هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3483 حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ ، سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ ، سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، - قَالَ عِمْرَانُ فَلاَ أَدْرِي : أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا - ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قال عمران فلا أدري : أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated `Imran bin Husain:

Allah's Messenger (ﷺ) said, 'The best of my followers are those living in my generation (i.e. my contemporaries). and then those who will follow the latter `Imran added, I do not remember whether he mentioned two or three generations after his generation, then the Prophet (ﷺ) added, 'There will come after you, people who will bear witness without being asked to do so, and will be treacherous and untrustworthy, and they will vow and never fulfill their vows, and fatness will appear among them.

D'après 'Imrân ibn Husayn (), le Messager d'Allah () dit: «Les meilleurs de ma Nation sont ceux de ma génération, puis viennent ceux qui viendront après eux, puis ceux qui suivent ces derniers (Imrân: Je ne sais pas s'il cita ou non une ou deux générations après la sienne). Après vous il y aura des gens qui [aiment] à se présenter pour témoigner sans que cela ne leur soit demandé; ils trahiront et on ne pourra leur faire confiance; ils feront des vœux qu'ils ne respecteront pas; la corpulence apparaîtra parmi eux.»

D'après 'Imrân ibn Husayn (), le Messager d'Allah () dit: «Les meilleurs de ma Nation sont ceux de ma génération, puis viennent ceux qui viendront après eux, puis ceux qui suivent ces derniers (Imrân: Je ne sais pas s'il cita ou non une ou deux générations après la sienne). Après vous il y aura des gens qui [aiment] à se présenter pour témoigner sans que cela ne leur soit demandé; ils trahiront et on ne pourra leur faire confiance; ils feront des vœux qu'ils ne respecteront pas; la corpulence apparaîtra parmi eux.»

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [3650] قَوْله حَدثنَا إِسْحَاق هُوَ بن رَاهَوَيْه وَبِذَلِك جزم بن السَّكَنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَالنَّضْرُ هُوَ بن شُمَيْل وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء صَاحب بن عَبَّاسٍ وَحَدَّثَ هُنَا عَنْ تَابِعِيٍّ مِثْلِهِ .

     قَوْلُهُ  خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي أَيْ أَهْلُ قَرْنِي وَالْقَرْنُ أَهْلُ زَمَانٍ وَاحِدٍ مُتَقَارِبٍ اشْتَرَكُوا فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمَقْصُودَةِ وَيُقَالُ إِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا اجْتَمَعُوا فِي زَمَنِ نَبِيٍّ أَوْ رَئِيسٍ يَجْمَعُهُمْ عَلَى مِلَّةٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ عَمَلٍ وَيُطْلَقُ الْقَرْنُ عَلَى مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِهَا مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالسَّبْعِينَ وَلَا بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِهِ قَائِلٌ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَالثَّمَانِينَ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَرْنَ مِائَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الْقَرْنُ أُمَّةٌ هَلَكَتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَثَبَتَتِ الْمِائَةُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الله بن بسر وَهِي ماعند أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْخَمْسِينَ وَذَكَرَ مِنْ عَشْرٍ إِلَى سَبْعِينَ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الْقَدْرُ الْمُتَوَسِّطُ مِنْ أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَنٍ وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَبِهِ صرح بن الْأَعْرَابِيِّ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَقْرَانِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ الْمُخْتَلِفُ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْقَرْنَ أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا أَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ دُونَ ذَلِكَ فَلَا يَلْتَئِمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمُرَادُ بِقَرْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِالصَّحَابَةُ وَقَدْ سَبَقَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَبُعِثْتُ فِي خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الْبَعْثَةِ وَآخِرِ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِائَةُ سَنَةٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً أَوْ دُونَهَا أَوْ فَوْقَهَا بِقَلِيلٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَفَاةِ أَبِي الطُّفَيْلِ وَإِنِ اعْتُبِرَ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ تِسْعِينَ أَوْ سَبْعًا وَتِسْعِينَ.

.
وَأَمَّا قَرْنُ التَّابِعِينَ فَإِنِ اعْتُبِرَ مِنْ سَنَةِ مِائَةٍ كَانَ نَحْوَ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ.

.
وَأَمَّا الَّذِينَ بَعْدَهُمْ فَإِنِ اعْتُبِرَ مِنْهَا كَانَ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ مُدَّةَ الْقَرْنِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقُوا أَنَّ آخِرَ مَنْ كَانَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ مِمَّنْ يُقْبَلُ .

     قَوْلُهُ  مَنْ عَاشَ إِلَى حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَفِي هَذَا الْوَقْتِ ظَهَرَتِ الْبِدَعُ ظُهُورًا فَاشِيًا وَأَطْلَقَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَلْسِنَتَهَا وَرَفَعَتِ الْفَلَاسِفَةُ رُءُوسَهَا وَامْتُحِنَ أَهْلُ الْعِلْمِ لِيَقُولُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ تَغَيُّرًا شَدِيدًا وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ فِي نَقْصٍ إِلَى الْآنِ وَظَهَرَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ ظُهُورًا بَيِّنًا حَتَّى يَشْمَلَ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ وَالْمُعْتَقَدَاتِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ أَيِ الْقَرْنُ الَّذِي بَعْدَهُمْ وَهُمُ التَّابِعُونَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ وَاقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثُ أَنْ تَكُونَ الصَّحَابَةُ أَفْضَلَ مِنَ التَّابِعِينَ وَالتَّابِعُونَ أَفْضَلَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ لَكِنْ هَلْ هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَجْمُوعِ أَوِ الْأَفْرَادِ مَحَلُّ بَحْثٍ وَإِلَى الثَّانِي نحا الْجُمْهُور وَالْأول قَول بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي زَمَانِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ أَنْفَقَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِسَبَبِهِ لَا يَعْدِلُهُ فِي الْفَضْلِ أَحَدٌ بَعْدَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ.

.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ مَحَلُّ الْبَحْثِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقاتلوا الْآيَة وَاحْتج بن عَبْدِ الْبَرِّ بِحَدِيثِ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لايدرى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ طُرُقٌ قَدْ يَرْتَقِي بِهَا إِلَى الصِّحَّةِ وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَعَزَاهُ فِي فَتَاوِيهِ إِلَى مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ أَقْوَى مِنْهُ من حَدِيث أنس وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَأَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْحَالُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ الَّذِينَ يدركون عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَرَوْنَ فِي زَمَانِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَانْتِظَامِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَدَحْضِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَيَشْتَبِهُ الْحَالُ عَلَى مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ أَيُّ الزَّمَانَيْنِ خَيْرٌ وَهَذَا الِاشْتِبَاهُ مُنْدَفِعٌ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي وَالله اعْلَم وَقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ أَحَدِ التَّابِعِينَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْرِكَنَّ الْمَسِيحُ أَقْوَامًا إِنَّهُمْ لَمِثْلُكُمْ أَوْ خَيْرٌ ثَلَاثًا وَلَنْ يُخْزِيَ اللَّهُ أُمَّةً أَنَا أَوَّلُهَا وَالْمَسِيحُ آخِرُهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَفَعَهُ تَأْتِي أَيَّامٌ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ قِيلَ مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَلْ مِنْكُمْ وَهُوَ شَاهِدٌ لِحَدِيثِ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ وَاحْتج بن عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا بِحَدِيثِ عُمَرَ رَفَعَهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ إِيمَانًا قَوْمٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُمْعَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا أَسْلَمْنَا مَعَكَ وَجَاهَدْنَا مَعَكَ قَالَ قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَاحْتج أَيْضا بِأَنَّ السَّبَبَ فِي كَوْنِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ خَيْرَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ كَانُوا غُرَبَاءَ فِي إِيمَانِهِمْ لِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ حِينَئِذٍ وَصَبْرِهِمْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَمَسُّكِهِمْ بِدِينِهِمْ قَالَ فَكَذَلِكَ أَوَاخِرُهُمْ إِذَا أَقَامُوا الدِّينَ وَتَمَسَّكُوا بِهِوَصَبَرُوا عَلَى الطَّاعَةِ حِينَ ظُهُورِ الْمَعَاصِي وَالْفِتَنِ كَانُوا أَيْضًا عِنْدَ ذَلِكَ غُرَبَاءَ وَزَكَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَمَا زَكَتْ أَعْمَالُ أُولَئِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ وَقَدْ تُعُقِّبَ كَلَامُ بن عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ يَأْتِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ مَنْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنَّ كَلَام بن عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي كَلَامِهِ بِاسْتِثْنَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ نَعَمْ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ فَضِيلَةَ الصُّحْبَةِ لَا يَعْدِلُهَا عَمَلٌ لِمُشَاهَدَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا مَنِ اتَّفَقَ لَهُ الذَّبُّ عَنْهُ وَالسَّبْقُ إِلَيْهِ بِالْهِجْرَةِ أَوِ النُّصْرَةِ وَضَبْطِ الشَّرْعِ الْمُتَلَقَّى عَنْهُ وَتَبْلِيغِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْدِلُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدَهُ لِأَنَّهُ مَا مِنْ خَصْلَةٍ مِنَ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا وَلِلَّذِي سَبَقَ بِهَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ فَظَهَرَ فَضْلُهُمْ وَمُحَصَّلُ النِّزَاعِ يَتَمَحَّضُ فِيمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ الْمُشَاهَدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ مُتَّجَهًا عَلَى أَنَّ حَدِيثَ لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ زِيَادَةِ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَأَيْضًا فَالْأَجْرُ إِنَّمَا يَقَعُ تَفَاضُلُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يُمَاثِلُهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَأَمَّا مَا فَازَ بِهِ مَنْ شَاهَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زِيَادَةِ فَضِيلَةِ الْمُشَاهَدَةِ فَلَا يَعْدِلُهُ فِيهَا أَحَدٌ فَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُمْعَةَ فَلَمْ تَتَّفِقِ الرُّوَاةُ عَلَى لَفْظِهِ فَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ الْخَيْرِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمَ مِنَّا أَجْرًا الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَقْوَى مِنْ إِسْنَادِ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ تُوَافِقُ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الشَّك فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَجَاءَ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ بِغَيْرِ شَكٍّ مِنْهَا عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَنْ مَالِكٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَسَمَّوَيْهِ مَا يُفَسَّرُ بِهِ هَذَا السُّؤَالُ وَهُوَ مَا أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ بِلَالِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ فَقَالَ أَنَا وَقَرْنِي فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَلِلطَّيَالِسِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَفَعَهُ خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا مِنْهُمْ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ وَوَقَعَ فِي حَدِيث جعدة بن هُبَيْرَة عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيِّ إِثْبَاتُ الْقَرْنِ الرَّابِعِ وَلَفْظُهُ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الْآخَرُونَ أَرْدَأُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ جَعْدَةَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ إِنَّ بعدهمْ قَوْمًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِبَعْضِهِمْ قَوْمٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يكون من النَّاسِخ على طَريقَة من لايكتب الْأَلِفَ فِي الْمَنْصُوبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إِنَّ تَقْرِيرِيَّةٌ بِمَعْنَى نَعَمْ وَفِيهِ بُعْدٌ وَتَكَلُّفٌ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَعْدِيلِ أَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَنَازِلُهُمْ فِي الْفَضْلِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَكْثَرِيَّةِ فَقَدْ وُجِدَ فِيمَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْقَرْنَيْنِ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ الْمَذْمُومَةُ لَكِنْ بِقِلَّةٍ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَثُرَ فِيهِمْ وَاشْتُهِرَ وَفِيهِ بَيَانُ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ أَيْ يَكْثُرُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ قَالَهُ الْمَازَرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَاقِي شَرْحُهُ فِي الشَّهَادَاتِ الْحَدِيثُ الثَّالِث حَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي الْمَعْنَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ سَنَدًا وَمَتْنًا وَتَقَدَّمَ مِنْ شَرْحِهِ هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بالشهادات وَالله اعْلَم( قَولُهُ بَابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ) سَقَطَ لَفْظُ بَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْمُرَادُ بِالْمُهَاجِرِينَ مَنْ عَدَا الْأَنْصَارِ وَمَنْ أَسْلَمَ يَوْمُ الْفَتْحِ وَهَلُمَّ جَرًّا فَالصَّحَابَةُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَالْأَنْصَارُ هُمُ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَحُلَفَاؤُهُمْ وَمَوَالِيهِمْ .

