هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
110 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ ؟ قَالَ : لاَ ، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ . قَالَ : قُلْتُ : فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ ؟ قَالَ : العَقْلُ ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
110 حدثنا محمد بن سلام ، قال : أخبرنا وكيع ، عن سفيان ، عن مطرف ، عن الشعبي ، عن أبي جحيفة ، قال : قلت لعلي بن أبي طالب : هل عندكم كتاب ؟ قال : لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة . قال : قلت : فما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، ولا يقتل مسلم بكافر
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أَبِي جُحَيْفَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ ؟ قَالَ : لاَ ، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ . قَالَ : قُلْتُ : فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ ؟ قَالَ : العَقْلُ ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ .

Narrated Ash-Shu`bi:

Abu Juhaifa said, I asked `Ali, 'Have you got any book (which has been revealed to the Prophet (ﷺ) apart from the Qur'an)?' `Ali replied, 'No, except Allah's Book or the power of understanding which has been bestowed (by Allah) upon a Muslim or what is (written) in this sheet of paper (with me).' Abu Juhaifa said, I asked, 'What is (written) in this sheet of paper?' `Ali replied, it deals with The Diyya (compensation (blood money) paid by the killer to the relatives of the victim), the ransom for the releasing of the captives from the hands of the enemies, and the law that no Muslim should be killed in Qisas (equality in punishment) for the killing of (a disbeliever).

0111 Juhayfa rapporta : Je dis une fois à Ali : « Avez-vous quelque chose d’écrit autre que le Coran ? » « Non », répliqua-t-il « exception faite d’une compréhension donnée à tout homme et tirée du Livre de Dieu ou le contenu de ce feuillet. » « Et que contient ce feuillet ? » « Ce qui a trait au prix du sang, à la libération des prisonniers et ceci: un musulman ne doit être tué pour un mécréant. »  

":"ہم سے محمد بن سلام نے بیان کیا ، انہیں وکیع نے سفیان سے خبر دی ، انھوں نے مطرف سے سنا ، انھوں نے شعبی رحمہ اللہ سے ، انھوں نے ابوحجیفہ سے ، وہ کہتے ہیں کہمیں نے حضرت علی رضی اللہ عنہ سے پوچھا کہ کیا آپ کے پاس کوئی ( اور بھی ) کتاب ہے ؟ انھوں نے فرمایا کہ نہیں ، مگر اللہ کی کتاب قرآن ہے یا پھر فہم ہے جو وہ ایک مسلمان کو عطا کرتا ہے ۔ یا پھر جو کچھ اس صحیفے میں ہے ۔ میں نے پوچھا ، اس صحیفے میں کیا ہے ؟ انھوں نے فرمایا ، دیت اور قیدیوں کی رہائی کا بیان ہے اور یہ حکم کہ مسلمان ، کافر کے بدلے قتل نہ کیا جائے ۔

0111 Juhayfa rapporta : Je dis une fois à Ali : « Avez-vous quelque chose d’écrit autre que le Coran ? » « Non », répliqua-t-il « exception faite d’une compréhension donnée à tout homme et tirée du Livre de Dieu ou le contenu de ce feuillet. » « Et que contient ce feuillet ? » « Ce qui a trait au prix du sang, à la libération des prisonniers et ceci: un musulman ne doit être tué pour un mécréant. »  

شرح الحديث من عمدة القاري

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    ( بابُُ كِتَابَةِ العلْمِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كِتَابَة الْعلم، وَهَذَا الْبابُُ فِيهِ اخْتِلَاف بَين السّلف فِي الْعَمَل وَالتّرْك مَعَ إِجْمَاعهم على الْجَوَاز، بل على اسْتِحْبابُُه، بل لَا يبعد وُجُوبه فِي هَذَا الزَّمَان لقلَّة اهتمام النَّاس بِالْحِفْظِ، وَلَو لم يكْتب يخَاف عَلَيْهِ من الضّيَاع والاندراس.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن فِي الْبابُُ السَّابِق حثا على الِاحْتِرَاز عَن الْكَذِب فِي النَّقْل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي هَذَا الْبابُُ أَيْضا حث على الِاحْتِرَاز.
عَن ضيَاع كَلَام الرَّسُول، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلَا سِيمَا من أهل هَذَا الزَّمَان، لقُصُور هممهم فِي الضَّبْط وتقصيرهم فِي النَّقْل.



[ قــ :110 ... غــ :111 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنِ سَلاَمٍ قالَ: أخْبَرَنَا وَكِيعٌ عنْ سُفْيَانَ عنْ مطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِي عنْ أبي جُحَيْفَةَ قالَ:.

قُلْتُ لِعَليٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لاَ! إلاَّ كِتابُ اللَّهِ، أوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلمٌ، أوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ.
قالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قالَ: العَقْلُ، وَفَكاكُ الأسِير ولاَ يُقْتلُ مُسْلِمٌ بكافِرٍ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فِي هَذِه الصَّحِيفَة) ، لِأَن الصَّحِيفَة هِيَ الورقة الْمَكْتُوبَة، وَفِي ( الْعبابُ) : الصَّحِيفَة الْكتاب، وَالَّذِي يقْرَأ هُوَ الصَّحِيفَة.

بَيَان رِجَاله: وهم سَبْعَة.
الأول: مُحَمَّد بن سَلام، أَبُو عبد الله البيكندي، وَفِي ( الْكَمَال) : بتَخْفِيف اللَّام، وَقد يشدده من لَا يعرف.
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ بِالتَّشْدِيدِ لَا بِالتَّخْفِيفِ، وَقد تقدم.
الثَّانِي: وَكِيع بن الْجراح بن مليح بن عدي بن فرس بن حَمْحَمَة، وَقيل: غَيره، أَصله من قَرْيَة من قرى نيسابور، الرواسِي الْكُوفِي من قيس غيلَان، روى عَن الْأَعْمَش وَغَيره.
وَعَن أَحْمد.

     وَقَالَ : إِنَّه أحفظ من ابْن مهْدي.
.

     وَقَالَ  حَمَّاد بن زيد: لَو شِئْت قلت: إِنَّه أرجح من سُفْيَان، ولد سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة، وَمَات بفيد منصرفا من الْحَج يَوْم عَاشُورَاء سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة.
.

     وَقَالَ  ابْن معِين: مَا رَأَيْت أفضل من وَكِيع، وَكَانَ يُفْتِي بقول أبي حنيفَة، وَكَانَ قد سمع مِنْهُ شَيْئا كثيرا، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الثَّالِث: سُفْيَان، قَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الثَّوْريّ، وَأَن يُرَاد بِهِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، لِأَن وكيعا يروي عَنْهُمَا وهما يرويان عَن مطرف، وَلَا قدح بِهَذَا الالتباس فِي الْإِسْنَاد، لِأَن أيا كَانَ مِنْهُمَا فَهُوَ: إِمَام حَافظ ضَابِط عدل مَشْهُور على شَرط البُخَارِيّ، وَلِهَذَا يروي لَهما فِي ( الْجَامِع) شَيْئا كثيرا.
.

     وَقَالَ  بَعضهم عَن سُفْيَان: هُوَ الثَّوْريّ، لِأَن وكيعا مَشْهُور بالرواية عَنهُ، وَلَو كَانَ ابْن عُيَيْنَة لنسبه، لِأَن الْقَاعِدَة فِي كل من روى عَن مُتَّفق الِاسْم أَنه يحمل من أهمل نسبته على من يكون لَهُ بِهِ خُصُوصِيَّة من إكثار وَنَحْوه، ووكيع قَلِيل الرِّوَايَة عَن ابْن عُيَيْنَة بِخِلَاف الثَّوْريّ.
قلت: كل مَا ذكره لَيْسَ يصلح مرجحا أَن يكون سُفْيَان هَذَا هُوَ الثَّوْريّ، بعد أَن ثَبت رِوَايَة وَكِيع عَن سفيانين كليهمَا وروايتهما عَن مطرف، على أَن أَبَا مَسْعُود الدِّمَشْقِي قَالَ فِي ( الْأَطْرَاف) هَذَا هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
.

     وَقَالَ  الغساني فِي كِتَابه ( تَقْيِيد المهمل) هَذَا الحَدِيث مَحْفُوظ عَن ابْن عُيَيْنَة.
الرَّابِع: مطرف، بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالفاء: ابْن طريف، بطاء مُهْملَة مَفْتُوحَة: أَبُو بكر، وَيُقَال: أَبُو عبد الرَّحْمَن، الْكُوفِي الْحَارِثِيّ نِسْبَة إِلَى بني الْحَارِث بن كَعْب بن عَمْرو، وَيُقَال: الخارفي، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالفاء، نِسْبَة إِلَى خارف بن عبد الله.
وَثَّقَهُ أَحْمد وَغَيره، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الْخَامِس: عَامر الشّعبِيّ، وَقد تقدم.
السَّادِس: أَبُو جُحَيْفَة، بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء، واسْمه وهب بن عبد الله السوَائِي، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وبالمد، الْكُوفِي.
رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، اتفقَا على حديثين، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بحديثين، وَمُسلم بِثَلَاثَة.
وَكَانَ عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، يُكرمهُ وَيُحِبهُ ويثق بِهِ وَجعله على بَيت المَال بِالْكُوفَةِ، وَشهد مَعَه مشاهده كلهَا وَنزل الْكُوفَة، وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين، روى لَهُ الْجَمَاعَة، وَكَانَ من صغَار الصَّحَابَة.
قيل: توفّي رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلم يبلغ الْحلم، وَالله أعلم.
السَّابِع: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله عَنهُ.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم كوفيون إلاَّ شيخ البُخَارِيّ وَقد دخل فِيهَا.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

بَيَان اخْتِلَاف الرِّوَايَات: قَوْله: ( حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام) كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَآخَرين، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: حَدثنَا ابْن سَلام.
قَوْله: ( عَن الشّعبِيّ) وَفِي رِوَايَة المُصَنّف فِي الدِّيات: ( سَمِعت الشّعبِيّ) .
قَوْله: ( عَن أبي جُحَيْفَة) ، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الدِّيات: ( سَمِعت أَبَا جُحَيْفَة) .
وَقد صرح باسمه الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر، وَفِي الدِّيات عَن صَدَقَة بن الْفضل عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة كِلَاهُمَا عَن مطرف بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدِّيات عَن أَحْمد بن منيع عَن هشيم عَن مطرف نَحوه،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقود عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة نَحوه.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن عَلْقَمَة بن عَمْرو الدَّارِيّ عَن أبي بكر بن عَيَّاش عَن مطرف نَحوه.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: ( كتاب) أَي: مَكْتُوب من عِنْد رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَوْله: ( أَو فهم) وَهُوَ جودة الذِّهْن.
قَالَ الْجَوْهَرِي: فهمت الشَّيْء فهما وفهامية: عَلمته.
وَفُلَان فهيم، وَقد استفهمني الشَّيْء فأفهمته وفهمته تفهيما، وتفهم الْكَلَام إِذا فهمه شَيْئا بعد شَيْء.
قَوْله: ( الصَّحِيفَة) قد مر تَفْسِيرهَا.
قَوْله: ( الْعقل) أَي: الدِّيَة، وَإِنَّمَا سميت بِهِ لأَنهم كَانُوا يُعْطون فِيهَا الْإِبِل ويربطونها بِفنَاء دَار الْمَقْتُول بالعقال وَهُوَ: الْحَبل.
قَوْله: ( وفكاك الْأَسير) بِكَسْر الْفَاء، وَهُوَ مَا يفتك بِهِ.
وفكه وافتكه بِمَعْنى أَي: خلصه، وَيجوز فتح الْفَاء أَيْضا.
قَالَ الْقَزاز: الْفَتْح أفْصح.
وَفِي ( الْعبابُ) : فك يفك فكا وفكوكا، وَفك الرَّهْن إِذا خلصه، وفكاك الرَّهْن وفكاكه مَا يفتك بِهِ عَن الْكسَائي.
وَفك الرَّقَبَة أَي: أعْتقهَا، وفككت الشَّيْء أَي خلصته،، وكل مشتبكين فصلتهما فقد فككتهما.
قَوْله: ( الْأَسير) فعيل بِمَعْنى المأسور من أسره إِذا شده بالإسار، وَهُوَ الْقد، بِكَسْر الْقَاف وبالمهملة، لأَنهم كَانُوا يشدون الْأَسير بالقد، وَيُسمى كل أخيد أَسِيرًا وَإِن لم يشد بِهِ.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( هَل) للاستفهام و: ( كتاب) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره قَوْله: ( عنْدكُمْ) مقدما.
قَوْله: ( لَا) أَي: لَا كتاب عندنَا إِلَّا كتاب الله، بِالرَّفْع، وَهُوَ اسْتثِْنَاء مُتَّصِل لِأَن الْمَفْهُوم من الْكتاب كتاب أَيْضا، لِأَن المفاهيم تَوَابِع المناطيق.
قَوْله: ( أَو فهم) بِالرَّفْع عطف على: كتاب الله.
و: ( أعْطِيه) بِصِيغَة الْمَجْهُول وَفتح الْيَاء أسْند إِلَى قَوْله: ( رجل) .
وَلكنه هُوَ الْمَفْعُول الأول النَّائِب عَن الْفَاعِل، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي.
قَوْله: ( مُسلم) صفة لرجل.
قَوْله: ( أَو مَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة) عطف على قَوْله: ( كتاب الله) وَكلمَة: مَا، مَوْصُولَة مُبْتَدأ، وَقَوله: فِي هَذِه الصَّحِيفَة، خَبره.
قَوْله: ( قلت: وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة؟) أَي: أَي شَيْء فِي هَذِه الصَّحِيفَة؟ فكلمة: مَا، استفهامية مُبْتَدأ، و: فِي هَذِه الصَّحِيفَة، خَبره.
وَفِي بعض النّسخ: فَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة، بِالْفَاءِ، وَكِلَاهُمَا للْعَطْف.
قَوْله: ( الْعقل) مَرْفُوع لِأَنَّهُ مُبْتَدأ حذف خَبره أَي: فِيهَا الْعقل، والمضاف فِيهِ مَحْذُوف أَيْضا، أَي: حكم الْعقل أَي: الدِّيَة، كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: ( وفكاك الْأَسير) كَلَام إضافي عطف على الْعقل.
قَوْله: ( وَلَا يقتل) بِضَم اللَّام وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( وَأَن لَا يقتل) بِزِيَادَة: أَن، الناصبة.
وَأَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء، وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره: وفيهَا عدم قتل مُسلم بِكَافِر، يَعْنِي: حُرْمَة قصاص الْمُسلم بالكافر، وَأما على رِوَايَة من روى: وَلَا يقتل، بِدُونِ: أَن، فَإِنَّهُ جملَة فعلية معطوفة على جملَة إسمية، أَعنِي قَوْله: ( الْعقل) لِأَن تَقْدِيره: وفيهَا الْعقل، كَمَا ذكرنَا.
وَالتَّقْدِير: وفيهَا الْعقل وفيهَا حُرْمَة قصاص الْمُسلم بالكافر.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ عطف الْجُمْلَة على الْمُفْرد؟ قلت: هُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: { فِيهِ آيَات بَيِّنَات مقَام إِبْرَاهِيم وَمن دخله كَانَ آمنا} ( آل عمرَان: 97) انْتهى.
قلت: لَيْسَ هَهُنَا عطف الْجُمْلَة على الْمُفْرد وَإِنَّمَا هُوَ عطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة، فَإِن أَرَادَ بقوله الْمُفْرد الْعقل فَهُوَ لَيْسَ بمفرد لِأَنَّهُ مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر، وَهُوَ جملَة، وَلَا هُوَ مثل لقَوْله تَعَالَى: { فِيهِ آيَات بَيِّنَات مقَام إِبْرَاهِيم} ( آل عمرَان: 97) ، لِأَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ الْجُمْلَة هَهُنَا مُفْرد، وَلِهَذَا قَالَ صَاحب ( الْكَشَّاف) : التَّقْدِير: مقَام إِبْرَاهِيم وَأمن من دخله، فَقدر الْجُمْلَة فِي حكم الْمُفْرد ليَكُون عطف مُفْرد على مُفْرد.
وَلم يقدر هَكَذَا، إلاَّ ليَصِح وُقُوع قَوْله { مقَام إِبْرَاهِيم} ( آل عمرَان: 97) عطف بَيَان لقَوْله: { آيَات بَيِّنَات} ( آل عمرَان: 97) ، لِأَن بَيَان الْجُمْلَة بِالْوَاحِدِ لَا يَصح.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( هَل عنْدكُمْ؟) الْخطاب لعليّ، رَضِي الله عَنهُ، وَالْجمع للتعظيم، أَو لإرادته مَعَ سَائِر أهل الْبَيْت، أَو للالتفات من خطاب الْمُفْرد إِلَى خطاب الْجمع على مَذْهَب من قَالَ من عُلَمَاء الْبَيَان: يكون مثله التفاتا، وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى: { يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} ( الطَّلَاق: 1) إِذْ لَا فرق بَين أَن يكون الِانْتِقَال حَقِيقَة أَو تَقْديرا عِنْد الْجُمْهُور.
قَوْله: ( كتاب) أَي: مَكْتُوب أخذتموه عَن رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مِمَّا أُوحِي إِلَيْهِ.
وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد: ( هَل عنْدكُمْ شَيْء من الْوَحْي إلاَّ مَا فِي كتاب الله؟) .
وَفِي رِوَايَته الْأُخْرَى فِي الدِّيات: ( هَل عنْدكُمْ شَيْء مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآن؟) وَفِي مُسْند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن جرير بن مطرف: ( هَل علمت شَيْئا من الْوَحْي؟) وَإِنَّمَا سَأَلَهُ أَبُو جُحَيْفَة عَن ذَلِك لِأَن الشِّيعَة كَانُوا يَزْعمُونَ أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، خص أهل بَيته، لَا سِيمَا عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بأسرار من علم الْوَحْي لم يذكرهَا لغيره، وَقد سَأَلَ عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن هَذِه الْمَسْأَلَة أَيْضا قيس بن عباد، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وَالْأَشْتَر النَّخعِيّ، وحديثهما فِي ( سنَن النَّسَائِيّ) .
قَوْله: ( قَالَ: لَا) .
أَي: لَا كتاب، أَي: لَيْسَ عندنَا كتاب غير كتاب الله تَعَالَى.
وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد: ( لَا، وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة) .
قَوْله: ( إِلَّا كتاب الله) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ بدل من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، وَالِاسْتِثْنَاء مُتَّصِل كَمَا ذكرنَا لِأَنَّهُ من جنسه، إِذْ لَو كَانَ من غير جنسه لَكَانَ قَوْله: ( أَو فهم) مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ عطف على الْمُسْتَثْنى، والمستثنى إِذا كَانَ من غير جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ يكون مَنْصُوبًا، وَمَا عطف عَلَيْهِ كَذَلِك وَقَول بَعضهم: الظَّاهِر أَن الِاسْتِثْنَاء فِيهِ مُنْقَطع غير صَحِيح.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: فِيهِ دَلِيل على أَنه كَانَ عِنْده أَشْيَاء مَكْتُوبَة من الْفِقْه المستنبط من كتاب الله، وَهُوَ المُرَاد من قَوْله: ( أَو فهم أعْطِيه رجل) .
قلت: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، بل المُرَاد من الْفَهم مَا يفهمهُ الرجل من فحوى الْكَلَام وَيدْرك من بواطن الْمعَانِي الَّتِي هِيَ غير الظَّاهِر من نَصه: كوجوه الأقيسة والمفاهيم وَسَائِر الاستنباطات، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الدِّيات بِلَفْظ: ( مَا عندنَا إلاَّ مَا فِي الْقُرْآن إلاَّ فهما يعْطى رجل فِي الْكتاب) .
وَالْمعْنَى: إلاَّ مَا فِي الْقُرْآن من الْأَشْيَاء المنصوصة، لَكِن إِن أعْطى الله رجلا فهما فِي كِتَابه فَهُوَ يقدر على استنباط أَشْيَاء أُخْرَى خَارِجَة عَن ظَاهر النَّص، وَمن أبين الدَّلِيل على أَن المُرَاد من الْفَهم مَا ذكرنَا، وَأَنه غير شَيْء مَكْتُوب، مَا رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن من طَرِيق طَارق بن شهَاب، قَالَ: شهِدت عليا، رَضِي الله عَنهُ، على الْمِنْبَر وَهُوَ يَقُول: ( وَالله مَا عندنَا كتاب نقرؤه إلاّ كتاب الله وَهَذِه الصَّحِيفَة) ، وَقد علمت أَن الْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا.
قَوْله: ( أَو مَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة) ، وَكَانَت هَذِه معلقَة بقبضة سَيْفه إِمَّا احْتِيَاطًا أَو استحضارا وَإِمَّا لكَونه مُنْفَردا بِسَمَاع ذَلِك.
وروى النَّسَائِيّ من طَرِيق الأشتر: فَأخْرج كتابا من قرَاب سَيْفه.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَالظَّاهِر أَن سَبَب اقتران الصَّحِيفَة بِالسَّيْفِ الْإِشْعَار بِأَن مصَالح الدّين لَيست بِالسَّيْفِ وَحده، بل بِالْقَتْلِ تَارَة، وبالدية تَارَة، وبالعفو أُخْرَى.
.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيّ: كَلَام عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، أَنه لَيْسَ عِنْده سوى الْقُرْآن، وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخص بالتبليغ والإرشاد قوما دون قوم، وَإِنَّمَا وَقع التَّفَاوُت من قبل الْفَهم واستعداد الاستنباط، وَاسْتثنى مَا فِي الصَّحِيفَة احْتِيَاطًا لاحْتِمَال أَن يكون مَا فِيهَا مَا لَا يكون عِنْد غَيره فَيكون مُنْفَردا بِالْعلمِ بِهِ.
قَالَ: وَقيل: كَانَ فِيهَا من الْأَحْكَام غير مَا ذكر هُنَا، وَلَعَلَّه لم يذكر جملَة مَا فِيهَا، إِذْ التَّفْصِيل لم يكن مَقْصُودا حِينَئِذٍ، أَو ذكره وَلم يحفظ الرَّاوِي.
قلت: وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ وَمُسلم، من طَرِيق يزِيد التَّيْمِيّ عَن عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: ( مَا عندنَا شَيْء نقرؤه إلاَّ كتاب الله وَهَذِه الصَّحِيفَة، فَإِذا فِيهَا: الْمَدِينَة حرم) الحَدِيث.
وَلمُسلم عَن أبي الطُّفَيْل عَن عَليّ، رَضِي الله عَنهُ: ( مَا خصنا رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام، بِشَيْء لم يعم بِهِ النَّاس كَافَّة إلاَّ مَا فِي قرَاب سَيفي هَذَا، فَأخْرج صحيفَة مَكْتُوبَة فِيهَا: لعن الله من ذبح لغير الله) الحَدِيث.
وللنسائي من طَرِيق الأشتر وَغَيره عَن عَليّ: فَإِذا فِيهَا: ( الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ، يسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم) الحَدِيث.
وَلأَحْمَد من طَرِيق ابْن شهَاب: ( فِيهَا فَرَائض الصَّدَقَة) .
فَإِن قلت: كَيفَ الْجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث؟ قلت: الصَّحِيفَة كَانَت وَاحِدَة، وَكَانَ جَمِيع ذَلِك مَكْتُوبًا فِيهَا، وَنقل كل من الروَاة مَا حفظه.
قَوْله: ( الْعقل) أَي: الدِّيَة، وَالْمرَاد أَحْكَامهَا ومقاديرها وأصنافها وَأَسْنَانهَا، وَكَذَلِكَ المُرَاد من قَوْله: ( وفكاك الْأَسير) حكمه وَالتَّرْغِيب فِي تخليصه، وَأَنه نوع من أَنْوَاع الْبر الَّذِي يَنْبَغِي أَن يهتم بِهِ.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: قَالَ ابْن بطال: فِيهِ مَا يقطع بِدعَة الشِّيعَة والمدعين على عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، أَنه الْوَصِيّ، وَأَنه الْمَخْصُوص بِعلم من عِنْد رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لم يعرفهُ غَيره حَيْثُ قَالَ: مَا عِنْده إلاَّ مَا عِنْد النَّاس من كتاب الله، ثمَّ أحَال على الْفَهم الَّذِي النَّاس فِيهِ على درجاتهم، وَلم يخص نَفسه بِشَيْء غير مَا هُوَ مُمكن فِي غَيره.

