هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2098 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ ، وَلَا الْعَمَائِمَ ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ ، وَلَا الْبَرَانِسَ ، وَلَا الْخِفَافَ ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2098 حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تلبسوا القمص ، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرانس ، ولا الخفاف ، إلا أحد لا يجد النعلين ، فليلبس الخفين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف.
إلا أحد لا يجد النعلين، فليلبس الخفين.
وليقطعهما أسفل من الكعبين.
ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس.


المعنى العام

لكل عبادة حكمة، وما شرع الله لخلقه شرعاً إلا وكان وراءه هدف وحكمة، قد نعلمها بتعليمه إيانا، وقد نعلمها استنباطاً واجتهاداً وتقديراً، وقد لا نعلمها ألبتة، لتكون عبادتنا طاعة محضة، وخضوعاً خالصاً، وتسليماً وتفويضاً، إيماناً وتصديقاً.

وقد جعل الله لكل أمة منسكاً، وشعار عبادة وخضوع، وجعل نسك أمة محمد صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة.
ولقد كان الحج نسك إبراهيم عليه السلام وذريته، حيث قال الله تعالى له بعد أن بنى الكعبة { { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } } [الحج: 27] .

وكان العرب في الجاهلية قبل الإسلام يحجون إلى البيت الحرام، وكانوا يطوفون بالكعبة، ويسعون بين الصفا والمروة لكنهم انحرفوا به عن ملة إبراهيم، فقد أقاموا أصناماً حول الكعبة، وأصناماً على الصفا، وأصناماً على المروة، فصار المنسك إلى الأصنام وليس خالصاً لله تعالى.

وتجردوا من الثياب عند الطواف كمظهر من مظاهر الذلة والخضوع، فلما جاء الإسلام، دين العفة والحياء، جعل للحج شعاراً ولباساً خاصاً، يجمع بين التستر وبين مظاهر العبودية والذلة والخضوع، لباس يستوي فيه الأغنياء المترفون والفقراء البائسون، إزار ورداء ونعلان، مع رأس مكشوفة عارية، وبعد عن الطيب وملاذ الحياة.

إنها رحلة من دار الزينة واللهو واللعب إلى ما يشبه دار الحق وحال الموت، إنها خروج من زينة اللباس والرياش إلى ما يشبه الأكفان، إنها هجرة مؤقتة إلى الله تعالى في أول بيت وضع للناس.

وفي هذه الأحاديث يسأل السائل عما يلبس المحرم؟ فيجاب بما يحرم لبسه، لأنه المحصور، أما ما يلبس فهو غير محصور، يجاب: لا يلبس المحرم القميص المعروف، ولا العمامة ولا السراويل: ولا البرانس، ولا الخفاف، فإن لم يجد نعلين فليلبس الخفين بعد أن يحولهما إلى ما يشبه النعلين، بقطع الجزء الخلفي المحيط بالكعبين، ولا يلبس شيئاً مسه الطيب.

وكان البعض يظن أن الإحرام بالعمرة يختلف في محرماته عن الإحرام بالحج، فسأل المعتمر عن ملابسه، فكان الجواب: افعل في عمرتك من الثياب ما كنت تفعله في حجك، فأمرهما سواء.

المباحث العربية

( أن رجلاً سأل....
)
قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه في شيء من الطرق وقد روي أن ذلك كان في المسجد، فعند البيهقي عن نافع عن ابن عمر، قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بذلك المكان -وأشار نافع إلى مقدم المسجد، فذكر الحديث وظهر أن ذلك كان بالمدينة.
ووقع في حديث ابن عباس في البخاري في أواخر الحج أنه صلى الله عليه وسلم خطب بذلك في عرفات، فيحمل على التعدد، ويؤيده: أن حديث ابن عمر أجاب به السائل، وحديث ابن عباس ابتدأ به في الخطبة، كما سيأتي في الرواية الرابعة وملحقها.

