هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1500 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ ، وَيَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا ، وَيَقُولُونَ : إِذَا بَرَا الدَّبَرْ ، وَعَفَا الأَثَرْ ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ ، حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ ، قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً ، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الحِلِّ ؟ قَالَ : حِلٌّ كُلُّهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1500 حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، حدثنا ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ، ويجعلون المحرم صفرا ، ويقولون : إذا برا الدبر ، وعفا الأثر ، وانسلخ صفر ، حلت العمرة لمن اعتمر ، قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة ، فتعاظم ذلك عندهم ، فقالوا : يا رسول الله ، أي الحل ؟ قال : حل كله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ ، وَيَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا ، وَيَقُولُونَ : إِذَا بَرَا الدَّبَرْ ، وَعَفَا الأَثَرْ ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ ، حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ ، قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً ، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الحِلِّ ؟ قَالَ : حِلٌّ كُلُّهُ .

Narrated Ibn `Abbas:

The people (of the Pre-Islamic Period) used to think that to perform `Umra during the months of Hajj was one of the major sins on earth. And also used to consider the month of Safar as a forbidden (i.e. sacred) month and they used to say, When the wounds of the camel's back heal up (after they return from Hajj) and the signs of those wounds vanish and the month of Safar passes away then (at that time) `Umra is permissible for the one who wishes to perform it. In the morning of the 4th of Dhul- Hijja, the Prophet (ﷺ) and his companions reached Mecca, assuming Ihram for Hajj and he ordered his companions to make their intentions of the Ihram for `Umra only (instead of Hajj) so they considered his order as something great and were puzzled, and said, O Allah's Messenger (ﷺ)! What kind (of finishing) of Ihram is allowed? The Prophet (ﷺ) replied, Finish the Ihram completely like a non-Muhrim (you are allowed everything).

Ibn 'Abbâs () dit: «[Les Arabes] croyaient que la 'umra durant les mois du hajj était la pire des impiétés. Ils prenaient, en outre, le mois de muharram pour le mois de safar en disant: La 'umra devient permise lorsque les plaies(2) guérissent, que les traces3 disparaissent et que (le mois de) safar expire. «Le Prophète () et ses Compagnons arrivèrent au matin du quatrième [jour]... en prononçant la talbiya pour le hajj. Mais le Prophète () leur donna l'ordre de la [prononcer] pour la 'umra. Ils virent la chose d'un mauvais œil et dirent: 0 Messager d'Allah! quelle désacralisation doiton observer? — Toute désacralisation, fut la réponse du Prophète. »

":"ہم سے موسیٰ بن اسماعیل نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے وہیب بن خالد نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے عبداللہ بن طاؤس نے بیان کیا ، ان سے ان کے باپ اور ان سے ابن عباس رضی اللہ عنہما نے کہعرب سمجھتے تھے کہ حج کے دنوں میں عمرہ کرنا روئے زمین پر سب سے بڑا گناہ ہے ۔ یہ لوگ محرم کو صفر بنا لیتے اور کہتے کہ جب اونٹ کی پیٹھ سستا لے اور اس پر خوب بال اگ جائیں اور صفر کا مہینہ ختم ہو جائے ( یعنی حج کے ایام گزر جائیں ) تو عمرہ حلال ہوتا ہے ۔ پھر جب نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم اپنے صحابہ کے ساتھ چوتھی کی صبح کو حج کا احرام باندھے ہوئے آئے تو آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے انہیں حکم دیا کہ اپنے حج کو عمرہ بنا لیں ، یہ حکم ( عرب کے پرانے رواج کی بنا پر ) عام صحابہ پر بڑا بھاری گزرا ۔ انہوں نے پوچھا یا رسول اللہ ! عمرہ کر کے ہمارے لیے کیا چیز حلال ہو گئی ؟ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ تمام چیزیں حلال ہو جائیں گی ۔

Ibn 'Abbâs () dit: «[Les Arabes] croyaient que la 'umra durant les mois du hajj était la pire des impiétés. Ils prenaient, en outre, le mois de muharram pour le mois de safar en disant: La 'umra devient permise lorsque les plaies(2) guérissent, que les traces3 disparaissent et que (le mois de) safar expire. «Le Prophète () et ses Compagnons arrivèrent au matin du quatrième [jour]... en prononçant la talbiya pour le hajj. Mais le Prophète () leur donna l'ordre de la [prononcer] pour la 'umra. Ils virent la chose d'un mauvais œil et dirent: 0 Messager d'Allah! quelle désacralisation doiton observer? — Toute désacralisation, fut la réponse du Prophète. »

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1564] كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يَعْتَقِدُونَ وَالْمُرَادُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَلِابْنِ حبَان من طَرِيق أُخْرَى عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ وَاللَّهِ مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ فَعُرِفَ بِهَذَا تَعْيِينُ الْقَائِلِينَ .

     قَوْلُهُ  مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ هَذَا مِنْ تَحَكُّمَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ غَيْرِ أَصْلٍ .

     قَوْلُهُ  وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرَ كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ بِالْأَلِفِ وَلَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِهَا لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ بِلَا خِلَافٍ يَعْنِي وَالْمَشْهُورُ عَنِ اللُّغَةِ الرَّبِيعِيَّةِ كِتَابَةُ الْمَنْصُوبِ بِغَيْرِ أَلِفٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كِتَابَتِهِ بِغَيْرِ أَلِفٍ أَنْ لَا يُصْرَفَ فَيُقْرَأَ بِالْأَلِفِ وَسَبَقَهُ عِيَاضٌ إِلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فِيهِ لَكِنْ فِي الْمُحْكَمِ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَا يَصْرِفُهُ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الصَّرْفُ حَتَّى يَجْتَمِعَ عِلَّتَانِ فَمَا هُمَا قَالَ الْمَعْرِفَةُ وَالسَّاعَةُ وَفَسَّرَهُ الْمُطَرِّزِيُّ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالسَّاعَةِ أَنَّ الْأَزْمِنَةَ سَاعَاتٌ وَالسَّاعَةُ مُؤَنَّثَةٌ انْتَهَى وَحَدِيثُ بن عَبَّاسٍ هَذَا حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ صَفَرًا بِالْأَلِفِ.

.
وَأَمَّا جَعْلُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ المُرَاد الْإِخْبَار عَن النسئ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَانُوا يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيُحِلُّونَهُ وَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى نَفْسِ صَفَرَ لِئَلَّا تَتَوَالَى عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مُحَرَّمَةٍ فَيَضِيقُ عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا اعْتَادُوهُ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ وَالْغَارَةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَضَلَّلَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا النسئ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ .

     قَوْلُهُ  وَيَقُولُونَ إِذَا بَرَأَ الدَّبَرْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَا كَانَ يَحْصُلُ بِظُهُورِ الْإِبِلِ مِنَ الْحَمْلِ عَلَيْهَا وَمَشَقَّةِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ كَانَ يبرأ بَعْدَ انْصِرَافِهِمْ مِنَ الْحَجِّ و.

     قَوْلُهُ  وَعَفَا الْأَثَرْ أَيِ انْدَرَسَ أَثَرُ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا فِي سَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَثَرَ الدَّبَرِ الْمَذْكُورِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وعَفَا الْوَبَرْ أَيْ كَثُرَ وَبَرُ الْإِبِلِ الَّذِي حُلِقَ بِالرِّحَالِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُقْرَأْ سَاكِنَةَ الرَّاءِ لِإِرَادَةِ السَّجْعِ وَوَجْهُ تَعَلُّقِ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ بِانْسِلَاخِ صَفَرَ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَذَلِكَ الْمُحَرَّمُ أَنَّهُمْ لَمَّا جَعَلُوا الْمُحَرَّمَ صفرا وَلَا يستقرون ببلادهم فِي الْغَالِب وَيبرأ دَبَرُ إِبِلِهِمْ إِلَّا عِنْدَ انْسِلَاخِهِ أَلْحَقُوهُ بِأَشْهُرِ الْحَجِّ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَجَعَلُوا أَوَّلَ أَشْهُرِ الِاعْتِمَارِ شَهْرَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ فِي الْأَصْلِ صَفَرُ والْعُمْرَةُ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأما تَسْمِيَة الشَّهْر صفرا فَقَالَ رُؤْيَة أَصْلُهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُغِيرُونَ فِيهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَيَتْرُكُونَ مَنَازِلَهُمْ صَفَرًا أَيْ خَالِيَةً مِنَ الْمَتَاعِ وَقِيلَ لِإِصْفَارِ أَمَاكِنِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا .

     قَوْلُهُ  قَدِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي الْأُصُولِ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ وُهَيْبٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ وُهَيْبٍ بِلَفْظِ فَقَدِمَ بِزِيَادَةِ فَاءٍ وَهُوَ الْوَجْهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ كِلَاهُمَا عَنْ وُهَيْبٍ .

     قَوْلُهُ  صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ أَيْ يَوْمُ الْأَحَدِ .

     قَوْلُهُ  مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ وَهُمْ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِقَوْلِهِ مُهِلِّينَ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ كَانَ حَجُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفْرَدًا وَأَجَابَ مَنْ قَالَ كَانَ قَارِنًا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ إِهْلَالِهِ بِالْحَجِّ أَنْ لَا يَكُونَ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَيْ لِمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ أَوَّلًا وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ فَكَبُرَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ .

     قَوْلُهُ  أَيِ الْحِلُّ كَأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَيْنِ فَأَرَادُوا بَيَانَ ذَلِكَ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَتَحَلَّلُونَ الْحِلَّ كُلَّهُ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ لَهَا إِلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَيُّ الْحِلِّ نُحِلُّ قَالَ الْحِلُّ كُلُّهُ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأمرنِي بِالْحلِّهَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَامًّا مَشْرُوحًا قَبْلُ بِبَابٍ وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَمَرَهُ بِالْحِلِّ عَلَى الِالْتِفَاتِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ حَفْصَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ الْحَدِيثَ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَوْله بِعُمْرَة وَذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَصْحَابَ مَالِكٍ ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ وَحَذَفَهَا بَعْضُهُمْ وَاسْتُشْكِلَ كَيْفَ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ مَعَ قَوْلِهَا وَلَمْ تُحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ المُرَاد بقولِهَا بِعُمْرَةٍ أَيْ إِنَّ إِحْرَامَهُمْ بِعُمْرَةٍ كَانَ سَبَبًا لِسُرْعَةِ حِلِّهِمْ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ حَتَّى يُحِلَّ بِالْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي بَقَائِهِ عَلَى إِحْرَامِهِ كَوْنَهُ أَهْدَى وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ سَابِعَ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَوَّلِ حَدِيثِ الْبَابِ فَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يُحِلَّ وَالْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مُتَضَافِرَةٌ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي عَدَمِ تَحَلُّلِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ كَوْنُهُ أَدْخَلَهَا عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ حَجَّهُ كَانَ مُفْرَدًا.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ لِمَنْ قَالَ كَانَ مُفْرَدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ انْفِصَالٌ لِأَنَّهُ إِنْ قَالَ بِهِ اسْتُشْكِلَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ عَلَّلَ عَدَمَ التَّحَلُّلِ بِسَوْقِ الْهَدْيِ لِأَنَّ عَدَمَ التَّحَلُّلِ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ كَانَ قَارِنًا عِنْدَهُ وَجَنَحَ الْأَصِيلِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى تَوْهِيمِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فِي حَدِيث حَفْصَة غَيره وَتعقبه بن عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ انْفِرَادِهِ بِأَنَّهَا زِيَادَةُ حَافِظٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ فَقَدْ تَابَعَهُ أَيُّوبُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ حُفَّاظٌ أَصْحَابُ نَافِعٍ انْتَهَى وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسلم وَقد أخرجه مُسلم من رِوَايَة بن جُرَيْجٍ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِدُونِهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ وَلَا تُنَافِي هَذِهِ رِوَايَةَ مَالِكٍ لِأَنَّ الْقَارِنَ لَا يَحِلُّ مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَا مِنَ الْحَجِّ حَتَّى يَنْحَرَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَمَتِّعًا كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ قَوْلَ حَفْصَةَ وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ وَقَولُهُ هُوَ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَأَجَابَ مَنْ قَالَ كَانَ مُفْرِدًا عَنْ قَوْلِهِ وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ إِحْرَامِكَ الَّذِي ابْتَدَأَتْهُ مَعَهُمْ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ حَجِّكَ بِعُمْرَةٍ كَمَا أَمَرْتَ أَصْحَابِكَ قَالُوا وَقَدْ تَأْتِي مِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله أَيْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَالتَّقْدِيرُ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ بِعُمْرَةٍ مِنْ إِحْرَامِكَ وَقِيلَ ظَنَّتْ أَنَّهُ فَسَخَ حَجَّهُ بِعُمْرَةٍ كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُهُ بِأَمْرِهِ فَقَالَتْ لِمَ لَمْ تَحِلَّ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ عُمْرَتِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي بَعْضِ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ مِنَ التَّعَسُّفِ وَالَّذِي تَجْتَمِعُ بِهِ الرِّوَايَاتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ أَهَلَّ بِهِ مُفْرِدًا لَا أَنَّهُ أَوَّلُ مَا أَهَلَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ وَحَدِيثُ أَنَسٍ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا إنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلِلدَّارقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي قَتَادَةَ وَالْبَزَّارِ من حَدِيث بن أَبِي أَوْفَى ثَلَاثَتُهُمْ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا نُصْرَةً لِمَنْ قَالَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مُفردا فَنُقِلَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّقَتَادَةَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْحُفَّاظِ رَوَوْهُ عَنْ أَنَسٍ كَذَلِكَ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى أَنَسٍ نَفْسِهِ قَالَ فَلَعَلَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ غَيْرَهُ كَيْفَ يُهِلُّ بِالْقِرَانِ فَظَنَّ أَنَّهُ أَهَلَّ عَنْ نَفْسِهِ وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ بِمَا نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ أَيْ مِنْ إِحْرَامِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَنْ حَدِيثِ عُمَرَ بِأَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ بِلَفْظِ صَلَّى فِي هَذَا الْوَادِي.

     وَقَالَ  عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ قَالَ وَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ عَدَدًا مِمَّنْ رَوَاهُ وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ فَيَكُونُ إِذْنًا فِي الْقِرَانِ لَا أَمْرًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ نَفْسِهِ وَعَنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ إِذْنُهُ لِأَصْحَابِهِ فِي الْقِرَانِ بِدَلِيلِ رِوَايَتِهِ الْأُخْرَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ بَعْضَ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ وَرِوَايَتِهِ الْأُخْرَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَتَّعَ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِكُلِّ ذَلِكَ إِذْنُهُ فِي ذَلِكَ وَعَنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِأَنَّهُ سَاقَهُ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ وَقَدْ رَوَاهَا أَنَسٌ يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ وَجَابِرٌ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِيهَا لَفْظُ وَقَرَنْتُ وَأَخْرَجَ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَقَدْ علم بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اعْتَمَرَ ثَلَاثًا سِوَى الَّتِي قَرَنَهَا فِي حَجَّتِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذَا وَقَدْ رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ فَقَالَتْ مَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ.

     وَقَالَ  هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ يَعْنِي كَمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ فَرَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْهُ هَكَذَا.

     وَقَالَ  زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ ثُمَّ رَوَى حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجر وَحجَّة قرن مَعهَا عمْرَة يَعْنِي بعد مَا هَاجَرَ وَحُكِيَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَعَلَّهُ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ وَزَيْدٌ رُبَّمَا يَهِمُ فِي الشَّيْءِ وَالْمَحْفُوظُ عَنِ الثَّوْرِيِّ مُرْسَلٌ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ خَالِصًا ثُمَّ رَوَى حَدِيث بن عَبَّاسٍ نَحْوَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَأَعَلَّهُ بِدَاوُدَ الْعَطَّارِ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بن عَبَّاس وَرَوَاهُ بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو فَأرْسلهُ لم يذكر بن عَبَّاسٍ ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ الصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي السُّنَنِ وَفِيهِ قِصَّةٌ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقِرَانِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ مِنَ التَّعَسُّفِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بَعْدَ الْحَجِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ الَّذِي لَا يَعْتَمِرُ فِي سَنَتِهِ عِنْدنَا وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَانِ كَذَا قَالَ وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَمَّا قَدِيمًا فَالثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَتَمَّ لِحَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ أَنْ تُنْشِئُوا لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَفَرًا وَعَن بن مَسْعُود نَحوه أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ.

.
وَأَمَّا حَدِيثًا فَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِتَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ وَلَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا فَبِهَذَا قَالَ إِنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ وَنَحْنُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ فَهُوَ أَفْضَلُ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ عَمَلًا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ مُحْرِمًا وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ كُلَّ رَاوٍ أَضَافَ إِلَيْهِ مَا أُمِرَ بِهِ اتِّسَاعًا ثُمَّ رُجِّحَ بِأَنَّهُ كَانَ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَقَدْ بَسَطَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِيهِ فِي اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَرُجِّحَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا يَنْتَظِرُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ فَنُزِّلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا وَرَجَّحُوا الْإِفْرَادَ أَيْضًا بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَاظَبُوا عَلَيْهِ وَلَا يُظَنُّ بِهِمُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ وَبِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَرِهَ الْإِفْرَادَ وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُمْ كَرَاهِيَةُ التَّمَتُّعِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا حَتَّى فَعَلَهُ عَلِيٌّ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَبِأَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ انْتَهَى وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ دَمَ الْقِرَانِ دَمُ جُبْرَانٍ وَقَدْمَنَعَهُ مَنْ رَجَّحَ الْقِرَانَ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ دَمُ فَضْلٍ وَثَوَابٍ كَالْأُضْحِيَّةِ وَلَوْ كَانَ دَمَ نَقْصٍ لَمَا قَامَ الصِّيَامُ مَقَامَهُ وَلِأَنَّهُ يُؤْكَلُ مِنْهُ وَدَمُ النَّقْصِ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ كَدَمِ الْجَزَاءِ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ نَحْوَ مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَزَادَ.

.
وَأَمَّا إِحْرَامُهُ هُوَ فَقَدْ تَضَافَرَتِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ بِأَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا.

.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى مُتَمَتِّعًا فَمَعْنَاهُ أَمَرَ بِهِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ وَلَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ.

.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْقِرَانَ فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ آخِرِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ لَمَّا جَاءَ إِلَى الْوَادِي وَقِيلَ لَهُ قُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ انْتَهَى وَهَذَا الْجَمْعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ سبق إِلَيْهِ قَدِيما بن الْمُنْذر وَبَينه بن حَزْمٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَيَانًا شَافِيًا وَمَهَّدَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَمْهِيدًا بَالِغًا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْإِفْرَادُ حُمِلَ عَلَى مَا أَهَلَّ بِهِ فِي أَوَّلِ الْحَالِ وَكُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّمَتُّعُ أَرَادَ مَا أَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ وَكُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْقِرَانُ أَرَادَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَيَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْقِرَانَ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ وَغَيْرَهُ وَبِأَنَّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَأَشْهَرُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْإِفْرَادُ عَائِشَةُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهَا أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ حجَّته كَمَا تقدم وبن عُمَرَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْهَدْيِ وَثَبَتَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ حَدَثَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي أَيْضًا وَجَابِرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ أَيْضًا وَرَوَى الْقِرَانَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَبِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ النَّقْلُ عَنْهُ مِنْ لَفْظِهِ أَنَّهُ قَالَ أَفْرَدْتُ وَلَا تَمَتَّعْتُ بَلْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَرَنْتُ وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْقِرَانُ لَا يَحْتَمِلُ حَدِيثُهُ التَّأْوِيلَ إِلَّا بِتَعَسُّفٍ بِخِلَافِ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ الْحَالِ وَيَنْتَفِي التَّعَارُضُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَنْ جَاءَ عَنْهُ الْإِفْرَادُ جَاءَ عَنْهُ صُورَةُ الْقِرَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّمَتُّعُ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى سَفَرٍ وَاحِدٍ لِلنُّسُكَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَنْ جَاءَ عَنْهُ التَّمَتُّعُ لَمَّا وَصَفَهُ وَصَفَهُ بِصُورَةِ الْقِرَانِ لِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى أَتَمَّ عَمَلَ جَمِيعِ الْحَجِّ وَهَذِهِ إِحْدَى صُوَرِ الْقِرَانِ وَأَيْضًا فَإِنَّ رِوَايَةَ الْقِرَانِ جَاءَتْ عَنْ بِضْعَةِ عَشَرَ صَحَابِيًّا بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ بِخِلَافِ رِوَايَتَيِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَهَذَا يَقْتَضِي رَفْعَ الشَّكِّ عَنْ ذَلِكَ وَالْمَصِيرَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقِرَانُ أَفْضَلَ مِنَ الْإِفْرَادِ وَمِنَ التَّمَتُّعِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ بن رَاهَوَيْه وَاخْتَارَهُ من الشَّافِعِيَّة الْمُزنِيّ وبن الْمُنْذِرِ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَبَحَثَ مَعَ النَّوَوِيِّ فِي اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا وَأَنَّ الْإِفْرَادَ مَعَ ذَلِكَ أَفْضَلُ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَ الْإِفْرَادَ أَوَّلًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لِبَيَانِ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ كَمَا فِي ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَمُلَخَّصُ مَا يُتَعَقَّبُ بِهِ كَلَامُهُ أَنَّ الْبَيَانَ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمَرِهِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ أَحْرَمَ بِكُلٍّ مِنْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ فِيهَا وَعُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَعُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ وَلَوْ كَانَ أَرَادَ بِاعْتِمَارِهِ معَ حَجَّتِهِ بَيَانَ الْجَوَازِ فَقَطْ مَعَ أَنَّ الْأَفْضَلَ خِلَافُهُ لَاكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِأَمْرِهِ أَصْحَابَهُ أَنْ يَفْسَخُوا حَجَّهُمْ إِلَى الْعُمْرَةِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَنَّاهُ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ وَلَا يَتَمَنَّى إِلَّا الْأَفْضَلَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَمَنَّاهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِ أَصْحَابِهِ لِحُزْنِهِمْ عَلَى فَوَاتِ مُوَافَقَتِهِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهُ وَاسْتمرّ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  بن قُدَامَةَ يَتَرَجَّحُ التَّمَتُّعُ بِأَنَّ الَّذِي يُفْرِدُ إِنِ اعْتَمَرَ بَعْدَهَا فَهِيَ عُمْرَةٌ مُخْتَلَفٌ فِي إِجْزَائِهَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ فَهِيَ مُجْزِئَةٌ بِلَا خِلَافٍ فَيَتَرَجَّحُ التَّمَتُّعُ عَلَى الْإِفْرَادِ وَيَلِيهِ الْقِرَانُ.

     وَقَالَ  مَنْ رَجَّحَالْقِرَانَ هُوَ أَشَقُّ مِنَ التَّمَتُّعِ وَعُمْرَتُهُ مُجْزِئَةٌ بِلَا خِلَافٍ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فِي الْفضل سَوَاء وَهُوَ مُقْتَضى تصرف بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ وَهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ وَعَنْ أَحْمَدَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ لَهُ لِيُوَافِقَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ لَهُ لِيُوَافِقَ مَا تَمَنَّاهُ وَأَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ زَادَ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْشِئَ لِعُمْرَتِهِ مِنْ بَلَدِهِ سَفَرًا فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ لَهُ قَالَ وَهَذَا أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ وَأَشْبَهُهَا بِمُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَمَنْ قَالَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ فَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ لِأَنَّ أَعْمَالَ سَفَرَيْنِ لِلنُّسُكَيْنِ أَكْثَرُ مَشَقَّةً فَيَكُونُ أَعْظَمَ أَجْرًا وَلِتُجْزِئُ عَنْهُ عُمْرَتُهُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا اخْتِلَافٍ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى نَمَطٍ آخَرَ مَعَ مُوَافَقَتِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا كَالطَّحَاوِيِّ وبن حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا فَقِيلَ أَهَلَّ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَتحْلِلْ مِنْهَا إِلَى أَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَمُسْتَنَدُ هَذَا الْقَائِلِ حَدِيثُ بن عُمَرَ الْآتِي فِي أَبْوَابِ الْهَدْيِ بِلَفْظِ فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَهَذَا لَا يُنَافِي إِنْكَارَ بن عُمَرَ عَلَى أَنَسٍ كَوْنَهُ نَقَلَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنَ الْمَغَازِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ إِنْكَارِهِ كَوْنَهُ نَقَلَ أَنَّهُ أَهَلَّ بِهِمَا مَعًا وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لَكِنَّ جَزْمَهُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْعُمْرَةِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ فَهُوَ مَرْجُوحٌ وَقِيلَ أَهَلَّ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِأَنْ يَفْسَخُوا حَجَّهُمْ فَيَجْعَلُوهُ عُمْرَةً وَفَسَخَ مَعَهُمْ وَمَنَعَهُ مِنَ التَّحَلُّلِ مِنْ عُمْرَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ فَاسْتَمَرَّ مُعْتَمِرًا إِلَى أَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ حَتَّى تَحَلَّلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا وَآخِرًا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ الْجَمْعَ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَقِيلَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِمِنًى وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَنْ رَجَّحَ أَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْقِرَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ نَفَى أَنْ يَكُونَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا فِي أَوَّلِ الْحَالِ وَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ فَيَجْتَمِعُ الْقَوْلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمْ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :1500 ... غــ :1564] كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يَعْتَقِدُونَ وَالْمُرَادُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَلِابْنِ حبَان من طَرِيق أُخْرَى عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ وَاللَّهِ مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ فَعُرِفَ بِهَذَا تَعْيِينُ الْقَائِلِينَ .