الثَّانِي: فِيهِ إرشاد إِلَى أَن للْعَالم الْفَهم أَن يسْتَخْرج من الْقُرْآن بفهمه مَا لم يكن مَنْقُولًا عَن الْمُفَسّرين، لَكِن بِشَرْط مُوَافَقَته لِلْأُصُولِ الشَّرْعِيَّة.

الثَّالِث: فِيهِ إِبَاحَة كِتَابَة الْأَحْكَام وتقييدها.

الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز السُّؤَال عَن الإِمَام فِيمَا يتَعَلَّق بخاصته.

الْخَامِس: احْتج بِهِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد على أَن الْمُسلم لَا يقتل بالكافر قصاصا، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَابْن شبْرمَة.
وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَزيد بن ثَابت، وَبِه قَالَ جمَاعَة من التَّابِعين مِنْهُم عمر بن عبد الْعَزِيز، وَإِلَيْهِ ذهب أهل الظَّاهِر.
.

     وَقَالَ  أَبُو بكر الرَّازِيّ قَالَ مَالك وَاللَّيْث بن سعد: إِن قَتله غيلَة قتل بِهِ وإلاَّ لم يقتل.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف فِي رِوَايَة وَمُحَمّد وَزفر: يقتل الْمُسلم بالكافر، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَمُحَمّد بن أبي ليلى وَعُثْمَان البتي، وَهُوَ رِوَايَة عَن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مَسْعُود وَعمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله عَنْهُم.
وَقَالُوا: وَلَا يقتل بالمستأمن والمعاهد.
.

     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة: احتجت الْحَنَفِيَّة بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْحسن بن أَحْمد عَن سعيد بن مُحَمَّد الرهاوي عَن عمار بن مطر عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي عَن ابْن عمر، رَضِي الله عَنْهُمَا، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( قتل مُسلما بمعاهد، ثمَّ قَالَ: أَنا أكْرم من وَفِي بِذِمَّتِهِ) .
ثمَّ قَالَت الشَّافِعِيَّة: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ غير إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى وَهُوَ مَتْرُوك، وَالصَّوَاب إرْسَاله، وَابْن الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف لَا تقوم بِهِ حجَّة إِذا وصل الحَدِيث فَكيف إِذا أرْسلهُ؟.

     وَقَالَ  مَالك وَيحيى بن سعيد وَابْن معِين: هُوَ كَذَّاب، يَعْنِي إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى.
.

     وَقَالَ  أَحْمد وَالْبُخَارِيّ: ترك النَّاس حَدِيثه.
وَابْن الْبَيْلَمَانِي اسْمه: عبد الرَّحْمَن، وَقد ضَعَّفُوهُ.
.

     وَقَالَ  أَحْمد: من حكم بحَديثه فَهُوَ عِنْدِي مخطىء، وَإِن حكم بِهِ حَاكم نقض.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: أجمع أهل الحَدِيث على ترك الْمُتَّصِل من حَدِيثه، فَكيف بالمنقطع؟.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيّ: إِنَّه مُنْقَطع لَا احتجاج بِهِ، ثمَّ إِنَّه خطأ إِذْ قيل: إِن الْقَاتِل كَانَ عَمْرو بن أُميَّة وَقد عَاشَ بعد الرَّسُول، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، سِنِين؛ ومتروك بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ روى أَن الْكَافِر كَانَ رَسُولا فَيكون مستأمنا لَا ذِمِّيا، وَأَن الْمُسْتَأْمن لَا يقتل بِهِ الْمُسلم وفَاقا، ثمَّ إِن صَحَّ فَهُوَ مَنْسُوخ لِأَنَّهُ روى أَنه كَانَ قبل الْفَتْح.
وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم الْفَتْح فِي خطْبَة خطبهَا على درج الْبَيْت الشريف: ( وَلَا يقتل مُسلم بِكَافِر، وَلَا ذُو عهد فِي عَهده) .
.

