخذ بالإفراد في الجميع.
وهي أنسب.

( فأخذ مشاقص له) بفتح الميم والشين وبالقاف والصاد جمع مشقص، وهو سهم فيه نصل عريض، وقيل: سهم طويل ليس بالعريض، والأول هو الظاهر هنا، لقوله فقطع بها ولا يحصل ذلك إلا بالعريض، ولعله جرب مشقصا ثم مشقصا ثم مشقصا، حتى قطع، ولهذا جاء بصيغة الجمع مشاقص.

( فقطع بها براجمه) البراجم بفتح الباء وبالجيم: مفاصل الأصابع واحدها برجمة.
قال أبو عبيد: الرواجب والبراجم مفصل الأصابع.
وقال ابن العربي: الرواجب رءوس العظام في ظهر الكف، والبراجم المفاصل التي تحتها.

( فشخبت يداه) بفتح الشين والخاء.
أي سال دمها، وقيل: سال بقوة.

والذي أتصوره أنه شخبت يد واحدة قطع براجمها باليد الأخرى، والتثنية بناء على أنه أمسك اليد المقطوعة باليد السليمة القاطعة، فسال الدم منهما، واحدة بالفعل وواحدة في الصورة، أو بناء على أن اليدين سال دمهما وخرج عن طريق يد واحدة، وهذا احتمال بعيد، كاحتمال أن يكون قد قطع بعضا من براجم يده.
ثم أمسك المشقص بما بقي فيها من أصابع فقطع براجم الأخرى، فشخبت اليدان.

( ورآه مغطيا يديه) تثنية يديه هنا وفي قوله مغطيا يديك وقول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر ربما أيدت التصور الأخير: وأنه قطع بعض براجم كل من اليدين.
فدعوى أن قبح اليدين وأذاهما باعتبار أن إحداهما قاطعة فأوخذت وشوهت والأخرى مقطوعة مشوهة لم تصلح.

( فقصها الطفيل) أي قص الرؤيا.

( اللهم وليديه فاغفر) الواو عاطفة على محذوف.
أي اللهم فاغفر له وليديه.

فقه الحديث

استدل به أهل السنة على أن من قتل نفسه، أو ارتكب كبيرة غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة يجوز أن يعفو الله عنه، ويجوز أن يعاقبه على ذنبه.

فإن قيل: هل هذا الرجل عوقب أو لم يعاقب؟ إن كان عوقب فكيف التوفيق مع قوله غفر لي بهجرتي وإن كان لم يعاقب فكيف بيديه.

قلنا إنه لم يعاقب على قتل نفسه، إذ عقوبة القتل نار حامية، وإنما غفر له تلك المعصية وغيرها بهجرته، وأخذ مؤاخذة خفيفة بالأذى في يديه.

فإن قيل: هل قبلت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بمغفرة يديه، أو لم تقبل؟ إن كان الأول فكيف التوفيق بينه وبين قوله لن نصلح منك ما أفسدت .

قلنا: الظاهر قبول دعوته صلى الله عليه وسلم، وأنه غفر لجميعه وعفي عنه، ومعنى لن نصلح منك ما أفسدت أي ما لم يدع لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لن نصلح منك الآن ما أفسدت.

وفي الحديث رد على المعتزلة في قولهم بتخليد العاصي في النار، وعلى الخوارج في قولهم بكفر مرتكب الكبيرة، وعلى المرجئة في قولهم: لا يضر مع الإيمان شيء.

فإن قيل: كيف يحتج برؤيا غير النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي؟

قلنا: إن الاحتجاج ليس بالرؤيا، وإنما بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أقر صلى الله عليه وسلم ما جاء فيها، وبنى عليه طلبه المغفرة ليديه.

وفي الحديث منقبة عظيمة، وفضل كبير للطفيل بن عمرو في حرصه على سلامة الرسول صلى الله عليه وسلم ورغبته في حمايته والتشرف به في دياره، وفيه حرص الصاحب على صاحبه وشفقته عليه، وشفقة الرسول صلى الله عليه وسلم بأمته.

والله أعلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ قَاتِلَ نَفْسَهُ لَا يَكْفُرُ
[ سـ :196 ... بـ :116]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ قَالَ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ
بَابُ الدَّلِيِل عَلَى أَنَّ قَاتِلَ نَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ
فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ( أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ فِي مَنَامِهِ وَهَيْئَتِهِ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ ؟ فَقَالَ : غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَالِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ ؟ قَالَ : قِيلَ لِي : لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ .
فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ )
.

قَوْلُهُ : ( فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ ) هُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ الثَّانِيَةِ ضَمِيرُ جَمْعٍ وَهُوَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الطُّفَيْلِ وَالرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا ، وَمَعْنَاهُ : كَرِهُوا الْمُقَامَ بِهَا لِضَجَرٍ ، وَنَوْعٍ مِنْ سَقَمٍ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا : اجْتَوَيْتُ الْبَلَدَ إِذَا كَرِهْتُ الْمَقَامَ بِهِ ، وَإِنْ كُنْتُ فِي نِعْمَةٍ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَأَصْلُهُ مِنَ الْجَوَى وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الْجَوْفَ .

وَقَوْلُهُ : ( فَأَخَذَ مَشَاقِصَ ) هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ جَمْعُ مِشْقَصٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ .
قَالَ الْخَلِيلُ ، وَابْنُ فَارِسٍ ، وَغَيْرُهُمَا : هُوَ سَهْمٌ فِيهِ نَصْلٌ عَرِيضٌ ..
     وَقَالَ  آخَرُونَ : سَهْمٌ طَوِيلٌ لَيْسَ بِالْعَرِيضِ ..
     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ : الْمِشْقَصُ مَا طَالَ وَعَرُضَ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ هُنَا لِقَوْلِهِ قَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْعَرِيضِ .

وَأَمَّا ( الْبَرَاجِمُ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْجِيمِ فَهِيَ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ وَاحِدَتهَا ( بُرْجُمَةٌ ) .

قَوْلُهُ : ( فَشَخَبَتْ يَدَاهُ ) هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ سَالَ دَمُهُمَا ، وَقِيلَ : سَالَ بِقُوَّةٍ .

وَقَوْلُهُ : ( هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ ) هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ ، وَغَيْرُهُمَا .
الْفَتْحُ أَفْصَحُ ، وَهِيَ الْعِزُّ وَالِامْتِنَاعُ مِمَّنْ يُرِيدُهُ ، وَقِيلَ الْمَنَعَةُ جَمْعُ مَانِعٍ كَظَالِمِ وَظَلَمَةٍ أَيْ جَمَاعَةً يَمْنَعُونَكَ مِمَّنْ يَقْصِدُكَ بِمَكْرُوهٍ .

أَمَّا أَحْكَامُ الْحَدِيثِ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِقَاعِدَةٍ عَظِيمَةٍ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً غَيْرَهَا وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ ، وَلَا يُقْطَعُ لَهُ بِالنَّارِ ، بَلْ هُوَ فِي حُكْمِ الْمَشِيئَةِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْقَاعِدَةِ وَتَقْرِيرُهَا .
وَهَذَا الْحَدِيثُ شَرْحٌ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي قَبْلَهُ الْمُوهِمُ ظَاهِرُهَا تَخْلِيدَ قَاتِلِ النَّفْسِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ عُقُوبَةِ بَعْضِ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي فَإِنَّ هَذَا عُوقِبَ فِي يَدَيْهِ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تَضُرُّ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .