فهرس الكتاب

شرح السيوطى - بَابُ فَضْلِ إِخْفَاءِ الصَّدَقَةِ

رقم الحديث 1031 [1031] فِي ظله أَي ظلّ عَرْشه كَمَا صرح بِهِ فِي رِوَايَة أُخْرَى يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله قَالَ النَّوَوِيّ المُرَاد يَوْم الْقِيَامَة إِذا قَامَ النَّاس لرب الْعَالمين وَقربت الشَّمْس من الرُّءُوس وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم حرهَا وَأَخذهم الْعرق وَلَا ظلّ هُنَاكَ لشَيْء إِلَّا الْعَرْش وَقد يُرَاد بِهِ ظلّ الْجنَّة وَهُوَ نعيمها والكون فِيهَا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى وندخلهم ظلا ظليلا قَالَ القَاضِي.

     وَقَالَ  بن دِينَار المُرَاد بالظل هُنَا الْكَرَامَة والكنف والأمن من المكاره فِي ذَلِك الْوَقْت وَلَيْسَ المُرَاد ظلّ الشَّمْس وَمَا قَالَه مَعْلُوم فِي اللِّسَان يُقَال فلَان فِي ظلّ فلَان أَي فِي كنفه وحمايته وَهَذَا أولى الْأَقْوَال وَتَكون إِضَافَته إِلَى الْعَرْش لِأَنَّهُ مَكَان التَّقْرِيب والكرامة وَإِلَّا فالشمس وَسَائِر الْعَالم تَحت الْعَرْش وَفِي ظله الإِمَام الْعَادِل قَالُوا هُوَ كل من إِلَيْهِ نظر فِي شَيْء من أُمُور الْمُسلمين وَبَدَأَ بِهِ لِكَثْرَة حفاظه وَعُمُوم نَفعه وشاب نَشأ بِعبَادة الله كَذَا فِي الْأُصُول بِالْبَاء وَهِي للمصاحبة أَي نَشأ متلبسا بهَا مصاحبا لَهَا قَالَه النَّوَوِيّ قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَيحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى فِي كَمَا فِي غير مُسلم نَشأ فِي عبَادَة الله كَمَا وَردت فِي بِمَعْنى الب فِي قَوْله يَأْتِيهم الله فِي ظلل قَالَ وَنَشَأ ثَبت وابتدأ أَي لم تكن لَهُ صبوة قلبه مُعَلّق كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول وَفِي بَعْضهَا مُتَعَلق بِالتَّاءِ فِي الْمَسَاجِد فِي غير هَذِه الرِّوَايَة بالمساجد أَي شَدِيد الْحبّ لَهَا والملازمة للْجَمَاعَة فِيهَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ دوَام الْقعُود فِيهَا اجْتمعَا عَلَيْهِ وتفرقا عَلَيْهِ مَعْنَاهُ اجْتمعَا على حب الله وافترقا على حب الله أَي كَانَ سَبَب اجْتِمَاعهمَا حب الله واستمرا على ذَلِك حَتَّى تفَرقا من مجلسهما وهما صادقان فِي حب كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه لله تَعَالَى حَال اجْتِمَاعهمَا وافتراقهما دَعَتْهُ امْرَأَة أَي عرضت نَفسهَا عَلَيْهِ للزنى بهَا وَقيل النِّكَاح فخاف الْعَجز عَن الْقيام بِحَقِّهَا لِأَن الْخَوْف من الله شغله عَن لذات الدُّنْيَا وشهواتها ذَات منصب أَي نسب وَحسب وَشرف فَقَالَ إِنِّي أَخَاف الله قَالَ القَاضِي يحْتَمل قَول ذَلِك بِلِسَانِهِ وَيحْتَمل قَوْله فِي قلبه ليزجر نَفسه لَا تعلم يَمِينه مَا تنْفق شِمَاله كَذَا وَقع فِي جَمِيع رِوَايَات مُسلم وَالْمَعْرُوف فِي غَيره لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه وَهُوَ وَجه الْكَلَام لِأَن الْمَعْرُوف فِي النَّفَقَة أَن محلهَا الْيَمين قَالَ القَاضِي وَيُشبه أَن يكون الْوَهم فِيهَا من النَّاقِل عَن مُسلم لَا من مُسلم بِدَلِيل إِدْخَاله بعده حَدِيث مَالك.

     وَقَالَ  بِمثل حَدِيث عبيد وَبَين الْخلاف فِيهِ فِي قَوْله.

     وَقَالَ  رجل مُعَلّق بِالْمَسْجِدِ إِذا خرج مِنْهُ حَتَّى يعود فَلَو كَانَ مَا رَوَاهُ مُخَالفا لرِوَايَة مَالك لنبه عَلَيْهِ كَمَا نبه على هَذَا قَالَ الْعلمَاء وَهَذَا فِي صَدَقَة التَّطَوُّع أما الزَّكَاة الْوَاجِبَة فإعلانها أفضل وَضرب الْمثل بِالْيَمِينِ وَالشمَال لقربهما وملازمتهما وَالْمعْنَى لَو قدرت الشمَال رجلا متيقظا لما علم صدقه الْيَمين لمبالغته فِي الْإخْفَاء وَقيل المُرَاد من عَن يَمِينه وشماله من النَّاس قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَقد سمعنَا من بعض الْمَشَايِخ أَن ذَلِك أَن يتَصَدَّق على الضَّعِيف فِي صُورَة المُشْتَرِي مِنْهُ فَيدْفَع لَهُ درهما مثلا فِي شَيْء يُسَاوِي نصف دِرْهَم فالصورة مبايعة والحقيقة صَدَقَة قَالَ وَهُوَ اعْتِبَار حسن ذكر الله خَالِيا قَالَ الْقُرْطُبِيّ يَعْنِي من الْخلق وَمن الِالْتِفَات إِلَى غير الله فَفَاضَتْ عَيناهُ قَالَ الْقُرْطُبِيّ فيض الْعين بكاؤها وَهُوَ على حسب حَال الذاكر وبحسب مَا ينْكَشف لَهُ من أَوْصَافه تَعَالَى فَإِن انْكَشَفَ لَهُ غَضَبه وَسخطه فبكاؤه عَن خوف وَإِن انْكَشَفَ جماله وجلاله فبكاؤه عَن محبَّة وشوق وَهَكَذَا يَتلون الذاكر بتلون مَا يذكر من الْأَسْمَاء وَالصِّفَات قَالَ وَهَذَا الحَدِيث جدير بِأَن يمعن فِيهِ النّظر ويستخرج مَا فِيهِ من العبر