( ما يلبس المحرم من الثياب؟) هذا مشعر بأن السؤال كان قبل الإحرام، وفي طريق عند البخاري ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ وعند النسائي ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا وأجمعوا على أن المراد بالمحرم هنا الرجل، ولا يلتحق به المرأة في ذلك، وسيأتي: بم يكون الإحرام؟.

( لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس.
)
قال البيضاوي: سئل عما يلبس، فأجاب بما لا يلبس، ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز، قال النووي: قال العلماء: هذا الجواب من بديع الكلام وجزله، أي لا يلبس كذا وكذا، أي ويلبس ما سواه، وإنما عدل عن الجواب الأصلي لأن ما لا يلبس منحصر، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر.

وقد عدل بعض الرواة السؤال، فرووه بالمعنى، ليتطابق مع الجواب، فرواه أحمد وابن خزيمة بلفظ ما يترك المحرم وبلفظ ما يجتنب المحرم من الثياب قال الحافظ ابن حجر: وهذه الرواية شاذة والاختلاف فيها على ابن جريج، لا على نافع، ومن طريق على الزهري لا على نافع.

والقمص بالضم جمع قميص، قال العيني: ويجمع أيضاً على أقمصة وقمصان ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً، فكأنه قال: لا يلبس الواحد قميصاً، والعمائم جمع عمامة، يقال: اعتم بالعمامة، وتعمم بها.

والسراويلات جمع سراويل، يقال: تسرول أي لبس السراويل، وهو مفرد، يذكر ويؤنث، وهو لباس يغطي ما بين السرة والركبتين غالباً، ويحيط بكل من الرجلين على حدة.

والبرانس جمع برنس بضم الباء والنون بينهما راء ساكنة، وهو كل ثوب رأسه منه ملتزق به، وقال الجوهري: هي قلنسوة طويلة، كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام.

( ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين) الخفاف: جمع خف، وهو ما يلبس في القدم من جلد رقيق يغطي ظهر القدم وخلف العقب.

والنعل: حذاء لا يغطي ظهر القدم، ولا خلف العقب، يمسك بظهر القدم بسيور فوق الأصابع وبينها، والكعبان: العظمان الناتئان عند ملتقى الساق والقدم، والمراد من قطع الخفين أسفل من الكعبين: كشف الكعبين في الإحرام.
وقال محمد بن الحسن ومن تبعه من الحنفية: الكعب هنا هو العظم الذي في وسط القدم عند معقد الشراك، فالمراد: عليه قطع ظهر الخف وترك جزء منه قدر ما يمسكه برجليه، ورد هذا القول بأن الكعب لا يعرف بهذا المعنى عند أهل اللغة.

وفي قوله إلا أحد لا يجد... إلخ دليل على أن لفظ أحد يجوز استعماله في الإثبات، خلافاً لمن قال: لا يجوز ذلك إلا لضرورة الشعر، قال ابن المنير: والذي يظهر لي بالاستقراء أنه لا يستعمل في الإثبات إلا إن كان يعقبه نفي.
اهـ والمراد بعدم الوجدان: أن لا يقدر على تحصيله، إما لفقده أو عجزه عن الثمن.

( ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس) قال الحافظ ابن حجر: الظاهر أن نكتة العدول عن طريق ما تقدم ذكره، أن الذي يخالطه الزعفران والورس لا يجوز لبسه، سواء كان مما يلبسه المحرم أو لا يلبسه، اهـ والزعفران نبات بصلي، أعجمي صرفته العرب، فقالوا: ثوب مزعفر، وتزعفر، أي تطيب بالزعفران أو صبغ به، والورس بفتح الواو وسكون الراء نبت أصفر، طيب الريح، يصبغ به، يحتوي على مادة حمراء.

( لا يلبس المحرم) الفعل مجزوم على أن لا ناهية، ومرفوع على أنها نافية، خبر في معنى النهي، والأول أنسب لرواية لا تلبسوا.

( وهو بالجعرانة) قال النووي: فيها لغتان مشهورتان، إحداهما إسكان العين وتخفيف الراء، والثانية كسر العين وتشديد الراء، والأولى أفصح، وهكذا اللغتان في تخفيف الحديبية وتشديدها، والأفصح التخفيف.

( جاء رجل....
عليه جبة، وعليها خلوق -أو قال: أثر صفرة)
في رواية للبخاري جاء أعرابي قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسمه.
وقد أطال الحافظ في التحقيق عن رجل جاء اسمه في بعض الروايات المشابهة.
والجبة بضم الجيم وتشديد الباء المفتوحة: ثوب سابغ واسع الكمين، مشقوق المقدم، يلبس فوق الثياب، والخلوق بفتح الخاء: نوع من الطيب يركب فيه زعفران، وقيل: أعظم أجزائه الزعفران، والمراد بأثر الصفرة: رائحة الزعفران وفي كتب اللغة: الأصفران الذهب والزعفران.

وفي الرواية السابعة وعليه مقطعات -يعني جبة- وهو متضمخ بالخلوق وفي الرواية الثامنة عليه جبة صوف، متضمخ بطيب وفي الرواية التاسعة وهو مصفر لحيته ورأسه، وعليه جبة وفي الرواية العاشرة عليه جبة بها أثر من خلوق ومعنى مقطعات بضم الميم وفتح القاف وتشديد الطاء المفتوحة أي ثياب مقطعة قطعاً مفصلة مخيطة قطعها على هيئة جبة، والتضمخ بالطيب: التلوث به، والإكثار منه، والتلطخ به، والظاهر أن الرجل كان قد أكثر منه في لحيته ورأسه وجبته.

( كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟) في الرواية السابعة إني أحرمت بالعمرة وعلي هذا، وأنا متضمخ بالخلوق؟ وفي الرواية الثامنة كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ وفي الرواية التاسعة إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى؟ وفي الرواية العاشرة إني أحرمت بعمرة فكيف أفعل؟ وهذا السؤال بصيغه المختلفة يشير إلى أن الرجل كان يعرف أعمال الحج، ويجهل أن العمرة كالحج، قال ابن العربي: كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب، ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد.

( قال: وأنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي) القائل: يعلى بن أمية رضي الله عنه، وفي الرواية الثامنة فجاءه الوحي.

وكان يعلى يقول وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد نزل عليه الوحي وفي الرواية الثامنة أن يعلى كان يقول لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- ليتني أرى النبي صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه؟ وفي رواية للبخاري أن يعلى قال لعمر رضي الله عنه أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه.

( فقال: أيسرك أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي؟) أي قال عمر ليعلى هذا القول بعد أن ستر عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب، فأجاب يعلى: نعم، فأشار عمر بيده إلى يعلى أن تعال، فجاء يعلى، فرفع عمر طرف الثوب، فأدخل يعلى رأسه، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في حالة الوحي.

( فإذا النبي صلى الله عليه وسلم له غطيط -كغطيط البكر) في الرواية الثامنة محمر الوجه يغط والغطيط: صوت النائم الذي يردده مع نفسه، والبكر بفتح الباء هو الفتى من الإبل، ويقال: الغطيط صوت به بحوحة وهو كشخير النائم الذي يردده في حلقه، ومع نفسه، وسبب ذلك: شدة الوحي وثقله.

( فلما سري عنه) بضم السين وكسر الراء المشددة: أي أزيل ما به، وكشف عنه ما كان فيه شيئاً فشيئاً بالتدريج.

( قال: أين السائل عن العمرة؟) في الرواية الثامنة أين الذي سألني عن العمرة آنفاً؟ وفي الرواية العاشرة أين السائل آنفاً عن العمرة؟ وآنفاً أي الساعة الحاضرة وفي الرواية الثامنة فالتمس الرجل فجيء به وفي الرواية العاشرة فقام إليه الرجل والظاهر: أن الرجل جلس مع الصحابة على بعد، فطلب فجيء به عند النبي صلى الله عليه وسلم.

( فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اغسل عنك أثر الصفرة، واخلع عنك جبتك، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) في الرواية السابعة ماذا كنت صانعاً في حجك؟ قال: أنزع عني هذه الثياب، وأغسل عني هذا الخلوق.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنت صانعاً في حجك فاصنعه في عمرتك وفي الرواية الثامنة أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات [أي قال هذه الجملة ثلاث مرات تأكيداً، كما هي عادته صلى الله عليه وسلم، أو طلب أن يكون الغسل ثلاث مرات للتأكيد من إزالة الريح] وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك وفي الرواية التاسعة انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة، وما كنت صانعاً في حجك فاصنعه في عمرتك قال النووي: معناه من اجتناب المحرمات، ويحتمل أنه أراد مع ذلك الطواف، والسعي والحلق، بصفاتها وهيئاتها، وإظهار التلبية، وغير ذلك مما يشترك فيه الحج والعمرة، ويخص من عمومه ما لا يدخل في العمرة من أفعال الحج كالوقوف والرمي والمبيت وغير ذلك.

فقه الحديث

تتعرض هذه المجموعة من الأحاديث إلى خمس نقاط:

الأولى: ما لا يباح للمحرم لبسه على بدنه.

الثانية: تغطية المحرم رأسه.

الثالثة: ما لا يباح للمحرم لبسه في قدميه.

الرابعة: الطيب للمحرم في الثوب أو البدن.

الخامسة: ما يؤخذ من الأحاديث.

وهذا هو التفصيل:

أولاً: ما لا يباح للمحرم لبسه على بدنه: قال النووي في شرح مسلم: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم لبس شيء من هذه المذكورات، وأنه نبه بالقميص والسراويل على جميع ما في معناهما، وهو ما كان محيطاًً أو مخيطا، معمولاً على قدر البدن، أو قدر عضو منه، كالجوشن [أي الدرع] والتبان [بتشديد الباء، وهو نوع من السراويل، قصيرة فوق الركبة، تستر السوأتين، أشبه بما يلبس في البحر، والجمع تبابين] والقفاز [وهو ما يلبس في الكفين من نسيج أو جلد] .

وقال في المجموع: فإن لبس شيئاً من ذلك مختاراً عامداً أثم، ولزمه المبادرة إلى إزالته ولزمته الفدية، سواء قصر الزمان أم طال، وسواء في ذلك الرجل والصبي، لكن الصبي لا يأثم، وتجب الفدية.

وقال: قال أصحابنا: واللبس الحرام الموجب للفدية محمول على ما يعتاد في كل ملبوس، فلو التحف بقميص أو قباء [ويطلق على كل ثوب مفرج سواء أكان له أكمام كالجبة، أو لا أكمام له كالعباءة] أو ارتدى بهما [أي جعلهما رداء ولفهما حول نصفه الأعلى] أو اتزر بسراويل [أي لف السراويل على فخذيه] فلا فدية، لأنه ليس لبساً له في العادة.
ولو ألقى على بدنه قباء أو فرجية [بفتح الفاء والراء وكسر الجيم وتشديد الياء ثوب واسع طويل الأكمام، يتزيا به علماء الدين غالباً] وهو مضطجع فلا فدية إن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه.

ثم قال: وهذا الذي ذكرناه إذا لم يكن للرجل عذر في اللبس، فإن كان عذر جاز ووجبت الفدية.

ولا فرق بين أن يكون مخيطاً بالإبرة أو ملصقاً بعضه إلى بعض، ولا فرق بين أن يكون من الخرق والأقمشة القطنية والصوفية والوبرية والتيلية وبين أن يكون من الجلود أو اللبود أو الورق.

ويحرم في إزار ورداء، ويستحب أن يكون الإزار والرداء أبيضين جديدين، فإن لم يكونا جديدين فليكونا مغسولين نظيفين، ويكره المصبوغ، وغير النظيف.

ثم قال: اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يجوز أن يعقد الإزار [أي يربط طرفيه ببعضهما ليستمسك] ويشد عليه خيطين [أي خيطا ذا طرفين يربطهما ويعقدهما] وأن يجعل له مثل الحجزة ويدخل فيهما التكة ونحو ذلك [الحجزة والحزة بدون جيم مجري ينشأ من ثني طرف الإزار أو السراويل ليدخل فيه التكة التي تشده ليستمسك] لأن ذلك من مصلحة الإزار، فإنه لا يستمسك إلا بنحو ذلك.

ثم قال: قال أصحابنا: وله غرز ردائه في طرف إزاره، وأما عقد الرداء فحرام وكذلك خله بخلال أو بمسلة ونحوها، وفرق الأصحاب بين الرداء والإزار حيث جاز عقد الإزار دون الرداء بأن الإزار يحتاج فيه إلى العقد دون الرداء.
هذا قول الجمهور، وقالت طائفة من أصحابنا: لا يحرم عقد الرداء، كما لا يحرم عقد الإزار.

ثم قال: وإذا لم يجد إزاراً جاز له لبس السراويل، ولا فدية.
هذا مذهبنا، وبه قال أحمد وداود وجمهور العلماء، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يجوز له لبسه وإن عدم الإزار، فإن لبسه لزمه الفدية.
اهـ

وقال البخاري: قال عطاء: يتختم ويلبس الهميان [بكسر الهاء وسكون الميم، وهو حزام من جلد أو قماش به جيوب يضع فيه المحرم النفقة وما يحتاجه ويشده في وسطه] قال العلماء: لا بأس للمحرم بالهميان والخاتم، وأجازوا عقد الهميان إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض، ولم ينقل عن أحد كراهته إلا عن ابن عمر، ونقل عنه جوازه.

وقال النووي: قال أصحابنا: وله أن يتقلد المصحف وحمائل السيف.
اهـ ومثله أن يتقلد كيس نقود ويعلق حمائل كيس أمتعة، فإن ذلك لا يسمى لبساًَ.

ثانياً: تغطية المحرم رأسه: أما النقطة الثانية فقد قال النووي في شرح مسلم: نبه صلى الله عليه وسلم بالعمائم والبرانس على كل ساتر للرأس، مخيطاً كان أو غيره، حتى العصابة، فإنها حرام، فإن احتاج إليها لشجة أو صداع أو غيرهما شدها ولزمته الفدية.

وقال في المجموع: لا يجوز للرجل ستر رأسه، لا بمخيط كالقلنسوة، ولا بغيره كالعمامة والإزار والخرقة وكل ما يعد ساتراً، فإن ستر لزمه الفدية، ولو توسد وسادة، أو وضع يده على رأسه، أو انغمس في ماء، أو استظل بمحمل وهودج ومظلة جاز، ولا فدية، سواء مس المحمل رأسه أم لا، لأنه لا يعد ساتراً، ولو وضع على رأسه زنبيلاً أو قفة جاز على الأصح ولا فدية، لأنه لا يقصد به الستر.
ولا يشترط لوجوب الفدية ستر جميع الرأس، بل تجب الفدية بستر قدر يقصد ستره لغرض، كشد عصابة، وإلصاق لصوق لشجة ونحوها، واتفق الأصحاب على أنه لو شد خيطاً على رأسه لم يضره، ولا فدية.

وقال: مذهبنا أنه يجوز للرجل المحرم ستر وجهه، ولا فدية عليه، وبه قال جمهور العلماء، وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز كرأسه.

ثالثاً: ما لا يباح للمحرم لبسه في قدميه: وأما النقطة الثالثة فقد قال النووي في شرح مسلم: نبه صلى الله عليه وسلم بالخفاف على كل ساتر للرجل، من مداس [وهو ضرب من الأحذية] وحمحم [وهو ضرب آخر منها] وجورب وغيرها.

وقال الحافظ ابن حجر: ظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبس الخفين إذا لم يجد النعلين، واستدل به على اشتراط القطع، خلافاً للمشهور عن أحمد، فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع، لإطلاق حديث ابن عباس في البخاري في أواخر كتاب الحج بلفظ ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين وتعقب بأنه موافق على قاعدة حمل المطلق على المقيد، فينبغي أن يقول بها هنا.

أما المرأة فالوجه منها كرأس الرجل، يحرم ستره بكل ساتر، ويجوز لها ستر رأسها وسائر بدنها بالمخيط وغيره، كالقميص والخف والسراويل وتستر من الوجه القدر اليسير الذي يلي الرأس، لأن ستر الرأس واجب، لكونه عورة، ولا يمكن استيعاب ستره إلا بذلك.
ولها أن تسدل على وجهها ثوباًَ متجافياً عنه بخشبة ونحوها، سواء فعلته لحاجة، كحر وبرد وخوف فتنة ونحوها، أم لغير حاجة، فإن وقعت الخشبة فأصاب الثوب الوجه بغير اختيارها ورفعته في الحال فلا فدية، وإن كان عمداً أو استدامته لزمها الفدية، وفي لبسها القفازين قولان.
وقالت عائشة: لا تلثم المرأة، أي لا تغطي شفتيها بثوب.
ولم تر عائشة بأساً بالحلي، وبالثوب الأسود والمورد، وقالت: تلبس من خزها، وبزها، وأصباغها، وحليها.
قال الحسن وعطاء: تلبس ما شاءت من الثياب، إلا ثوباً ينفض عليها ورساً أو زعفراناً.

رابعاً: الطيب للمحرم في الثوب أو البدن: وأما النقطة الرابعة فقد قال النووي في شرح مسلم: والزعفران والورس نبه بهما على ما في معناهما، وهو الطيب.
اهـ

وقال ابن العربي: ليس الورس بطيب، ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملاءمة الشم، فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم، وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب.

واستدل بقوله: مسه على تحريم ما صبغ كله أو بعضه ولو خفيت رائحته.
وقال الشافعية: إذا صار الثوب بحيث لو أصابه الماء لم تفح له رائحة لم يمنع.
وقال مالك في الموطأ: إنما يكره لبس المصبغات لأنها تنفض [أي تخرج الريح من حين إلى حين] والجمهور على أنه إذا ذهبت رائحة المصبوغ جاز.
خلافاً لمالك.

وقال النووي في المجموع: ويحرم على المحرم استعمال الطيب في ثيابه وبدنه لحديث ابن عمر ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران وتجب الفدية.
وقال: قال الشافعي والأصحاب: يحرم على الرجل والمرأة استعمال الطيب واستعمال الطيب أن يلصق الطيب ببدنه أو ملبوسه على الوجه المعتاد في ذلك الطيب، ولو لبس ثوباً مبخراً بالطيب، أو ثوباً مصبوغاً بالطيب، أو علق بنعله طيب لزمته الفدية، ولو علقت رائحة الطيب بثوبه أو ببدنه دون عين الطيب بأن جلس في دكان طيب، أو عند الكعبة وهي تبخر، أو في بيت يبخر ساكنوه فلا فدية بلا خلاف، لكنه إن قصد الموضع المذكور لاشتمام الرائحة كره على الأصح.

ولو كان المحرم أخشم لا يشم رائحة الطيب، فاستعمل الطيب لزمته الفدية وإن لبس إزاراً مطيباً لزمته الفدية، وله أن يحمل الطيب في خرقة أو قارورة ولا فدية عليه، لأن دونه حائلاً.

ومتى لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية، بأن كان ناسياً أو ألقته الريح عليه لزمه المبادرة بإزالته، بأن ينحيه أو يغسله أو يعالجه بما يقطع ريحه، فإن أخر إزالته مع الإمكان لزمته الفدية.

وإذا حصل الطيب في مطبوخ أو مشروب فبقيت الرائحة بعد الأكل أو الشرب وجبت الفدية، وقال أبو حنيفة: لا فدية.

وأما الفواكه كالأترج والتفاح وأزهار البراري كالشيح والقيصوم ونحوهما فليس بحرام، لأنه لا يقصد للطيب.

وأما استحباب الطيب قبل الإحرام فسيأتي في باب خاص إن شاء الله تعالى بعد أربعة أبواب.

ثم قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: والحكمة في تحريم اللباس المذكور على المحرم، ولباسه الإزار والرداء أن يبعد عن الترفه، ويتصف بصفة الخاشع الذليل وليتذكر به الموت ولباس الأكفان، ويتذكر البعث يوم القيامة والناس حفاة عراة مهطعين إلى الداعي، والحكمة في تحريم الطيب أن يبعد عن الترفه وزينة الدنيا وملاذها ويجتمع همه لمقاصد الآخرة.

وهناك محرمات أخرى للإحرام ستأتي في أبواب مستقلة، كتحريم الصيد وحلق الرأس، ومحرمات لم ترد في صحيح مسلم، كالنكاح، والمباشرة فيما بين السرة والركبة وسنتناولها في نهاية محرمات الإحرام إن شاء الله تعالى.

خامساً: ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- يؤخذ من الأمر بقطع أسفل الخفين: أن ما يأمر به الشرع لا يكون فساداً.

2- ومن تمكين عمر رضي الله عنه يعلى رضي الله عنه من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم: جواز كشف أمور الغير للغير إذا علم أن ذلك لا يشق عليه.
وهذا مبني على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد علم ما حصل ورضي به.

3- ومن قوله: ما كنت صانعاً في حجك فاصنعه في عمرتك: أنهم كانوا يعلمون أعمال الحج قبل علمهم بأعمال العمرة.

4- وأخذ منه بعضهم: أن الترك فعل، لأن معناه اترك واجتنب في عمرتك ما كنت تاركاً مجتنباً في حجك.

5- واستدل بقوله: اغسل عنك أثر الصفرة -أو أثر الخلوق: على منع استدامة الطيب بعد الإحرام، وهو قول مالك ومحمد بن الحسن، وأجاب الجمهور: بأن قصة يعلى رضي الله عنه، كانت بالجعرانة، وهي في سنة ثمان بلا خلاف وقد ثبت عن عائشة: أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها عند إحرامه، كما سيأتي، وكان ذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر.
ذكره الحافظ ابن حجر.

6- واستدل به كذلك على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسياً، أو جاهلاً، ثم علم، فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه، وقال مالك: إن طال ذلك عليه لزمه، وعن أبي حنيفة وأحمد -في رواية- يجب مطلقاً.

7- ومن قوله: واخلع عنك جبتك: أن المحرم إذا صار عليه المخيط نزعه ولو من قبل رأسه، ولا يصير بذلك مغطياً لرأسه، ففي لفظ أبي داود اخلع عنك الجبة، فخلعها من قبل رأسه.

8- ومن نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل، وسكوته، وعدم إجابته، كما في الرواية الثامنة والعاشرة: أن المفتي والحاكم إذا لم يعرف الحكم يمسك حتى يتبين له.

9- واستدل به على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي.
نقله الحافظ ابن حجر.
ويتعقب بأنها حادثة عين لا تنفي ما عداها، وقال النووي: لا دلالة فيه على ذلك لأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم لم يظهر له الاجتهاد وحكم ذلك، أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد.

10- وأن بعض الأحكام ثبت بالوحي الذي لا يتلى.

11- ومن حاله صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي: شدة الوحي وثقله ومعاناة الرسول صلى الله عليه وسلم من نزوله.

12- ومن ستر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: استحباب ستر أمور النوم ونحوها مما لا يستحسن ظهوره غالباً.

والله أعلم