هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
448 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ح ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ ، قَالَ : عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
448 حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا أبي ، حدثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثد ح ، وحدثني محمد بن حاتم ، واللفظ له حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، قال : حدثني علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم : صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ، ومسح على خفيه فقال له عمر : لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ، قال : عمدا صنعته يا عمر
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Sulaiman b. Buraida narrated it from his father that the Messenger of Allah (ﷺ) offered prayers with one ablution on the day of the Conquest (of Mecca) and wiped over the socks. 'Umar said to him:

You have today done something that you have not been accustomed to before. He (the Holy Prophet) said: 0 'Umar, I have done that on purpose.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد.
ومسح على خفيه.
فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه.
قال عمدا صنعته يا عمر.


المعنى العام

كان المسلمون منذ بزغ نور الإسلام في كفاح وجهاد، ما آبوا من سرية إلا استعدوا لأخرى، وما رجعوا من غزوة إلا وتأهبوا لغزوة.
في عشر سنين خرج النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في سبع وعشرين غزوة، وأرسل بعوثا وسرايا بلغت ستا وخمسين أو تزيد، قطعوا مئات الأميال شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ركبانا تارة، ومشاة تارات، لبسوا خفافا ونعالا تصون أقدامهم من الغوص في الرمال والتآكل فوق صخور الجبال، وتحميها من أشواك الصحراء وحصائها وتقيها حرها وبردها، كانوا يستريحون وهي في أقدامهم، وينامون بها في ليلهم، لا يخشون تلويث فراش، أو تمزيق غطاء، فما أبسط فراشهم وغطاءهم.

ومن هنا راعت الشريعة السمحة ظروفهم، وقدرت قلة مائهم، فرخصت لهم المسح على الخفين بدل غسل الرجلين في الوضوء يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، وليس في هذا التيسير تنقيص للنظافة فالشرط أن يلبسوا خفافهم بعد غسل أقدامهم وطهارتها، وأن لا يخلعوها مدة المسح، فإن خلعوها وجب غسل الأقدام.

ونزلت آية المائدة بفرائض الوضوء قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعام أو بعض عام، وظن البعض أن المسح على الخفين قد انتهى بنزولها، وأن ظروف المشقة بالخلع قد ضاق نطاقها لكن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح بعدها حضرا وسفرا، ليثبت أن منحة الله للأمة مستمرة، وأن الرخصة باقية، فهذا جرير بن عبد الله الذي أسلم بعد نزول آية المائدة يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على خفيه في الحضر، وهذا المغير بن شعبة يروي أنه صلى الله عليه وسلم مسح في السفر، وهذا علي يروي أنه صلى الله عليه وسلم جعل مدة المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة، وهذا عمر رضي الله عنه يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين يوم الفتح.

أما جرير رضي الله عنه فقد قضى حاجته ثم استجمر ثم توضأ حتى بلغ غسل رجليه، فلم يخلع خفيه، بل مسح عليهما، فقيل له: تمسح على الخفين في الحضر ومع كثرة الماء؟ قال: نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا في الحضر ومع وجود الماء الكثير.

أما المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيحكي أنه كان في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وفي الليل والجيش يسير قال صلى الله عليه وسلم: يا مغيرة أمعك ماء؟ قال: نعم.
قال: انزل به معي، فأوقفا دابتيهما، ونزلا وتخلفا عن القوم، وانحرفا عن الطريق إلى الصحراء ووقف المغيرة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توارى عنه، ثم قضى حاجته، واستجمر بالأحجار، ثم رجع، فتلقاه المغيرة في سواد الليل فقال له: أمعك الماء؟ قال: نعم.
فجلس ومد يديه، فصب المغيرة عليهما من فم الإداوة الضيق فغسل كفيه، ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه، ثم شرع يكشف كمه عن ذراعه، فضاقت ولم ينكشف الذراع، فخلع الكمين، وألقى بهما على كتفيه، وأخرج يديه من أسفل الجبة، فغسل يديه إلى المرفقين، ثم مسح بمقدم رأسه بناصيته، وكمل المسح على عمامته، ثم أقبل نحو رجليه، فأسرع المغيرة إليهما يخلع خفيه، فقال صلى الله عليه وسلم: دعهما، فإني لبستهما على طهارة، ثم ركب وركب المغيرة، فأدركا القوم، في صلاة الفجر، يصلي بهم إماما عبد الرحمن بن عوف فلما أحسوا به صلى الله عليه وسلم أسفوا إذ لم ينتظروه، وانزعجوا، وأخذوا في التسبيح ينبهون إمامهم، فتأخر عبد الرحمن بن عوف يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى بهم ركعة، فأشار إليه صلى الله عليه وسلم أن يستمر في إمامته، وأن يكمل الصلاة، وصلى خلفه، فلما سلم الإمام قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام المغيرة فصليا الركعة التي سبقتهما، ثم سلما.

وأما علي -كرم الله وجهه- فقد جاء شريح بن هانئ بعد أن سأل عائشة -رضي الله عنها- عن حكم المسح على الخفين، فقالت له: عليك بابن أبي طالب، فاسأله، فإنه أعلم بذلك مني، لأنه كان يصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا في السفر، فسأل عليا.
فقال له: نعم.
حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوما وليلة، يمسح فيها ما لم ينزع.

وأما عمر رضي الله عنه فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يتوضأ ويمسح على خفيه، ثم يصلي بهذا الوضوء صلوات، فقال: يا رسول الله صليت اليوم صلوات بوضوء واحد، ولم تكن تفعله من قبل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: فعلت ذلك عمدا لتعلموا أنه جائز، وإن كان الأفضل تجديد الوضوء لكل صلاة.

المباحث العربية

( أنه خرج لحاجته) أي لقضاء حاجته، كناية عن التبرز والتبول.

( فاتبعه المغيرة بإداوة) اتبع من الاتباع، بتشديد التاء، وروي فأتبعه بالهمزة مع سكون التاء والإداوة والركوة والمطهرة والميضأة بمعنى متقارب.
إناء الوضوء.
قاله النووي.

( فصب عليه حين فرغ من حاجته) مفعول صب محذوف للعلم به، والمعنى: بعد رجوعه من قضاء حاجته، وانتقاله صلى الله عليه وسلم إلى موضع آخر صب المغيرة الماء عليه في وضوئه، وفي رواية لمسلم فصب عليه حتى فرغ من حاجته قال النووي: لعل معناها فصب عليه في وضوئه حتى فرغ من الوضوء، فيكون المراد بالحاجة الوضوء، وقد جاء في الرواية الأخرى مبينا أن صبه عليه كان بعد رجوعه من قضاء الحاجة.
اهـ.

