هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
182 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَجُلًا ، قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ، وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي ، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ : نَعَمْ ، فَدَعَا بِمَاءٍ ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
182 حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : أخبرنا مالك ، عن عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه ، أن رجلا ، قال لعبد الله بن زيد ، وهو جد عمرو بن يحيى أتستطيع أن تريني ، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ؟ فقال عبد الله بن زيد : نعم ، فدعا بماء ، فأفرغ على يديه فغسل مرتين ، ثم مضمض واستنثر ثلاثا ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ، ثم مسح رأسه بيديه ، فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ، ثم غسل رجليه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

 قالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ، وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي ، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ : نَعَمْ ، فَدَعَا بِمَاءٍ ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ .

Narrated Yahya Al-Mazini:

A person asked `Abdullah bin Zaid who was the grandfather of `Amr bin Yahya, Can you show me how Allah's Messenger (ﷺ) used to perform ablution? `Abdullah bin Zaid replied in the affirmative and asked for water. He poured it on his hands and washed them twice, then he rinsed his mouth thrice and washed his nose with water thrice by putting water in it and blowing it out. He washed his face thrice and after that he washed his forearms up to the elbows twice and then passed his wet hands over his head from its front to its back and vice versa (beginning from the front and taking them to the back of his head up to the nape of the neck and then brought them to the front again from where he had started) and washed his feet (up to the ankles).

0185 D’après Amrû ben Yahya al-Mâziny, son père rapporta : Une fois, un homme dit à Abd-ul-Lâh ben Zayd (qui n’était autre que le grand-père de Amrù ben Yaha) : « Peux-tu me montrer comment le Messager de Dieu faisait ses ablutions mineures ? » « Oui », répondit Abd-ul-Lâh ben Zayd qui demanda de lui apporter de l’eau… Il versa de l’eau sur ses deux mains et les lava par deux fois, se rinça la bouche et le nez par trois fois puis se lava le visage par trois fois. Après quoi, il passa aux mains, les lava chacune deux fois, jusqu’aux coudes, puis essuya la tête à l’aide des deux mains en les faisant aller et revenir: en commençant par le début de la tête et en allant vers la nuque pour les ramener (les mains) de nouveau à l’endroit à partir duquel il avait commencé l’essuyage. Enfin, il se lava les pieds.  

":"ہم سے عبداللہ بن یوسف نے بیان کیا ، انھوں نے کہا ہم کو امام مالک نے عمرو بن یحییٰ المازنی سے خبر دی ، وہ اپنے باپ سے نقل کرتے ہیں کہ ایک آدمی نے عبداللہ بن زید رضی اللہ عنہ جو عمرو بن یحییٰ کے دادا ہیں ، سے پوچھا کہکیا آپ مجھے دکھا سکتے ہیں کہ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے کس طرح وضو کیا ہے ؟ عبداللہ بن زید رضی اللہ عنہ نے کہا کہ ہاں ! پھر انھوں نے پانی کا برتن منگوایا پہلے پانی اپنے ہاتھوں پر ڈالا اور دو مرتبہ ہاتھ دھوئے ۔ پھر تین مرتبہ کلی کی ، تین بار ناک صاف کی ، پھر تین دفعہ اپنا چہرہ دھویا ۔ پھر کہنیوں تک اپنے دونوں ہاتھ دو دو مرتبہ دھوئے ۔ پھر اپنے دونوں ہاتھوں سے اپنے سر کا مسح کیا ۔ اس طور پر اپنے ہاتھ ( پہلے ) آگے لائے پھر پیچھے لے گئے ۔ ( مسح ) سر کے ابتدائی حصے سے شروع کیا ۔ پھر دونوں ہاتھ گدی تک لے جا کر وہیں واپس لائے جہاں سے ( مسح ) شروع کیا تھا ، پھر اپنے پیر دھوئے ۔

0185 D’après Amrû ben Yahya al-Mâziny, son père rapporta : Une fois, un homme dit à Abd-ul-Lâh ben Zayd (qui n’était autre que le grand-père de Amrù ben Yaha) : « Peux-tu me montrer comment le Messager de Dieu faisait ses ablutions mineures ? » « Oui », répondit Abd-ul-Lâh ben Zayd qui demanda de lui apporter de l’eau… Il versa de l’eau sur ses deux mains et les lava par deux fois, se rinça la bouche et le nez par trois fois puis se lava le visage par trois fois. Après quoi, il passa aux mains, les lava chacune deux fois, jusqu’aux coudes, puis essuya la tête à l’aide des deux mains en les faisant aller et revenir: en commençant par le début de la tête et en allant vers la nuque pour les ramener (les mains) de nouveau à l’endroit à partir duquel il avait commencé l’essuyage. Enfin, il se lava les pieds.  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [185] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِيهِ أَيْ أَبِي عُثْمَان يحيى بن عمَارَة أَي بن أَبِي حَسَنٍ وَاسْمُهُ تَمِيمُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو وَلِجَدِّهِ أَبِي حَسَنٍ صُحْبَةٌ وَكَذَا لِعُمَارَةَ فِيمَا جزم بِهِ بن عَبْدِ الْبَرِّ.

     وَقَالَ  أَبُو نُعَيْمٍ فِيهِ نَظَرٌ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ وَقَدْ دَخَلَهَا .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَجُلًا هُوَ عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ كَمَا سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدُ هَذَا مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى وَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  هُنَا وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى فِيهِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّهُ عَمُّ أَبِيهِ وَسَمَّاهُ جَدًّا لِكَوْنِهِ فِي مَنْزِلَتِهِ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ جَدًّا لِعَمْرِو بْنِ يَحْيَى لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا.

.
وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْكَمَالِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي تَرْجَمَةِ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَنه بن بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَغَلَطٌ تَوَهَّمَهُ من هَذِه الرِّوَايَة وَقد ذكر بن سَعْدٍ أَنَّ أُمَّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى هِيَ حَمِيدَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هِيَ أُمُّ النُّعْمَانِ بِنْتُ أَبِي حَيَّةَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اخْتَلَفَ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ فِي تَعْيِينِ هَذَا السَّائِلِ.

.
وَأَمَّا أَكْثَرُهُمْ فَأَبْهَمَهُ قَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى إِنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَسَنٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ مَالِكٍ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ أَبَا حَسَنٍ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ وَكَذَا سَاقَهُ سَحْنُونُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ إِنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَمِثْلُهُ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ.

.

قُلْتُ وَالَّذِي يَجْمَعُ هَذَا الِاخْتِلَافَ أَنْ يُقَالَ اجْتَمَعَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَبُو حَسَنٍ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُهُ عَمْرو وبن ابْنِهِ يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَلَّى السُّؤَالَ مِنْهُمْ لَهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ فَحَيْثُ نُسِبَ إِلَيْهِ السُّؤَالُ كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنَ التَّوْرِ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَمِّي يَعْنِي عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ يُكْثِرُ الْوُضُوءَ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبِرْنِي فَذَكَرَهُ وَحَيْثُ نُسِبَ السُّؤَالُ إِلَى أَبِي حَسَنٍ فَعَلَى الْمَجَازِ لِكَوْنِهِ كَانَ الْأَكْبَرَ وَكَانَ حَاضِرًا وَحَيْثُ نُسِبَ السُّؤَالُ لِيَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ فَعَلَى الْمَجَازِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ نَاقِلَ الْحَدِيثِ وَقَدْ حَضَرَ السُّؤَالَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسلم عَن مُحَمَّد بن الصَّباحعَنْ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قِيلَ لَهُ تَوَضَّأْ لَنَا فَذَكَرَهُ مُبْهَمًا وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ قُلْنَا لَهُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْجَمْعَ الْمُتَقَدِّمَ مِنْ كَوْنِهِمُ اتَّفَقُوا عَلَى سُؤَالِهِ لَكِنَّ مُتَوَلِّيَ السُّؤَالِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا رِوَايَةُ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ عَمْرِو بْنِ أَبِي حَسَنٍ قَالَ كُنْتُ كَثِيرَ الْوُضُوءِ فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَتَسْتَطِيعُ فِيهِ مُلَاطَفَةُ الطَّالِبِ لِلشَّيْخِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُرِيَهُ بِالْفِعْلِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّعْلِيمِ وَسَبَبُ الِاسْتِفْهَامِ مَا قَامَ عِنْدَهُ مِنِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ نَسِيَ ذَلِكَ لِبُعْدِ الْعَهْدِ .

     قَوْلُهُ  فَدَعَا بِمَاءٍ وَفِي رِوَايَةِ وَهْبٍ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ وَالتَّوْرُ بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ قَالَ الدَّاوُدِيُّ قَدَحٌ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ إِنَاءٌ يُشْرَبُ مِنْهُ وَقِيلَ هُوَ الطَّسْتُ وَقِيلَ يُشْبِهُ الطَّسْتَ وَقِيلَ هُوَ مِثْلُ الْقِدْرِ يَكُونُ مِنْ صُفْرٍ أَوْ حِجَارَةٍ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فِي الْمِخْضَبِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ وَالصُّفْرُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ صِنْفٌ مِنْ حَدِيدِ النُّحَاسِ قِيلَ إِنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ يُشْبِهُ الذَّهَبَ وَيُسَمَّى أَيْضًا الشَّبَهَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالتَّوْرُ الْمَذْكُورُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ إِذْ سُئِلَ عَنْ صِفَةِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي حِكَايَةِ صُورَةِ الْحَالِ عَلَى وَجْهِهَا .

     قَوْلُهُ  فَأَفْرَغَ وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى عَنْ وُهَيْبٍ فَأَكْفَأَ بِهَمْزَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي بَابِ مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً عَنْ وُهَيْبٍ فَكَفَأَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى يُقَالُ كَفَأَ الْإِنَاءَ وَأَكْفَأَ إِذَا أَمَالَهُ.

     وَقَالَ  الْكِسَائِيُّ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ كَبَبْتُهُ وَأَكْفَأْتُهُ أَمَلْتُهُ وَالْمُرَادُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِفْرَاغُ الْمَاءِ مِنَ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَدِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ .

     قَوْلُهُ  فَغَسَلَ يَدَهُ مَرَّتَيْنِ كَذَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ بِإِفْرَادِ يَدِهِ وَفِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا لِلدَّرَاوَرْدِيِّ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ فَيُحْمَلُ الْإِفْرَادُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَلَى الْجِنْسِ وَعِنْدَ مَالِكٍ مَرَّتَيْنِ وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ ثَلَاثًا وَكَذَا لِخَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهَؤُلَاءِ حُفَّاظٌ وَقَدِ اجْتَمَعُوا فَزِيَادَتُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَافِظِ الْوَاحِدِ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ بَهْزٍ عَنْ وُهَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مَرَّتَيْنِ مِنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى إِمْلَاءً فَتَأَكَّدَ تَرْجِيحُ رِوَايَتِهِ وَلَا يُقَالُ يُحْمَلُ عَلَى وَاقِعَتَيْنِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَخْرَجُ مُتَّحِدٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَفِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا الْإِنَاءَ وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ وَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ هُنَا الْكَفَّانِ لَا غَيْرُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَالِاسْتِنْثَارُ يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِنْشَاقَ بِلَا عَكْسٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ الثَّلَاثَةِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ كُلِّ غَرْفَةٍ وَفِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآتِيَةِ بَعْدَ قَلِيلٍ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ كُلَّ مَرَّةٍ بِخِلَافِ رِوَايَةِ وُهَيْبٍ فَإِنَّهُ تَطَرَّقَهَا احْتِمَالُ التَّوْزِيعِ بِلَا تَسْوِيَةٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنَ التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى الْجَمْعِ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنِ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ فَتُقَدَّمُ الزِّيَادَةُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَضْمَضَ فَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى تَقْدِيمِ الْمَضْمَضَةِ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ لِكَوْنِهِ عطف بِالْفَاءِ التَّعْقِيبِيَّةِ وَفِيهِ بَحْثٌ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا لَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ وَيَلْزَمُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ تَعْمِيمِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَىوُجُوبِ التَّرْتِيبِ لِلْإِتْيَانِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْحُكْمَيْنِ مُجْمَلٌ فِي الْآيَةِ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ بِالْفِعْلِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ كَذَا بِتَكْرَارِ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ مَرَّتَيْنِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنٍ زَيْدٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَفِيهِ وَيَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا ثُمَّ الْأُخْرَى ثَلَاثًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وُضُوءٌ آخَرُ لِكَوْنِ مَخْرَجِ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرَ مُتَّحِدٍ .

     قَوْلُهُ  إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ بِالْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَدْخُلُ الْمِرْفَقَانِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ أَمْ لَا فَقَالَ الْمُعْظَمُ نَعَمْ وَخَالَفَ زُفَرُ وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِلْجُمْهُورِ بِأَنَّ إِلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالكُم وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ دَلَّتْ عَلَيْهِ وَهِيَ كَوْنُ مَا بَعْدَ إِلَى من جنس مَا قبلهَا.

     وَقَالَ  بن الْقَصَّارِ الْيَدُ يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ إِلَى الْإِبْطِ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّهُ تَيَمَّمَ إِلَى الْإِبْطِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَلَمَّا جَاءَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِلَى الْمرَافِق بَقِيَ الْمِرْفَقُ مَغْسُولًا مَعَ الذِّرَاعَيْنِ بِحَقِّ الِاسْمِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا فَإِلَى هُنَا حَدٌّ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لَا لِلْمَغْسُولِ وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنَ السِّيَاقِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيُّ لَفْظُ إِلَى يُفِيدُ مَعْنَى الْغَايَةِ مُطْلَقًا فَأَمَّا دُخُولُهَا فِي الْحُكْمِ وَخُرُوجُهَا فَأَمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ فَ.

     قَوْلُهُ  تَعَالَى ثُمَّ أَتِمُّوا الصّيام إِلَى اللَّيْل دَلِيل عدم الدُّخُول النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ حَفِظْتُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ دَلِيلُ الدُّخُولِ كَوْنُ الْكَلَامِ مَسُوقًا لِحِفْظِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَقَولُهُ تَعَالَى إِلَى الْمرَافِق لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ قَالَ فَأَخَذَ الْعُلَمَاءُ بِالِاحْتِيَاطِ وَوَقَفَ زُفَرُ مَعَ الْمُتَيَقَّنِ انْتَهَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لِدُخُولِهِمَا بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ حَتَّى مَسَّ أَطْرَافَ الْعَضُدَيْنِ وَفِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ المَاء على مرفقيه لَكِن إِسْنَاده ضَعِيف وَفِي الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى جَاوَزَ الْمِرْفَقَ وَفِي الطَّحَاوِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَسِيلَ الْمَاءُ عَلَى مِرْفَقَيْهِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ إِلَى فِي الْآيَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْغَايَةِ وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مَعَ فَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّهَا بِمَعْنَى مَعَ انْتَهَى وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي إِيجَابِ دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ فَعَلَى هَذَا فَزُفَرُ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ وَكَذَا مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ بَعْدَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ صَرِيحًا وَإِنَّمَا حَكَى عَنْهُ أَشْهَبُ كَلَامًا مُحْتَمِلًا وَالْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ فِي آخِرِ الذِّرَاعِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرْتَفَقُ بِهِ فِي الِاتِّكَاءِ وَنَحْوِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ زَادَ بن الطباع كُله كَمَا تقدم عَن رِوَايَة بن خُزَيْمَةَ وَفِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِرَأْسِهِ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ يَجُوزُ حَذْفُهَا وَإِثْبَاتُهَا كَقَوْلِكَ مَسَحْتُ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَمَسَحْتُ بِرَأْسِهِ وَقِيلَ دَخَلَتِ الْبَاءُ لِتُفِيدَ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْغُسْلَ لُغَةً يَقْتَضِي مَغْسُولًا بِهِ وَالْمَسْحُ لُغَةً لَا يَقْتَضِي مَمْسُوحًا بِهِ فَلَو قَالَ وامسحوا رءوسكم لَا جزأ الْمَسْحُ بِالْيَدِ بِغَيْرِ مَاءٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمُ الْمَاءَ فَهُوَ عَلَى الْقَلْبِ وَالتَّقْدِيرُ امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ بِالْمَاءِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ احْتَمَلَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وامسحوا برءوسكم جَمِيعَ الرَّأْسِ أَوْ بَعْضَهُ فَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ يُجْزِئُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى فامسحوا بوجوهكم فِي التَّيَمُّمِ أَنَّالْمَسْحَ فِيهِ بَدَلٌ عَنِ الْغَسْلِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ أَصْلٌ فَافْتَرَقَا وَلَا يَرِدُ كَوْنُ مَسْحِ الْخُفِّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الرِّجْلِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِيهِ ثَبَتَتْ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قِيلَ فَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ النَّاصِيَةِ لِعُذْرٍ لِأَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ وَهُوَ مَظِنَّةُ الْعُذْرِ وَلِهَذَا مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ بَعْدَ مَسْحِ النَّاصِيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قُلْنَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَسْحُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ مَسْحٍ عَلَى الْعِمَامَةِ وَلَا تَعَرُّضٍ لِسَفَرٍ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَهُوَ مُرْسَلٌ لَكِنَّهُ اعْتُضِدَ بِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو مَعْقِلٍ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَقَدِ اعْتَضَدَ كُلٌّ مِنَ الْمُرْسَلِ وَالْمَوْصُولِ بِالْآخَرِ وَحَصَلَتِ الْقُوَّةُ مِنَ الصُّورَةِ الْمَجْمُوعَةِ وَهَذَا مِثَالٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرْسَلَ يَعْتَضِدُ بِمُرْسَلٍ آخَرَ أَوْ مُسْنَدٍ وَظَهَرَ بِهَذَا جَوَابُ مَنْ أَوْرَدَ أَنَّ الْحُجَّةَ حِينَئِذٍ بِالْمُسْنَدِ فَيَقَعُ الْمُرْسَلُ لَغْوًا وَقَدْ قَرَّرْتُ جَوَابَ ذَلِكَ فِيمَا كَتَبْتُهُ عَلَى عُلُومِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الصَّلَاحِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ قَالَ وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَفِيهِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَصَحَّ عَن بن عمر الِاكْتِفَاء بمسح بعض الرَّأْس قَالَه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَة إِنْكَار ذَلِك قَالَه بن حَزْمٍ وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَقْوَى بِهِ الْمُرْسَلُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ مُدْرَجًا مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ فَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ السُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْسِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مُقَدَّمِهِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فَأَدْبَرَ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ فَلَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِرِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ الْإِقْبَالَ وَالْإِدْبَارَ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَلَا مَا أَدْبَرَ عَنْهُ وَمَخْرَجُ الطَّرِيقَيْنِ مُتَّحِدٌ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَعَيَّنَتْ رِوَايَةُ مَالِكٍ الْبَدَاءَةَ بِالْمُقَدَّمِ فَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  أَقْبَلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ بِابْتِدَائِهِ أَيْ بَدَأَ بِقِبَلِ الرَّأْسِ وَقِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ غَيْرُ ذَلِكُ وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ اسْتِيعَابُ جِهَتَيِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَنْ لَهُ شَعْرٌ وَالْمَشْهُورُ عَمَّنْ أَوْجَبَ التَّعْمِيمَ أَنَّ الْأُولَى وَاجِبَةٌ وَالثَّانِيَةَ سُنَّةٌ وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ التَّعْمِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ زَادَ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ الْآتِيَةِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْبَحْثُ فِيهِ كَالْبَحْثِ فِي قَوْلِهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْكَعْبَ هُوَ الْعَظْمُ النَّاشِزُ عِنْدَ مُلْتَقَى السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ الْعَظْمُ الَّذِي فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ عِنْد معقد الشرَاك وروى عَن بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنَ الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ ذَلِكَ وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ فِيهِ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الصَّحِيحُ فِي صِفَةِ الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَقِيلَ إِنَّ مُحَمَّدًا إِنَّمَا رَأَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ قَطْعِ الْمُحْرِمِ الْخُفَّيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْإِفْرَاغُ عَلَى الْيَدَيْنِ مَعًا فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَأَنَّ الْوُضُوءَ الْوَاحِدَ يَكُونُ بَعْضُهُ بِمَرَّةٍ وَبَعْضُهُ بِمَرَّتَيْنِ وَبَعْضُهُ بِثَلَاثٍ وَفِيهِ مَجِيءُ الْإِمَامِ إِلَى بَيْتِ بَعْضِ رَعِيَّتِهِ وَابْتِدَاؤُهُمْ إِيَّاهُ بِمَا يَظُنُّونَ أَنَّ لَهُ بِهِ حَاجَةً وَجَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ فِي إِحْضَارِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَالتَّعْلِيمُ بِالْفِعْلِ وَأَنَّ الِاغْتِرَافَ مِنَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لِلتَّطَهُّرِ لَا يُصَيِّرُ الْمَاءَ مُسْتَعْمَلًا لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ إِلَخْ.

.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُثْبِتُهَا وَلَا مَا يَنْفِيهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَلَى جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تُذْكَرْ فِيهِ وَقَدْ أَدْخَلَ يَدَهُ لِلِاغْتِرَافِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَهُوَ وَقْتُ غَسْلِهَا.

