فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب وضع الأكف على الركب في الركوع

باب
وضع الأكف على الركب في الركوع
وقال أبو حميد في أصحابه: أمكن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يديه من ركبتيه.

حديث أبي حميد هذا، قد خرَّجه بإسناده، وسيأتي في موضعه – إن شاء الله
تعالى.

[ قــ :769 ... غــ :790 ]
- حدثنا أبو الوليد: نا شعبة، عن أبي يعفور، قال: سمعت مصعب بن سعد يقول: صليت إلى جنب أبي، فطبقت بين كفي، ثم وضعتهما بين فخذي، فنهاني أبي، وقال: كنا نفعله فنهينا عنه، وامرنا أن نضع أيدينا على الركب.

أبو يعفور، هو: العبدي الكوفي، اسمه: وقدان.
وقيل: واقد، وهوأبو يعفور الأكبر.

وهذا الحديث قد ذكر ابن المديني وغيره أنه غير مرفوع، ومرادهم: أنه ليس فيه تصريح بذكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لكنه في حكم المرفوع، فإن الصحابي إذا قال ( ( أمرنا - أو نهينا – بشيء) ) ، وذكره في معرض الاحتجاج به قوي الظن برفعه؛ لأنه غالباً إنما يحتج بأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونهيه.

وقد ورد التصريح برفعه من وجه فيه ضَّعف، من رواية عكرمة بن ابراهيم
الأزدي، عن عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد، قالَ: قلت لأبي: رأيت أصحاب ابن مسعود يطبقون أيديهم، ويضعونها بين ركبهم إذا ركعوا، فقال: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل الشيء زماناً، ثم يدعه، وقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يركع –أو قال -: أشهد أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ? إذا ركع يضع راحتيه على ركبتيه، ويفرج بين أصابعه.

خرَّجه يعقوب بن شيبة في ( ( مسنده) ) .

وقال: عكرمة بن إبراهيم، منكر الحديث.

وذكر يحيى بن معين، أنه قالَ: ليس فيه شيء.

وروى عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، قال: قال عبد الله: علمنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلاة، فكبر ورفع يديه، فلما ركع طبق يديه بين
ركبتيه.
قال: فبلغ ذلك سعداً، فقال: صدق أخي، كنا نفعل هذا، ثم أمرنا بهذا.

يعني: الامساك على الركبتين.

خرَّجه أبو داود والنسائي والدارقطني.

وقال: إسناد صحيح ثابت.

وهذه الرواية - أيضاً - تدل على رفع الأمر بالإمساك بالركبتين، لأن أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يترك بأمرغيره بما يخالفه.

وروى أبو عبد الرحمن السلمي قال: قال لنا عمر: إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب.

خرَّجه الترمذي.

وقال حديث حسن صحيح.

وخَّرجه النسائي، ولفظه: قال: قال عمر: إنما السنة الأخذ بالركب.
وفي رواية عن أبي عبد الرحمن، عن عمر، قالَ: سنت لكم الركب، فأمسكوا بالركب.

وسماع أبي عبد الرحمن من عمر، قد أنكره شعبة ويحيى بن معين.

وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من وجوه متعددة وضع اليدين على الركبتين في الركوع من فعله وأمره، وليس شيءُ منها على شرط البخاري.

وهذا هو السنة عند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأجمع عليه أئمة الأمصار.

وكان ابن مسعود يطبق في ركوعه، فيجعل أحد كفيه على الأخر، ويجعلها بين ركبتيه، وقد رواه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان يأمر أصحابه بذلك.

وقد خرَّج حديثه مسلم في ( ( صحيحه) ) .

وبه أخذ أصحابه، منهم: علقمة والأسود وأبو عبيدة بن عبد الله.

وكان النخعي يذهب إليه ثم رجع إلى ما روي عن عمر -: ذكره الإمام أحمد وغيره.

وذكر أكثر العلماء: أن التطبيق كان شرع أولاً، ثم نسخ حكمه، واستدلوا بحديث سعد وما في معناه.

وروى حصين، عن عمرو بن مرة، عن خيثمة، عن أبي سبرة الجعفي، قال: قدمت المدينة فجعلت أطبق كما يطبق أصحاب عبد الله وأركع، فقال رجل: ما حملك على هذا؟ قلت: كانَ عبد الله يفعله، وذكر أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يفعله.
قالَ: صدق عبد الله، ولكن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربما صنع الأمر ثم أحدث الله له الأمر الأخر، فأنظر ما أجمع عليه المسلمون فاصنعه.
فلما قام كان لا يطبق.

وذكره الأثرم – تعليقا – بمعناه، فقال لي رجل من المهاجرين - فذكره.

وأكثر العلماء على أن وضع اليدين على الركبتين في الركوع من سنن الصلاة، ولا تبطل الصلاة بتركه ولا بالتطبيق.
وروى عاصم بن ضمرة، عن علي، أن الراكع مخير بين أن يضع يدية على ركبتيه أو يطبق.

وذهب طائفة من أهل الحديث إلى المنع من التطبيق، وابطال الصلاة به؛ للنهي
عنه كما دل حديث سعد، منهم: أبو خيثمة زهير بن حرب وأبو إسحاق
الجوزجاني.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة - فيمن طبق ولم يضع يدية على ركبتيه -: أحب إلي أن يعيد.

ونقل إسحاق بن منصور، عن أحمد، أنه سئل عن قول سفيان: من صلى بالتطبيق يجزئه؟ فقالَ أحمد: أرجو أن يجزئه.
فقالَ إسحاق بن راهويه كما قالَ: إذا كانَ به علة.

وحمل أبو حفص البرمكي –من أصحابنا - قول أحمد على ما إذا كان به علة، فإن لم يكن به علة فلا تجزئه صلاته، إلا أن لا يعلم بالنهي عنه.

وتوقف أحمد في إعادة الصلاة مع التطبيق في رواية أخرى.

فعلى قول هؤلاء: يكون وضع اليدين على الركبتين في الركوع من واجبات الصلاة.

وقد روي عن طائفة من السلف ما يدل على ذلك، فإنه روي عن جماعة، أنهم قالوا: إذا وضع يديه على ركبتيه أجزأه في الركوع.

وممن روي ذلك عنه: سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وابن سيرين ومجاهد وعطاء، وقال: هو أدنى ما يجريء في الركوع.

* * *