فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: الصلاة من الإيمان

30 - فصل
خرج البخاري ومسلم من حديث:
[ قــ :40 ... غــ :40 ]
- أبي إسحاق، عن البراء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده – أو قال: أخواله – من الأنصار وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا - أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكانت اليهود أعجبهم إذ كان يصلي ( 205 – ب / ف) قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهته قبل البيت أنكروا ذلك.
قال زهير: ثنا أبو إسحاق، عن البراء في حديثه هذا أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى { وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم} [البقرة: 143] ْ قال البخاري: يعني صلاتكم .
وبوب على هذا الحديث: باب " الصلاة من الإيمان " .
والأنصار للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم نسب؛ فإنهم أجداده وأخواله من جهة جد أبيه هاشم بن عبد مناف؛ فإنه تزوج بالمدينة امرأة من بني عدي بن النجار يقال لها سلمى، فولدت له ابنه عبد المطلب وفي رأسه شيبة فسمي شيبة، وذكر ابن قتيبة أن اسمه عامر.

والصحيح أن اسمه شيبة؛ وإنما قيل له عبد المطلب لأن عمه المطلب بن عبد مناف قدم به من المدينة على مكة فقالت قريش: هذا عبد المطلب.
فقال: ويحكم؛ إنما هو ابن أخي شيبة بن عمرو، وهاشم اسمه عمرو.
ففي حديث البراء هذا: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة نزل على أجداده – أو قال: أخواله – من الأنصار، وظاهره يدل على أنه نزل على بني النجار؛ لأنهم هم أخواله وأجداده؛ وإنما أراد البراء جنس الأنصار دون خصوص بني النجار.
وقد خرج البخاري في كتاب "الصلاة " و" أبواب الهجرة " من حديث أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة نزل في علو المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملإ بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم، قال: وكأني أنظر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وذكر الحديث.
وخرج – أيضا – معنى ذلك من حديث الزهري، عن عروة بن الزبير.
وأما ما ذكر البراء في حديثه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالمدينة قبل بيت المقدس ست عشر أو سبعة عشر شهرا : فهذا شك منه في مقدار المدة.
وروي عن ابن عباس أن مدة صلاته بالمدينة غلي بيت المقدس كانت ستة عشر شهرا.
خرجه أبو داود .
وخرج – أيضا – من حديث معاذ أن مدة ذلك كان ثلاثة عشر شهرا .

وروي كثير بن عبد الله المزني – وهو ضعيف -، عن أبيه، عن جده عمرو بن عوف قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس سبعة شهرا .
وقال سعيد بن المسيب: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو بيت المقدس تسعة عشر شهرا، ثم حولت القبلة بعد ذلك قبل المسجد الحرام قبل بدر بشهرين.
ورواه بعضهم عن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص.
والحفاظ يرون أنه لا يصح ذكر سعد بن أبي وقاص فيه .
وقيل عن سعيد بن المسيب في هذا الحديث: ستة عشر شهرا .
وكذا قال محمد بن كعب القرظي وقتادة ابن زيد وغيرهم أن مدة صلاته إلى بيت المقدس كانت ستة عشر شهرا.
وقال الواقدي: الثبت عندنا أن القبلة حولت إلى الكعبة يوم الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشرة شهرا .
وعن السدي: أن ذلك كان على رأس ثمانية عشر شهرا .
وقيل: كان بعد خمسة عشر شهرا ونصف.
ولا خلاف أن ذلك كان في السنة الثانية من الهجرة؛ لكن اختلفوا ( 206 – أ / ف) في أي شهر كان؟ فقيل: في رجب – كما تقدم.
وحكي ذلك عن الجمهور ، منهم ابن إسحاق .
وقيل في يوم الثلاثاء نصف شعبان.
وحكي عن قتادة، واختاره محمد بن حبيب الهاشمي وغيره وقيل: بل كان في جمادي الأول .
وحكي عن إبراهيم الحربي، ورواه الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك.

وقوله " وكان يعجبه " يعني: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – " أن تكون قبلته قبل البيت " – يعني الكعبة – هذا يشهد له قول الله تعالى { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] .

وروى معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: لما هاجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة – وكان أكثر أهلها اليهود – أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السماء فأنزل الله { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} الآية [البقرة: 144]
قال مجاهد: إنما كان يجب أن يحول إلى الكعبة؛ لأن يهود قالوا: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا ؟ ! .
وقال ابن زيد: لما نزلت { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [البقرة: 115] قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هؤلاء قوم يهود يستقبلون بيتا من بيوت الله – لبيت المقدس – لو أنا استقبلناه " فاستقبله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة عشر شهرا، فبلغه أن اليهود تقول: والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم فكره ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورفع وجهه إلى السماء، فنزلت هذه الآية { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} .
ويشهد لهذا: ما في حديث البراء: " وكانت اليهود قد أعجبتهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب – يعني من غير اليهود، وهم النصارى – فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك ".