     وَقَالَ الْغَزَالِيُّ مُجَرَّدُ الِاغْتِرَافِ لَا يُصَيِّرُ الْمَاءَ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ إِنَّمَا يَقَعُ مِنَ الْمُغْتَرَفِ مِنْهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى اسْتِيعَابِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَدُلُّ لِذَلِكَ نَدْبًا لَا فَرْضًا وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ تَكْرِيرُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابٍ مُفْرَدٍ وَعَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ غَرْفَةٍ كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا وَعَلَى جَوَازِ التَّطَهُّرِ مِنْ آنِية النّحاس وَغَيره ( قَولُهُ بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَعَمْرٌو الْمَذْكُورُ هُوَ بن يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ شَيْخُ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ وَعَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ عَمُّ أَبِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَسَمَّاهُ هُنَاكَ جَدَّهُ مَجَازًا وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْكَمَالِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أُمَّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى لَيْسَتْ بِنْتًا لِعَمْرِو بْنِ أَبِي حَسَنٍ فَلَمْ يَسْتَقِمْ مَا قَالَهُ بِالِاحْتِمَالِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [185] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ -وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى- أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ.
فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.
[الحديث أطرافه في: 186، 191، 192، 197، 199] .
وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا) وفي رواية الأصيلي حدّثنا ( مالك) إمام الأئمة ( عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بضم العين وتخفيف الميم ( المازني عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن.
( أن رجلاً) هو عمرو بن أبي حسن كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الآتي من طريق وهيب ( قال لعبد الله بن زيد) الأنصاري ( وهو) أي الرجل المفسر بعمرو بن أبي حسن ( جد عمرو بن يحيى) المازني المذكور مجازًا لا حقيقة لأنه عمّ أبيه، وإنما أطلق عليه الجدودة لكونه في منزلته: ( أتستطيع أن تريني) أي هل تستطيع الإراءة إياي ( كيف كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوضأ) كأنه أراد أن يريه بالفعل ليكون أبلغ في التعليم ( فقال عبد الله بن زيد) أي الأنصاري ( نعم) أستطيع أن أريك ( فدعا بماء) عقب قوله ذلك ( فأفرغ) أي صبّ من الماء ( علىيديه) بالتثنية، وفي رواية الأربعة على يده بالإفراد على إرادة الجنس ( فغسل مرتين) وفي رواية الأربعة فغسل يديه مرتين كذا في رواية مالك وعند غيره من الحفاظ ثلاثًا فهي مقدمة على رواية الحافظ الواحد لا يقال أنهما واقعتان لاتحاد مخرجهما، والأصل عدم التعدد، لأن في رواية مسلم من طريق حبّان بن واسع عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ وفيه وغسل يده اليمنى ثلاثًا ثم الأخرى ثلاثًا، فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديثين غير متحد، ( ثم مضمض واستنثر ثلاثًا) أي بثلاث غرفات كما في رواية وهيب، وللكشميهني واستنشق ثلاثًا.
والرواية الأولى تستلزم الثانية من غير عكس قاله ابن حجر، وعورض بأن ابن الأعرابي وابن قتيبة جعلاهما واحدًا وقد مرّ في المضمضة والاستنشاق.
( ثم غسل وجهه ثلاثًا ثم غسل يديه مرتين مرتين) بالتكرار ( إلى) أي مع ( المرفقين) بالتثنية مع فتح الميم وكسر الفاء، وفي رواية الأصيلي بكسر الميم وفتح الفاء، وفي رواية المستملي والحموي إلى الرفق بالإفراد على إرادة الجنس وهو مفصل الذراع والعضد وسمي به لأنه يرتفق به في الاتكاء ويدخل في غسل اليدين خلافًا لزفر لأن إلى في قوله تعالى: { إلى المرفقين} بمعنى مع كالحديث كقوله تعالى: { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52] أو متعلقة بمحذوف تقديره مضافة إلى المرافق.
قال البيضاوي: ولو كان كذلك لم يبق معنى للتحديد ولا لذكره مزيد فائدة لأن مطلق اليد يشتمل عليها.
وقيل: ( إلى) تفيد الغاية مطلقًا وأما بدخولها في الحكم أو خروجها منه فلا دلالة لها عليه وإنما يعلم من خارج، ولم يكن في الآية وكأن الأيدي متناولة لها فحكم بدخولها احتياطًا.
وقيل: ( إلى) من حيث أنها تفيد الغاية تقتضي خروجها وإلا لم تكن غاية كقوله: { فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} وقوله: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] لكن لما لم تتميز الغاية هاهنا من ذي الغاية وجب دخولها احتياطًا اهـ.
ووقف زفر مع المتيقن.
وقال إسحاق بن راهويه: يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وبمعنى مع فبينت السُنّة أنها بمعنى مع.
وقال الإمام الشافعي في الأُم: لا أعلم مخالفًا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء، قال ابن حجر: فعلى هذا فزفر محجوج بالإجماع.
( ثم مسح رأسه) زاد ابن الطباع في روايته كله كما في حديثه الروي عند ابن خزيمة في صحيحه ( بيديه) بالتثنية ( فأقبل بهما وأدبر) بهما ولمسلم مسح رأسه كله وما أقبل وما أدبر وصدغيه ( بدأ بمقدم رأسه) بفتح الدال المشددة من بمقدم بأن وضع يديه عليه وألصق مسبحته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه ( حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردّهما إلى المكان الذي بدأ منه) ليستوعب جهتي الشعر بالمسح، وعلى هذا يختص ذلك بمن له شعر ينقلب وإلاّ فلا حاجة إلى الرد، فلو ردّ لم يحسب ثانية لأن الماء صار مستعملاً.
وهذا التعليل يقتضي أنه لو ردّ ماء المرة الثانية حسب ثالثة بناء على الأصح من أن المستعمل في النفل طهور إلا أن يقال السنّة كون كل مرة بماء جديد، والجملة من قوله بدأ عطف بيان لقوله فأقبل بهما وأدبر، ومن ثم لم تدخل الواو على قوله بدأ، والظاهر أنه ليس مدرجًا من كلام مالك بل هو من الحديث، ولا يقال هو بيان للمسح الواجب كما قال به مالك وابن علية وأحمد في رواية وأصحاب مالك غير أشهب فبيانه واجب لأنه يلزم منه وجوب الرد إلى المكان الذي بدأ منه، ولا قائل بوجوبه.
ويلزم أن يكون تثليث الغسل وتثنيته واجبين لأنهما بيان أيضًا، فالحديث ورد في الكمال ولا نزاع فيه بدليل أن الإقبال والإدبار لم يذكرا في غير هذا الحديث، وقد وقع في رواية خالد بن عبد الله الآتية قريبًا في باب من تمضمض واستنشق من غرفة واحدة ومسح برأسه ما أقبل وما أدبر كآية المائدة بالباء، واختلف فيها فقيل: زائدة للتعدية وتمسك به من أوجب الاستيعاب، وقيل للتبعيض.
وعورض بأن بعض أهل العربية أنكر كونها للتبعيض.
قال ابن برهان: من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء عن أهل اللغة بما لا يعرفونه.
وأجيب: بأن ابن هشام نقل التبعيض عن الأصمعي والفارسي والقتيبي وابن مالك والكوفيين وجعلوا منه { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] انتهى.
وقالبعضهم: الحكم في الآية مجمل في حق المقدار فقط لأن الباء للإلصاق باعتبار أصل الوضع، فإذا قرنت بآلة المسح يتعدى الفعل بها إلى محل المسح فيتناول جميعه كما تقول: مسحت الحائط بيدي ومسحت رأس اليتيم بيدي فيتناول مسح الحائط كله، وإذا قرنت بمحل المسح يتعدى الفعل بها إلى الآلة فلا تقتضي الاستيعاب، وإنما تقتضي التصاق الآلة بالمحل وذلك لا يستوعب الكل عادة فمعنى التبعيض إنما ثبت بهذا الطريق.
وقال الشافعي احتمل قوله: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} جميع الرأس أو بعضه، فدلّت السُّنّة أن بعضه يجزئ.
وروى الشافعي أيضًا من حديث عطاء أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ فحسر العمامة عن رأسه قال ابن حجر: وهو مرسل لكنه اعتضد من وجه آخر موصولاً أخرجه أبو داود من حديث أنس، وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله فقد اعتضد كلٌّ من المرسل والموصول بالآخر وحصلت القوة من الصورة المجموعة، وهذا مثال لا ذكره الشافعي من أن الرسل يعتضد بمرسل آخر أو مسند، وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس قاله ابن المنذر وغيره ولم يصح من أحد من الصحابة إنكار ذلك قاله ابن جزم، وهذا كله مما يقوى به المرسل انتهى.
وقد روى مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة، فلو وجب الكل لما اقتصر علي الناصية، وأما استدلال الحنفية على إيجاب مسح الربع بمسحه عليه الصلاة والسلام بالناصية وأنه بيان للإجمال في الآية لأن الناصية ربع الرأس.
فأجيب عنه بأنه لا يكون بيانًا إلا إذا كان أوّل مسحه كذلك بعد الآية، وبأن قوله بناصيته يحتمل بعضها كما سبق نظيره في برؤوسكم، وقد ثبت وجوب أصل المسح فجاحده كافر لأنه قطعي واختلف في مقداره فجاحده لا يكفّر لأنه ظني.
( ثم غسل رجليه) أطلق الغسل فيهما ولم يذكر فيه تثليثًا ولا تثنية كما سبق في بعض الأعضاء إشعارًا بأن الوضوء الواحد يكون بعضه بمرة وبعضه بمرتين وبعضه بثلاث، وإن كان الأكمل التثليث في الكل ففعله بيانًا للجواز والبيان بالفعل أوقع في النفوس منه بالقول وأبعد من التأويل.
ورواة هذا الحديث الستة كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري وقد دخلها، وفيه رواية الابن عن الأب والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في الطهارة ومسلم فيها والترمذي مختصرًا والنسائي وابن ماجة.
39 - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ( باب غسل الرجلين إلى الكعبين) في الوضوء.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [185] حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قالَ أخبرنَا مالِكٌ عَنْ عَمرِو بن يَحْيىَ المَازِنيِّ عَنْ أبِيهِ أنَّ رَجُلاً قالَ لَعْبدِ اللَّهِ بنِ زَيْدٍ وَهوَ جَدُّ عَمْرِو بنِ يَحْيىَ أتَسْتَطِيعُ أنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَوَضَّا فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ زَيْدٍ نَعَمْ فَدَعًّ بِماءٍ فَأفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاثاً ثُمَّ غَسَلَ وجْهَهُ ثَلاثاً ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْن مَرَّتَيْنِ إلَى المِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رأْسَهُ بِيَدَيْهِ فأقْبَلَ بِهِمَا وَأدْبَرَ بَدَأَ بِمقَدَّم رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى المَكانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ.. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ مسح رَأسه) .
إِلَى آخِره.
بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة.
الأول: عبد الله يُوسُف التنيسِي.
الثَّانِي: مَالك بن انس.
الثَّالِث: عَمْرو بن يحيى بن عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم، وَقد تقدمُوا.
الرَّابِع: أَبوهُ يحيى بن عمَارَة بن أبي حسن، واسْمه تَمِيم بن عبد بن عَمْرو بن قيس، وَأَبُو حسن لَهُ صُحْبَة، وَكَذَا لعمارة فِيمَا جزم بِهِ ابْن عبد الْبر..
     وَقَالَ  أَبُو نعيم: فِيهِ نظر..
     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: عمَارَة بن أبي حسن الْأنْصَارِيّ الْمَازِني، لَهُ صُحْبَة، وَقيل: ابوه بَدْرِي وعقبي.
الْخَامِس: الرجل السَّائِل هُوَ عمر بن يحيى، وَإِنَّمَا قَالَ: جد عَمْرو بن يحيى تجوزاً لِأَنَّهُ عَم أَبِيه، وَسَماهُ جَداً لكَونه فِي مَنْزِلَته.
وَقيل: إِن المُرَاد بقوله هُوَ عبد الله بن زيد وَهَذَا وهم، لِأَنَّهُ لَيْسَ جَداً لعَمْرو بن يحيى لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا، وَذكر فِي (الْكَمَال) فِي تَرْجَمَة عَمْرو بن يحيى أَنه ابْن بنت عبد الله بن زيد.
قَالُوا: إِنَّه غلط، وَقد ذكر مُحَمَّد بن سعد أَن أم عَمْرو بن يحيى هِيَ حميدة بنت مُحَمَّد بن إِيَاس بن بكير،.