     قَوْلُهُ  مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ هَكَذَا جَزَمَ بِأَنَّ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ كَانَ اسْمُهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ عَبْدَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ يُسَمَّى أَيْضًا عَتِيقًا وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ اسْمٌ لَهُ أَصْلِيٌّ أَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَسَبِهِ مَا يُعَابُ بِهِ أَوْ لِقِدَمِهِ فِي الْخَيْرِ وَسَبْقِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِحُسْنِهِ أَوْ لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ فَلَمَّا وُلِدَ اسْتَقْبَلَتْ بِهِ الْبَيْتَ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ هَذَا عَتِيقُكَ مِنَ الْمَوْتِ أَوْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهُ بِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْأَخِيرِ حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَآخَرُ عَنْ عَبْدِ الله بن الزبير عِنْد الْبَزَّار وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَزَادَ فِيهِ وَكَانَ اسْمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ وَعُثْمَانُ اسْمُ أَبِي قُحَافَةَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ كَمَا لَمْ يخْتَلف فِي كنيته الصِّدِّيقِ وَلُقِّبَ الصِّدِّيقَ لِسَبْقِهِ إِلَى تَصْدِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ كَانَ ابْتِدَاءُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ الصِّدِّيقُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

.
وَأَمَّا نَسَبُهُ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ وَعَدَدُ آبَائِهِمَا إِلَى مُرَّةَ سَوَاءٌ وَأُمُّ أَبِي بَكْرٍ سَلْمَى وَتُكَنَّى أُمَّ الْخَيْرِ بِنْتَ صَخْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ وَذَلِكَ مَعْدُودٌ مِنْ مَنَاقِبِهِ لِأَنَّهُ انْتَظَمَ إِسْلَامُ أَبَوَيْهِ وَجَمِيعِ أَوْلَادِهِ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرين الْآيَةَ سَاقَهَا الْأَصِيلِيُّ وَكَرِيمَةُ إِلَى قَوْلِهِ هُمُ الصَّادِقُونَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَى ثُبُوتِ فَضْلِ الْمُهَاجِرِينَ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَوْصَافِهِمُ الْجَمِيلَةِ وَشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِالصِّدْقِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله الْآيَةَ سَاقَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ ان الله مَعنا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَا إِلَى ثُبُوتِ فَضْلِ الْأَنْصَارِ فَإِنَّهُمُ امْتَثَلُوا الْأَمْرَ فِي نَصْرِهِ وَكَانَ نَصْرُ اللَّهِ لَهُ فِي حَالِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِحِفْظِهِ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لِيَرُدُّوهُ عَنْ مَقْصِدِهِ وَفِي الْآيَةِ أَيْضًا فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهَذِهِ الْمَنْقَبَةِ حَيْثُ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ وَوَقَاهُ بِنَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَشَهِدَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا بِأَنَّهُ صَاحِبُ نَبِيِّهِ قَوْله.

     وَقَالَ ت عَائِشَة وَأَبُو سعيد وبن عَبَّاسٍ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ أَيْ لَمَّا خَرَجَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ سَيَأْتِي مُطَوَّلًا فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِيهِ ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْر الحَدِيث وَحَدِيث أبي سعيد أخرجه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ فِي قِصَّةِ بَعْثِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى الْحَجِّ وَفِيهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ أخي وصاحبي فِي الْغَار الحَدِيث وَحَدِيث بن عَبَّاس فِي تَفْسِير بَرَاءَة فِي قصَّة بن عَبَّاس مَعَ بن الزبير وفيهَا قَول بن عَبَّاسٍ.

.
وَأَمَّا جَدُّهُ فَصَاحِبُ الْغَارِ يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ لَعَلَّهُ أَمَسُّ بِالْمُرَادِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْهُ قَالَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرْمُونَ عَلِيًّا وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ إِنَّهُ انْطَلَقَ نَحْوَ بِئْرِ مَيْمُونٍ فَأَدْرِكْهُ قَالَ فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ مَعَهُ الْغَارَ الْحَدِيثَ وَأَصْلُهُ فِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ دُونَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ هُنَا وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بنالصَّحَابَةُ وَقَدْ سَبَقَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَبُعِثْتُ فِي خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الْبَعْثَةِ وَآخِرِ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِائَةُ سَنَةٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً أَوْ دُونَهَا أَوْ فَوْقَهَا بِقَلِيلٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَفَاةِ أَبِي الطُّفَيْلِ وَإِنِ اعْتُبِرَ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ تِسْعِينَ أَوْ سَبْعًا وَتِسْعِينَ.

.
وَأَمَّا قَرْنُ التَّابِعِينَ فَإِنِ اعْتُبِرَ مِنْ سَنَةِ مِائَةٍ كَانَ نَحْوَ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ.

.
وَأَمَّا الَّذِينَ بَعْدَهُمْ فَإِنِ اعْتُبِرَ مِنْهَا كَانَ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ مُدَّةَ الْقَرْنِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقُوا أَنَّ آخِرَ مَنْ كَانَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ مِمَّنْ يُقْبَلُ .

     قَوْلُهُ  مَنْ عَاشَ إِلَى حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَفِي هَذَا الْوَقْتِ ظَهَرَتِ الْبِدَعُ ظُهُورًا فَاشِيًا وَأَطْلَقَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَلْسِنَتَهَا وَرَفَعَتِ الْفَلَاسِفَةُ رُءُوسَهَا وَامْتُحِنَ أَهْلُ الْعِلْمِ لِيَقُولُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ تَغَيُّرًا شَدِيدًا وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ فِي نَقْصٍ إِلَى الْآنِ وَظَهَرَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ ظُهُورًا بَيِّنًا حَتَّى يَشْمَلَ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ وَالْمُعْتَقَدَاتِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ أَيِ الْقَرْنُ الَّذِي بَعْدَهُمْ وَهُمُ التَّابِعُونَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ وَاقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثُ أَنْ تَكُونَ الصَّحَابَةُ أَفْضَلَ مِنَ التَّابِعِينَ وَالتَّابِعُونَ أَفْضَلَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ لَكِنْ هَلْ هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَجْمُوعِ أَوِ الْأَفْرَادِ مَحَلُّ بَحْثٍ وَإِلَى الثَّانِي نحا الْجُمْهُور وَالْأول قَول بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي زَمَانِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ أَنْفَقَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِسَبَبِهِ لَا يَعْدِلُهُ فِي الْفَضْلِ أَحَدٌ بَعْدَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ.

.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ مَحَلُّ الْبَحْثِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقاتلوا الْآيَة وَاحْتج بن عَبْدِ الْبَرِّ بِحَدِيثِ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لايدرى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ طُرُقٌ قَدْ يَرْتَقِي بِهَا إِلَى الصِّحَّةِ وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَعَزَاهُ فِي فَتَاوِيهِ إِلَى مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ أَقْوَى مِنْهُ من حَدِيث أنس وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَأَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْحَالُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ الَّذِينَ يدركون عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَرَوْنَ فِي زَمَانِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَانْتِظَامِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَدَحْضِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَيَشْتَبِهُ الْحَالُ عَلَى مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ أَيُّ الزَّمَانَيْنِ خَيْرٌ وَهَذَا الِاشْتِبَاهُ مُنْدَفِعٌ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي وَالله اعْلَم وَقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ أَحَدِ التَّابِعِينَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْرِكَنَّ الْمَسِيحُ أَقْوَامًا إِنَّهُمْ لَمِثْلُكُمْ أَوْ خَيْرٌ ثَلَاثًا وَلَنْ يُخْزِيَ اللَّهُ أُمَّةً أَنَا أَوَّلُهَا وَالْمَسِيحُ آخِرُهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَفَعَهُ تَأْتِي أَيَّامٌ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ قِيلَ مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَلْ مِنْكُمْ وَهُوَ شَاهِدٌ لِحَدِيثِ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ وَاحْتج بن عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا بِحَدِيثِ عُمَرَ رَفَعَهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ إِيمَانًا قَوْمٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُمْعَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا أَسْلَمْنَا مَعَكَ وَجَاهَدْنَا مَعَكَ قَالَ قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَاحْتج أَيْضا بِأَنَّ السَّبَبَ فِي كَوْنِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ خَيْرَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ كَانُوا غُرَبَاءَ فِي إِيمَانِهِمْ لِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ حِينَئِذٍ وَصَبْرِهِمْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَمَسُّكِهِمْ بِدِينِهِمْ قَالَ فَكَذَلِكَ أَوَاخِرُهُمْ إِذَا أَقَامُوا الدِّينَ وَتَمَسَّكُوا بِهِوَصَبَرُوا عَلَى الطَّاعَةِ حِينَ ظُهُورِ الْمَعَاصِي وَالْفِتَنِ كَانُوا أَيْضًا عِنْدَ ذَلِكَ غُرَبَاءَ وَزَكَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَمَا زَكَتْ أَعْمَالُ أُولَئِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ وَقَدْ تُعُقِّبَ كَلَامُ بن عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ يَأْتِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ مَنْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنَّ كَلَام بن عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي كَلَامِهِ بِاسْتِثْنَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ نَعَمْ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ فَضِيلَةَ الصُّحْبَةِ لَا يَعْدِلُهَا عَمَلٌ لِمُشَاهَدَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا مَنِ اتَّفَقَ لَهُ الذَّبُّ عَنْهُ وَالسَّبْقُ إِلَيْهِ بِالْهِجْرَةِ أَوِ النُّصْرَةِ وَضَبْطِ الشَّرْعِ الْمُتَلَقَّى عَنْهُ وَتَبْلِيغِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْدِلُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدَهُ لِأَنَّهُ مَا مِنْ خَصْلَةٍ مِنَ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا وَلِلَّذِي سَبَقَ بِهَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ فَظَهَرَ فَضْلُهُمْ وَمُحَصَّلُ النِّزَاعِ يَتَمَحَّضُ فِيمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ الْمُشَاهَدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ مُتَّجَهًا عَلَى أَنَّ حَدِيثَ لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ زِيَادَةِ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَأَيْضًا فَالْأَجْرُ إِنَّمَا يَقَعُ تَفَاضُلُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يُمَاثِلُهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَأَمَّا مَا فَازَ بِهِ مَنْ شَاهَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زِيَادَةِ فَضِيلَةِ الْمُشَاهَدَةِ فَلَا يَعْدِلُهُ فِيهَا أَحَدٌ فَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُمْعَةَ فَلَمْ تَتَّفِقِ الرُّوَاةُ عَلَى لَفْظِهِ فَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ الْخَيْرِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمَ مِنَّا أَجْرًا الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَقْوَى مِنْ إِسْنَادِ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ تُوَافِقُ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الشَّك فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَجَاءَ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ بِغَيْرِ شَكٍّ مِنْهَا عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَنْ مَالِكٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَسَمَّوَيْهِ مَا يُفَسَّرُ بِهِ هَذَا السُّؤَالُ وَهُوَ مَا أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ بِلَالِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ فَقَالَ أَنَا وَقَرْنِي فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَلِلطَّيَالِسِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَفَعَهُ خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا مِنْهُمْ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ وَوَقَعَ فِي حَدِيث جعدة بن هُبَيْرَة عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيِّ إِثْبَاتُ الْقَرْنِ الرَّابِعِ وَلَفْظُهُ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الْآخَرُونَ أَرْدَأُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ جَعْدَةَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ إِنَّ بعدهمْ قَوْمًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِبَعْضِهِمْ قَوْمٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يكون من النَّاسِخ على طَريقَة من لايكتب الْأَلِفَ فِي الْمَنْصُوبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إِنَّ تَقْرِيرِيَّةٌ بِمَعْنَى نَعَمْ وَفِيهِ بُعْدٌ وَتَكَلُّفٌ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَعْدِيلِ أَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَنَازِلُهُمْ فِي الْفَضْلِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَكْثَرِيَّةِ فَقَدْ وُجِدَ فِيمَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْقَرْنَيْنِ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ الْمَذْمُومَةُ لَكِنْ بِقِلَّةٍ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَثُرَ فِيهِمْ وَاشْتُهِرَ وَفِيهِ بَيَانُ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ أَيْ يَكْثُرُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ قَالَهُ الْمَازَرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَاقِي شَرْحُهُ فِي الشَّهَادَاتِ الْحَدِيثُ الثَّالِث حَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي الْمَعْنَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ سَنَدًا وَمَتْنًا وَتَقَدَّمَ مِنْ شَرْحِهِ هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بالشهادات وَالله اعْلَم( قَولُهُ بَابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ) سَقَطَ لَفْظُ بَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْمُرَادُ بِالْمُهَاجِرِينَ مَنْ عَدَا الْأَنْصَارِ وَمَنْ أَسْلَمَ يَوْمُ الْفَتْحِ وَهَلُمَّ جَرًّا فَالصَّحَابَةُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَالْأَنْصَارُ هُمُ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَحُلَفَاؤُهُمْ وَمَوَالِيهِمْ .

     قَوْلُهُ  مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ هَكَذَا جَزَمَ بِأَنَّ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ كَانَ اسْمُهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ عَبْدَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ يُسَمَّى أَيْضًا عَتِيقًا وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ اسْمٌ لَهُ أَصْلِيٌّ أَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَسَبِهِ مَا يُعَابُ بِهِ أَوْ لِقِدَمِهِ فِي الْخَيْرِ وَسَبْقِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِحُسْنِهِ أَوْ لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ فَلَمَّا وُلِدَ اسْتَقْبَلَتْ بِهِ الْبَيْتَ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ هَذَا عَتِيقُكَ مِنَ الْمَوْتِ أَوْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهُ بِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْأَخِيرِ حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَآخَرُ عَنْ عَبْدِ الله بن الزبير عِنْد الْبَزَّار وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَزَادَ فِيهِ وَكَانَ اسْمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ وَعُثْمَانُ اسْمُ أَبِي قُحَافَةَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ كَمَا لَمْ يخْتَلف فِي كنيته الصِّدِّيقِ وَلُقِّبَ الصِّدِّيقَ لِسَبْقِهِ إِلَى تَصْدِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ كَانَ ابْتِدَاءُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ الصِّدِّيقُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

.
وَأَمَّا نَسَبُهُ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ وَعَدَدُ آبَائِهِمَا إِلَى مُرَّةَ سَوَاءٌ وَأُمُّ أَبِي بَكْرٍ سَلْمَى وَتُكَنَّى أُمَّ الْخَيْرِ بِنْتَ صَخْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ وَذَلِكَ مَعْدُودٌ مِنْ مَنَاقِبِهِ لِأَنَّهُ انْتَظَمَ إِسْلَامُ أَبَوَيْهِ وَجَمِيعِ أَوْلَادِهِ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرين الْآيَةَ سَاقَهَا الْأَصِيلِيُّ وَكَرِيمَةُ إِلَى قَوْلِهِ هُمُ الصَّادِقُونَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَى ثُبُوتِ فَضْلِ الْمُهَاجِرِينَ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَوْصَافِهِمُ الْجَمِيلَةِ وَشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِالصِّدْقِ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله الْآيَةَ سَاقَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ ان الله مَعنا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَا إِلَى ثُبُوتِ فَضْلِ الْأَنْصَارِ فَإِنَّهُمُ امْتَثَلُوا الْأَمْرَ فِي نَصْرِهِ وَكَانَ نَصْرُ اللَّهِ لَهُ فِي حَالِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِحِفْظِهِ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لِيَرُدُّوهُ عَنْ مَقْصِدِهِ وَفِي الْآيَةِ أَيْضًا فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهَذِهِ الْمَنْقَبَةِ حَيْثُ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ وَوَقَاهُ بِنَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَشَهِدَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا بِأَنَّهُ صَاحِبُ نَبِيِّهِ قَوْله.

     وَقَالَ ت عَائِشَة وَأَبُو سعيد وبن عَبَّاسٍ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ أَيْ لَمَّا خَرَجَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ سَيَأْتِي مُطَوَّلًا فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِيهِ ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْر الحَدِيث وَحَدِيث أبي سعيد أخرجه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ فِي قِصَّةِ بَعْثِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى الْحَجِّ وَفِيهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ أخي وصاحبي فِي الْغَار الحَدِيث وَحَدِيث بن عَبَّاس فِي تَفْسِير بَرَاءَة فِي قصَّة بن عَبَّاس مَعَ بن الزبير وفيهَا قَول بن عَبَّاسٍ.

.
وَأَمَّا جَدُّهُ فَصَاحِبُ الْغَارِ يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ لَعَلَّهُ أَمَسُّ بِالْمُرَادِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْهُ قَالَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرْمُونَ عَلِيًّا وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ إِنَّهُ انْطَلَقَ نَحْوَ بِئْرِ مَيْمُونٍ فَأَدْرِكْهُ قَالَ فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ مَعَهُ الْغَارَ الْحَدِيثَ وَأَصْلُهُ فِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ دُونَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ هُنَا وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بنشَرْحُهُ وَهُوَ يَقْظَانُ أَمَّا مَنْ رَآهُ فِي الْمَنَامِ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ حَقًّا فَذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ لَا الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلِذَلِكَ لَا يُعَدُّ صَحَابِيًّا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ وَجَدْتُ مَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ تَعْرِيفِ الصَّحَابِيِّ فِي كَلَام شَيْخه عَليّ بن الْمَدِينِيِّ فَقَرَأْتُ فِي الْمُسْتَخْرَجِ لِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مَنْدَهْ بِسَنَدِهِ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ سَيَّارٍ الْحَافِظِ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَتِيكٍ يَقُولُ قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيِّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ رَآهُ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا جَمَعْتُهُ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ وَهَذَا الْقَدْرُ فِي هَذَا الْمَكَان كَاف ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي البَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيٍّ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :3483 ... غــ :3650] قَوْله حَدثنَا إِسْحَاق هُوَ بن رَاهَوَيْه وَبِذَلِك جزم بن السَّكَنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَالنَّضْرُ هُوَ بن شُمَيْل وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء صَاحب بن عَبَّاسٍ وَحَدَّثَ هُنَا عَنْ تَابِعِيٍّ مِثْلِهِ .

