هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3014 حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَهُوَ ابْنُ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، أَخْبَرَهُ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَهُ ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي الرَّجُلِ الَّذِي يُعْدِمُ ، إِذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ ، وَلَمْ يُفَرِّقْهُ : أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3014 حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا هشام بن سليمان وهو ابن عكرمة بن خالد المخزومي ، عن ابن جريج ، حدثني ابن أبي حسين ، أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، أخبره ، أن عمر بن عبد العزيز ، حدثه ، عن حديث أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في الرجل الذي يعدم ، إذا وجد عنده المتاع ، ولم يفرقه : أنه لصاحبه الذي باعه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي يعدم، إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه أنه لصاحبه الذي باعه.


المعنى العام

خلق الله الإنسان وفي طبعه الشح، وفي طبعه حب المال، وفي طبعه الحرص على ما يملك، وفي طبعه السعي لجمع ما لا يملك، وفي طبعه الأثرة، وليس الإيثار، كل ذلك يظهر في المعاملات المالية بين البشر، من بيع وشراء، ودين ووفاء، وإتلاف وضمان، وخصومات وقضاء، وكثيرًا ما تكون المعاملة بين قوي وضعيف، وغني وفقير، وعظيم وحقير، وسيد ومسود، فمن يحفظ الحق للضعيف؟ ليس إلا الإسلام، وتشريعات الإسلام، وحكام الإسلام، الذين قال أوائلهم: القوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف منكم قوي حتى آخذ الحق له.

أما التشريعات الواردة في هذه الأحاديث، والتي تعالج النزعات الإنسانية فهي السماحة والسهولة والتيسير وفيها يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى إذا أعطى ما عليه أعطى بسهولة من غير مطل ومن غير إجحاف، وإذا طلب ماله عند الغير طلب برفق، وأخذ ما تيسر، وأجل ما لم تيسر، ويتنازل عن بعض الحق إذا أمكن، ولا يضيق على معسر، ويقدر ظروف معامله، وملابسات التعامل، فإذا هلكت سلعة باعها وقبض ثمنها، وهي عنده تحملها، لأنه إن أكل ثمنها فقد أكل مال أخيه بدون مقابل وبغير حق، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت خصمين وهو في بيته، فخرج إليهما، فوجد مدينًا يستعطف الدائن أن يمهله، ودائنًا يحلف بالله أن لا يدعه ولا يتنازل عن شيء من حقه، فخرج صلى الله عليه وسلم يعنف الدائن على غلظته وقسوته، وقال: من منكما الذي يحلف ألا يفعل الخير؟ قال الدائن: أنا يا رسول الله، ولن أعود، وسأعاقب نفسي على ما فعلت بأن أتنازل عن بعض الدين، أو أؤجله الدين إلى ميسرة، ولخصمي أي الأمرين أحب.
ويحكي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً فيمن كان قبلنا لم يقدم خيرًا قط، ولم يعمل صالحًا قط، إلا أنه كان سمحًا إذا باع، سمحًا إذا داين، سمحًا عند استيفاء حقه، فلما مات قال الله تعالى: نحن أحق بالتجاوز منه.
تجاوزت عنه، وعن تقصيره في حقي، يا ملائكتي، تجاوزوا عنه، وأدخلوه الجنة.
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

المباحث العربية

( لو بعت من أخيك ثمرًا) كذا هو في الأصول التي بين أيدينا لو بعت من أخيك ثمرًا والمراد: لو بعت أخاك ثمرًا، فالمخاطب البائع الذي تلفت عنده الثمرة وقد أخذ ثمنها من المشتري، فمن زائدة في الإثبات، على مذهب الأخفش والكوفيين، كما في قوله تعالى { { يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } } [الأحقاف: 31] فالإيمان يجب ما قبله، ويغفر كل الذنوب.

( فأصابته جائحة) الجائحة الشدة العظيمة التي تجتاح المال وتهلكه وتستأصله.
أي فأصابت الثمر المباع مهلكة.

( فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا) أي لا يحل لك أيها البائع أن تأخذ من أخيك المشتري شيئًا من مال.

( بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) الاستفهام إنكاري توبيخي، أي لا ينبغي ولا يحل لك أيها البائع ذلك.
فإنك إن أخذت شيئًا كان بغير حق.
وفي الرواية الثانية بم تستحل مال أخيك؟ وفي الرواية الثالثة إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك؟ والمراد من منعها هلاكها، ومنعها من السلامة والنضوج، وفي الرواية الرابعة إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟ أي إن لم يحفظها لتكون ثمرة صالحة للأكل.

( أرأيتك إن منع الله الثمرة.
بم تستحل مال أخيك؟)
أرأيتك أي أخبرني، فالاستفهام يراد به مطلق الطلب بدل طلب الفهم.
مجاز مرسل، والرؤية يراد بها الإخبار، مجاز مرسل، علاقته السببية والمسببية.
فآل الأمر إلى طلب الإخبار، المدلول عليه بلفظ أخبرني.

( أمر بوضع الجوائح) أي بالتنازل عن قيمة الجائحة، فلا يأخذ البائع قيمة المبيع الذي هلك عنده قبل قبضه.

( أصيب في ثمار ابتاعها) أي هلكت ثمار اشتراها، والظاهر أنها كانت بعد بدو الصلاح، أو أن ذلك كان بتقصير منه قبل الجذاذ، إذ لم يرجع على البائع بشيء.

( لغرمائه) أي لدائنيه.

( صوت خصوم بالباب، عالية أصواتهما) جمع خصوم وأصوات باعتبار من حضر الخصومة، فإنهم ينضمون إلى أحد الخصمين، ويتكلمون، وثنى باعتبار الخصمين، أو كأن التخاصم من الجانبين بين جماعة، فجمع، ثم ثنى باعتبار جنس الخصم، وليس فيه حجة لمن جوز صيغة الجمع بالاثنين، كما زعم بعض الشراح.
كذا قال الحافظ ابن حجر.
وهو كما قال في جمع خصوم وتثنية الضمير، أما إفراد صوت في الأول وجمعه أصوات في الثاني فلأن الصوت مصدر يطلق على القليل والكثير، مثل عدو وقد بدأ وصول الصوت إليه بجملة، ثم كثر، وعالية يجوز فيه الجر على الصفة، والنصب على الحال، والمراد من الباب باب إحدى بيوته صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنه بيت عائشة، والمراد قريبًا من الباب.

( وإذا أحدهما يستوضع الأخر) أي يطلب منه أن يضع عنه، ويسقط عنه بعض الدين، وهو المعروف في الفقه بالحطيطة.

( ويسترفقه في شيء) أي ويطلب منه أن يرفق به، وقد وقع بيان هذا الشيء، وأن المخاصة كانت في ثمر بين البائع والمشتري في رواية ابن حبان.

( وهو يقول) أي والآخر يقول.

( والله أفعل) هذا ولا ذاك، أي لا أضع ولا أنقص الثمن أو الدين، ولا أرفق بك فأؤخره، أو أمنحك ما يزيل خصومتك ويرضيك.

( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بيته إليهما.

( أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟) المتألي بضم الميم وفتح التاء وفتح الهمزة وكسر اللام المشددة.
أي الحالف المبالغ في اليمين، مأخوذ من الألية، بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد الياء، وهي اليمين.

( فله أي ذلك أحب) أي فلخصمي أي الأمرين أحب، الوضع أو الرفق.

( أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينًا) أي طالبه به، وأراد قضاءه، وحدرد بفتح الحاء وسكون الدال وفتح الراء بعدها دال، وفي الرواية التاسعة فلقيه أي في المسجد.

( فخرج إليهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته) بكسر السين وفتحها مع سكون الجيم، الستر، فخروجه صلى الله عليه وسلم بروزه، والمعلوم أن بعض حجراته صلى الله عليه وسلم كان يسترها عن المسجد ستر.

( قال صلى اللَّه عليه وسلم: قم فاقضه) أي قال للمدين بعد أن حط الدائن عنه النصف - قم فأد نصف دينك، والظاهر أنه قام فأدى في الحال، بدليل الرواية التاسعة، ففيها فأخذ نصفًا مما عليه، وترك نصفًا.

( عند رجل قد أفلس) المفلس شرعًا من تزيد ديونه على موجوداته، سمي مفلسًا لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير.

[الفلس عملة كانت تقدر بسدس الدرهم] إشارة إلى أنه صار لا يملك إلا أدنى الأموال، وهي الفلوس، أو سمي بذلك لأنه يمنع من التصرف إلا في الشيء التافه كالفلوس، لأنهم ما كانوا يتعاملون بها إلا في الأشياء الحقيرة، أو لأنه صار إلى حالة لا يملك فيها فلسًا، فعلى هذا فالهمزة في أفلس للسلب.

( فهو أحق به من غيره) ظاهره: أيا كان ذلك الغير، وارثًا أو غريمًا.
وفي ملحق الرواية الثانية عشرة فهو أحق به من الغرماء وسيأتي الخلاف في فقه الحديث.

( في الرجل الذي يعدم) بضم الياء وسكون العين وكسر الدال، أي يفتقر.

( تلقت الملائكة روح رجل) أي استقبلت روحه عند الموت.

( فقالوا: أعملت من الخير شيئًا؟ قال: لا.
قالوا: تذكر.
قال)
ظاهر هذه الرواية أن السائلين.
ملائكة تلقى الأرواح عند الموت، وكأنهم رأوا منزلته في الجنة، أو أن القبضة كانوا ملائكة الرحمة، ولم يروا من الخير عملاً يؤهله لذلك، فسألوا.

وفي الرواية الخامسة عشرة رجل لقي ربه، فقال: ما عملت؟ قال: ما عملت من الخير، إلا أني كنت... وظاهر هذه الرواية أن السائل هو الله تعالى لإظهار المنة والرحمة، فالسؤال سؤال استنطاق وتقرير.
وفي الرواية السادسة عشرة أن رجلاً مات فدخل الجنة، فقيل له: ما كنت تعمل؟ فإما ذكر - أي من تلقاء نفسه - وإما ذكر - أي ذكره غيره فقال...

وفي الرواية السابعة عشرة أتى الله بعبد من عباده.. فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟.. وهي كالرواية الخامسة عشرة، وفي الرواية الثامنة عشرة أن هذا القول عند الحساب.

ولا تعارض، فقد يسأل الرجل ويجيب في كل هذه المواطن، ومن السائلين المختلفين.

( كنت أداين الناس....
)
في الرواية الخامسة عشرة كنت رجلاً ذا مال فكنت أطالب به الناس أي كنت أداين، فأطالب.
وفي الرواية السادسة عشرة والسابعة عشرة كنت أبايع الناس وفي الرواية الثامنة عشرة كان يخالط الناس ولا تعارض، فقد يبيع بالأجل، ويقرض، ويخالط الناس بمعاملات أخرى كالشركة والقراض ونحو ذلك.

( فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوزوا عن الموسر) وفي الرواية السادسة عشرة فكنت أنظر المعسر، وأتجوز في السكة - المراد بها المعادن المسكوكة والمضروبة نقودًا للتعامل بها - أو في النقد شك من الراوي في أي اللفظين قيل: وفي الرواية الخامسة عشرة فكنت أقبل الميسور، وأتجاوز عن المعسور وفي الرواية السابعة عشرة وكان من خلقي الجواز - أي التجاوز والتجوز والتسامح - فكنت أتيسر على الموسر - أي أيسر عليه في الدفع - وأنظر المعسر وفي الرواية الثامنة عشرة فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر.

والفتيان جمع فتى هم الغلمان، كما جاء في الرواية الثامنة عشرة، والمراد الخدم، أحرارًا كانوا أو عبيدًا، وتجاوز الفتيان تجاوز منه، ينسب إليه بالأصالة وللفتيان بالمباشرة.

والتجاوز المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء، أعني في الكم والكيف، فيتسامح في الكم بالتنازل عن جزء الدين، ويتسامح في كيفية الأداء بالتقسيط وتأخير السداد، وهو على هذا يصلح أن يعامل به الموسر والمعسر.
ومن هنا جاءت الرواية الرابعة عشرة بالتجاوز عن الموسر، وجاءت الرواية الخامسة عشرة والثامنة عشرة بالتجاوز عن المعسر.

والإنظار هو تأخير وقت السداد، وهو يصلح أن يعامل به الموسر والمعسر، وإذا كانت روايات مسلم لم تأت بإنظار الموسر، فإن روايات البخاري جاءت به، ففي بعضها أنظروا الموسر وفي بعضها أن ينظروا ويتجاوزوا عن الموسر ولهذا ترجم البخاري باب من أنظر موسرًا ثم باب من أنظر معسرًا.

واختلف العلماء في حد الموسر والمعسر، وسيأتي في فقه الحديث.

( آللَّه؟ قال: اللَّه) آللَّه بحذف حرف الجر، أي أبالله، يعني أتقسم بالله أنك صادق؟ قال: الله.
بحذف حرف القسم.
أي والله إني معسر.

( من كرب يوم القيامة) بضم الكاف وفتح الراء، جمع كربة، وهي الشدة.

( فلينفس عن معسر) بضم الياء وفتح النون وكسر الفاء المشددة، أي يفرج عنه، وأصله يمكنه من النفس المريح.

فقه الحديث

تتعرض الأحاديث إلى السماحة وسهولة المعاملة والتيسير في استيفاء الحقوق في أربع صور:

الصورة الأولى: تلف الثمرة عند البائع، بعد البيع، وقبل قبض المشتري، وقد ذكرنا قبل ثلاثة أبواب حكم بيع الثمار، قبل بدو صلاحها، وبعد بدو صلاحها بشرط القطع، وبشرط الإبقاء على الشجر، ووضحنا المراد من بدو الصلاح هناك بما يغني عن إعادته هنا.

وهذا الباب ليس في صحة البيع أو بطلانه، وإنما هو في تلف الثمرة عند البائع قبل قبض المشتري، وظاهر الرواية الأولى أن الثمرة في ضمان البائع، حتى يقبضها المشتري، سواء أكان بيعها قبل بدو الصلاح أو بعده، وسواء شرط المشتري بقاءها على الشجر لحين استلامها، أم لم يشترط، لكن الرواية الثانية والثالثة ربطت هذا الحكم بالنهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، ومفهومه أن ضمان البائع لها إنما هو في حالة بيعها قبل بدو الصلاح، وقد قلنا قبل ثلاثة أبواب: إن علة النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها أن الثمرة قد تتلف بعد البيع وقبل النضج، بل هي معرضة لذلك كثيرًا، فيكون البائع قد أكل مال أخيه.
وقلنا: إن البيع قبل بدو الصلاح بدون شرط القطع الفوري باطل عند عامة العلماء.
ومعنى هذا أن الثمرة قبل بدو صلاحها في ذمة البائع، فإذا تلفت لم يحل له من مال المشتري شيئًا، وهذا ما يقوله عامة العلماء، لم يخالف في ذلك إلا شاذ.

والخلاف المنتشر في بيع الثمرة بعد بدو صلاحها إذا تلفت، وقد خلى البائع بين المشتري وبينها.

فقال الشافعي في القديم وأحمد وطائفة: هي في ضمان البائع، ويجب وضع الجائحة، إلا إذا تلفت بعد أوان الجذاذ، وفرط المشتري في تركها بعد ذلك على الشجر، واحتجوا بروايتنا الخامسة ولفظها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح وبروايتنا الأولى، ولفظها لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا.
بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ أي لو تلف الثمر لانتفى في مقابلته العوض، فأخذ مال المشتري في هذه الحالة أخذ بلا مقابل، فهو بغير حق.

وقالوا: إن الثمرة في هذه الحالة في معنى الباقية في يد البائع، من حيث إنه يلزم بسقيها، فكأنها تلفت في يده قبل القبض، كما استندوا إلى قوله صلى الله عليه وسلم في روايتنا السادسة للغرماء، وفيهم البائعون خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ولو كانت الجوائح لا توضع لكان لهم طلب بقية الثمن.

وقال الشافعي في أصح قوليه وأبو حنيفة والليث بن سعد وآخرون: هي في ضمان المشتري، ولا يجب وضع الجائحة، بل تستحب، واحتجوا بروايتنا الخامسة، قالوا: لو وجب وضع الجائحة لقال صلى الله عليه وسلم للبائعين: لا حق لكم عنده، ولما أمر بالتصدق عليه، لسداد ثمن الثمار، أما قوله ليس لكم إلا هذا فمعناه ليس لكم الآن إلا هذا، فقد أخذتم كل ما وجد، ولا تحل لكم مطالبته ما دام معسرًا، بل عليكم أن تنظروه إلى ميسرة، وحملوا الأمر بوضع الجوائح على الاستحباب، أو فيما إذا بيع قبل بدو الصلاح.

وقال مالك: إن كانت الجائحة في دون ثلث الثمار وجب وضعها، وإن كانت في الثلث فأكثر لا يجب وضعها، بل يجب حينئذ وضع الجائحة في حدود ثلث الثمار المشتراة، ولعله بذلك يتوسط بين القول بضمان البائع وبين القول بضمان المشتري، وأن التلف خارج عن مسئوليتهما معًا.
واللَّه أعلم.

الصورة الثانية: التيسير على المدين، بوضع جزء من الدين عنه، أو بتأجيل الاستيفاء، أو بهما معًا، ووجه دخول هذه الصورة في كتاب البيع أن الدين قد يكون عن طريق البيع، وقد كان الدائن في الجاهلية يستعبد المدين ويسترقه إذا جاء الأجل فلم يسدد، فجاء الإسلام، لا بإمهال المدين فحسب، بل وبالحط عنه بعض الدين، وليس بالربا وزيادة الدين.

وعن هذه الصورة تتحدث روايتنا السابعة والثامنة والتاسعة والرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة.

وقد اختلف العلماء في حد الموسر والمعسر، فقال الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحق: من عنده خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب فهو موسر، وقال الشافعي: قد يكون الشخص بالدرهم غنيًا بكسبه، وقد يكون فقيرًا بالألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله، وقيل: الموسر من يملك نصاب الزكاة، وقيل: الموسر من لا يحل له الزكاة، وقيل: الموسر من يجد فاضلاً عن ثوبه ومسكنه وخادمه ودينه وقوت من يمونه، وعند الحنفية: الغنى على ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: الغنى الذي يتعلق به وجوب الزكاة.
المرتبة الثانية: الغنى الذي يتعلق به وجوب صدقة الفطر والأضحية وحرمان الأخذ من الزكاة، وهو أن يملك ما يفضل عن حوائجه الأصلية ما يبلغ قيمة مائتي درهم، مثل دور لا يسكنها، وحوانيت يؤجرها، ونحو ذلك.
والمرتبة الثالثة: غنى حرمة السؤال.
قيل: أن يكون عنده ما قيمته خمسون درهمًا، وقال عامة العلماء: إن من ملك قوت يومه وما يستر به عورته يحرم عليه السؤال، وكذا الفقير القوي المكتسب يحرم عليه السؤال.
قال العيني: هذا كله في حق من يجوز له السؤال، وأخذ الصدقة ومن لا يجوز، وأما ههنا - أعني في إنظار الموسر - فالاعتماد على أن الموسر والمعسر يرجعان إلى العرف، فمن كانت حاله بالنسبة إلى مثله يعد يسارًا فهو موسر، وكذا عكسه.
اهـ.

الصورة الثالثة: المفلس، وسداد ديونه للغرماء، ومن باعه شيئًا فوجد متاعه عنده بعينه لم يتصرف فيه.
وعن هذه الصورة تتحدث روايتنا العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة.

وهذه الصورة يقول عنها النووي: اختلف العلماء فيمن اشترى سلعة، فأفلس، أو مات قبل أن يؤدي ثمنها، ولا وفاء عنده، وكانت السلعة باقية بحالها، فقال الشافعي وطائفة: بائعها بالخيار، إن شاء تركها وضارب مع الغرماء بثمنها، وإن شاء رجع فيها، واستردها بعينها.
سواء في حالة الإفلاس أو حالة الموت، وقال أبو حنيفة: لا يجوز له الرجوع فيها، بل تتعين المضاربة.
وقال مالك: يرجع في صورة الإفلاس، ويضارب في حالة الموت، واحتج الشافعي بهذه الأحاديث، وبحديث أبي داود وغيره في حالة الموت.
وتأولها أبو حنيفة تأويلات ضعيفة مردودة، وتعلق بشيء يروى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وليس بثابت عنهما.
اهـ.

وهذا الذي أشار إليه النووي شرحه العيني بإسهاب، نقتطف منه ما يناسب المقام، ومن أراد المزيد فليرجع إليه.
قال: احتج بهذا الحديث عطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وطاوس والشعبي والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وداود.
كلهم قالوا: إذا أفلس الرجل وعنده متاع قد اشتراه، وهو قائم بعينه فإن صاحبه أحق به من غيره من الغرماء، [وهناك بينهم بعد ذلك خلافات في فروع المسألة، سنأتي على بعضها فيما يؤخذ من الحديث] وذهب إبراهيم النخعي والحسن البصري والشعبي في رواية ووكيع بن الجراح وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر إلى أن بائع السلعة أسوة للغرماء إذا وجدها بعينها.
وأجاب الطحاوي - من الحنفية - على الحديث بأن المذكور فيه من أدرك ماله بعينه والمبيع ليس هو عين ماله، وإنما هو عين مال قد كان له، وإنما يكون عين ماله في المغصوب والعارية والوديعة وما أشبه ذلك، فذلك ماله بعينه، فهو أحق بعينه، إذا وجده عند رجل أفلس، وليس للغرماء فيه نصيب، لأنه باق على ملكه، لأن يد الغاصب عليه يد التعدي والظلم، بخلاف ما إذا باعه، وسلمه إلى المشتري، فإنه يخرج عن ملكه، وإن لم يقبض الثمن، وتبدل الصفة كتبدل الذات، فصار المبيع غير ماله، وقد كان ماله أو لا.
[ومعنى هذا أن الحنفية يحملون الحديث - أي روايتنا العاشرة - على المقرض والمودع، دون البائع، وهذا مردود من وجوه.
الأول: أنه لا خلاف أن صاحب الوديعة أحق بها، سواء وجدها عند مفلس أو غيره، لكن الحديث شرط الإفلاس، فتعين حمله على البائع.
الثاني: أنه جعل لصاحب المتاع الرجوع، إذا وجده بعينه، والمودع أحق بعينه، سواء كان على صفته أو تغير عنها، فلا يجوز حمل الحديث على المودع.
الثالث: أن الحديث الصحيح [روايتنا الحادية عشرة] تنص على البيع، وفيها أنه لصاحبه الذي باعه.

وقال بعض الحنفية: إن الحديث مخالف للأصول الثابتة، فإن المبتاع قد ملك السلعة، وصارت في ضمانه، فلا يجوز أن ينقض عليه ملكه.
ويرد عليهم بأن الحديث لا يترك بالقياس، على أن المالك قد ينقض عليه ملكه في مواضع كثيرة، يقول بها الحنفية، كالشفعة وتقديم الرهن على الغرماء، واختلاف المتبايعين وتعجيز المكاتب وغير ذلك، وحمل بعض الحنفية الحديث على البيع قبل القبض، وهذا الحمل تمجه وتستبعده بداهة ألفاظ الحديث، ففيه ووجد الرجل سلعته عنده والسلعة قبل القبض ليست عند المفلس، ولا يقال: وجدها صاحبها وهي عنده.

الصورة الرابعة: تفريج الكروب، وعنها تتحدث الرواية المتممة للعشرين.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- قد يستدل بالنهي عن أخذ مقابل الجائحة على عدم أخذ ما يعرف بالعوض عما يهلك، كأن يصيب بسيارته سيارة الغير فيتلفها، أو يستعير إناء فينكسر عنده، لكن الحديث لا دلالة فيه على ذلك، فما في الحديث لا دخل للإنسان في الجائحة، أما الصور الأخرى فللإنسان دخل في الإتلاف بوجه من الوجوه، ومن أتلف شيئًا فعليه إصلاحه أو مثيله أو قيمته، وقد أخذ صلى الله عليه وسلم قصعة عائشة السليمة حين كسرت عائشة قصعة إحدى أمهات المؤمنين، وقال: قصعة بقصعة.
نعم إن تنازل صاحب المتاع المتلف عن العوض أو بعضه كان من قبيل الإحسان، وإن أخذ الكل فهو حق.

2- ومن الرواية السادسة التعاون على البر والتقوى.

3- ومواساة المحتاج ومن عليه دين.

4- والحث على الصدقة عليه.

5- وأن المعسر لا تحل مطالبته، ولا ملازمته، ولا سجنه، وبه قال الشافعي ومالك وجمهورهم، وحكي عن ابن شريح حبسه حتى يقضي الدين، وإن كان قد ثبت إعساره، وعن أبي حنيفة ملازمته.
والتحقيق أنه إن بدا للقاضي مماطلة حبسه.

6- وأن يسلم إلى الغرماء جميع مال المفلس ما لم يقض دينهم، ولا يترك للمفلس سوى ثيابه ونحوها.
وقد ذهب الجمهور إلى أن من ظهر فلسه فعلى الحاكم الحجر عليه في ماله، حتى يبيعه عليه، ويقسمه بين غرمائه على نسبة ديونهم.

7- ومن الرواية السابعة الحض على الرفق بالغريم والإحسان إليه بالوضع عنه.

8- والزجر عن الحلف على ترك فعل الخير، لأنه صلى الله عليه وسلم كره للرجل أن قطع نفسه عن فعل الخير.

9- وفيه سرعة فهم الصحابة لمراد الشارع، وطواعيتهم لما يشير إليه.

10- وحرصهم على فعل الخير.

11- وفيه الصفح عما يجري بين المتخاصمين من اللغط ورفع الصوت عند الحاكم.

12- وجواز سؤال المدين الحطيطة من صاحب الدين، خلافًا لمن كرهه من المالكية، واعتل بما فيه من تحمل المنة.
قال القرطبي: لعل من أطلق كراهته أراد أنه خلاف الأولى، وقال النووي: لا بأس بمثل هذا، ولكن بشرط ألا ينتهي إلى الإلحاح وإهانة النفس، أو الإيذاء، ونحو ذلك، إلا من ضرورة.

13- وفيه إشارة الحاكم على الخصمين بالصلح، وإن اتجه الحق لأحدهما، وبه قال الجمهور، ومنع من ذلك بعض المالكية.

14- وفيه الحض على ترك بعض الحق.

15- وأنه يستحب لمن حلف لا يفعل خيرًا أن يحنث، فيكفر عن يمينه.

16- وفيه الشفاعة إلى أصحاب الحقوق.

17- وقبول الشفاعة في الخير، وفي غير معصية.

18- ومن الرواية الثامنة جواز رفع الصوت في المسجد، قال الحافظ ابن حجر: وهو كذلك ما لم يتفاحش، والمنقول عن مالك منعه في المسجد مطلقًا، وعنه التفرقة بين رفع الصوت بالعلم والخير وما لا بد منه، فيجوز، وبين رفعه باللغط ونحوه، فلا.
قال المهلب: لو كان رفع الصوت في المسجد لا يجوز لما تركهما النبي صلى الله عليه وسلم، ولبين لهما ذلك.

19- والاعتماد على الإشارة إذا فهمت.

20- وجواز إرخاء الستر على الباب.

21- والمطالبة بالدين في المسجد.

22- وحسن التوسط بين الخصمين.

23- ومن قوله في الرواية العاشرة ماله بعينه وفي الثانية عشرة متاعه بعينه وفي الحادية عشرة ولم يفرقه أخذ أن شرط استحقاق صاحب المال دون غيره أن يجد ماله بعينه لم يتغير ولم يتبدل، وإلا فإن تغيرت العين في ذاتها بالنقص مثلاً، أو في صفة من صفاتها، فهو أسوة للغرماء.

24- واستدل بقوله في رواية مالك ولم يقبض البائع من ثمنه شيئًا استدل بمفهومه أنه أحق به من الغرماء إلا أن يكون اقتضى من ماله شيئًا، فهو أسوة الغرماء.
إلا أن للشافعي قولاً، هو الراجح في مذهبه، أنه لا فرق بين تغير السلعة أو بقائها، ولا بين قبض بعض ثمنها، أو عدم قبض شيء منه، على تفاصيل في ذلك مشروحة في كتب الفروع.

25- ومن الرواية الرابعة عشرة وما بعدها الحض على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم.

26- وفضل من أنظر معسرًا، أو وضع له، وفي الصحيح من أنظر معسرًا، أو وضع له أظله الله في ظل عرشه وروايتنا المتممة للعشرين تقول من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر، أو يضع عنه ولأحمد وقاه الله من فيح جهنم.

27- وأن اليسير من الحسنات إذا كان خالصًا للَّه يكفر كثيرًا من السيئات.

28- وأن الأجر يحصل لمن يأمر بالخير والمعروف، وإن لم يتول ذلك بنفسه.

29- وأنه لا يحتقر شيء من أفعال الخير، فلعله يكون سبب السعادة والرحمة.

30- وفيه جواز توكيل العبيد، والإذن لهم في التصرف.
وكل هذا على قول من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا إذا جاء في شرعنا في سياق المدح.

واللَّه أعلم