فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم

بَاب
إذا اسْتَوَوْا فِي الْقراَءةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ
[ قــ :664 ... غــ :685 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن حرب: ثنا حماد بْن زيد، عَن أيوب، عَن أبي قلابة، عَن مَالِك بْن الحويرث، قَالَ: قدمنا عَلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن شببة، فلبثنا عنده نحواً من عشرين ليلة، وكان النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رحيماً، فَقَالَ: ( ( لَوْ رجعتم إلى بلادكم، فعلمتموهم، مروهم فليصلوا صلاة كذا فِي حِينَ كذا، وصلاة كذا فِي حِينَ كذا، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم) ) .

هَذَا الحديث خرجه مُسْلِم – بمعناه – من حَدِيْث خَالِد الحذاء، عَن أَبِي قلابة، وزاد فِيهِ: قَالَ الحذاء: وكانا متقاربين فِي القراءة.

وخرجه أبو داود، وزاد فِيهِ: وكنا يومئذ متقاربين فِي العلم.

ورواه حماد بْن سَلَمَة، عَن أيوب، عَن أَبِي قلابة، عَن مَالِك بْن الحويرث، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( ( يؤم القوم أكبرهم سناً) ) .

ذكره أبو بَكْر الأثرم،.

     وَقَالَ : غلط حماد فِي لفظة، وإنما رواه بالمعنى.

وفي ( ( صحيح مُسْلِم) ) من حَدِيْث أوس بْن ضمعج، عَن أَبِي مَسْعُود، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله، وأقدمهم قراءةً، فإن كَانَتْ قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا فِي الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سناً) ) .

وفي ألفاظ هَذَا الحَدِيْث اخْتِلاَف، وقد توقف فِيهِ أبو حاتم الرَّازِي، وحكى عَن شعبة، أَنَّهُ كَانَ يهابه؛ لتفرد إِسْمَاعِيل بْن رجاء بِهِ عَن أوس، فَقَالَ: إنما رواه الْحَسَن بْن يزيد الأصم، عَن السدي، وَهُوَ شيخ، وأخاف أن لا يكون محفوظاً – يعني: حَدِيْث السدي.

وهذه الأحاديث كلها تدل عَلَى التقديم بالسن عِنْدَ التساوي فِي القرءاة وغيرهم من الفضائل، وقد أخذ بذلك أكثر العلماء.

قَالَ عَطَاء والثوري وأبو حنيفة: إذا استووا فِي القراءة والفقة فأسنهم.

وَقَالَ مَالِك: للسن حق.

ولكن اختلفوا: هَلْ تقدم الهجرة والنسب عَلَى السن، أم لا؟
وفيه اخْتِلاَف بَيْن أصحابنا وغيرهم من الفقهاء.

وقول إِسْحَاق: إنه يقدم بالهجرة، وبعدها بالسن.
وقيل: إنه ظاهر كلام أحمد – أَيْضاً.

ومما يفرع عَلَى التقديم بالسن، أَنَّهُ: هَلْ يكره أن يؤم الرَّجُلُ أباه إذا كَانَ أقرأ مِنْهُ وأفقه؟
فمن العلماء من كرهه، منهم: عَطَاء، وحكي عَن أَبِي حنيفة، ورواية عَن
أحمد، والمشهور الَّذِي نقله عَنْهُ أكثر أصحابه: أَنَّهُ لا يكره إذا كَانَ أقرأ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلِ الثوري.

وروي عَن أَبِي أسيد الأنصاري – وَهُوَ من الصَّحَابَة -، أَنَّهُ كَانَ يأتم بابنه، وكذلك عَمْرِو بْن سَلَمَة الجرمي كَانَ يؤم الحي وفيهم أبوه، وقد قدم أبو بَكْر الصديق مكة فِي خلافته فأمهم وفيهم أبو قحافة.