فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: في كم تصلي المرأة في الثياب

باب
في كم تصلي المرأة من الثياب
وقال عكرمة: لو وارت جسدها في ثوب جاز.

يريد عكرمة: أن الواجب عليها في الصلاة ستر جميع جسدها، فلو وارته كله بثوب واحد جاز، ومراده بجسدها: بدنها ورأسها، فلهذا قال كثير من الصحابة، ومن بعدهم: تصلي المرأة في درع وخمار ـ إشارة منهم: إلى أنه يجب عليها ستر رأسها وجسدها.

فإن سترت جسدها بثوب ورأسها بثوب جاز، ولم تكره صلاتها، وهو أدنى الكمال في لباسها، وإن التحفت بثوب واحد خمرت به رأسها وجسدها صحت
صلاتها، لكنه خلاف الأولى.

قال رباح بن أبي معروف: كان عطاء لا يرى أن تصلي المرأة في الثوب الواحد، إلا من ضرورة.

وروى عمر بن ذر، عن عطاء في المرأة لا يكون له إلا الثوب الواحد، قال: تتزر به.

ومعنى: ( ( تتزر به) ) : تلتحف به، وتشتمل على رأسها وبدنها.

قال سفيان الثوري: أن صلت في ملحفة واسعة تغطي جميع بدنها أجزأها.

قال: وأكره أن تصلي في درع واحد، فإن صلت كذلك فقد أساءت، وتجزئها صلاتها.

وقال إسحاق: أن صلت في ملحفة واحدة غطت كل شئ من بدنها جازت صلاتها.

والأفضل أن تصلي المرأة في ثلاث أثواب عند جمهور العلماء.

قال حرب الكرماني: ثنا إسحاق - هو: ابن راهويه -: ثنا المعتمر - هو: ابن سليمان -، قال: سمعت أبي يحدث عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب، قال: تصلي المرأة في ثلاثة أثواب إذا قدرت: درع، وخمار، وإزار.

حدثنا إسحاق: ثنا عبد الله بن نمير، عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: تصلي المرأة في الدرع والخمار والملحفة.

فأما ( ( الدرع) ) : فهو ما تلبسه على بدنها.

قال أبو طالب: قيل لأحمد: الدرع القميص؟ قال: يشبه القميص، لكنه سابغ يغطي رجليها.

وأما ( ( الخمار) ) : فهو ما تختمر به رأسها.

وقد سبق حديث: ( ( لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار) ) .

وأما ( ( الإزار) ) : فاختلف تفسيره:
فقالت طائفة: هو مثل إزار الرجل الذي يأتزر به في وسطه، وهذا قول إسحاق -: نقله عنه حرب، وهو ظاهر كلام أحمد - أيضا.
وقال إسحاق: أن تسرولت بدل الإزار جاز، وأن لم تتزر بل التحفت بملحفة فوق درعها بدل الإزار جاز.

وروي الفضل بن دكين في ( ( كتاب الصلاة) ) : ثنا أبو هلال، عن محمد بن سيرين، قال: كانوا يستحبون أن تصلي المرأة في درع وخمار وحقو.

وقال ابن عبد البر: روي عن عبيدة، أن المرأة تصلي في الدرع والخمار
والحقو، رواة ابن سيرين عنه، وقال به، وقال: الأنصار تسمى الإزار: الحقو.

وروى مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن امرأة استفتت عائشة، فقالت: أن المنطق يشق علي، أفأصلي في درع وخمار؟ قَالَتْ: نَعَمْ، إذا كَانَ الدرع سابغا.

قال: والمنطق هنا: الحقو، وهو الإزار والسراويل.

والقول الثاني: أن المراد بالإزار: الجلباب، وهو الملحفة السابغة التي يغطي بها الرأس والثياب، وهذا قول الشافعي وأصحابنا، وقد سبق عن ابن عمر ما يدل عليه.

وقال النخعي: تصلي المرأة في الدرع والملحفة السابغة، تقنع بها رأسها.
وخرج أبو داود من حديث عبد الرحمان بن عبد الله بن دينار، عن محمد ابن زيد بن قنفذ، عن أمه، عن أم سلمة، أنها سالت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: ( ( إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها) ) .

وخرجه - أيضا - من طريق مالك، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة - موقوفا -، وذكر جماعة تابعوا مالكا على وقفه.

وذكر الدارقطني أن وقفه هو الصواب.

خرج البخاري في هذا الباب:
[ قــ :368 ... غــ :372 ]
- من حديث: الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: لقد كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الفجر، فيشهد معه نساء من المؤمنات، متلفعات في مروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن، ما يعرفهن احد.
قال الخطابي ( ( التلفع بالثوب) ) : الاشتمال به، ولفعه الشيب: شمله، و ( ( المروط) ) : الأردية الواسعة، واحدها: مرط.

وقال عبيد: المروط: الأكسية تكون من صوف، وتكون من خز، يؤتزر بها.

وقال هشام، عن الحسن: كانت لأزوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكسية تسمى المروط، غير واسعة - والله - ولا لينة.

والمراد بهذا الحديث: أن النساء كن إذا شهدن صلاة الفجر في المسجد غطين رؤوسهن، وثيابهن فوق دروعهن وخمرهن، وهذا نظير أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهن إذا شهدن العيدين بالجلباب، كما تقدم.

وقد روي عن ابن عمر وابن سيرين ونافع: أن المرأة تصلي في أربعة أثواب -: حكاه ابن المنذر.

وقال ابن عبد البر: قال مجاهد: لا تصلي المرأة في اقل من أربعة أثواب.

قال: وهذا لم يقله غيره فيما علمت.

قال: والأربعة الأثواب: الخمار، والدروع، والملحفة، والإزار.
انتهى.

ولعل هذا إذا صلين مع الرجال في المساجد ونحوها، فأما في بيوتهن فيكفيهن دون ذلك.
والله أعلم.

وبقية فوائد هذا الحديث تأتي في موضع أخر - إن شاء الله تعالى.