هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
103 وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً ، الْفِقْهُ يَمَانٍ ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
103 وحدثني عمرو الناقد ، وحسن الحلواني ، قالا : حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد ، حدثنا أبي ، عن صالح ، عن الأعرج ، قال : قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة ، الفقه يمان ، والحكمة يمانية
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن الأعرج قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاكم أهل اليمن.
هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة.
الفقه يمان والحكمة يمانية.



المعنى العام

القلوب كالمعادن، تصفو وترق وتشع وتجلو، وتؤدي رسالتها، وتصل إلى غايتها إن حوفظ عليها من الفساد، وتعهدت بما يحفظ لها الحسن والجمال.

ثم هي تصدأ وتغلظ، وتجمد وتسود، وتعجز عن أداء مهمتها، وتقعد عن غايتها وتنعدم فائدتها، بل قد ينتشر ضررها إن هي أهملت، وتركت لعوامل البوار والخسران.

نعم.
وللقلوب طلاء كطلاء المعادن، وإرهاف كإرهاف الذهب ورنينه.
ذلك الطلاء هو التدبر في كتاب الله، والنظر في مخلوقات الله، واتخاذ أسباب التواضع والرفق والحلم والرحمة والخوف والوجل.

نعم.
وللقلوب صدأ كصدأ الحديد، وسواد ودخان يتكاثف عليها كتكاثفه على النحاس بفعل النار، يجلبه الغرور وكثرة المال، والتكالب على الدنيا، والاشتغال بالماديات، وقد وصف القرآن الكريم الصنف الأول فقال: { { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } } [الأنفال: 2] .

{ { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } } [الرعد: 28] { { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون } } [المؤمنون: 60] .
{ { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } } [الزمر: 23] .

ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله جاء أهل اليمن، هم أرق أفئدة، وأضعف قلوبا، الإيمان يمان.
والحكمة يمانية.
السكينة والوقار في أصحاب الشاء.

كما وصف القرآن الكريم الصنف الثاني من القلوب فقال { { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } } [الكهف: 28] .
{ { لهم قلوب لا يفقهون بها } } [الأعراف: 179] .
{ { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } } [الحج: 46] .
{ { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } } [محمد: 24] .
{ { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة } } [البقرة: 74] .

ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله غلظ القلوب والجفاء في المشرق.
الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الخيل والإبل والوبر.

ويهدف الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بيان اختلاف القلوب إلى إعطاء كل ذي حق حقه من المدح أو الذم، إلى إعطاء اليمنيين الذين سارعوا إلى قبول الإيمان، والتخلق بأخلاق الإسلام حقهم من الثناء عليهم.
أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية، السكينة والوقار في أهل الغنم [أي أهل اليمن] وقال فيهم في حديث آخر إن الأشعريين [وهم يمنيون] كانوا إذا أرملوا في الغزو جمعوا ما عندهم ثم اقتسموا بينهم فهم مني وأنا منهم .

وإلى إعطاء ربيعة ومضر والفدادين الذين قست قلوبهم، وأعرضوا عن الإيمان، حقهم من الذم وأنهم رأس الكفر، ومصدر الفتن، وأهل الفخر والخيلاء، والصفات الذميمة التي لا يقبلها الدين الحنيف.

فاللهم اشرح صدورنا، ويسر أمورنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا.

وثبت قلوبنا على الإسلام.

المباحث العربية

( ألا إن الإيمان ههنا) ألا أداة استفتاح وتنبيه، تدل على تحقق ما بعدها، وهي في الأصل مركبة من الهمزة ولا وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق، قال الزمخشري: ولكونها بهذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم.

( وإن القسوة وغلظ القلوب) وفي رواية البخاري والجفاء وغلظ القلوب قال القرطبي: الجفاء وغلظ القلوب شيئان لمسمى واحد، كقوله تعالى { { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } } [يوسف: 86] والبث هو الحزن.
اهـ.

ويبدو لي أن الجفاء والقسوة كالبلادة والفظاظة، أثر من آثار غلظ القلوب إذا استعملنا غلظ القلوب في معناه الأصلي، أما إذا استعملنا السبب في المسبب عنه فإنه يتأتى أن يكون الجفاء وغلظ القلوب لمسمى واحد، كما يقول القرطبي، والأولى أن يراد بالجفاء والقسوة سوء الخلق في الظاهر من الأقوال والأفعال وبغلظ القلوب سوء الخلق في الأمور الباطنة.