     قَوْلُهُ  مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ هَذَا مِنْ تَحَكُّمَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ غَيْرِ أَصْلٍ .

     قَوْلُهُ  وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرَ كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ بِالْأَلِفِ وَلَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِهَا لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ بِلَا خِلَافٍ يَعْنِي وَالْمَشْهُورُ عَنِ اللُّغَةِ الرَّبِيعِيَّةِ كِتَابَةُ الْمَنْصُوبِ بِغَيْرِ أَلِفٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كِتَابَتِهِ بِغَيْرِ أَلِفٍ أَنْ لَا يُصْرَفَ فَيُقْرَأَ بِالْأَلِفِ وَسَبَقَهُ عِيَاضٌ إِلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فِيهِ لَكِنْ فِي الْمُحْكَمِ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَا يَصْرِفُهُ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الصَّرْفُ حَتَّى يَجْتَمِعَ عِلَّتَانِ فَمَا هُمَا قَالَ الْمَعْرِفَةُ وَالسَّاعَةُ وَفَسَّرَهُ الْمُطَرِّزِيُّ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالسَّاعَةِ أَنَّ الْأَزْمِنَةَ سَاعَاتٌ وَالسَّاعَةُ مُؤَنَّثَةٌ انْتَهَى وَحَدِيثُ بن عَبَّاسٍ هَذَا حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ صَفَرًا بِالْأَلِفِ.

.
وَأَمَّا جَعْلُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ المُرَاد الْإِخْبَار عَن النسئ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَانُوا يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيُحِلُّونَهُ وَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى نَفْسِ صَفَرَ لِئَلَّا تَتَوَالَى عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مُحَرَّمَةٍ فَيَضِيقُ عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا اعْتَادُوهُ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ وَالْغَارَةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَضَلَّلَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا النسئ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ .

     قَوْلُهُ  وَيَقُولُونَ إِذَا بَرَأَ الدَّبَرْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَا كَانَ يَحْصُلُ بِظُهُورِ الْإِبِلِ مِنَ الْحَمْلِ عَلَيْهَا وَمَشَقَّةِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ كَانَ يبرأ بَعْدَ انْصِرَافِهِمْ مِنَ الْحَجِّ و.

     قَوْلُهُ  وَعَفَا الْأَثَرْ أَيِ انْدَرَسَ أَثَرُ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا فِي سَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَثَرَ الدَّبَرِ الْمَذْكُورِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وعَفَا الْوَبَرْ أَيْ كَثُرَ وَبَرُ الْإِبِلِ الَّذِي حُلِقَ بِالرِّحَالِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُقْرَأْ سَاكِنَةَ الرَّاءِ لِإِرَادَةِ السَّجْعِ وَوَجْهُ تَعَلُّقِ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ بِانْسِلَاخِ صَفَرَ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَذَلِكَ الْمُحَرَّمُ أَنَّهُمْ لَمَّا جَعَلُوا الْمُحَرَّمَ صفرا وَلَا يستقرون ببلادهم فِي الْغَالِب وَيبرأ دَبَرُ إِبِلِهِمْ إِلَّا عِنْدَ انْسِلَاخِهِ أَلْحَقُوهُ بِأَشْهُرِ الْحَجِّ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَجَعَلُوا أَوَّلَ أَشْهُرِ الِاعْتِمَارِ شَهْرَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ فِي الْأَصْلِ صَفَرُ والْعُمْرَةُ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأما تَسْمِيَة الشَّهْر صفرا فَقَالَ رُؤْيَة أَصْلُهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُغِيرُونَ فِيهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَيَتْرُكُونَ مَنَازِلَهُمْ صَفَرًا أَيْ خَالِيَةً مِنَ الْمَتَاعِ وَقِيلَ لِإِصْفَارِ أَمَاكِنِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا .

     قَوْلُهُ  قَدِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي الْأُصُولِ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ وُهَيْبٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ وُهَيْبٍ بِلَفْظِ فَقَدِمَ بِزِيَادَةِ فَاءٍ وَهُوَ الْوَجْهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ كِلَاهُمَا عَنْ وُهَيْبٍ .

     قَوْلُهُ  صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ أَيْ يَوْمُ الْأَحَدِ .

     قَوْلُهُ  مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ وَهُمْ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِقَوْلِهِ مُهِلِّينَ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ كَانَ حَجُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفْرَدًا وَأَجَابَ مَنْ قَالَ كَانَ قَارِنًا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ إِهْلَالِهِ بِالْحَجِّ أَنْ لَا يَكُونَ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَيْ لِمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ أَوَّلًا وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ فَكَبُرَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ .

     قَوْلُهُ  أَيِ الْحِلُّ كَأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَيْنِ فَأَرَادُوا بَيَانَ ذَلِكَ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَتَحَلَّلُونَ الْحِلَّ كُلَّهُ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ لَهَا إِلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَيُّ الْحِلِّ نُحِلُّ قَالَ الْحِلُّ كُلُّهُ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأمرنِي بِالْحلِّ هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَامًّا مَشْرُوحًا قَبْلُ بِبَابٍ وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَمَرَهُ بِالْحِلِّ عَلَى الِالْتِفَاتِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ حَفْصَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ الْحَدِيثَ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَوْله بِعُمْرَة وَذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَصْحَابَ مَالِكٍ ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ وَحَذَفَهَا بَعْضُهُمْ وَاسْتُشْكِلَ كَيْفَ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ مَعَ قَوْلِهَا وَلَمْ تُحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ المُرَاد بقولِهَا بِعُمْرَةٍ أَيْ إِنَّ إِحْرَامَهُمْ بِعُمْرَةٍ كَانَ سَبَبًا لِسُرْعَةِ حِلِّهِمْ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ حَتَّى يُحِلَّ بِالْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي بَقَائِهِ عَلَى إِحْرَامِهِ كَوْنَهُ أَهْدَى وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ سَابِعَ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَوَّلِ حَدِيثِ الْبَابِ فَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يُحِلَّ وَالْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مُتَضَافِرَةٌ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي عَدَمِ تَحَلُّلِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ كَوْنُهُ أَدْخَلَهَا عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ حَجَّهُ كَانَ مُفْرَدًا.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ لِمَنْ قَالَ كَانَ مُفْرَدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ انْفِصَالٌ لِأَنَّهُ إِنْ قَالَ بِهِ اسْتُشْكِلَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ عَلَّلَ عَدَمَ التَّحَلُّلِ بِسَوْقِ الْهَدْيِ لِأَنَّ عَدَمَ التَّحَلُّلِ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ كَانَ قَارِنًا عِنْدَهُ وَجَنَحَ الْأَصِيلِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى تَوْهِيمِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فِي حَدِيث حَفْصَة غَيره وَتعقبه بن عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ انْفِرَادِهِ بِأَنَّهَا زِيَادَةُ حَافِظٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ فَقَدْ تَابَعَهُ أَيُّوبُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ حُفَّاظٌ أَصْحَابُ نَافِعٍ انْتَهَى وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسلم وَقد أخرجه مُسلم من رِوَايَة بن جُرَيْجٍ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِدُونِهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ وَلَا تُنَافِي هَذِهِ رِوَايَةَ مَالِكٍ لِأَنَّ الْقَارِنَ لَا يَحِلُّ مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَا مِنَ الْحَجِّ حَتَّى يَنْحَرَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَمَتِّعًا كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ قَوْلَ حَفْصَةَ وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ وَقَولُهُ هُوَ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَأَجَابَ مَنْ قَالَ كَانَ مُفْرِدًا عَنْ قَوْلِهِ وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ إِحْرَامِكَ الَّذِي ابْتَدَأَتْهُ مَعَهُمْ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ حَجِّكَ بِعُمْرَةٍ كَمَا أَمَرْتَ أَصْحَابِكَ قَالُوا وَقَدْ تَأْتِي مِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله أَيْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَالتَّقْدِيرُ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ بِعُمْرَةٍ مِنْ إِحْرَامِكَ وَقِيلَ ظَنَّتْ أَنَّهُ فَسَخَ حَجَّهُ بِعُمْرَةٍ كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُهُ بِأَمْرِهِ فَقَالَتْ لِمَ لَمْ تَحِلَّ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ عُمْرَتِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي بَعْضِ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ مِنَ التَّعَسُّفِ وَالَّذِي تَجْتَمِعُ بِهِ الرِّوَايَاتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ أَهَلَّ بِهِ مُفْرِدًا لَا أَنَّهُ أَوَّلُ مَا أَهَلَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ وَحَدِيثُ أَنَسٍ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا إنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلِلدَّارقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي قَتَادَةَ وَالْبَزَّارِ من حَدِيث بن أَبِي أَوْفَى ثَلَاثَتُهُمْ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا نُصْرَةً لِمَنْ قَالَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مُفردا فَنُقِلَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّ قَتَادَةَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْحُفَّاظِ رَوَوْهُ عَنْ أَنَسٍ كَذَلِكَ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى أَنَسٍ نَفْسِهِ قَالَ فَلَعَلَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ غَيْرَهُ كَيْفَ يُهِلُّ بِالْقِرَانِ فَظَنَّ أَنَّهُ أَهَلَّ عَنْ نَفْسِهِ وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ بِمَا نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ أَيْ مِنْ إِحْرَامِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَنْ حَدِيثِ عُمَرَ بِأَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ بِلَفْظِ صَلَّى فِي هَذَا الْوَادِي.

