هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3039 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ ، سَمِعَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ الْمُغَفَّلِ ، قَالَ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ، ثُمَّ قَالَ : مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ ؟ ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ ، وَكَلْبِ الْغَنَمِ ، وحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ ، ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ فِي حَدِيثِهِ : عَنْ يَحْيَى ، وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الْغَنَمِ ، وَالصَّيْدِ ، وَالزَّرْعِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3039 حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن أبي التياح ، سمع مطرف بن عبد الله ، عن ابن المغفل ، قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ، ثم قال : ما بالهم وبال الكلاب ؟ ، ثم رخص في كلب الصيد ، وكلب الغنم ، وحدثنيه يحيى بن حبيب ، حدثنا خالد يعني ابن الحارث ، ح وحدثني محمد بن حاتم ، حدثنا يحيى بن سعيد ، ح وحدثني محمد بن الوليد ، حدثنا محمد بن جعفر ، ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا النضر ، ح وحدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا وهب بن جرير ، كلهم عن شعبة بهذا الإسناد ، وقال ابن حاتم في حديثه : عن يحيى ، ورخص في كلب الغنم ، والصيد ، والزرع
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Ibn Mughaffal reported:

Allah's Messenger (ﷺ) ordered the killing of dogs and then said: what is the trouble with them (the people of Medina)? How dogs are nuisance to them (the citizens of Medina)? He then permitted keehing of dogs for hunting and (the protection of) herds.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن ابن المغفل رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب.
ثم قال ما بالهم وبال الكلاب؟ ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم.
وقال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات.
وغفروه الثامنة في التراب.


المعنى العام

خلق الله جل شأنه جميع ما خلق لحكمة، وخلق في بيئة الإنسان مخلوقات يحتاجها ويفهم حكمة خلقها وفائدتها بالنسبة له، كالأنعام التي خلقها { { لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون* ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون* وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم } } [النحل: 5-7] وخلق مخلوقات لا يكاد يحتاجها، بل هي خطر وضرر عليه، ولا يدرك حكمة خلقها، من ذلك الخمس الفواسق التي يباح قتلها حتى في الحرم: الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور.

وخلق مخلوقات تجمع بين الشر والخير، فيها إثم وفيها منافع، من ذلك الكلب فإنه نجس اللعاب والبدن نجاسة مغلظة، إذا ولغ في الإناء وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب، ووجب إراقة السائل الذي شرب منه مهما غلا ثمنه، ومهما عز الحصول عليه.
حاجب حلول رحمة الله تعالى، إذ لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب.
منقص لأجر صاحبه على عمل الخير فمن اقتنى كلبا لغير حاجة نقص من عمله قيراطان، ومع هذه المضار هو حارس أمين، ووفي مخلص وحساس إلى حد كبير، يحتاجه صاحب الغنم لحراسة غنمه، وصاحب الزرع لحماية زرعه، ومحترف الصيد لاقتناص صيده، ومن منطلق شروره أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتل الكلاب، فتقربوا إلى الله بقتلها، حتى إن المرأة كانت تأتي من البادية إلى المدينة معها كلبها، فيبادر الصحابة بقتله، وشق الأمر على الناس، وشكا أصحاب الحاجة، وتمنوا أن لو أذن الله لهم في اقتناء بعض الكلاب، وسيحافظون على أنفسهم من نجاستها، وسينفذون أمر الشارع بغسل ما يصيبهم منها، وأحس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم برغبة منهم جامحة، وولع شديد لتربية الكلاب، فلامهم على التململ من حكم الشريعة، رغم سمعهم لها وطاعتهم إياها.
فقال: ما شأنكم وشأن الكلاب، وما هذا الحرص الشديد على اقتنائها؟ قالوا: يا رسول الله، غلبنا الصيد، وعدا الذئب على الغنم، وأفسدت السائبة الزرع وانتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فرخص لهم في كلب الصيد وكلب الزرع وكلب الغنم، على أن يغسلوا ما أصابهم منه سبع مرات إحداهن بالتراب.

المباحث العربية

( إذا ولغ الكلب) يقال: ولغ يلغ بفتح اللام فيهما إذا شرب بطرف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه.
وقال ثعلب: هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه؛ زاد ابن درستويه شرب أو لم يشرب وقال ابن مكي: فإن كان غير مائع يقال: لعقه.
وقال المطرزي: فإن كان فارغا يقال: لحسه.

وأل في الكلب للنجس، فيصدق على كل نوع من أنواع الكلاب.

( في إناء أحدكم) الإناء مفرد، وجمعه آنية، وجمع الجمع أوان، فلا يستعمل في أقل من تسعة إلا مجازا، والإضافة التي في إناء أحدكم ملغاة المفهوم المخالف، لأن الحكم بالنجاسة ووجوب الغسل لا يتوقف على الملكية أو الاختصاص.

( فليرقه) ضمير الفاعل يعود على أحدكم لكن لا يشترط أن يكون المريق هو المالك، وضمير المفعول يعود على الإناء من إطلاق المحل وإرادة الحال، أي فليرق ماء الإناء.

( إذا شرب الكلب) المشهور من روايات أبي هريرة إذا ولغ قال الكرماني: ضمن شرب معنى ولغ فعدى تعديته.
اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: والشرب أخص من الولوغ، فلا يقوم مقامه في الرواية بالمعنى.

( طهور إناء أحدكم) قال النووي: الأشهر فيه ضم الطاء، ويقال بفتحها لغتان تقدمتا في أول كتاب الوضوء.

( ما بالهم وبال الكلاب) ؟ البال هو الحال والشأن أي ما شأنهم وشأن الكلاب والاستفهام توبيخي، أي لا ينبغي أن يكون شأنهم الحرص على اقتناء الكلاب.
أي إنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ثم أحس أنهم كانوا مولعين بتربيتها، فوبخهم على هذا الحرص، وفي رواية أبي داود: أمر بقتل الكلاب، ثم قال: ما لهم ولها؟

فقه الحديث

يمكن حصر النقاط في:

1- أقوال العلماء في نجاسة سؤر الكلب، وهل يلحق به باقي أعضائه؟ مع الأدلة ومناقشتها.

2- أقوالهم في تسبيع الغسل، وعلته، والترتيب وحكمته وكيفيته.

3- أقوالهم في تربية الكلاب، وبيعها وقتلها، وأدلة كل فريق.

4- ما يؤخذ من الحديث من الأحكام.

وهذا هو التفصيل:

أولا: أقوال العلماء وأدلتهم في نجاسة الكلب:

مذهب الشافعية: أن الكلب نجس، ولا فرق بين الكلب المأذون في اقتنائه وغير المأذون في اقتنائه، ولا بين كلب البدوي والحضري لعموم لفظ الكلب في الحديث.

أما نجاسة سؤره فللأمر بغسله، والتعبير بطهور الإناء منه، والطهارة إنما تكون عن حدث أو نجس، وليس هنا حدث، فتعين النجس، ثم إن الرواية الأولى تأمر بإراقة ما في الإناء، مما يدل على تنجيس ما ولغ فيه، لأن إراقته إضاعة له فلو كان طاهرا لم يأمرنا بإراقته، بل قد نهينا عن إضاعة المال.

قالوا: ولا فرق بين ولوغه وغير الولوغ من أجزائه، فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئا طاهرا في حال رطوبة أحدهما، وجب غسله سبع مرات، لأنه إذا ثبت هذا الحكم لفمه -وهو أشرف أعضائه- ثبت لباقي أعضائه من باب أولى.
قالوا: ولو ولغ كلبان، أو كلب واحد مرات في إناء، فالصحيح أنه يكفي الجميع سبع مرات، ولو وقعت نجاسة أخرى في الإناء الذي ولغ فيه الكلب كفى عن الجميع سبع مرات.
قالوا: ولو ولغ في طعام مائع حرم أكله، لأننا أمرنا بإراقته، ووجب غسل الإناء منه.

وممن قال بنجاسته أيضا أحمد وأبو حنيفة والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود.

أما المالكية فقد اختلفت أقوالهم في نجاسة الكلب وسؤره اختلافا كثيرا.
قال الرهوني في حاشيته على عبد الباقي: وأما الكلب فاختلف فيه، للحديث الوارد بغسل الإناء بولوغه فيه سبع مرات، ثم قال: فتحصل أن في سؤر الكلب أربعة أقوال: أحدها: أنه طاهر، وهو قول ابن وهب وأشهب، لأن الكلب سبع من السباع، وهي طاهرة، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، لكن روايته عن مالك فيها: أن الكلب ليس كغيره من السباع.
الثاني: أنه نجس ليس كسائر السباع، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه، وهو قول سحنون في رواية ابن العربي.
الثالث: الفرق بين الكلب المأذون في اتخاذه وغيره.
وهو أظهر الأقوال، لأن علة الطهارة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم في الهرة، موجودة في الكلب المأذون في اتخاذه.
وهو قول سحنون في رواية اللخمي.
الرابع: الفرق بين البدوي والحضري، وهو قول ابن الماجشون في رواية أبي زيد عنه.
اهـ.

ونعرض إلى ما استند إليه من قال بطهارته.
فقد احتجوا بقوله تعالى { { فكلوا مما أمسكن عليكم } } [المائدة: 4] وبقوله صلى الله عليه وسلم في كلب الصيد: ما أمسك عليك فكل ووجه الدلالة أنه أذن في أكل ما صاده الكلب، ولم يقيد ذلك بغسل موضع فمه، ومن ثم قال مالك: كيف يؤكل صيده ويكون لعابه نجسا؟ وأجيب بأن قصد الآية والحديث الإفادة بأن قتل الكلب ذكاة، وليس فيهما إثبات نجاسة ولا نفيها.
ويدل لذلك أنه لم يقل: اغسل الدم إذا خرج من جرح نابه، لكنه وكله إلى ما تقرر من وجوب غسل الدم، فلعله وكله أيضا إلى ما تقرر عنده من غسل ما يماسه فمه، فإباحة الأكل مما أمسكن لا تنافي وجوب تطهير ما تنجس من الصيد، ولو سلم فغايته الترخيص في الصيد بخصوصه للحاجة.

واستدلوا بما ثبت عند البخاري من حديث ابن عمر كانت الكلاب تقبل وتدبر زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك وأخرجه الترمذي بزيادة وتبول ورد بأن البول مجمع على نجاسته فلا يصح حديث بول الكلاب في المسجد حجة يعارض بها الإجماع.
وأما الإقبال والإدبار فلا يدلان على الطهارة لاحتمال عدم الرطوبة في أجسامها أو في أرض المسجد.
وقال الحافظ ابن حجر: الأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها.

واستدلوا كذلك بالترخيص في كلب الصيد والزرع والماشية، واعتبروا الترخيص باقتنائها دليلا على طهارتها.
وأجيب بأنه لا منافاة بين الترخيص وبين الحكم بالنجاسة.

وقالوا عن أحاديثنا: إن الأمر بالغسل فيها تعبدي، وليس لنجاسة الكلب [على معنى أنه لم يظهر لنا وجهه، لا أنه لا وجه له، لأن لكل حكم وجها، لأن الأحكام مربوطة بالمصالح، ودرء المفاسد، فما لم تظهر مصلحته ومفسدته اصطلحوا على أن يسموه تعبدا] .
ولذا حد بالسبع.
ولو كان نجسا كان المطلوب الإنقاء.
ورد بأن القول بالتعبد في تشريع الأحكام خلاف الأصل.
فالقول به ينقصه الدليل.
على أن القول بأن الغسل لإزالة النجاسة ترجحه الرواية الثالثة والرابعة.
وفيهما طهور إناء أحدكم فالغسل للتطهير.
قالوا: المراد من الطهارة في هذا الحديث الطهارة اللغوية.
كقوله صلى الله عليه وسلم السواك مطهرة للفم ورد هذا القول بأن ألفاظ الشرع إذا دارت بين الحقيقة اللغوية والشرعية حملت على الشرعية إلا إذا قام دليل.
فالقول بطهارة الكلب وسؤره محجوج.
وأبعد بعضهم فقال: يحل أكله.
والعياذ بالله.

ثانيا: أقوال العلماء في تسبيع الغسل، وعلته، والترتيب وحكمته وكيفيته:

وغسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب مذهب الشافعية والحنابلة، بل في رواية عن أحمد الغسل ثمان غسلات، عملا بظاهر رواية ابن المغفل، ومعنى الغسل بالتراب أن يخلط التراب في الماء حتى يتكدر، ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب، أو التراب على الماء، أو يؤخذ الماء الكدر من موضع فيغسل به، فأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزئ، ولا يحصل الغسل بالتراب النجس على الأصح، ولو كانت نجاسة الكلب دمه أو روثه وجب إزالة عين النجاسة مهما زاد عن السبع، ولو زال عينها بست غسلات مثلا قيل: تحسب الست واحدة وقيل: تحسب ستا، ولو غمس الإناء في بحر، ومكث فيه قدر سبع غسلات جاز.
وفي قيام هذا مقام التراب خلاف، وفي قيام الصابون ونحوه مقام التراب خلاف، والأصح عدم قيامه، لأنه كان ميسورا يوم أمر بالتراب.
مما يحمل على أن للشرع في تحديد التراب حكمة.
وقد ذكر بعض الأطباء الثقات في عصرنا وجود جراثيم في الكلب يقضي عليها التراب، وقيل: لأنه يحقق اجتماع طهرين: الماء والتراب.

وقد جاء في الروايات الأربع سبع مرات وفي رواية لمسلم أولاهن بالتراب وفي رواية للبزار إحداهن وفي رواية السابعة بالتراب وفي رواية أخراهن أو أولاهن بالتراب وفي روايتنا الخامسة وعفروه الثامنة بالتراب.

قال النووي في الجمع بينها: وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها، وفيها دليل على أن التقييد بالأولى وبغيرها ليس على الاشتراط، بل المراد إحداهن، وأما رواية وعفروه الثامنة بالتراب فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعا، واحدة منهن بالتراب مع الماء، فكأن التراب قائم مقام غسلة، فسميت ثامنة لهذا.
والله أعلم.
اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة قال: أولاهن أرجح من حيث أكثرية الرواة وأحفظيتهم، ومن حيث المعنى أيضا، لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه، وقد نص الشافعي على أن الأولى أولى.
اهـ.

وهذا كله فيما إذا كان الماء قليلا، أما إذا ولغ في ماء كثير، بحيث لم ينقص ولوغه عن قلتين لم ينجسه.
قالوا: ولو ولغ في ماء قليل، أو طعام مائع، فأصاب ذلك الماء أو الطعام ثوبا أو بدنا أو إناء آخر، وجب غسله سبعا إحداهن بالتراب، ولو ولغ في إناء فيه طعام جامد ألقى ما أصابه وما حوله، وانتفع بالباقي على طهارته السابقة، كما في الفأرة تموت في السمن الجامد، قاله النووي في شرح مسلم.

وإراقة ما في الإناء من ماء أو مائع واجبة، قيل على الفور، ولو لم يرد استعمال الإناء، عملا بمطلق الأمر الذي يقتضي الوجوب على المختار، وقيل: لا تجب إلا إذا أراد استعمال الإناء، عملا بالقياس على باقي المياه النجسة، فإنه لا تجب إراقتها على الفور بلا خلاف، وإن استحب ذلك، وذهب أكثر الفقهاء إلى وجوب الإراقة الفورية في نجاسة الكلب، زجرا وتغليظا وتنفيرا عن الكلاب.

أما المالكية فيقولون بالغسل من ولوغ الكلب سبع مرات ويقولون بالترتيب، لأنه لم يقع في رواية مالك، والمشهور عندهم أن التسبيع واجب.
وعن مالك رواية أن الأمر بالتسبيع للندب، والغسل عندهم للتعبد، لأن الكلب طاهر، وعن مالك رواية بأنه نجس لكن الغسل أيضا للتعبد، لأن قاعدته أن الماء لا ينجس إلا بالتغير.

وذهب بعض المالكية إلى أن المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهي عن اتخاذه، دون المأذون فيه، قال الحافظ ابن حجر: وهذا يحتاج إلى ثبوت تقديم النهي عن الاتخاذ على الأمر بالغسل، وإلى قرينة تدل على أن المراد ما يؤذن في اتخاذه.
ثم قال: ومثله تفرقة بعضهم بين البدوي والحضري، وكذا دعوى بعضهم أن الغسل مخصوص بالكلب الكلب [أي المصاب بداء الكلب] وأن الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطب، قال: وهذا التعليل وإن كان فيه مناسبة لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل.

أما إراقة ما في الإناء فالمشهور عن المالكية التفرقة بين إناء الماء؛ فيراق ويغسل، وبين إناء الطعام، فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبدا.
قالوا: لأن الأمر بالإراقة عام.
فيخص الطعام منه بالنهي عن إضاعة المال.
قال الحافظ ابن حجر: وعورض بأن النهي عن الإضاعة مخصوص بالأمر بالإراقة، ويرجحه الإجماع على إراقة ما تقع فيه النجاسة من قليل المائعات ولو عظم ثمنه، فثبت أن عموم النهي عن الإضاعة مخصوص، بخلاف الأمر بالإراقة.
اهـ.
ووجهة نظرهم أن الطعام غير نجس، فإراقته إضاعة للمال وإراقة الطاهر إضاعة بلا خلاف، فالنزاع في مبنى الإراقة وسببها، لا في الإراقة نفسها، فالمعارضة غير سليمة.
والله أعلم.

وأما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع، ولم يقولوا بالتراب، واستندوا إلى أن أبا هريرة رضي الله عنه راوي الغسل سبعا أفتى بثلاث غسلات، فثبت بذلك نسخ السبع، وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع، لا وجوبها، أو كان نسي ما رواه، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وأيضا فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعا.
قال الحافظ ابن حجر: ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد، ومن حيث النظر.
اهـ.

كما استندوا إلى أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب، ولم يقيد التطهير منها بالسبع، فيكون الولوغ كذلك من باب أولى، وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم، وبأنه قياس في مقابلة النص، ولا قياس مع النص.

وأجاب الحنفية عن الرواية الخامسة -حديث عبد الله بن المغفل- بأن الأمر بالغسل سبعا كان عند الأمر بقتل الكلاب، تغليظا عليهم، وفطما لهم عن الولع بها، فلما نهي عن قتلها نسخ الأمر بالغسل سبعا، وتعقب بأن الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة، والأمر بالغسل متأخر جدا، لأنه من رواية ابن المغفل، وقد ذكر ابن المغفل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل، وكان إسلامه سنة سبع، وسياق روايته واضح في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب.

قالوا: إن الشافعية أنفسهم لم يأخذوا بحديث ابن المغفل، لأنهم لم يوجبوا ثماني غسلات، عملا بظاهر قوله: وعفروه الثامنة بالتراب قلنا: إن ترك الشافعية العمل بظاهره لا يبرر للحنفية ترك العمل به رأسا، لأنهم اعتذروا عن ظاهره بالجمع بينه وبين حديث أبي هريرة.
فقالوا: لما كان التراب جنسا غير الماء، جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودا باثنتين، فإطلاق الغسلة الثامنة على الترتيب مجاز.
والله أعلم.

ثالثا: أقوال العلماء وأدلتهم في تربية الكلاب، وبيعها، وقتلها:

وفي تربية الكلاب قال الحافظ ابن حجر: في الكلب بهيمية وسبعية، كأنه مركب وفيه منافع للحراسة والصيد، وفيه من اقتفاء الأثر وشم الرائحة والحراسة وخفة النوم والتودد وقبول التعليم ما ليس لغيره.
وقيل: إن أول من اتخذه للحراسة نوح عليه السلام.
اهـ.

وقد صرح الحديث الخامس بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، وسبب ذلك كما في صحيح مسلم عن ابن عباس عن ميمونة أن جبريل وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه، فلم يأته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما والله ما أخلفني.
قال: فظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك على ذلك، ثم وقع في نفسه جرو كلب كان تحت فسطاط لنا، فأمر به، فأخرج.
ثم أخذ بيده ماء، فنضح مكانه فلما أمسى لقيه جبريل عليه السلام.
فقال له: قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة؟ قال: أجل.
ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، فأمر بقتل الكلاب.

وقيل: إنما أمر بذلك تغليظا عليهم، لأنهم كانوا مولعين بها، فقد أخرج مسلم عن جابر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها، وقال: عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين، فإنه شيطان.
[لعل سر الأمر بقتل الأسود البهيم قبح منظره، والاشمئزاز منه، وتشبيهه بالشيطان للتنفير من اقتنائه] ونقل النووي عن إمام الحرمين أن الأمر بقتل الأسود البهيم كان في الابتداء.
وهو الآن منسوخ.
اهـ.
لكن الإمام أحمد يحرم اقتناءه مهما كانت الحاجة إليه.

وقد اتفقوا على أن الكلب العقور يقتل، ويحرم اقتناؤه، وهو الكلب الذي يعقر الناس، ويعدو عليهم، ويخيفهم.
فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور وإذا جاز للمحرم قتله فغيره من باب أولى.

كما اتفقوا على أنه لا يجوز اقتناء الكلاب لغير حاجة، كأن يقتني كلبا إعجابا بصورته، أو للمفاخرة به، فهذا حرام، وشذ من قال: إنه مكروه.

كما اتفقوا على جواز اقتناء الكلب للصيد، ولحراسة الماشية، ولحراسة الزرع، للنص على الترخيص بها.

واختلف في اقتنائه لحراسة الدور والدروب، وفي اقتناء الجرو ليعلم، وفي اتخاذه لاقتفاء الأثر.
والصحيح إلحاق الحاجات المشروعة بالصيد والماشية والزرع، لأن الترخيص فيها للحاجة، فيرخص لكل ما شابهها، مما يجلب منفعة أو يدفع مضرة، قياسا.

هذا عن حكم الاقتناء، أما حكم القتل فالأصح أنه يجوز قتل غير المأذون فيه، ولا يجوز قتل المأذون في تربيته، فإن قتل غرم، فقد روى الطحاوي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهما، وقضى في كلب ماشية بكبش.

وقد وردت أحاديث ظاهرها منع بيع الكلب، وتحريم ثمنه، ففي البخاري عن أبي مسعود الأنصاري نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي وحلوان الكاهن وروى أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب.
وقال: إن جاء يطلب ثمنه فاملأ كفه ترابا.

وعند ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضاربا، يعني مما يصيد.

فهذه الأحاديث حجة للشافعي في تحريم بيع الكلب مطلقا، معلما كان أو غير معلم مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز، ومن لازم ذلك أن لا قيمة على متلفه، والعلة في تحريم بيعه نجاسته، وهي قائمة في المعلم وغيره.

وعند الحنفية يجوز بيعه، وتجب القيمة على متلفه، لأنه منتفع به حراسة واصطيادا، وأجابوا عن أحاديث النهي عن ثمنه بأنها صدرت أيام الأمر بقتل الكلاب، وكان الانتفاع بها يومئذ محرما.

وعن مالك ثلاث روايات: رواية كالشافعية، ورواية كالحنفية، ورواية لا يجوز بيعه وتجب القيمة على متلفه، وقال القرطبي: مشهور مذهب مالك جواز اتخاذ الكلب، وكراهية بيعه، ولا يفسخ إن وقع.
اهـ.

وقال عطاء والنخعي: يجوز بيع كلب الصيد دون غيره، فقد أخرج النسائي من حديث جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد.

( ملحوظة) حكم الخنزير حكم الكلب في كل ما سبق عند الشافعية وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعا، وهو قول الشافعي قال النووي: وهو قوي في الدليل.
والله أعلم.

رابعا: ويؤخذ من الحديثين من الأحكام فوق ما تقدم

1- أن حكم النجاسة يتعدى عن محلها إلى ما يجاورها، بشرط كونه مائعا.

2- وأن المائعات تنجس إذا وقع في جزء منها نجاسة.

3- وأن الإناء ينجس إذا اتصل بالمائع النجس.

4- وأن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه، وإن لم يتغير، لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء الذي في الإناء غالبا.

5- وأن ورود الماء على النجاسة يخالف ورودها عليه، لأنه أمر بإرقة الماء لما وردت عليه النجاسة، وهو حقيقة في إراقة جميعه، وأمر بغسله، وحقيقته تتأدى بما يسمى غسلا ولو كان ما يغسل به أقل مما أريق.

6- أخذ الأوزاعي من قوله في إناء أحدكم إخراج ماء المستنقع، لكن الجمهور على أن العبرة بالماء القليل.

7- وفيه بيان لطف الله ورأفته بعباده، حيث أباح لهم اقتناء الكلاب للحاجة كالصيد والحراسة، ومنعهم من اقتنائها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس.

والله أعلم