هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3097 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : - وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ - إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ ، وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ، إِذَا صَلَحَتْ ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ . وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، قَالَا : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ ، وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، وَأَبِي فَرْوَةَ الْهَمْدَانِيِّ ، ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ ، كُلُّهُمْ عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ زَكَرِيَّاءَ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْثَرُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ نُعْمَانَ بْنَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِحِمْصَ ، وَهُوَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الْحَلَالُ بَيِّنٌ ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ زَكَرِيَّاءَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، إِلَى قَوْلِهِ : يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه إن الحلال بين ، وإن الحرام بين ، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه ، وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى ، يوشك أن يرتع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت ، صلح الجسد كله ، وإذا فسدت ، فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب . وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عيسى بن يونس ، قالا : حدثنا زكرياء ، بهذا الإسناد مثله ، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا جرير ، عن مطرف ، وأبي فروة الهمداني ، ح وحدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري ، عن ابن عجلان ، عن عبد الرحمن بن سعيد ، كلهم عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث ، غير أن حديث زكرياء أتم من حديثهم وأكثر ، حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد ، حدثني أبي ، عن جدي ، حدثني خالد بن يزيد ، حدثني سعيد بن أبي هلال ، عن عون بن عبد الله ، عن عامر الشعبي ، أنه سمع نعمان بن بشير بن سعد ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس بحمص ، وهو يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الحلال بين ، والحرام بين ، فذكر بمثل حديث زكرياء ، عن الشعبي ، إلى قوله : يوشك أن يقع فيه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Nu'man b. Bashir (Allah be pleased with him) reported:

I heard Allah's Messenger (may peace be upon himn) as having said this (and Nu'man) pointed towards his ears with his fingers): What is lawful is evident and what is unlawful is evident, and in between them are the things doubtful which many people do not know. So he who guards against doubtful things keeps his religion and honour blameless, and he who indulges in doubtful things indulges in fact in unlawful things, just as a shepherd who pastures his animals round a preserve will soon pasture them in it. Beware, every king has a preserve, and the things God his declaced unlawful are His preserves. Beware, in the body there is a piece of flesh; if it is sound, the whole body is sound and if it is corrupt the whole body is corrupt, and hearken it is the heart.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن الشعبي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه)إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه.
ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام.
كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.
ألا وإن لكل ملك حمى.
ألا وإن حمى الله محارمه.
ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.



المعنى العام

يقول اللَّه تعالى { { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } } [البقرة: 188] ويقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم: { { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } } [الأعراف: 157] وإن اللَّه يغار على حرماته، ويغضب إذا ارتكبت محارمه، وما لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى إلا كانت الشريعة واضحة المعالم، حلالها وحرامها، إذ يقول: تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها وهنا يقول الحلال بين، والحرام بين كل المسلمين يعلمون الحلال من المأكل والمشرب والملبس والمركب والنكاح والمعاملات وما يحتاجونه في حياتهم، ومن خفي عليه منهم حكم وجد العلماء والراسخين في العلم بجواره، وهم كثيرون بحمد الله، مستجيبون لكل سائل في ليل أو نهار، دون مقابل، فتلك رسالتهم، وهذا واجبهم، فلا عذر لجاهل أو متجاهل، ولا عذر لمشتبه في الأحكام، فقد ترك صلى الله عليه وسلم فينا ما إن تمسكنا به لن نضل بعده أبدًا، كتاب الله وسنته، نعم هناك بعض الأمور القليلة يخفى حكمها على العامة، ويترددون في حلها وحرمتها، بل قد يخفى حكمها على غير الراسخين في العلم، فيبدو خلاف فيها بين العلماء، منهم من يحلها، ومنهم من يحرمها، وواجب الكل حينئذ اتقاؤها، والبعد عنها، كأنها محرمة باتفاق وبظهور، دون إخفاء، فإن كانت في حقيقة الأمر محرمة فقد برئ منها، واجتنبها، وبعد عنها، وإن كانت في حقيقة الأمر حلالاً، وبعد عنها خوفًا من الوقوع في الحرام، أثيب على هذا القصد، ونال أجرًا، فالبعد عنها مكسب على كل حال والوقوع فيها خسارة على كل حال، إن كانت حرامًا ووقع فيها، فالويل له، وإن كانت حلالاً، ووقع فيها تجرأ على الوقوع في أمثالها، وتساهل في الشبهات، ولم يتحرز عما هو قريب من المحرمات، فيقع في الحرام من غير قصد، والعاقل من ترك ما يريبه، ويشك فيه، وعمل بما لا يريبه، ولا يشك فيه، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به، حذرًا مما به البأس وطهارة القلب، وإبعاده عن الريب والشك أفضل الطاعات.

المباحث العربية

( الحلال بين والحرام بين) أي الأمور التي حكمها الحل ظاهرة بحكمها، في ذاتها، ووصفها، وأدلة حكمها ظاهرة، وكذا الأمور التي حكمها الحرمة، فأكل الخبز والفواكه والعسل والسمن ولبن مأكول اللحم، ولبس ثياب القطن بألوانها، والجلوس والوقوف والمشي والنوم، كل هذه أمور ظاهرة الحل، وشرب الخمر وأكل الخنزير والميتة والزنا والكذب وأشباه ذلك أمور ظاهرة الحرمة، فلفظ الحلال مراد به الذات الموصوفة بهذا الوصف، وقد يراد الحكم نفسه والوصف، فيكون المعنى: الحل في هذه الأمور بين، والحرمة في تلك الأمور بينة، ومعنى ظهورها أنه يعلمها العامة والخاصة من الناس، وإن جهل بعضها الشواذ من البشر.

( وبينهما مشتبهات) بسكون الشين وفتح التاء وكسر الباء، أي أمور مكتسبات الشبه بالحلال، ومكتسبات الشبه بالحرام، وفي رواية للبخاري وبينهما أمور مشتبهة بسكون الشين وفتح التاء وكسر الباء وفتحها، وفي رواية للبخاري وبينهما مشبهات بفتح الشين، وفتح الباء المشددة، أي شبهها الناس بالحلال تارة، وبالحرام أخرى، لخفاء حكمها، فصار حكمها غير واضح على التعيين، وفي رواية الدارمي وبينهما متشابهات أي اكتسبت التشابه بالأمرين المتضادين، والمعاني في الألفاظ المختلفة متقاربة، وسيأتي في فقه الحديث آراء العلماء في المراد بها.

( لا يعلمهن كثير من الناس) أي لا يعلم حكمهن، وجاء واضحًا في رواية الترمذي بلفظ لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي؟ أم من الحرام؟ ومفهوم كثير أن معرفة حكمها ممكن وواقع، يعلمه القليل من الناس، وهم العلماء المتخصصون المجتهدون، فهي شبهات - على هذا - في حق غيرهم، أما في حقهم فتصبح بينة الحل أو الحرمة، ويمكن أن يراد بالكثير الكل، أو يعطل المفهوم، ويراد بالمتشابهات أمور قليلة تعارضت أدلتها، فلم يظهر للمجتهد ترجيح أحدها، وتكون الحكمة من وجودها كذلك في التشريع أن تكون شاهدًا على قصور العقل البشري، فلا يغتر، ولا يتمرد، ويستسلم، ويعترف بصحة قوله تعالى { { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } } [الإسراء: 85] { { وفوق كل ذي علم عليم } } [يوسف: 76] وهذان القولان يتساوقان مع قوله تعالى { { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا } } [آل عمران: 7] فالرأي الأول يتفق مع من وقف على { { والراسخون في العلم } } أي يعلمون تأويله، والرأي الثاني يتفق مع من وقف على { { وما يعلم تأويله إلا الله } } أي والراسخون في العلم لا يعلمون تأويله، ويسلمون به.

( فمن اتقى الشبهات) أي جعل بينه وبين الوقوع فيها وقاية، أي من بعد عنها، وحذر منها، ومن الوقوع فيها، واستوثق في دراستها للعلم بحكمها والشبهات بضم الشين وضم الباء، جمع شبهة، وفي رواية للبخاري فمن اتقى المشبهات.

( استبرأ لدينه وعرضه) السين والتاء للطلب، أي طلب البراءة والنقاء لدينه من النقص، ولعرضه من الطعن فيه - وعرض الإنسان موضع الذم والمدح فيه - أو للصيرورة، أي صار دينه بريئًا نقيًا من النقص، وصار عرضه بعيدًا عن الطعن، لأن من لم يعرف باجتناب الشبهات لم يسلم من طعن الطاعنين.

( ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) أي عرض نفسه للوقوع في الحرام، وفي رواية للبخاري فمن ترك ما شبه عليه من الإثم، كان لما استبان له أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان وفي التشبيه الآتي زيادة إيضاح.

( كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه) في رواية للبخاري كراع يرعي حول الحمى، يوشك أن يواقعه والمراد من الحمى المكان المحمي.

( ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه) كان ملوك العرب يجمعون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة، يتوعدون من يرعى فيها بغير إذنهم، بالعقوبة الشديدة، فمثل لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم، فالخائف من العقوبة، المراقب لرضا الملك، يبتعد عن ذلك الحمى، خشية أن تقع مواشيه في شيء منه، فبعده أسلم له، مهما اشتد حذره، وغير الخائف، غير المراقب يقرب منه، ويرعى من جوانبه، فلا يأمن أن تنفرد ماشية شاردة، فتقع فيه بغير اختياره، أو يمحل المكان الذي هو فيه، ويرى الخصب في الحمى، فلا يملك نفسه أن يقع فيه لاعتياده التساهل، فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقًا، وحماه محرماته، من قرب منها بالوقوع في الشبهات قرب من الوقوع في الحرام.

قال الحافظ ابن حجر: وقد ادعى بعضهم أن التمثيل من كلام الشعبي، وأنه مدرج في الحديث، وتردد ابن عون الراوي عن الشعبي - في رفعه، وقال: لا أدري المثل من قول النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو من قول الشعبي؟ قال الحافظ: وتردد ابن عون في رفعه لا يستلزم كونه مدرجًا، لأن الأثبات قد جزموا باتصاله ورفعه، فلا يقدح شك بعضهم فيه، وكذلك سقوط المثل من رواية بعض الرواة، ومما يقوي عدم الإدراج ثبوت المثل مرفوعًا في رواية ابن عباس وعمار بن ياسر أيضًا.
اهـ.

ولفظ ألا للتنبيه على صحة ما بعدها وتأكيده، وتكريرها للإشارة إلى عظم شأن ما بعدها.
والمراد من المحارم المحرمات، أي فعل الشيء المحرم، أو ترك الواجب المأمور به، وقد ثبتت الواو بين ألا وما بعدها في روايتنا، وسقطت في بعض الروايات، كما سقط من روايتنا ورواية للبخاري لفظ في أرضه.

( ألا وإن في الجسد مضغة) المضغة القطعة من اللحم، قدر ما يمضغ، قالوا: المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد، مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب.

( إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله) قال أهل اللغة: يقال: صلح الشيء وفسد بفتح اللام، وفتح السين، وضمهما، والفتح أفصح وأشهر.

( ألا وهي القلب) خص القلب بذلك لأنه أمير البدن، وبصلاح الأمير تصلح الرعية، وبفساده تفسد، والمراد به ما يتعلق به من قدرة الفهم، وسيأتي في فقه الحديث أقوال العلماء في مكان قدرة الإدراك والفهم.

( يخطب الناس بحمص) ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، مدينة بالشام، وفي رواية بالكوفة مدينة بالعراق، قال الحافظ ابن حجر: ويجمع بينهما بأنه سمع منه مرتين، فإنه ولي إمرة البلدين، واحدة بعد الأخرى.

فقه الحديث

قال النووي: أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وقال جماعة: هو ثلث الإسلام، وإن الإسلام يدور عليه، وعلى حديث الأعمال بالنية وحديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه زاد أبو داود حديث لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وزاد بعضهم حديث ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد ما في أيدي الناس يحبك الناس قال العلماء: وسبب عظم موقعه أنه صلى الله عليه وسلم نبه فيه على إصلاح المطعم والمشرب والملبس، وغيرها، وأنه ينبغي ترك المشتبهات، فإنه سبب لحماية الدين والعرض، ثم بين أهم الأمور، وهو مراعاة القلب.
اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث فيه تقسيم الأحكام إلى ثلاثة أشياء، وهو صحيح، لأن الشيء إما أن ينص على طلبه، مع الوعيد على تركه، أو ينص على تركه، مع الوعيد على فعله، أو لا ينص على واحد منهما، فالأول الحلال البين، والثاني الحرام البين، والثالث مشتبه، لخفائه، فلا يدري هل هو حلال؟ أو هو حرام؟

ثم قال: وقد توارد أكثر المحدثين على إيراد هذا الحديث في كتاب البيوع، لأن الشبهة في المعاملات تقع فيها كثيرًا، وله تعلق أيضًا بكتاب الإيمان، وبالنكاح، وبالصيد والذبائح، والأطعمة والأشربة، وغير ذلك مما لا يخفى.

ثم قال: وحاصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء:

أحدها: تعارض الأدلة.
أقول: دليل يجذبها نحو الحرام، ودليل يجذبها نحو الحلال، يجتهد في فهمها المجتهدون، فيلحقها بعضهم بالحلال إلحاقًا غير واضح، ويلحقها بعضهم بالحرام إلحاقًا غير واضح، وبعضهم يتوقف عجزًا عن إلحاقها بأحد الأمرين، والاستبراء لمن ألحقها بالحلال إلحاقًا غير واضح وغير مسلم من عامة العلماء، أن لا يقر بها بنفسه، وأن لا يعلن للناس حلها، فيقع فيها العامة على أنها حلال، والعامة في هذه الحالة لا يبرءون من المسئولية، إذا أصموا آذانهم عن المعارضين، ولم يتقوا الشبهات، قال الحافظ ابن حجر: وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لأنه إن كان في نفسه وواقع الأمر حرامًا فقد برئ من تبعته، وإن كان حلالاً فقد أجر على تركه بهذا القصد.

