هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1821 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ قَالَ : مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1821 حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، فيما قرئ عليه عن ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي سعيد الخدري ، أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعطاهم ، ثم سألوه فأعطاهم ، حتى إذا نفد ما عنده قال : ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم ، ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن يصبر يصبره الله ، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر حدثنا عبد بن حميد ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري بهذا الإسناد نحوه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Sa'id al-Khudri reported that some people from among the Ansar begged from the Messenger of Allah (ﷺ) and he gave them. They again begged him and he again gave them, till when what was in his possession was exhausted he said:

Whatever good (riches, goods) I have, I will not withhold it from you. He who refrains from begging Allah safeguards him against want. and he who seeks sufficiency, Allah would keep him in a state of sufficiency, and he who shows endurance. Allah would grant him power to endure, and none is blessed with an endowment better and greater than endurance.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم.
ثم سألوه فأعطاهم حتى إذا نفد ما عنده قال ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم.
ومن يستعفف يعفه الله.
ومن يستغن يغنه الله.
ومن يصبر يصبره الله.
وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر.


المعنى العام

يولد المرء، فينشأ، فيتغذى، فيكسب المال والولد، ويندفع نحو زينة الحياة الدنيا بطبيعته، فيحرص عليها، وينميها، وكلما وصل إلى درجة تطلع إلى ما فوقها، يجري وراءها، ويلهث، ولا يتوقف، ولا يضعف حبه بتقدم عمره، بل قد يزداد، وكلما ازداد حرص على الحياة وطول العمر، يشيب ابن آدم ويهرم وتصيبه الشيخوخة والكهولة، لكن خصلتان من خصاله تبقيان قويتين شابتين، حب المال، والحرص على الحياة، حقيقة جاءت بها الشريعة، وصدقها الواقع، وهي الطبيعة والفطرة التي فطر الناس عليها، لكن الشريعة أمرت بمعالجة هذه الخلقة، وتغيير هذا الطبع ليوافق الشرع، فنفرت من الاستجابة للشهوات، ووضحت بشتى الأساليب أن غرس الشهوات في الإنسان ابتلاء من الخالق واختبار، وأن عاقبة الجري وراءها خسران في الآخرة ونار { { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } } [التكاثر: 1-8] .
{ { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } } [الحديد: 20] .
{ { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } } [التغابن: 15] .

إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا، من بركات الأرض.
نعم بركات الأرض خير، لكن إن لم تحصلها بطريق مشروع كانت شراً، وإن لم تصرفها في الطريق المشروع كانت شراً، الحشائش الخضراء في الأرض خير للبهائم، لكن إن أكثرت البهيمة منه، ولم تحسن هضمه وتصريفه كان شراً.

المال وزينة الدنيا أخطر فتنة في الوجود، لأن صاحبه لا يدرك خطره -غالباً- إلا بعد فوات الأوان، بهجته تعمي الأبصار عن رؤية حقيقته، وجمعه يدفع إلى المزيد من جمعه، مع الغفلة عن حله وغير حله، وحبه يدفع إلى الاحتفاظ به وادخاره وكنزه والبخل به، فهو كالمخدر الذي يشل حركة التفكير والتعقل والتدبر، إلا من عصمه الله.

كلنا نؤمن أن ما نجمع من مال سنذهب عنه، ونتركه لغيرنا، وقد يكونون أعداءنا، فالشاعر يقول:

وما الناس إلا جامع أو مضيع
وذو نصب يسعى لآخر نائم

كلنا نؤمن أننا لن نأخذ من أموالنا شيئاً بعد موتنا، فالله يقول: { { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم } } [الأنعام: 94] ويقول الشاعر:

نصيبك مما تجمع الدهر كله
رداءان تلوى فيهما وحنوط

كلنا نعلم أن الدنيا فترة زمنية قصيرة تنتهي إلى آخرة ودار إقامة، وجاءنا النذير: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل مثل الإنسان فيها كمثل رجل فر من أسد، فوجد فرعاً من شجرة يتدلى في بئر، فتعلق به ونزل إلى نصفه، فرأى أسفله ثعباناً ينتظر سقوطه ليلتهمه، ونظر إلى الفرع فرأى فأرين يقرضانه، فأر أبيض، وفأر أسود، وسيقطعان الفرع، وسيرى نهايته لا محالة، لكنه نظر في رف البئر فوجد طبقاً من عسل، فشغله هذا العسل عن مصيره، فأخذ يلعق منه حتى قطع الفرع وهلك.
الفرع بمثل الأجل في هذه الحياة، والفأران يمثلان الليل والنهار، والعسل يمثل زينة الحياة الدنيا.

فهل يتلهى العاقل به؟ أو يغتنم خمساً قبل خمس.
الشباب قبل الهرم، والصحة قبل السقم، والغنى قبل الفقر، والفراغ قبل الشغل، والحياة قبل الموت؟ { { فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } } [التوبة: 38] .

المباحث العربية

( قلب الشيخ شاب على حب اثنتين) في الرواية الثالثة يهرم ابن آدم وتشب معه اثنتان وتشب بفتح التاء وكسر الشين، قال النووي: وهو بمعنى قلب الشيخ شاب.
اهـ.

وفي رواية البخاري: لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنتين وفي رواية له: يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان.
والشيخ من جاوز الأربعين، والمراد أن ابن آدم يضعف جسمه، وينحل لحمه من الكبر، وقلبه كقلب الشاب من حيث قوة حب المال وحب الحياة.

قال النووي: هذا مجاز واستعارة، ومعناه: أن قلب الشيخ كامل الحب للمال، متحكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه.
وقال القاضي عياض: إن الشيخ من شأنه أن تكون آماله وحرصه على الدنيا قد بليت على بلاء جسمه إذا انقضى عمره، ولم يبق له إلا انتظار الموت، فلما كان الأمر بضده ذم.
قال: والتعبير بالشاب إشارة إلى كثرة الحرص وبعد الأمل الذي هو في الشباب أكثر، وبهم أليق، لكثرة الرجاء عندهم عادة في طول أعمارهم ودوام استمتاعهم ولذاتهم في الدنيا.
اهـ.

( حب العيش والمال) في الرواية الثانية طول الحياة وحب المال.
وفي الرواية الثالثة الحرص على المال والحرص على العمر.
وفي رواية البخاري حب المال وطول العمر.
وفي رواية له حب الدنيا وطول الأمل.
والمراد من طول الأمل محبة طول العمر، ومحبة طول الحياة، ومحبة العيش.

قالوا: والحكمة في التخصيص بهذين الأمرين أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه، فهو راغب في بقائها، فأحب بذلك طول العمر، وأحب المال لأنه من أعظم الأسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالباً طول العمر، فكلما أحس بقرب نفاد ذلك اشتد حبه له، ورغبته في دوامه.

( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً) في الرواية السادسة لو كان لابن آدم واد من ذهب أحب أن له وادياً آخر.
وفي الرواية السابعة لو أن لابن آدم ملء واد مالاً لأحب أن يكون إليه مثله.
فرواية من مال، فسرت برواية من ذهب، وزاد عند أحمد وفضة وقوله: لابتغى معناها لأحب كما في الروايات الأخرى، وفي رواية لتمنى مثله، حتى يتمنى أودية.

( ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) في الرواية السادسة ولن يملأ فاه إلا التراب، وفي الرواية السابعة ولا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب، وفي بعض الروايات ولا يشبع ابن آدم، وفي بعضها ولا يسد جوف ابن آدم، وفي رواية للبخاري ولا يملأ عين ابن آدم، وفي بعض الروايات ولا يملأ بطن ابن آدم.
قال الكرماني: ليس المراد الحقيقة في عضو بعينه [جوف.
عين.
فم]
بقرينة عدم الانحصار في التراب، إذ غيره يملؤه أيضاً، بل هو كناية عن الموت، لأنه مستلزم للامتلاء، فكأنه قال: لا يشبع من الدنيا حتى يموت، فالغرض من العبارات كلها واحد، وهي من التفنن في العبارة.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: وهذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث، وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة، ثم نسبة الامتلاء للجوف واضحة، والبطن بمعناه، وأما النفس فعبر بها عن الذات، وأطلق الذات وأراد البطن، من إطلاق الكل وإرادة البعض، وأما النسبة إلى الفم فلكونه الطريق الموصل للجوف، ويحتمل أن يكون المراد بالنفس العين، وأما العين لأنها الأصل في الطلب لأنه يرى ما يعجبه، فيطلبه ليحوزه إليه، وخص البطن في أكثر الروايات لأن أكثر ما يطلب المال لتحصيل الملذات، وأكثرها يكون للأكل والشرب.
اهـ.

قال الطيبي: وقع قوله: ولا يملأ...إلخ موقع التذييل والتقرير للكلام السابق، كأنه قيل: ولا يشبع من خلق من التراب إلا بالتراب، ويحتمل أن يكون ذكر التراب دون غيره لما أن المرء لا ينقضي طمعه حتى يموت، فإذا مات كان من شأنه أن يدفن، فإذا دفن صب عليه التراب، فملأ جوفه وفاه وعينيه، ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره.
اهـ.

( ويتوب الله على من تاب) قال النووي: هو متعلق بما قبله، ومعناه أن الله يقبل التوبة من الحرص المذموم وغيره من المذمومات.
اهـ فكأن من فعل ذلك حقه أن يتوب، ويحتمل أن يكون تاب بالمعنى اللغوي، وهو مطلق الرجوع، أي ويقبل الله رجوع من رجع عن الحرص وعن التمني.
وقال الطيبي: يمكن أن يكون معناه أن الآدمي مجبول على حب المال، وأنه لا يشبع من جمعه، إلا من حفظه الله تعالى، ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه، وقليل ما هم، فوضع ويتوب موضعه إشعاراً بأن هذه الجبلة مذمومة جارية مجرى الذنب، وأن إزالتها ممكنة بتوفيق الله وتسديده، فوقع قوله: ويتوب الله إلخ موقع الاستدراك، أي أن ذلك العسر الصعب يمكن أن يكون يسيراً على من يسره الله تعالى عليه.
اهـ.

( فلا أدري أشيء أنزل؟ أم شيء كان يقوله) هذا كلام أنس يتردد في كون هذا القول من القرآن؟ أم من الحديث النبوي؟، وفي الرواية السابعة يتردد ابن عباس كذلك، ويقول: فلا أدري أمن القرآن هو؟ أم لا؟ وفي الرواية الثامنة يصرح أبو موسى الأشعري بأن هذا القول كان جزء سورة شبيهة ببراءة في الطول والشدة وسيأتي إيضاح لذلك في فقه الحديث.

( ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم) النهي موجه لقسوة القلوب، لا لطول الأمد، والتقدير لا تقسو قلوبكم بطول الزمان، والبعد بينكم وبين المصدر.

( بإحدى المسبحات) أي بإحدى السور التي تبدأ بسبح ويسبح.

( ليس الغنى عن كثرة العرض) بفتح العين والراء، وعن سببية، والعرض ما ينتفع به من متاع الدنيا.
وقال أبو عبيد: العروض الأمتعة، وهي ما سوى الحيوان والعقار، وما لا يدخله كيل ولا وزن.
وقال ابن فارس: العرض بالفتح ما يصيبه الإنسان من حظه في الدنيا، قال تعالى: { { تريدون عرض الدنيا } } [الأنفال: 67] وقال: { { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه } } [الأعراف: 169] .

( ولكن الغنى غنى النفس) وعند أحمد إنما الغنى غنى النفس.
وعند ابن حبان عن أبي ذر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر.
أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم.
قال: وترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يا رسول الله.
قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب.
قال ابن بطال: معنى الحديث: ليس حقيقة الغنى كثرة المال، لأن كثيراً ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي، فهو يجتهد في الازدياد، ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من استغنى بما أوتي، وقنع به، ورضي، ولم يحرص على الازدياد، ولا ألح في الطلب، فكأنه غني.
اهـ وقال القرطبي: معنى الحديث أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع، فعزت وعظمت، وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس، لحرصه، فإنه يورطه في رذائل الأموال، وخسائس الأفعال، لدناءة همته وبخله، ولكثرة من يذمه من الناس، ويصغر قدره عندهم، فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل ذليل.

والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعاً بما رزقه الله، لا يحرص على الازدياد لغير حاجة، ولا يلح في الطلب، ولا يلحف في السؤال، بل يرضى بما قسم الله له، فكأنه واجد أبداً، والمتصف بفقر النفس على الضد منه، لكونه لا يقنع بما أعطي، بل هو أبداً في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه، ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف، فكأنه فقير في المال، لأنه لم يستغن بما أعطي فكأنه ليس بغني، ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عند الله خير وأبقى، فهو معرض عن الحرص والطلب، وما أحسن قول الشاعر:

غنى النفس ما يكفيك من سد حاجة
فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقراً

انتهى من فتح الباري للحافظ ابن حجر.

والذي تستريح إليه النفس أن الإسلام لا ينفر من الحرص على المال، وعلى الاستزادة منه وطلبه مهما كثر، كل ما يدعو إليه أن لا يؤدي ذلك إلى طلبه من غير حله، أو إنفاقه في غير حله، أو عدم أداء حقه، والقناعة الإسلامية ليست بالوقوف عن طلب المزيد، ولو لغير حاجة، وإنما هي في الرضا بما عندك مهما كان زائداً، وبالرضا بطلب الجديد في الحدود المشروعة، القناعة الإسلامية في عدم التطلع لما في يد الغير، وعدم السعي في اقتناصه منه، وفي عدم التحسر عليه عند فواته، فمعنى الحديث: ليس كثرة المال مصدر الإحساس بالغنى، فكثير ممن يملكون الذهب والفضة والقصور ينظرون إلى من هم أعلى منهم فيحسون بالفقر، وإنما الغنى الحقيقي الذي يشعر به صاحبه ويسعد به هو الإحساس بأن رزقه كافيه، قل أو كثر، فهو حامد شاكر راض بما حصل.
وإن جاهد للمزيد، لا على حساب الدين، بل لحساب الدين، فكلما زاد ماله أنفق في وجوه الخير فزادت حسناته، وكلما سعى في كسب الرزق الحلال كفرت سيئاته، كما جاء في الأحاديث الصحيحة.

( لا.
والله ما أخشى عليكم -أيها الناس- إلا....
)
لا رد لكلام سابق، مذكور أو مفهوم، كأنه قال مثلاً: لا تجزعوا من الفقر، أو لا تتمنوا الغنى.
وفي الرواية الحادية عشر أخوف ما أخاف عليكم....
وفي الرواية الثانية عشرة إن مما أخاف عليكم... والواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخشى على أمته من أخطار كثيرة، يخشى عليهم الاختلاف، والفتن، والتكالب على الإمارة، وضياع العلم، وكثرة الجهل، فالتنافس على زهرة الحياة الدنيا أحد ما يخشاه، ولا مانع من أن يعد أكثرها خطراً، وأخوف ما يخافه، باعتباره أساس كل المصائب، وإثبات الأعلى والأكبر لا ينافي إثبات أصل الوصف، فلا تعارض بين أخوف ما أخاف وبين إن مما أخاف والقصر في الرواية العاشرة قصر ادعائي، كأنه صلى الله عليه وسلم لا يخشى إلا هذا، وكأن ما عداه مما يخشى في حكم العدم.

قال الحافظ ابن حجر: وهذه الخشية يحتمل أن يكون سببها علمه أن الدنيا ستفتح عليهم، ويحصل لهم الغنى بالمال، وقد ذكر ذلك في أعلام النبوة، مما أخبر صلى الله عليه وسلم بوقوعه قبل أن يقع فوقع.

( ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا) فسرت زهرة الدنيا في الرواية الحادية عشرة ببركات الأرض، ورواية البخاري تعكس هذا التفسير وهذا المفسر، ولفظها: إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض.
قيل: وما بركات الأرض؟ قال: زهرة الدنيا.
وزاد في رواية: وزينتها.
وزهرة الدنيا زينتها وبهجتها، مأخوذة من زهر الشجر، والمراد ما فيها من أنواع المتاع والذهب والفضة والمساكن والزروع وغيرها مما يفتخر الناس بحسنه مع قلة البقاء.

( فقال رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، وفي الرواية الحادية عشرة قالوا فإسناد القول إلى المجموع مع أن القائل واحد تنزيل لهم منزلة القائلين، لموافقتهم على هذا القول.

( أيأتي الخير بالشر) ؟ في الرواية الحادية عشرة وهل يأتي الخير بالشر فالواو استئنافية فيه.
وفي الرواية الثانية عشرة أو يأتي الخير بالشر؟ بفتح الواو بعد همزة الاستفهام، والواو عاطفة على مقدر، أي أتصير النعمة نقمة ويأتي الخير بالشر؟ لأن زهرة الدنيا نعمة من الله، فهل تعود هذه النعمة نقمة؟ والاستفهام للاسترشاد وطلب الجواب والرشد، وليس للإنكار والاستبعاد كما قال النووي.

( فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة) المراد من الساعة القطعة من الزمن وليس المراد بها المتعارف عليها بمقدار ستين دقيقة، قيل: إن سبب سكوته صلى الله عليه وسلم ليأتي بالعبارة الوجيزة الجامعة المفهمة، فنزل عليه الوحي، وقيل سكت انتظاراً للوحي، لأن الجواب في حاجة إليه.

وفي الرواية الثانية عشرة فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ما شأنك؟ تكلم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك؟ قال: ورئينا أنه ينزل عليه، فأفاق يمسح عنه الرحضاء.
ورئينا بضم الراء وكسر الهمزة، وفي رواية للبخاري فأرينا بضم الهمزة، وفي رواية له حتى ظننت أنه ينزل عليه وفي رواية له أيضاً ظننا.
والرحضاء بضم الراء وفتح الحاء، وهو العرق، وقيل: العرق الكثير، وقيل: عرق الحمى، كأنهم فهموا أنه ينزل عليه الوحي بالقرينة من الكيفية التي جرت عادته بها عندما يوحى إليه.

( ثم قال كيف قلت) ؟ في الرواية الثانية عشرة وقال: إن هذا السائل فالسائل خبر إن وال فيه للكمال.
أي إن هذا هو السائل الممدوح الحاذق الفطن وفي بعض النسخ أين هذا السائل؟ وفي بعضها أنى هذا السائل؟ وهي بمعنى أين؟ وفي بعضها أي هذا السائل؟ ومعناه أيكم هذا السائل؟ فحذف الكاف والميم.
قاله النووي.

( وكأنه حمده) أخذوه من قرينة الحال.
قال الحافظ ابن حجر: والحاصل أنهم لاموه أولاً، حيث رأوا سكوت النبي صلى الله عليه وسلم، فظنوا أنه أغضبه، ثم حمدوه آخراً، لما رأوا مسألته سبباً لاستفادة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.

( إن الخير لا يأتي إلا بخير) في الرواية الحادية عشرة لا يأتي الخير إلا بالخير ثلاثاً، وفي الرواية الثانية عشرة إنه لا يأتي الخير بالشر أي إن الخير بذاته لا يأتي إلا بخير، لكن قد يأتي للخير عارض فينتج هذا العارض شراً، فالمال في ذاته خير، فإن عرض له البخل أو التبذير نتج عن البخل به إو إسرافه شر، وكذا كل نعمة، في ذاتها خير لا تأتي إلا بخير، فالعين خير أعد لخير الإنسان، فإن نظرت إلى محرم أنتج هذا النظر شراً، فالخير بذاته لا ينتج إلا خيراً.

( أو خير هو) ؟ بفتح الواو في أو همزة استفهام بعدها واو العطف، أي أتظن الشره والحرص على المال نافعاً؟ وخيراً هو؟ والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي ليس الشره والحرص على المال خيراً.
أي ليس المال خيراً إن كان طريق اكتسابه أو إنفاقه شراً.

( إن كل ما ينبت الربيع يقتل حبطاً أو يلم....
)
الحبط بفتح الحاء والباء التخمة، أي انتفاخ البطن من كثرة الأكل، يقال: حبطت الدابة إذا أصابت مرعى طيباً، فأسرفت في الأكل، حتى تنتفخ فتموت، وقوله أو يلم معناه: أو يقرب من القتل حبطاً، والربيع الجدول.

وفي الرواية الثانية عشرة وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم....
قال الحافظ ابن حجر: مما في قوله مما ينبت للتكثير، وليست من للتبعيض، لتوافق رواية كل ما ينبت.

( إلا آكلة الخضر، أكلت، حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشمس، ثلطت أو بالت، ثم اجترت، فعادت، فأكلت) في الرواية الثانية عشرة ثم رتعت قال النووي: إلا آكلة الخضر هو بكسر الهمزة من إلا وتشديد اللام على الاستثناء، هذا هو المشهور الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة وغيرهم.
قال القاضي: ورواه بعضهم ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام على الاستفتاح، وآكلة الخضر بهمزة ممدودة، والخضر بفتح الخاء وكسر الضاد.
هكذا رواه الجمهور، قال القاضي: وضبطه بعضهم الخضر بضم الخاء وفتح الضاد.
اهـ قال الحافظ ابن حجر: وهو ضرب من الكلأ يعجب الماشية، وواحده خضرة، وفي رواية الخضرة بضم الخاء وسكون الضاد وزيادة هاء في آخره، وفي رواية الخضراء بفتح الخاء وسكون الضاد وبالمد.

والخاصرتان تثنية خاصرة، وهما جانبا البطن من الحيوان، وفي رواية خاصرتها بالإفراد.
والغرض من استقبالها الشمس أو عين الشمس أن تسخن بها فيسهل الهضم، وفي الرواية الحادية عشرة ورواية البخاري تقديم الاجترار على الثلط وهو الأنسب، إذ الاجترار استرجاع ما في كرشها من العلف إلى الفم لتعيد مضغه تيسيراً لهضمه، والثلط إلقاء الفضلات خارجاً، والمعنى أنها إذا شبعت، فثقل عليها ما أكلت تحايلت في دفعه، بخلاف التي لم تتمكن من ذلك فإن الانتفاخ يقتلها سريعاً.

قال النووي: معناه أن نبات الربيع وخضره يقتل حبطاً بالتخمة لكثرة الأكل أو يقارب القتل إلا إذا اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة، وتحصل به الكفاية، فإنه لا يضر، وهكذا المال، هو كنبات الربيع، مستحسن، تطلبه النفوس، وتميل إليه، فمنهم من يستكثر منه، ويستغرق فيه، غير صارف له في وجوهه، كما تثلطه الدابة، فهذا لا يضر.

وقال الأزهري: فيه مثلان، أحدهما للمكثر من الجمع، المانع من الحق، وإليه الإشارة بقوله: إن مما ينبت الربيع ما يقتل لأن الربيع ينبت أحرار البقول، فتستكثر منه الدابة حتى تهلك، والثاني للمقتصد، وإليه الإشارة بقوله: إلا آكلة الخضر لأن الخضر ليس من أحرار البقول.
اهـ.

وهذا الذي قاله الأزهري غير واضح، لأن وصف الدابة بالشبع وامتداد الخاصرتين لا يتناسب مع المقتصد، وإنما مع المكثر، المحسن في تصريف ما أكثر منه، كما قال النووي.

وقال القاضي عياض: ضرب صلى الله عليه وسلم لهم مثلاً بحالتي المقتصد والمكثر، فقال: أنتم تقولون: إن نبات الربيع خير، وبه قوام الحيوان؟ وليس هو كذلك مطلقاً، فأشار إلى أن الاعتدال والتوسط في الجمع أحسن، ثم ضرب مثلاً لمن ينفعه إكثاره، وهو التشبيه بآكلة الخضر، وهذا التشبيه لمن صرفه في وجوهه الشرعية.
اهـ.

والتحقيق أن التمثيل يعطينا ثلاث حالات، لأن الربيع ينبت البقول الحارة التي تضر وتقتل أو تقارب كثرت أو قلت، وهذه الحالة تشبهها حالة جمع المال من غير حله، والكسب غير الطيب، كما ينبت الخضر الذي لا يضر تناوله باعتدال، أو تناوله بكثرة مع التحايل على صرفه، وهذه الحالة تشبهها حالة جمع المال من حله باعتدال، أو الإكثار منه بطريق مشروع مع أداء حقه وإنفاقه في وجوه الخير، الحالة الثالثة بطريق المفهوم وهي حالة الإكثار مع عدم التمكن من التصريف، وهذه تقتل أو تلم كالأولى، وهذه الحالة تشبهها حالة جمع المال ولو من حله، والإكثار منه وجمعه مع عدم أداء حقه.

فالمال وزهرة الدنيا في حالتين من ثلاث، وحتى الثالثة، وهي الثانية في ترتيبنا، محفوفة بالأخطار، فأي خير هو؟ إنه في ذاته خير لا ينتج إلا خيراً، لكنه لا بد له من أعراض في جمعه وفي إنفاقه، وهذه الأعراض شرها ينتج شراً، وخيرها ينتج خيراً، وشرها أكثر من خيرها، فكيف لا يخاف الحريص على أمته، العزيز عليه عنتها، الرءوف الرحيم بها، كيف لا يخاف عليها هذه الشرور في وقت تبتعد فيه عن تعاليم دينه الحنيف؟.

( فمن يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع) لم تتعرض هذه الرواية للإنفاق، وقد تعرضت له الرواية الحادية عشرة، ولفظها: فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه فنعم المعونة هو.
وكذا الرواية الثانية عشرة، ولفظها: ونعم صاحب المسلم هو، لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل أي أدى حق الله فيه.

( ويكون عليه شهيداً يوم القيامة) قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يشهد عليه حقيقة، بأن ينطقه الله تعالى، ويجوز أن يكون مجازاً عن شهادة الملك الموكل به.
اهـ والهدف من هذه الشهادة زيادة الإيلام النفسي بعد العذاب الجسمي، حين يتحول صديق الدنيا عدواً يوم القيامة.

( أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم) الظاهر أنه من قبيل العطاء من الغنائم، لا من الصدقة، كالذي سيأتي في الباب بعده، ولم تعرف أسماؤهم.

( ومن يستعفف يعفه الله....
)
أي من يطلب العفة ويحاولها يعفه الله ويوفقه، ومن يحاول الغنى عما في أيدي الناس يوفقه الله ويغنيه، ومن يحبس آلامه ويدافع عن نفسه الجزع يمنحه الله الصبر والرضا.

( وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر) قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم خير مرفوع، وهو صحيح، وتقديره: هو خير، كما وقع في رواية البخاري.
اهـ.

( ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه) الكفاف الكفاية بلا زيادة ولا نقصان.
وقال القرطبي: هو ما يكف عن الحاجات، ويدفع الضرورات ولا يلحق بأهل الترفيهات.

( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً) قال النووي: قال أهل اللغة: القوت ما يسد الرمق.

فقه الحديث

ذكر الإمام مسلم أحاديث التحذير من الاغترار بالدنيا في كتاب الزكاة، باعتبار هذا التحذير دافعاً إلى إخراج الزكاة، وإعطاء حقوق المال، والعطف به على الفقراء والمساكين، وذكر الإمام البخاري هذه الأحاديث ونحوها في كتاب الرقاق، باعتبارها باعثاً على رقة القلب والعطف.

ويؤخذ من الأحاديث:

1- من الأحاديث الثمانية الأولى ذم الحرص على الدنيا، والرغبة فيها، وأن هذا الحرص مذموم يحتاج إلى توبة، ومن ثم آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا، والقناعة باليسير، والرضا بالكفاف، لأن لازم الحرص والشره الغفلة عن القيام بأمور الآخرة.

2- كراهة الحرص على طول العمر.

3- أن الشرع يعطي الحكم للغالب، لأن بعض بني آدم لا يشيب ومعه الخصلتان المذمومتان.

4- عن الرواية الثامنة أن بعض القرآن نسخت تلاوته، وبقي حكمه، وقد نقل البخاري عن أنس قال: كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت: { { ألهاكم التكاثر } } قال الحافظ ابن حجر: وشرحه بعضهم على أنه كان قرآناً ونسخت تلاوته لما نزلت { { ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر } } فاستمرت تلاوتها، فكانت ناسخة لتلاوة لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى وادياً ثالثاً، قال: وأما الحكم فيه والمعنى فلم ينسخ.
اهـ.

والأولى أن يقال: إنهم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيحدثهم.
فقال لهم يوماً: إن الله قال: إنما أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم واد لتمنى أن يكون له ثان، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.
فظنوا أن هذا القول من القرآن، وأخذوا يقرءونه فلما نزلت { { ألهاكم التكاثر } } و { { لم يكن الذين كفروا } } وسمعوا قرآن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يجدوه، علموا أن ذلك حديث وليس قرآناً.

وسواء أكان ذلك قرآناً ثم نسخت تلاوته، أو كان حديثاً، فالإجماع اليوم على أنه ليس بقرآن.

5- ومن الحديث التاسع فضيلة القناعة والرضا، وإن قل المال.

6- ومن الحديث العاشر فوق ما تقدم استحباب الحلف من غير استحلاف.
ذكره النووي.

7- وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمته وتنبيهه لهم حتى لا ينخدعوا.

8- ومناقشة المتعلم للعالم وحسن السؤال.

9- واستحباب ترك العجلة في الجواب.

10- وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوحي.

11- واستحباب طلب إعادة السؤال كعلامة على استحسانه.

12- وأن الرزق ولو كثر فهو من جملة الخير، وإنما يعرض له الشر بعارض.

13- وأن كل شيء قضى الله أن يكون خيرا فلا يكون شراً، وبالعكس.
ذكره الحافظ ابن حجر.

14- وضرب المثل لتقرب المعاني إلى الأذهان.

15- والحث على أخذ المال بحقه، وإنفاقه في حقه.

16- ومن الرواية الثانية عشرة جلوس الإمام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة، والناس حوله.

17- ولوم من ظن به تعنت في السؤال.

18- وحمد من أجاد السؤال.

19- والحض على إعطاء المسكين واليتيم وابن السبيل.

20- وأن المكتسب للمال من غير حله لا يبارك له فيه، لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع.

21- وفيه ذم الإسراف وكثرة الأكل والنهم.

22- وقد استدل به على تفضيل الغني على الفقير، واستدل به من يفضل الفقر على الغنى، قال الحافظ ابن حجر: والتحقيق أن لا حجة فيه لأحد القولين.

23- ومن الحديث الثالث عشر الحث على التعفف والقناعة والصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا.

24- ومن الحديث الرابع عشر والخامس عشر فضيلة الفقر.
وقد تصارع العلماء في أيهما أفضل؟ الفقر؟ أم الغنى؟ والفقر والغنى هنا عدم المال أو كثرته، وليس معنا غنى النفس، وفقر النفس، وتحرير موطن النزاع يقتضي تجرد كل من الفقر والغنى من العوارض الأخرى، فلا يقارن مثلاً بين غنى منفق وفقير حريص، ولا بين فقير قانع وغني بخيل، وقد جنح القرطبي في المفهم إلى تفضيل الكفاف على الغنى، فقال: جمع الله سبحانه وتعالى لنبيه الحالات الثلاث، الفقر والغنى والكفاف، فكان الأول أول حالاته، فقام بواجب ذلك، من بذله لمستحقه والمواساة به والإيثار، مع اقتصاره منه على ما يسد الضرورة له ولعياله، وهي صورة الكفاف، التي مات عليها، وهي حالة بعيدة عن الغنى المطغي والفقر المؤلم، وأيضاً فصاحبها معدود في الفقراء، لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا، بل يجاهد نفسه في الصبر عن القدر الزائد على الكفاف، فلم يفته من حال الفقر إلا السلامة من قهر الحاجة وذل المسألة.
اهـ.

ويؤيده ظاهر الحديث الرابع عشر، كما يؤيده الحديث الخامس عشر، لأنه صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال.

وجمهور الصوفية يرجحون الفقر، على أساس أن مدار طريقهم تهذيب النفس ورياضتها، وذلك مع الفقر أكثر منه مع الغنى.

كما قيل: إن الفقير أبعد عن الخطر من الغني، لأن فتنة المال والغنى أشد من فتنة الفقر.
وفي الحكمة: من العصمة أن لا تجد.

وجمهور الشافعية على أن الغني الشاكر أفضل، لما تضمنه من زيادة الثواب بالقرب المالية، احتجاجاً بحديث: ذهب أهل الدثور بالأجور... وفي آخره: { { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } } [الحديد: 21] وحديث: نعم المال الصالح للرجل الصالح.
رواه مسلم، وحديث: إن الله يحب الغني التقي الخفي.
رواه مسلم، وحديث سعد: إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة.
وقد وصفت يد الغني المعطي بأنها العليا، والفقير نفعه مقصور على نفسه، أما الغني فنفعه يتعدى إلى غيره، والشكر أسهل من الصبر، فالفتنة بالغنى أخف، لذا قال مطرف بن عبد الله: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر.
وقال سعيد بن المسيب عند موته، وقد ترك مالاً: اللهم إنك تعلم أني لم أجمعه إلا لأصون به ديني.
واحتج بعضهم لذلك بقوله تعالى: { { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } } [الأنفال: 60] وذلك لا يتم إلا بالمال.
وأكد بعضهم هذا القول بأن الغنى صفة الخالق، والفقر صفة المخلوق، وصفة الحق أفضل من صفة الخلق.
قال الحافظ ابن حجر: ودعوى أن جمهور الصحابة كانوا على التقلل والزهد ممنوعة، بالمشهور من أحوالهم، فإنهم كانوا على قسمين بعد أن فتحت عليهم الفتوح؛ فمنهم من أبقى ما بيده، مع التقرب إلى ربه بالبر والصلة والمواساة، مع الاتصاف بغنى النفس، وهم قليل بالنسبة للطائفة الأخرى، ومن تبحر في سير السلف علم صحة ذلك.
اهـ.

والله أعلم