هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4300 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ شُعْبَةَ ، حَدَّثَنِي خُلَيْدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، قَصِيرَةٌ تَمْشِي مَعَ امْرَأَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ، فَاتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ ، وَخَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ مُغْلَقٌ مُطْبَقٌ ، ثُمَّ حَشَتْهُ مِسْكًا ، وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ ، فَمَرَّتْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ ، فَلَمْ يَعْرِفُوهَا ، فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا وَنَفَضَ شُعْبَةُ يَدَهُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ خُلَيْدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، وَالْمُسْتَمِرِّ ، قَالَا : سَمِعْنَا أَبَا نَضْرَةَ ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، حَشَتْ خَاتَمَهَا مِسْكًا ، وَالْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4300 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو أسامة ، عن شعبة ، حدثني خليد بن جعفر ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كانت امرأة من بني إسرائيل ، قصيرة تمشي مع امرأتين طويلتين ، فاتخذت رجلين من خشب ، وخاتما من ذهب مغلق مطبق ، ثم حشته مسكا ، وهو أطيب الطيب ، فمرت بين المرأتين ، فلم يعرفوها ، فقالت بيدها هكذا ونفض شعبة يده حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن شعبة ، عن خليد بن جعفر ، والمستمر ، قالا : سمعنا أبا نضرة ، يحدث عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة من بني إسرائيل ، حشت خاتمها مسكا ، والمسك أطيب الطيب
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abd Sa'id Khudri reported Allah's Apostle (ﷺ) as saying:

There was a woman from Bani Isra'il who was short-statured and she walked in the company of two tall women with wooden sandals in her feet and a ring of gold made of plates with musk filled in them and then looked up, and musk is the best of scents; then she walked between two women and they (the people) did not recognise her, and she made a gesture with her hand like this, and Shu'ba shook his hand in order to give an indication how she shook her hand.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كانت امرأة من بني إسرائيل قصيرة تمشي مع امرأتين طويلتين، فاتخذت رجلين من خشب وخاتما من ذهب مغلق مطبق، ثم حشته مسكا وهو أطيب الطيب، فمرت بين المرأتين فلم يعرفوها، فقالت بيدها هكذا ونفض شعبة يده.


المعنى العام

خمسة آداب تشملها أحاديث الباب، والأدب الشرعي قد يكون واجبا، أو مندوبا، وقد يكون إرشادا إلى الأولى والأفضل، وقد جمع هذه الآداب كل هذه الأنواع.

فالتحرز من سب الدهر والزمان واجب، لأن الزمان مخلوق لله، وذم الصنعة تسيء إلى الصانع، وسب الصنعة - وهي لا ذنب لها - سب لصانعها، والظرف نعمة، خلقه الله وعاء للأعمال الصالحات فتضييعها، فضلا عن سبها سفه حرام، وإيذاء صانعها، وخالقها بسبها حرام يشبه الكفران.

الأدب الثاني: البعد عن تكريم ما حرم الله، فلا يقال للخمر كرم، ولا يقال للعنب كرم، بل الأولى أن يقال له: عنب.

الأدب الثالث: يستحب أن لا يقول السيد: عبدي وأمتي، لأننا جميعا عبيد الله، ونساؤنا إماء لله، ولا يتطاول القوي على الضعيف، ويستحب أن لا يقول العبد عن سيده: ربي، ولا يقول أحد للعبد: أطعم ربك، أو اسق ربك، أو وضئ ربك، لأن الرب على الحقيقة هو الله تعالى.

الأدب الرابع: يسن أن يبتعد المسلم عن وصف نفسه بالخبيث أو بالصفات الأخرى القبيحة.

الأدب الخامس: يستحب للمسلم استعمال الطيب في كل مناسبة اجتماع مع الآخرين.

المباحث العربية

( يسب ابن آدم الدهر) السب الشتم، والمراد وصف الزمان بالشر والقبح، ففي الرواية الثالثة يقول يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر وفي رواية وا خيبة الدهر بالنصب على الندبة، كأنه فقد الدهر، لما يصدر عنه مما يكرهه، فندبه متفجعا عليه، أو متوجعا منه، وفي رواية وا دهره وا دهره والخيبة الخسران، فاتهام الزمان بالخسران والفساد، وشتمه بذلك أو الدعاء عليه بالخيبة والخسران والحرمان من الخير خطأ وسفه، يؤدي إلى شتم الله تعالى، فالزمان مخلوق، وهو وعاء وظرف لأعمال الإنسان، ولا تأثير له على الأعمال، ولا يوصف بالسوء، والمظروف الذي هو العمل، هو الذي يسيئه أو يحسنه، والدهر في اللغة مدة الحياة كلها، أو الزمن الطويل، أو ألف سنة، أو مائة سنة أو الزمان قل أو كثر، وهو المراد هنا.

( وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار) في الرواية الثانية وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار وفي الرواية الثالثة فإني أنا الدهر، أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما.

قال الخطابي: معناه أنا صاحب الدهر، ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر، فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه، الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان، جعل ظرفا لمواقع الأمور، وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه، أضافوه إلى الدهر، فقالوا: بؤسا للدهر، وتبا للدهر.

وقال النووي: قوله أنا الدهر بالرفع، وهو مجاز، وذلك أن العرب كانوا يسبون الدهر عند الحوادث، فقال: لا تسبوه، فإن فاعلها هو الله، فكأنه قال: لا تسبوا الفاعل فإنكم إذا سببتموه سببتموني، أو الدهر هنا بمعنى الداهر فقد حكى الراغب أن الدهر في قوله إن الله هو الدهر ( في روايتنا الرابعة) غير الدهر في قوله يسب الدهر قال: والدهر الأول الزمان، والثاني المدبر المصرف لما يحدث، ثم استضعف الراغب هذا القول لعدم الدليل عليه، ثم قال: لو كان كذلك لعد الدهر من أسماء الله تعالى.
اهـ.

فالحاصل أن المراد بقوله إن الله هو الدهر أو أنا الدهر أي المدبر للأمور، أو الكلام على حذف مضاف، أي أنا صاحب الدهر، أو التقدير: أنا مقلب الدهر، ولذلك عقب بقوله في الرواية الثانية أقلب الليل والنهار وفي الرواية الثالثة أقلب ليله ونهاره، فإذا شئت قبضتهما وعند أحمد بيدي الليل والنهار، أجدده وأبليه، وأذهب بالملوك

( يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر) قال القرطبي: معناه يخاطبني من القول بما يتأذى به من يجوز في حقه التأذي، والله منزه عن أن يصل إليه الأذى، وإنما هذا على التوسع في الكلام، والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله تعالى، وقال النووي : معناه يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم.

( ولا يقولن أحدكم للعنب: الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم) وفي الرواية السابعة: لا تقولوا: كرم، فإن الكرم قلب المؤمن وفي الرواية الحادية عشرة لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: الحبلة، يعني العنب وفي الرواية الثانية عشرة ولكن قولوا: العنب والحبلة وفي الرواية الثامنة لا تسموا العنب الكرم وعند الطبراني والبزار إن اسم الرجل المؤمن في الكتب الكرم، من أجل ما أكرمه الله على الخليقة وإنكم تدعون الحائط من العنب الكرم وقد حكى ابن بطال عن ابن الأنباري أنهم سموا العنب كرما، لأن الخمر المتخذة منه تحث على السخاء، وتأمر بمكارم الأخلاق، حتى قال شاعرهم:

والخمر مشتقة المعنى من الكرم

فلذلك نهي عن تسمية العنب بالكرم، حتى لا يسموا أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم وجعل المؤمن، الذي يتقي شربها، ويرى الكرم في تركها أحق بهذا الاسم، وقال الخطابي ما ملخصه إن المراد بالنهي تأكيد تحريم الخمر، بمحو اسمها، لأن في تبقية هذا الاسم لها تقرير لما كانوا يتوهمونه من تكرم شاربها، فنهى عن تسميتها كرما، وقال إنما الكرم قلب المؤمن لما فيه من نور الإيمان، وهدي الإسلام، وحكى القرطبي عن المازري أن السبب في النهي أنه لما حرمت عليهم الخمر، وكانت طباعهم تحثهم على الكرم، كره صلى الله عليه وسلم أن يسمى هذا المحرم باسم يهيج طباعهم إليه عند ذكره، فيكون ذلك كالمحرك لهم، قال الحافظ ابن حجر: والذي قاله المازري ورد النهي تارة عن العنب وتارة عن شجرة العنب، فيكون التنفير بطريق الفحوى، لأنه إذا نهى عن تسمية ما هو حلال في الحال، بالاسم الحسن لما يحصل منه بالقوة مما ينهى عنه، فلأن ينهى عن تسمية ما ينهى عنه بالاسم الحسن أحرى.

وقال ابن أبي جمرة: لما كان اشتقاق الكرم - بسكون الراء - من الكرم - بفتحها، والأرض الكريمة هي أحسن الأرض، فلا يليق أن يعبر بهذه الصفة، إلا عن قلب المؤمن، الذي هو خير الأشياء، لأن المؤمن خير الحيوان، وخير ما فيه قلبه.
اهـ.

أما الحبلة فهي بفتح الحاء والباء، وحكي ضم الحاء مع سكون الباء وفتحها، هي شجرة العنب، وقيل: أصل الشجرة، وقيل: فرعها.

( لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي، كلكم عبيد لله، وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل: غلامي، وجاريتي، وفتاي وفتاتي) في الرواية الخامسة عشرة وليقل: فتاي.
فتاتي.
غلامي قال النووي: يكره للسيد أن يقول لمملوكة: عبدي وأمتي، لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيما بما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك، فقال: كلكم عبيد لله فنهى عن التطاول في اللفظ، كما نهى عن التطاول في الفعل، في إسبال الإزار أو غيره، قال: والظاهر أن المراد بالنهي استعماله على جهة التعاظم، لا الوصف والتعريف.

( ولا يقل العبد: ربي، ولكن ليقل: سيدي) وفي ملحق الرواية ولا يقل العبد لسيده: مولاي، فإن مولاكم الله عز وجل وفي الرواية الخامسة عشرة لا يقل أحدكم: اسق ربك.
أطعم ربك.
وضئ ربك.
ولا يقل أحدكم: ربي، وليقل: سيدي.
مولاي قال النووي: قال العلماء: مقصود الأحاديث نهي المملوك أن يقول لسيده: ربي، لأن الربوبية إنما حقيقتها لله تعالى، لأن الرب هو المالك، أو القائم بالشيء، ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها أو ربها؟ فالجواب من وجهين.
أحدهما: أن الحديث الثاني لبيان الجواز، وأن النهي في الأول للأدب، وكراهة التنزيه، لا التحريم، والثاني: أن المراد النهي عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة، ولم ينه عن إطلاقها في نادر الأحوال.
واختار القاضي هذا الجواب، قال النووي: ولا نهي في قول المملوك: سيدي لقوله صلى الله عليه وسلم: ليقل: سيدي لأن لفظة السيد غير مختصة بالله تعالى اختصاص الرب، ولا مستعملة فيه كاستعمالها، حتى نقل القاضي عن مالك، أنه كره دعاء الله بسيدي، ولم تأت تسمية الله تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد وقوموا إلى سيدكم يعني سعد بن معاذ، وفي الحديث الآخر اسمعوا ما يقول سيدكم يعني سعد بن عبادة، فليس في قول العبد: سيدي، إشكال ولا لبس، لأنه يستعمله غير العبد والأمة، قال: ولا بأس أيضا بقول العبد لسيده: مولاي، فإن المولى وقع على ستة عشر معنى، منها: الناصر والمالك.
قال القاضي: وأما رواية ولا يقل العبد لسيده: مولاي ملحق روايتنا الرابعة عشرة، فقد اختلف الرواة في ذكر هذه اللفظة، وحذفها أصح.
اهـ.

وأما قوله في الرواية الخامسة عشرة اسق ربك.
أطعم ربك.
وضئ ربك فهي أمثلة، ذكرت دون غيرها لغلبة استعمالها في المخاطبات، والألف في لفظ اسق يجوز فيه الوصل والقطع.

( لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي) خبثت بفتح الخاء وضم الباء، ويقال بفتح الباء، ولكن الضم أصوب قال الراغب: الخبث يطلق على الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال، والقبيح في الفعال وقال النووي: قال أبو عبيد وجميع أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم: لقست وخبثت بمعنى واحد، وإنما كره لفظ الخبث لبشاعة الاسم، وتعليمهم الأدب في الألفاظ، واستعمال حسنها، وهجران خبيثها، قالوا: ومعنى لقست غثت، وقال ابن الأعرابي: معناه ضاقت، فإن قيل: فقد قال صلى الله عليه وسلم في الذي ينام عن الصلاة فأصبح خبيث النفس كسلان؟ قال القاضي وغيره: جوابه أن النبي صلى الله عليه وسلم، مخبر هناك عن صفة غيره، وعن شخص مبهم مذموم الحال، لا يمتنع إطلاق هذا اللفظ عليه.

( فاتخذت رجلين من خشب) أي جعلت حذاءها طويلا، يرفعها.

( وخاتما من ذهب، مغلق، مطبق، ثم حشته مسكا، وهو أطيب الطيب) هكذا الرواية برفع مغلق مطبق خبر مبتدأ محذوف، صفة لخاتم على القطع، أي جعلت للمسك في الخاتم غلقا، يطبق على المسك، فيغلقه حيث تشاء، وتفتحه فيفوح حيث تشاء، وعند أحمد فكانت تسير بين امرأتين قصيرتين وكأنها كانت تسير بين طويلتين تارة، وبين قصيرتين تارة أخرى واتخذت خاتما من ذهب، وحشت تحت فصه أطيب الطيب، المسك، فكانت إذا مرت بالمجلس حركته بتحريك يدها فينفح ريحه وفي رواية أخرى لأحمد ذكر نسوة ثلاثا من بني إسرائيل، امرأتين طويلتين تعرفان، وامرأة قصيرة لا تعرف، فاتخذت رجلين من خشب، وصاغت خاتما، فحشته من أطيب الطيب، المسك، وجعلت له غلقا، فإذا مرت بالملأ أو بالمجلس، قالت به أي فتحت غلقه ففاح ريحه.

( فمرت بين المرأتين فلم يعرفوها) أي مرت على الناس بين المرأتين الطويلتين، فلم يعرفها الناس، ولم يميزوها عنهما.

( ونفض شعبة يده) هذا كلام أبي أسامة الراوي عن شعبة الراوي عن خليد بن جعفر عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري، يصف شعبة تحريكها يدها، ليفوح المسك، يصفه عمليا بيده، فينفضها ويحركها حركات سريعة.

( من عرض عليه ريحان فلا يرده) أي من عرض عليه ريحان هدية، والريحان بفتح الراء قال النووي: قال أهل اللغة وغريب الحديث في تفسير هذا الحديث، هو كل نبت مشموم، طيب الريح، قال القاضي: ويحتمل عندي أن يكون المراد به في هذا الحديث الطيب كله، فعند أبي داود من عرض عليه طيب وفي صحيح البخاري كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب.

وقوله فلا يرده بفتح الدال، قال النووي: قال القاضي عياض: وأنكره محققو شيوخنا من أهل العربية، وقالوا: هذا غلط من الرواة، وصوابه ضم الدال، قال: ووجدته بخط بعض الأشياخ بضم الدال، وهو الصواب عندهم على مذهب سيبويه، في هذا، من المضاعف إذا دخلت عليها الهاء، أن يضم ما قبلها، في الأمر، ونحوه المجزوم، مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها، لخفاء الهاء، فكأن ما قبلها ولي الواو، ولا يكون ما قبل الواو إلا مضموما، هذا في المذكر، وأما المؤنث مثل: ردها، ففتحة الهاء لازمة بالاتفاق.
قال النووي: وأما رده ونحوه للمذكر، ففيه ثلاثة أوجه.
أفصحها وجوب الضم، كما ذكره القاضي، والثاني الكسر وهو ضعيف، والثالث الفتح، وهو أضعف منه.

( فإنه خفيف المحمل، طيب الريح) المحمل هنا بفتح الأولى وكسر الثانية، كالمجلس، والمراد به الحمل، بفتح الحاء، أي خفيف الحمل، ليس بثقيل.

( كان ابن عمر إذا استجمر استجمر بالألوة، غير مطراة، وبكافور يطرحه مع الألوة) الاستجمار هنا: استعمال الطيب، والتبخر به، مأخوذ من المجمر، بكسر الميم الأولى وفتح الثانية، والألوة بفتح الهمزة وضمها وبضم اللام وحكي كسرها وهي عود يتبخر به فارسي معرب، وحكي ألية بتشديد الياء وتخفيفها، وتكسر الهمزة وتضم، وقيل: لية ولوة، وقوله غير مطراة بضم الميم وفتح الطاء، وتشديد الراء، أي غير مخلوطة بغيرها من الطيب، يقال: طرى الطيب، بفتح الطاء وتشديد الراء المفتوحة، أي خلطه بالأخلاط، والكافور شجر معروف، يتخذ منه مادة شفافة بلورية الشكل، يميل لونها إلى البياض، رائحتها عطرية، وهو أصناف كثيرة.

فقه الحديث

تتعرض أحاديث الباب إلى خمسة آداب:

الأول: منع سب الدهر، وسب الزمان، والروايات الست الأولى تنهي عن سبه، قال القاضي عياض: زعم بعض من لا تحقيق له، أن الدهر من أسماء الله، وهو غلط، وقد تمسك الجهلة من الدهرية والمعطلة بظاهر هذا الحديث، واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم، لأن الدهر عندهم حركات الفلك، وأمد العالم، ولا شيء عندهم، ولا صانع سواه، قال: وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث أنا الدهر، أنا أقلب ليله ونهاره فكيف يقلب الشيء نفسه؟ تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

وقال الشيخ محمد بن أبي جمرة: لا يخفى أن من سب الصنعة، فقد سب صانعها، فمن سب نفس الليل والنهار، أقدم على أمر عظيم، بغير معنى، ومن سب ما يجري فيهما من الحوادث - وذلك هو أغلب ما يقع من الناس - وهو الذي يعطيه سياق الحديث، حيث نفى عنها التأثير، فكأنه قال: لا ذنب لهما في ذلك وأما الحوادث فمنها ما يجري بوساطة العاقل المكلف فهذا يضاف شرعا ولغة إلى الذي جرى على يديه ويضاف إلى الله تعالى لكونه بتقديره، فأفعال العباد من اكتسابهم ولهذا ترتبت عليها الأحكام وهي في الابتداء خلق الله، ومنها ما يجري بغير وساطة فهو منسوب إلى قدرة القادر، وليس لليل والنهار فعل ولا تأثير، لا لغة، ولا عقلا ولا شرعا وهو المراد في هذا الحديث، ويلتحق بذلك ما يجري من الحيوان غير العاقل، ثم أشار ابن أبي جمرة إلى أن النهي عن سب الدهر تنبيه بالأعلى، على الأدنى، وأن فيه إشارة إلى ترك سب كل شيء مطلقا، إلا ما أذن الشرع فيه، لأن العلة واحدة.
اهـ.

وقال المحققون من العلماء: من نسب شيئا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر، ومن جرى هذا اللفظ على لسانه، غير معتقد لذلك فليس بكافر، لكنه يكره له ذلك، لشبهه بأهل الكفر في الإطلاق، وهذا التفصيل يشبه التفصيل الذي قالوه، في قولهم: مطرنا بنوء كذا، والله أعلم.

الأدب الثاني: كراهة تسمية العنب كرما، قال النووي: في هذه الأحاديث كراهة تسمية العنب كرما، بل يقال: عنب، أو حبلة، قال العلماء: سبب كراهة ذلك أن لفظة الكرم كانت العرب تطلقها على شجر العنب، وعلى العنب، وعلى الخمر المتخذة من العنب، سموها كرما لكونها متخذة منه، فكره الشرع إطلاق هذا اللفظة على العنب وشجره، لأنهم إذا سمعوا اللفظة، ربما تذكروا بها الخمر، وهيجت نفوسهم إليها، فوقعوا فيها، أو قاربوا ذلك.
اهـ والتحقيق أن هذه الكراهة على التنزيه.

الأدب الثالث: كراهة قول السيد لمملوكه: عبدي وأمتي، وترجم له البخاري بباب كراهية التطاول على الرقيق، وقال العلماء بكراهية ذلك من غير تحريم، ويشهد للجواز قوله تعالى { { والصالحين من عبادكم وإمائكم } } [النور: 32] { { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا } } [النحل: 75] واتفقوا على أن النهي الوارد في ذلك للتنزيه، حتى أهل الظاهر، وأما قول العبد: سيدي، أو ربي، أو مولاي فقد مضى في المباحث العربية كثير مما يتعلق به، ونضيف: قال الحافظ ابن حجر: والذي يختص بالله تعالى إطلاق الرب بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه، كما في قوله تعالى، حكاية عن يوسف عليه السلام { { اذكرني عند ربك } } [يوسف: 42] { { ارجع إلى ربك } } [يوسف: 50] فدل على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز، وقيل: هو مخصوص بغير النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرد ما في القرآن، أو المراد النهي عن الإكثار من ذلك واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عنها في الجملة.

الأدب الرابع: النهي عن قول: خبثت نفسي.
قال ابن بطال هو على معنى الأدب، وليس على سبيل الإيجاب، وقال ابن أبي جمرة: النهي عن ذلك للندب، والأمر بقوله لقست للندب أيضا، فإن عبر بما يؤدي معناه كفى، ولكن ترك الأولى، ويؤخذ من الحديث استحباب مجانبة الألفاظ القبيحة، والأسماء والعدول إلى ما لا قبح فيه، وفيه أن المرء يطلب الخير حتى بالفأل الحسن، ويضيف الخير إلى نفسه، ولو بنسبة ما، ويدفع الشر عن نفسه مهما أمكن، ويقطع الوصلة بينه وبين أهل الشر، حتى في الألفاظ المشتركة.
قال: ويلتحق بهذا أن الضعيف إذا سئل عن حاله، لا يقول: لست بطيب، بل يقول: ضعيف ولا يخرج نفسه من الطيبين، فيلحقها بالخبيثين.

الأدب الخامس: الطيب واستعماله، وهو مستحب بلا خلاف، والمسك أطيب الطيب وأفضله، وهو طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب، ويجوز بيعه، قال النووي: وهذا كله مجمع عليه.
اهـ.

قال الجاحظ: المسك من دويبة تكون في الصين، تصاد لنوافجها وسررها، فإذا صيدت شدت بعصائب، وهي مدلية، يجتمع فيها دمها، فإذا ذبحت قورت السرة التي عصبت، ودفنت في الشعر، حتى يستحيل ذلك الدم المختنق الجامد مسكا ذكيا، بعد أن كان لا يرام من النتن ومن ثم قال القفال: إنها تندبغ بما فيها من المسك، فتطهر، كما يطهر غيرها من المدبوغات، والمشهور أن غزال المسك كالظبي، لكن لونه أسود، وله نابان لطيفان أبيضان في فكه الأسفل، وإن المسك دم، يجتمع في سرته، في وقت معلوم من السنة، فإذا اجتمع ورم الموضع، فمرض الغزال، إلى أن يسقط منه، ويقال: إن أهل تلك البلاد يجعلون لها أوتادا في البرية، تحتك بها ليسقط، وعن علي بن مهدي الطبري: أنها تلقيها من جوفها، كما تلقي الدجاجة البيضة.
قال النووي: وهو مستثني من قاعدة: ما أبين من حي فهو ميت اهـ.

وحكى ابن التين عن ابن شعبان من المالكية: أن فأرة المسك إنما تؤخذ في حال الحياة، أو بذكاة من لا تصح ذكاته من الكفرة، وهي مع ذلك محكوم بطهارتها، لأنها تستحيل عن كونها دما، حتى تصير مسكا، كما يستحيل الدم إلى اللحم، فيطهر، ويحل أكله، وليست بحيوان، حتى يقال: نجست بالموت، وإنما هي شيء يحدث بالحيوان، كالبيض، وقد أجمع المسلمون على طهارة المسك إلا ما حكي عن عمر من كراهته.

وفي الرواية العشرين النهي عن رد الطيب إذا أهدي، وفي البخاري كان أنس رضي الله عنه لا يرد الطيب، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب وعند البخاري ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم طيب قط فرده.

قال ابن العربي: إنما كان لا يرد الطيب لمحبته فيه، ولحاجته إليه أكثر من غيره، لأنه يناجي من لا نناجي.
اهـ.

وفي الرواية الواحدة والعشرين استحباب الاستجمار بالبخور، واستحباب الطيب للرجال، كما هو مستحب للنساء، قال النووي: لكن يستحب للرجال من الطيب ما ظهر ريحه وخفي لونه، أما المرأة فإذا أرادت الخروج إلى المسجد أو غيره كره لها كل طيب له ريح، ويتأكد استحبابه للرجال يوم الجمعة، والعيد، وعند حضور مجامع المسلمين، ومجالس الذكر والعلم، وعند إرادته معاشرة زوجته ونحو ذلك.
اهـ.

وفي الرواية الثامنة عشرة جواز ستر المرأة عيوب جسمها بما هو مشروع، قال النووي: وأما اتخاذ المرأة القصيرة رجلين من خشب، حتى مشت بين الطويلتين فلم تعرف، فحكمه في شرعنا أنها إن قصدت به مقصودا صحيحا شرعيا، بأن قصدت ستر نفسها، لئلا تعرف، فتؤذى أو نحو ذلك فلا بأس، أما إن قصدت التعاظم، أو التشبه بالكاملات، تزويرا على الرجال وغيرهم، فهو حرام.

والله أعلم