فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: يستقبل الإمام القوم، واستقبال الناس الإمام إذا خطب

باب
يستقبل الإمام القوم
واستقبال الناس الإمام إذا خطب
واستقبل ابن عمر وأنس الإمام.

[ قــ :894 ... غــ :921 ]
- حدثنا معاذ بن فضالة: نا هشام، عن يحيى، عن هلال بن أبي ميمونة: نا عطاءٍ بن يسار: سمع أبا سعيدٍ الخدري: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلس ذات يوم على المنبر، وجلسنا حوله.

هذا أول حديث طويل، ذكر فيه قولُ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إنما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها) ) ، وضرب مثل الدنيا بنبات الربيع.

وهو حديث عظيم، قد خرجاه بتمامه في ( ( الصحيحين) ) من حديث هشام الدستوائي.

وهذا لم يكن في خطبة الجمعة؛ لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يجلس في خطبة الجمعة.

وأما ما ذكره عن ابن عمر وأنس.
فمن طريق ابن عجلان، عن نافع، أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام، فاذا خَّرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله.

ومن طريق ابن المبارك، قال: قال أبو الجويرية: رأيت أنس بن مالك إذا أخذ الإمام يوم الجمعة في الخطبة يستقبله بوجهه حتى يفرغ الإمام من الخطبة.

وقال يحيى بن سعيدٍ الأنصاري: هو السنة.

وقال الزهري: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أخذ في خطبة استقبلوه بوجوههم.

خرجها البيهقي.

وخَّرج الأثرم من حديث الضحاك بن عثمان، عن نافع، أن ابن عمر كان يتهيأ للإمام قبل أن يخرج، ويتوجه قبل المنبر.

وروى وكيع، عن العمري، عن نافع، أن ابن عمر كان يستقبل الإمام يوم الجمعة إذا خطب.

وفي الباب أحاديث مرفوعة متصلة، لا تصح أسانيدها -: قاله الترمذي، وقد ذكرتها بعللها في ( ( شرح الترمذي) ) .

وذكر الترمذي: أن العمل على ذلك عند أهل العلم من الصحابة وغيرهم: يستحبون استقبال الإمام إذا خطب، قال: وهو قولُ سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق.

وقال ابن المنذر: هو كالإجماع.

وروي عن الشعبي، قال: هو السنة.

وقد تقدم مثله عن يحيى بن سعيدٍ، وكذا قال مالكٍ.

وقال ابن عبد البر: لا أعلمهم يختلفون فيه.

وقال عمر بن عبد العزيز: كل واعظ قبلة.

يعني: أنه يستقبل كما تستقبل القبلة.

وقد روي عن بعض التابعين: أنه يستقبل القبلة حال الخطبة.
وهو محمول على إنهم كانوا يفعلونه مع أمير ظالم يسب السلف، ويقول ما لا يجوز استماعه، وكانوا قد ابتلوا بذلك في زمن بني أمية.

والأكثرون على إنهم إنما يستقبلوه في حال الخطبة، وهو قولُ أحمد.

وقال إسحاق: يستقبلونه إذا خرج، وهو قولُ أبي بكر بن جعفر من أصحابنا.

وقال الأوزاعي: يغفى بصره، ويلقي السمع، فإن نظر إلى الإمام فلا حرج.

وخرّج الإمام أحمد وأبو داود من حديث علي: سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول – وذكر يوم الجمعة -: ( ( إذا جلس الرجل مجلساً يستمكن فيه من الإستماع والنظر، فأنصت ولم يلغ كان له كفلان من الأجر) ) .

وفي إسناده من ليس بمشهورٍ.

وخرّج ابن سعدٍ بأسانيد له متعددةً حديثاً طويلاً، فيه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خطب استقبله الناس بوجوههم، وأصغوا بأسماعهم، ورمقوه بأبصارهم.

وهذا لا يصح.
والله أعلم.

أما استقبال الإمام أهل المسجد واستدباره القبلة فمجمع عليه –أيضاً -، والنصوص تدل عليه –أيضاً -؛ فإنه يخاطبهم ليفهموا عنه –أيضاً.

وذلك كله سنة، فلو خالفها الإمام فقد خالف السنة، وصحت جمعته.

ولأصحاب الشافعي وجه صعيف: أنها لا تصح.
والله أعلم.


* * *


باب
من قال في الخطبة بعد الثناء: ( ( أما بعد) )
رواه عكرمة، عن ابن عباسٍ، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

حديث عكرمة، عن ابن عباسٍ قد أسنده في آخر الباب، فلا أدري لأي معنى علقه في اوله؟
وقد ذكر أبو نعيم في ( ( مستخرجه) ) هذا في الباب الذي قبله.

قال:

[ قــ :894 ... غــ :9 ]
- وقال محمود: نا أبو أسامة: نا هشام بن عروة: أخبرتني فاطمة ابنة
المنذر، عن أسماء ابنة أبي بكر، قالت: دخلت على عائشة والناس يصلون.

فذكرت حديث الكسوف، وفيه:
قالت: ثم انصرف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد تجلت الشمس، فحمد الله واثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: ( ( إما بعد) ) –وذكر بقيةٌ الحديث.
هكذا ذكره هنا تعليقاً عن محمود –وهو: ابن غيلان -، عن أبي اسامة.

وذكر بعضه في ( ( الكسوف) ) تعليقاً - أيضاً - عن أبي أسامة.

وأسند الحديث في ( ( كتاب: العلم) ) من حديث وهيب.
وفي ( ( الكسوف) ) وغيره من حديث مالكٍ –كلاهما -، عن هشام، وليس في حديثهما: ذكر: ( ( أما بعد) ) .

وخرّج مسلم الحديث بهذه اللفظة من طريق ابن نمير وأبي أسامة –كلاهما - عن هشام، به.

ثم قال البخاري: