هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2369 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : رَمَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ . قَالَ فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ أُنَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : هَذَا ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ، مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2369 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة . قال فقيل له : إن أناسا يرمونها من فوقها ، فقال عبد الله بن مسعود : هذا ، والذي لا إله غيره ، مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'Abd al-Rahman b. Yazid reported that 'Abdullah b. Mas'ud (Allah be pleased with them) threw seven pebbles at Jamrat al-'Aqaba from the heart of the valley. He pronounced Takbir with every pebble. It was said to him that people fling stones from the upper side (of the valley), whereupon 'Abdullah b. Mas'ud (Allah he pleased with them) said:

By him, besides Whom there is no other god, that is the place (of flinging stones) of one upon whom Surah al-Baqara was revealed (the Holy Prophet).

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة، من بطن الوادي، بسبع حصيات.
يكبر مع كل حصاة.
قال فقيل له: إن أناساً يرمونها من فوقها.
فقال عبد الله بن مسعود: هذا، والذي لا إله غيره! مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.


المعنى العام

أعمال الحج يوم النحر، بعد الدفع من المزدلفة أربعة أعمال، رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الدخول إلى مكة لطواف الإفاضة، والسعي بعده إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، والسنة في هذه الأعمال الأربعة أن تكون مرتبة، كما رتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته من المزدلفة حتى أتى منى، فكان أول شيء فعله أن دخل بطن الوادي الذي به جمرة العقبة، وهو راكب ناقته، وبلال وأسامة -رضي الله عنهما- معه، أحدهما يمسك بزمام الناقة يقودها، والآخر رافع ثوباً على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، يظلله من الشمس، حتى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات، يكبر عند كل حصاة، ثم وقف قريباً من الجمرة يسأله الناس، ويجيبهم، ويعظهم، وكان فيما قال لهم: خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، واسمعوا لأمرائكم وأطيعوا، وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، مادام يقودكم بكتاب الله.
ثم أتى منزله صلى الله عليه وسلم بمنى، ثم نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم نسكه، ثم دعا الحلاق، فجلس وحلق، حلق شق رأسه الأيمن، ووزع شعره على من يليه من أصحابه، الشعرة والشعرتين، وحلق الشق الأيسر، فدعا أبا طلحة، وطلب منه أن يوزع شعره بين الناس.
وحلق بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم، وقصر بعضهم ورغب صلى الله عليه وسلم في الحلق، فقال رحم الله المحلقين.
قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: رحم الله المحلقين.
قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: رحم الله المحلقين.
قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين.

ولم يراع بعض الصحابة ترتيبه صلى الله عليه وسلم للأمور الأربعة، معتقدين أن الترتيب غير لازم، لكنهم لما علموا ترتيبه صلى الله عليه وسلم خافوا على صحة مناسكهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول أحدهم: يا رسول الله، لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر؟ فقال له: اذبح ولا حرج عليك، ويقول آخر: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال له: ارم، ولا حرج عليك، ويقول ثالث: حلقت قبل أن أرمي؟ فقال له: ارم ولا حرج، ويقول رابع: أفضت إلى البيت، وطفت، وسعيت قبل أن أرمي؟ فقال له: ارم ولا حرج.

فما سئل صلى الله عليه وسلم عن شيء من هذه الأربع قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج.

ثم دخل صلى الله عليه وسلم مكة ضحى فطاف بالبيت، ثم رجع إلى منزله بمنى فصلى الظهر بمنى.

وهكذا رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك يوم النحر، وأوضحها لأمته قولاً وعملاً أوضح بيان صلى الله عليه وسلم.

المباحث العربية

( جمرة العقبة) وتسمى الجمرة الكبرى، وهي ليست من منى، بل هي حد منى من جهة مكة، وهي أخر الجمرات الثلاث بالنسبة إلى المتوجه إلى مكة من منى وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة، والجمرة اسم لمجتمع الحصى، سميت بذلك لاجتماع الناس بها، يقال: تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا، وقيل: إن العرب تسمي الحصى الصغار جماراً فسميت، من تسمية الشيء بلازمه.

( من بطن الوادي) أي وقف في بطن الوادي، واستقبل الجمرة، ورماها من أسفل إلى أعلى، وفي الرواية الثانية فاستبطن الوادي، أي دخل في بطنه، وفي الرواية الثالثة وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه وفي رواية للترمذي واستقبل القبلة قال الحافظ ابن حجر: وهذا شاذ، في إسناده المسعودي، وقد اختلط.

( إن أناساً يرمونها من فوقها) في الرواية الثانية إن الناس وفي الرواية الرابعة إن ناساً والمراد من قوله: من فوقها أي من أعلى، أي من فوق العقبة، فيكون الرامي أعلى من الجمرة.

( والذي لا إله غيره) حلف ابن مسعود هنا لتأكيد الخبر لمن في حكم المنكرين لفعلهم خلاف ما فعله الشارع.

( مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة) أي هذا المكان الذي وقفت فيه هو المكان الذي قام ووقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن مسعود سورة البقرة دون غيرها من السور، وإن كان أنزل عليه كل السور لأنها المشتملة على معظم مناسك الحج، فكأنه قال: من هنا رمى من أنزل عليه أمور المناسك وأخذ عنه الشرع، فهو أولى وأحق بالاتباع.

( سمعت الحجاج بن يوسف) الثقفي، الأمير المشهور.
قال الحافظ ابن حجر: ولم يقصد الأعمش أن يروي عن الحجاج، فلم يكن بأهل لذلك، وإنما أراد أن يحكي القصة ويوضح خطأ الحجاج فيها بما ثبت عمن يرجع إليه في ذلك، بخلاف الحجاج.

( ألفوا القرآن كما ألفه جبريل) أي كونوا كلماته، وركبوا جمله وآياته، بنفس التكوين والتركيب الذي ركبه جبريل عليه السلام وليس فيه سورة البقرة وسورة النساء فينبغي أن يقال: السورة التي يذكر فيها كذا، ولا تقولوا: سورة البقرة.

( السورة التي يذكر فيها البقرة) ذكره النساء قبل آل عمران يفيد أنه لا يقصد ترتيب السور، وإنما يقصد ترتيب الآيات، فإن المصحف الذي يتبعه مصحف عثمان رضي الله عنه ولو قصد ترتيب السور لذكر آل عمران قبل النساء.

( يرمي على راحلته يوم النحر) وفي الرواية السادسة فرأيته حين رمى جمرة العقبة، وانصرف، وهو على راحلته وفي الرواية السابعة وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الرواية الواحدة والعشرين وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى الناس يسألونه وفي الرواية الثانية والعشرين وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فطفق ناس يسألونه وفي الرواية الثالثة والعشرين بينا هو يخطب يوم النحر وفي ملحق الرابعة والعشرين على ناقة بمنى وفي الخامسة والعشرين وهو واقف عند الجمرة.

ومن الواضح أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة راكباً راحلته التي هي ناقته جالساً عليها، ولكن المشكلة في اختلاف الروايات في موقفه صلى الله عليه وسلم، وسؤال الناس له، وهل كان على الراحلة أولاً؟ وهل كان يخطب؟ أو كان يتلقى الأسئلة فقط ويجيب؟ وهل هو موقف واحد اختلف التعبير عنه؟ أو موقفان؟ وهل كانت هذه الأسئلة عند رمي جمرة العقبة صبحاًً؟ أو بعد الزوال؟.

ظاهر صنيع البخاري وترجمته بقوله: باب الفتيا على الدابة عند الجمرة أنها كانت فتيا له لا خطبة، وأنها كانت على الدابة، وأنها كانت عند الجمرة، فمعنى واقف عند الجمرة أي واقف براحلته، متوقف عن المسير، وليس الوقوف ضد الجلوس، ومعنى وقف على راحلته جلس عليها، متوقفاً عن المسير، ومعنى يخطب يعلم الناس، وليس المراد الخطب المشروعة في الحج، والموقف واحد على هذا التأويل.

ويميل الحافظ ابن حجر إلى أنهما موقفان، فيقول: ويحتمل أن يكون ذلك في موطنين، أحدهما على راحلته عند الجمرة، ولم يقل في هذا: خطب، والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر، وذلك وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج، يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم، وصوب النووي هذا الاحتمال الثاني، ويؤيده ما جاء في رواية ابن عباس أن بعض السائلين قال، رميت بعد ما أمسيت وهذا يدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال، لأن المساء يطلق على ما بعد الزوال، وكأن السائل علم أن السنة للحاج أن يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحى، فلما أخرها إلى ما بعد الزوال سأل عن ذلك.

( لتأخذوا مناسككم) قال النووي: هذه اللام لام الأمر، ومعناه خذوا مناسككم وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم، فخذوها عني، واقبلوها واحفظوها، واعملوا بها، وعلموها الناس.

( والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس) يتصور أن يظلل الواقف على الأرض من هو راكب على الناقة الواقفة بأن يرفع الثوب ونحوه على عصا طويلة.

( عبد مجدع أسود) مجدع بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الدال المفتوحة والجدع القطع من أصل العضو، ولمسلم في كتاب الإجارة عبد مجدع الأطراف وفيه عبد حبشي وفي البخاري كأن رأسه زبيبة ومقصوده التنبيه على الخسة والحقارة وبشاعة الصورة وعدم الاعتداد بها، قال النووي: ومن هذه الصفات مجموعة فيه فهو في نهاية الخسة، والعادة أن يكون ممتهناً في أرذل الأعمال، فأمر صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر، ولو كان بهذه الخساسة، مادام يقودنا بكتاب الله تعالى، قال العلماء: ماداموا متمسكين بالإسلام والدعاء إلى كتاب الله تعالى، على أي حال كانوا في أنفسهم وأديانهم وأخلاقهم ولا يشق عليهم عصا الطاعة بل إذا ظهرت منهم المنكرات وعظوا وذكروا، قال: والمراد بعض الولاة الذين يوليهم الخليفة ونوابه، لا أن الخليفة يكون عبداً، قال الخطابي: قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود.

( رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس) جمرة يوم النحر هي جمرة العقبة، وقوله وأما بعد أي وأما رمي الجمرات التي بعد يوم النحر فبعد الزوال.

( الاستجمار تو، ورمي الجمار تو) التو بفتح التاء وتشديد الواو الوتر، والمراد بالاستجمار تجفيف البول والغائط بالحجارة، قال القاضي: وقوله في آخر الحديث: وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتو ليس للتكرار، بل يقصد بالأول الفعل، وبالثاني عدد الأحجار.
اهـ وفي توجيه القاضي نظر، لأنه يتأتى هذا أيضاً في الرمي، فلم لم يكرره والأولى أن يقال: إن التكرير للحث والاهتمام بهذا الأمر خاصة، لأنه قد يتهاون فيه مع تكرره اليومي بخلاف غيره، فالجملة الأولى أريد بها الإخبار، والجملة الثانية طلبية أريد بها الحث والاهتمام.

( رحم الله المحلقين...والمقصرين) قال النووي: كل هذا كان في حجة الوداع.
هذا هو الصحيح المشهور، وحكى القاضي عياض عن بعضهم أن هذا كان يوم الحديبية حين أمرهم بالحلق، فما فعله أحد، لطمعهم بدخول مكة في ذلك الوقت، وذكر ابن عباس -رضي الله عنهما- قال حلق رجال يوم الحديبية، وقصر آخرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارحم المحلقين ( ثلاثاً) قيل: يا رسول الله، ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم؟ قال: لأنهم لم يشكوا قال ابن عبد البر: وكونه في الحديبية هو المحفوظ.
قال القاضي قد ذكر مسلم في الباب خلاف ما قالوه، وإن كانت أحاديثه جاءت مجملة غير مفسرة، حيث جاء في حديث أم الحصين [روايتنا الخامسة عشرة] أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم دعا في حجة الوداع للمحلقين ( ثلاثاً) وللمقصرين ( مرة واحدة) .
ثم قال: ولا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله في الموضعين وقال الحافظ ابن حجر: وجزم بأن ذلك كان في الحديبية إمام الحرمين في النهاية وقال عياض: كان في الموضعين، وقال ابن دقيق العيد: إنه الأقرب، قال الحافظ ابن حجر: بل هو المتعين، لتظاهر الروايات بذلك في الموضعين، إلا أن السبب في الموضعين مختلف.
اهـ

ولعل السر في تفضيل المحلقين أن العرب كانت تحب توفير الشعر والتزين به، فكان من مناسك الحج التخلي عن هذه الزينة بالحلق الذي يبقى أثره شعاراً لعبادة العمر مدة طويلة.
والله أعلم.

والمقصرين في سؤالهم معطوف على محذوف، تقديره: قل: رحم الله المحلقين والمقصرين، ويسمى مثل هذا بالعطف التلقيني، كقوله تعالى { { إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي } } [البقرة: 124] .
والمقصرين في جوابه صلى الله عليه وسلم معطوف على محذوف أيضاً، تقديره: رحم الله المحلقين والمقصرين وقد اختلفت الروايات في دعائه للمقصرين هل دعا للمحلقين ثلاثاً أو أربعاً؟ وللجمع بين هذه الروايات قال الحافظ ابن حجر: وبيان أن كونها في الرابعة أن قوله والمقصرين معطوف على مقدر، تقديره: يرحم الله المحلقين، وإنما قال ذلك بعد أن دعا للمحلقين ثلاث مرات صريحاً، فيكون دعاؤه للمقصرين في الرابعة قال: وقد روي بلفظ قال في الثالثة: والمقصرين قال: الجمع بينهما أن من قال: في الرابعة فعلى ما شرحناه، ومن قال: في الثالثة أراد أن قوله والمقصرين معطوف على الدعوة الثالثة، أو على أنه أراد بالثالثة مسألة السائلين في ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث، كما ثبت، ولو لم يدع لهم بعد ثالث مسألة ما سألوه ذلك.
اهـ

والحاصل أن ظاهر روايات ابن عمر -رضي الله عنهما- الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة أنه صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاث مرات فقط بما فيها المرة المعطوف عليها، وهذا الظاهر غير معتمد، فالرواية الحادية عشرة شك فيها الراوي مرة أو مرتين والرواية الثانية عشرة لم ينص فيها على عدد المرات، فيحتمل أن الراوي سقط منه واحدة، والرواية الثالثة عشرة ملحقها يحدد سقط واحدة، ويقول فلما كانت الرابعة فالمعتمد الأول وإن جرينا على تعدد الواقعة في الحديبية مرة، وفي حجة الوداع أخرى -كما سبق- فلا إشكال.
والله أعلم.
وقد جاء في بعض الروايات اللهم ارحم وفي بعضها اللهم اغفر فيحتمل أن يكون بعض الناقلين روى بالمعنى، أو قالهما صلى الله عليه وسلم جميعاً، والظاهر الأول.

( ثم قال للحلاق) قال النووي: واختلفوا في اسم هذا الرجل الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، والصحيح المشهور أنه معمر بن عبد الله العدوي.

( قال للحلاق: ها) ها هنا اسم فعل أمر، بمعنى خذ، ويجوز مد ألفها، فيقال هاء ويستعملان بكاف الخطاب، فيقال: هاك وهاءك، وبدونها، وقد تحل الميم في الممدود محل الكاف في جمع المذكر السالم، ومنه قوله تعالى: { { هاؤم اقرءوا كتابيه } } [الحاقة: 19] .
وفي الرواية السابعة عشرة فقال للحلاق: خذ.

( لم أشعر، فحلقت قبل أن أنحر) أي لم أفطن، يقال: شعرت بالشيء شعوراً إذا فطنت له، وقيل: المراد لم أعلم، وقد بينت الرواية الثانية والعشرون المشعور به، وفيها لم أشعر أن النحر قبل الحلق، فحلقت قبل أن أنحر وفي الرواية الثالثة والعشرين ما كنت أحسب -بكسر السين- وكنت أحسب أي أظن.

( اذبح ولا حرج) أي افعل ما بقي عليك، وقد أجزأك ما فعلته، ولا حرج عليك في التقديم والتأخير، أي لا ضيق عليك، وهل المعنى: لا إثم عليك؟ أو لا إثم عليك ولا فدية.
خلاف يأتي في فقه الحديث.

( فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج) أي عن شيء من هذه الأمور الأربعة التي تفعل يوم النحر، وهي: رمى جمرة العقبة، والذبح، والحلق، وطواف الإفاضة، وهي بهذا الترتيب، وفي عدم ترتيبها خلاف فقهي، يأتي في فقه الحديث.

فقه الحديث

قال النووي: السنة في أعمال الحج يوم النحر -بعد الدفع من المزدلفة- أن تكون مرتبة هكذا.

رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي أو ذبحه، ثم الحلق أو التقصير، ثم دخول مكة فيطوف طواف الإفاضة، ويسعى بعده، إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، فإن كان سعى بعد طواف القدوم كره إعادة السعي.
اهـ

وهذه المجموعة من الأحاديث تتعلق بهذه المناسك الأربعة، ويمكن حصر نقاطها في ست نقاط:

الرمي، والنحر، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، والتقديم والتأخير لهذه الأربعة، وما يؤخذ من الأحاديث من الأحكام الفرعية.

النقطة الأولى: الرمي، وهو عبارة عن رمي جمرة العقبة وحدها يوم النحر بسبع حصيات، وقد أجمعوا على أنه لا يرمى يوم النحر إلا جمرة العقبة ثم رمي كل جمرة من الجمرات الثلاث بسبع حصيات في كل يوم من أيام التشريق الثلاثة، فمجموع حصى الرمي سبعون حصاة.

واختلف الفقهاء في حكم رمي جمرة العقبة، فالشافعية والجمهور على أنه واجب يجبر تركه بدم، والحج بدونه صحيح قياساً على رمي أيام التشريق، وقال بعض أصحاب مالك: رمي جمرة العقبة ركن لا يصح الحج إلا به، قال عبد الملك المالكي: من خرجت عنه أيام منى ولم يرم جمرة العقبة بطل حجه، فإن ذكر بعد غروب شمس يوم النحر فعليه دم، وإن تذكر بعد فعليه بدنة، وقال ابن وهب: لا شيء عليه مادامت أيام منى.
وحكى ابن جرير عن بعض الناس أن رمي الجمار إنما شرع حفظاً للتكبير، ولو تركه وكبر أجزأه، قال النووي: ونحوه عن عائشة رضي الله عنها، والصحيح المشهور الأول.

وقت الرمي: ومذهب الشافعية وأحمد جواز رمي جمرة العقبة ابتداء من نصف ليلة النحر، والسنة أن يرميها ضحى، أي بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، ولو أخر جاز، ويكون أداء إلى آخر نهار يوم النحر.

وقال مالك وأبو حنيفة وإسحق: لا يجوز رمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس واحتجوا بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن لا يرموا إلا بعد طلوع الشمس قال النووي: وهو حديث صحيح، واحتج الشافعية بحديث أم سلمة وغيره من الأحاديث الصحيحة السابقة في مسألة تعجيل دفع الضعفة من مزدلفة إلى منى، وأما حديث ابن عباس فمحمول على الأفضل، جمعاً بين الأحاديث.

وفي المحيط: أوقات رمي جمرة العقبة ثلاثة: مسنون بعد طلوع الشمس، ومباح بعد زوالها إلى غروبها، ومكروه وهو الرمي بالليل، ولو لم يرم في يوم النحر حتى أصبح من الغد رماها وعليه دم عند أبي حنيفة، خلافاً لصاحبيه.

أما رمي الجمرات أيام التشريق فوقته يبدأ من الزوال، تنص على ذلك روايتنا التاسعة، وفيها وأما بعد فإذا زالت الشمس قال النووي: وأما وقت الرمي أيام التشريق فمذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء أنه لا يجوز الرمي في الأيام الثلاثة إلا بعد الزوال، لهذا الحديث الصحيح، وقال طاووس وعطاء: يجزئه في الأيام الثلاثة قبل الزوال وقال أبو حنيفة: يجوز في اليوم الثالث قبل الزوال، وإن رمى في اليوم الأول والثاني قبل الزوال أعاد، أما آخر الوقت فقيل: غروب الشمس، وقيل: حتى طلوع الفجر، قال النووي: وأما اليوم الآخر فيفوت رميه بغروب شمسه بلا خلاف، وكذا جميع الرمي يفوت بغروب شمس اليوم الثالث من التشريق، لفوات زمن الرمي.
واتفق مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي أنه إذا مضت أيام التشريق، وغابت الشمس من آخرها فقد فات الرمي، ويجبر ذلك بالدم.

كيفية الرمي: قال النووي في رمي جمرة العقبة: يسن أن يقف تحتها في بطن الوادي فيجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه ويستقبل القبلة ثم يرمي، وقيل: يستقبل الجمرة ويستدبر الكعبة، وأن يكبر مع كل حصاة، وأن يرفع يده في الرمي حتى يرى بياض إبطه وأن يكون الرمي باليد اليمنى، ويشترط أن يكون المرمي حجراً، ولا يصح بالمعادن، ويسن أن يكون الحصى في حجم حبة الباقلاء، وأن يكون صفة رمي الحاذف، فيضع الحصاة على بطن إبهامه، ويرميها برأس السبابة، ولا يجزئ الرمي بالقوس ولا الدفع بالرجل، ويشترط أن يرمي الحصيات في سبع دفعات، فلو رمى حصاتين دفعة حسبت واحدة، وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: إن وقعن في المرمى متعاقبات أجزأ، وإلا فلا.
والسنة أن يرمي جمرة العقبة راكباً إن كان قد قدم منى راكباً، ويرمي في أيام التشريق ماشياً، إلا يوم النفر فيجوز راكباً.
وفي كل يوم من أيام التشريق يأتي الجمرة الأولى، وهي التي تلي مسجد الخيف وهي أولهن من جهة عرفات، فيأتيها من أسفل منها، فيصعد إليها، فيعلوها، ويستقبل الكعبة ويرمي الجمرة بسبع حصيات، ثم ينحرف عنها، ويجعلها في قفاه، ويقف قدر سورة البقرة في موضع لا يصيبه المتطاير من الحصى، يستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى ويكبر ويهلل ويسبح ويدعوا، ثم يأتي الجمرة الثانية، وهي الوسطى، ويصنع فيها كما صنع في الأولى ويقف للدعاء، كما وقف في الأولى، ثم يأتي الجمرة الثالثة، وهي جمرة العقبة، فيرمها، ولا يقف عندها للذكر والدعاء.

ويشترط الترتيب بين الجمرات، ولا خلاف في اشتراطه.

ومن عجز عن الرمي بنفسه لمرض ميئوس أو غير ميئوس أو حبس ونحوهما جاز أن يستنيب من يرمي عنه، لأن وقته مضيق، واستدل الشافعية على جواز الاستنابة في الرمي بالقياس على الاستنابة في أصل الحج، قالوا: والرمي أولى بالجواز.
قاله النووي في المجموع.
اهـ

وبعض العلماء في عصرنا يفتي بجواز الاستنابة في الرمي، عن المرأة للرجل بسبب الزحام، ولا أراه يصح، فإن الاستنابة في أصل الحج لا تصح أن تقع بسبب الزحام، فالقياس على أصل الحج يقصر الاستنابة على ما يباح بسببه الإنابة في الحج من مرض ميئوس أو حبس مؤبد ونحوهما.
والله أعلم.

النقطة الثانية النحر، ولم تتعرض أحاديث الباب له إلا من حيث ترتيبه مع الرمي والحلق، وتقديمه أو تأخيره عنهما، وسبق في باب وجوه الإحرام وحجة النبي صلى الله عليه وسلم قبل ثلاثة أبواب أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بيده في منى ثلاثاً وستين بدنة، ثم أعطى علياً، فنحر تكملة المائة.

وسيأتي قريباً أبواب الهدي ونحره.

النقطة الثالثة الحلق أو التقصير: وعنه تقول الرواية الحادية عشرة حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلق طائفة من أصحابه، وقصر بعضهم وفي الروايات الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين مرات وللمقصرين مرة، وفي الرواية السادسة عشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع، وفي الرواية السابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة والمتممة للعشرين كيف حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الجانب الأيسر، وكيف وزع شعره صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، أما جواز كل من الحلق والتقصير فلا خلاف فيه، ولا خلاف كذلك في تفضيل الحلق على التقصير في الحج للتحلل منه، قالوا: لأن الحلق أبلغ في العبادة، وأدل على صدق النية في التذلل لله، لأن المقصر مبق على نفسه من زينته التي قد أراد الله تعالى أن يكون الحاج مجانباً لها، وليبقى أثر وعلامة الحج زمناً أطول، وأفضلية الحلق على التقصير إنما هو في جانب الرجال دون النساء، لورود النهي عن حلق النساء، فقد روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس على النساء الحلق، وإنما على النساء التقصير وروى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها.

وقد سبق في المباحث العربية تحقيق القول في عدد المرات التي دعا فيها صلى الله عليه وسلم للمحلقين، قال النووي: وأقل ما يجزئ من الحلق والتقصير عند الشافعي ثلاث شعرات، وعند أبي حنيفة ربع الرأس، وعند أبي يوسف نصف الرأس، وعند مالك وأحمد أكثر الرأس، وعن مالك رواية أنه كل الرأس، قال: وأجمعوا أن الأفضل حلق جميعه، أو تقصيره جميعه، قال: ويستحب ألا ينقص في التقصير عن قدر الأنملة من أطراف الشعر فإن قصر دونها جاز، لحصول اسم التقصير، قال: ويقوم مقام الحلق والتقصير النتف والإحراق وغير ذلك من أنواع إزالة الشعر.
اهـ وقال في المجموع: إذا لم يكن على رأسه شعر، بأن كان أصلع أو محلوقاً فلا شيء عليه، ولا يلزمه فدية، ولا إمرار الموسى، ولا غير ذلك.

ثم قال: وهل الحلق أو التقصير نسك؟ أو استباحة محظور، وليس بنسك؟ وإنما هو شيء أبيح له بعد أن كان حراماً، كالطيب واللباس؟ وعلى هذا لا ثواب فيه، ولا تعلق له بالتحلل؟ قال: والمذهب أنه نسك، يثاب عليه، ويتحلل به التحلل الأول، فعلى هذا هو ركن من أركان الحج والعمرة، لا يصح الحج ولا العمرة إلا به، ولا يجبر بدم ولا غيره ولا يفوت وقته مادام حياً، لكن أفضل أوقاته صحوة النهار يوم الأضحى، ولا يختص بمكان لكن الأفضل أن يفعله الحاج بمنى، والمعتمر بالمروة، فلو فعله في بلد آخر، موطنه أو غيره جاز بلا خلاف، ولا يزال حكم الإحرام جارياً عليه حتى يحلق.

ثم قال: وهذا الذي ذكرناه من أن الحلق أو التقصير نسك هو مذهبنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء، ولم يقل بأنه ليس بنسك غير الشافعي في أحد قوليه، وحكاه القاضي عياض عن عطاء وأبي ثور وأبي يوسف.
اهـ

وتفيد الرواية الثامنة عشرة وملحقها والرواية التاسعة عشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الجانب الأيمن بين من يليه، بينما تفيد الرواية المتممة للعشرين أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى شعر الجانب الأيمن لأبي طلحة الأنصاري.

أما شعر الشق الأيسر فتفيد الرواية الثامنة عشرة أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه لأم سليم، ويفيد ملحقها أنه أعطاه أبا طلحة، وتفيد الرواية المتممة للعشرين أنه أعطاه أبا طلحة ليوزعه على الناس.

وللجمع بين هذه الروايات يقول صاحب المفهم: إن قوله لما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم شق رأسه الأيمن أعطاه أبا طلحة ليس مناقضاً لما في الرواية الأخرى أنه قسم شعر الجانب الأيمن بين الناس، وشعر الجانب الأيسر أعطاه أم سليم، وهي امرأة أبي طلحة، وأم أنس رضي الله عنها.
قال: وحصل من مجموع الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق الشق الأيمن ناوله أبا طلحة، ليقسمه بين الناس، ففعل أبو طلحة [فقوله: فقسمه -أي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يليه أي أمر بقسمته فيمن يليه] وناول شعر الشق الأيسر لأبي طلحة ليكون عند أبي طلحة، فصحت نسبة كل ذلك إلى من نسب إليه.

وقد جمع المحب الطبري، فقال: والصحيح أن الذي وزعه على الناس الشق الأيمن وأعطى الأيسر أبا طلحة وأم سليم، ولا تضاد بين الروايتين، لأن أم سليم امرأة أبي طلحة فأعطاه صلى الله عليه وسلم لهما، فنسبت العطية تارة إليه، وتارة إليها.
اهـ

النقطة الرابعة طواف الإفاضة: وقد سبق الكثير من أحكامه في باب وجوه الإحرام وحجة النبي صلى الله عليه وسلم في المأخذ التاسع عشر بعد المائة.
قال النووي: ويستحب طواف الإفاضة يوم النحر، وأول النهار، وقد أجمع العلماء على أن هذا الطواف ركن من أركان الحج، لا يصح الحج إلا به، واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر، بعد الرمي والنحر والحلق فإن أخره عن يوم النحر وفعله في أيام التشريق أجزأه، ولا دم عليه بالإجماع، فإن أخره إلى ما بعد أيام التشريق، وأتى به بعدها أجزأه، ولا شيء عليه عندنا، وبه قال جمهور العلماء، وقال مالك وأبو حنيفة: إذا تطاول لزمه معه دم.
والله أعلم.

النقطة الخامسة التقديم والتأخير بين هذه الأفعال الأربعة: قال النووي في المجموع: مذهبنا أنه لو قدم الحلق على الذبح جاز، ولا دم عليه، ولو قدم الحلق على الرمي فالأصح أيضاً أنه يجوز ولا دم عليه، وقال أبو حنيفة: إذا قدم الحلق على الذبح لزمه دم إن كان قارناً أو متمتعاً، ولا شيء عليه إذا كان مفرداً، وقال مالك: إذا قدم الحلق على الذبح فلا دم عليه، وإن قدمه على الرمي لزمه الدم، وقال أحمد: إن قدم الحلق على الذبح أو الرمي جاهلاً أو ناسياً فلا دم، [فمعنى نفي الحرج عنهم وسببه أنهم فعلوه في حجة النبي صلى الله عليه وسلم جهلاً بالحكم، فعذرهم لجهلهم، لكنه أمرهم أن يتعلموا مناسكهم وأن يأخذوها عنه صلى الله عليه وسلم] وإن تعمد ففي وجوب الدم روايتان عنه، وعن مالك روايتان فيمن قدم طواف الإفاضة على الرمي، إحداهما يجزئ الطواف وعليه دم، والثانية لا يجزئه، وعن سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي وقتادة: عليه الدم متى قدم شيئاً على شيء من هذه.
قال النووي: دليلنا الأحاديث الصحيحة السابقة، وفيها لا حرج ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين عالم وجاهل، فإن قالوا: المراد لا إثم لكونه ناسياً؟ [أي معنى لا حرج لا إثم، ولا يستلزم ذلك نفي الفدية] قلنا: ظاهره لا شيء عليه مطلقاً.
قال: وأجمعوا على أنه لو نحر قبل الرمي لا شيء عليه.
والله أعلم.

وقال في شرح مسلم: أفعال الحج يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم طواف الإفاضة.

وأن السنة ترتيبها هكذا، فلو خالف وقدم بعضها على بعض جاز، ولا فدية عليه لهذه الأحاديث.

النقطة السادسة ما يؤخذ من الأحاديث:

ويؤخذ من الروايات الأربع الأولى:

1- إثبات رمي جمرة العقبة يوم النحر.
قال النووي: وهو مجمع عليه، وهو واجب وهو أحد أسباب التحلل، وهي ثلاثة، رمي جمرة العقبة يوم النحر، وطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى، والثالث الحلق عند من يقول: إنه نسك، وهو الصحيح.

2- وكون الرمي سبع حصيات، وهو مجمع عليه.

3- واستحباب التكبير مع كل حصاة، وهو مذهبنا ومذهب مالك والعلماء كافة.
قال القاضي: وأجمعوا على أنه لو ترك التكبير لا شيء عليه.

4- واستحباب كون الرمي من بطن الوادي.
وأجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه، أو عن يساره، أو رماها من فوقها، أو أسفلها، أو وقف في وسطها ورماها، وأما رمي باقي الجمرات في أيام التشريق فيستحب من فوقها.

5- وجواز الحلف بدون استحلاف.

6- وجواز قول سورة البقرة.

7- ومن الرواية الخامسة جواز الرمي راكباً، قال النووي: وفيها دلالة لما قاله الشافعي وموافقوه أنه يستحب لمن وصل منى راكباً أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً ولو رماها ماشياً جاز، وأما من وصلها ماشياً فيرميها ماشياً.
وقال أحمد: يستحب يوم النحر أن يرمي ماشياً.
اهـ وذهب مالك إلى استحباب المشي في رمي أيام التشريق، وأما رمي جمرة العقبة فيرميها على حسب حاله كيف كان.
قال القاضي عياض: ليس من سنة الرمي الركوب له، ولا الترجل، ولكن يرمي الرجل على هيئته التي يكون حينئذ عليها من ركوب أو مشي، ولا ينزل إن كان راكباً لرمي، ولا يركب إن كان ماشياً، وأما الأيام بعدها فيرمي ماشياً، لأن الناس نازلون منازلهم بمنى، فيمشون للرمي، ولا يركبون، لأنه خروج عن التواضع حينئذ.

8- واعتبر العلماء قوله صلى الله عليه وسلم لتأخذوا مناسككم أصلاً عظيماً في مناسك الحج، نحو قوله في الصلاة صلوا كما رأيتموني أصلي.

9- قال النووي: وقوله لعلي لا أحج بعد حجتي هذه فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وسلم.

10- وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه، وانتهاز الفرصة من ملازمته، وتعلم أمور الدين، وبهذا سميت حجة الوداع.

11- ومن الرواية السادسة جواز تسميتها حجة الوداع، قال النووي: ومن الناس من كره ذلك وأنكره، وهو غلط.

12- وفيها جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره.
قال النووي: وهو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، سواء كان راكباً أو نازلاً، وقال مالك وأحمد: لا يجوز، وإن فعله لزمته الفدية، وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز، ووافقونا على أنه إذا كان الزمان يسيراً في المحمل لا فدية، وكذا لو استظل بيده، قال: وقد يحتجون بحديث عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة قال: صحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فما رأيته مضرباً فسطاطاً حتى رجع.
رواه الشافعي والبيهقي بإسناد حسن.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه أبصر رجلاً على بعيره، وهو محرم، قد استظل بينه وبين الشمس، فقال: اضح لمن أحرمت له؟.
رواه البيهقي بإسناد صحيح، وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من محرم يضحي للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه، حتى يعود كما ولدته أمه رواه البيهقي وضعفه.

قال: واحتج الجمهور بحديث أم الحصين المذكور في مسلم [روايتنا السادسة والسابعة] ولأنه لا يسمى لبساً.
وأما حديث جابر فضعيف كما ذكرنا، مع أنه ليس فيه نهي، وكذا فعل عمر، وقول ابن عمر، ليس فيه نهي، ولو كان فحديث أم الحصين مقدم عليه.
والله أعلم.

والحق أن هذه الأدلة إن دلت على شيء فإنما تدل على أفضلية عدم الاستظلال، لا على وجوب، ولا على لزوم فدية كما ذهبوا، وحتى الأفضلية قد تختلف باختلاف الأزمنة وشدة الشمس وعدم شدتها، ولا شك أن التعرض للشمس الحامية التي قد تضرب المسلم ضربة قاتلة.
مفضول بل ممنوع، وحتى التعرض لمجرد المشقة قد يكون مفضولاً، فقاعدة الإسلام قوله تعالى: { { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } } [النساء: 147] .
وقوله صلى الله عليه وسلم لمن نذرت أن تحج ماشية حافية: إن الله غني عن نذرها.
إن الله لا يصنع بشقائها شيئاً.
مروها فلتركب.

13- ومن أمره صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة للولاة في روايتنا السادسة وجوب الطاعة، وعدم جواز شق العصا.

14- ومن الرواية الثامنة استحباب كون الحصى في قدر حصى الخذف، قال النووي: ولو رمى بأكبر أو أصغر جاز مع الكراهة.

15- ومن الرواية التاسعة وقت الرمي، وقد سبق توضيحه قريباًً.

16- ومن الرواية الحادية عشرة جواز الاقتصار على الحلق أو التقصير.

17- ومن الرواية الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة التصريح بتفضيل الحلق على التقصير، وقد مرت المسألة قريباً مبسوطة.
قال الحافظ ابن حجر: ومن ثم استحب الصلحاء إلقاء الشعور عند التوبة.

18- ومشروعية الدعاء لمن فعل الخير.

19- وتكرار الدعاء لمن فعل الراجح من الأمرين المخير فيهما.

20- والتنبيه بالتكرار على رجحان أحدهما.

21- وطلب الدعاء لمن فعل الجائز، وإن كان مرجوحاً.

22- ومن قوله: أتى منى فأتى الجمرة فرماها في الرواية السابعة عشرة أنه يستحب إذا قدم منى ألا يعرج على شيء قبل الرمي، بل يأتي الجمرة راكباً، كما هو فيرمها، ثم يذهب، فينزل حيث شاء من منى.

23- وفيها استحباب نحر الهدي، وأن يكون بمنى، قال النووي: ويجوز حيث شاء من بقاع الحرم.

24- وفيها أن الحلق نسك، وأنه أفضل من التقصير.

25- وأنه يستحب البداءة فيه بالجانب الأيمن من رأس المحلوق.
قال النووي: وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: يبدأ بالجانب الأيسر.

26- وطهارة شعر الآدمي.
قال النووي: وهو الصحيح من مذهبنا، وبه قال جماهير العلماء.

27- والتبرك بشعره صلى الله عليه وسلم، وجواز اقتنائه للتبرك.

28- ومن توزيعه صلى الله عليه وسلم الشعرة والشعرتين مساواة الإمام والكبير بين أصحابه وأتباعه فيما يفرقه عليهم من عطاء وهدية ونحوها.

29- وفيه منقبة وفضيلة لأبي طلحة الأنصاري، وزوجه أم سليم.

30- ومن وقوفه صلى الله عليه وسلم على راحلة في الرواية الواحدة والعشرين والثانية والعشرين جواز القعود على الراحلة للحاجة.

31- وجواز الفتيا على الدابة.

32- وجواز السؤال والفتيا عند الجمرة.

33- وجوب اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم، لكون الذين خالفوها لما علموا سألوه عن حكم ذلك.

34- ومن قوله: بينما هو يخطب يوم النحر في الرواية الثالثة والعشرين مشروعية الوقوف للخطبة بعد صلاة الظهر يوم النحر، قال النووي: وهي إحدى خطب الحج المشروعة، يعلمهم فيها ما بين أيديهم من المناسك، وخطب الحج المشروعة عندنا أربع.
أولها بمكة عند الكعبة في اليوم السابع من ذي الحجة، والثانية بنمرة يوم عرفة، والثالثة، بمنى يوم النحر، والرابعة بمنى في الثاني من أيام التشريق.
وكلها خطب فردة، وبعد صلاة الظهر، إلا التي بنمرة، فإنها خطبتان، وقبل صلاة الظهر، وبعد الزوال.
اهـ

قال الحافظ ابن حجر: ليس في شيء من أحاديث الباب التصريح بالخطبة في غير يوم النحر، وقد اتفقوا على مشروعية الخطبة يوم عرفة، فيلحق المختلف فيه بالمتفق عليه.

35- وفي الرواية السابعة والعشرين إثبات طواف الإفاضة.

36- وأنه يستحب فعله يوم النحر وأول النهار وقد سبق بسط هذه المسألة.

والله أعلم