3097 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : - وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ - إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ ، وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ، إِذَا صَلَحَتْ ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ . وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، قَالَا : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ ، وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، وَأَبِي فَرْوَةَ الْهَمْدَانِيِّ ، ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ ، كُلُّهُمْ عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ زَكَرِيَّاءَ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْثَرُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ نُعْمَانَ بْنَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِحِمْصَ ، وَهُوَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الْحَلَالُ بَيِّنٌ ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ زَكَرِيَّاءَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، إِلَى قَوْلِهِ : يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ |
Nu'man b. Bashir (Allah be pleased with him) reported:
I heard Allah's Messenger (may peace be upon himn) as having said this (and Nu'man) pointed towards his ears with his fingers): What is lawful is evident and what is unlawful is evident, and in between them are the things doubtful which many people do not know. So he who guards against doubtful things keeps his religion and honour blameless, and he who indulges in doubtful things indulges in fact in unlawful things, just as a shepherd who pastures his animals round a preserve will soon pasture them in it. Beware, every king has a preserve, and the things God his declaced unlawful are His preserves. Beware, in the body there is a piece of flesh; if it is sound, the whole body is sound and if it is corrupt the whole body is corrupt, and hearken it is the heart.
شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث
[1599] .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى آخِرِهِ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عِظَمِ وَقْعِ هَذَا الْحَدِيثِ وَكَثْرَةِ فَوَائِدِهِ وَأَنَّهُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ قَالَ جَمَاعَةٌ هُوَ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ يَدُورُ عَلَيْهِ وَعَلَى حَدِيثِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَحَدِيثِ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المرء تركه مالا يَعْنِيهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّخْتِيَانِيُّ يَدُورُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَحَدِيثِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَقِيلَ حَدِيثُ ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللَّهُ وازهد مافي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ عِظَمِ مَوْقِعِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ فِيهِ عَلَى إِصْلَاحِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَغَيْرِهَا وَأَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْكُ الْمُشْتَبِهَاتِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِحِمَايَةِ دِينِهِ وَعِرْضِهِ وَحَذَّرَ مِنْ مُوَاقَعَةِ الشُّبُهَاتِ وَأَوْضَحَ ذَلِكَ بِضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْحِمَى ثُمَّ بَيَّنَ أَهَمَّ الْأُمُورِ وَهُوَ مُرَاعَاةُ الْقَلْبِ فَقَالَ صَلَّى الله عليه وسلم ألا وإن في الجسد مُضْغَةً إِلَى آخِرِهِ فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد وبفساده يفسد باقيه وأما .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ حَلَالٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا يَخْفَى حِلُّهُ كَالْخُبْزِ وَالْفَوَاكِهِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ وَلَبَنِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَبَيْضِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَطْعُومَاتِ وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ وَالنَّظَرُ وَالْمَشْيُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا حَلَالٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِي حِلِّهِ.
.
وَأَمَّا الْحَرَامُ الْبَيِّنُ فَكَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْبَوْلِ والدم المسفوح وكذلك الزنى وَالْكَذِبُ وَالْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالنَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.
.
وَأَمَّا الْمُشْتَبِهَاتُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاضِحَةِ الْحِلِّ وَلَا الْحُرْمَةِ فَلِهَذَا لَا يَعْرِفُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَعْلَمُونَ حُكْمَهَا.
.
وَأَمَّا الْعُلَمَاءُفَيَعْرِفُونَ حُكْمَهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِصْحَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْءُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشرعي فإذا الحقه به صار حلالا وقد يكون دليله غَيْرَ خَالٍ عَنِ الِاحْتِمَالِ الْبَيِّنِ فَيَكُونُ الْوَرَعُ تَرْكَهُ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُشْتَبَهٌ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا إِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهَا التَّحْرِيمُ وَالثَّالِثُ الْإِبَاحَةُ وَالرَّابِعُ التَّوَقُّفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) أَيْ حَصَلَ لَهُ الْبَرَاءَةُ لِدِينِهِ مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَصَانَ عِرْضَهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنْ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلُوكَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ حِمًى يَحْمِيهِ عَنِ النَّاسِ وَيَمْنَعُهُمْ دُخُولَهُ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْقَعَ بِهِ الْعُقُوبَةَ وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا حِمًى وَهِيَ مَحَارِمُهُ أَيْ الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا حِمَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَمَنْ قَارَبَهُ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لم يقاربه ولا يتعلق بشئ يقربه من المعصية فلا يدخل في شئ مِنَ الشُّبُهَاتِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يقال صلح الشئوَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ وَضَمِّهِمَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُضْغَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغُ فِي الْفَمِ لِصِغَرِهَا قَالُوا الْمُرَادُ تَصْغِيرُ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَدِ مَعَ أَنَّ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ مشهور مذهب أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الدِّمَاغِ وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّأْسِ وَحَكَوُا الْأَوَّلَ أَيْضًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ وَالثَّانِي عَنِ الْأَطِبَّاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كان له قلب وَبِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ مَعَ أَنَّ الدِّمَاغَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ فَيَكُونُ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَيَكُونُ مِنْ فَسَادِ الدِّمَاغِ الصَّرَعُ فِي زَعْمِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ عِنْدَ فَسَادِ الدِّمَاغِ مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِيهِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْنَ الدِّمَاغِ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة وَالدِّمَاغِ اشْتِرَاكًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُصِحُّونَ سَمَاعَ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تَعَاطِيهِ الشُّبُهَاتِ يُصَادِفُ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَقَدْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِيرٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعْتَادُ التَّسَاهُلَ وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ ثُمَّ شُبْهَةٍ أَغْلَظَ مِنْهَا ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظَ وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَمْدًا وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ السَّلَفِ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ أَيْ تَسُوقُ إِلَيْهِ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرِّ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ) يُقَالُ أَوْشَكَ يُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَيْيُسْرِعُ وَيَقْرَبُ .
قَوْلُهُ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْبَرُ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب بَيْعِ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهِ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ احتج بِهِ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَيَشْتَرِطُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ رُكُوبَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ الرُّكُوبِ قَرِيبَةً وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عين تتطرق إليهااحتمالات قَالُوا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ)فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الشَّرْطُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَعَلَّ الشَّرْطَ كَانَ سَابِقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ ثُمَّ تَبَرَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْكَابِهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِوُقِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ سَبَقَتْ مِرَارًا وَيُقَالُ أُوقِيَّةٌ وَهِيَ أَشْهَرُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِ السِّلْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْهَا لِلْبَيْعِ .
قَوْلُهُ (وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ أَيِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (أتراني ما كستك) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُمَاكَسَةُ هِيَ الْمُكَالَمَةُ فِي النَّقْصِ مِنَ الثَّمَنِ وَأَصْلُهَا النَّقْصُ وَمِنْهُ مَكْسُ الظَّالِمِ وَهُوَ مَا يَنْتَقِصُهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ .
قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ أَوَاقٍ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وَفِي بَعْضِهَا بِأُوقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أو درهمين وفي بعضها بأوقية ذهب وَفِي بَعْضِهَا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ وَزَادَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي رِوَايَةٍ أَحْسِبُهُ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوُقِيَّةٍ أَكْثَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ قَدْرُهَا مَعْلُومٌ وَأُوقِيَّةُ الْفِضَّةِأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَالَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ رَوَوْا بِالْمَعْنَى وَهُوَ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ وُقِيَّةُ ذَهَبٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أُوقِيَّةً مُطْلَقَةً.
.
وَأَمَّا مَنْ رَوَى خَمْسَ أَوَاقٍ فَالْمُرَادُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَهِيَ بِقَدْرِ قِيمَةِ أُوقِيَّةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْإِخْبَارُ بِأُوقِيَّةِ الذَّهَبِ عَمَّا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وعَنْ أَوَاقِ الْفِضَّةِ عَمَّا حَصَلَ بِهِ الْإِيْفَاءُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ زِيَادَةً عَلَى الْأُوقِيَّةِ كَمَا قَالَ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ حِينَئِذٍ وَزْنَ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أُوقِيَّتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا وَقَعَ بِهَا الْبَيْعُ وَالْأُخْرَى زِيَادَةٌ كَمَا قَالَ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وقوله ودرهم أَوْ دِرْهَمَيْنِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ وَزَادَنِي قِيرَاطًا.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَمَحْمُولَةٌ عَلَى دَنَانِيرَ صِغَارٍ كَانَتْ لَهُمْ وَرِوَايَةُ أَرْبَعُ أَوَاقٍ شَكَّ فِيهَا الرَّاوِي فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ (عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ) هُوَ بِفَاءٍ مفتوحة ثم قاف وهي خرازاته أَيْ مَفَاصِلُ عِظَامِهِ وَاحِدَتُهَا فَقَارَةٌ .
قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ) هَكَذَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ عَرُوسٌ كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَفْظُهَا وَاحِدٌ لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَمْعِ فَيُقَالُ رَجُلٌ عَرُوسٌ وَرِجَالٌ عُرُسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَامْرَأَةٌ عَرُوسٌ وَنِسْوَةٌ عَرَائِسُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَضَبْطُ لَفْظِهِ وَالْخِلَافُ فِي مَعْنَاهُ مَعَ شَرْحِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ .
قَوْلُهُ (فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ بِالْمُعَاطَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ فِيهِ عَنِ الْمُعَاطَاةِ وَالْقَائِلُ بِالْمُعَاطَاةِ يُجَوِّزُ هَذَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا حَضَرَ الْعِوَضَانِ فَأَعْطَى وَأَخَذَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْعِوَضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ مَعَ قَوْلِ جَابِرٍ هُوَ لَكَ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ كِنَايَةٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ (أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ) فِيهِ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِرْجَاحِ الْوَزْنِ .
قَوْلُهُ (فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ) يَعْنِي حَرَّةَ الْمَدِينَةِ كَانَ قِتَالٌ وَنَهْبٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ هُنَاكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ.
قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَبِعْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ بِعْتُهُ وَبِعْتُ مِنْهُ وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُ نَظَائِرِهِ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ .
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ) هُوَ مُكْرَمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ.
.
وَأَمَّا الْعَمِّيُّ فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْعَمِّ مِنْ تَمِيمٍ .
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ) هُوَ بِالنُّونِ والجيممَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هُمْ أَوْلَادُ نَاجِيَةَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَحْتَ أُسَامَةَ بن لؤي قوله (فلما قدم صرار) هُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ واشهر ولم يذكر الا كثرون غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وغيرهما وعند أكثر شيوخنا صرار بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ بِئْرٌ قَدِيمَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا بِئْرٌ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الرواة في مسلم وبعضهم في البخاري ضرار بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارَ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَالْمَشْهُورُ صَرْفُهُ .
قَوْلُهُ (أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَقَرِ الذَّبْحُ لَا النَّحْرُ وَلَوْ عُكِسَ جَازَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ فَالْمُرَادُ بِالنَّحْرِ الذَّبْحُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ .
قَوْلُهُ (أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ نَافِلَةَ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْبِعَاثِ جَمَلِ جَابِرٍ وَإِسْرَاعِهِ بَعْدَ إِعْيَائِهِ الثَّانِيَةُ جَوَازُ طَلَبِ الْبَيْعِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِضْ سِلْعَتَهُ لِلْبَيْعِ الثَّالِثَةُ جَوَازُ الْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا الرَّابِعَةُ اسْتِحْبَابُ سُؤَالِ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالْإِشَارَةِ عَلَيْهِمْ بِمَصَالِحِهِمْ الْخَامِسَةُ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الْبِكْرِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَيْنِ السَّابِعَةُفَيَعْرِفُونَ حُكْمَهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِصْحَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْءُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشرعي فإذا الحقه به صار حلالا وقد يكون دليله غَيْرَ خَالٍ عَنِ الِاحْتِمَالِ الْبَيِّنِ فَيَكُونُ الْوَرَعُ تَرْكَهُ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُشْتَبَهٌ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا إِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهَا التَّحْرِيمُ وَالثَّالِثُ الْإِبَاحَةُ وَالرَّابِعُ التَّوَقُّفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) أَيْ حَصَلَ لَهُ الْبَرَاءَةُ لِدِينِهِ مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَصَانَ عِرْضَهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنْ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلُوكَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ حِمًى يَحْمِيهِ عَنِ النَّاسِ وَيَمْنَعُهُمْ دُخُولَهُ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْقَعَ بِهِ الْعُقُوبَةَ وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا حِمًى وَهِيَ مَحَارِمُهُ أَيْ الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا حِمَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَمَنْ قَارَبَهُ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لم يقاربه ولا يتعلق بشئ يقربه من المعصية فلا يدخل في شئ مِنَ الشُّبُهَاتِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يقال صلح الشئوَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ وَضَمِّهِمَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُضْغَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغُ فِي الْفَمِ لِصِغَرِهَا قَالُوا الْمُرَادُ تَصْغِيرُ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَدِ مَعَ أَنَّ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ مشهور مذهب أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الدِّمَاغِ وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّأْسِ وَحَكَوُا الْأَوَّلَ أَيْضًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ وَالثَّانِي عَنِ الْأَطِبَّاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كان له قلب وَبِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ مَعَ أَنَّ الدِّمَاغَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ فَيَكُونُ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَيَكُونُ مِنْ فَسَادِ الدِّمَاغِ الصَّرَعُ فِي زَعْمِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ عِنْدَ فَسَادِ الدِّمَاغِ مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِيهِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْنَ الدِّمَاغِ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة وَالدِّمَاغِ اشْتِرَاكًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُصِحُّونَ سَمَاعَ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تَعَاطِيهِ الشُّبُهَاتِ يُصَادِفُ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَقَدْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِيرٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعْتَادُ التَّسَاهُلَ وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ ثُمَّ شُبْهَةٍ أَغْلَظَ مِنْهَا ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظَ وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَمْدًا وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ السَّلَفِ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ أَيْ تَسُوقُ إِلَيْهِ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرِّ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ) يُقَالُ أَوْشَكَ يُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَيْيُسْرِعُ وَيَقْرَبُ .
قَوْلُهُ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْبَرُ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب بَيْعِ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهِ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ احتج بِهِ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَيَشْتَرِطُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ رُكُوبَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ الرُّكُوبِ قَرِيبَةً وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عين تتطرق إليهااحتمالات قَالُوا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ)فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الشَّرْطُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَعَلَّ الشَّرْطَ كَانَ سَابِقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ ثُمَّ تَبَرَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْكَابِهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِوُقِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ سَبَقَتْ مِرَارًا وَيُقَالُ أُوقِيَّةٌ وَهِيَ أَشْهَرُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِ السِّلْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْهَا لِلْبَيْعِ .
قَوْلُهُ (وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ أَيِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (أتراني ما كستك) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُمَاكَسَةُ هِيَ الْمُكَالَمَةُ فِي النَّقْصِ مِنَ الثَّمَنِ وَأَصْلُهَا النَّقْصُ وَمِنْهُ مَكْسُ الظَّالِمِ وَهُوَ مَا يَنْتَقِصُهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ .
قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ أَوَاقٍ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وَفِي بَعْضِهَا بِأُوقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أو درهمين وفي بعضها بأوقية ذهب وَفِي بَعْضِهَا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ وَزَادَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي رِوَايَةٍ أَحْسِبُهُ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوُقِيَّةٍ أَكْثَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ قَدْرُهَا مَعْلُومٌ وَأُوقِيَّةُ الْفِضَّةِأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَالَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ رَوَوْا بِالْمَعْنَى وَهُوَ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ وُقِيَّةُ ذَهَبٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أُوقِيَّةً مُطْلَقَةً.
.
وَأَمَّا مَنْ رَوَى خَمْسَ أَوَاقٍ فَالْمُرَادُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَهِيَ بِقَدْرِ قِيمَةِ أُوقِيَّةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْإِخْبَارُ بِأُوقِيَّةِ الذَّهَبِ عَمَّا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وعَنْ أَوَاقِ الْفِضَّةِ عَمَّا حَصَلَ بِهِ الْإِيْفَاءُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ زِيَادَةً عَلَى الْأُوقِيَّةِ كَمَا قَالَ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ حِينَئِذٍ وَزْنَ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أُوقِيَّتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا وَقَعَ بِهَا الْبَيْعُ وَالْأُخْرَى زِيَادَةٌ كَمَا قَالَ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وقوله ودرهم أَوْ دِرْهَمَيْنِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ وَزَادَنِي قِيرَاطًا.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَمَحْمُولَةٌ عَلَى دَنَانِيرَ صِغَارٍ كَانَتْ لَهُمْ وَرِوَايَةُ أَرْبَعُ أَوَاقٍ شَكَّ فِيهَا الرَّاوِي فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ (عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ) هُوَ بِفَاءٍ مفتوحة ثم قاف وهي خرازاته أَيْ مَفَاصِلُ عِظَامِهِ وَاحِدَتُهَا فَقَارَةٌ .
قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ) هَكَذَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ عَرُوسٌ كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَفْظُهَا وَاحِدٌ لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَمْعِ فَيُقَالُ رَجُلٌ عَرُوسٌ وَرِجَالٌ عُرُسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَامْرَأَةٌ عَرُوسٌ وَنِسْوَةٌ عَرَائِسُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَضَبْطُ لَفْظِهِ وَالْخِلَافُ فِي مَعْنَاهُ مَعَ شَرْحِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ .
قَوْلُهُ (فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ بِالْمُعَاطَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ فِيهِ عَنِ الْمُعَاطَاةِ وَالْقَائِلُ بِالْمُعَاطَاةِ يُجَوِّزُ هَذَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا حَضَرَ الْعِوَضَانِ فَأَعْطَى وَأَخَذَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْعِوَضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ مَعَ قَوْلِ جَابِرٍ هُوَ لَكَ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ كِنَايَةٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ (أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ) فِيهِ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِرْجَاحِ الْوَزْنِ .
قَوْلُهُ (فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ) يَعْنِي حَرَّةَ الْمَدِينَةِ كَانَ قِتَالٌ وَنَهْبٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ هُنَاكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ.
قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَبِعْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ بِعْتُهُ وَبِعْتُ مِنْهُ وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُ نَظَائِرِهِ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ .
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ) هُوَ مُكْرَمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ.
.
وَأَمَّا الْعَمِّيُّ فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْعَمِّ مِنْ تَمِيمٍ .
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ) هُوَ بِالنُّونِ والجيممَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هُمْ أَوْلَادُ نَاجِيَةَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَحْتَ أُسَامَةَ بن لؤي قوله (فلما قدم صرار) هُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ واشهر ولم يذكر الا كثرون غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وغيرهما وعند أكثر شيوخنا صرار بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ بِئْرٌ قَدِيمَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا بِئْرٌ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الرواة في مسلم وبعضهم في البخاري ضرار بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارَ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَالْمَشْهُورُ صَرْفُهُ .
قَوْلُهُ (أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَقَرِ الذَّبْحُ لَا النَّحْرُ وَلَوْ عُكِسَ جَازَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ فَالْمُرَادُ بِالنَّحْرِ الذَّبْحُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ .
قَوْلُهُ (أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ نَافِلَةَ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْبِعَاثِ جَمَلِ جَابِرٍ وَإِسْرَاعِهِ بَعْدَ إِعْيَائِهِ الثَّانِيَةُ جَوَازُ طَلَبِ الْبَيْعِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِضْ سِلْعَتَهُ لِلْبَيْعِ الثَّالِثَةُ جَوَازُ الْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا الرَّابِعَةُ اسْتِحْبَابُ سُؤَالِ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالْإِشَارَةِ عَلَيْهِمْ بِمَصَالِحِهِمْ الْخَامِسَةُ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الْبِكْرِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَيْنِ السَّابِعَةُفَيَعْرِفُونَ حُكْمَهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِصْحَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْءُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشرعي فإذا الحقه به صار حلالا وقد يكون دليله غَيْرَ خَالٍ عَنِ الِاحْتِمَالِ الْبَيِّنِ فَيَكُونُ الْوَرَعُ تَرْكَهُ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُشْتَبَهٌ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا إِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهَا التَّحْرِيمُ وَالثَّالِثُ الْإِبَاحَةُ وَالرَّابِعُ التَّوَقُّفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) أَيْ حَصَلَ لَهُ الْبَرَاءَةُ لِدِينِهِ مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَصَانَ عِرْضَهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنْ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلُوكَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ حِمًى يَحْمِيهِ عَنِ النَّاسِ وَيَمْنَعُهُمْ دُخُولَهُ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْقَعَ بِهِ الْعُقُوبَةَ وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا حِمًى وَهِيَ مَحَارِمُهُ أَيْ الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا حِمَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَمَنْ قَارَبَهُ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لم يقاربه ولا يتعلق بشئ يقربه من المعصية فلا يدخل في شئ مِنَ الشُّبُهَاتِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يقال صلح الشئوَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ وَضَمِّهِمَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُضْغَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغُ فِي الْفَمِ لِصِغَرِهَا قَالُوا الْمُرَادُ تَصْغِيرُ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَدِ مَعَ أَنَّ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ مشهور مذهب أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الدِّمَاغِ وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّأْسِ وَحَكَوُا الْأَوَّلَ أَيْضًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ وَالثَّانِي عَنِ الْأَطِبَّاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كان له قلب وَبِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ مَعَ أَنَّ الدِّمَاغَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ فَيَكُونُ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَيَكُونُ مِنْ فَسَادِ الدِّمَاغِ الصَّرَعُ فِي زَعْمِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ عِنْدَ فَسَادِ الدِّمَاغِ مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِيهِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْنَ الدِّمَاغِ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة وَالدِّمَاغِ اشْتِرَاكًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُصِحُّونَ سَمَاعَ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تَعَاطِيهِ الشُّبُهَاتِ يُصَادِفُ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَقَدْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِيرٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعْتَادُ التَّسَاهُلَ وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ ثُمَّ شُبْهَةٍ أَغْلَظَ مِنْهَا ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظَ وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَمْدًا وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ السَّلَفِ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ أَيْ تَسُوقُ إِلَيْهِ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرِّ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ) يُقَالُ أَوْشَكَ يُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَيْيُسْرِعُ وَيَقْرَبُ .
قَوْلُهُ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْبَرُ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب بَيْعِ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهِ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ احتج بِهِ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَيَشْتَرِطُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ رُكُوبَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ الرُّكُوبِ قَرِيبَةً وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عين تتطرق إليهااحتمالات قَالُوا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ)فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الشَّرْطُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَعَلَّ الشَّرْطَ كَانَ سَابِقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ ثُمَّ تَبَرَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْكَابِهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِوُقِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ سَبَقَتْ مِرَارًا وَيُقَالُ أُوقِيَّةٌ وَهِيَ أَشْهَرُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِ السِّلْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْهَا لِلْبَيْعِ .
قَوْلُهُ (وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ أَيِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (أتراني ما كستك) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُمَاكَسَةُ هِيَ الْمُكَالَمَةُ فِي النَّقْصِ مِنَ الثَّمَنِ وَأَصْلُهَا النَّقْصُ وَمِنْهُ مَكْسُ الظَّالِمِ وَهُوَ مَا يَنْتَقِصُهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ .
قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ أَوَاقٍ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وَفِي بَعْضِهَا بِأُوقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أو درهمين وفي بعضها بأوقية ذهب وَفِي بَعْضِهَا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ وَزَادَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي رِوَايَةٍ أَحْسِبُهُ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوُقِيَّةٍ أَكْثَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ قَدْرُهَا مَعْلُومٌ وَأُوقِيَّةُ الْفِضَّةِأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَالَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ رَوَوْا بِالْمَعْنَى وَهُوَ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ وُقِيَّةُ ذَهَبٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أُوقِيَّةً مُطْلَقَةً.
.
وَأَمَّا مَنْ رَوَى خَمْسَ أَوَاقٍ فَالْمُرَادُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَهِيَ بِقَدْرِ قِيمَةِ أُوقِيَّةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْإِخْبَارُ بِأُوقِيَّةِ الذَّهَبِ عَمَّا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وعَنْ أَوَاقِ الْفِضَّةِ عَمَّا حَصَلَ بِهِ الْإِيْفَاءُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ زِيَادَةً عَلَى الْأُوقِيَّةِ كَمَا قَالَ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ حِينَئِذٍ وَزْنَ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أُوقِيَّتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا وَقَعَ بِهَا الْبَيْعُ وَالْأُخْرَى زِيَادَةٌ كَمَا قَالَ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وقوله ودرهم أَوْ دِرْهَمَيْنِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ وَزَادَنِي قِيرَاطًا.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَمَحْمُولَةٌ عَلَى دَنَانِيرَ صِغَارٍ كَانَتْ لَهُمْ وَرِوَايَةُ أَرْبَعُ أَوَاقٍ شَكَّ فِيهَا الرَّاوِي فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ (عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ) هُوَ بِفَاءٍ مفتوحة ثم قاف وهي خرازاته أَيْ مَفَاصِلُ عِظَامِهِ وَاحِدَتُهَا فَقَارَةٌ .
قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ) هَكَذَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ عَرُوسٌ كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَفْظُهَا وَاحِدٌ لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَمْعِ فَيُقَالُ رَجُلٌ عَرُوسٌ وَرِجَالٌ عُرُسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَامْرَأَةٌ عَرُوسٌ وَنِسْوَةٌ عَرَائِسُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَضَبْطُ لَفْظِهِ وَالْخِلَافُ فِي مَعْنَاهُ مَعَ شَرْحِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ .
قَوْلُهُ (فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ بِالْمُعَاطَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ فِيهِ عَنِ الْمُعَاطَاةِ وَالْقَائِلُ بِالْمُعَاطَاةِ يُجَوِّزُ هَذَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا حَضَرَ الْعِوَضَانِ فَأَعْطَى وَأَخَذَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْعِوَضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ مَعَ قَوْلِ جَابِرٍ هُوَ لَكَ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ كِنَايَةٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ (أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ) فِيهِ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِرْجَاحِ الْوَزْنِ .
قَوْلُهُ (فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ) يَعْنِي حَرَّةَ الْمَدِينَةِ كَانَ قِتَالٌ وَنَهْبٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ هُنَاكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ.
قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَبِعْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ بِعْتُهُ وَبِعْتُ مِنْهُ وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُ نَظَائِرِهِ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ .
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ) هُوَ مُكْرَمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ.
.
وَأَمَّا الْعَمِّيُّ فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْعَمِّ مِنْ تَمِيمٍ .
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ) هُوَ بِالنُّونِ والجيممَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هُمْ أَوْلَادُ نَاجِيَةَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَحْتَ أُسَامَةَ بن لؤي قوله (فلما قدم صرار) هُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ واشهر ولم يذكر الا كثرون غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وغيرهما وعند أكثر شيوخنا صرار بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ بِئْرٌ قَدِيمَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا بِئْرٌ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الرواة في مسلم وبعضهم في البخاري ضرار بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارَ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَالْمَشْهُورُ صَرْفُهُ .
قَوْلُهُ (أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَقَرِ الذَّبْحُ لَا النَّحْرُ وَلَوْ عُكِسَ جَازَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ فَالْمُرَادُ بِالنَّحْرِ الذَّبْحُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ .
قَوْلُهُ (أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ نَافِلَةَ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْبِعَاثِ جَمَلِ جَابِرٍ وَإِسْرَاعِهِ بَعْدَ إِعْيَائِهِ الثَّانِيَةُ جَوَازُ طَلَبِ الْبَيْعِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِضْ سِلْعَتَهُ لِلْبَيْعِ الثَّالِثَةُ جَوَازُ الْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا الرَّابِعَةُ اسْتِحْبَابُ سُؤَالِ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالْإِشَارَةِ عَلَيْهِمْ بِمَصَالِحِهِمْ الْخَامِسَةُ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الْبِكْرِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَيْنِ السَّابِعَةُفَيَعْرِفُونَ حُكْمَهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِصْحَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْءُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشرعي فإذا الحقه به صار حلالا وقد يكون دليله غَيْرَ خَالٍ عَنِ الِاحْتِمَالِ الْبَيِّنِ فَيَكُونُ الْوَرَعُ تَرْكَهُ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُشْتَبَهٌ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا إِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهَا التَّحْرِيمُ وَالثَّالِثُ الْإِبَاحَةُ وَالرَّابِعُ التَّوَقُّفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) أَيْ حَصَلَ لَهُ الْبَرَاءَةُ لِدِينِهِ مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَصَانَ عِرْضَهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنْ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلُوكَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ حِمًى يَحْمِيهِ عَنِ النَّاسِ وَيَمْنَعُهُمْ دُخُولَهُ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْقَعَ بِهِ الْعُقُوبَةَ وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا حِمًى وَهِيَ مَحَارِمُهُ أَيْ الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا حِمَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَمَنْ قَارَبَهُ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لم يقاربه ولا يتعلق بشئ يقربه من المعصية فلا يدخل في شئ مِنَ الشُّبُهَاتِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يقال صلح الشئوَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ وَضَمِّهِمَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُضْغَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغُ فِي الْفَمِ لِصِغَرِهَا قَالُوا الْمُرَادُ تَصْغِيرُ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَدِ مَعَ أَنَّ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ مشهور مذهب أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الدِّمَاغِ وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّأْسِ وَحَكَوُا الْأَوَّلَ أَيْضًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ وَالثَّانِي عَنِ الْأَطِبَّاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كان له قلب وَبِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ مَعَ أَنَّ الدِّمَاغَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ فَيَكُونُ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَيَكُونُ مِنْ فَسَادِ الدِّمَاغِ الصَّرَعُ فِي زَعْمِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ عِنْدَ فَسَادِ الدِّمَاغِ مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِيهِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْنَ الدِّمَاغِ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة وَالدِّمَاغِ اشْتِرَاكًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُصِحُّونَ سَمَاعَ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تَعَاطِيهِ الشُّبُهَاتِ يُصَادِفُ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَقَدْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِيرٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعْتَادُ التَّسَاهُلَ وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ ثُمَّ شُبْهَةٍ أَغْلَظَ مِنْهَا ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظَ وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَمْدًا وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ السَّلَفِ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ أَيْ تَسُوقُ إِلَيْهِ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرِّ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ) يُقَالُ أَوْشَكَ يُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَيْيُسْرِعُ وَيَقْرَبُ .
قَوْلُهُ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْبَرُ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب بَيْعِ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهِ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ احتج بِهِ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَيَشْتَرِطُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ رُكُوبَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ الرُّكُوبِ قَرِيبَةً وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عين تتطرق إليهااحتمالات قَالُوا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ)فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الشَّرْطُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَعَلَّ الشَّرْطَ كَانَ سَابِقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ ثُمَّ تَبَرَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْكَابِهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِوُقِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ سَبَقَتْ مِرَارًا وَيُقَالُ أُوقِيَّةٌ وَهِيَ أَشْهَرُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِ السِّلْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْهَا لِلْبَيْعِ .
قَوْلُهُ (وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ أَيِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (أتراني ما كستك) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُمَاكَسَةُ هِيَ الْمُكَالَمَةُ فِي النَّقْصِ مِنَ الثَّمَنِ وَأَصْلُهَا النَّقْصُ وَمِنْهُ مَكْسُ الظَّالِمِ وَهُوَ مَا يَنْتَقِصُهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ .
قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ أَوَاقٍ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وَفِي بَعْضِهَا بِأُوقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أو درهمين وفي بعضها بأوقية ذهب وَفِي بَعْضِهَا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ وَزَادَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي رِوَايَةٍ أَحْسِبُهُ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوُقِيَّةٍ أَكْثَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ قَدْرُهَا مَعْلُومٌ وَأُوقِيَّةُ الْفِضَّةِأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَالَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ رَوَوْا بِالْمَعْنَى وَهُوَ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ وُقِيَّةُ ذَهَبٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أُوقِيَّةً مُطْلَقَةً.
.
وَأَمَّا مَنْ رَوَى خَمْسَ أَوَاقٍ فَالْمُرَادُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَهِيَ بِقَدْرِ قِيمَةِ أُوقِيَّةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْإِخْبَارُ بِأُوقِيَّةِ الذَّهَبِ عَمَّا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وعَنْ أَوَاقِ الْفِضَّةِ عَمَّا حَصَلَ بِهِ الْإِيْفَاءُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ زِيَادَةً عَلَى الْأُوقِيَّةِ كَمَا قَالَ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ حِينَئِذٍ وَزْنَ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أُوقِيَّتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا وَقَعَ بِهَا الْبَيْعُ وَالْأُخْرَى زِيَادَةٌ كَمَا قَالَ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وقوله ودرهم أَوْ دِرْهَمَيْنِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ وَزَادَنِي قِيرَاطًا.
.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَمَحْمُولَةٌ عَلَى دَنَانِيرَ صِغَارٍ كَانَتْ لَهُمْ وَرِوَايَةُ أَرْبَعُ أَوَاقٍ شَكَّ فِيهَا الرَّاوِي فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ (عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ) هُوَ بِفَاءٍ مفتوحة ثم قاف وهي خرازاته أَيْ مَفَاصِلُ عِظَامِهِ وَاحِدَتُهَا فَقَارَةٌ .
قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ) هَكَذَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ عَرُوسٌ كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَفْظُهَا وَاحِدٌ لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَمْعِ فَيُقَالُ رَجُلٌ عَرُوسٌ وَرِجَالٌ عُرُسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَامْرَأَةٌ عَرُوسٌ وَنِسْوَةٌ عَرَائِسُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَضَبْطُ لَفْظِهِ وَالْخِلَافُ فِي مَعْنَاهُ مَعَ شَرْحِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ .
قَوْلُهُ (فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ بِالْمُعَاطَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ فِيهِ عَنِ الْمُعَاطَاةِ وَالْقَائِلُ بِالْمُعَاطَاةِ يُجَوِّزُ هَذَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا حَضَرَ الْعِوَضَانِ فَأَعْطَى وَأَخَذَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْعِوَضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ مَعَ قَوْلِ جَابِرٍ هُوَ لَكَ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ كِنَايَةٌ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ (أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ) فِيهِ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِرْجَاحِ الْوَزْنِ .
قَوْلُهُ (فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ) يَعْنِي حَرَّةَ الْمَدِينَةِ كَانَ قِتَالٌ وَنَهْبٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ هُنَاكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ.
قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَبِعْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ بِعْتُهُ وَبِعْتُ مِنْهُ وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُ نَظَائِرِهِ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ .
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ) هُوَ مُكْرَمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ.
.
وَأَمَّا الْعَمِّيُّ فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْعَمِّ مِنْ تَمِيمٍ .
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ) هُوَ بِالنُّونِ والجيممَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هُمْ أَوْلَادُ نَاجِيَةَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَحْتَ أُسَامَةَ بن لؤي قوله (فلما قدم صرار) هُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ واشهر ولم يذكر الا كثرون غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وغيرهما وعند أكثر شيوخنا صرار بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ بِئْرٌ قَدِيمَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا بِئْرٌ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الرواة في مسلم وبعضهم في البخاري ضرار بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارَ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَالْمَشْهُورُ صَرْفُهُ .
قَوْلُهُ (أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَقَرِ الذَّبْحُ لَا النَّحْرُ وَلَوْ عُكِسَ جَازَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ فَالْمُرَادُ بِالنَّحْرِ الذَّبْحُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ .
قَوْلُهُ (أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ نَافِلَةَ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْبِعَاثِ جَمَلِ جَابِرٍ وَإِسْرَاعِهِ بَعْدَ إِعْيَائِهِ الثَّانِيَةُ جَوَازُ طَلَبِ الْبَيْعِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِضْ سِلْعَتَهُ لِلْبَيْعِ الثَّالِثَةُ جَوَازُ الْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا الرَّابِعَةُ اسْتِحْبَابُ سُؤَالِ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالْإِشَارَةِ عَلَيْهِمْ بِمَصَالِحِهِمْ الْخَامِسَةُ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الْبِكْرِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَيْنِ السَّابِعَةُفَضِيلَةُ جَابِرٍ فِي أَنَّهُ تَرَكَ حَظَّ نَفْسِهِ مِنْ نِكَاحِ الْبِكْرِ وَاخْتَارَ مَصْلَحَةَ أَخَوَاتِهِ بِنِكَاحِ ثَيِّبٍ تَقُومُ بِمَصَالِحِهِنَّ الثَّامِنَةُ اسْتِحْبَابُ الِابْتِدَاءِ بِالْمَسْجِدِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِيهِ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ التَّاسِعَةُ اسْتِحْبَابُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ الْعَاشِرَةُ اسْتِحْبَابُ ارجاح الميزان فيما يدفعه الحادية عشر أَنَّ أُجْرَةَ وَزْنِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ لِقَوْلِهِ لَا تُفَارِقُهُ زِيَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ جَوَازُ تَقَدُّمِ بَعْضِ الْجَيْشِ الرَّاجِعِينَ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سبق والله أعلم
(باب جواز اقتراض الحيوان واستحباب توفيته خيرا مما عليه
[1599] إِن الْحَلَال بَين وَإِن الْحَرَام بَين قَالَ النَّوَوِيّ أجمع الْعلمَاء على عظم موقع هَذَا الحَدِيث وَكَثْرَة فَوَائده وَأَنه أحد الْأَحَادِيث الَّتِي عَلَيْهَا مدَار الْإِسْلَام وَمَعْنَاهُ أَن الْأَشْيَاء ثَلَاثَة أَقسَام 1 حَلَال وَاضح لَا يخفى حكمه كالخبز والفواكه وَالزَّيْت وَالْعَسَل وَنَحْوهَا 2 وَحرَام كَذَلِك كَالْخمرِ وَالْخِنْزِير وَالْميتَة وَالْكذب والغيبة وَنَحْوهَا 3 وَبَينهمَا مُشْتَبهَات أَي لَيست بواضحة الْحل وَالْحُرْمَة لَا يعلمهُنَّ كثير من النَّاس وَإِنَّمَا يعلمهَا الْعلمَاء بِنَصّ أَو قِيَاس أَو اسْتِصْحَاب أَو غير ذَلِك فَمن اتَّقى الشُّبُهَات اسْتَبْرَأَ لدينِهِ وَعرضه أَي حصل لَهُ الْبَرَاءَة لدينِهِ من الذَّم الشَّرْعِيّ وصان عرضه عَن كَلَام النَّاس فِيهِ وَمن وَقع فِي الشُّبُهَات وَقع فِي الْحَرَام يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا انه من كَثْرَة تعاطيه الشُّبُهَات يُصَادف الْحَرَام وَإِن لم يتعمده وَالثَّانِي أَن يعْتَاد التساهل ويتمرن عَلَيْهِ ويجسر على شُبْهَة ثمَّ أُخْرَى أغْلظ مِنْهَا وَهَكَذَا حَتَّى يَقع فِي الْحَرَام عمدا يُوشك بِضَم الْيَاء وَكسر الشين أَي يُسَارع وَيُقَارب أَلا وَإِن لكل ملك حمى أَلا وَإِن حمى الله مَحَارمه مَعْنَاهُ أَن الْمُلُوك من الْعَرَب وَغَيرهم يكون لكل ملك مِنْهُم حمى يحميه عَن النَّاس ويمنعهم من دُخُوله فَمن دخله أوقع بِهِ الْعقُوبَة وَمن احتاط لنَفسِهِ لَا يُقَارب ذَلِك الْحمى خوفًا من الْوُقُوع فِيهِ وَللَّه تَعَالَى أَيْضا حمى وَهِي مَحَارمه أَي الْمعاصِي الَّتِي حرمهَا كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وأشباهها فَكل هَذَا حمى الله من دخله بارتكابه شَيْئا من الْمعاصِي اسْتحق الْعقُوبَة وَمن قاربه يُوشك أَن يَقع فِيهِ فَمن احتاط لنَفسِهِ وَلم يُقَارِبه فَلَا يتَعَلَّق بِشَيْء يقربهُ من الْمعْصِيَة وَلَا يدْخل فِي شَيْء من الشُّبُهَات أَلا وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة هِيَ الْقطعَة من اللَّحْم سميت بذلك لِأَنَّهَا تمضغ فِي الْفَم لصغرها قَالُوا وَالْمرَاد تَصْغِير الْقلب بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَد إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله وَإِذا فَسدتْ فسد الْجَسَد كُله قَالَ أهل اللُّغَة يُقَال صلح وَفَسَد بِفَتْح اللَّام وَالسِّين وضمهما وَالْفَتْح أفْصح وَأشهر أَلا وَهِي الْقلب اسْتدلَّ بِهَذَا على أَن الْعقل فِي الْقلب لَا فِي الرَّأْس أتم من حَدِيثهمْ وَأكْثر ضبط بِالْمُثَلثَةِ وبالموحدة
[ سـ
:3097 ... بـ
:1599]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَا حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَبِي فَرْوَةَ الْهَمْدَانِيِّ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ كُلُّهُمْ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ زَكَرِيَّاءَ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْثَرُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ نُعْمَانَ بْنَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِحِمْصَ وَهُوَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ زَكَرِيَّاءَ عَنْ الشَّعْبِيِّ إِلَى قَوْلِهِ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى آخِرِهِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عِظَمِ وَقْعِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَكَثْرَةِ فَوَائِدِهِ ، وَأَنَّهُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ .
قَالَ جَمَاعَةٌ : هُوَ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ ، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ يَدُورُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى حَدِيثِ : الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ ، وَحَدِيثِ : مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهُ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّخْتِيَانِيُّ : يَدُورُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ : هَذِهِ الثَّلَاثَةُ ، وَحَدِيثِ : لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَقِيلَ : حَدِيثُ ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللَّهُ ، وَازْهَدْ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَسَبَبُ عِظَمِ مَوْقِعِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ فِيهِ عَلَى إِصْلَاحِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَغَيْرِهَا ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْكُ الْمُشْتَبِهَاتِ ، فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِحِمَايَةِ دِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَحَذَّرَ مِنْ مُوَاقَعَةِ الشُّبُهَاتِ ، وَأَوْضَحَ ذَلِكَ بِضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْحِمَى ، ثُمَّ بَيَّنَ أَهَمَّ الْأُمُورِ ، وَهُوَ مُرَاعَاةُ الْقَلْبِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَّا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ) إِلَى آخِرِهِ فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : حَلَالٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا يَخْفَى حِلُّهُ ، كَالْخُبْزِ وَالْفَوَاكِهِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ وَلَبَنِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَبَيْضِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَطْعُومَاتِ ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ وَالنَّظَرُ وَالْمَشْيُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ ، فِيهَا حَلَالٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِي حِلِّهِ .
وَأَمَّا الْحَرَامُ الْبَيِّنُ فَكَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْبَوْلِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ ، وَكَذَلِكَ الزِّنَا وَالْكَذِبُ وَالْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالنَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الْمُشْتَبِهَاتُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاضِحَةِ الْحِلِّ وَلَا الْحُرْمَةِ ، فَلِهَذَا لَا يَعْرِفُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، وَلَا يَعْلَمُونَ حُكْمَهَا ،.
وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ فَيَعْرِفُونَ حُكْمَهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِصْحَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْءُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ ، فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِهِ صَارَ حِلًّا ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ خَالٍ عَنِ الِاحْتِمَالِ الْبَيِّنِ ، فَيَكُونُ الْوَرَعُ تَرْكَهُ ، وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُشْتَبَهٌ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ؟ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ ، حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ :
الْأَصَحُّ : أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا إِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ حُكْمَهَا التَّحْرِيمُ .
وَالثَّالِثُ : الْإِبَاحَةُ .
وَالرَّابِعُ : التَّوَقُّفُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ أَيْ : حَصَلَ لَهُ الْبَرَاءَةُ لِدِينِهِ مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ ، وَصَانَ عِرْضَهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنْ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ مَعْنَاهُ : أَنَّ الْمُلُوكَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ حِمًى يَحْمِيهِ عَنِ النَّاسِ ، وَيَمْنَعُهُمْ دُخُولَهُ ، فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْقَعَ بِهِ الْعُقُوبَةَ ، وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ ، وَلِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا حِمًى وَهِيَ مَحَارِمُهُ ، أَيْ : الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ ، كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ ، وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، فَكُلُّ هَذَا حِمَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ ، وَمَنْ قَارَبَهُ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ ، فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَمْ يُقَارِبْهُ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ يُقَرِّبُهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ ، فَلَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّبُهَاتِ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ : صَلَحَ الشَّيْءُ وَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ ، وَضَمِّهِمَا ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ ، وَالْمُضْغَةُ : الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغُ فِي الْفَمِ لِصِغَرِهَا ، قَالُوا : الْمُرَادُ تَصْغِيرُ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَدِ ، مَعَ أَنَّ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : تَأْكِيدٌ عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ .
وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ .
وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ ،.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هُوَ فِي الدِّمَاغِ ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّأْسِ ، وَحَكَوُا الْأَوَّلَ أَيْضًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ ، وَالثَّانِي عَنِ الْأَطِبَّاءِ .
قَالَ الْمَازِرِيُّ : وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ ، مَعَ أَنَّ الدِّمَاغَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ ، فَيَكُونُ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ .
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ ، وَيَكُونُ مِنْ فَسَادِ الدِّمَاغِ الصَّرَعُ فِي زَعْمِهِمْ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ عِنْدَ فَسَادِ الدِّمَاغِ مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِيهِ ، وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ .
قَالَ الْمَازِرِيُّ : لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْنَ الدِّمَاغِ وَالْقَلْبِ ، وَهُمْ يَجْعَلُونَ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْمَعِدَةِ وَالدِّمَاغِ اشْتِرَاكًا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ، وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ ، وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ .
قَالَ الْقَاضِي :.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُصِحُّونَ سَمَاعَ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذِهِ حِكَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تَعَاطِيهِ الشُّبُهَاتِ يُصَادِفُ الْحَرَامَ ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ ، وَقَدْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِيرٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَعْتَادُ التَّسَاهُلَ ، وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ ، وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ ثُمَّ شُبْهَةٍ أَغْلَظَ مِنْهَا ، ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظَ ، وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَمْدًا ، وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ السَّلَفِ : الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ ، أَيْ تَسُوقُ إِلَيْهِ .
عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرِّ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ ) يُقَالُ : أَوْشَكَ يُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ ، أَيْ : يُسْرِعُ وَيَقْرَبُ .
قَوْلُهُ : ( أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْبَرُ ) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالْمُثَلَّثَةِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .