هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2455 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ ، فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ الْبَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا ، وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2455 حدثنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ، ولجعلتها على أساس إبراهيم ، فإن قريشا حين بنت البيت استقصرت ، ولجعلت لها خلفا ، وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، قالا : حدثنا ابن نمير ، عن هشام ، بهذا الإسناد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'A'isha (Allah be pleased with her) reported:

Allah's Messenger may peace be upon him) said to me: Had your people not been unbelievers in the recent past (had they not quite recently accepted Islam), I would have demolished the Ka'ba and would have rebuilt it on the foundation (laid) by Ibrahim; for when the Quraish had built the Ka'ba, they reduced its (area), and I would also have built (a door) in the rear.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1333] حَدَاثَة بِفَتْح الْحَاء استقصرت قصرت عَن تَمام بنائها خلفا بِفَتْح الْحَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام وَفَاء أَي بَابا من خلفهَا حدثان قَوْمك بالْكفْر بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الدَّال أَي قرب عَهدهم بِهِ يُرِيد أَن يجرئهم بِالْجِيم وَالرَّاء بعْدهَا همزَة من الجراءة أَي يشجعهم على قِتَالهمْ بِإِظْهَار قَبِيح أفعالهم وَرَوَاهُ العذري بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة أَي يختبرهم وَينظر مَا عِنْدهم فِي ذَلِك من حمية وَغَضب لله تَعَالَى ولنبيه أَو يحربهم هَذَا بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة وأوله مَفْتُوح أَي يغيظهم بِمَا يرونه فعل الْبَيْت من قَوْلهم حربت الْأسد إِذا أغضبته أَو يحملهم على الْحَرْب وبحضهم عَلَيْهَا وَرُوِيَ بِالْحَاء وَالزَّاي وَالْبَاء الْمُوَحدَة أَي يجعلهم حزبا لَهُ وناصرين لَهُ على مخالفيه فرق بِضَم الْفَاء أَي كشف وَبَين وَضَبطه الْحميدِي بِفَتْح الْفَاء وَفَسرهُ بِمَعْنى خَافَ وغلطوه فِي ضَبطه وَتَفْسِيره يجده بِضَم الْيَاء ودال وَاحِدَة مُشَدّدَة وَرُوِيَ يجدده بدالين وهما بِمَعْنى تتابعوا بموحدة قبل الْعين وَرُوِيَ بمثناة تَحت وَهُوَ بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنه أَكثر مَا يسْتَعْمل فِي الشَّرّ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه من تلطيخ بن الزبير أَي سبه وعيب فعله وَفد الْحَارِث بن عبد الله فِي نُسْخَة بن عبد الْأَعْلَى وَهُوَ تَصْحِيف بدا بِغَيْر همز يُقَال بدا لَهُ فِي هَذَا الْأَمر بدا أَي حدث لَهُ فِيهِ رَأْي لم يكن فهلمي هُوَ على لُغَة نجد وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ هَلُمَّ لكل مُخَاطب بِلَا تصريف كَاد أَن يدْخل كَذَا الرِّوَايَة يثبتون أَن فَنكتَ سَاعَة أَي بحث فِي الأَرْض وَهَذِه عَادَة من يفكر فِي أَمر مُهِمّ عَن الْجدر بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَهُوَ الْحجر حَدِيث عَهدهم فِي الْجَاهِلِيَّة كَذَا الرِّوَايَة وَهُوَ بِمَعْنى بالجاهلية

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لنقضت الكعبة، ولجعلتها على أساس إبراهيم.
فإن قريشاً، حين بنت البيت، استقصرت.
ولجعلت لها خلفاً.


المعنى العام

جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس، وكان البيت قد أزيل قبل إبراهيم عليه السلام، واندرست آثاره، فبوأ الله لإبراهيم مكان البيت، فبناه على الأسس التي بوأها الله له، ولم يكن لها سقف، ولما احترقت بسبب أن قرشية كانت تبخرها، فاتصلت النار بأستارها فأحرقتها، وأصبحت حجارتها هشة ضعيفة وتساقطت قامت قريش ببنائها، واشترك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في بنائها هذا وهو ابن خمس وثلاثين وقيل خمس وعشرين، وكان صاحب الفضل في حسم النزاع فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه من بنائها.

بنت قريش الكعبة على قواعد إبراهيم من ثلاث جهات، أما الجهة الرابعة فقد نقصتها نحو ستة أذرع، اختصاراً للنفقة، وأحاطت الجزء المتروك منها بحائط قصير نصف دائري، عرف بحجر إسماعيل عليه السلام.
ورفعت حوائطها في السماء ثماني عشرة ذراعاً وأقامت في داخلها ستة أعمدة في صفين، حملت سقفها مع حوائطها وقامت بكسوة هذا البناء تقديساً له، ونصبت بداخله أصناماً، وصورت عليه من الداخل صوراً، ولم يجعل لهذا البناء سوى باب واحد، رفعت قاعدته عن الأرض، لا يصعد إليه إلا بسلم، وكان لها في بناء إبراهيم عليه السلام بابان، باب شرقي وباب غربي، ملتصقين بالأرض، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل الكعبة بعد أن أمر بتحطيم الأصنام من داخلها ومن حولها، وطمس ومحا الصور التي على حوائطها وأعمدتها، ثم أغلقها وأعاد مفتاحها إلى سدنتها.
وكان صلى الله عليه وسلم، يتمنى أن لو هدم الكعبة وأعاد بناءها على قواعد إبراهيم عليه السلام، وأدخل فيها الأذرع الخمس أو الست التي اختصرتها قريش، وأعاد إليها الباب الآخر الذي لم تفتحه قريش وألزق البابين بالأرض، لكنه خشي على ضعاف الإيمان أن يفتنوا وهم قريبو عهد بكفر يقدسون الكعبة، ولا يرضون أحداً أن يمسها بسوء، فقال لعائشة: إن قومك قصرت بهم النفقة، فنقصوا من بناء الكعبة خمسة أو ستة أذرع في حجر إسماعيل فهلمي لأريك مكان الأساس الأصلي الذي تركوه، وأراها، ثم قال لها: لولا أني لا أملك ما يكفي لبنائها من جديد، ولولا خوفي من فتنة من هم قريبو عهد بكفر لهدمتها وبنيتها على قواعد إبراهيم، فإن عشت وأراد قومك أن يبنوها من جديد فها هي قواعد إبراهيم وبلغت عائشة هذه الوصية، وسمعها ابن أختها عبد الله بن الزبير، فلما بويع خليفة من أهل الحجاز، وفاض المال في يده قام بتنفيذ هذه الوصية بعد سنة خمس وستين من الهجرة، وكانت عائشة رضي الله عنها قد ماتت منذ زمن.
هدم الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم، وأدخل فيها من الحجر ستة أذرع، وجعل لها بابين ملتصقين بالأرض، فأحس بالرغبة في رفع بنائها عما كانت عليه، فزاد ارتفاعها عشرة أذرع، فلما قتل ابن الزبير على يد الحجاج وعصابته كتب إلى عبد الملك بن مروان بأن الكعبة أصيبت بالمنجنيق وتحتاج إعادة البناء، فأمره عبد الملك أن يهدمها وأن يعيد بناءها على ما كانت عليه قبل بناء ابن الزبير، على أن يجعل ارتفاعها في السماء مثل ما كان في بناء ابن الزبير، فبناها كذلك، ومازالت على هذا البناء حتى اليوم وصانها الله وجعلنا من مستقبليها ومقدسيها وزائريها، وزادها تكريماً وتشريفاً وتعظيماً ومهابة وبراً، وزاد من زارها بحج أو عمرة تكريماً وتشريفاًَ وتعظيماً ومهابة وبراً.
إنه سميع مجيب.

المباحث العربية

( نقض الكعبة) قال أهل اللغة نقض الشيء نقضاً أفسده بعد إحكامه، ونقض البناء هدمه.

( لولا حداثة عهد قومك بالكفر) حداثة بفتح الحاء، أي قرب عهدهم بالكفر وفي الرواية الثانية والسابعة لولا حدثان قومك بالكفر حدثان بكسر الحاء وإسكان الدال، أي قرب عهدهم بالكفر، وفي الرواية الثالثة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية وفي الرواية الرابعة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك وفي الرواية الخامسة لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر وفي الرواية السادسة لولا حداثة عهدهم بالشرك وفي الرواية الثامنة لولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية قال النووي هكذا هو في جميع النسخ في الجاهلية وهو بمعنى بالجاهلية كما في سائر الروايات.
اهـ والمعنى لولا خوف فتنة بعض من أسلم قريباً لهدمت الكعبة، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة وقدسيتها، فيرون هدمها وتغييرها حدثاً عظيماً، والإقدام على ذلك خطيراً، ففي الرواية الثامنة فأخاف أن تنكر قلوبهم.

( لنقضت الكعبة) أي لهدمتها، وفي الرواية الرابعة لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض أي سويت جدرانها بالأرض، أي هدماً كاملاً، وفي الرواية السابعة لنقضت البيت أي الكعبة.

( ولجعلتها على أساس إبراهيم) عليه السلام، أي على قواعد إبراهيم كما جاء في الرواية الثانية، أي ولبنيت جدرانها على أساس جدران إبراهيم.

( فإن قريشاً حين بنت البيت استقصرت) أي قصرت وكفت عن إتمامه وعجزت عن بنائه بحجمه، أو استقصرت الكعبة، فأخذت من طولها، ولم تمد ضلعها كما كان يجب، وفي الرواية الثانية اقتصروا عن قواعد إبراهيم أي نقصوا عنها ولم يبلغوها وفي الرواية الرابعة فإن قريشاً اقتصرتها أي اقتصرت الأذرع الست، أي تركتها ونقصتها وفي الرواية السادسة إن قومك استقصروا من بنيان البيت أي نقصوه وفي الرواية السابعة فإن قومك قصروا في البناء أي حذفوا منه ولم يكملوه، وفي الرواية الثامنة إن قومك قصرت بهم النفقة بتشديد الصاء المفتوحة، أي ضعفت بهم النفقة فجعلتهم يقتصرون في بنائها، وكان بناء قريش للبيت في الجاهلية، قبل البعثة، واشترك في بنائها محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وسنه خمسة وعشرون عاماً، وقيل خمسة وثلاثون عاماً.

( ولجعلت لها خلفاً) قال النووي هو بفتح الخاء وإسكان اللام وبالفاء، هذا هو الصحيح المشهور، والمراد به باب من خلفها، ولقد جاء مفسراً في الرواية الرابعة وجعلت لها بابين، باباً شرقياً وباباً غربياً وفي الرواية السادسة ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض أي في مستوى الأرض غير مرتفعين عنها شرقياً وغربياً وفي صحيح البخاري قال هشام خلفاً يعني باباً، وفي الرواية الخامسة ولجعلت لها باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه وفي رواية البخاري ولجعلت لها خلفين.

( ألم ترى أن قومك؟) الرؤية هنا علمية، أي ألم تعلمي أن قومك؟ أي اعلمي أن قومك.

( أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟) الفاء عاطفة على محذوف، تقديره أتخاف الناس فلا تردها؟.

( لئن كانت عائشة سمعت هذا) قال النووي: قال القاضي: ليس هذا اللفظ من ابن عمر على سبيل التضعيف لروايتها، والتشكيك في صدقها وحفظها، فقد كانت من الحفظ والضبط بحيث لا يستراب في حديثها ولا فيما تنقله، ولكن كثيراً ما يقع في كلام العرب صورة التشكيك والتقرير، والمراد به اليقين، كقوله تعالى { { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } } [الأنبياء: 111] .

( لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله) أي في بناء الكعبة.
قال النووي: جاء في رواية لأنفقت كنز الكعبة في بنائها.
اهـ

وكنز الكعبة ما كان يهدى إليها من حلي أو أموال تزيد عن الحاجة، فيحبس عليها ويحفظ في خزانتها، وكانوا في الجاهلية يهدون إلى الكعبة المال والحلي وغير ذلك تعظيماً لها، وحكى الفاكهي في كتاب مكة أنه صلى الله عليه وسلم وجد فيها يوم الفتح ستين أوقية، فقيل له لو استعنت بها على حربك؟ فلم يحركه والظاهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه رعاية لقلوب قريش، كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، تشير إلى ذلك روايتنا الثالثة وفيها لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله وقيل: تركه لأن ما جعل في الكعبة، وسبل لها يجري مجرى الأوقاف، فلا يجوز تغييره عن وجهه.
قال الحافظ وهذا التعليل ليس بظاهر.
اهـ

وقد روى البخاري أن عمر رضي الله عنه هم أن يقسم كنز الكعبة ومالها بين فقراء المسلمين فقيل له: ما أنت بفاعل.
قال: لم؟ فقيل له: لم يفعله صاحباك.
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وهما أحوج منك إلى المال، فقال: هما المرءان يقتدي بهما، وقام كما هو وخرج.

ولما صرف الرسول صلى الله عليه وسلم النظر عن كنز الكعبة أخذ يضم عدم القدرة إلى حداثة العهد بكفر كسبب لعدم رد الكعبة إلى بناء إبراهيم، فقال -كما في الرواية الخامسة وليس عندي من النفقة ما يقوى على بنائه.

( ولجعلت بابها بالأرض) أي ملتصقاً بالأرض، بدون درج، غير مرتفع عنها، وفي ملحق الرواية السادسة ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض وقد بينت الرواية الثامنة في ملحقها وضع الباب، فقالت فما شأن بابه مرتفعاً -أي عن الأرض- لا يصعد إليه إلا بسلم؟ وفي أصلها فما شأن بابه مرتفعاً؟ كما بينت الرواية السادسة في ملحقها السر في أن قريشاً رفعت باب الكعبة، ففيها وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟ قالت: قلت: لا.
قال: تعززاً -أي تصلباً وتشديداً- أن لا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي ، حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط.

( ولأدخلت فيها من الحجر) حجر إسماعيل هو المحاط بحائط قصير على هيئة نصف دائرة بجوار الكعبة، وقد حددت الرواية الرابعة المقدار المتروك من الكعبة في الحجر بستة أذرع، وحددته الرواية الخامسة بخمس أذرع وحددته الرواية الثامنة قريباً من سبعة أذرع، ومن المعلوم أن في الذراع لغتين مشهورتين.
التأنيث والتذكير، فصح خمس وخمسة وست وستة وسبع وسبعة.
وأما الجمع بين هذا الاختلاف في المقدار فيحتمل أن الأقل لم يحسب عرض حائط الأساس، وأن الأكثر حسبه، قال النووي: قال أصحابنا: ست أذرع من الحجر مما يلي البيت محسوبة من البيت بلا خلاف، وفي الزائد عنها خلاف.
هل هو من البيت أولاً؟ وسواء كان الحجر كله من البيت أو بعضه فالطواف يكون من ورائه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

( لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية، حين غزاها أهل الشام) أرسل يزيد بن معاوية جيشاً غزا المدينة سنة ثلاث وستين، ثم سار جيش يزيد إلى ابن الزبير في مكة فحاصروه، فقاتلهم أياماً، ثم جاء الخبر بموت يزيد سنة أربع وستين، فبايع أهل الحرمين ابن الزبير، وبايع أهل دمشق معاوية بن يزيد فمات معاوية بعد أربعين يوماً، وبويع مروان بن الحكم بعده، ومات سنة خمس وستين، وتمكن ابن الزبير وبايعه أهل الحرمين واليمن والعراق وخراسان، وبايع أهل الشام عبد الملك بن مروان، وفي هذا الوقت هدم ابن الزبير الكعبة وبناها، وجهز عبد الملك بن مروان جيش الحجاج بن يوسف لحرب ابن الزبير، فحاصروه ونصبوا المنجنيق، وقتلوه رضي الله عنه.

فقوله حين غزاها أهل الشام أي حين غزا بلاد الحجاز أهل الشام في زمن يزيد بن معاوية، فالضمير غزاها يعود على البيت باعتباره الكعبة، والمراد غزا ديارها وبلدها أهل الشام.

( فكان من أمره ما كان) أي فكان من أمر يزيد وجيشه مع ابن الزبير ما كان من حصار وحرب.

( يريد أن يجرئهم -أو يجربهم- على أهل الشام) قال النووي يجرئهم بالجيم والراء بعدها همزة، من الجراءة، أي يشجعهم على قتالهم، بإظهار قبح فعالهم بتركهم الكعبة مهدمة، هذا هو المشهور في ضبطه قال القاضي ورواه العذري يجربهم بالجيم والباء ومعناه يختبرهم وينظر ما عندهم في ذلك من حمية وغضب لله تعالى ولبيته، وفي رواية أو يحربهم بالحاء والراء والباء، وبفتح أوله، ومعناه يغيظهم بما يرونه قد فعل بالبيت، من قولهم حربت الأسد إذا غضبته قال القاضي وقد يكون معناه يحملهم على الحرب، ويحرضهم عليها ويؤكد عزائمهم لذلك.
قال ورواه آخرون يحزبهم بالحاء والزاي، أي يشد قوتهم، ويميلهم إليه، ويجعلهم حزباً له، وناصرين له، وحزب الرجل من مال إليه، وتحازب القوم تمالوا.

( فلما صدر الناس قال يا أيها الناس) أي فلما رجع الحجاج إلى بلادهم قال للكبراء أهل مكة أيها الناس.

( فإني قد فرق لي فيها رأي) قال النووي: فرق بضم الفاء وكسر الراء، أي كشف وبين.
قال الله تعالى { { وقرآناً فرقناه } } [الإسراء: 106] .
أي فصلناه وبيناه، هذا هو الصواب في ضبط هذه اللفظة ومعناها.

( ما رضي حتى يجده) قال النووي هكذا هو في أكثر النسخ يجده بضم الياء وكسر الجيم وبدال واحدة مشددة، وفي كثير منها يجدده بدالين، وهما بمعنى.

( إني مستخير ربي ثلاثاً) أي ثلاث ليال.

( فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء) الفاء في فتحاماه الناس عاطفة على محذوف، أي فطلب من بعض الناس أن يصعد الكعبة يهدم، فتجنبه الناس، أي تجنبوا ابن الزبير وانصرفوا عنه، ولم يؤيدوه، أو فتجنبوا هذا الأمر، وهو الصعود للهدم، وأن ينزل مفعول لأجله، أي مخافة أن ينزل أمر وسخط وعذاب من السماء بأول من يصعد ليهدم.

( تتابعوا فنقضوه) أي تبع بعضهم بعضاً.
قال النووي هكذا ضبطناه تتابعوا بباء موحدة قبل العين، وهكذا هو في جميع نسخ بلادنا، وكذا ذكره القاضي عن رواية الأكثرين، وعن أبي بحر تتايعوا بالياء المثناة بدل الباء الموحدة، وهو بمعناه، إلا أن أكثر ما يستعمل بالمثناة في الشر خاصة، وليس هذا موضعه.
اهـ في كتب اللغة تتايع فلان في الشر وعلى الشر تهافت عليه وأسرع.

( فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه) الظاهر أن الهدف من هذه الأعمدة والستور أن يستقبلها المصلون في تلك الأيام، فقد روي أن ابن عباس قد قال له إن كنت هادمها فلا تدع الناس بلا قبلة.

( حتى أبدى أسا نظر الناس إليه) أي حفر الأرض وعمقها على بعد خمسة أذرع من بناء الكعبة الحالي، حتى أظهر أساساً لبناء قديم أشهد الناس عليه، ورآه العدول من أهل مكة.

( إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء) يقال لطخته أي رميته بأمر قبيح.
والمراد لا علاقة لنا بقبح فعل ابن الزبير، يريد بذلك سبه وتقبيح فعله.

( أما ما زاد في طوله فأقره) أي ما زاد في ارتفاعه فأقره ولا تغيره.

( وسد الباب الذي فتحه) أي وارفع عتبة الباب التي سواها بالأرض.

( وفد الحارث بن عبد الله) قال النووي هكذا هو في جميع النسخ الحارث بن عبد الله ونقل القاضي عياض أن عبد الغفار بن الفارسي رواه الحارث بن عبد الأعلى.
قال القاضي عياض: وهو خطأ.
قال النووي وهذا الذي نقله القاضي عن الفارسي غير مقبول، ولعله وقع للقاضي نسخة عن الفارسي فيها هذه اللفظة مصحفة على الفارسي، لا من الفارسي.
والحارث هذا هو ابن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وهو تابعي.

( ما أظن أبا خبيب) بضم الخاء المعجمة.

( فإن بدا لقومك) يقال: بدا -بغير همزة- بدا له في الأمر بداء بالمد، أي حدث له فيه رأي لم يكن.

( فهلمي لأريك) هلم اسم فعل أمر بمعنى تعال وأقبل، وفيه لغتان.
لغة تبقيه بحالة واحدة في الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، وعليها الآية الكريمة { { والقائلين لإخوانهم هلم إلينا } } [الأحزاب: الآية 18] .
وهي لغة أهل الحجاز.
ولغة تلحق الضمائر به، وهي لغة أهل نجد يقولون للمرأة هلمي كما هنا، وللاثنين هلما، وللجمع هلموا، وللنساء هلممن.
قال الخليلي وأصل هلم لم بتشديد الميم، من قولهم لم الله شعثه، أي جمعه، كأنه أراد لم نفسك إلينا، أي أقرب.
دخلت عليها ها للتنبيه، وحذفت ألفها لكثرة الاستعمال.

( حتى إذا كاد أن يدخل) قال النووي هكذا هو في النسخ كلها كاد أن يدخل ففيه حجة لجواز دخول أن بعد كاد وقد كثر ذلك، وهي لغة فصيحة، ولكن الأشهر عدمه.

( فنكت ساعة بعصاه) أي بحث بطرف عصاه في الأرض بعض الوقت.
وهذه عادة من يفكر في أمر مهم.

( عن الجدر) بفتح الجيم وإسكان الدال، وهو الحجر.
وأصل الجدر الجدار، وهو الحائط، وأطلق الجدر على حجر إسماعيل لأنه محاط بحائط قصير.

فقه الحديث

ليس المراد من نقض الكعبة وبنائها وقوع ذلك أو عدم وقوعه، وكم مرة وقع؟ وفي عهد من وقع؟ فذلك هدف التاريخ، وإنما المراد حكم هدمها وتجديد بنائها.