     قَوْلُهُ  خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي أَيْ أَهْلُ قَرْنِي وَالْقَرْنُ أَهْلُ زَمَانٍ وَاحِدٍ مُتَقَارِبٍ اشْتَرَكُوا فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمَقْصُودَةِ وَيُقَالُ إِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا اجْتَمَعُوا فِي زَمَنِ نَبِيٍّ أَوْ رَئِيسٍ يَجْمَعُهُمْ عَلَى مِلَّةٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ عَمَلٍ وَيُطْلَقُ الْقَرْنُ عَلَى مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِهَا مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالسَّبْعِينَ وَلَا بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِهِ قَائِلٌ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَالثَّمَانِينَ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَرْنَ مِائَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الْقَرْنُ أُمَّةٌ هَلَكَتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَثَبَتَتِ الْمِائَةُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الله بن بسر وَهِي ماعند أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْخَمْسِينَ وَذَكَرَ مِنْ عَشْرٍ إِلَى سَبْعِينَ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الْقَدْرُ الْمُتَوَسِّطُ مِنْ أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَنٍ وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَبِهِ صرح بن الْأَعْرَابِيِّ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَقْرَانِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ الْمُخْتَلِفُ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْقَرْنَ أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا أَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ دُونَ ذَلِكَ فَلَا يَلْتَئِمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمُرَادُ بِقَرْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحَابَةُ وَقَدْ سَبَقَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَبُعِثْتُ فِي خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الْبَعْثَةِ وَآخِرِ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِائَةُ سَنَةٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً أَوْ دُونَهَا أَوْ فَوْقَهَا بِقَلِيلٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَفَاةِ أَبِي الطُّفَيْلِ وَإِنِ اعْتُبِرَ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ تِسْعِينَ أَوْ سَبْعًا وَتِسْعِينَ.

.
وَأَمَّا قَرْنُ التَّابِعِينَ فَإِنِ اعْتُبِرَ مِنْ سَنَةِ مِائَةٍ كَانَ نَحْوَ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ.

.
وَأَمَّا الَّذِينَ بَعْدَهُمْ فَإِنِ اعْتُبِرَ مِنْهَا كَانَ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ مُدَّةَ الْقَرْنِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقُوا أَنَّ آخِرَ مَنْ كَانَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ مِمَّنْ يُقْبَلُ .

     قَوْلُهُ  مَنْ عَاشَ إِلَى حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَفِي هَذَا الْوَقْتِ ظَهَرَتِ الْبِدَعُ ظُهُورًا فَاشِيًا وَأَطْلَقَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَلْسِنَتَهَا وَرَفَعَتِ الْفَلَاسِفَةُ رُءُوسَهَا وَامْتُحِنَ أَهْلُ الْعِلْمِ لِيَقُولُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ تَغَيُّرًا شَدِيدًا وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ فِي نَقْصٍ إِلَى الْآنِ وَظَهَرَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ ظُهُورًا بَيِّنًا حَتَّى يَشْمَلَ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ وَالْمُعْتَقَدَاتِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ أَيِ الْقَرْنُ الَّذِي بَعْدَهُمْ وَهُمُ التَّابِعُونَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ وَاقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثُ أَنْ تَكُونَ الصَّحَابَةُ أَفْضَلَ مِنَ التَّابِعِينَ وَالتَّابِعُونَ أَفْضَلَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ لَكِنْ هَلْ هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَجْمُوعِ أَوِ الْأَفْرَادِ مَحَلُّ بَحْثٍ وَإِلَى الثَّانِي نحا الْجُمْهُور وَالْأول قَول بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي زَمَانِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ أَنْفَقَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِسَبَبِهِ لَا يَعْدِلُهُ فِي الْفَضْلِ أَحَدٌ بَعْدَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ.

.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ مَحَلُّ الْبَحْثِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقاتلوا الْآيَة وَاحْتج بن عَبْدِ الْبَرِّ بِحَدِيثِ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لايدرى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ طُرُقٌ قَدْ يَرْتَقِي بِهَا إِلَى الصِّحَّةِ وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَعَزَاهُ فِي فَتَاوِيهِ إِلَى مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ أَقْوَى مِنْهُ من حَدِيث أنس وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَأَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْحَالُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ الَّذِينَ يدركون عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَرَوْنَ فِي زَمَانِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَانْتِظَامِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَدَحْضِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَيَشْتَبِهُ الْحَالُ عَلَى مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ أَيُّ الزَّمَانَيْنِ خَيْرٌ وَهَذَا الِاشْتِبَاهُ مُنْدَفِعٌ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي وَالله اعْلَم وَقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ أَحَدِ التَّابِعِينَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْرِكَنَّ الْمَسِيحُ أَقْوَامًا إِنَّهُمْ لَمِثْلُكُمْ أَوْ خَيْرٌ ثَلَاثًا وَلَنْ يُخْزِيَ اللَّهُ أُمَّةً أَنَا أَوَّلُهَا وَالْمَسِيحُ آخِرُهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَفَعَهُ تَأْتِي أَيَّامٌ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ قِيلَ مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَلْ مِنْكُمْ وَهُوَ شَاهِدٌ لِحَدِيثِ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ وَاحْتج بن عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا بِحَدِيثِ عُمَرَ رَفَعَهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ إِيمَانًا قَوْمٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُمْعَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا أَسْلَمْنَا مَعَكَ وَجَاهَدْنَا مَعَكَ قَالَ قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَاحْتج أَيْضا بِأَنَّ السَّبَبَ فِي كَوْنِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ خَيْرَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ كَانُوا غُرَبَاءَ فِي إِيمَانِهِمْ لِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ حِينَئِذٍ وَصَبْرِهِمْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَمَسُّكِهِمْ بِدِينِهِمْ قَالَ فَكَذَلِكَ أَوَاخِرُهُمْ إِذَا أَقَامُوا الدِّينَ وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَصَبَرُوا عَلَى الطَّاعَةِ حِينَ ظُهُورِ الْمَعَاصِي وَالْفِتَنِ كَانُوا أَيْضًا عِنْدَ ذَلِكَ غُرَبَاءَ وَزَكَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَمَا زَكَتْ أَعْمَالُ أُولَئِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ وَقَدْ تُعُقِّبَ كَلَامُ بن عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ يَأْتِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ مَنْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنَّ كَلَام بن عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي كَلَامِهِ بِاسْتِثْنَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ نَعَمْ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ فَضِيلَةَ الصُّحْبَةِ لَا يَعْدِلُهَا عَمَلٌ لِمُشَاهَدَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا مَنِ اتَّفَقَ لَهُ الذَّبُّ عَنْهُ وَالسَّبْقُ إِلَيْهِ بِالْهِجْرَةِ أَوِ النُّصْرَةِ وَضَبْطِ الشَّرْعِ الْمُتَلَقَّى عَنْهُ وَتَبْلِيغِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْدِلُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدَهُ لِأَنَّهُ مَا مِنْ خَصْلَةٍ مِنَ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا وَلِلَّذِي سَبَقَ بِهَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ فَظَهَرَ فَضْلُهُمْ وَمُحَصَّلُ النِّزَاعِ يَتَمَحَّضُ فِيمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ الْمُشَاهَدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ مُتَّجَهًا عَلَى أَنَّ حَدِيثَ لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ زِيَادَةِ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَأَيْضًا فَالْأَجْرُ إِنَّمَا يَقَعُ تَفَاضُلُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يُمَاثِلُهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَأَمَّا مَا فَازَ بِهِ مَنْ شَاهَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زِيَادَةِ فَضِيلَةِ الْمُشَاهَدَةِ فَلَا يَعْدِلُهُ فِيهَا أَحَدٌ فَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُمْعَةَ فَلَمْ تَتَّفِقِ الرُّوَاةُ عَلَى لَفْظِهِ فَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ الْخَيْرِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمَ مِنَّا أَجْرًا الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَقْوَى مِنْ إِسْنَادِ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ تُوَافِقُ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الشَّك فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَجَاءَ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ بِغَيْرِ شَكٍّ مِنْهَا عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَنْ مَالِكٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَسَمَّوَيْهِ مَا يُفَسَّرُ بِهِ هَذَا السُّؤَالُ وَهُوَ مَا أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ بِلَالِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ فَقَالَ أَنَا وَقَرْنِي فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَلِلطَّيَالِسِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَفَعَهُ خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا مِنْهُمْ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ وَوَقَعَ فِي حَدِيث جعدة بن هُبَيْرَة عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيِّ إِثْبَاتُ الْقَرْنِ الرَّابِعِ وَلَفْظُهُ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الْآخَرُونَ أَرْدَأُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ جَعْدَةَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ إِنَّ بعدهمْ قَوْمًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِبَعْضِهِمْ قَوْمٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يكون من النَّاسِخ على طَريقَة من لايكتب الْأَلِفَ فِي الْمَنْصُوبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إِنَّ تَقْرِيرِيَّةٌ بِمَعْنَى نَعَمْ وَفِيهِ بُعْدٌ وَتَكَلُّفٌ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَعْدِيلِ أَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَنَازِلُهُمْ فِي الْفَضْلِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَكْثَرِيَّةِ فَقَدْ وُجِدَ فِيمَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْقَرْنَيْنِ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ الْمَذْمُومَةُ لَكِنْ بِقِلَّةٍ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَثُرَ فِيهِمْ وَاشْتُهِرَ وَفِيهِ بَيَانُ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ أَيْ يَكْثُرُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ قَالَهُ الْمَازَرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَاقِي شَرْحُهُ فِي الشَّهَادَاتِ الْحَدِيثُ الثَّالِث حَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي الْمَعْنَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ سَنَدًا وَمَتْنًا وَتَقَدَّمَ مِنْ شَرْحِهِ هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بالشهادات وَالله اعْلَم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :3483 ... غــ : 3650 ]
- حَدَّثَنا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ قال سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ.
قَالَ عِمْرَانُ: فَلاَ أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا.
ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( إسحاق) بن راهويه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا ( النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل قال: ( أخبرنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي جمرة) بجيم مفتوحة وميم ساكنة فراء نصر بن عمران الضبعي أنه قال: ( سمعت زهدم بن مضرب) بفتح الزاي وسكون الهاء بعدها دال مهملة مفتوحة ثم ميم ومضرب بضم الميم وفتح الضاد وكسر الراء المشددة وبعدها موحدة الجرمي بفتح الجيم ( قال: سمعت عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ( -رضي الله عنهما- يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( خير أمتي) أهل ( قرني) بفتح القاف والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة ويطلق على مدة من الزمان واختلف في تحديدها من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين، والمراد بهم هنا الصحابة ( ثم الذين يلونهم) أي يقربون منهم وهم التابعون ( ثم الذين يلونهم) وهم أتباع التابعين، وهذا صريح في أن الصحابة أفضل من التابعين وأن التابعين أفضل من تابعي التابعين، وهذا مذهب الجمهور.
وذهب ابن عبد البر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة وأن قوله عليه الصلاة والسلام: خير الناس قرني، ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن بين الفاضل والمفضول.
وقد جمع قرنه عليه الصلاة والسلام جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود.

وقد روى أبو أمامة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي".
وفي مسند أبي داود الطيالسي عن محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر -رضي الله عنه- قال: كنت جالسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "أتدرون أي الخلق أفضل إيمانًا؟ " قلنا: الملائكة قال: "وحق لهم بل غيرهم" قلنا: الأنبياء.
قال: "وحق لهم بل غيرهم" ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أفضل الخلق إيمانًا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيمانًا" لكن روى أحمد والدارمي بإسناد حسن وصححه الحاكم قال أبو عبيدة: يا رسول الله هل أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني".

والحق ما عليه الجمهور لأن الصحبة لا يعدلها شيء وحديث للعامل منهم أجر خمسين منكم لا دلالة فيه على أفضلية غير الصحابة على الصحابة لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وإسناد حديث أبي داود السابق ضعيف فلا حجة فيه، وكلام ابن عبد البر ليس على إطلاقه في حق جميع الصحابة فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية، والذي يظهر أن محل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة أما من قاتل معه أو في زمانه بأمره أو أنفق شيبًا من ماله بسببه أو سبق إليه بالهجرة والنصرة، وضبط الشرع المتلقى عنه وبلغه لمن بعده فلا يعده في الفضل أحد بعده كائنًا من كان.

( وقال عمران) بن الحصين بالسند السابق ( فلا أدري أذكر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بعد قرنه قرنين) ولأبي ذر: مرتين بالميم ( أو ثلاثًا) وفي نسخة أو ثلاثة، وفي مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قال رجل: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: "القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث" فلم يشك كأكثر طرق الحديث.

( ثم إن بعدكم) بالكاف ( قومًا) بالنصب اسم إن وزاد ابن حجر هنا مما لم أره في الفرع ولا أصله ولبعضهم قوم بالرفع، وقال: يحتمل أن يكون من الناسخ على طريقة من لا يكتب الألف في المنصوب، وقال العيني: الوجه على تقدير صحة الرواية أن يكون بفعل محذوف تقديره ثم إن بعدكم يجيء قوم ( يشهدون ولا يستشهدون) أي يتحملون الشهادة من غير تحميل أو يؤدونها من
غير طلب الأداء ( ويخونون ولا يؤتمنون) لخيانتهم الظاهرة بخلاف من خان مرة واحدة فإن ذلك قد لا يؤثر فيه ( وينذرون) بفتح أوّله وضم الذال المعجمة، ولأبي ذر: وينذرون بكسرها ( ولا يفون) بنذرهم، ولأبي ذر: ولا يوفون ( ويظهر فيهم السمن) بكسر السين وفتح الميم أي يعظم حرصهم على الدنيا والتمتع بلذاتها حتى تسمن أجسادهم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :3483 ... غــ :3650 ]
- حدَّثني إسْحَاقُ حدَّثنَا النَّضْرُ أخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أبِي جَمْرَةَ سَمِعْتُ زَهْدَمَ بنَ مُضَرِّبٍ قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقولُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ: قالَ عِمْرَانُ فَلاَ أدْرِي أذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ قَرْنَيْنِ أوْ ثَلاثَاً ثُمَّ إنَّ بَعْدَكُمْ قَوْماً يَشْهَدُونَ ولاَ يُسْتَشْهَدُونَ ويَخُونُونَ ولاَ يُؤْتَمَنُونَ ويَنْذِرُونَ ولاَ يَفُونَ ويَظْهَرُ فِيهُمُ السِّمَنُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَبِذَلِك جزم ابْن السكن وَأَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) .

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: إِسْحَاق إِمَّا ابْن إِبْرَاهِيم وَإِمَّا ابْن مَنْصُور، وَالنضْر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن شُمَيْل مصغر الشمل بِالْمُعْجَمَةِ، مر فِي الْوضُوء، وَأَبُو جَمْرَة، بِفَتْح الْجِيم وبالراء: نضر بن عمرَان صَاحب ابْن عَبَّاس، وزهدم، بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره مِيم: ابْن مضرب بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التضريب بالضاد الْمُعْجَمَة: الْجرْمِي، بِفَتْح الْجِيم.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشَّهَادَات فِي: بابُُ لَا يشْهد على جور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( خير أمتِي قَرْني) أَي: أهل قَرْني، وهم الصَّحَابِيّ، والقرن أهل زمَان وَاحِد مُتَقَارب اشْتَركُوا فِي أَمر من الْأُمُور الْمَقْصُودَة وَاخْتلف فِي الْقرن من عشرَة إِلَى مائَة وَعشْرين، وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه ثَلَاثُونَ سنة.
قَوْله: ( ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) أَي: الْقرن الَّذِي بعدهمْ، وهم التابعون.
قَوْله: ( فَلَا أَدْرِي) شكّ عمرَان بعد قرنه: هَل ذكر قرنين أَو ذكر ثَلَاثَة؟ وَجَاء أَكثر طرق هَذَا الحَدِيث بِغَيْر شكّ، وروى مُسلم من حَدِيث عَائِشَة، قَالَ رجل: يَا رَسُول الله! أَي النَّاس خير؟ قَالَ: الْقرن الَّذِي أَنا فِيهِ، ثمَّ الثَّانِي ثمَّ الثَّالِث، وروى الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث عمر يرفعهُ: خير أمتِي الْقرن الَّذِي أَنا فِيهِ وَالثَّانِي ثمَّ الثَّالِث.
وَوَقع فِي حَدِيث جعدة بن هُبَيْرَة، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ إِثْبَات الْقرن الرَّابِع، وَلَفظه: خير النَّاس قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الْآخرُونَ أردى، وَرِجَاله ثِقَات إلاَّ أَن جعدة بن هُبَيْرَة مُخْتَلف فِي صحبته.
فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير أحد التَّابِعين بِإِسْنَاد حسن، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليدركن الْمَسِيح أَقْوَامًا إِنَّهُم لمثلكم أَو خير ثَلَاثًا، وَلنْ يخزى الله أمة أَنا أَولهَا والمسيح آخرهَا، وروى ابْن عبد الْبر من حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَفعه: أفضل الْخلق إِيمَانًا قوم فِي أصلاب الرِّجَال يُؤمنُونَ بِي وَلم يروني.
قلت: لَا يُقَاوم الْمسند الصَّحِيح وَالثَّانِي ضَعِيف.
قَوْله: ( ثمَّ إِن من بعدكم قوما) بنضب قوما عِنْد الْأَكْثَرين، ويروى: قوم، بِالرَّفْع قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون من النَّاسِخ على طَريقَة من لَا يكْتب الْألف فِي الْمَنْصُوب، وَيحْتَمل أَن يكون: إِن، تقريرية بِمَعْنى: نعم، وَفِيه بعد وتكلف.
انْتهى.
قلت: الِاحْتِمَال الأول أبعد من الثَّانِي، وَالْوَجْه فِيهِ أَن يكون ارْتِفَاع قوم على تَقْدِير صِحَة الرِّوَايَة بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: أَن بعدكم يَجِيء قوم، قَوْله: ( يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون) مَعْنَاهُ: يظْهر فيهم شَهَادَة الزُّور.
قَوْله: ( ويخونون وَلَا يؤتمنون) قيل: يطْلبُونَ الْأَمَانَة، ثمَّ يخونون فِيهَا، وَقيل: لَيْسُوا مِمَّن يوثق بهم.
قَوْله: ( وينذرون) بِضَم الذَّال وَكسرهَا.
قَوْله: ( وَيظْهر فيهم السّمن) بِكَسْر السِّين وَفتح الْمِيم، قيل: مَعْنَاهُ يكثرون بِمَا لَيْسَ فيهم من الشّرف، وَقيل: يجمعُونَ الْأَمْوَال من أَي وَجه كَانَ، وَقيل: يغفلون عَن أَمر الدّين ويقللون الاهتمام بِهِ، لِأَن الْغَالِب على السمين أَن لَا يهتم بالرياضة، وَالظَّاهِر أَنه حَقِيقَة فِي مَعْنَاهُ وَقَالُوا: المذموم مِنْهُ مَا يتكسبه، وَأما الخلقي فَلَا.