فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب استعانة اليد في الصلاة، إذا كان من أمر الصلاة

باب
استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة
وقال ابن عباس: يستعين الرجل في صلاته من جسده بما شاء.

ووضع أبو إسحاق قلنسوته في الصلاة، ورفعها.

ووضع علي كفه على رسغه الأيسر، إلاّ أن يحك جلداً، أو يصلح ثوباً.

شرع البخاري من هاهنا في الكلام فيما يجوز من الأفعال في الصلاة، وما يكره فيها، وما لا يجوز.

وابتدأ من ذلك باستعانة المصلي بيده في صلاته، فيما يحتاج إليه من أمر صلاته.
وحكى عن ابن عباس، قال: يستعين الرجل في صلاته من جسده بما شاء.

وعن أبي إسحاق، أنه وضع قلنسوته في صلاته ورفعها.

والظاهر: أن هذا كان لحاجة، وإلاّ لكان عبثاً، وهو مكروه.

وعن علي بن أبي طالب، أنه وضع كفه على رسغه الأيسر، إلاّ أن يحك جسداً أو يصلح ثوباً.

روي وكيع في ( ( كتابه) ) عن عبد السلام بن شداد الجريري، عن غزوان بن جرير الضبي، عن أبيه، قال: كان علي إذا قام في الصلاة وضع يمينه على رسغه، فلا يزال كذلك حتى يركع متى ما ركع، إلاّ أن يصلح ثوبه، أو يحك جسده.

وروى بإسناده، عن إبراهيم، أنه كره أن يحدث الرجال في الصلاة شيئاً، حتى زر القميص.
قال: وكان إبراهيم لايرى بأساً إذا استرخى إزاره في الصلاة أن يرفعه.

وروى عبد الرزاق في ( ( كتابه) ) ، عن الثوري، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان يقال في مسح اللحية في الصلاة: واحدة او دع 0
وعن هشيم: أخبرني حصين، عن عبد الملك بن سعيد، قال: قد كان النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى وضع يده اليمنى على يده اليسرى، وكان ربما يضع يده على لحيتة في الصَّلاة.

وخرجه أبو داود في ( ( مراسيله) ) من رواية شعبة، عن حصين، عن عبد الملك بن أخي عمرو بن حريث، عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وذكر عبد الرزاق، عن ابن جريج: سألت عطاء عن الاحتكاك في الصلاة، والارتداء، والاتزار؟ قالَ: كل ذَلِكَ لا تفعله في الصَّلاة.

وهذا محمول على أنه لم يكن لهُ حاجة إليه.

والمروي عن علي محمول [على] أنه كان يفعله للحاجة إليه.

وقال سفيان الثوري: يكره أن يلبس النعل أو الرداء، وأن يضع القلنسوة على رأسه، وينزع خفيه أو نعليه، إلاّ لشيء يؤذيه، ولا بأس أن يحك شيئاً من جسده، إذا آذاه ذَلِكَ.

وعند أصحابنا: كل عمل يسير يعرض في الصلاة لحاجة فلا يكره.

واستدلوا بما خرجه مسلم - رحمة الله - من حديث وائل بن حجر، أنه رأى النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يديه حين دخل في الصلاة، كبر ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على يده اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، [ثم] كبر فركع - وذكر الحديث.

ومذهب الشافعي نحوه - أيضا.

وروى حرب، عن أحمد في الرجل يسقط رداؤه عن ظهره في الصَّلاة، فيحمله، قال: أرجو أن لا يضيق ذلك.

وروى حرب بإسناده، عن أبي جعفر والشعبي، قالا: لا بأس أن يسوي الرجل رداءه في الصلاة.

وقال حرب: سألت أحمد عن الرجل يصلي فتحتك ساقه، فيحكه؟ فكأنه كرهه.
قلت: يحكه بقدمه؟ قالَ: هوَ بالقدم أسهل، وكانه رخص فيهِ.

ومن متأخري أصحابنا من قالَ: الحك الذي لا يصبر عنه المصلي لا يبطل صلاته وإن كثر.

خرج في هذا الباب:
[ قــ :1155 ... غــ :1198 ]
- حديث: مالك، عن مخرمة، عن كريب، عن ابن عباس، قالَ: بت عند خالتي ميمونة.
فذكر الحديث في صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالليل، وصلاة ابن عباس معه.

وفيه: قال:
فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها بيده، فصلى.

وذكر الحديث، وقد سبق بتمامه في غير موضع.

وخرجه مسلم - أيضا.

وخرجه من طريق الضحاك بن عثمان، عن مخرمة، وفي روايته:
فقمت إلى جنبه الأيسر، فأخذ بيدي فجعلني في شقه الأيمن، فجعل إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني.

فتبين بهذه الرواية: أن أخذ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأذن ابن عباس في الصلاة إنما كان عند
نعاسه، إيقاظا له.

وكذلك خرجه أبو داود والنسائي من رواية سعيد بن أبي هلال، عن مخرمة، وفي حديثة: فقمت إلى جنبه، عن يساره، فجعلني عن يمينه، ووضع يده على رأسي، وجعل يمسح أذني، كأنه يوقظني.

فهاتان الروايتان: فيهما دلالة على أنه إنما أخذ بأذنه بعد أن أداره عن يمينه.

وفيه: رد على من زعم: أن أخذه بأذنه وفتلها إنما كان ليديره عن شماله إلى
يمينه، كما قاله ابن عبد البر.

قال: وهذا المعنى لم يقمه مالك في حديثه، وقد ذكره أكثر الرواة.

قالَ: وقيل: إنما فتل أذنه ليذكر ذلك ولا ينساه.
وقيل: ليذهب نومه.

انتهى.

ورواية الضحاك مصرحة بهذا المعنى الأخير، ورواية سعيد بن أبي هلال تدل عليه - أيضا.