ثانيها: اختلاف العلماء.
أقول: أي الأمور التي اختلف العلماء في حكمها أحلال هي؟ أم حرام؟ اختلافًا غير مدعم، وغير مطمئن للنفس، مثير للريب والشك.

قال الحافظ ابن حجر: وهذا التفسير منتزع من التفسير الأول.

ثالثها: أن المراد بها مسمى المكروه، لأنه يجتذبه جانبًا الفعل والترك.

رابعها: أن المراد بها المباح، ولا يمكن لقائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه، بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى، بأن يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته، راجح الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج، قال بعضهم: المكروه عقبة بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام والمباح عقبة بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه.
قال الحافظ: وهو منزع حسن، ويؤيده رواية ابن حبان اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى، يوشك أن يقع فيه والمعنى أن بعض الحلال حيث يخشى أن يؤول فعله مطلقاً إلى مكروه أو محرم ينبغي اجتنابه، كالإكثار مثلاً من الطيبات، فإنه يحوج إلى كثرة الاكتساب، الموقع في أخذه ما لا يستحق، أو يفضي إلى بطر النفس، وأقل ما فيه الاشتغال عن العبودية، وهذا معلوم بالعادة، مشاهد بالعيان.

ثم قال: والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول، ولا يبعد أن يكون كل من الأوجه مرادًا، ويختلف ذلك باختلاف الناس، فالعالم الفطن لا يخفى عليه تمييز الحكم، فلا يقع له ذلك إلا في الاستكثار من المباح، أو المكروه، كما تقرر قبل، ودونه تقع له الشبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال.
اهـ.

والتحقيق أن المكروه وخلاف الأولى اللذين أشار إليهما الحافظ ابن حجر لا يطلق عليهما شبهات مادام الحكم الشرعي بينًا واضحًا، وإن كان البعد عنهما يباعد بين المسلم وبين الحرام والكثرة منهما تقرب المسلم من الحرام، فهذا التوجيه إن استقام مع الجزء الثاني من الحديث لا يستقيم مع الجزء الأول، والمستقيم مع الجزأين معًا هو التفسير الأول والثاني، ويؤيدهما حديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان والحاكم.
والله أعلم.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- قال النووي: احتج بعضهم بهذا الحديث على أن العقل في القلب، لا في الرأس، وفيه خلاف مشهور، ومذهب أصحابنا وجماهير المتكلمين أنه في القلب، وقال أبو حنيفة: هو في الدماغ، وقد يقال: في الرأس، وحكوا الأول أيضًا عن الفلاسفة، والثاني عن الأطباء قال المازري: واحتج القائلون بأنه في القلب بقوله تعالى { { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها } } [الحج: 46] وقوله تعالى: { { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } } [ق: 37] وبهذا الحديث، فإنه صلى الله عليه وسلم جعل صلاح الجسد وفساده تابعًا للقلب، مع أن الدماغ من جملة الجسد، فيكون صلاحه وفساده تابعًا للقلب، فعلم أن الدماغ ليس محلاً للعقل، واحتج القائلون بأنه في الدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل، ويكون من فساد الدماغ الصرع في زعمهم، ولا حجة لهم في ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ، مع أن العقل ليس فيه، ولا امتناع من ذلك.
فقال المازري: لا سيما على أصولهم في الاشتراك الذي يذكرونه بين الدماغ والقلب، وهم يجعلون بين الرأس والمعدة والدماغ اشتراكًا.
اهـ.

والحق أن هذا الخلاف لا يستقيم بعد ثبوت الحقائق العلمية التشريحية بأن القوة المدركة العاقلة في الرأس، لا في القلب، أما الآيات والأحاديث التي أسندت التفكير للقلب فمن السهل توجهيها، إذ الأمور قد تنسب للسبب البعيد على الحقيقة، وللسبب القريب المباشر على الحقيقة أيضًا، فتقول: قطع الجزار اللحم، وتقول: قطع السكين اللحم، ولا شك أن القلب مصدر الحياة لجميع أعضاء الجسم، ومنها الدماغ.

2- وفي الحديث تأكيد السعي نحو إصلاح التفكير، وحمايته من الفساد.

3- استدل به ابن المنير على جواز بقاء المجمل بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: وفي الاستدلال بذلك نظر، إلا إن أراد أنه مجمل في حق بعض دون بعض.

4- استدل به البخاري على أن الاستبراء للعرض والدين من أمور الإيمان.

5- وفيه حث على الورع.

واللَّه أعلم