هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3161 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : نَحَلَنِي أَبِي نُحْلًا ، ثُمَّ أَتَى بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ ، فَقَالَ : أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَهُ هَذَا ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : أَلَيْسَ تُرِيدُ مِنْهُمُ الْبِرَّ مِثْلَ مَا تُرِيدُ مِنْ ذَا ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ ، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ : فَحَدَّثْتُ بِهِ مُحَمَّدًا ، فَقَالَ : إِنَّمَا تَحَدَّثْنَا أَنَّهُ قَالَ : قَارِبُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3161 حدثنا أحمد بن عثمان النوفلي ، حدثنا أزهر ، حدثنا ابن عون ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير ، قال : نحلني أبي نحلا ، ثم أتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده ، فقال : أكل ولدك أعطيته هذا ؟ قال : لا ، قال : أليس تريد منهم البر مثل ما تريد من ذا ؟ قال : بلى ، قال : فإني لا أشهد ، قال ابن عون : فحدثت به محمدا ، فقال : إنما تحدثنا أنه قال : قاربوا بين أولادكم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: نحلني أبي نحلاً ثم أتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده.
فقال أكل ولدك أعطيته هذا؟ قال: لا.
قال أليس تريد منهم البر مثل ما تريد من ذا؟ قال: بلى.
قال فإني لا أشهد
قال ابن عون: فحدثت به محمداً.
فقال إنما تحدثنا أنه قال قاربوا بين أولادكم.


المعنى العام

المال والحرص عليه من أهم أسباب الشقاء الإنساني في هذه الحياة، يورث الشقاق بين الإخوة وذوي الأرحام ويزرع عقوق الأبناء للآباء، من أجل هذا اهتم الإسلام بتصرف الآباء في مالهم مع الأبناء.
لقد وضعت القواعد والقيود والفرائض في الميراث، ورضي المسلمون بحكم الله فيه، ولم يعد أداة للنزاع، أو سببًا للفرقة والبغضاء.
فماذا عن تصرفات الآباء في حياتهم؟ هل يسوون بين أولادهم؟ أو يتبعون النوازع النفسية، وزيادة حبهم لبعض الأولاد فوق حب البعض، لا نقاش في درجات الحب القلبي، ولا عقوبة على ميل الآباء للبعض فوق البعض، فذلك مما لا يملكه البشر، إنما النقاش في عدم المساواة بين الأولاد في العطاء المادي، وقد تتعدد أمهات الأولاد، فتكون لإحداهن حظوة ودلال على الأب تحاول من خلاله تمييز أولادها عن أولاد ضرائرها في مال أبيهم، وها هي عمرة بنت رواحة تطلب من زوجها بشير بن سعد أن يمنح ابنها منه النعمان منحة يختص بها دون إخوته من ضرائرها، ويماطل زوجها في الإجابة، وتلح في الطلب، وتمضي سنة وبعض أخرى، وعمرة تلح، وبشير يراوغ ويماطل، حتى هددته بالتوقف عن تربية النعمان ورعايته إذا لم يمنحه عبدًا يملكه، أو حديقة هي أعز أمواله، ولم يجد بشير بدا من إجابتها، فوهب للنعمان عبدًا غلامًا، أو حديقة، أو الأمرين، وخافت عمرة من تراجع بشير أمام ضغط الأبناء الآخرين وأمهاتهم، فطلبت منه أن يشهد على هذه المنحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، توثيقًا وتمكينًا وتبركًا، وذهب بشير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصحب معه ابنه، يحمله في بعض الطريق لصغره، ويمشي معه في بعضه، حتى وصلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال بشير: يا رسول الله، إن النعمان هذا ابني من عمرة بنت رواحة وإنها طلبت مني أن أمنحه عطية، فوهبته غلامًا هو أحب ما لي إلي، فقالت لي أمه: لا يرضيني إلا أن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الهبة.
فاشهد يا رسول الله أنني منحت ابني النعمان هذا الغلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألك ولد سواه؟ قال: نعم قال له: أأعطيت أولادك الآخرين مثل ما أعطيت النعمان؟ قال: لا قال: هل تحب من الجميع أن يبروك بأحسن درجات البر؟ قال: نعم.
قال: سو بينهم اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، سووا بين أولادكم في الهبة كما تحبون أن يسووا لكم في البر، رد - يا بشير - هذه العطية، وإلا فأشهد عليها غيري، فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد على جور، ولا أشهد إلا على حق، فرجع بشير إلى بيته، وأعلن إلى عمرة أنه استرد عطيته، بناء على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلمت عمرة بحكم الله، وهي تقول في نفسها: ليتني رضيت بالهدية دون إشهاد، وليتني لم أطمع، وقد علمت أن الطمع يذهب بما جمع.

المباحث العربية

( عن النعمان بن بشير) بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس - بضم الجيم وتخفيف اللام - الخزرجي، صحابي مشهور، من أهل بدر، وشهد غيرها، مات في خلافة أبي بكر سنة ثلاث عشرة، ويقال: أنه أول من بايع أبا بكر من الأنصار.

( إن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الرواية الخامسة فأخذ أبي بيدي، وأنا يومئذ غلام، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الرواية الثامنة انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجمع بين الروايتين بأنه أخذه بيده، فمشى معه بعض الطريق، وحمله في بعضها، لصغر سنه، أو عبر عن استتباعه إياه بالحمل.

( فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي) نحلت بفتح الحاء وسكون اللام، يقال: نحل ينحل، من باب ذهب يذهب، والنحلة بكسر النون وسكون الحاء العطية بغير عوض، وهي المرادة بالصدقة في قوله في الرواية الرابعة تصدق علي أبي ببعض ماله وفي الرواية الثالثة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا الغلام؟ قال: أعطانيه أبي فكأنهما أخذا الغلام معهما، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنه، وأجيب من النعمان، ثم حكى بشير قصته.

وواضح من هذا أن النحلة كانت غلامًا، لكن وقع عند ابن حبان والطبراني عن النعمان بن بشير أنه خطب بالكوفة فقال: إن والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عمرة بنت رواحة نفست بغلام، وإني سميته النعمان، وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي، وأنها قالت: أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لا أشهد على جور وجمع ابن حبان بين الروايتين بالحمل على وقعتين، إحداهما عند ولادة النعمان، وكانت العطية حديقة، والأخرى بعد أن كبر النعمان، وكانت العطية عبدًا.
قال الحافظ ابن حجر: وهو جمع لا بأس به، إلا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير مع جلالته الحكم في المسألة، حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيستشهده على العطية الثانية، بعد أن قال له في الأولى لا أشهد على جور وجوز ابن حبان أن يكون بشير ظن نسخ الحكم، وقال غيره: يحتمل أن يكون بشير حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه، أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد، لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد.

قال الحافظ ابن حجر: ثم ظهر لي وجه آخر من الجمع، يسلم من هذا الخدش، ولا يحتاج إلى جواب، وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته إلا أن يهب له شيئًا، يخصه به، وهبه الحديقة المذكورة، تطييبًا لخاطرها، ثم بدا له فارتجعها، لأنه لم يقبضها منه أحد غيره، فعاودته عمرة في ذلك، فماطلها سنة أو سنتين، ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلامًا، ورضيت عمرة بذلك، إلا أنها خشيت أن يرتجعه أيضًا فقالت له: أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، تريد بذلك تثبيت العطية وأن تأمن من رجوعها فيها، ويكون مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم للإشهاد، مرة واحدة، وهي الأخيرة، وغاية ما فيه أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض، أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة، ويقص بعضها أخرى، فسمع كل ما رواه، فاقتصر عليه.
اهـ.

وهو جمع حسن، وإن كان يقوم على احتمال الهبة والرجوع فيها، ثم الهبة مرة أخرى، وهذا يحتاج إلى معتمد، ثم إن رواية ابن حبان والطبراني فيها الحديقة، وفيها إتيان النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لا أشهد على جور ورواية العبد في الصحيحين فيها الإتيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله لا أشهد على جور فبقي الإشكال، وعندي احتمال قد يرفع الإشكال، وهو أن يكون بشير قد نحل ابنه حديقة وغلامًا معًا، ويكون الذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد نحلت ابني هذا حديقة وغلامًا... إلخ، فذكر النعمان في تحديثه إحدى النحلتين، أو اقتصر بعض الرواة على ذكر إحدى النحلتين، وذكر إحدى النحلتين لا ينفي الأخرى، حيث لا قصر في الأسلوب، هذا إذا كانت هناك ضرورة للجمع، وإلا فالاعتماد على روايات الصحيحين.
والله أعلم.

( أكل ولدك نحلته مثل هذا؟) الهمزة للاستفهام الحقيقي، وكل منصوب على الاشتغال، وهو مفعول مقدم في الرواية الثانية أكل بنيك نحلت، والولد يطلق على الذكر والأنثى، ولم يذكر ابن سعد لبشير والد النعمان ولدًا غير النعمان، وذكر له بنتًا اسمها أبية تصغير أبي وفي الرواية الثانية أكل بنيك نحلت والابن يطلق على الذكر، فإن كان لبشير ذكور وإناث فذكر بنيك للتغليب والرواية السادسة، ولفظها ألك بنون سواه؟ قال: نعم ترد كلام ابن سعد، اللهم إلا أن يقال: إنهم كانوا وماتوا، وهو بعيد.
وفي الرواية الثالثة فكل إخوته أعطيته كما أعطيت هذا؟ والضمير في أعطيته يجوز إفراده مراعاة للفظ كل وجمعه مراعاة لمعناه، ومثل ذلك ما جاء في الرواية الخامسة بلفظ أكلهم وهبت له مثل هذا؟ والولد بفتح الواو واللام، وكذا بضم الواو وسكون اللام يطلق على المفرد والجمع، ولذا جاء في الرواية الرابعة أفعلت هذا بولدك كلهم؟.

( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فارجعه) أي ارجع ما نحلته لابنك.
وفي الرواية الثانية فاردده وفي الرواية الثالثة فرده وفي الرواية الرابعة فرجع أبي فرد تلك الصدقة.

( عمرة بنت رواحة) بن ثعلبة الخزرجية، أخت عبد الله بن رواحة، الصحابي المشهور، ورواحة بفتح الراء.

( بعض الموهبة) قال النووي: كذا في بعض النسخ، وفي معظمها بعض الموهوبة وتقديرها بعض الأشياء الموهوبة.

( فالتوى بها سنة) أي فماطلها سنة، وعند ابن حبان حولين ويجمع بينهما بأن المدة كانت سنة وشيئًا، فجبر الكسر تارة، وألغى أخرى.

( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم) في رواية للبخاري فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم زاد في بعضها في العطية وفي رواية سووا بين أولادكم في العطية، كما تحبون أن يسووا بينكم في البر وسيأتي في فقه الحديث خلاف العلماء في المراد بالتسوية، وفي ملحق روايتنا التاسعة قاربوا بين أولادكم بالباء، وفي بعض النسخ قارنوا بالنون.

( فلا تشهدني إذًا، فإني لا أشهد على جور) وفي الرواية السابعة لا تشهدني على جور وفي الرواية الثامنة فأشهد على هذا غيري... فلا.
إذًا والتنوين في إذًا عوض عن جملة الشرط، أي إذا كنت يسرك أن يكونوا إليك في البر سواء فلا أشهد، وفي الرواية العاشرة فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حق والجور الميل عن الاستواء والاعتدال، وعن الطريق المستقيم، فإن كان شديدًا فهو الحرام، وإن كان قليلاً فهو المكروه.

فقه الحديث

لا خلاف بين العلماء في أن التسوية بين الأبناء والبنات، أي بين الأولاد مطلوبة شرعًا، ولكن الخلاف في: هل هي واجبة؟ فعدم التسوية حرام؟

وعلى القول بأنها واجبة، وعدمها حرام، هل تكون باطلة؟ أو ماضية نافذة مع الحرمة؟

وعلى القول بأنها مستحبة، هل يستحب التسوية بين الذكر والأنثى؟ أو للذكر مثل حظ الأنثيين؟

ولكل أدلته، ووجهة نظر في هذه الأحاديث وغيرها، نعرضها بالتفصيل الذي يسمح به المقام.

أولاً: القول بأن التسوية واجبة، وعدمها حرام، وهي باطلة قال به طاووس وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وعروة وأبو جريج والنخعي والشعبي وابن شبرمة وأحمد وإسحق وسائر الظاهرية.

واحتجوا على وجوب التسوية وحرمة التفضيل بظاهر عبارات هذه الأحاديث:

( أ) اتقوا الله واعدلوا في أولادكم روايتنا الرابعة.

( ب) لا أشهد على جور والجور الظلم، وهو حرام - روايتنا الخامسة والسادسة.

( ج) لا تشهدني على جور - روايتنا السابعة.

( د) لا أشهد إلا على حق روايتنا العاشرة.

( هـ) عند أحمد إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم والحق واجب.

( و) وعند أبي داود إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك.

( ز) وعند النسائي إلا سويت بينهم وعنده وعند ابن حبان سو بينهم.

فهذه الألفاظ وإن اختلفت ترجع إلى معنى واحد، وتفيد وجوب التسوية.

يضاف إلى ذلك أن التسوية مقدمة للواجب، وأن التفضيل مقدمة للمحرم، فهو مقدمة لقطع الرحم والعقوق، وما يؤدى إلى المحرم محرم، فالتفضيل محرم.

واحتجوا على بطلان التفضيل بالأمر بالرد، فارجعه روايتنا الأولى فاردده روايتنا الثانية فرده روايتنا الثالثة، فلولا فساد العقد ما أمر بالرد، وفي الرواية العاشرة فليس يصلح هذا أي فهو باطل.

ثانيًا: القول بأن التسوية واجبة، وعدمها حرام، ويجب عليه رد التفضيل، فإن لم يرد التفضيل صح ونفذ مع الحرمة، وهذا القول لبعض الفريق السابق، وهو المشهور عن أحمد، بل أصح شيء عنه، كما ذكره الخرقي عنه، إذ قال: وإذا فضل بعض ولده في العطية أمر برده، فإن مات ولم يرده فقد ثبت لمن وهب له، إذا كان ذلك في صحته.
اهـ وبه قال بعض المالكية، ويقولون: إن في قوله ارجعه دليل على الصحة، إذ لو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع.

ثالثًا: تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار، وهو قول أبي يوسف.

رابعًا: تجب التسوية ما لم يكن للتفضيل سبب، فإن كان للتفضيل سبب، كاحتياج الولد، لزمانته، أو دينه، أو نحو ذلك جاز.
وهذا القول رواية عن أحمد.

خامسًا: التسوية مستحبة، ويسوى بين الذكر والأنثى، وتفضيل بعض الأولاد على بعض مكروه، وليس بحرام، وهو قول جمهور الشافعية، وظاهر الأمر بالتسوية يشهد لهم.

سادسًا: التسوية مستحبة، ومعناها أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وأما التفضيل فقد كرهه الثوري وابن المبارك وأحمد، وكان إسحق يقول مثل هذا، ثم رجع إلى قول الشافعي: ترك التفضيل في عطية الأبناء فيه حسن الأدب، ويجوز له ذلك في الحكم.
اهـ.

وباستحباب التسوية قال الشافعية والحنفية والمالكية والجمهور، فإن فضل بعض أولاده صح وكره، واستحبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع.

وأما أن العدل في إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين فلأنه حظه من ذلك المال، لو أبقاه الواهب في يده حتى مات.

ويجيب الجمهور على أدلة الموجبين للتسوية.

بأن قوله لا أشهد على جور لا يلزم منه أن يكون حرامًا، بل لو كان حرامًا أو باطلاً ما قال في روايتنا الثامنة فأشهد على هذا غيري فإن قيل: قاله تهديدًا قلنا: الأصل في كلام الشرع الحقيقة، وليس التهديد، فقوله أشهد بفعل الأمر يعطي وجوب إشهاد الغير أو ندبه، أو على الأقل إباحته، فوجب، تأويل الجور على أنه مكروه كراهة تنزيه، فمعنى لا أشهد على جور لا أشهد على ميل الأب لبعض الأولاد، دون بعض.

وبأن امتناعه صلى الله عليه وسلم عن الشهادة كان توقيًا عن مثل ذلك لرفعة مقامه، أو لكونه الإمام، وكأنه قال: لا أشهد لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد، وإنما من شأنه أن يحكم.
حكاه الطحاوي، وارتضاه ابن القصار، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد، أن يمتنع من تحمل الشهادة، ولا من أدائها إذا تعينت عليه.

ويجيبون بأن مقدمة الحرام لا يلزم أن يكون حرامًا، ولا يلزم من وقوع التفاضل وقوع قطيعة الرحم، فقد يكون هذا التفاضل تافها في نظر الآخرين، أو معقول السبب فلا يحصل عقوق.

وحكى ابن عبد البر عن مالك أن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده، ولذلك منعه، فليس فيه حجة على منع التفضيل وتعقب بأن كثيرًا من طرق الحديث صرح بالبعضية، كروايتنا الرابعة، وفيها تصدق على أبي ببعض ماله والخامسة وفيها بعض الموهبة من ماله والثامنة وفيها من مالي ومنها يعلم على القطع أنه كان له مال غير هذه العطية.

وحكى الطحاوي أنما حدث كان من قبيل الاستشارة والنصيحة، فقد جاء بشير يستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشار عليه بأن لا تفعل.
لكن في أكثر طرق الحديث ما يعارضه.

وتمسك بعضهم بملحق روايتنا التاسعة، ولفظها فقاربوا بين أولادكم وقال: إنه المحفوظ، فالمطلوب من التسوية المقاربة ولا يخفى بعده.

وقال بعضهم: إن التشبيه الواقع في التسوية بين الأولاد بالتسوية منهم في بر الوالدين قرينة على أن المراد بالأمر بالتسوية الندب.

كما استدل الجمهور بظاهر حديث أنت ومالك لأبيك لأنه إذا كان المال للأب، ووهب منه شيئًا لولده كان كأنه قد وهب مال نفسه لنفسه، قال المحققون: والحديث صحيح، رواه ابن ماجه في سننه بسند قال ابن القطان: صحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات، ورواه أيضًا ابن حبان في صحيحه، والطبراني في معجمه.

كما استدلوا بعمل الخليفتين أبي بكر وعمر، بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الموطأ بإسناد صحيح عن عائشة أن أبا بكر قال لها في مرض موته: إني كنت نحلتك نحلاً، فلو كنت اخترتيه لكان لك، وإنما هو اليوم للوارث.

وذكر الطحاوي وغيره أن عمر بن الخطاب نحل ابنه عاصمًا، دون سائر ولده.

وأقوى ما استدل به الجمهور أن الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ما له لغير ولده، فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله - وفي ذلك احتمال عقوق من جميعهم - جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم.
فإن قيل: هذا قياس مع وجود النص؟ أجيب بأنه يمتنع القياس مع وجود النص إذا ترك النص على الإطلاق، أما إذا عمل بالنص على وجه من الوجوه - كما ذكرنا - فلا يمتنع.
والله أعلم.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- استدل به على أن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه، وعند أكثر الفقهاء أن الأم كذلك، وقال المالكية: للأم أن ترجع إن كان الأب حيًا، دون ما إذا مات، وقيدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث دينًا، أو ينكح، وبذلك قال إسحاق، وقال الشافعي: للأب الرجوع مطلقًا، وقال أحمد: لا يحل لواهب أن يرجع في هبته مطلقًا، وقال الكوفيون: إن كان الموهوب له صغيرًا لم يكن للأب الرجوع، وكذا إن كان كبيرًا، وقبضها، قالوا: وإن كانت الهبة لزوج من زوجته، أو بالعكس، أو لذي رحم، لم يجز الرجوع في شيء من ذلك، ووافقهم إسحق في ذي الرحم، وقال للزوجة أن ترجع، بخلاف الزوج.
قال الحافظ ابن حجر: والاحتجاج لكل واحد من ذلك يطول، وحجة الجمهور في استثناء الأب أن الولد وماله لأبيه، فليس في الحقيقة رجوعًا، وعلى تقدير كونه رجوعًا فربما اقتضته مصلحة التأديب، ونحو ذلك.

2- وفي الحديث الندب إلى التآلف بين الإخوة، وترك ما يوقع بينهم الشحناء، أو يورث العقوق للآباء.

3- وأن عطية الأب لابنه الصغير، في حجره، لا تحتاج إلى قبض.

4- وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض، وقيل: إن كانت الهبة ذهبًا أو فضة فلا بد من عزلها.

5- وفيه كراهة الشهادة فيما ليس بمباح.

6- وأن الإشهاد في الهبة مشروع، وليس بواجب.

7- وفيه جواز الميل إلى بعض الأولاد والزوجات، دون بعض، وإن وجبت التسوية بينهم في غير ذلك.

8- وأن للإمام الأعظم أن يتحمل الشهادة، وتظهر فائدتها، إما ليحكم في ذلك بعلم عند من يجيزه، أو يؤديها عند بعض نوابه.

9- وفيه مشروعية استفصال الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال، لقوله ألك ولد غيره؟ فلما قال: نعم.
قال: أفكلهم أعطيت مثله؟ فلما قال: لا.
قال: لا أشهد فيفهم منه أنه لو قال نعم لشهد.

10- وفيه جواز تسمية الهبة صدقة.

11- وأن للإمام كلامًا في مصلحة الولد.

12- والمبادرة إلى قبول الحق.

13- وأمر الحاكم والمفتي بتقوى الله في كل حال.

14- وفيه إشارة إلى سوء عاقبة الحرص والتنطع، لأن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولده لما رجع فيه، فلما اشتد حرصها في تثبيت ذلك أفضى إلى رده.

15- قال المهلب: وفيه أن للإمام أن يرد الهبة والوصية ممن يعرف منه هروبًا عن بعض الورثة.
اهـ وهو بذلك يلحق الورثة بالأبناء، وفيه نظر، فالفرع الملحق ليس في درجة الأصل.

16- انتزع منه بعضهم حل أكل الرجل من مال ابنه بالمعروف، لأنه إذا جاز للوالد انتزاع ملك ولده، الثابت بالهبة، لغير حاجة، فلأن يجوز عند الحاجة أولى، وفيه نظر، فأصل المال الموهوب من الأب، وليس كذلك الأكل من مال الابن الخاص.

واللَّه أعلم