( في الفدادين عند أصول أذناب الإبل) الفدادين بتشديد الدال الأولى، جمع فداد، وهو شديد الصوت، من الفديد، وهو الصوت الشديد، وأصول أذناب الإبل طرفها الملاصق للجسم، والمعنى: أن القسوة وغلظ القلوب في المكثرين من الإبل، الذين تعلو أصواتهم خلفها عند سوقهم لها.

وزعم أبو عمرو الشيباني أن الفدادين بتخفيف الدال جمع فداد بتشديدها، ومعناه البقر الذي يحرث عليها، والمراد أصحابها، وأنكر اللغويون هذا المعنى، والصواب الأول.

( حيث يطلع قرنا الشيطان) قرنا الشيطان جانبا رأسه، وهو كناية عن المشرق كأنه قال: حيث تطلع الشمس، فقد عبر في الحديث بأن الشمس تطلع بين قرني الشيطان، لأن أهل المشرق كانوا يعبدون الشمس وعبادة الشمس من الشيطان، ولهذا قيل في المعنى: قرنا الشيطان جمعاه اللذان يغري بهما الناس ويضلهم، أو شيعتاه من الكفار، فليس المقصود القرن والشيطان وإنما المقصود حيث يكثر تسلط الشيطان، كما قال في الرواية الرابعة رأس الكفر نحو المشرق وفي الرواية الخامسة والكفر قبل المشرق وفي الرواية السادسة قبل مطلع الشمس .

( في ربيعة ومضر) بدل من الفدادين بإعادة الجار، أي القسوة في الفدادين من ربيعة ومضر، وربيعة ومضر كانوا يمثلون أغلبية سكان أهل المشرق.

( جاء أهل اليمن، هم أرق أفئدة) المفضل عليه محذوف، أي هم أرق أفئدة ممن سواهم، أو من أهل المشرق، وهو الأولى، والمشهور أن الفؤاد هو القلب، وعليه تكون الرواية الثالثة هم أضعف قلوبا، وأرق أفئدة تكريرا لمراد واحد بلفظين، وهو أولى من تكريره بلفظ واحد، وقيل: الفؤاد غير القلب، فإنه عين القلب، أو باطن القلب، أو غشاء القلب، والأحسن أن يراد بالفؤاد القوة العاقلة وهي في الرأس، وأما الوصف باللين والرقة والضعف فالمراد منه أنها ذات خشية واستكانة، وأنها سريعة الاستجابة والتأثر، لأن الغشاء إذا رق سهل نفوذ الشيء إلى ما وراءه.

( الإيمان يمان) أصله يمني بياء النسب المشددة، فخففت الياء وزيدت الألف عوضا عن ياء النسب، فقيل اليماني، ويمانية بتخفيف الياء إذ لا يجمع بين العوض والمعوض، هذا عند جمهور أهل العربية، وحكى بعضهم أن تشديد الياء مع زيادة الألف لغة.

ومعنى الإيمان يمان أن الإيمان في أهل اليمن، أي أنهم لصفات فيهم أسرع قبولا له.

وسيأتي تتمة هذا الكلام في فقه الحديث.

( والفقه يمان) الفقه في اللغة الفهم والفطنة، وغلب على الفهم في الدين، واصطلح بعد ذلك الفقهاء وأصحاب الأصول على تخصيص الفقه بإدراك الأحكام الشرعية العملية.

والمراد من الفقه في الحديث الفهم في الدين.

( والحكمة يمانية) في القاموس: الحكمة العدل والعلم والحلم.
اهـ.

وقال أبو بكر بن دريد: كل كلمة وعظتك وزجرتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح فهي حكمة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم إن من الشعر حكمة، وفي بعض الروايات حكما.

والمراد من الحكمة في الحديث العلم المشتمل على معرفة الله.

( رأس الكفر نحو المشرق) أي شدته وصلابته وأعلاه في أهل المشرق، ففي القاموس: رأس كل شيء أعلاه.

( والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل) الفخر هو الافتخار وعد المآثر القديمة تعظيما.
ومنه الإعجاب بالنفس، والخيلاء الكبر واحتقار الناس، وفي الرواية الخامسة الفخر والرياء والرياء إظهار حسن على خلاف الحقيقة.

( الفدادين أهل الوبر) بدل من أهل الخيل والإبل والبدل هو المقصود بالحكم، فكأنه قال: الفخر والخيلاء في الفدادين من أهل الخيل والإبل والوبر صوف الإبل، وليس في ذكر أهل الوبر مع ذكر أهل الإبل تكرار، فقد يكون أهل الإبل أشحاء على أنفسهم، فلا تظهر عليهم نعمتها، ولا يلبسون وبرها، وهو لبأس الأثرياء بخلاف صوف الغنم، والمقصود وصفهم بكونهم جامعين لكثرة الخيل وكثرة الإبل وكثرة الوبر.

( والسكينة في أهل الغنم) السكينة الطمأنينة والسكون والوقار والتواضع، وهي في مقابلة الفخر والخيلاء، فالمراد منها الوقار والتواضع.

( قبل مطلع الشمس) قبل بكسر القاف وفتح الباء، ومطلع بكسر اللام مكان الطلوع، أي جهة مكان طلوع الشمس، وهي بمعنى رواية حيث يطلع قرنا الشيطان ورواية نحو المشرق ورواية قبل المشرق.

( والسكينة والوقار في أصحاب الشاء) عطف الوقار على السكينة عطف تفسير للمراد، وأصحاب الشاء هم أهل الغنم.

فقه الحديث

حاول بعض العلماء صرف نسبة الإيمان إلى أهل اليمن عن ظاهرها، حيث إن مبدأ الإيمان من مكة، ثم من المدينة - حرسهما الله تعالى- وقد تكلفوا لهذا الصرف تكلفات بعيدة منها:

أن المراد من اليمن مكة، فإنه يقال: إن مكة من تهامة وتهامة من أرض اليمن.

ومنها: أن المراد من اليمن مكة والمدينة، فإنه يروى في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وهو بتبوك، ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن، وهو يريد مكة والمدينة، فقال: الإيمان يمان، ونسب مكة والمدينة إلى اليمن لكونهما حينئذ من ناحية اليمن، كما قالوا: الركن اليماني -وهو بمكة- لكونه ناحية اليمن.

ومنها أن المراد بذلك الأنصار، لأنهم يمانيون في الأصل، فنسب الإيمان إليهم، لكونهم أنصاره.

والحق أن هذا التكلف بعيد عن الصواب، وبعيد عن ألفاظ الحديث في مجموع طرقه ورواياته، إذ من ألفاظه آتاكم أهل اليمن وجاء أهل اليمن والكلام لأهل مكة المهاجرين ولأهل المدينة الأنصار، فالآتي إذن غيرهم، ثم إن إشاراته صلى الله عليه وسلم إلى جهة اليمن تدل على أن المراد أهل اليمن حينئذ، لا الذين كان أصلهم منها.

ثم إنه صلى الله عليه وسلم وصفهم بأوصاف تفضي إلى الإيمان [ألين وأضعف قلوبا وأرق أفئدة] ورتب على هذه الأوصاف الإيمان يمان .

ثم إنه ليس هناك مانع أصلا من إجراء الكلام على ظاهره، وحمله على أهل اليمن حقيقة، فأهل اليمن سارعوا إلى قبول الإيمان، وقبلوا البشرى التي لم يقبلها بنو تميم.
فقد روى البخاري في أول كتاب بدء الخلق أن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: جاء نفر من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا بني تميم أبشروا [أي بالجنة إذا أسلمتم] فقالوا: بشرتنا فأعطنا ( آثروا الدنيا وطلبوا عطيته من الغنائم) فتغير وجهه، فجاء أهل اليمن فقال: يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا: قد قبلنا يا رسول الله [جئناك لنسألك ونتفقه في الدين] .

كان هذا حال الوافدين من اليمن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم: سلامة قلب، وقوة إيمان، فكانت نسبة الإيمان إليهم إشعارا بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم، فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثامنة والإيمان في أهل الحجاز.

ثم إن هذا الحكم لا ينسحب على أهل اليمن في جميع العصور، فإن اللفظ لا يقتضيه، بل المراد به الموجودون منهم حين الخطاب.

وفي الحديث إشارة إلى شدة كفر المجوس، لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة، وكانوا في غاية القوة والتكبر والتجبر، وبلغ بملكهم الغرور أن مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم.

ويؤخذ من الحديث

1 - منقبة للمؤمنين من أهل اليمن.

2 - تفاضل أهل الإيمان، وأن المؤمنين كالقبائل، بعضهم أرفع إيمانا من بعض.

3 - مدح السكينة والوقار، ولين القلوب ورقة الأفئدة.

4 - التنفير من الفخر والخيلاء والكبر والغرور.

5 - أن من اتصف بشيء، وقوي قيامه به نسب إليه إشعارا بكمال حاله فيه.

6 - ذم أهل الخيل والإبل الذين يشتغلون بها عن أمور دينهم، وتصل بهم إلى غلظة القلب والخيلاء.

7 - فضل وسيلة الرزق التي تؤدي إلى السكينة والوقار ورقة القلب، فقد روى البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن.

والله أعلم.