     وَقَالَ  عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ قَالَ وَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ عَدَدًا مِمَّنْ رَوَاهُ وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ فَيَكُونُ إِذْنًا فِي الْقِرَانِ لَا أَمْرًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ نَفْسِهِ وَعَنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ إِذْنُهُ لِأَصْحَابِهِ فِي الْقِرَانِ بِدَلِيلِ رِوَايَتِهِ الْأُخْرَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ بَعْضَ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ وَرِوَايَتِهِ الْأُخْرَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَتَّعَ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِكُلِّ ذَلِكَ إِذْنُهُ فِي ذَلِكَ وَعَنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِأَنَّهُ سَاقَهُ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ وَقَدْ رَوَاهَا أَنَسٌ يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ وَجَابِرٌ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِيهَا لَفْظُ وَقَرَنْتُ وَأَخْرَجَ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَقَدْ علم بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اعْتَمَرَ ثَلَاثًا سِوَى الَّتِي قَرَنَهَا فِي حَجَّتِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذَا وَقَدْ رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ فَقَالَتْ مَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ.

     وَقَالَ  هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ يَعْنِي كَمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ فَرَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْهُ هَكَذَا.

     وَقَالَ  زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ ثُمَّ رَوَى حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجر وَحجَّة قرن مَعهَا عمْرَة يَعْنِي بعد مَا هَاجَرَ وَحُكِيَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَعَلَّهُ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ وَزَيْدٌ رُبَّمَا يَهِمُ فِي الشَّيْءِ وَالْمَحْفُوظُ عَنِ الثَّوْرِيِّ مُرْسَلٌ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ خَالِصًا ثُمَّ رَوَى حَدِيث بن عَبَّاسٍ نَحْوَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَأَعَلَّهُ بِدَاوُدَ الْعَطَّارِ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بن عَبَّاس وَرَوَاهُ بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو فَأرْسلهُ لم يذكر بن عَبَّاسٍ ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ الصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي السُّنَنِ وَفِيهِ قِصَّةٌ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقِرَانِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ مِنَ التَّعَسُّفِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بَعْدَ الْحَجِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ الَّذِي لَا يَعْتَمِرُ فِي سَنَتِهِ عِنْدنَا وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَانِ كَذَا قَالَ وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَمَّا قَدِيمًا فَالثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَتَمَّ لِحَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ أَنْ تُنْشِئُوا لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَفَرًا وَعَن بن مَسْعُود نَحوه أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ.

.
وَأَمَّا حَدِيثًا فَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِتَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ وَلَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا فَبِهَذَا قَالَ إِنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ وَنَحْنُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ فَهُوَ أَفْضَلُ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ عَمَلًا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ مُحْرِمًا وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ كُلَّ رَاوٍ أَضَافَ إِلَيْهِ مَا أُمِرَ بِهِ اتِّسَاعًا ثُمَّ رُجِّحَ بِأَنَّهُ كَانَ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَقَدْ بَسَطَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِيهِ فِي اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَرُجِّحَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا يَنْتَظِرُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ فَنُزِّلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا وَرَجَّحُوا الْإِفْرَادَ أَيْضًا بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَاظَبُوا عَلَيْهِ وَلَا يُظَنُّ بِهِمُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ وَبِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَرِهَ الْإِفْرَادَ وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُمْ كَرَاهِيَةُ التَّمَتُّعِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا حَتَّى فَعَلَهُ عَلِيٌّ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَبِأَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ انْتَهَى وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ دَمَ الْقِرَانِ دَمُ جُبْرَانٍ وَقَدْ مَنَعَهُ مَنْ رَجَّحَ الْقِرَانَ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ دَمُ فَضْلٍ وَثَوَابٍ كَالْأُضْحِيَّةِ وَلَوْ كَانَ دَمَ نَقْصٍ لَمَا قَامَ الصِّيَامُ مَقَامَهُ وَلِأَنَّهُ يُؤْكَلُ مِنْهُ وَدَمُ النَّقْصِ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ كَدَمِ الْجَزَاءِ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ نَحْوَ مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَزَادَ.

.
وَأَمَّا إِحْرَامُهُ هُوَ فَقَدْ تَضَافَرَتِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ بِأَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا.

.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى مُتَمَتِّعًا فَمَعْنَاهُ أَمَرَ بِهِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ وَلَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ.

.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْقِرَانَ فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ آخِرِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ لَمَّا جَاءَ إِلَى الْوَادِي وَقِيلَ لَهُ قُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ انْتَهَى وَهَذَا الْجَمْعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ سبق إِلَيْهِ قَدِيما بن الْمُنْذر وَبَينه بن حَزْمٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَيَانًا شَافِيًا وَمَهَّدَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَمْهِيدًا بَالِغًا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْإِفْرَادُ حُمِلَ عَلَى مَا أَهَلَّ بِهِ فِي أَوَّلِ الْحَالِ وَكُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّمَتُّعُ أَرَادَ مَا أَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ وَكُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْقِرَانُ أَرَادَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَيَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْقِرَانَ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ وَغَيْرَهُ وَبِأَنَّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَأَشْهَرُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْإِفْرَادُ عَائِشَةُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهَا أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ حجَّته كَمَا تقدم وبن عُمَرَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْهَدْيِ وَثَبَتَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ حَدَثَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي أَيْضًا وَجَابِرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ أَيْضًا وَرَوَى الْقِرَانَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَبِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ النَّقْلُ عَنْهُ مِنْ لَفْظِهِ أَنَّهُ قَالَ أَفْرَدْتُ وَلَا تَمَتَّعْتُ بَلْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَرَنْتُ وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْقِرَانُ لَا يَحْتَمِلُ حَدِيثُهُ التَّأْوِيلَ إِلَّا بِتَعَسُّفٍ بِخِلَافِ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ الْحَالِ وَيَنْتَفِي التَّعَارُضُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَنْ جَاءَ عَنْهُ الْإِفْرَادُ جَاءَ عَنْهُ صُورَةُ الْقِرَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّمَتُّعُ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى سَفَرٍ وَاحِدٍ لِلنُّسُكَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَنْ جَاءَ عَنْهُ التَّمَتُّعُ لَمَّا وَصَفَهُ وَصَفَهُ بِصُورَةِ الْقِرَانِ لِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى أَتَمَّ عَمَلَ جَمِيعِ الْحَجِّ وَهَذِهِ إِحْدَى صُوَرِ الْقِرَانِ وَأَيْضًا فَإِنَّ رِوَايَةَ الْقِرَانِ جَاءَتْ عَنْ بِضْعَةِ عَشَرَ صَحَابِيًّا بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ بِخِلَافِ رِوَايَتَيِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَهَذَا يَقْتَضِي رَفْعَ الشَّكِّ عَنْ ذَلِكَ وَالْمَصِيرَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقِرَانُ أَفْضَلَ مِنَ الْإِفْرَادِ وَمِنَ التَّمَتُّعِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ بن رَاهَوَيْه وَاخْتَارَهُ من الشَّافِعِيَّة الْمُزنِيّ وبن الْمُنْذِرِ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَبَحَثَ مَعَ النَّوَوِيِّ فِي اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا وَأَنَّ الْإِفْرَادَ مَعَ ذَلِكَ أَفْضَلُ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَ الْإِفْرَادَ أَوَّلًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لِبَيَانِ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ كَمَا فِي ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَمُلَخَّصُ مَا يُتَعَقَّبُ بِهِ كَلَامُهُ أَنَّ الْبَيَانَ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمَرِهِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ أَحْرَمَ بِكُلٍّ مِنْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ فِيهَا وَعُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَعُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ وَلَوْ كَانَ أَرَادَ بِاعْتِمَارِهِ معَ حَجَّتِهِ بَيَانَ الْجَوَازِ فَقَطْ مَعَ أَنَّ الْأَفْضَلَ خِلَافُهُ لَاكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِأَمْرِهِ أَصْحَابَهُ أَنْ يَفْسَخُوا حَجَّهُمْ إِلَى الْعُمْرَةِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَنَّاهُ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ وَلَا يَتَمَنَّى إِلَّا الْأَفْضَلَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَمَنَّاهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِ أَصْحَابِهِ لِحُزْنِهِمْ عَلَى فَوَاتِ مُوَافَقَتِهِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهُ وَاسْتمرّ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  بن قُدَامَةَ يَتَرَجَّحُ التَّمَتُّعُ بِأَنَّ الَّذِي يُفْرِدُ إِنِ اعْتَمَرَ بَعْدَهَا فَهِيَ عُمْرَةٌ مُخْتَلَفٌ فِي إِجْزَائِهَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ فَهِيَ مُجْزِئَةٌ بِلَا خِلَافٍ فَيَتَرَجَّحُ التَّمَتُّعُ عَلَى الْإِفْرَادِ وَيَلِيهِ الْقِرَانُ.

     وَقَالَ  مَنْ رَجَّحَ الْقِرَانَ هُوَ أَشَقُّ مِنَ التَّمَتُّعِ وَعُمْرَتُهُ مُجْزِئَةٌ بِلَا خِلَافٍ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فِي الْفضل سَوَاء وَهُوَ مُقْتَضى تصرف بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ وَهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ وَعَنْ أَحْمَدَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ لَهُ لِيُوَافِقَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ لَهُ لِيُوَافِقَ مَا تَمَنَّاهُ وَأَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ زَادَ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْشِئَ لِعُمْرَتِهِ مِنْ بَلَدِهِ سَفَرًا فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ لَهُ قَالَ وَهَذَا أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ وَأَشْبَهُهَا بِمُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَمَنْ قَالَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ فَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ لِأَنَّ أَعْمَالَ سَفَرَيْنِ لِلنُّسُكَيْنِ أَكْثَرُ مَشَقَّةً فَيَكُونُ أَعْظَمَ أَجْرًا وَلِتُجْزِئُ عَنْهُ عُمْرَتُهُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا اخْتِلَافٍ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى نَمَطٍ آخَرَ مَعَ مُوَافَقَتِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا كَالطَّحَاوِيِّ وبن حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا فَقِيلَ أَهَلَّ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَتحْلِلْ مِنْهَا إِلَى أَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَمُسْتَنَدُ هَذَا الْقَائِلِ حَدِيثُ بن عُمَرَ الْآتِي فِي أَبْوَابِ الْهَدْيِ بِلَفْظِ فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَهَذَا لَا يُنَافِي إِنْكَارَ بن عُمَرَ عَلَى أَنَسٍ كَوْنَهُ نَقَلَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنَ الْمَغَازِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ إِنْكَارِهِ كَوْنَهُ نَقَلَ أَنَّهُ أَهَلَّ بِهِمَا مَعًا وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لَكِنَّ جَزْمَهُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْعُمْرَةِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ فَهُوَ مَرْجُوحٌ وَقِيلَ أَهَلَّ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِأَنْ يَفْسَخُوا حَجَّهُمْ فَيَجْعَلُوهُ عُمْرَةً وَفَسَخَ مَعَهُمْ وَمَنَعَهُ مِنَ التَّحَلُّلِ مِنْ عُمْرَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ فَاسْتَمَرَّ مُعْتَمِرًا إِلَى أَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ حَتَّى تَحَلَّلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا وَآخِرًا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ الْجَمْعَ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَقِيلَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِمِنًى وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَنْ رَجَّحَ أَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْقِرَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ نَفَى أَنْ يَكُونَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا فِي أَوَّلِ الْحَالِ وَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ فَيَجْتَمِعُ الْقَوْلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمْ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1500 ... غــ : 1564 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ

اعْتَمَرْ.
قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: حِلٌّ كُلُّهُ".

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: ( حدّثنا ابن طاوس) عبد الله ( عن أبيه) طاوس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كانوا) أي أهل الجاهلية ( يرون) بفتح الياء أي يعتقدون.
وقال فى المصابيح كالتنقيح وغيره بضمها أي يظنون ( أن العمرة) أي الإحرام بها ( في أشهر الحج) شوّال وذي القعدة وتسع من ذي الحجة وليلة النحر أو عشر أو ذي الحجة بكماله على الخلاف السابق ( من أفجر الفجور) من باب: جدّ جدّه وشعر شاعر، والفجور الانبعاث في المعاصي فجر يفجر من باب نصر ينصر أي من أعظم الذنوب ( في الأرض) ، وهذا من مبتدعاتهم الباطلة التي لا أصل لها.
وسقط حرف الجر في رواية أبي الوقت فأفجر نصب على المفعولية، ولابن حبان من طريق أخرى عن ابن عباس قال: والله ما أعمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر الشرك، فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون فذكر نحوه.
قال في الفتح: فعرف بهذا تعيين المعتمدين، ( ويجعلون) أي يسمون ( المحرّم صفرًا) ، بالتنوين والألف كذا رأيته في ثلاثة أصول من فروع اليونينية لأنه مصروف.
قال النووي كعياض بلا خلاف.
نعم هو في بعض الأصول صفر بفتح الراء من غير ألف ولا تنوين وكذا هو في أصل الدمياطي الحافظ.
وقال الحافظ ابن حجر: إنه كذلك في جميع الأصول من الصحيحين، وظاهره أنه لم يقف على اليونينية لكن رأيت خطه الكريم بالتبليغ على الفروع في غير ما موضع والله أعلم.

وقال النووي: كان ينبغي أن يكتب بالألف ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبًا لأنه مصروف بلا خلاف انتهى.
وهذا جار على لغة ربيعة لأنهم يكتبون المنصوب بغير ألف فلا يلزم منه أن لا يصرف فيقرأ بغير ألف، لكن حكى صاحب الحكم عن أبي عبيدة أنه كان لا يصرفه فقيل له لا يمتنع الصرف حتى تجتمع علتان فما هما؟ قال: المعرفة والساعة.
وفسر المطرزي الساعة بالزمان لأن الأزمنة ساعات والساعات مؤنثة، والمعنى أنهم يجعلون صفرًا من الأشهر الحرم ولا يجعلون المحرم منها لئلا تتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة فيضيق عليهم ما اعتادوه من الغارة بعضهم على بعض فضللهم الله بذلك فقال: { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة: 37] ، أي إنما تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر قال المفسرون: كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرًا حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد ويحرمونه عامًا فيتركونه على حرمته.
وقيل: إن أول من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني كان يقوم على جمل في الموسم فينادي: إن آلهتكم قد أحلت لكم الحرم فأحلوه، ثم ينادي في القبائل: إن آلهتكم قد حرمت عليكم الحرم فحرموه، وقيل القلمس واسمه حذيفة بن عبيد الكناني وقيل غير ذلك.
وقال ابن دريد: الصفران شهران من السنة سمي أحدهما في الإسلام المحرم وقد سمي بذلك لإصفار مكة من

أهلها.
وقال الفراء: لأنهم كانوا يخلون البيوت فيه لخروجهم إلى البلاد، وقيل كانوا يزيدون في كل أربع سنين شهرًا يسمونه صفرًا الثاني فتكون السنة ثلاثة عشر شهرًا، ولذلك قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "السنة اثنتا عشر شهرًا" وكانوا يتطيرون ويرون أن الآفات فيه واقعة.

( ويقولون: إذا برأ) بفتح الموحدة والراء من غير همزة في اليونينية.
وفي المصابيح كالتنقيح بالهمزة موافقة لكثير من الأصول أي أفاق ( الدبر) ، بفتح الدال المهملة والموحدة الجرح الذي يكون في ظهر الإبل من اصطكاك الأقتاب ( وعفا الأثر) ، أي ذهب أثر سير الحاج من الطريق وانمحى بعد رجوعهم بوقوع الأمطار وغيرها لطول الأيام أو ذهب أثر الدبر، ولأبي داود: وعفا الوبر بالواو أي كثر وبر الإبل الذي حلق بالرحال، ( وانسلخ صفر) الذي هو المحرم في نفس الأمر وسموه صفرًا أي إذا انقضى وانفصل شهر صفر ( حلت العمرة لمن اعتمر) .
بالسكون في الأربعة وذلك لأنهم لما جعلوا المحرم صفر ألزم منه أن تكون السنة ثلاثة عشر شهرًا، والمحرم الذي سموه صفرًا آخر السنة وآخر أشهر الحج على طريق التبعية إذ لا يبرأ دبر إبلهم في أقل من هذه المدة، وهي ما بين أربعين يومًا إلى خمسين يومًا غالبًا، وجعلوا أول أشهر الاعتمار شهر المحرم الذي هو الأصل صفر، والراء التي تواطأت عليها الفواصل في الدبر والثلاثة بعد ساكنة للسجع، ولو حركت فات الغرض المطلوب من السجع.

( قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) أي فقدم فأسقط فاء العطف في هذه الرواية وهي ثابتة عنده في أيام الجاهلية من رواية مسلم بن إبراهيم عن وهيب بن خالد كمسلم في صحيحه من طريق بهز بن أسد عن وهيب أيضًا ( صبيحة) ليلة ( رابعة) من ذي الحجة يوم الأحد حال كونهم ( مهلين بالحج) أي ملبين به كما فسر في رواية إبراهيم بن الحجاج ولفظه: وهم يلبون بالحج ولا يلزم من إهلاله عليه الصلاة والسلام بالحج أن لا يكون قارنًا فلا حجة فيه لمن قال: إنه عليه الصلاة والسلام كان مفردًا ( فأمرهم) عليه الصلاة والسلام ( أن يجعلوها) أي يقلبوا الحجة ( عمرة) ، ويتحللوا بعملها فيصيروا متمتعين، وهذا الفسخ خاص بذاك الزمن خلافًا لأحمد كما مرّ غير مرة.
( فتعاظم) وفي رواية إبراهيم بن الحجاج: فكبر ( ذلك) الاعتمار في أشهر الحج ( عندهم) لما كانوا يعتقدونه أولاً من أن العمرة فيها من أفجر الفجور ( فقالوا) : بعد أن رجعوا عن اعتقادهم ( يا رسول الله أي الحل؟) أي هل هو الحل العام لكل ما حرم بالإحرام حتى الجماع أو حلّ خاص لأنهم كانوا محرمين بالحج؟ وكأنهم كانوا يعرفون أن له تحللين ( قال) : عليه الصلاة والسلام:
( حل كله) أي حل يحل فيه كل ما يحرم على المحرم حتى غشيان النساء، لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد.
وعند الطحاوي أي الحل يحل؟ قال: الحل كله.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في أيام الجاهلية، ومسلم في الحج وكذا النسائي.


هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :1500 ... غــ :1564 ]
- حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ حدَّثنا ابنُ طَاوُوسٍ عَنْ أبِيهِ عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانُوا يَرَوْنَ أنَّ العُمْرَةَ فِي أشْهُرِ الحَجِّ من أفْجَرِ الْفُجُورَ فِي الأرْضِ ويَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفرا ويَقُولونَ إذَا بَرَأ الدَّبَرْ وعَفا الأثَرْ وانْسَلَخَ صَفَرْ حلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ.
قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بالْحَجِّ فأمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فتعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقالُوا يَا رسُولَ الله أيُّ الحلِّ قَالَ حِل كُلّهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأَمرهمْ أَن يجعلوها عمْرَة) ، وَهِي فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، وَرِجَال الحَدِيث قد تقدمُوا غير مرّة، ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله، يروي عَن أَبِيه طَاوُوس.

وَأخرجه ابخاري أَيْضا فِي أَيَّام الْجَاهِلِيَّة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن حَاتِم.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبد الْأَعْلَى.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كَانُوا) أَي: أهل الْجَاهِلِيَّة.
قَوْله: (يرَوْنَ) ، أَي: يَعْتَقِدُونَ أَن الْعمرَة إِلَى آخِره، وروى دَاوُد (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: وَالله مَا أعمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَائِشَة فِي ذِي الْحجَّة إلاَّ ليقطع بذلك أَمر أهل الشّرك، فَإِن هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش من دَان دينهم كَانُوا يَقُولُونَ: إِذا عَفا الْأَثر وبرأ الدبر وَدخل صفر فقد حلت الْعمرَة لمن اعْتَمر، وَكَانَ يحرمُونَ الْعمرَة حَتَّى يَنْسَلِخ ذُو الْحجَّة وَالْمحرم) .
وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا، فَفِي هَذَا تعْيين الْقَائِلين الْمَذْكُورين فِي قَوْله: وَيَقُولُونَ: قَوْله: (من أفجر الْفُجُور) ، أَي: من أعظم الذُّنُوب، وَهَذَا من تحكماتهم الْبَاطِلَة الْمَأْخُوذَة من غير أصل، والفجور: الانبعاث فِي المعاضي، يُقَال: فجر يفجر فجورا من: بابُُ نصر ينصر.
قَوْله: (ويجعلون الْمحرم صفرا) أَي: يجْعَلُونَ الصفر من الْأَشْهر الْحرم، وَلَا يجْعَلُونَ الْمحرم مِنْهَا.
قَوْله: (صفر) قَالَ بَعضهم: كَذَا هُوَ فِي جَمِيع الْأُصُول من الصَّحِيحَيْنِ،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) قَوْله: (صفرا) هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ مَصْرُوف بِلَا خلاف، وَوَقع فِي مُسلم، رَحمَه الله تَعَالَى: صفر بِغَيْر ألف.
قلت: هَذَا يرد مَا قَالَه بَعضهم،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّوْضِيح) : قَوْله: صفر، كَذَا هُوَ بِغَيْر ألف فِي أصل الدمياطي، رَحمَه الله تَعَالَى.
وَفِي مُسلم: الصَّوَاب صفرا بِالْألف..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: كَانَ يَنْبَغِي أَن يكْتب بِالْألف، وَلَكِن على تَقْدِير حذفهَا لَا بُد من قِرَاءَته مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ منصرف..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: اللُّغَة الربيعية أَنهم يَكْتُبُونَ الْمَنْصُوب بِلَا ألف..
     وَقَالَ : وتقرأ هَذِه الْأَلْفَاظ كلهَا سَاكِنة الآخر مَوْقُوفا عَلَيْهَا، لِأَن مُرَادهم السجع.
وَفِي (الْمُحكم) وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة لَا يصرفهُ، فَقيل لَهُ: لِمَ لم تصرفْهُ؟ لِأَن النَّحْوِيين قد أَجمعُوا على صرفه وَقَالُوا لَا يمْنَع الْحَرْف من الصّرْف إلاَّ العلتان فَأخْبرنَا بالعلتين فِيهِ؟ فَقَالَ: نعم، العلتان الْمعرفَة والساعة..
     وَقَالَ : أَبُو عمر الْمُطَرز، يرى أَن الْأَزْمِنَة كلهَا سَاعَات، والساعات مُؤَنّثَة،.

     وَقَالَ  عِيَاض: قيل صفر دَاء يكون فِي الْبَطن كالحيات إِذا اشْتَدَّ جوع الْإِنْسَان عضه،.

     وَقَالَ  رؤبة: هِيَ حَيَّة تلتوي فِي الْبَطن، وَهِي أعدى من الجرب عِنْد الْعَرَب قلت: هَذَا الْمَعْنى فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صفر، وَهَهُنَا غير مُنَاسِب،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: قَالَت الْعلمَاء: المُرَاد الْإِخْبَار عَن النسيء الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة، فَكَانُوا يسمون الْمحرم صفرا، ويحلونه، ويؤخرون تَحْرِيم الْمحرم إِلَى نفس صفر، لِئَلَّا يتوالى عَلَيْهِم ثَلَاثَة أشهر مُحرمَة، فيضيق عَلَيْهِم فِيهَا مَا اعتادوه من الْمُقَاتلَة والغارة والنهب، فضللهم الله فِي ذَلِك فَقَالَ: { إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا} (التَّوْبَة: 73) ..
     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ، النسيء، هُوَ تَأْخِير حُرْمَة الشَّهْر إِلَى شهر آخر وَرُبمَا زادوا فِي عدد الشَّهْر فيجعلونها ثَلَاثَة عشر أَو أَرْبَعَة عشر ليتسع لَهُم الْوَقْت،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: إِن الْعَرَب كَانُوا يؤخرون الْمحرم إِلَى صفر، وَهُوَ النسيء الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن، قَالَ تَعَالَى: { إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} (التَّوْبَة: 73) ..
     وَقَالَ  الْكَلْبِيّ: أول من نسأ القلمّس واسْمه: حُذَيْفَة ابْن عبيد الْكِنَانِي، ثمَّ ابْنه عباد، ثمَّ ابْنه قلع بن عباد، ثمَّ أُميَّة بن قلع، ثمَّ عَوْف بن أُميَّة، ثمَّ جُنَادَة بن أُميَّة وَعَلِيهِ قَامَ الْإِسْلَام.
وَقيل: أول من نسأ نعيم بن ثَعْلَبَة، ثمَّ جُنَادَة، وَهُوَ الَّذِي أدْركهُ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقيل: مَالك بن كنَانَة، وَقيل: عَمْرو بن طَيء..
     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: الصفران شَهْرَان من السّنة سمي أَحدهمَا فِي الْإِسْلَام: الْمحرم، وَفِي (الْمُحكم) : قَالَ بَعضهم: سمي صفرا لأَنهم كَانُوا يمتارون الطَّعَام فِيهِ من الْمَوَاضِع،.

     وَقَالَ  بَعضهم: سمي بذلك لإصفار مَكَّة من أَهلهَا إِذا سافروا، وروى عَن رؤبة أَنه قَالَ: سموا الشَّهْر صفرا لأَنهم كَانُوا يغزون فِيهِ الْقَبَائِل فيتركون من لقوا صفرا من الْمَتَاع، وَذَلِكَ إِذا كَانَ صفر بعدالمحرم، فَقَالُوا: صفر النَّاس منَّا صفرا، فَإِذا جَمَعُوهُ مَعَ الْمحرم قَالُوا: صفران وَالْجمع أصفار..
     وَقَالَ  الْقَزاز: قَالُوا إِنَّمَا سموا الشَّهْر صفرا لأَنهم كَانُوا يخلون الْبيُوت فِيهِ لخروجهم إِلَى الْبِلَاد، يُقَال لَهَا الصفرية، يمتارون مِنْهَا.
وَقيل: لأَنهم كَانُوا يخرجُون إِلَى الْغَارة فَتبقى بُيُوتهم صفرا، وَفِي الْعلم الْمَشْهُور لأبي الْخطاب: الْعَرَب تَقول: صفر وصفران وصفارين وأصفار.
قَالَ: وَقيل: إِن الْعَرَب كَانُوا يزِيدُونَ فِي كل أَربع سِنِين شهرا يسمونه صفرا الثَّانِي، فَتكون السّنة ثَلَاثَة عشر شهرا، وَلذَلِك قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (السّنة اثْنَي عشر شهرا) وَكَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِهِ وَيَقُولُونَ: (إِن الْأُمُور فِيهِ منغلقة، والآفات فِيهِ وَاقعَة.
قَوْله: (إِذا برأَ الدبر) ، برأَ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة مَعْنَاهُ: إِذا أَفَاق، والدبر، بِفَتْح الدَّال وَالْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ الرَّاء، وَهُوَ مَا يتأثر فِي ظهر الْإِبِل بِسَبَب اصطكاك القتب وَالْحمل عَلَيْهَا فِي السّفر..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يَكُونُوا أَرَادوا برْء الدبر فِي ظهر الْإِبِل إِذا انصرفت من الْحَج..
     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الْجمع أدبار، ودبر دبرا، فَهُوَ دبر وَأدبر، وَالْأُنْثَى: دبرة ودبراء، وإبل دبراء، وَقد أدبرها الْحمل، قَالَ عِيَاض: وَقيل: هُوَ أَن يقرح خف الْبَعِير.
قَوْله: (وَعَفا الْأَثر) أَي: ذهب أثر الدبر، يُقَال: عَفا الشَّيْء بِمَعْنى درس، وَوَقع فِي (سنَن أبي دَاوُد) وَعَفا الْوَبر: يَعْنِي كثر وبر الْإِبِل الَّذِي حلقته رحال الْحَاج، وَعفى من الأضداد،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْمَعْرُوف فِي عَامَّة الرِّوَايَات: عَفا الْوَبر يَعْنِي بِالْوَاو كَمَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، قَالَ تَعَالَى: { حَتَّى عفوا وَقَالُوا} (الْأَعْرَاف: 59) .
أَي: كَثُرُوا.
قَوْله: (حلت الْعمرَة) أَي: صَار الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ لمن أَرَادَ أَن يحرم بهَا جَائِزا..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مَا وَجه تعلق انسلاخ صفر بالاعتمار فِي أشهر الْحَج الَّذِي هُوَ الْمَقْصُود من الحَدِيث، وَالْمحرم وصفر ليسَا من أشهر الْحَج؟ فَأجَاب بقوله: لما سموا الْمحرم صفرا.
وَكَانَ من جملَة تصرفاتهم فعل السّنة ثَلَاثَة عشر شهرا، صَار صفر على هَذَا التَّقْدِير آخر السّنة وَآخر أشهر الْحَج، إِذْ لَا برْء فِي أقل من هَذِه الْمدَّة غَالِبا.
وَأما ذكر انسلاخ صفر الَّذِي من الْأَشْهر الْحرم بزعمهم فلأجل أَنه لَو وَقع قتال فِي الطَّرِيق، وَفِي مَكَّة لقدروا على الْمُقَاتلَة، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا انْقَضى شهر الْحَج وأثره، والشهر الْحَرَام، جَازَ الاعتمار، أَو يُرَاد بالصفر الْمحرم، وَيكون إِذا انْسَلَخَ صفر كالبيان وَالْبدل لقَوْله: (إِذا برأَ الدبر) فَإِن الْغَالِب أَن البرى لَا يحصل من أثر سفر الْحَج إلاَّ فِي هَذِه الْمدَّة، وَهِي مَا بَين أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَى خمسين، وَنَحْوه.
قَوْله: (قدم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، كَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَوَقع فِي رِوَايَة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن وهيب فِي أَيَّام الْجَاهِلِيَّة بِلَفْظ: فَقدم، بِزِيَادَة فَاء الْعَطف، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق بهز بن أَسد والإسماعيلي من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج، كِلَاهُمَا عَن وهيب وَهُوَ الْوَجْه.
قَوْله: (صَبِيحَة رَابِعَة) أَي: لَيْلَة رَابِعَة من ذِي الْحجَّة، وَهِي يَوْم الْأَحَد.
قَوْله: (مهلِّين) نصب على الْحَال، أَي: حَال كَونهم مهلين بِالْحَجِّ، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج: وهم يلبون بِالْحَجِّ، وَهَذِه الرِّوَايَة تفسر قَوْله: مهلين، قَوْله: (فتعاظم ذَلِك) أَي: الاعتمار فِي أشهر الْحَج، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج: فَكبر ذَلِك عِنْدهم، أَرَادَ أَنه تعاظم عِنْدهم مُخَالفَة الْعِبَادَة الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا من تَأْخِير الْعمرَة عَن أشهر الْحَج.
قَوْله: (أَي الْحل) مَعْنَاهُ: أَي شَيْء من الْأَشْيَاء يحل علينا، لِأَنَّهُ قَالَ: اعتمروا وَأَحلُّوا، فَقَالَ: حل كُله، يَعْنِي جَمِيع مَا يحرم على الْمحرم حَتَّى الْجِمَاع، وَذَلِكَ تَمام الْحل، كَأَنَّهُمْ يعْرفُونَ أَن لِلْحَجِّ تحليلين، فأرادوا بَيَان ذَلِك بقَوْلهمْ: أَي الْحل، فَبين لَهُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحل كُله، لِأَن الْعمرَة لَيْسَ لَهَا إلاَّ تحلل وَاحِد، وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: (أَي الْحل نحل؟ قَالَ: الْحل كُله) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة الَّذِي بوب عَلَيْهِ.
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ دُخُول مَكَّة نَهَارا، وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبِه قَالَ عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر، وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ لأَصْحَاب الشَّافِعِي، وَالْوَجْه الثَّانِي: دُخُولهَا لَيْلًا وَنَهَارًا سَوَاء لَا فَضِيلَة لأَحَدهمَا على الآخر، وَهُوَ قَول طَاوُوس وَالثَّوْري، وَعَن عَائِشَة وَسَعِيد بن جُبَير وَعمر بن عبد الْعَزِيز: دُخُولهَا لَيْلًا أفضل من النَّهَار..
     وَقَالَ  مَالك: يسْتَحبّ دُخُولهَا نَهَارا، فَمن جاءها لَيْلًا فَلَا بَأْس بِهِ.
قَالَ: وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يدخلهَا لطواف الزِّيَارَة لَيْلًا.
وَفِيه: حجَّة لمن قَالَ: كَانَ حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُفردا، وَمن قَالَ: كَانَ قَارنا لَا يلْزم من إهلاله بِالْحَجِّ أَن لَا يكون أَدخل عَلَيْهِ الْعمرَة.