     وَقَالَ ت الْحَنَفِيَّة: لَا يتَعَيَّن علينا الِاسْتِدْلَال بِحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ، وَإِنَّمَا نَحن نستدل بالنصوص الْمُطلقَة فِي اسْتِيفَاء الْقصاص من غير فصل.
وَأما حَدِيث عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، فَلم يكن مُفردا، وَلَو كَانَ مُفردا لاحتمل مَا قُلْتُمْ، وَلكنه كَانَ مَوْصُولا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ قيس بن عباد وَالْأَشْتَر، فَإِن فِي روايتهما: لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر وَلَا ذُو عهد فِي عَهده، فَهَذَا هُوَ أصل الحَدِيث وَتَمَامه، وَهَذَا لَا يدل على مَا ذهبتم إِلَيْهِ، لِأَن الْمَعْنى على أصل الحَدِيث: لَا يقتل مُؤمن بِسَبَب قتل كَافِر، وَلَا يقتل ذُو عهد فِي عَهده بِسَبَب قتل كَافِر.
وَمن الْمَعْلُوم أَن ذَا الْعَهْد كَافِر، فَدلَّ هَذَا أَن الْكَافِر الَّذِي منع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقتل بِهِ مُؤمن فِي الحَدِيث الْمَذْكُور هُوَ الْكَافِر الَّذِي لَا عهد لَهُ، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ لأحد: أَن الْمُؤمن لَا يقتل بالكافر الْحَرْبِيّ، وَلَا الْكَافِر الَّذِي لَهُ عهد يقتل بِهِ أَيْضا، فحاصل معنى حَدِيث أبي جُحَيْفَة: لَا يقتل مُسلم وَلَا ذُو عهد فِي عَهده بِكَافِر.

فَإِن قَالُوا: كل وَاحِد من الْحَدِيثين كَلَام مُسْتَقل مُفِيد فَيعْمل بِهِ، فَمَا الْحَاجة إِلَى جَعلهمَا وَاحِدًا حَتَّى يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّأْوِيل؟ قُلْنَا: قد ذكر أَن أصل الحَدِيث وَاحِد فتقطيعه لَا يزِيل الْمَعْنى الْأَصْلِيّ، وَلَئِن سلمنَا أَن أَصله لَيْسَ بِوَاحِد، وَأَن كل وَاحِد حَدِيث بِرَأْسِهِ وَلَكِن الْوَاجِب حملهما على أَنَّهُمَا وردا مَعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يثبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك فِي وَقْتَيْنِ، مرّة من غير ذكر ذِي الْعَهْد، وَمرَّة مَعَ ذكر ذِي الْعَهْد، وَأَيْضًا إِن أصل هَذَا كَانَ فِي خطبَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة، وَقد كَانَ رجل من خُزَاعَة قتل رجلا من هُذَيْل فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَلا إِن كل دم كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ مَوْضُوع تَحت قدمي هَاتين، لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر، وَلَا ذُو عهد فِي عَهده) يَعْنِي، وَالله أعلم: الْكَافِر الَّذِي قَتله فِي الْجَاهِلِيَّة.
وَكَانَ ذَلِك تَفْسِير لقَوْله: ( كل دم كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ مَوْضُوع تَحت قدمي) .
لِأَنَّهُ مَذْكُور فِي خطاب وَاحِد فِي حَدِيث وَاحِد، وَقد ذكر أهل الْمَغَازِي أَن عهد الذِّمَّة كَانَ بعد فتح مَكَّة، وَأَنه إِنَّمَا كَانَ قبل، بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْمُشْركين، عهود إِلَى مدد لَا على أَنهم داخلون فِي ذمَّة الْإِسْلَام وَحكمه، وَكَانَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة: ( لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر) منصرفا إِلَى الْكفَّار المعاهدين، إِذْ لم يكن هُنَاكَ ذمِّي ينْصَرف الْكَلَام إِلَيْهِ، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: ( وَلَا ذُو عهد فِي عَهده) ، وَهَذَا يدل على أَن عهودهم كَانَت إِلَى مدد، وَلذَلِك قَالَ: ( وَلَا ذُو عهد فِي عَهده) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { فَأتمُّوا إِلَيْهِم عَهدهم إِلَى مدتهم} ( التَّوْبَة: 4) .

     وَقَالَ : { فسيحوا فِي الأَرْض أَرْبَعَة أشهر} ( التَّوْبَة: 2) وَكَانَ الْمُشْركُونَ حِينَئِذٍ على ضَرْبَيْنِ.
أَحدهمَا: أهل الْحَرْب وَمن لَا عهد بَينه وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَالْآخر: أهل الْمدَّة.
وَلم يكن هُنَاكَ أهل ذمَّة، فَانْصَرف الْكَلَام إِلَى الضربين من الْمُشْركين، وَلم يدْخل فِيهِ من لم يكن على أحد هذَيْن الوصفين، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام.

وَقَالَ بعض الْحَنَفِيَّة: وَقع الْإِجْمَاع على أَن الْمُسلم تقطع يَده إِذا سرق من مَال الذِّمِّيّ، فَكَذَا يقتل إِذا قَتله، وَإِن قَوْله: ( وَلَا ذُو عهد فِي عَهده) من بابُُ عطف الْخَاص على الْعَام، وَأَنه يَقْتَضِي تَخْصِيص الْعَام لِأَن الْكَافِر الَّذِي لَا يقتل بِهِ ذُو الْعَهْد هُوَ الْحَرْبِيّ دون الْمسَاوِي لَهُ والأعلى وَهُوَ الذِّمِّيّ، فَلَا يبْقى أحد يقتل بِهِ الْمعَاهد إلاَّ الْحَرْبِيّ، فَيجب أَن يكون الْكَافِر الَّذِي لَا يقتل بِهِ الْمُسلم هُوَ الْحَرْبِيّ، تَسْوِيَة بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ.

واعترضوا بِوُجُوه.
الأول: أَن الْوَاو لَيست للْعَطْف بل للاستئناف، وَمَا بعد ذَلِك جملَة مستأنفة فَلَا حَاجَة إِلَى الْإِضْمَار فَإِنَّهُ خلاف الأَصْل، فَلَا يقدر فِيهِ: بِكَافِر.
الثَّانِي: سلمنَا أَنه من بابُُ عطف الْمُفْرد، وَالتَّقْدِير: بِكَافِر، لَكِن الْمُشَاركَة بواو الْعَطف وَقعت فِي أصل النَّفْي لَا فِي جَمِيع الْوُجُوه، كَمَا إِذا قَالَ الْقَائِل: مَرَرْت بزيد مُنْطَلقًا وَعَمْرو.
قَالَ الشهَاب الْقَرَافِيّ: الْمَنْقُول عَن أهل اللُّغَة والنحو أَن ذَلِك لَا يَقْتَضِي أَنه مر بالمعطوف مُنْطَلقًا، بل الِاشْتِرَاك فِي مُطلق الْمُرُور.
الثَّالِث: أَن الْمَعْنى لَا يقتل ذُو عهد فِي عَهده خَاصَّة إِزَالَة لتوهم مشابهة الذِّمِّيّ، فَإِنَّهُ لَا يقتل وَلَا وَلَده الَّذِي لم يعاهد، لِأَن الذِّمَّة تَنْعَقِد لَهُ ولأولاده وهلم جرا، وَأما الْجَواب عَن الْقيَاس الْمَذْكُور: فَإِنَّهُ قِيَاس فِي مُقَابلَة النَّص، وَهُوَ قَوْله: ( وَلَا يقتل مُسلم بِكَافِر) فَلَا أثر لَهُ.

وَأجِيب عَن الأول: بِأَن الأَصْل فِي الْوَاو الْعَطف، وَدَعوى الِاسْتِئْنَاف يحْتَاج إِلَى بَيَان.
وَعَن الثَّانِي: بِأَن مَا ذكرْتُمْ فِي عطف الْمُفْرد، وَهَذَا عطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة، وَكَذَلِكَ الْمَعْطُوف فِي الْمِثَال الَّذِي ذكره الْقَرَافِيّ مُفْرد.
وَعَن الثَّالِث: بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَت الْوَاو للاستئناف، وَقد قُلْنَا: إِنَّه يحْتَاج إِلَى الْبَيَان، وَأَيْضًا فمعلوم أَن ذَا الْعَهْد يحظر قَتله مَا دَامَ فِي عَهده، فَلَو حملنَا قَوْله: ( وَلَا ذُو عهد فِي عَهده) ، على أَن لَا يقتل ذُو عهد فِي عَهده لأخلينا اللَّفْظ عَن الْفَائِدَة، وَحكم كَلَام النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حمله على مُقْتَضَاهُ فِي الْفَائِدَة، وَلَا يجوز إلغاؤه وَلَا إِسْقَاط حكمه، وَالْقِيَاس إِنَّمَا يكون فِي مُقَابلَة النَّص إِذا كَانَ الْمَعْنى على مَا ذكرْتُمْ، وَهُوَ غير صَحِيح، وعَلى مَا ذكرنَا يكون الْقيَاس فِي مُوَافقَة النَّص فَافْهَم.
وَأما قَول الْبَيْضَاوِيّ: إِنَّه مُنْقَطع، فَإِنَّهُ لَا يضر عندنَا، لِأَن الْمُرْسل حجَّة عندنَا.
وجزمه بِأَنَّهُ خطأ غير صَحِيح لِأَن الْقَاتِل يحْتَمل أَن يكون اثْنَيْنِ قتل أَحدهمَا وعاش الآخر بعد النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وَقَوله: إِنَّه مَنْسُوخ وَقد كَانَ قبل الْفَتْح، غير صَحِيح، لما ذكرنَا أَن أصل الحَدِيث كَانَ فِي خطبَته، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من فتح مَكَّة.
فَافْهَم.