( فتوضأ ومسح على الخفين) من عطف الجزء على الكل، إذ المسح على الخفين جزء الوضوء، ففيه مجاز المشارفة.

( فغسل وجهه ويديه إلخ) هذه الفاء تفصيلية.

( بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إذ نزل) بين ظرف زمان، والألف للإطلاق، وهي منصوبة بمعنى المفاجأة في إذ والتقدير، فاجأني بنزوله صلى الله عليه وسلم وقت وجودي معه.

( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر) في رواية أبي داود أنه كان في غزوة تبوك.

( فتوضأ وضوءه للصلاة، ثم مسح على خفيه) أي توضأ وضوءه للصلاة فيما عدا غسل الرجلين فمسح على الخفين بدل غسلهما، إذ لا قائل بالجمع بين غسل الرجلين والمسح على الخفين.

( ثم أهويت لأنزع خفيه) أي مددت يدي.
قال الجوهري: يقال: أهوى إليه بيديه ليأخذه، وقال التيمي: أهويت أي قصدت الهوى من القيام.

( فقال: دعهما) أي دع الخفين لا تنزعهما، دع فعل أمر معناه اترك، وهو من الأفعال التي أماتوا ماضيها.

( فإني أدخلتهما طاهرتين) أي أدخلت الرجلين طاهرتين فيهما، فالضمير يعود على الرجلين المفهومين من المقام.

( ومسح عليهما) أي على الخفين.

( فقال له...
فقال إني أدخلتهما طاهرتين)
مقول المغيرة محذوف في هذه الرواية، لكن في رواية أبي داود عن المغيرة فقلت يا رسول الله أنسيت؟ قال: بل أنت نسيت، بهذا أمرني ربي عز وجل.

( تخلف النبي صلى الله عليه وسلم وتخلفت معه) أي عن القافلة والجيش، والمراد من التخلف التأخر القليل.

( فأتيته بمطهرة) بكسر الميم وسكون الطاء أداة الطهارة، وهي إناء الوضوء.

( ثم ذهب يحسر عن ذراعيه) يحسر بفتح الياء وكسر السين، أي يكشف، والمفعول محذوف، أي يحسر الجبة عن ذراعيه.

( فركعنا الركعة التي سبقتنا) قال النووي كذا ضبطناه، وكذا هو في الأصول بفتح السين والباء والقاف، وبعدها مثناة من فوق ساكنة، أي وجدت قبل حضورنا.
اهـ.

( مسح على الخفين والخمار) يعني بالخمار العمامة، لأنها تخمر الرأس، أي تغطيه.

فقه الحديث

يمكن حصر الكلام في النقاط الآتية:

1- آراء العلماء في مشروعية المسح على الخفين بدل غسل الرجلين في الوضوء وأدلتهم.

2- التحديد الشرعي للخف وما يقوم مقامه.

3- الحالة المطلوبة للبسه، وكيفية المسح عليه.

4- آراء العلماء في مدة المسح، وما يبطله، وأدلتهم.

5- ما يؤخذ من الأحاديث من الأحكام.

وهذا هو التفصيل:

أولا: آراء العلماء في مشروعية المسح على الخفين في الوضوء وأدلتهم: قال النووي في شرح مسلم: أجمع من يعتد به في الإجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر، سواء كان لحاجة، أو لغيرها، حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها، وللزمن الذي لا يمشي، وإنما أنكرته الشيعة والخوارج، ولا يعتد بخلافهم، وقد روي عن مالك -رحمة الله تعالى- روايات فيه، والمشهور من مذهبه كمذهب الجماهير، وقد روي المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة.
قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين.
اهـ.

ولإيضاح ما أشار إليه النووي من رأي الشيعة والخوارج والرواية عن مالك نقول:

ذهب الشيعة والخوارج وأبو بكر بن داود الظاهري إلى أنه لا يجزئ المسح عن غسل الرجلين، واستدلوا بآية المائدة { { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } } [المائدة: 6] وبقوله صلى الله عليه وسلم لمن علمه واغسل رجلك ولم يذكر المسح على الخفين، وقوله صلى الله عليه وسلم ويل للأعقاب من النار.

قالوا: والأخبار بمسح الخفين [كأحاديثنا] منسوخة بآية المائدة.

وأجاب الجمهور عن شبههم بأنه قد ثبت المسح عنه صلى الله عليه وسلم بعد نزول آية المائدة، فحديثنا الأول عن جرير بيان عما بعد نزول الآية، ففي أبي داود فقال جرير لما سئل: هل كان ذلك قبل المائدة أو بعدها؟ قال: ما أسلمت إلا بعد المائدة.

فإن قدح الشيعة في جرير بأنه فارق عليا، فترد روايته.
قلنا: إنه لم يفارقه، وإنما احتبس عنه بعد إرساله إلى معاوية لأعذار، وعلى فرض أنه فارق عليا فقد نقل الإجماع من طرق أكابر أئمة الآل وأتباعهم على قبول رواية الصحابة قبل الفتنة وبعدها، فالتخلص من مشروعية المسح بالقدح في هذا الصحابي الجليل مناف لما عليه سائر علماء الإسلام.
على أن حديث المغيرة بن شعبة كان عن غزوة تبوك -كما قرره الحافظ ابن حجر، وغزوة تبوك متأخرة بالاتفاق عن آية المائدة.
فالقول بنسخ آية المائدة للمسح مردود.

أما استدلالهم بالأمر بغسل الرجلين في الحديث فليس فيه قصر، فهو في حالة عدم لبس الخف، وأما حديث ويل للأعقاب من النار فهو وعيد لمن مسح رجليه ولم يغسلهما ولم يرد في المسح على الخفين.

فآية المائدة عامة مطلقا باعتبار حالتي لبس الخف وعدمه، فتكون أحاديث الخفين مخصصة أو مقيدة، ولا نسخ.

أما الإمام مالك فقد تضاربت الروايات في النقل عنه، وفي تفسير هذا المنقول، ففي الأبي [المسح على الخفين في الحضر والسفر أجازه مالك مرة، ومنعه مرة، وأجازه مرة في السفر دون الحضر، ورواية المنع شاذة أنكرها أكثر أصحابه، وأظن صيغتها أنه قال لا أمسح فإن كانت هكذا فهو شيء أخذ به في نفسه، وإن كان لفظ الرواية يقتضي المنع فهو لأنه قدم الآية على الحديث، وروي عنه ما ينحو إلى ذلك، قال إنما هي أحاديث وكتاب الله أحق أن يتبع وقال القاضي عياض: في النوادر من طريق ابن وهب قال مالك: لا أمسح في سفر ولا حضر وهي في المبسوط بنص أجلي، قال ابن نافع: قال لي عند موته: المسح في السفر والحضر يقين لا شك فيه، ولكني كنت آخذ في نفسي بالطهور، فمن مسح فلا أراه مقصرا.
وقال ابن العربي: رواية المنع نقلها عن مالك وهم لأنه لم ينكر المسح، وإنما قال: أقام صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- بالمدينة حياتهم، ولم ير أحدكم مسح.
اهـ.

هذا ما قيل عن الإمام مالك، ومنه يتبين أن المشهور من مذهبه -كما يقول النووي- هو مذهب الجمهور، والمعروف المستقر عن المالكية الآن قولان: الجواز مطلقا، والجواز للمسافر دون المقيم.

أما ما نسب إلى عائشة من أنها لم تر المسح، وأنها توقفت عن القول به وأحالت السائل إلى الإمام علي -كرم الله وجهه- فهو خطأ، فإن تحويل السائل معلل في الحديث بأنه أعلم منها في هذه المسألة لكثرة سفره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأن كل ما عندها ضعف العلم أو عدم العلم على الأكثر، وهذا لا يثبت به نفي، خصوصا وقد أجاب علي -كرم الله وجهه- بالإثبات.

وما نسب إلى ابن عمر من أنه أنكر المسح على الخفين ثبت أنه رجع عنه، فقد روى أحمد والبخاري واللفظ لأحمد عن ابن عمر قال: رأيت سعد بن أبي وقاص يمسح على خفيه بالعراق حين توضأ.
فأنكرت ذلك عليه، فلما اجتمعنا عند عمر، قال لي سعد: سل أباك، فسألت عمر عن ذلك، فقال: نعم.
إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فلا تسأل عنه غيره.

ومن هنا نقل ابن المنذر عن ابن المبارك أنه قال: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف، لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته.

وقال الحافظ ابن حجر: وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين، منهم العشرة.

وقال ابن عبد البر في الاستذكار: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة، وذكر أبو القاسم بن معدة أسماء من رواه في تذكرته فكانوا ثمانين صحابيا.
اهـ.

وإذا كانت أحاديثنا -فيما عدا الأول- في المسح في السفر، فإن الحديث الأول نص في الموضوع، وفي المسح في الحضر، ولهذا يقول النووي: روينا في سنن البيهقي عن إبراهيم بن أدهم قال: ما سمعت في المسح على الخفين أحسن من حديث جرير، وعن أبي حنيفة أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين، لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر وقال العيني: لا ينكره إلا المبتدع الضال.
والله أعلم.

وبعد أن ثبتت مشروعية المسح نرى العلماء يختلفون في الأفضل في الوضوء.
هل المسح على الخفين أفضل؟ أو غسل الرجلين أفضل؟ فالشافعية والحنفية والمالكية على أن الغسل أفضل، لكونه الأصل، وهو قول جماعة من الصحابة منهم: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري.

قال النووي: صرح جمع من الأصحاب بأن الغسل أفضل، بشرط ألا يترك المسح رغبة عن السنة.
اهـ.

وذهب جماعة منهم الشعبي والحاكم وحماد، وأحمد في أصح الروايتين عنه إلى أن المسح أفضل، قال ابن المنذر: والذي أختاره أن المسح أفضل، لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض قال: وإحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه.
اهـ.

وذهب جماعة إلى أن المسح والغسل سواء.

هذا: ولو أخذنا بعين الاعتبار حكمة مشروعية المسح على الخفين، وهي أن الحاجة تدعو إلى لبسه، وتلحق المشقة في نزعه، فألحق بالجبيرة، كما يقول الشافعية، وأخذنا بعين الاعتبار أن الأصل الغسل، والمسح فرع، وأن الغسل متفق عليه، والمسح مختلف فيه ولو كان الاختلاف تافها، وأن الغسل هو عامة فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأن القصد في هذا الباب إثبات وقوع المسح منه صلى الله عليه وسلم ومشروعيته، لو أخذنا كل هذا بعين الاعتبار ما جازت المفاضلة بين الغسل والمسح، ولكان القول واحدا لا تردد فيه، وهو أن الغسل أفضل والمسح جائز.
والله أعلم.

ثانيا: ولتحديد مفهوم الخف أو ما يقوم مقامه نعرض إلى ما كان معروفا عند العرب مما يلبس في القدمين فقد كانوا يعرفون الخف والنعل والجورب والجرموق.

أما الخف فقد كان من جلد غالبا، وهو نظير الحذاء في زماننا، ويغطي الجزء المفروض غسله من الرجلين في الوضوء، وفي معناه ما كان من اللبود و الكاوتشوك والبلاستيك والمعجونات الصناعية المشهورة في زماننا.

وشرط المسح عليه أن يكون سليما، فإن كان ممزقا في مكان الفرض بحكم القدم أو بالصناعة لم يجز المسح عليه عند الحنابلة والصحيح من مذهب الشافعية، وعن أبي ثور جواز المسح على جميع الخفاف، وعن الأوزاعي إن ظهرت طائفة من رجله مسح، وإن كان كثيرا لم يجز المسح، وعن أبي حنيفة وأصحابه: إن كان الخرق قدر ثلاثة أصابع لم يجز المسح، وإن كان دونه جاز وعن الحسن البصري: إن ظهر الأكثر من أصابعه لم يجز، قال ابن المنذر: وبقول الثوري أقول، لظاهر إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين قولا عاما، فيدخل فيه جميع الخفاف.
اهـ.
وهو قول حسن.

أما النعل، وهو يشبه إلى حد ما المعروف في مصر باسم الصندل أو نوعا من الشباشب وصورته -كما كانت عند العرب- مسطح من الجلد، ترتكز عليه القدم يجعل في وسطه سير يكون على ظهر القدم قريبا من الساق، ويسمى هذا السير بالقبال، ولبعض النعال قبالان، أحدهما يكون بين الإبهام والتي تليها والآخر يكون بين الوسطى والتي تليها، ويجتمع السيران إلى السير الذي على ظهر القدم.

قال ابن العربي: النعل لباس الأنبياء، وإنما اتخذ الناس غيره [من أحذية كاسية ونحوها] لما في أرضهم من الطين، وكانت نعله صلى الله عليه وسلم ليس فيها شعر، ولها قبالان.

وكل ما ورد في المسح على النعلين ما رواه أبو داود عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين وليس فيه دليل على جواز المسح على النعلين.
ولا خلاف بين العلماء في عدم جواز المسح على النعلين وحدهما، إنما الخلاف في المسح عليهما مع الجوربين.

واختلفت صفة الجورب باختلاف اصطلاح أهل الجهات العربية الأولى فبعضهم يطلقه على ما يصنع من قطن أو كتان أو صوف على هيئة الخف ويلبس بديله في البيوت أو في الأماكن النظيفة، التي يقل المشي فيها، وبعضهم يطلقه على خف يلبس فوق الخف إلى الكعب للبرد، ولصيانة الخف الأسفل من الدرن والغسالة، وبعضهم يطلقه على ما يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد، وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب.
وهو بهذا المعنى الأخير هو المستعمل في أكثر بلاد العالم، ويصنع من أنسجة مختلفة وهو الذي سنبني عليه الحكم الفقهي، فقد ذهبت الحنفية وأحمد وإسحاق والثوري، وابن المبارك إلى جواز المسح على الجوربين سواء أكانا مجلدين [أي موضوع في أسفلهما جلد] أم منعلين [أي ملبوسين داخل نعلين] أم ثخينين [والثخين ما يثبت على الساق من غير ربط، ويمكن تتابع المشي عليه، ولا يرى ما تحته] وذهبت المالكية إلى جواز المسح عليهما بشرط أن يكونا مجلدين من أعلاهما وأسفلهما.

واختلفت أقوال الشافعية، فبعضهم اشترط كونه مجلدا أو منعلا، وبعضهم اشترط كونه صفيقا، يمكن متابعة المشي فيه.
قال النووي: والصواب ما ذكره جماعات من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشي فيه جاز كيف كان، وإلا فلا.
اهـ.

قال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وعمر بن الخطاب، وابن عباس -رضي الله عنهم.
اهـ.

أما الأثر المروي عن علي بن أبي طالب، فقد أخرجه البيهقي عن كعب بن عبد الله قال: رأيت عليا بال، فمسح على جوربيه ونعليه، ثم قام يصلي، وأما أثر ابن مسعود فرواه عبد الرزاق عن إبراهيم أن ابن مسعود كان يمسح على خفيه وعلى جوربيه، وأما أثر البراء بن عازب فرواه عبد الرزاق أيضا عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال: رأيت البراء بن عازب يمسح على جوربيه ونعليه، وأثر عمر رواه ابن أبي شيبة أن عمر توضأ ومسح على جوربيه ونعليه.

وهكذا نجد آثار المسح على الجوربين غير قوية، وكلها تقريبا تجمع بين الجوربين والنعلين، ولو قيل: إن العمدة في جواز المسح على الجوربين القياس على الخفين، إذ لا يوجد فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه لكان أولى من الاستدلال بهذه الآثار.
والله أعلم.

وأما الجرموق فهو خف كبير يلبس فوق الخف، والمسح عليه جائز عند أبي حنيفة وأحمد، بشرط صلاحيته للمسح، ولبسه قبل المسح على الخف وقبل الحدث، وعند المالكية يصح المسح على الجرموق بشرط أن يكون من جلد، وأن يلبسه مع الخف على طهارة كاملة، وعند الشافعية في جواز المسح عليه قولان.

وقد روى أبو داود أن عبد الرحمن بن عوف سأل بلالا عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان يخرج يقضي حاجته، فآتيه بالماء، فيتوضأ، ويمسح على عمامته وموقيه.
[وهما تثنيه موق وهو الخف -فارسي معرب- وفي المحكم: هو ضرب من الخفاف عربي صحيح.
وقال ابن العربي في شرح الترمذي: الخف جلد مبطن مخروز يستر القدم كلها والموق جلد مخروز لا بطانة له، وقال الخطابي: هو خف قصير الساق، وقال الجوهري: هو ما يلبس فوق الخف، ويقال له: الجرموق].
والله أعلم.

ثالثا: الحالة المطلوبة للبسه، وكيفية المسح عليه: وأما عن الحالة المطلوبة للبسه فتقول الرواية الخامسة والسادسة فإني أدخلتهما طاهرتين ومن هذه العبارة أخذ أن المسح على الخفين لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة، قال النووي: بأن يفرغ من الوضوء بكماله، ثم يلبسهما، لأن حقيقة إدخالهما طاهرتين أن تكون كل واحدة منهما أدخلت وهي طاهرة، قال: وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فمذهبنا أن يشترط لبسهما على طهارة كاملة، حتى لو غسل رجله اليمنى، ثم لبس خفها، وغسل اليسرى، ثم لبس خفها لم يصح لبس اليمنى، فلا بد من نزعها، وإعادة لبسها، ولا يحتاج إلى نزع اليسرى.
لكونها ألبست بعد كمال الطهارة.

وهذا هو مذهب مالك وأحمد وإسحاق، قال أبو حنيفة وسفيان الثوري والمزني وأبو ثور: يجوز اللبس على حدث، ثم يكمل طهارته.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: والحديث حجة عليهم، لأنه جعل الطهارة قبل لبس الخف شرطا لجواز المسح، والمعلق بشرط لا يصح إلا بوجود ذلك الشرط.
اهـ.

وحمل داود الطهارة في قوله: فإني أدخلتهما طاهرتين على طهارة القدمين من النجاسة، فلو لبسهما على حدث، وكانتا طاهرتين من النجاسة جاز المسح عليهما.

واشترط الفقهاء للمسح على الخفين أن يكون في الحدث الأصغر، فلا مسح في الجنابة والحيض والنفاس، وأن تكون الطهارة مائية لا ترابية، فلو تيمم ثم لبسهما، لم يبح له المسح، لأن التيمم مبيح، لا رافع، وأن يكون الخف طاهرا، لا نجسا، فلا مسح على خف من جلد خنزير أو جلد لم يدبغ، وأن لا يكون عاصيا بلبسه، كمحرم بحج أو عمرة، ولم يضطر للبسه، شرطه المالكية وللشافعية فيه خلاف.

والواجب في المسح أقل جزء من أعلى الخف، عند الشافعية، وقال أبو حنيفة: يجب مسح قدر ثلاث أصابع، وقال أحمد: يجب مسح أكثر ظاهره، وعن مالك مسح جميعه ويستحب أن يمسح أعلاه وأسفله، فيغمس يديه في الماء، ثم يضع كفه اليسرى تحت عقب الخف، وكفه اليمنى على أطراف أصابعه، ثم يمر اليمنى إلى ساقه، واليسرى إلى أطراف أصابعه، ولو اقتصر على مسح الأسفل لم يجزئ عند الجمهور، إذ لم يثبت الاقتصار على الأسفل، والمعتمد في الرخص الاتباع، فلا يجوز غير ما ثبت التوقيف فيه، وعن علي رضي الله عنه لو كان الدين بالرأي كان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه رواه أبو داود.

ويجزئ المسح بغير اليد كالخشبة والخرقة والفرشاة، ولا يستحب تكرار المسح، بل قيل: إنه مكروه، ولو كان في أسفل الخف نجاسة لم يمسح على الأسفل، لأنه لو مسحه زاد التلويث، ولزمه غسل اليد، وغسل أسفل الخف والذي تستريح إليه النفس أن المسح على الخفين جاز للتيسير ورفع المشقة ويكفي ما يطلق عليه مسح، ولو موضع أنملة، ولا يطلب أكثر من ذلك، لما فيه من المشقة، وتعريض الخف للتلف، ثم إن المسح على الخفين أبيح في ظروف خاصة، ومعظمها كان سفرا وحربا، وقلة ماء، وأرض نظيفة خالية من النجاسة أو قليلتها، وجو شديد الحرارة أو شديد البرودة، يشق معه نزع الخف وغسل الرجلين.
أما في مثل ظروفنا فلا داعي للجوء إلى هذه الرخصة.

رابعا: آراء العلماء في مدة المسح، وما يبطله، وأدلتهم: والحديث الثاني عشر يحدد مدة المسح على الخفين، وفيه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم.

وهذا التوقيت مذهب الشافعية والحنفية والحنابلة، وجمهور العلماء عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

ويبدأ اليوم والليلة للمقيم والثلاثة أيام للمسافر من حين يحدث بعد لبس الخفين عند الشافعية وأبي حنيفة وجمهور العلماء وهو أصح الروايتين عن أحمد.
وقال الأوزاعي وأبو ثور: من حين يمسح بعد الحدث، وأكثر ما يمكن للمقيم أن يصلي بالمسح من فرائض الوقت سبع صلوات إذا جمع الصلاتين في المطر، فإن لم يجمع فست صلوات، وصورته أن يحدث في نصف اليوم الأول، بعد قليل من أول وقت الظهر، فيمسح ويصلي، ثم في أول وقت ظهر اليوم الثاني يصلي الظهر والعصر جمع تقديم، ومثل ذلك يفعل المسافر في اليوم الرابع فيصلي سبع عشرة، وإن لم يجمع فست عشرة هذا مذهب الشافعية، وحكى ابن المنذر عن الشافعي وأبي ثور وإسحاق وسليمان بن داود أنه لا يصلي بالمسح إلا خمس صلوات إن كان مقيما، وخمس عشرة إن كان مسافرا.
قال النووي: وهذا مذهب باطل، إذ الأحاديث الصحيحة في التوقيت بالزمان، لا بالصلوات.
اهـ.

ويصلي في مدة المسح ما شاء من الصلوات قضاء ونذرا وتطوعا بلا خلاف.

وقالت طائفة: لا توقيت، ويمسح ما شاء، ما لم ينزع خفيه أو يجنب، حكي هذا عن الشعبي وربيعة والليث ومذهب الشافعي القديم وأكثر أصحاب مالك وهو المشهور عن مالك، وفي رواية عنه أنه مؤقت كالجمهور، وفي رواية أخرى أنه مؤقت للحاضر دون المسافر، وعن سعيد بن جبير: يمسح من غدوه إلى الليل.

واحتج من قال بعدم التوقيت بما روي عن أبي بن عمارة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله.
أمسح على الخف؟ قال: نعم.
قلت: يوما؟ قال: ويومين.
قلت: وثلاثة؟ قال: نعم وما شئت.

وروي وما بدالك وروي حتى بلغ سبعا.
قال: نعم وما بدا لك وبحديث إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت قال: جعل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، ولو استزدناه لزادنا يعني المسح على الخفين للمسافر وبحديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم، ولبس خفيه فليصل فيهما، وليمسح عليهما، ثم لا يخلعها إن شاء إلا من جنابة وبحديث عقبة بن عامر قال: خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة فدخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: متى أولجت خفيك في رجليك؟ قلت: يوم الجمعة واليوم يوم الجمعة، ثمان.
قال: أصبت السنة.
رواه البيهقي وغيره، وعن ابن عمر أنه كان لا يوقت في الخفين وقتا.
قالوا: ولأنه مسح بالماء، فلم يتوقت كالمسح على الجبيرة.

واحتج القائلون بالتوقيت بالحديث الثاني عشر السابق الذكر، وبأحاديث كثيرة في التوقيت، منها: ما رواه الشافعي في مسنده والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة عن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ومنها: ما رواه أبو بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسح على الخفين.
فقال: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة، وهو حديث حسن.
قال البيهقي والترمذي: قال البخاري: هو حديث حسن.
ومنها ما رواه خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين: للمسافر ثلاث، وللمقيم يوم ( حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح)
ومنها حديث عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في غزوة تبوك بالمسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر.
وللمقيم يوم وليلة.
قال البيهقي: قال الترمذي: قال البخاري: هذا الحديث حسن.

وأجابوا عن أدلة الفريق المخالف بأن حديث أبي بن عمارة ضعيف بالاتفاق، ولو صح لكان محمولا على جواز المسح أبدا بشرط مراعاة التوقيت لأنه إنما سأل عن جواز المسح، لا عن توقيته، وبأن حديث خزيمة في عدم التوقيت، وقوله ولو استزدناه لزادنا ضعيف بالاتفاق، وكذا حديث أنس وما روي عن ابن عمر، وقيل: إنهما رجعا عن رأيهما إلى التوقيت.

واشترط العلماء أن يكون السفر طويلا، وهو السفر الذي تقصر فيه الصلاة، وهو ثمانية وأربعون ميلا، وأن لا يكون السفر في معصية، فإن كان لمعصية كقطع الطريق أو قصد الفاحشة أو لشهادة الزور لم يجز أن يمسح ثلاثة أيام بلا خلاف، قال القاضي عياض وسائر أصحاب الشافعي: إنه لا يستبيح بسفر المعصية شيئا من رخص السفر من القصر والفطر، والمسح ثلاثا، والجمع والتنفل على الراحلة، وترك الجمعة، وأكل الميتة.

والخلاف بين العلماء في جواز المسح يوما وليلة للمسافر في معصية، فقيل: لا يجوز تغليظا عليه، والمشهور القطع بالجواز، لأن ذلك جائز بلا سفر.

فإن لبس في الحضر، وأحدث ومسح، ثم سافر أتم مسح مقيم، لأنه بدأ بالعبادة في الحضر، فلزمه حكم الحضر، وإن مسح في السفر، ثم أقام أتم مسح مقيم، قالوا: لأنها عبادة تتغير بالسفر والحضر، فإذا اجتمع فيها السفر والحضر غلب حكم الحضر، ولم يقسط عليهما، كالصلاة، فإن من صلى في سفينة في السفر، فدخلت دار الإقامة، وقد صلى ركعة، لزمه الإتمام بالإجماع، ولا يوزع فيقال: يتمها ثلاث ركعات مثلا.

ويبطل المسح بالجنابة، ويجب نزع الخف والاغتسال، كذلك يبطل المسح بانتهاء المدة، وينزع الخفين أو أحدهما من الرجل، ومن خلع خفيه أو انقضت مدته، وهو على طهارة المسح ففيه أربعة مذاهب، قيل: يكفيه غسل القدمين وهو الراجح من مذهب الشافعية، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد، وقيل: يلزمه استئناف الوضوء، وهو أصح الروايتين عن أحمد.
وقيل: إن غسل رجليه عقب النزع كفاه، وإن أخر حتى طال الفصل استأنف الوضوء، وبه قال مالك والليث.
وقيل: لا شيء عليه، لا غسل القدمين ولا غيره، بل طهارته صحيحة، يصلي بها ما لم يحدث، كما لو لم يخلع.
وهو محكي عن داود واختاره ابن المنذر.

ويجرنا هذا إلى التساؤل: هل المسح على الخفين يرفع الحدث عن الرجلين؟ أو لا يرفع الحدث عنهما، وإنما يبيح الصلاة والعبادة؟ ذهب الجرجاني في التحرير إلى أنه لا يرفع الحدث، لأنه طهارة تبطل بظهور الأصل، فلم ترفع الحدث، كالتيمم، ولأنه مسح قائم مقام الغسل، فلم يرفع الحدث كالتيمم والجمهور على أن الأصح أنه يرفع الحدث، لأنه مسح بالماء، فيرفع كمسح الرأس، ولأنه يجوز أن يصلي به فرائض، ولو كان لا يرفع لما جمع به فرائض كما هو الشأن في التيمم.
والله أعلم.

خامسا: ويؤخذ من حديث المغيرة برواياته التسع فوق ما تقدم

1- جواز الصلاة في الخفاف، لأن قوله في الرواية الثالثة ثم مسح على خفيه، ثم صلى ظاهر في أنه صلى في خفيه، لأنه لو نزعهما بعد المسح لوجب غسل رجليه، ولو غسلهما لنقل.

2- جواز الاستعانة في الوضوء.
قال النووي: وهي على ثلاثة أقسام: إحداها: أن يستعين في إحضار الماء، فلا كراهة فيه.
الثاني: أن يستعين في غسل الأعضاء، ويباشر الأجنبي بنفسه غسل الأعضاء، فهذا مكروه إلا لحاجة.
والثالث: أن يصب عليه، فهذا مكروه في أحد الوجهين، والأولى تركه [ولا يقال: كيف يقال عن فعل فعله الرسول صلى الله عليه وسلم: الأولى تركه؟ لأن الصحابة كانوا يتبركون بمعاونته صلى الله عليه وسلم، فلا يقاس عليه غيره في مثل هذا].

3- وفيه خدمة العالم.

4- وقد أخذ منه المتصوفة اختصاص الشيخ بخادم يقتصر عليه، فإن المغيرة أحد الأحرار المختصين بخدمته صلى الله عليه وسلم في السفر، كأنس في الحضر ذكره الأبي.

5- الإبعاد عند قضاء الحاجة، والتواري عن الأعين.

6- الانتفاع بثياب الكفار حتى يتحقق من نجاستها، لأنه صلى الله عليه وسلم لبس الجبة الرومية، ولم يستفصل.

7- استدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت، لأن الجبة كانت شامية وكانت الشام إذ ذاك دار كفر، ومأكول أهلها الميتات.

8- استدل به بعضهم على لبس الضيق من الثياب الذي لا يصف العورة.
قال القرطبي: يحتمل أن تضييق الأكمام كان للسفر، أو أنه الموجود، فلا يحتج به لرجحان تضييق الأكمام، وما يحكى من أن شريحا عزل رجلا ضيق كميه بعيد.

9- التشمير في السفر، ولبس الثياب الضيقة فيه، لكونها أعون على مشاقه.

10- جواز إخراج اليدين من أسفل لمثل هذه الضرورة، فإن لم تكن ضرورة فلا تفعل في المحافل، قال النووي: لأن ذلك يخل بالمروءة.

11- وفيه أن الاقتصار على غسل معظم العضو المفروض غسله لا يجزئ، لأنه صلى الله عليه وسلم أخرج يديه من تحت الجبة، ولم يكتف بغسل ما أمكن حسر الجبة عنه منهما ومسح ما لم يمكن حسرها عنه.

12- احتج أبو حنيفة بقوله في الرواية السابعة ومسح بناصيته وعلى عمامته على أن الواجب الناصية فقط، وأحمد على جواز المسح على العمامة ومالك لا يكفي عنده الناصية، ولا يجيزه على العمامة، والحديث عند أصحابه محمول على أنه كان برأسه مرض وفيمن خاف ضررا من كشف رأسه.

13- استدل به القرطبي على الاقتصار على فروض الوضوء، أخذ ذلك من الرواية السادسة.
لكن في الرواية الرابعة فغسل يديه وفي السابعة فغسل كفيه وغسل الكفين قبل الوضوء من سننه، فإن قيل: لعل غسلهما بسبب ما أصابهما من الأذى في قضاء الحاجة.
قلنا ما قاله الحافظ ابن حجر: بل فعل صلى الله عليه وسلم السنن، وذكره المغيرة.
ففي رواية البخاري في الجهاد أنه تمضمض واستنشق وغسل وجهه.

14- ومن غسل الكفين أخذ مواظبته صلى الله عليه وسلم على سنن الوضوء حتى في السفر.

15- وفيه أن الأفضل تقديم الصلاة في أول الوقت فإنهم فعلوها في أول الوقت ولم ينتظروا النبي صلى الله عليه وسلم قاله النووي.
لكن قال القاضي عياض: صلاتهم قبل أن يأتيهم يحتمل أنهم بادروا فضل أول الوقت، أو ظنوا أنه أخذ غير طريقهم، أو أنه لا يأتي إلا وقد صلى وفزعهم حين أدركهم يصلون يدل على أنهم لم يبادروا لفضل أول الوقت ولا أنهم أخروا الصلاة حتى خافوا خروج الوقت، فالأشبه أنهم انتظروه، فلما تأخر عن وقته المعتاد صلوا.

16- قال النووي: وفيه أن الإمام إذا تأخر عن أول الوقت استحب للجماعة أن يقدموا أحدهم، فيصلي بهم، إذا وثقوا بحسن خلق الإمام، وأنه لا يتأذى من ذلك، ولا يترتب عليه فتنة، فأما إذا لم يأمنوا أذاه فإنهم يصلون في أول الوقت فرادى، ثم إن أدركوا الجماعة بعد ذلك استحب لهم إعادتها معهم.
اهـ.

17- وفيه تقديم الجماعة إماما بغير إذن الإمام.

18- وفيه أدب القوم مع كبيرهم، إذ فزعوا حين أحسوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وذهب إمامهم ليتأخر.

19- وجواز اقتداء الفاضل بالمفضول.

20- وجواز صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف بعض أمته، ولا يقال: لم لم يتأخر عبد الرحمن كما تأخر أبو بكر، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى كل منهما بعدم التأخر؟ أو لم تأخر أبو بكر، ولم يستجب للأمر كما استجاب له عبد الرحمن؟ لأن الفرق بين القضيتين كبير، فعبد الرحمن كان قد ركع ركعة، فترك النبي صلى الله عليه وسلم التقدم لئلا يختل ترتيب صلاة القوم، بخلاف قضية أبي بكر، فإنه لم يكن ركع وقت مجيئه صلى الله عليه وسلم، وفهم أبو بكر أن سلوك الأدب أولى من امتثال الأمر الذي ليس للوجوب.

21- وفيه كيفية قضاء المسبوق، واتباعه إمامه، حتى في جلوسه، ولو في غير محل جلوس المسبوق.

22- وأنه لا يقضي إلا بعد سلام الإمام.

23- وأنه لا يطالب بسجود السهو، خلافا لما ذهب إليه أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر، فقد روى ابن أبي شيبة موصولا عن عطاء عن أبي سعيد وابن عمر وابن الزبير في الرجل يدخل مع الإمام، وقد فاته بعض الصلاة؟ قالوا: يصنع كما يصنع الإمام، فإذا قضى الإمام صلاته قام يقضي، وسجد سجدتين.
اهـ.
وبقولهم قال أيضا جماعة، منهم عطاء وطاووس وإسحاق ومجاهد ووجهة نظرهم: احتمال أن يكون على الإمام سهو، أو لما يترتب على السبق من الجلوس للتشهد في موضع الجلوس.
أو لما يترتب عليه من الزيادة والنقص.

24- ويؤخذ من الرواية الحادية عشرة والثانية عشرة ورع السيدة عائشة -رضي الله عنها- وإنصافها وإرشادها السائل إلى الأخذ عن الأعلم، قال الأبي: هذا إذا ثبت أنه كان عندها علم بالمسألة، وإلا فالإرشاد متعين على من يسأل عما ليس له به علم.
اهـ.
ونقول: إن وجه الورع والإنصاف في توجيه السائل إلى علي -كرم الله وجهه- بالذات، مع ما هو معلوم مما كان بينها وبينه، ومع ما هو معلوم من ملازمة بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في السفر أكثر من علي كالمغيرة وأنس -رضي الله عنهما.

25- يؤخذ من الحديث الثالث عشر أن من اشتبه عليه أمر، يطلب منه أن يسأل عنه العالم، ولا تمنعه هيبة المسئول، وإن كان عظيما.

26- وجواز الجمع بين الصلاتين فأكثر بوضوء واحد.
قال القاضي عياض: فعله صلى الله عليه وسلم ليدل على الجواز، خوف أن يعتقد وجوب ما كان يفعله من الوضوء لكل صلاة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب جَوَازِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ
[ سـ :448 ... بـ :277]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ قَالَ عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ
بَابُ كَرَاهَةِ غَمْسِ الْمُتَوَضِّئِ وَغَيْرِهِ يَدَهُ الْمَشْكُوكَ فِي نَجَاسَتِهَا فِي الْإِنَاءِ ( قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا )
فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) : أَنَّأَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا يَسْتَنْجَوْنَ بِالْأَحْجَارِ وَبِلَادُهُمْ حَارَّةٌ ، فَإِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ عَرِقَ فَلَا يَأْمَنُ النَّائِمُ أَنْ يُطَوِّفَ يَدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ النَّجِسِ أَوْ عَلَى بَثْرَةٍ أَوْ قَمْلَةٍ أَوْ قَذَرٍ غَيْرِ ذَلِكَ .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : دَلَالَةٌ لِمَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فِي مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مِنْهَا : أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ نَجَّسَتْهُ ، وَإِنْ قَلَّتْ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَإِنَّهَا تُنَجِّسُهُ ; لِأَنَّ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالْيَدِ وَلَا يُرَى قَلِيلٌ جِدًّا ، وَكَانَتْ عَادَتُهُمُ اسْتِعْمَالَ الْأَوَانِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي تَقْصُرُ عَنْ قُلَّتَيْنِ بَلْ لَا تُقَارِبُهُمَا ، وَمِنْهَا الْفَرْقُ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَوُرُودِهَا عَلَيْهِ ، وَأَنَّهَا إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ نَجَّسَتْهُ وَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا أَزَالَهَا ، وَمِنْهَا أَنَّ الْغَسْلَ سَبْعًا لَيْسَ عَامًّا فِي جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ وَإِنَّمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ خَاصَّةً .
وَمِنْهَا : أَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا يَطْهُرُ بِالْأَحْجَارِ بَلْ يَبْقَى نَجِسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ .
وَمِنْهَا : اسْتِحْبَابُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِهِ فِي الْمُتَوَهَّمَةِ فَفِي الْمُحَقَّقَةِ أَوْلَى .

وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْغَسْلِ ثَلَاثًا فِي الْمُتَوَهَّمَةِ .
وَمِنْهَا : أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمُتَوَهَّمَةَ يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْغَسْلُ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الرَّشُّ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : حَتَّى يَغْسِلَهَا ، وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى يَغْسِلَهَا أَوْ يَرُشَّهَا .
وَمِنْهَا : اسْتِحْبَابُ الْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الِاحْتِيَاطِ إِلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ الِاحْتِيَاطِ وَالْوَسْوَسَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ أَوْضَحْتُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ .
وَمِنْهَا : اسْتِحْبَابُ اسْتِعْمَالِ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ فِيمَا يُتَحَاشَى مِنَ التَّصْرِيحِ بِهِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ، وَلَمْ يَقُلْ فَلَعَلَّ يَدَهُ وَقَعَتْ عَلَى دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ نَجَاسَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَهَذَا إِذَا عَلِمَ أَنَّ السَّامِعَ يَفْهَمُ بِالْكِنَايَةِ الْمَقْصُودَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ لِيَنْفِيَ اللَّبْسَ وَالْوُقُوعَ فِي خِلَافِ الْمَطْلُوبِ ، وَعَلَى ذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

هَذِهِ فَوَائِدُ مِنَ الْحَدِيثِ غَيْرُ الْفَائِدَةِ الْمَقْصُودَةِ هُنَا ، وَهِيَ النَّهْيُ عَنْ غَمْسِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، لَكِنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ ، فَلَوْ خَالَفَ وَغَمَسَ لَمْ يَفْسُدِ الْمَاءُ وَلَمْ يَأْثَمِ الْغَامِسُ ، وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّهُ يَنْجُسُ إِنْ كَانَ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ .
وَحَكَوْهُ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَاءِ وَالْيَدِ الطَّهَارَةُ فَلَا يَنْجُسُ بِالشَّكِّ ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى هَذَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ فِي الْيَدِ النَّجَاسَةُ ،.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ ، ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ : أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ ; بَلِ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الشَّكُّ فِي نَجَاسَةِ الْيَدِ فَمَتَى شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا كُرِهَ لَهُ غَمْسُهَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا وَسَوَاءٌ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ ، أَوْ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ ، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ .
وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَةً : أَنَّهُ إِنْ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ ، وَإِنْ قَامَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ .
وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ اعْتِمَادًا عَلَى لَفْظِ الْمَبِيتِ فِي الْحَدِيثِ ، وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ) ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ النَّجَاسَةَ عَلَى يَدِهِ ، وَهَذَا عَامٌّ لِوُجُودِ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فِي نَوْمِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَفِي الْيَقَظَةِ ، وَذَكَرَ اللَّيْلَ أَوَّلًا لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ تَوَهُّمِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ ، بَلْ ذَكَرَ الْعِلَّةَ بَعْدَهُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

هَذَا كُلُّهُ إِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْيَدِ ، أَمَّا إِذَا تَيَقَّنَ طَهَارَتَهَا وَأَرَادَ غَمْسَهَا قَبْلَ غَسْلِهَا فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا : حُكْمُهُ حُكْمُ الشَّكِّ ; لِأَنَّ أَسْبَابَ النَّجَاسَةِ قَدْ تَخْفَى فِي حَقِّ مُعْظَمِ النَّاسِ فَسَدَّ الْبَابَ لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ فِيهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ ، وَالْأَصَحُّ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَصْحَابِنَا : أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ ; بَلْ هُوَ فِي خِيَارٍ بَيْنَ الْغَمْسِ أَوَّلًا وَالْغَسْلِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ النَّوْمَ وَنَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ وَهِيَ الشَّكُّ ، فَإِذَا انْتَفَتِ الْعِلَّةُ انْتَفَتِ الْكَرَاهَةُ ، وَلَوْ كَانَ النَّهْيُ عَامًّا لَقَالَ : إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ حَتَّى يَغْسِلَهَا وَكَانَ أَعَمَّ وَأَحْسَنَ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي إِنَاءٍ كَبِيرٍ أَوْ صَخْرَةٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الصَّبُّ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ إِنَاءٌ صَغِيرٌ يَغْتَرِفُ بِهِ ; فَطَرِيقُهُ : أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِفَمِهِ ثُمَّ يَغْسِلَ بِهِ كَفَّيْهِ أَوْ يَأْخُذَ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ النَّظِيفِ أَوْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا أَسَانِيدُ الْبَابِ فَفِيهِ : ( الْجَهْضَمِيُّ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ .
وَفِيهِ : ( حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَهُوَ حَامِدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ الصَّحَابِيِّ ; فَنَسَبُ حَامِدٍ إِلَى جَدِّهِ .
وَفِيهِ ( أَبُو رَزِينٍ ) اسْمُهُ : مَسْعُودُ بْنُ مَالِكٍ الْكُوفِيُّ كَانَ عَالِمًا فِيهَا ، وَهُوَ مَوْلَى أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ .
وَفِيهِ : قَوْلُ مُسْلِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ : ( قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ : ( يَرْفَعُهُ ) ، وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنَ احْتِيَاطِهِ وَدَقِيقِ نَظَرِهِ وَغَزِيرِ عِلْمِهِ وَثُبُوتِ فَهْمِهِ ; فَإِنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعًا اخْتَلَفَتْ رِوَايَتُهُمَا ; فَقَالَ أَحَدُهُمَا : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

     وَقَالَ  الْآخَرُ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ وَهَذَا بِمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ ، وَلَكِنْ أَرَادَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - أَلَّا يَرْوِيَ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى حَرَامٌ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَجَائِزَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهَا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِيهِ : ( مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ) هُوَ ( مَعْقِلٌ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْقَافِ ، وَ ( أَبُو الزُّبَيْرِ ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ .
وَفِيهِ : ( الْمُغِيرَةُ الْحِزَامِيُّ ) بِالزَّايِ وَالْمُغِيرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا ، تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا فِي الْمُقَدِّمَةِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

باب كَرَاهَةِ غَمْسِ الْمُتَوَضِّئِ وَغَيْرِهِ يَدَهُ الْمَشْكُوكُ فِي نَجَاسَتِهَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا