هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3720 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَا : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ ، وَقَالَ : لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنَ الْقُرُونِ الَّتِي مُسِخَتْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3720 حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، وعبد بن حميد ، قالا : أخبرنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله ، يقول : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب ، فأبى أن يأكل منه ، وقال : لا أدري لعله من القرون التي مسخت
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Zubair reported that he heard Jabir b. 'Abdullah saying that there was presented to Allah's Messenger (the flesh) of the lizard, but he refused to eat that, saying:

I do not know; perhaps it (lizard) might (be one of those natives of) the distant past whose (forms) had beer, distorted.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب.
فأبى أن يأكل منه، وقال: لا أدري لعله من القرون التي مسخت.


المعنى العام

خلق الله الإنسان، وأسكنه الأرض، واستخلفه عليها، وسخر له ما فيها، سخر له ما فيها لينتفع به، أكلاً، أو شرباً، أو سكناً، أو لباساً، أو متعة بأنواع المتع المختلفة، وكما خلق الله الخير والشر في الكون، خلق بعض المخلوقات ليخوف بها عباده، وخلق بعض المأكولات الضارة، بجوار المأكولات النافعة، ليختبر البشر، بالإقبال على ما هو نافع، والابتعاد عما هو ضار، وكان من مهام الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم أن يحل للبشرية الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث.

ولما كانت النفوس مختلفة من حيث الإقبال والنفور على المطعوم والمشروب، كان لكل مجموعة مطاعمها ومشاربها التي قد تنفر منها المجموعة الأخرى، وكان للإلف والعرف والعادة أثر كبير في القبول أو النفور، فبعض البلاد تعتز بالجراد، وتعتبره الأكلة المفضلة، وبعضها لا يتقبل رؤيته على المائدة، ولا دخل للحل والحرمة في مثل هذا فقد تتقزز نفس من حلال، ولا تتقزز منه نفس أخرى.

ومن هذا القبيل -ما نحن فيه- الضب حيوان، أو دويبة من جنس الزواحف، قصير الأرجل جداً، حتى كأنه يزحف على بطنه، لا يزيد وزنه عن كيلو جرام واحد، يسكن الجبال غالباً في الجحور، وله شبيه في البيوت المهجورة والخربات ويزحف على الحوائط، وهو ما يعرف في مصر ( بالبرص) أو ( السحلية) وفي سواحل الشام ( بالسفاية) غير أنه غليظ الجسم خشنه، حتى شبهه بعضهم بالفأر، لغلظ بطنه، له ذنب عريض حرش معقد، لحمه طري لزج، تعافه كثير من النفوس، وتأكله نفوس تعيش غالباً في البوادي والصحاري دون غضاضة أو نفور، وتعافه نفوس أهل الحضر، وسكان المدن.

حفيدة أخت ميمونة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت من صحراء نجد إلى المدينة، فأهدت أختها ميمونة عدداً من هذا الضب، فقامت ميمونة وأختها بشيه على النار، حتى نضج، وقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه من أصحابه عبد الله بن عباس والفضل بن عباس وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وبجواره شيء من اللبن والسمن، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى إناء الضب، على أنه لحم مما يقدم إليه عادة، وفاته أن يسأل عن نوع هذا اللحم، ولا عن مصدره، كما كان يسأل عادة، وكانت زوجه ميمونة تعلم أن هذا اللحم غير مألوف لسكان المدينة ولا مكة، وتوقعت أن نفس الرسول صلى الله عليه وسلم ستعافه، إذا علم حقيقته، فنادت من داخل البيت: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدم له من لحم، فلما لم تسمع من يخبره بذلك قالت: إنه الضب يا رسول الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، وأحجم عن أكله، قال له خالد بن الوليد: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه ليس مألوفاً لي، وليس بأرض قومي، فنفسي تعافه.
كلوا.
أنا لا أحرمه، لكنني لا آكله، فهجم عليه خالد بن الوليد، وأكل منه بشهوة، كما أكل معه الفضل وحفيدة، وامتنعت من أكله أم المؤمنين ميمونة، وقالت: أنا لا آكل من شيء لا يأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المباحث العربية

( سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب) أي عن أكل الضب، وفي الرواية الثانية سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب وفي الرواية الثالثة سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو على المنبر- عن أكل الضب وفي الرواية الخامسة قام رجل في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر قال الحافظ ابن حجر: هذا السائل يحتمل أن يكون خزيمة بن جزء، فقد أخرج ابن ماجه من حديثه قلت: يا رسول الله، ما تقول؟ فقال: لا آكله، ولا أحرمه.
قال: قلت: فإني آكل ما لم تحرمه.
أما الرجل المبهم في الرواية الرابعة عشرة والخامسة عشرة، فيمكن أن يفسر بثابت بن وديعة، فقد أخرج أبو داود والنسائي من حديثه، قال: أصبت ضبابا، فشويت منها ضباً، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب....

والضب دويبة تشبه الجرذون، قال الحافظ ابن حجر: لكنه أكبر من الجرذون، ويكنى أبا حل، بكسر الحاء وسكون اللام، ويقال للأنثى ضبة، وذكر ابن خالويه: أن الضب يعيش سبعمائة سنة، وأنه لا يشرب الماء، ويبول في كل أربعين يوماً قطرة، ولا يسقط له سن، ويقال: بل أسنانه قطعة واحدة، وحكي غيره أن أكل لحمه يذهب العطش، ومن الأمثال لا أفعل كذا حتى يرد الضب يقوله من أراد أن لا يفعل الشيء، لأن الضب لا يرد الماء، بل يكتفي بالنسيم وبرد الهواء، ولا يخرج من جحره في الشتاء.
و الجرذون، والجرذ بضم الجيم وفتح الراء الكبير من الفئران، وجمعه جرذان بضم الجيم وكسرها مع سكون الراء.

وفي كتب اللغة: الضب حيوان من جنس الزواحف، من رتبة العظاء المعروفة في مصر بالسحلية، وفي سواحل الشام بالسافية، ومن أنواعها الضب، وسوام أبرص غليظ الجسم، خشنه، وله ذنب عريض حرش أعقد، يكثر في صحاري الأقطار العربية، وصورتها في كتب اللغة تشبه العظاءة، ولا تشبه الجرذون، كما قال الحافظ ابن حجر.

( لست بآكله، ولا محرمه) بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المكسورة، معطوف على آكله والباء زائدة، داخلة على خبر ليس لتأكيد النفي، وفي الرواية الثانية والثالثة لا آكله وفي الرواية الحادية عشرة لا آكله، ولا أنهى عنه، ولا أحرمه.

( أتي النبي صلى الله عليه وسلم بضب، فلم يأكله، ولم يحرمه) أتي بضم الهمزة وكسر التاء، مبني للمجهول، وهو إشارة إلى القصة الواردة في الروايات السادسة وما بعدها، وكذلك أتي في الرواية الثانية عشرة، وأما قوله فيها لا أدري...إلخ فهو في مقام آخر، وقصة أخرى، جمعها الراوي، إذ لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم له الضب إلا مرة واحدة.
نعم في ملحق الرواية التاسعة أتي بضبين مشويين والمقصود من الضب بالإفراد الجنس، فلا يتعارض مع التثنية، ولا مع الجمع أضبا بفتح الهمزة وضم الضاد، الوارد في الرواية العاشرة، وفي الرواية السابعة فأتي بضب محنوذ بسكون الحاء: أي مشوي، وقيل: نضج، وقيل: مشوي في الرضف، أي الحجارة المحماة، وقيل: الذي يقطر ماؤه بعد أن يشوى.

( عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه ناس من أصحابه، فيهم سعد) بن أبي وقاص، ولم يكن ابن عمر معهم، ولم يشهد الحادثة، فالظاهر أنه نقلها عن أحدهم، فهو مرسل صحابي، وكذا روايته الرابعة، وفي الرواية السابعة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة وهي ظاهرة في أنها من مسند ابن عباس، وكذا الرواية العاشرة، أما الرواية الثامنة والتاسعة، ولفظها عن ابن عباس أن خالد بن الوليد أخبره أنه دخل....
إلخ فظاهرها أنه من مسند خالد بن الوليد.
قال الحافظ ابن حجر: والجمع بين هذه الروايات أن ابن عباس كان حاضراً للقصة في بيت خالته ميمونة، كما صرح به في إحدى الروايات [روايتنا السابعة] وكأنه استثبت خالد بن الوليد في شيء منه، لكونه الذي كان باشر السؤال عن حكم الضب، وباشر أكله أيضاًَ، فكان ابن عباس ربما رواه عنه.
اهـ

وفي الرواية الحادية عشرة بينما هو عند ميمونة، وعنده الفضل بن عباس وخالد بن الوليد وامرأة أخرى والظاهر أنها حفيدة بنت الحارث، بضم الحاء وفتح الفاء، ففي الرواية الثامنة قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد وفي الرواية التاسعة جاءت به أم حفيد بنت الحارث من نجد، وكانت تحت رجل من بني جعفر وفي الرواية العاشرة أهدت خالتي أم حفيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سمناً وأقطاً وأضباً أي أهدت إليه في بيت ميمونة أختها، فقدم إليه، فظاهر هذه الروايات أن الذين حضروا الوليمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وعبد الله بن العباس والفضل بن العباس وسعد بن أبي وقاص وحفيدة وميمونة، فميمونة خالة عبد الله بن عباس وأخيه الفضل، وأمهما لبابة الكبرى بنت الحارث، وخالة خالد بن الوليد، وأمه لبابة الصغرى بنت الحارث، فالأربع أخوات، والدهن الحارث، قال النووي: في بعض النسخ أم حفيدة وفي بعضها أم حميد بالحاء، وفي بعضها حميدة وكله بضم الحاء مصغر، قال القاضي وغيره: والأصوب والأشهر أم حفيد بلا هاء، واسمها هزيلة، وكذا ذكرها ابن عبد البر وغيره في الصحابة.

( فنادت امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لحم ضب) في الرواية السابعة فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فقال بعض النسوة اللائي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وفي الرواية الثامنة وكان قلما يقدم إليه طعام حتى يحدث به، ويسمى له، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمتن له.
قلن: هو الضب يا رسول الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده والحضور جمع حاضر، ووصف النسوة بالحضور، وهو مذكر، لما سبق من أن جمع التكسير نعته من حيث التذكير والتأنيث حكمه حكم الفعل، أي يجوز تذكيره وتأنيثه، قال تعالى { { وقال نسوة في المدينة } } [يوسف: 30] قال النووي: كذا هو في جميع النسخ الحضور وقال الحافظ ابن حجر: كذا وقع بلفظ جمع المذكر، وكأنه باعتبار الأشخاص، وفي الرواية الحادية عشرة إذ قرب إليهم خوان، عليه لحم، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل قالت له ميمونة: إنه لحم ضب، فكف يده فكأن ميمونة أرادت أن غيرها يخبره صلى الله عليه وسلم، فلما لم يخبروه، ورأت يده تهوى إلى الضب، بادرت هي، فأخبرت.

وأما أنه صلى الله عليه وسلم كان يسأل عما يقدم إليه ما لا يعلم حقيقته، لأن العرب كانت لا تعاف شيئاً من المآكل، لقلتها عندهم، وكان صلى الله عليه وسلم قد يعاف بعض الشيء، فلذلك كان يسأل، وقيل: يحتمل أن يكون سبب السؤال أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يكثر الإقامة في البادية، فلم يكن له خبرة بكثير من الحيوانات، أو لأن الشرع ورد بتحريم بعض الحيوانات، وإباحة بعضها، وكانوا لا يحرمون منها شيئاً، وربما أتوا به مشوياً أو مطبوخاً، فلا يتميز عن غيره إلا بالسؤال عنه، وكان أزواجه -رضي الله عنهن- يعلمن عنه ذلك، فلما لم يسأل، وأهوى يده إلى الضب أخبرته ميمونة، وهذه القضية من باب القليل، الذي فاته أن يسأل عنه، فالرواية التاسعة، ولفظها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل شيئاً حتى يعلم ما هو؟ معناها في الغالب الكثير، وهذا من القليل، أو هو لم يأكل صلى الله عليه وسلم، وإن هم بالأكل.

( وحدثه ابن الأصم عن ميمونة، وكان في حجرها) يعني في بيتها وحمايتها.

( سمناًَ وأقطاً وأضباً) الأقط بفتح الهمزة وكسر القاف، وقد تسكن، هو جبن اللبن المستخرج زبده، وقال ابن الأثير: الأقط لبن مجفف يابس مستحجر، يطبخ به، أي بعد أن يعركوه بالماء السخن في الأواني الخزف، حتى ينحل، ويصير كاللبن، ثم يطبخون به ما شاءوا من الأطعمة التي يطبخونها باللبن، والأضب بفتح الهمزة وضم الضاد جمع ضب.

( فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟) وفي الرواية الثامنة أحرام الضب يا رسول الله؟

( قال: لا.
ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه)
لا أي ليس حراماً، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن العربي: اعترض بعض الناس على هذه اللفظة لم يكن بأرض قومي بأن الضب كثير بأرض الحجاز.
قال ابن العربي: فإن كان أراد تكذيب الخبر فقد كذب هو، فإنه ليس بأرض الحجاز منها شيء، أو ذكرت له بغير اسمها، أو حدثت بعد ذلك، وكذا أنكر ابن عبد البر ومن تبعه أن يكون ببلاد الحجاز شيء من الضباب، قال الحافظ ابن حجر: ولا يحتاج إلى شيء من هذا، بل المراد بقوله صلى الله عليه وسلم بأرض قومي قريشاً فقط، فيختص النفي بمكة وما حولها، ولا يمنع ذلك أن تكون موجودة بسائر بلاد الحجاز، قال الحافظ: وقد وقع في رواية يزيد بن الأصم عند مسلم [روايتنا الحادية عشرة] دعانا عروس بالمدينة، فقرب إلينا ثلاثة عشر ضباً، فآكل وتارك الحديث، فهذا يدل على كثرة وجودها بتلك الديار.
اهـ وفي كلام الحافظ هذا نظر، فوجود مائة من الضباب على مائدة بالمدينة لا يلزم منه وجود ضب واحد في جحور أراضيها، فقد يكون مجلوباً من نجد، كما قدمت به حفيدة، وأما قصره النفي على مكة وما حولها فمنتقض بأن النبي صلى الله عليه وسلم عاش زمناً طويلاًَ في المدينة، وتنقل في غزواته في الجزيرة العربية، فالأولى أن يقال: إن المعنى: لم يكن مألوفاً أكله بأرض قومي، أو ليس كثيراً بأرض قومي، وليس بلازم أن يكون متعلق الجار والمجرور بأرض قومي كوناً عاماً.
وفي الرواية السادسة كلوا.
فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي وفي الرواية الحادية عشرة هذا لحم لم آكله قط، ومعنى أعافه أكره أكله، وفي رواية فتركهن النبي صلى الله عليه وسلم كالمتقذر لهن وفي روايتنا العاشرة فأكل من السمن والأقط، وترك الضب تقذراً.

( قال خالد: فاجتررته، فأكلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر) يقال: اجتر الشيء إذا جذبه، أي فجذبته من الإناء، فأكلته، قال الحافظ ابن حجر: فاجتررته بجيم وراءين، هذا هو المعروف في كتب الحديث، وضبطه بعض شراح المهذب بزاي قبل الراء، وقد غلطه النووي.
اهـ ويحتمل أنه غلطه رواية، فهو مقبول المعنى، يقال: جزر الشيء قطعه، أي فقطعته في الإناء، فأكلته.

وفي الرواية الثامنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فلم ينهني ولا يلزم من هذا أن يكون خالد قد أكل كل الضباب المقدمة وحده، ففي الرواية الحادية عشرة فأكل الفضل وخالد بن الوليد والمرأة، وقالت ميمونة: لا آكل من شيء إلا شيء يأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمستثنى إلا شيء ضبطناه مجروراً، بدلاً من شيء المستثنى منه، ويجوز في غير الرواية نصبه على الاستثناء، فالكلام تام منفي.
وواضح من الرواية من أكل من الحاضرين، ومفهومها أن عبد الله بن عباس وسعداً لم يأكلا أيضاًَ.

( دعانا عروس بالمدينة) يعني رجلاً تزوج قريباً، والعروس يقع على المرأة والرجل، والمراد بالمدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.

( فآكل وتارك) أي فبعض المدعوين آكل من الضب، وبعضهم تارك أكله.

( فأكثر القوم حوله) أي كثروا وتجمعوا حوله، أو أكثروا الخوض في حكم أكل الضب.

( فقال ابن عباس: بئسما قلتم) قال ابن العربي: ظن ابن عباس أن الذي أخبر بقوله صلى الله عليه وسلم لا آكله أراد لا أحله فأنكر عليه، لأن خروجه من قسم الحلال والحرام محال، قال الحافظ ابن حجر: وتعقبه شيخنا في شرح الترمذي بأن الشيء إذا لم يتضح إلحاقه بالحلال أو الحرام يكون من الشبهات، فيكون من حكم الشيء قبل ورود الشرع، والأصح -كما قال النووي- أنه لا يحكم عليها بحل ولا حرمة.

قال الحافظ ابن حجر: ثم وجدت في الحديث زيادة لفظة سقطت من رواية مسلم، وبها يتجه إنكار ابن عباس، ويستغنى عن تأويل ابن العربي: لا آكله ولا أحله وذلك أن أبا بكر بن أبي شيبة وهو شيخ مسلم فيه، أخرجه في مسنده بالسند الذي ساق به عند مسلم، فقال في روايته لا أكله، ولا أنهى عنه، ولا أحله، ولا أحرمه ولعل مسلماً حذفها عمداً لشذوذها، لأن ذلك لم يقع في شيء من الطرق، لا في حديث ابن عباس ولا غيره، وأشهر من روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا آكله ولا أحرمه رواية ابن عمر، وليس في حديثه لا أحله بل جاء التصريح عنه بأنه حلال، فلم تثبت هذه اللفظة، وهي قوله لا أحله لأنها وإن كانت من رواية يزيد بن الأصم، وهو ثقة، لكنه أخبر بها عن قوم، كانوا عند ابن عباس، فكانت رواية عن مجهول، ولم يقل يزيد بن الأصم: إنهم كانوا صحابة، حتى يغتفر عدم تسميتهم.

( لا تطعموه، قذره) قول جابر: لا تطعموه ميل منه أن يعافه أصحابه، ولا يقصد بذلك التحريم أو الكراهة، بل لأنه قذر منظراً، وقوله وقذره الواو استئنافية، وقذره بفتح القاف وكسر الذال وفتح الراء، فعل ماض، يقال: قذر الشيء بكسر الذال يقذره، بفتح الذال، وجده قذراً، وكرهه لوسخه، ويقال: قذر الشيء بفتح الذال، يقذره بضمها، جعله قذراً، كقذره بتشديد الذال.

( لعله من القرون التي مسخت) في الرواية الرابعة عشرة ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت وفي الرواية الخامسة عشرة إن الله لعن -أو غضب على سبط أي قبيلة من بني إسرائيل، فمسخهم دواب، يدبون في الأرض، فلا أدري، لعل هذا منها قال النووي: أما يدبون فبكسر الدال، وأما دواب فكذا وقع في بعض النسخ، ووقع في أكثرها دواباً بالألف، والأول هو الجاري على المعروف المشهور في العربية.
اهـ يقصد أنها صيغة منتهى الجموع فواعل ممنوع من الصرف.

قال الطبري: ليس في الحديث الجزم بأن الضب مما مسخ، إنما خشي أن يكون منهم، فتوقف عنه، وإنما قال ذلك قبل أن يعلمه الله تعالى أن الممسوخ لا ينسل، وبهذا أجاب الطحاوي، ثم ساق حديث سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير: أهي مما مسخ؟ قال: إن الله لم يهلك قوماً -أو يمسخ قوماً- فيجعل لهم نسلاً ولا عاقبة.

( فإنما طعام عامة الرعاء منه) الرعاء بكسر الراء، آخره همزة كالرعاة، آخره تاء، جمع راع، وهو من يحفظ الماشية ويرعاها.

( إنا بأرض مضبة) قال النووي: فيها لغتان مشهورتان: إحداهما فتح الميم والضاد، والثانية ضم الميم وكسر الضاد، والأول أشهر وأفصح، أي يكثر فيها الضب.
اهـ وفي الرواية الخامسة عشرة إني في غائط مضبة والغائط الأرض المطمئنة المنخفضة.

( وإنه عامة طعام أهلي) أي وإن الضب أكثر طعام أولادي.
فما حكم أكلنا الضب؟

فقه الحديث

قال النووي: أجمع المسلمون على أن الضب حلال، ليس بمكروه، إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته، وإلا ما حكى القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا: هو حرام، وما أظنه يصح عن أحد، وإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله.

ثم قال وفي الأحاديث تصريح بما اتفق عليه العلماء، من أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم الشيء وسكوته عليه إذا فعل بحضرته، يكون دليلاً لإباحته، ويكون بمعنى قوله: أذنت فيه، وأبحته، فإنه لا يسكت على باطل، ولا يقر منكراً.
اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: المعروف عن أكثر الحنفية فيه كراهة التنزيه، وجنح بعضهم إلى كراهة التحريم، وقال الطحاوي في معاني الآثار، احتج محمد بن الحسن بحديث عائشة أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم ضب، فلم يأكله، فقام عليهم سائل، فأرادت عائشة أن تعطيه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعطينه ما لا تأكلين؟ قال محمد: دل ذلك على كراهته لنفسه ولغيره، ويفهم من هذا أن محمد بن الحسن مال إلى أن الكراهة للتحريم، وقال بعض أتباعه: اختلفت الأحاديث، وتعذرت معرفة المتقدم، فرجحنا جانب كراهة التحريم تقليلاً للنسخ، قال الحافظ ابن حجر: ودعوى التعذر ممنوعة.

وتعقب الطحاوي الاستدلال بحديث عائشة على كراهة التحريم، فقال: ما في هذا دليل على الكراهة، لاحتمال أن تكون عافته، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكون ما يتقرب به إلى الله إلا من خير الطعام، كما نهى أن يتصدق بالتمر الرديء.
اهـ كما استدل له أيضاً بما أخرجه أبو داود من أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الضب، ورد بأنه ضعيف، قال الخطابي: ليس إسناده بذاك، وقال ابن حزم: فيه ضعفاء ومجهولون، وقال البيهقي: تفرد به إسماعيل بن عياش، وليس بحجة، وقال ابن الجوزي: لا يصح، كما استدل له أيضاً بأحاديث المسخ، روايتنا الرابعة عشرة والخامسة عشرة، وفي بعض رواياتها عند أبي داود إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب من الأرض، فأخشى أن تكون هذه، فاكفئوها وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان والطحاوي، قال الطحاوي: ليس في الحديث الجزم بأن الضب مما مسخ، وإنما خشي أن يكون منهم، فتوقف عنه، وإنما قال ذلك قبل أن يعلم أن الممسوخ لا ينسل.
قال الحافظ ابن حجر: وعلى تقدير ثبوت كون الضب ممسوخاً، فذلك لا يقتضي تحريم أكله لأن كونه آدمياً قد زال حكمه، ولم يبق له أثر أصلاًً، وإنما كره صلى الله عليه وسلم الأكل منه، لما وقع عليه من سخط الله، كما كره الشرب من مياه ثمود.

قال الحافظ ابن حجر: والأحاديث الماضية -يقصد أحاديث البخاري ومسلم- وإن دلت على الحل تصريحاً وتلويحاً، نصاً وتقريراً، فالجمع بينها وبين هذا، حمل النهي فيه على أول الحال، عند تجويز أن يكون مما نسخ، وحينئذ أمر بإكفاء القدور، ثم توقف، فلم يأمر به، ولم ينه عنه، وحمل الإذن فيه على ثاني الحال، لما علم أن الممسوخ لا عقب له، ثم بعد ذلك كان يستقذره، فلا يأكله ولا يحرمه، وأكل على مائدته، فدل على الإباحة، وتكون الكراهة للتنزيه، في حق من يتقذره، وتحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذره، ولا يلزم من ذلك أنه يكره مطلقاً، وقد أفهم كلام ابن العربي أنه لا يحل في حق من يتقذره، لما يتوقع في أكله من الضرر، وهذا لا يختص بهذا.
اهـ

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤاكل أصحابه.

2- وأنه كان يأكل اللحم، حيث تيسر.

3- وأنه كان لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله تعالى.

4- وفيه الإعلام بما شك فيه، لإيضاح حكمه.

5- وأن النفرة وعدم الاستطابة لا تستلزم التحريم.

6- وأن الطباع تختلف في النفور عن بعض المأكولات.

7- وأن المنقول عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يعيب الطعام الذي هو فيما صنعه الآدمي، لئلا ينكسر خاطره، وينسب إلى التقصير فيه، وأما الذي خلق كذلك، فليس نفور الطبع منه ممتنعاً.

8- وأن وقوع مثل ذلك ليس بمعيب ممن يقع منه، خلافاً لبعض المتنطعة.
قاله الحافظ.

9- وفيه أن من خشي أن يتقذر شيئاً لا ينبغي أن يدلس له، لئلا يتضرر به، وقد شوهد ذلك من بعض الناس.

10- قال الحافظ ابن حجر: وقد يستنبط منه أن اللحم إذا أنتن لم يحرم، لأن بعض الطباع لا تعافه.
اهـ وهذا الاستنباط مستبعد.

11- وفيه دخول أقارب الزوجة بيتها، إذا كان بإذن الزوج، أو رضاه.

12- وفيه جواز الأكل من بيت القريب والصهر والصديق، قال الحافظ ابن حجر: وكأن خالداً ومن وافقه في الأكل أرادوا جبر قلب التي أهدته، أو لتحقق حكم الحل، أو لامتثال قوله صلى الله عليه وسلم كلوا وفهم من لم يأكل أن الأمر فيه للإباحة.

13- ومن كون الضب محنوذاً مشوياً جواز أكل الشواء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهوى بيده ليأكل، ثم لم يمتنع إلا لكونه ضباً، فلو كان غير ضب لأكل.
أشار إلى ذلك ابن بطال.

14- وفيه قبول الهدية.

15- وفيه الاكتفاء بالرضا، وعدم ضرورة الإذن الصريح، لأن خالداً أخذ الضب، فأكله، من غير استئذان، قال النووي: خالد أكل هذا في بيت ميمونة، وبيت صديقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج إلى استئذان، لا سيما والمهدية خالته.

16- وفيه وفور عقل ميمونة أم المؤمنين، وعظيم نصيحتها للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنها فهمت مظنة نفوره عن أكله، بما استقر عندها من تصرفاته، فخشيت أن يكون ذلك كذلك، فيتأذى بأكله، لاستقذاره له، فصدقت فراستها.

والله أعلم