وقد اختلف الناس هل كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قبل هجرته يصلي إلى بيت المقدس أو إلى الكعبة؟ .
فروى عن ابن عباس: إنه كان يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه.
خرجه الإمام أحمد .
وقال ابن جريج: صلى أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة، فصلت الأنصار قبل قدومه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بيت المقدس ثلاث حجج وصلى بعد قدومه ستة عشر شهرا، ثم وجهه الله إلى البيت الحرام.
وقال قتادة: صلت الأنصار قبل قدومه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة نحو بيت المقدس حولين.
واستدل من قال: إنما صلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا فدل على أنه لم يصل إليه غير هذه المدة .
لكن يقال: إنه إنما أراد بعد الهجرة.
ويدل عليه – أيضا -: أن جبريل صلى بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول ما فرضت الصلاة عند باب البيت، والمصلي عند باب البيت لا يستقبل بيت المقدس إلا أن ينحرف عن الكعبة بالكلية ويجعلها عن شماله.
ولم ينقل هذا أحد [.....] .
وهؤلاء منهم من قال: ذلك كان باجتهاد منه لا بوحي – كما تقدم عن ابن زيد.
وكذا قال أبو العالية: إنه صلى إلى بيت المقدس يتألف أهل الكتاب.
وفي " صحيح الحاكم "
عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: { وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [البقرة: 115] فاستقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( 206 – ب /ف) فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق فقال الله تعالى { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} [البقرة: 142] يعنون: بيت المقدس، فنسخها الله وصرفه إلى البيت العتيق.

وقال: صحيح على شرطهما.
وليس كما قال؛ فإن عطاء هذا هو الخراساني، ولم يلق ابن عباس؛ كذا وقع مصرحا بنسبته في كتاب " الناسخ والمنسوخ " لأبي عبيد، ولابن أبي داود وغيرهما.
وقول البراء " وكان أول صلاة صلاها العصر " يعني إلي الكعبة بعد الهجرة.
وقد روي عن عمارة بن أوس – وكان قد صلى القبلتين – قال: كنا في إحدى صلاتي العشي ونحن نصلي على بيت المقدس وقد قضينا بعض الصلاة إذ نادى مناد بالباب: إن القبلة قد حولت، فأشهد على إمامنا أنه تحرف.
خرجه الأثرم وغيره .

وخرج الأثرم وابن أبي حاتم من حديث تويلة بنت أسلم قالت: صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثه فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استقبل البيت الحرام فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلو البيت الحرام .

وقد روي أن هذه الصلاة كانت صلاة الفجر؛ ففي " الصحيحين " عن ابن عمر قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم على الشام فاستداروا إلى الكعبة .
وخرج مسلم معناه من حديث أنس – أيضا .
وقد قيل في الجمع بين هذه الأحاديث: إن التحويل كان في صلاة العصر ولم يبلغ أهل قباء إلا في صلاة الصبح.
وفيه نظر.
وقيل: إن تلك الصلاة كانت الظهر.
وقد خرجه النسائي في " تفسيره " من حديث أبي سعيد بن المعلى، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وروي عن مجاهد.
وحديث البراء يدل على أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاة العصر كلها إلى الكعبة وأن الذين صلوا إلى بيت المقدس ثم استداروا إلى الكعبة هم قوم كانوا في مسجد لهم وراء إمام لهم.

وفي حديث ابن عمر: أنهم أهل مسجد قباء، وفي حديث تويلة: مسجد بني حارثة.
وقد روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن صلى معه هم الذين استداروا في صلاتهم وأن الكعبة حولت في أثناء صلاتهم.
وقد روي نحوه عن مجاهد وغيره.
وقد ذكر ابن سعد في كتابه قال: يقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين، ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام واستدار إليه ودار معه المسلمون .
ويقال: بل زار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فصنعت لهم طعاما وكانت الظهر فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه ركعتين، ثم أمر أن يوجه إلى الكعبة فاستدار إلى الكعبة واستقبل الميزاب، فسمي المسجد القبلتين .

وحكي عن الواقدي أنه قال: هذا الثبت عندنا.
وروى أبو مالك النخعي عبد الملك بن حسين، عن زياد بن علاقة، عن عمارة بن رويبة قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحدى صلاتي العشي حين صرفت القبلة فدار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودرنا معه في ركعتين.
خرجه ابن أبي داود.
وأبو مالك: ضعيف جدا.
والصواب: رواية قيس بن الربيع، عن زياد بن ( 207 – أ / ف) علاقة عن عمارة بن أوس، وقد سبق لفظه .

وروى عثمان بن سعد قال: ثنا أنس بن مالك قال: انصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو بيت المقدس وهو يصلي الظهر وانصرف بوجهه إلى القبلة.
خرجه البزار .
وغيره.
وعثمان هذا متكلم فيه .
وخرج الطبراني من رواية عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس.
قال: صرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القبلة وهم في الصلاة فانحرفوا في ركوعهم .

وعمارة ليس بالقوي .
وخالف حماد بن سلمة؛ فروى عن ثابت، عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} الآية [البقرة: 144] فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا – كما هم – نحو القبلة.
خرجه مسلم وهذا هو الصحيح.

فإن كان التحويل قد وقع في أثناء الصلاة وقد بنى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما مضى من صلاته إلى بيت المقدس استدل بذلك على أن الحكم إذا تحول المصلي في أثناء صلاته انتقل ما تحول إليه وبنى على ما مضى من صلاته.
فيدخل في ذلك الأمة إذا عتقت في صلاتها وهي مكشوفة الرأس والسترة قريبة، والمتيمم إذا وجد الماء في صلاته قريبا وقدر على الطهارة به، والمرض إذا صلى بعض صلاته قاعدا ثم قدر على القيام.

وإن كان التحويل وقع قبل صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه؛ ولكن لم يبلغ غيرهم إلا في أثناء صلاتهم فبنوا، استدل به على أن من دخل في صلاته باجتهاد سائغ إلى جهة ثم تبين له الخطأ في أثناء الصلاة أنه ينتقل ويبني.
ويستدل به على أن حكم الخطاب لا يتعلق بالمكلف قبل بلوغه إياه، ويستدل به – على التقديرين – على قبول خبر الواحد الثقة في أمور الديانات مع إمكان السماع من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير واسطة، فمع تعذر ذلك أولى وأحرى.
وما يقال من أن هذا يلزم منه نسخ المتواتر – وهو الصلاة إلى بيت المقدس – بخبر الواحد، فالتحقيق في جوابه: أن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به القرائن؛ فنداء صحابي في الطرق والأسواق بحيث يسمعه المسلمون كلهم بالمدينة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها موجود لا يتداخل من سمعه شك فيه أنه صادق فيما يقوله وينادي به، والله أعلم.

وقول البراء: أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم يدر ما يقول فيهم فأنزل لله { وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143] : فهذا خرجه مسلم من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحاق، عن البراء – أيضا.

ورواه شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء موقوفا في قوله تعالى { وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: صلاتكم إلى بيت المقدس .

وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه من حديث سماك عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الكعبة قالوا: يا رسول الله! كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون على بيت المقدس؟ فأنزل الله عز وجل { وما كان الله ليضيع إيمانكم} الآية .
قال عبيد الله بن موسى: هذا الحديث يخبرك أن الصلاة من الإيمان.
وهذا هو الذي بوب عليه البخاري في هذا الموضع؛ ولأجله ساق حديث البراء فيه.
وكذلك استدل ابن عيينه وغيره من العلماء على أن الصلاة من الإيمان .
وممن روي عنه أنه فسر هذه الآية بالصلاة إلى بيت المقدس: ابن عباس – من رواية العوفي -، عنه، وسعيد بن المسيب، وابن زيد، والسدي، وغيرهم .

وقال قتادة، والربيع بن أنس: نزلت هذه الآية لما ( 207 – ب / ف) قال قوم من المسلمين: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟ .
وهذا يدل على أن المراد بها الصلاة – أيضا _؛ لأنها هي التي تختص بالقبلة من بين الأعمال.
ولم يذكر أكثر المفسرين في هذا خلافا وأن المراد بالإيمان هاهنا الصلاة؛ فإنها علم الإيمان وأعظم خصاله البدنية.
وروى ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة – أو سعيد بن جبير -؛ عن ابن عباس { وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: أي القبلة الأولى، وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى الآخرة أي: ليعطينكم أجرهما جميعا، إن الله بالناس لرءوف رحيم .

وعن الحسن في هذه الآية قال: ما كان الله ليضيع محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانصرافكم معه حيث انصرف؛ إن الله بالناس لرءوف رحيم.
وهذا القول يدل على أن المراد بالإيمان التصديق مع الانقياد والاتباع المتعلق بالقبلتين معا فيدخل في ذلك الصلاة – أيضا.