وظاهر من كلام ابن عباس في الرواية الخامسة أنه لا يحبذ الهدم والبناء، ويفضل الترميم لما يتهدم والحفاظ على الآثار، وللشافعي الرأي نفسه، لكن دافعه كان قدسية الكعبة وعدم تعريضها للتلاعب، فهو يقول أحب أن تترك الكعبة على حالها، فلا تهدم، لأن هدمها يذهب حرمتها، ويصير كالتلاعب بها، فلذلك استحببنا تركها على ما هي عليه.

وللإمام مالك بن أنس الرأي نفسه مع هارون الرشيد حين أراد أن يهدمها ويردها إلى بناء ابن الزبير، فقال له ناشدتك الله يا أمير المؤمنين ألا تجعل هذا البيت لعبة للملوك، لا يشاء أحد إلا نقضه وبناه، فتذهب هيبته من صدور الناس.

وعن عدد بنائها يقول النووي في المجموع: ذكر العلماء أن الكعبة الكريمة بنيت خمس مرات.
إحداها: بنتها الملائكة قبل آدم، وحجها آدم فمن بعده من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
الثانية: بناها إبراهيم عليه السلام.
الثالثة: بنتها قريش في الجاهلية وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء قبل النبوة.
الرابعة: بناها ابن الزبير كما هو صريح في الرواية الخامسة.
الخامسة: بناها الحجاج بن يوسف في خلافة عبد الملك بن مروان واستقر بناها الذي بناه الحجاج إلى الآن.
وقيل إنها بنيت مرتين أخرتين قبل بناء قريش.
والله أعلم.

ويؤخذ من الأحاديث:

1- من حديث عائشة أنه إذا تعارضت المصالح، أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم عليه السلام مصلحة ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهي خوف فتنة من أسلم قريباً.

2- على ولي الأمر أن يفكر في مصلحة المسلمين، وأن يجتنب ما يخاف منه ضرر عليهم في دين أو دنيا، إلا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحدود، ونحو ذلك.

3- وعليه تألف قلوب الرعية، وحسن حياطتهم لئلا ينفروا، وأن لا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه، ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي.

4- وإذا لم يستطع فعل المصلحة أوصى أن تفعل من بعده، وبلغ من حضر ليبلغ من يستطيع.

5- ومن الرواية الثالثة جواز إنفاق كنز الكعبة ونذورها الفاضلة عن مصالحها في سبيل الله.
قال النووي لكن جاء في رواية لأنفقت كنز الكعبة في بنائها، وبناؤها من سبيل الله، فلعله المراد بقوله في الرواية في سبيل الله.
اهـ

6- وتفرع عن كنز الكعبة والاحتفاظ به تحلية الكعبة بالذهب والفضة، وقد حكى الرافعي في ذلك وجهين.
أحدهما الجواز تعظيماً لها كما في المصحف، والآخر المنع، إذ لم ينقل من فعل السلف، ورجح الجواز، لأن الكعبة لها من التعظيم ما ليس لبقية المساجد، بدليل تجويز سترها بالحرير والديباج، وفي جواز ستر المساجد بذلك خلاف، وقد وقع في أيام الوليد بن عبد الملك أن ذهب سقوف المسجد النبوي، ولم ينكر ذلك عمر بن عبد العزيز، ولم يزله في خلافته.
ثم إن تحريم استعمال الذهب والفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما.
وليس في تحلية المساجد شيء من ذلك، وقد قال الغزالي من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن.
وللحافظ ابن حجر في فتح الباري بحث قيم في كسوة الكعبة، لا يتسع له هذا المقام.

7- ومن روايات نقض بنيان الكعبة ودخول جزء منها في حجر إسماعيل عدم صحة الطواف في هذا الجزء.
قال النووي قال أصحابنا فإن طاف في الحجر وبينه وبين البيت أكثر من ستة أذرع ففيه وجهان.
أحدهما يجوز لظاهر هذه الأحاديث، والثاني لا يصح طوافه في شيء من الحجر ولا على جداره، ولا يصح حتى يطوف خارجاً من جميع الحجر.
قال وهذا هو الصحيح، وهو الذي نص عليه الشافعي، وقطع به جماهير العراقيين، وبه قال جميع علماء المسلمين سوى أبي حنيفة فإنه قال إن طاف في الحجر وبقي في مكة أعاده، وإن رجع من مكة بلا إعادة أراق دماً، وأجزأه طوافه.
واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر، وقال لتأخذوا عني مناسككم، ثم أطبق المسلمون عليه من زمنه صلى الله عليه وسلم إلى الآن، وسواء كان كله من البيت أم بعضه فالطواف يكون من ورائه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

8- ومن قول ابن الزبير في الرواية الخامسة أشيروا علي استحباب مشاورة الإمام أهل الفضل والمعرفة في الأمور المهمة.

9- استدل القاضي عياض بوضع الأعمدة والأستار بدل الكعبة لمذهب مالك في أن المقصود بالاستقبال البناء، لا البقعة.
ولقول ابن عباس لابن الزبير إن كنت هادمها فلا تدع الناس بلا قبلة.
ومذهب الشافعي جواز الصلاة إلى أرض الكعبة، سواء بقي من بنائها شيء أم لا.
إذ رد جابر على ابن عباس فقال صلوا إلى موضعها.
فهي القبلة.

10- ومن رد الحارث على عبد الملك بن مروان في الرواية السادسة والسابعة الانتصار للمظلوم.

11- ورد الغيبة.

12- وتصديق الصادق إذا كذبه إنسان.

والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب نَقْضِ الْكَعْبَةِ وَبِنَائِهَا
[ سـ :2455 ... بـ :1333]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتْ الْبَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا وَحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكَ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ الْبَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اقْتَصَرُوا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ ، وَفِي الْأُخْرَى ( فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا ) وَفِي الْأُخْرَى ( اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيْتِ ) وَفِي الْأُخْرَى ( قَصَّرُوا فِي الْبِنَاءِ ) وَفِي الْأُخْرَى ( قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ ) .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَمَعْنَى اسْتَقْصَرَتْ : قَصَّرَتْ عَنْ تَمَامِ بِنَائِهَا ، وَاقْتَصَرَتْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ لِقُصُورِ النَّفَقَةِ بِهِمْ عَنْ تَمَامِهَا .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِقَوَاعِدَ مِنَ الْأَحْكَامِ مِنْهَا : إِذَا تَعَارَضَتِ الْمَصَالِحُ أَوْ تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةٌ وَمَفْسَدَةٌ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ فِعْلِ الْمَصْلَحَةِ وَتَرْكِ الْمَفْسَدَةِ بُدِئَ بِالْأَهَمِّ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ نَقْضَ الْكَعْبَةِ وَرَدَّهَا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَصْلَحَةٌ ، وَلَكِنْ تُعَارِضُهُ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمُ مِنْهُ ، وَهِيَ خَوْفُ فِتْنَةِ بَعْضِ مَنْ أَسْلَمَ قَرِيبًا ، وَذَلِكَ لِمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ فَضْلِ الْكَعْبَةِ ، فَيَرَوْنَ تَغْيِيرَهَا عَظِيمًا ، فَتَرَكَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمِنْهَا فِكْرُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي مَصَالِحِ رَعِيَّتِهِ ، وَاجْتِنَابُهُ مَا يَخَافُ مِنْهُ تَوَلُّدُ ضَرَرٍ عَلَيْهِمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إِلَّا الْأُمُورَ الشَّرْعِيَّةَ كَأَخْذِ الزَّكَاةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .

وَمِنْهَا : تَأَلُّفُ قُلُوبِ الرَّعِيَّةِ وَحُسْنُ حِيَاطَتِهِمْ وَأَنْ لَا يَنْفِرُوا وَلَا يَتَعَرَّضُ لِمَا يَخَافُ تَنْفِيرَهُمْ بِسَبَبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَرْكُ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ كَمَا سَبَقَ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : بُنِيَ الْبَيْتُ خَمْسَ مَرَّاتٍ بَنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَحَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْبِنَاءَ ، وَلَهُ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً ، وَقِيلَ : خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ، وَفِيهِ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ حِينَ وَقَعَ إِزَارُهُ ، ثُمَّ بَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ ، ثُمَّ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ ، وَاسْتَمَرَّ إِلَى الْآنِ عَلَى بِنَاءِ الْحَجَّاجِ ، وَقِيلَ : بُنِيَ مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي كِتَابِ إِيضَاحِ الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَلَا يُغَيَّرُ عَنْ هَذَا الْبِنَاءِ ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ سَأَلَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ هَدْمِهَا وَرَدِّهَا إِلَى بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ؛ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ ، فَقَالَ مَالِكٌ : نَاشَدْتُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا تَجْعَلَ هَذَا الْبَيْتَ لُعْبَةً لِلْمُلُوكِ لَا يَشَاءُ أَحَدٌ إِلَّا نَقَضَهُ وَبَنَاهُ فَتَذْهَبُ هَيْبَتُهُ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ .
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا ) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَابٌ مِنْ خَلْفِهَا ، وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا ) وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ هِشَامٌ : ( خَلْفًا ) يَعْنِي بَابًا .
وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِمُسْلِمٍ : بَابَيْنِ أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : وَلَجَعَلْتُ لَهَا خِلْفَيْنِ قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ ذَكَرَ الْحَرْبِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ هَكَذَا ، وَضَبَطَهُ ( خِلْفَيْنِ ) بِكَسْرِ الْخَاءِ ،.

     وَقَالَ  : الْخَالِفَةُ عَمُودٌ فِي مُؤَخَّرِ الْبَيْتِ ..
     وَقَالَ  الْهَرَوِيُّ : خَلْفَيْنِ بِفَتْحِ الْخَاءِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي الْحُسَيْنِ ، قَالَ : وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ الْخَلْفَ الظَّهْرَ ، وَهَذَا يُفَسِّرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْبَابُ كَمَا فَسَّرَتْهُ الْأَحَادِيثُ الْبَاقِيَةُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكَ ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ أَيْ قُرْبُ عَهْدِهِمْ بِالْكُفْرِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا ) قَالَ الْقَاضِي : لَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ مِنَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى سَبِيلِ التَّضْعِيفِ لِرِوَايَتِهَا وَالتَّشْكِيكِ فِي صِدْقِهَا وَحِفْظِهَا فَقَدْ كَانَتْ مِنَ الْحِفْظِ وَالضَّبْطِ بِحَيْثُ لَا يُسْتَرَابُ فِي حَدِيثِهَا ، وَلَا فِيمَا تَنْقُلُهُ ، وَلَكِنْ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ صُورَةُ التَّشْكِيكِ وَالتَّقْرِيرِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَقِينُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ وَقَوْلِهِ تَعَالَى : قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ الْآيَةَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكَ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَالَ بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) فِيهِ : دَلِيلٌ لِتَقْدِيمِ أَهَمِّ الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَمِيعِهَا ، كَمَا سَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ : وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ إِنْفَاقِ كَنْزِ الْكَعْبَةِ وَنُذُورِهَا الْفَاضِلَةِ عَنْ مَصَالِحِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، لَكِنْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ : ( فِي بِنَائِهَا ) وَبِنَاؤُهَا مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، فَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْفَاضِلَ مِنْ وَقْفِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَا غَيْرَهُ ، بَلْ يُحْفَظُ دَائِمًا لِلْمَكَانِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي فَضَلَ مِنْهُ ، فَرُبَّمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حِينَ بَنَتِ الْكَعْبَةَ وَفِي رِوَايَةٍ : ( خَمْسَ أَذْرُعٍ ) وَفِي رِوَايَةٍ ( قَرِيبًا مِنْ سَبْعِ أَذْرُعٍ ) وَفِي رِوَايَةٍ : قَالَتْ عَائِشَةُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجِدَارِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَفِي رِوَايَةٍ : لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَهُ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ قَالَ أَصْحَابُنَا : سِتَّ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ مِمَّا يَلِي الْبَيْتَ مَحْسُوبَةً مِنَ الْبَيْتِ بِلَا خِلَافٍ ، وَفِي الزَّائِدِ خِلَافٌ فَإِنْ طَافَ فِي الْحِجْرِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ لِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ طَوَافُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحِجْرِ وَلَا عَلَى جِدَارِهِ ، وَلَا يَصِحُّ حَتَّى يَطُوفَ خَارِجًا مِنْ جَمِيعِ الْحِجْرِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ، وَقَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ ، وَرَجَّحَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ ، وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ سِوَى أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِنَّهُ قَالَ : إِنْ طَافَ فِي الْحِجْرِ وَبَقِيَ فِي مَكَّةَ أَعَادَهُ ، وَإِنْ رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ بِلَا إِعَادَةٍ أَرَاقَ دَمًا وَأَجْزَأَهُ طَوَافُهُ ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ ،.

     وَقَالَ  : " لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ " ثُمَّ أَطْبَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْآنَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ كُلُّهُ مِنَ الْبَيْتِ أَمْ بَعْضُهُ ، فَالطَّوَافُ يَكُونُ مِنْ وَرَائِهِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ ( سِتَّةَ أَذْرُعٍ ) بِالْهَاءِ ، وَفِي رِوَايَةٍ ( خَمْسَ ) وَفِي رِوَايَةٍ ( قَرِيبًا مِنْ سَبْعٍ ) بِحَذْفِ الْهَاءِ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، فَفِي الذِّرَاعِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ التَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ ، وَالتَّأْنِيثُ أَفْصَحُ .

قَوْلُهُ : ( لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ غَزَاهُ أَهْلُ الشَّامِ تَرَكَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ أَوْ يُحَرِّبَهُمْ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ ) أَمَّا الْحَرْفُ الْأَوَّلُ فَهُوَ يُجَرِّئَهُمْ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ بَعْدَهُمَا هَمْزَةٌ مِنَ الْجَرَاءَةِ ، أَيْ يُشَجِّعَهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ بِإِظْهَارِ قُبْحِ فِعَالِهِمْ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِهِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَرَوَاهُ الْعُذْرِيُّ ( يُجَرِّبَهُمْ ) بِالْجِيمِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَمَعْنَاهُ يَخْتَبِرَهُمْ وَيَنْظُرَ مَا عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ حَمِيَّةٍ وَغَضَبٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِبَيْتِهِ ،.

وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ ( أَوْ يَحْرِبَهُمْ ) فَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَأَوَّلُهُ مَفْتُوحٌ وَمَعْنَاهُ يَغِيظَهُمْ بِمَا يَرَوْنَهُ قَدْ فُعِلَ بِالْبَيْتِ ؛ مِنْ قَوْلِهِمْ : حَرِبْتَ الْأَسَدَ إِذَا أَغْضَبْتَهُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْحَرْبِ وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَيْهَا ، وَيُؤَكِّدُ عَزَائِمَهُمْ لِذَلِكَ ، قَالَ وَرَوَاهُ آخَرُونَ ( يَحْزُبَهُمْ ) بِالْحَاءِ وَالزَّايِ يَشُدَّ قُوَّتَهُمْ وَيُمِيلَهُمْ إِلَيْهِ ، وَيَجْعَلَهُمْ حِزْبًا لَهُ وَنَاصِرِينَ لَهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ ، وَحِزْبُ الرَّجُلِ مَنْ مَالَ إِلَيْهِ ، وَتَحَازَبَ الْقَوْمُ : تَمَالُوا .

قَوْلُهُ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ ) فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ مُشَاوَرَةِ الْإِمَامِ أَهْلَ الْفَضْلِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ .

قَوْلُهُ : ( قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَإِنِّي قَدْ فُرِقَ لِي فِيهَا رَأْيٌ ) هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ، أَيْ كُشِفَ وَبُيِّنَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ أَيْ : فَصَّلْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَمَعْنَاهَا ، وَهَكَذَا ضَبَطَهُ الْقَاضِي وَالْمُحَقِّقُونَ ، وَقَدْ جَعَلَهُ الْحُمَيْدِيُّ صَاحِبُ الْجَمْعِ بَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الصَّحِيحَيْنِ ( فَرَقَ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ بِمَعْنَى خَافَ ، وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَغَلَّطُوا الْحُمَيْدِيَّ فِي ضَبْطِهِ وَتَفْسِيرِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ ( يُجِدَّهُ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَبِدَالٍ وَاحِدَةٍ ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا ( يُجَدِّدُ ) بِدَالَيْنِ وَهُمَا بِمَعْنًى .

قَوْلُهُ : ( تَتَابَعُوا فَنَقَضُوهُ ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ ( تَتَابَعُوا ) بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ قَبْلَ الْعَيْنِ وَهَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ ، وَعَنْ أَبِي بَحْرٍ ( تَتَابَعُوا ) ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ ، إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُسْتَعْمَلُ بِالْمُثَنَّاةِ فِي الشَّرِّ خَاصَّةً ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ .

قَوْلُهُ : ( فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً فَسَتَرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ ) الْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْأَعْمِدَةِ وَالسُّتُورِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا الْمُصَلَّوْنَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ ، وَيَعْرِفُوا مَوْضِعَ الْكَعْبَةِ ، وَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ السُّتُورُ حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ وَصَارَ مُشَاهَدًا لِلنَّاسِ فَأَزَالَهَا ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبِنَاءِ الْمُرْتَفِعِ مِنَالْكَعْبَةِ .
وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِهَذَا لِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالِاسْتِقْبَالِ الْبِنَاءُ لَا الْبُقْعَةَ ، قَالَ : وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَشَارَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ بِنَحْوِ هَذَا.

     وَقَالَ  لَهُ : إِنْ كُنْتَ هَادِمَهَا فَلَا تَدَعِ النَّاسَ بِلَا قِبْلَةٍ ، فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ : صَلُّوا إِلَى مَوْضِعِهَا فَهِيَ الْقِبْلَةُ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ إِلَى أَرْضِ الْكَعْبَةِ ، وَيُجْزِيهِ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ بَقِيَ مِنْهَا شَاخِصٌ أَمْ لَا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ ) يُرِيدُ بِذَلِكَ سَبَّهُ وَعَيْبَ فِعْلِهِ .
يُقَالُ : لَطَّخْتُهُ ، أَيْ : رَمَيْتُهُ بِأَمْرٍ قَبِيحٍ .

قَوْلُهُ : ( وَفَدَ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي خِلَافَتِهِ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ( الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ) وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا خِلَافٌ ، وَنُسَخُ بِلَادِنَا هِيَ رِوَايَةُ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْفَارِسِيِّ ، وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ هَكَذَا لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ سِوَى الْفَارِسِيِّ فَإِنَّ فِي رِوَايَتِهِ ( الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ) قَالَ : وَهُوَ خَطَأٌ بَلِ الصَّوَابُ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ رِوَايَةِ الْفَارِسِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهَا كَرِوَايَةِ غَيْرِهِ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَلَعَلَّهُ وَقَعَ لِلْقَاضِي نُسْخَةٌ عَنِ الْفَارِسِيِّ فِيهَا هَذِهِ اللَّفْظَةُ مُصَحَّفَةٌ عَلَى الْفَارِسِيِّ لَا مِنَ الْفَارِسِيِّ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( مَا أَظُنُّ أَبَا خُبَيْبٍ ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ ، أَيْ : قُرْبِهِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكَ ) هُوَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ ، يُقَالُ : بَدَا لَهُ فِي الْأَمْرِ بَدَاءً بِالْمَدِّ ، أَيْ حَدَثَ لَهُ فِيهِ رَأْيٌ لَمْ يَكُنْ ، وَهُوَ ذُو بَدَوَاتٍ ، أَيْ يَتَغَيَّرُ رَأْيُهُ ، وَالْبَدَاءُ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ النَّسْخِ .

قَوْلُهُ : ( فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ ) هَذَا جَارٍ عَلَى إِحْدَى اللُّغَتَيْنِ فِي ( هَلُمَّ ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ تَقُولُ ( هَلُمَّ يَا رَجُلُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ بِمَعْنَى تَعَالَ ، قَالَ الْخَلِيلِيُّ : أَصْلُهُ ( لَمَّ ) مِنْ قَوْلِهِمْ : ( لَمَّ اللَّهُ شُعْثَهُ ) أَيْ جَمَعَهُ ، كَأَنَّهُ أَرَادَ لُمَّ نَفْسَكَ إِلَيْنَا أَيْ أَقْرِبْ وَ ( هَا ) لِلتَّنْبِيهِ وَحُذِفَتْ أَلِفُهَا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَجُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ ، فَيُقَالُ فِي الْجَمَاعَةِ ( هَلُمَّ ) هَذِهِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَأَهْلُ نَجْدٍ يَصْرِفُونَهَا فَيَقُولُونَ لِلِاثْنَيْنِ ( هَلُمَّا ) وَلِلْجَمْعِ ( هَلُمُّوا ) وَلِلْمَرْأَةِ ( هَلُمِّي ) وَلِلنِّسَاءِ ( هَلْمُمْنَ ) وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ ، هَذَا كَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يَدْخُلَ ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا ( كَادَ أَنْ يَدْخُلَ ) وَفِيهِ حُجَّةٌ لِجَوَازِ دُخُولِ ( أَنْ ) بَعْدَ ( كَادَ ) ، وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ ، وَهِيَ لُغَةٌ فَصَيْحَةٌ ، وَلَكِنَّ الْأَشْهَرَ عَدَمُهُ .

قَوْلُهُ : ( فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ ) أَيْ بَحَثَ بِطَرَفِهَا فِي الْأَرْضِ ، وَهَذِهِ عَادَةُ مَنْ تَفَكَّرَ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ ) هَذَا فِيهِ الِانْتِصَارُ لِلْمَظْلُومِ ، وَرَدُّ الْغِيبَةِ ، وَتَصْدِيقُ الصَّادِقِ إِذَا كَذَّبَهُ إِنْسَانٌ ، وَالْحَرْثُ هَذَا تَابِعِيٌّ ، وَهُوَ الْحَرْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ .