هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3338 حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا ، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا ، فَيَرْضَى لَكُمْ : أَنْ تَعْبُدُوهُ ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَيَكْرَهُ لَكُمْ : قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ ، وحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ : وَلَا تَفَرَّقُوا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3338 حدثني زهير بن حرب ، حدثنا جرير ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يرضى لكم ثلاثا ، ويكره لكم ثلاثا ، فيرضى لكم : أن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، ويكره لكم : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ، وحدثنا شيبان بن فروخ ، أخبرنا أبو عوانة ، عن سهيل ، بهذا الإسناد مثله ، غير أنه قال : ويسخط لكم ثلاثا ، ولم يذكر : ولا تفرقوا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Huraira reported Allah's Messenger (ﷺ) as saying:

Verily Allah likes three things for you and He disapproves three things for you. He is pleased with you that you worship Him and associate nor anything with Him, that you hold fast the rope of Allah, and be not scattered; and He disapproves for you irrelevant talk, persistent questioning ane the wasting of wealth.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.



المعنى العام

رضا الله في اتباع أوامره واجتناب نواهيه { { فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين } } [التوبة: 96] وأهم أوامره وأولها أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وثانيها أن تعتصموا بحبل الله جميعا المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ثالث هذه الأوامر النهي عن التفرق والنهي عن الشيء أمر بضده فالأمر الثالث في الحديث المحافظة على الوحدة واستمرارها وزيادتها فلا يرفع المسلم سلاحه في وجه مسلم إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ويرتد عن الإسلام ويخرج من دائرته التارك لدينه المفارق للجماعة.

وسخط الله -وهو المقابل للرضا- في ارتكاب معاصيه وبين الأمرين مكروهات لله تعالى ليست بالمعاصي الكبيرة ولكنها تسيء إلى الإيمان وتعكره وتضعفه وتزيد في السيئات والذنوب ويحسبها المسلم أمرا هينا وهو عند الله عظيم اختار الحديث ثلاثة من هذا النوع كمثل ورمز لما يشبهها أولها كثرة الكلام فيما ينفع وما لا ينفع مما يوقع في الخطأ والآثام والتعرض لأخبار الناس ونقل أحوالهم وغيبتهم ثانيها كثرة سؤال الناس ما في أيديهم أعطوه أو منعوه فهذه ذلة بعيدة عن سيما المؤمنين فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين ثالثها: إضاعة المال وإنفاقه في غير وجهه المشروع مهما كان المنفق غنيا إن الله لا يحب المسرفين وإن المبذرين كانوا إخوان الشياطين { { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } } [الإسراء: 29]

المباحث العربية

( إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا) قال النووي: قال العلماء: الرضا والسخط والكراهة من الله تعالى المراد بها أمره ونهيه وثوابه وعقابه أو إرادته الثواب لبعض العباد والعقاب لبعضهم.

( فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا) إن أريد من العبادة التوحيد كان قوله { { ولا تشركوا به شيئا } } تأكيدا وإن أريد منها مطلق الطاعة كان تأسيسا والثاني هو الظاهر ليكون المطلوب ثلاثا.

( وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) الاعتصام افتعال من العصمة والمراد التمسك والامتثال والحبل يطلق على العهد وعلى الأمان وعلى الوصلة وعلى السبب وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم ويوصلون به المتفرق والمراد هنا التمسك بعهد الله وهو اتباع كتابه العزيز وحدوده والتأدب بآدابه ففي الكلام استعارة شبه الكتاب العزيز وتعاليمه بالحبل بجامع أن كلا منهما سبب لحصول المقصود به وحذف المشبه وأقيم المشبه به مقامه على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية.

والمراد من النهي عن التفرق الأمر بلزوم جماعة المسلمين وتآلف بعضهم ببعض وهذه الجملة منتزعة من قوله تعالى في سورة آل عمران { { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } } [آل عمران: 103] .

( ويكره لكم قيل وقال) في الرواية الثالثة ونهى عن ثلاث: قيل وقال واختلفوا في إعراب هذين اللفظين فقيل: إنهما فعلان.
الأول ماض مبني للمجهول والثاني ماض مبني للمعلوم وهما في الرواية الأولى مفعول به مبني على الفتح في محل نصب مقصود حكايته وعلى الرواية الثالثة مقصود حكايتهما في محل جر بدل من ثلاث على أنهما فعلان.

الرأي الثاني أنهما اسمان مصدران من الفعل قال تقول: قلت قولا وقالا وقيلا ويؤيد ذلك دخول الألف واللام عليهما فتقول: كثر القيل والقال وهما في الرواية الثالثة مجروران منونان وأما المراد منهما فقيل: كثرة الكلام لأنه يؤدي غالبا إلى الخطأ وقيل المراد منهما حكاية أقاويل الناس والخوض في أخبارهم فيقول: قال فلان كذا وقيل كذا ومحل النهي نقل ذلك من غير تثبت ولا احتياط وقيل: المراد منهما حكاية الاختلاف في أمور الدين ومحل النهي النقل تقليدا دون احتياط فهو من قبيل كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع.

( وكثرة السؤال) حذف المسئول عنه جعل في هذه العبارة احتمالات:

الأول: سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم وقد كثرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك.

الثاني: كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وما جرى لهم مما لا يعني فهو الطرف المقابل لقيل وقال واحد يسأل ويطلب الغيبة والآخر يجيب: قيل كذا وكذا إلخ.

الثالث: كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله مما يكرهه المسئول فيترتب على ذلك حرج المسئول وألمه إذا أجاب بصدق أو الوقوع في الإثم إذا أجاب بكذب أو تكلف المشقة إذا تكلف التعريض أو سوء الأدب إن أهمل جوابه.

الرابع: كثرة السؤال عن أمور غير مهمة قد يؤذي جوابها كما وقع في سبب نزول قوله تعالى { { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم } } [المائدة: 101] .

الخامس: كثرة التكلف والتنطع وتتبع الغرائب والأغلوطات والتقعر في المسائل العلمية.

السادس: العموم فيراد كل ذلك وسنعرض ونبسط المسألة في فقه الحديث.

( وإضاعة المال) أي صرفه في غير وجوهه الشرعية فهذا بمثابة إتلافه لأن الله تعالى جعل المال في أيدي الناس ليقوم بمصالحهم وصرفها في غير وجوهها الشرعية تضييع لتلك المصالح.

( إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات) في ملحق الرواية وحرم عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعارض فما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو بتحريم الله.

وعقوق الوالدين بضم العين مشتق من العق وهو القطع والمراد به صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل إلا في شرك أو معصية ما لم يتعنت الوالد وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات فعلا وتركا واستحبابها في المندوبات وفروض الكفاية والأمهات جمع أمهة والأمهات لفظ لمن يعقل بخلاف لفظ أم فإنه أعم.

وخص الأمهات هنا بالذكر بدلا من الوالدين من قبيل تخصيص الشيء بالذكر وإظهارا لعظم موقعه قال النووي: لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء ولهذا قال صلى الله عليه وسلم حين قال له السائل: من أبر؟ قال: أمك..ثلاثا ثم قال في الرابعة ثم أباك ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات لضعفهن وطمع الأولاد فيهن.
اهـ.
وعقوق الأب مثل عقوق الأم وقد جاءت الرواية الرابعة بلفظ حرم عقوق الوالد.

( ووأد البنات) بسكون الهمزة وهو دفن البنات بالحياة فيمتن تحت التراب وكان أهل الجاهلية من العرب يفعلون ذلك كراهة فيهن ويقال: إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر بنته فاتخذها لنفسه ثم حصل بينهم صلح فخير ابنته فاختارت زوجها فآلى قيس على نفسه ألا تولد له بنت إلا دفنها حية فتبعه العرب في ذلك وكانوا في صفة الوأد على طريقين أحدهما أن يأمر امرأته حين يأتيها المخاض أن تلد بجوار حفيرة فإذا وضعت ذكرا أبقته وإذا وضعت أنثى طرحتها في الحفيرة ومنهم من كان ينتظر بحياتها أشهرا يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون؟ أم يدسه في التراب ثم يزينها ويطيبها ويخرج بها إلى الصحراء فيلقي بها في حفرة ويهيل عليها التراب ومن العرب من كان يفعل ذلك في الأولاد حتى الذكور خشية الفقر والحاجة وإنما خص الوأد هنا بالبنات لأنه كان المعتاد والكثير عند العرب.

( ومنعا وهات) منعا هنا بسكون النون وتنوين آخره وفي رواية للبخاري ومنع بدون تنوين مع سكون النون وهي في الموضعين مصدر منع يمنع وهي بدون تنوين على نية الإضافة أي منع إعطاء الحقوق أما هات فبكسر التاء فعل أمر من الإيتاء قال الخليل: أصل هات آت فقلبت الألف هاء والحاصل من النهي منع ما أمر بإعطائه وطلب مالا يستحق أخذه وهات معطوف على منع مقصود حكايتها مفعول حرم وفي الرواية الرابعة لا وهات أي لا أعطيك حقك وأعطني ما ليس حقي.

( كتب المغيرة إلى معاوية) قال الحافظ ابن حجر: ظاهره أن المغيرة باشر الكتابة وليس كذلك فقد أخرجه ابن حبان بلفظ كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إلي بحديث سمعته فدعا غلامه ورادا فقال: اكتب.. فذكره وأخرجه الطبراني عن وراد بلفظ كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكتبت إليه بخطى...

فقه الحديث

وجه إدخال هذا الحديث في كتاب الأقضية أنه يتضمن قضايا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وعقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات.

ومن مجموع الروايات نحصل على ثلاثة واجبات وثلاثة محرمات وثلاثة مكروهات.

ومن المعلوم أن ترك الواجب محرم فتصبح المحرمات ستة: العصيان وعدم الطاعة والإشراك بالله والتفرق والخروج على الجماعة ثم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات.

والثلاثة الأولى معلومة من الدين بالضرورة أما الثلاثة الثانية: فقد وردت في جميع الروايات بلفظ التحريم ومن المعلوم أن المحرمات درجات أكبر الكبائر.
الكبائر.
محرمات دون الكبائر فليس يلزم من اقترانها في الذكر أنها في درجة سواء.

والمكروهات الثلاثة صدرت بلفظ يكره وكره ونهى وليس معنى ذلك أنها مكروهات في عرف الفقهاء على الإطلاق وستأتي الأحكام بالتفصيل.

أما عقوق الأمهات ومثله عقوق الآباء فقد سبق في كتاب الإيمان أنه من أكبر الكبائر ومن السبع الموبقات وقرن بالإشراك بالله وقتل النفس ولا خلاف في ذلك بين علماء المسلمين.

ووأد البنات: من الكبائر الموبقات بل من أكبر الكبائر فقتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر وقرن بالإشراك بالله فمن باب أولى قتل نفس لها حرمة كبرى وحق أكبر.

أما منع وهات: والمراد منها الامتناع عن إعطاء الحقوق للآخرين وطلب ومحاولة أخذ ما ليس بحق من الآخرين فحكمها يختلف باختلاف قيمة هذا الحق فقد يكون كبيرة وقد يكون مكروها لكن ذكره تحت عنوان المحرمات يجعل المراد منه من قصد الأمور الكبيرة أو من أصبحت تلك عادته حتى اشتهر بها ولو كانت الحقوق صغائر فالإصرار على الصغيرة كبيرة والإصرار على الصغائر يحولها إلى كبائر وهل الكبيرة في الجمع بين الصفتين؟ أو كل منها مستقلا كبيرة؟ أميل إلى الثاني فمن اعتاد منع الحقوق أو منع حقا كبيرا فقد دخل في هذا وإن لم يأخذ من الآخرين ما ليس حقا له ومن أخذ ما ليس حقه متعمدا من الآخرين دخل في هذا وإن لم يمنع الآخرين حقهم عنده ومن جمع بين الأمرين فهو من باب أولى.

وأما قيل وقال: فالحكمة في النهي عن ذلك أن الكثرة من ذلك لا يؤمن معها وقوع الخطأ إذا أريد من المقول ما لا فائدة فيه من الكلام فإن كانت الكثرة من قيل وقال في أمور الخير فلا يكره.

وأما كثرة السؤال: فقد ذكرنا في المباحث العربية خمسة أنواع من السؤال.

النوع الأول: سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم والأحاديث كثيرة في الحض على التعفف عن المسألة لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه.

ودوافع هذه المسألة مختلفة.

الدافع الأول: مسألة الفقير المحتاج العاجز عن الكسب عجزا لا دخل له فيه والمسألة في هذه الحالة مباحة والمطلوب من صاحبها الرفق في السؤال وعدم الإلحاح وعدم الاستكثار والأولى له العفة والصبر على الحاجة ما أمكن فقد مدح الله هذا الصنف بقوله { { وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم } } [البقرة: 272 وما بعدها] .

والخلاف بين الفقهاء في حدود الفقير المحتاج الذي يباح له السؤال وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في تحديده ليس المسكين الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان ولكن المسكين الذي لا يجد غني يغنيه وقد اتفقوا على أن من استطاع ضربا في الأرض وكان قادرا على الاكتساب فهو غني وهو واجد نوعا من الغنى وقد قال تعالى في وصف الفقراء { { لا يستطيعون ضربا في الأرض } } [البقرة: 273] .

تقول: إن الخلاف بين الفقهاء في حدود الفقير المحتاج الذي يباح له السؤال فقال بعضهم: أن الفقير من لا يملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب واستندوا إلى حديث ضعيف رواه الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهما أو قيمتها من الذهب.

وقال بعضهم: إن الفقير هو من لا يملك قوت يومه واستندوا إلى حديث رواه أبو داود وصححه ابن حبان عن سهل ابن الحنظلية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار فقالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه.

وقال أبو حنيفة: إن الغني من ملك نصابا.

وقال الشافعي: قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله.

الدافع الثاني: مسألة الفقير المحتاج القادر على الكسب وهي المقصودة من الحديث والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله حرام وينظر فيمن يعطيه هل يكون معينا ومساعدا على الحرام؟ أميل إلى هذا إذا تأكد من حاله.

وإنما قبح الشارع السؤال سواء أعطى المسئول السائل أو منعه لما يدخل على السائل من ذل السؤال وعظم المنة إذا أعطى ومن ذلك السؤال والخسة والحرمان إذا لم يعط ولما يدخل على المسئول من الضيق في ماله إذا أعطى ومن الحرج إذا لم يعط.

الدافع الثالث: من يسأل ليجمع الكثير من غير احتياج إليه وهذا النوع حرام باتفاق وورد فيه وعيد شديد ففي البخاري ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه قزعة لحم أي قطعة لحم وفي مسلم من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا وعند الترمذي ومن سأل الناس ليثري ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر وعند الطبراني لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه -أي يبلى وجهه- فلا يكون له عند الله وجه.

النوع الثاني: كثرة السؤال عن أخبار الناس.

والنوع الثالث: كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل أموره وأحواله.

وهذان النوعان واضحان في النهي عنهما لكنهما في ضعف أهميتهما يبعد أن يكونا المرادين من هذا الحديث.

النوع الرابع: السؤال عن أمور غير مهمة قد يؤذي جوابها كقول رجل دعي إلى غير أبيه قال: يا رسول الله..من أبي.. لو أن هذا الرجل قدر أنه في نفس الأمر لم يكن لأبيه فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أباه الحقيقي لافتضح وافتضحت أمه.

ورجل آخر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مصير أبيه الذي مات وألح في السؤال فكان الجواب: أبوك في النار.

النوع الخامس: سؤال التنطع والتكلف وتتبع الغرائب والأغلوطات والتقعر في المسائل العلمية.

قال بعض الأئمة: والتحقيق في ذلك أن البحث عما لا يوجد فيه نص على قسمين أحدهما أن يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على من تعين عليه من المجتهدين.

ثانيهما: أن يدقق النظر في وجوه الفروق فيفرق بين متماثلين بفرق ليس له أثر في الشرع مع وجود وصف الجمع أو بالعكس فيجمع بين متفرقين بوصف طردي مثلا فهذا الذي ذمه السلف وعليه ينطبق حديث ابن مسعود رفعه هلك المتنطعون أخرجه مسلم.

فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الإكثار من التخريج على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جدا فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى ولا سيما إن لزم من ذلك إغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه وأشد من ذلك البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث.

وأشد من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة كحديث أبي هريرة رفعه لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا.
الله خلق الخلق فمن خلق الله؟

وقال بعض الشراح: مثال التنطع في السؤال حتى يفضى بالمسئول إلى الجواب بالمنع بعد أن يفتى بالإذن أن يسأل عن السلع التي توجد في الأسواق هل يجوز له أن يشتري سلعة مجهول مصدرها عند البائع فيجاب بنعم يجوز فإذا سأل: أخشى أن تكون مسروقة أو منهوبة ونحن في زمن يكثر فيه ذلك فيجاب بلا لا تشتر لأنك إن جزمت بأن مصدرها حرام الشراء وإذا تشككت كره أو كان خلاف الأولى.

وإذا تقرر ذلك فمن يسد باب المسائل حتى يفوته كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها فإنه يقل فهمه وعلمه ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها ولا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر ولا سيما إن كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة فإنه يذم فعله وهو عين الذي كرهه السلف.

وأظهر الأنواع مناسبة في هذا الحديث النوع الأول والله أعلم.

وأما إضاعة المال: فالأكثرون حملوه على الإسراف في الإنفاق وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعا سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه لأن الله تعالى جعل الأموال قياما لمصالح العباد وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح إما في حق مضيعها وإما في حق غيره ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوت حقا أخرويا أهم منه.

قال الحافظ ابن حجر: والحاصل في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه الأول إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعا فلا شك في منعه والثاني إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعا فلا شك في كونه مطلوبا بالشروط المذكورة والثالث إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس فهذا ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله فهذا ليس بإسراف والثاني مالا يليق به عرفا وهو ينقسم أيضا إلى قسمين أحدهما ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة أو متوقعة فهذا ليس بإسراف والثاني ما لا يكون في شيء من ذلك فالجمهور على أنه إسراف وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف قال: لأنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح وإذا كان في غير معصية فهو مباح له قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قال.
اهـ.
وقد صرح بالمنع القاضي حسين وتبعه الغزالي وجزم به الرافعي وفي المحرر أنه ليس بتبذير وتبعه النووي.

قال الحافظ ابن حجر: والذي يترجح أنه ليس مذموما لذاته لكنه يفضي غالبا إلى ارتكاب المحذور كسؤال الناس وما أدى إلى المحذور فهو محذور نعم يجوز التصدق بجميع المال لمن عرف من نفسه الصبر على المضايقة وجزم الباجي من المالكية بمنع استيعاب جميع المال بالصدقة قال: ويكره كثرة إنفاقه في مصالح الدنيا ولا بأس به إذا وقع نادرا لحادث يحدث كضيف أو عيد أو وليمة ومما لا خلاف في كراهته مجاوزة الحد في الإنفاق على البناء زيادة على قدر الحاجة ولا سيما إن أضاف إلى ذلك المبالغة في الزخرفة.

ويدخل في إضاعة المال سوء الإنفاق على الرقيق والبهائم حتى تهلك ودفع المال لمن لا يؤمن منه الرشد.

وقال السبكي الكبير: الضابط في إضاعة المال أن لا يكون لغرض ديني ولا دنيوي فإن انتفيا حرم قطعا وإن وجد أحدهما وجودا له بال وكان الإنفاق لائقا بالحال ولا معصية فيه جاز قطعا وبين الرتبتين وسائط كثيرة لا تدخل تحت ضابط فعلى المفتي أن يرى فيها رأيه.

فالإنفاق في المعصية حرام كله ولا نظر إلى ما يحصل في مطلوبه من قضاء شهوة ولذة حسنة وأما إنفاقه في الملاذ المباحة وهو موضع الاختلاف فظاهر قوله تعالى { { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } } [الفرقان: 67] أن الزائد الذي لا يليق بحال المنفق إسراف ثم قال: وبذل مال كثير في غرض يسير تافه عده العقلاء مضيعا والله أعلم.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- قال النووي: عن قوله نهي عن ثلاث قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال هذا الحديث دليل لمن يقال: إن النهي لا يقتضي التحريم والمشهور أنه يقتضي التحريم وهو الأصح ويجاب عن هذا بأنه خرج بدليل آخر.

2- واستدل النووي بكتابة المغيرة إلى معاوية سلام عليك أما بعد على استحباب المكاتبة على هذا الوجه فيبدأ بـسلام عليك كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل: السلام على من اتبع الهدى.

3- وفي مكاتبة المغيرة حجة على من لم يعمل في الرواية بالمكاتبة قال الحافظ ابن حجر: اعتل بعضهم بأن العمدة حينئذ على الذي بلغ الكتاب كأن يكون الذي أرسله أمره أن يوصل الكتاب وأن يبلغ ما فيه مشافهة وتعقب بأن هذا يحتاج إلى نقل وعلى تقدير وجوده تكون الرواية عن مجهول ولو فرض أنه ثقة عند من أرسله ومن أرسل إليه فتجيء فيه مسألة التعديل على الإبهام والمرجح عدم الاعتداد به.

4- قال الطيبي: هذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق وهو تتبع جميع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة.

والله أعلم.