     وَقَالَ  غَيره: هِيَ أم النُّعْمَان بنت أبي حَيَّة.
وَالله اعْلَم.
وَقد اخْتلف رُوَاة (الْمُوَطَّأ) فِي تعْيين هَذَا السَّائِل فأبهمه أَكْثَرهم.
قَالَ معن بن عِيسَى فِي رِوَايَته عَن عَمْرو عَن ابيه يحيى: إِنَّه سمع أَبَا مُحَمَّد بن حسن، وَهُوَ جد عَمْرو بن يحيى.
قَالَ لعبد الله بن زيد، وَكَانَ من الصَّحَابَة فَذكر الحَدِيث،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ: عَن مَالك حَدثنَا عَمْرو عَن أَبِيه يحيى أَنه سمع جده أَبَا حسن يسْأَل عبد الله بن زيد، وَكَذَا سَاقه سَحْنُون فِي (الْمُدَوَّنَة) ..
     وَقَالَ  الشَّافِعِي فِي (الْأُم) : عَن مَالك عَن عَمْرو عَن أَبِيه.
فَإِن قلت: هَل يُمكن أَن يجمع هَذَا الِاخْتِلَاف؟ قلت: يُمكن أَن يُقَال: اجْتمع عِنْد عبد الله بن زيد بن ابي حسن الْأنْصَارِيّ وَابْنه عَمْرو وَابْن ابْنه عمَارَة بن أبي حسن، فَسَأَلُوهُ عَن صفة وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَتَوَلَّى السُّؤَال مِنْهُم لَهُ عمَارَة بن أبي حسن، فَحَيْثُ نسب إِلَيْهِ السُّؤَال كَانَ على الْحَقِيقَة، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال عِنْد البُخَارِيّ فِي بَاب الْوضُوء من التور، قَالَ: حَدثنِي عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ عمي، يعْنى عَمْرو بن أبي حسن، يكثر الْوضُوء، فَقَالَ لعبد الله ابْن زيد: أَخْبرنِي، فَذكره.
وَحَيْثُ نسب السُّؤَال إِلَى أبي حسن فعلى الْمجَاز لكَونه كَانَ الْأَكْبَر وَكَانَ حَاضرا، وَحَيْثُ نسب السُّؤَال ليحيى بن عمَارَة فعلى الْمجَاز أَيْضا لكَونه ناقل الحَدِيث، وَقد حضر السُّؤَال، وَكَانُوا كلهم متفقين على السُّؤَال،على النّصْف من رَأسه ثمَّ جرهما إِلَى مقدم رَأسه ثمَّ أعادهما إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وجرهما إِلَى صدغيه) .
وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث أنس: (أَدخل يَده من تَحت الْعِمَامَة فَمسح بِمقدم رَأسه) .
وَفِي كتاب ابْن السكن: (فَمسح بَاطِن لحيته وَقَفاهُ) .
وَفِي (مُعْجم) الْبَغَوِيّ وَكتاب ابْن ابي خَيْثَمَة: (مسح رَأسه إِلَى سالفته) .
وَفِي كتاب النَّسَائِيّ عَن عَائِشَة، ووصفت وضوءه، عَلَيْهِ السَّلَام، وَوضعت يَدهَا فِي مقدم رَأسهَا ثمَّ مسحت إِلَى مؤخره، ثمَّ مدت بِيَدَيْهَا بأذنيها، ثمَّ مدت على الْخَدين.
فَهَذِهِ أوجه كَثِيره يخْتَار المتوضىء أَيهَا شَاءَ، وَاخْتَارَ بعض أَصْحَابنَا رِوَايَة عبد الله بن زيد..
     وَقَالَ  بَعضهم: فِي قَوْله: بَدَأَ بِمقدم رَأسه، حجَّة على من قَالَ: السّنة أَن يبْدَأ بمؤخر الرَّأْس الى ان يَنْتَهِي الى مقدمه.
قلت: لَا يُقَال: إِن مثل هَذَا حجَّة عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ ورد فِيهِ الْأَوْجه الَّتِي ذَكرنَاهَا الْآن، وَالَّذِي قَالَ: السّنة أَن يبْدَأ بمؤخر الرَّأْس اخْتَار الْوَجْه الَّذِي فِيهِ البداء بمؤخر الرَّأْس، وَله أَيْضا أَن يَقُول: هَذَا الْوَجْه حجَّة عَلَيْك أَيهَا الْمُخْتَار فِي الْبدَاءَة بالمقدم.
التَّاسِع: فِيهِ غسل الرجلَيْن إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَالْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْمرْفقين.
الْعَاشِر: فِيهِ جَرَيَان التلطف بَين الشَّيْخ وتلميذه فِي قَوْله: (أتستطيع أَن تريني) إِلَى آخِره.
الْحَادِي عشر: فِيهِ جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي إِحْضَار المَاء من غير كَرَاهَة.
الثَّانِي عشر: فِيهِ التَّعْلِيم بِالْفِعْلِ.
الثَّالِث عشر: فِيهِ أَن الاغتراف من المَاء الْقَلِيل لَا يصير المَاء مُسْتَعْملا، لِأَن فِي رِوَايَة وهيب وَغَيره: ثمَّ أَدخل يَده.
الرَّابِع عشر: فِيهِ اسْتِيعَاب مسح الرَّأْس، وَلَكِن سنة لَا فرضا، كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
الْخَامِس عشر: فِيهِ الِاقْتِصَار فِي مسح الرَّأْس على مرّة وَاحِدَة.
39 - (بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إلَى الكعْبَيْنِ) أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غسل الرجلَيْن إِلَى الْكَعْبَيْنِ فِي الْوضُوء.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ)
كَذَا لِأَكْثَرِهِمْ وَسقط لفظ كُله للمستملي قَوْله.

     وَقَالَ  بن الْمسيب أَي سعيد وأثره هَذَا وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْمَسْحِ سَوَاءٌ وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ يَكْفِي الْمَرْأَةَ مَسْحُ مُقَدَّمِ رَأْسِهَا .

     قَوْلُهُ  وَسُئِلَ مَالِكٌ السَّائِلُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى بن الطباع بَينه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَفْظُهُ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ الرَّجُلِ يَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ فِي وُضُوئِهِ أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ فَقَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وُضُوئِهِ مِنْ نَاصِيَتِهِ إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّ يَدَيْهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ وَهَذَا السِّيَاقُ أَصْرَحُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنَ الَّذِي سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلُ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ مُجْمَلٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ مِنْهَا مَسْحُ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ أَوْ مَسْحُ الْبَعْضِ عَلَى أَنَّهَا تَبْعِيضِيَّةٌ فَتَبَيَّنَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ إِلَّا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ التَّعْمِيمَ لَيْسَ بِفَرْض فَعَلَى هَذَا فَالْإِجْمَالُ فِي الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لَا فِي الْأَصْلِ

[ قــ :182 ... غــ :185] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِيهِ أَيْ أَبِي عُثْمَان يحيى بن عمَارَة أَي بن أَبِي حَسَنٍ وَاسْمُهُ تَمِيمُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو وَلِجَدِّهِ أَبِي حَسَنٍ صُحْبَةٌ وَكَذَا لِعُمَارَةَ فِيمَا جزم بِهِ بن عَبْدِ الْبَرِّ.

     وَقَالَ  أَبُو نُعَيْمٍ فِيهِ نَظَرٌ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ وَقَدْ دَخَلَهَا .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَجُلًا هُوَ عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ كَمَا سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدُ هَذَا مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى وَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  هُنَا وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى فِيهِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّهُ عَمُّ أَبِيهِ وَسَمَّاهُ جَدًّا لِكَوْنِهِ فِي مَنْزِلَتِهِ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ جَدًّا لِعَمْرِو بْنِ يَحْيَى لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا.

.
وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْكَمَالِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي تَرْجَمَةِ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَنه بن بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَغَلَطٌ تَوَهَّمَهُ من هَذِه الرِّوَايَة وَقد ذكر بن سَعْدٍ أَنَّ أُمَّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى هِيَ حَمِيدَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هِيَ أُمُّ النُّعْمَانِ بِنْتُ أَبِي حَيَّةَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اخْتَلَفَ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ فِي تَعْيِينِ هَذَا السَّائِلِ.

.
وَأَمَّا أَكْثَرُهُمْ فَأَبْهَمَهُ قَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى إِنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَسَنٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ مَالِكٍ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ أَبَا حَسَنٍ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ وَكَذَا سَاقَهُ سَحْنُونُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ إِنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَمِثْلُهُ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ.

.

قُلْتُ وَالَّذِي يَجْمَعُ هَذَا الِاخْتِلَافَ أَنْ يُقَالَ اجْتَمَعَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَبُو حَسَنٍ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُهُ عَمْرو وبن ابْنِهِ يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَلَّى السُّؤَالَ مِنْهُمْ لَهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ فَحَيْثُ نُسِبَ إِلَيْهِ السُّؤَالُ كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنَ التَّوْرِ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَمِّي يَعْنِي عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ يُكْثِرُ الْوُضُوءَ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبِرْنِي فَذَكَرَهُ وَحَيْثُ نُسِبَ السُّؤَالُ إِلَى أَبِي حَسَنٍ فَعَلَى الْمَجَازِ لِكَوْنِهِ كَانَ الْأَكْبَرَ وَكَانَ حَاضِرًا وَحَيْثُ نُسِبَ السُّؤَالُ لِيَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ فَعَلَى الْمَجَازِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ نَاقِلَ الْحَدِيثِ وَقَدْ حَضَرَ السُّؤَالَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسلم عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَنْ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قِيلَ لَهُ تَوَضَّأْ لَنَا فَذَكَرَهُ مُبْهَمًا وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ قُلْنَا لَهُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْجَمْعَ الْمُتَقَدِّمَ مِنْ كَوْنِهِمُ اتَّفَقُوا عَلَى سُؤَالِهِ لَكِنَّ مُتَوَلِّيَ السُّؤَالِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا رِوَايَةُ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ عَمْرِو بْنِ أَبِي حَسَنٍ قَالَ كُنْتُ كَثِيرَ الْوُضُوءِ فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَتَسْتَطِيعُ فِيهِ مُلَاطَفَةُ الطَّالِبِ لِلشَّيْخِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُرِيَهُ بِالْفِعْلِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّعْلِيمِ وَسَبَبُ الِاسْتِفْهَامِ مَا قَامَ عِنْدَهُ مِنِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ نَسِيَ ذَلِكَ لِبُعْدِ الْعَهْدِ .

     قَوْلُهُ  فَدَعَا بِمَاءٍ وَفِي رِوَايَةِ وَهْبٍ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ وَالتَّوْرُ بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ قَالَ الدَّاوُدِيُّ قَدَحٌ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ إِنَاءٌ يُشْرَبُ مِنْهُ وَقِيلَ هُوَ الطَّسْتُ وَقِيلَ يُشْبِهُ الطَّسْتَ وَقِيلَ هُوَ مِثْلُ الْقِدْرِ يَكُونُ مِنْ صُفْرٍ أَوْ حِجَارَةٍ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فِي الْمِخْضَبِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ وَالصُّفْرُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ صِنْفٌ مِنْ حَدِيدِ النُّحَاسِ قِيلَ إِنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ يُشْبِهُ الذَّهَبَ وَيُسَمَّى أَيْضًا الشَّبَهَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالتَّوْرُ الْمَذْكُورُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ إِذْ سُئِلَ عَنْ صِفَةِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي حِكَايَةِ صُورَةِ الْحَالِ عَلَى وَجْهِهَا .

     قَوْلُهُ  فَأَفْرَغَ وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى عَنْ وُهَيْبٍ فَأَكْفَأَ بِهَمْزَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي بَابِ مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً عَنْ وُهَيْبٍ فَكَفَأَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى يُقَالُ كَفَأَ الْإِنَاءَ وَأَكْفَأَ إِذَا أَمَالَهُ.

     وَقَالَ  الْكِسَائِيُّ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ كَبَبْتُهُ وَأَكْفَأْتُهُ أَمَلْتُهُ وَالْمُرَادُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِفْرَاغُ الْمَاءِ مِنَ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَدِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ .

     قَوْلُهُ  فَغَسَلَ يَدَهُ مَرَّتَيْنِ كَذَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ بِإِفْرَادِ يَدِهِ وَفِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا لِلدَّرَاوَرْدِيِّ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ فَيُحْمَلُ الْإِفْرَادُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَلَى الْجِنْسِ وَعِنْدَ مَالِكٍ مَرَّتَيْنِ وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ ثَلَاثًا وَكَذَا لِخَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهَؤُلَاءِ حُفَّاظٌ وَقَدِ اجْتَمَعُوا فَزِيَادَتُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَافِظِ الْوَاحِدِ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ بَهْزٍ عَنْ وُهَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مَرَّتَيْنِ مِنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى إِمْلَاءً فَتَأَكَّدَ تَرْجِيحُ رِوَايَتِهِ وَلَا يُقَالُ يُحْمَلُ عَلَى وَاقِعَتَيْنِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَخْرَجُ مُتَّحِدٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَفِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا الْإِنَاءَ وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ وَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ هُنَا الْكَفَّانِ لَا غَيْرُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَالِاسْتِنْثَارُ يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِنْشَاقَ بِلَا عَكْسٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ الثَّلَاثَةِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ كُلِّ غَرْفَةٍ وَفِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآتِيَةِ بَعْدَ قَلِيلٍ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ كُلَّ مَرَّةٍ بِخِلَافِ رِوَايَةِ وُهَيْبٍ فَإِنَّهُ تَطَرَّقَهَا احْتِمَالُ التَّوْزِيعِ بِلَا تَسْوِيَةٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنَ التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى الْجَمْعِ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنِ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ فَتُقَدَّمُ الزِّيَادَةُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَضْمَضَ فَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى تَقْدِيمِ الْمَضْمَضَةِ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ لِكَوْنِهِ عطف بِالْفَاءِ التَّعْقِيبِيَّةِ وَفِيهِ بَحْثٌ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا لَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ وَيَلْزَمُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ تَعْمِيمِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ لِلْإِتْيَانِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْحُكْمَيْنِ مُجْمَلٌ فِي الْآيَةِ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ بِالْفِعْلِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ كَذَا بِتَكْرَارِ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ مَرَّتَيْنِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنٍ زَيْدٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَفِيهِ وَيَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا ثُمَّ الْأُخْرَى ثَلَاثًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وُضُوءٌ آخَرُ لِكَوْنِ مَخْرَجِ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرَ مُتَّحِدٍ .

     قَوْلُهُ  إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ بِالْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَدْخُلُ الْمِرْفَقَانِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ أَمْ لَا فَقَالَ الْمُعْظَمُ نَعَمْ وَخَالَفَ زُفَرُ وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِلْجُمْهُورِ بِأَنَّ إِلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالكُم وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ دَلَّتْ عَلَيْهِ وَهِيَ كَوْنُ مَا بَعْدَ إِلَى من جنس مَا قبلهَا.

     وَقَالَ  بن الْقَصَّارِ الْيَدُ يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ إِلَى الْإِبْطِ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّهُ تَيَمَّمَ إِلَى الْإِبْطِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَلَمَّا جَاءَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِلَى الْمرَافِق بَقِيَ الْمِرْفَقُ مَغْسُولًا مَعَ الذِّرَاعَيْنِ بِحَقِّ الِاسْمِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا فَإِلَى هُنَا حَدٌّ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لَا لِلْمَغْسُولِ وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنَ السِّيَاقِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيُّ لَفْظُ إِلَى يُفِيدُ مَعْنَى الْغَايَةِ مُطْلَقًا فَأَمَّا دُخُولُهَا فِي الْحُكْمِ وَخُرُوجُهَا فَأَمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ فَ.

     قَوْلُهُ  تَعَالَى ثُمَّ أَتِمُّوا الصّيام إِلَى اللَّيْل دَلِيل عدم الدُّخُول النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ حَفِظْتُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ دَلِيلُ الدُّخُولِ كَوْنُ الْكَلَامِ مَسُوقًا لِحِفْظِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَقَولُهُ تَعَالَى إِلَى الْمرَافِق لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ قَالَ فَأَخَذَ الْعُلَمَاءُ بِالِاحْتِيَاطِ وَوَقَفَ زُفَرُ مَعَ الْمُتَيَقَّنِ انْتَهَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لِدُخُولِهِمَا بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ حَتَّى مَسَّ أَطْرَافَ الْعَضُدَيْنِ وَفِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ المَاء على مرفقيه لَكِن إِسْنَاده ضَعِيف وَفِي الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى جَاوَزَ الْمِرْفَقَ وَفِي الطَّحَاوِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَسِيلَ الْمَاءُ عَلَى مِرْفَقَيْهِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ إِلَى فِي الْآيَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْغَايَةِ وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مَعَ فَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّهَا بِمَعْنَى مَعَ انْتَهَى وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي إِيجَابِ دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ فَعَلَى هَذَا فَزُفَرُ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ وَكَذَا مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ بَعْدَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ صَرِيحًا وَإِنَّمَا حَكَى عَنْهُ أَشْهَبُ كَلَامًا مُحْتَمِلًا وَالْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ فِي آخِرِ الذِّرَاعِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرْتَفَقُ بِهِ فِي الِاتِّكَاءِ وَنَحْوِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ زَادَ بن الطباع كُله كَمَا تقدم عَن رِوَايَة بن خُزَيْمَةَ وَفِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِرَأْسِهِ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ يَجُوزُ حَذْفُهَا وَإِثْبَاتُهَا كَقَوْلِكَ مَسَحْتُ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَمَسَحْتُ بِرَأْسِهِ وَقِيلَ دَخَلَتِ الْبَاءُ لِتُفِيدَ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْغُسْلَ لُغَةً يَقْتَضِي مَغْسُولًا بِهِ وَالْمَسْحُ لُغَةً لَا يَقْتَضِي مَمْسُوحًا بِهِ فَلَو قَالَ وامسحوا رءوسكم لَا جزأ الْمَسْحُ بِالْيَدِ بِغَيْرِ مَاءٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمُ الْمَاءَ فَهُوَ عَلَى الْقَلْبِ وَالتَّقْدِيرُ امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ بِالْمَاءِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ احْتَمَلَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وامسحوا برءوسكم جَمِيعَ الرَّأْسِ أَوْ بَعْضَهُ فَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ يُجْزِئُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى فامسحوا بوجوهكم فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ الْمَسْحَ فِيهِ بَدَلٌ عَنِ الْغَسْلِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ أَصْلٌ فَافْتَرَقَا وَلَا يَرِدُ كَوْنُ مَسْحِ الْخُفِّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الرِّجْلِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِيهِ ثَبَتَتْ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قِيلَ فَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ النَّاصِيَةِ لِعُذْرٍ لِأَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ وَهُوَ مَظِنَّةُ الْعُذْرِ وَلِهَذَا مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ بَعْدَ مَسْحِ النَّاصِيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قُلْنَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَسْحُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ مَسْحٍ عَلَى الْعِمَامَةِ وَلَا تَعَرُّضٍ لِسَفَرٍ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَهُوَ مُرْسَلٌ لَكِنَّهُ اعْتُضِدَ بِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو مَعْقِلٍ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَقَدِ اعْتَضَدَ كُلٌّ مِنَ الْمُرْسَلِ وَالْمَوْصُولِ بِالْآخَرِ وَحَصَلَتِ الْقُوَّةُ مِنَ الصُّورَةِ الْمَجْمُوعَةِ وَهَذَا مِثَالٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرْسَلَ يَعْتَضِدُ بِمُرْسَلٍ آخَرَ أَوْ مُسْنَدٍ وَظَهَرَ بِهَذَا جَوَابُ مَنْ أَوْرَدَ أَنَّ الْحُجَّةَ حِينَئِذٍ بِالْمُسْنَدِ فَيَقَعُ الْمُرْسَلُ لَغْوًا وَقَدْ قَرَّرْتُ جَوَابَ ذَلِكَ فِيمَا كَتَبْتُهُ عَلَى عُلُومِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الصَّلَاحِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ قَالَ وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَفِيهِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَصَحَّ عَن بن عمر الِاكْتِفَاء بمسح بعض الرَّأْس قَالَه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَة إِنْكَار ذَلِك قَالَه بن حَزْمٍ وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَقْوَى بِهِ الْمُرْسَلُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ مُدْرَجًا مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ فَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ السُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْسِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مُقَدَّمِهِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فَأَدْبَرَ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ فَلَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِرِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ الْإِقْبَالَ وَالْإِدْبَارَ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَلَا مَا أَدْبَرَ عَنْهُ وَمَخْرَجُ الطَّرِيقَيْنِ مُتَّحِدٌ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَعَيَّنَتْ رِوَايَةُ مَالِكٍ الْبَدَاءَةَ بِالْمُقَدَّمِ فَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  أَقْبَلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ بِابْتِدَائِهِ أَيْ بَدَأَ بِقِبَلِ الرَّأْسِ وَقِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ غَيْرُ ذَلِكُ وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ اسْتِيعَابُ جِهَتَيِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَنْ لَهُ شَعْرٌ وَالْمَشْهُورُ عَمَّنْ أَوْجَبَ التَّعْمِيمَ أَنَّ الْأُولَى وَاجِبَةٌ وَالثَّانِيَةَ سُنَّةٌ وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ التَّعْمِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ زَادَ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ الْآتِيَةِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْبَحْثُ فِيهِ كَالْبَحْثِ فِي قَوْلِهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْكَعْبَ هُوَ الْعَظْمُ النَّاشِزُ عِنْدَ مُلْتَقَى السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ الْعَظْمُ الَّذِي فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ عِنْد معقد الشرَاك وروى عَن بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنَ الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ ذَلِكَ وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ فِيهِ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الصَّحِيحُ فِي صِفَةِ الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَقِيلَ إِنَّ مُحَمَّدًا إِنَّمَا رَأَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ قَطْعِ الْمُحْرِمِ الْخُفَّيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْإِفْرَاغُ عَلَى الْيَدَيْنِ مَعًا فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَأَنَّ الْوُضُوءَ الْوَاحِدَ يَكُونُ بَعْضُهُ بِمَرَّةٍ وَبَعْضُهُ بِمَرَّتَيْنِ وَبَعْضُهُ بِثَلَاثٍ وَفِيهِ مَجِيءُ الْإِمَامِ إِلَى بَيْتِ بَعْضِ رَعِيَّتِهِ وَابْتِدَاؤُهُمْ إِيَّاهُ بِمَا يَظُنُّونَ أَنَّ لَهُ بِهِ حَاجَةً وَجَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ فِي إِحْضَارِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَالتَّعْلِيمُ بِالْفِعْلِ وَأَنَّ الِاغْتِرَافَ مِنَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لِلتَّطَهُّرِ لَا يُصَيِّرُ الْمَاءَ مُسْتَعْمَلًا لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ إِلَخْ.

.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُثْبِتُهَا وَلَا مَا يَنْفِيهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَلَى جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تُذْكَرْ فِيهِ وَقَدْ أَدْخَلَ يَدَهُ لِلِاغْتِرَافِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَهُوَ وَقْتُ غَسْلِهَا.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ مُجَرَّدُ الِاغْتِرَافِ لَا يُصَيِّرُ الْمَاءَ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ إِنَّمَا يَقَعُ مِنَ الْمُغْتَرَفِ مِنْهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى اسْتِيعَابِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَدُلُّ لِذَلِكَ نَدْبًا لَا فَرْضًا وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ تَكْرِيرُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابٍ مُفْرَدٍ وَعَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ غَرْفَةٍ كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا وَعَلَى جَوَازِ التَّطَهُّرِ مِنْ آنِية النّحاس وَغَيره

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: الْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ تَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا.

وَسُئِلَ مَالِكٌ: أَيُجْزِئُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ؟ فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْد.

( باب مسح الرأس كله) في الوضوء، وفي رواية المستملي الاقتصار على مسح الرأس وإسقاط لفظ كله ( لقول الله تعالى) وفي رواية ابن عساكر سبحانه وتعالى، وفي رواية الأصيلي عز وجل: ( { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} ) [المائدة: 6] أي امسحوا رؤوسكم كلها فالباء زائدة عند المؤلف كمالك ( وقال ابن المسيب) سعيد: ( المرأة بمنزلة الرجل تمسح على رأسها) وهذا وصله ابن أبي شيبة ولفظه: المرأة والرجل في المسح سواء، وعن أحمد يكفي المرأة مسح مقدم رأسها.

( وسئل مالك) الإمام الأعظم والسائل له إسحاق بن عيسى بن الطباع ( أيجزئ) بضم المثناة التحتية من الإجزاء وهو الأداء الكافي لسقوط التعبد به وبفتح الياء من جزى ويجزي أي كفى والهمزة فيه للاستفهام ( أن يمسح بعض) وفي رواية ابن عساكر ببعض ( الرأس) وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي رأسه؟ ( فاحتج) أي مالك على أنه لا يجزي ( بحديث عبد الله بن زيد) هذا الآتي إن شاء الله تعالى.



[ قــ :182 ... غــ : 185 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ -وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى- أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ.
فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.
[الحديث 185 - أطرافه في: 186، 191، 192، 197، 199] .


وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا) وفي رواية الأصيلي حدّثنا ( مالك) إمام الأئمة ( عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بضم العين وتخفيف الميم ( المازني عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن.

( أن رجلاً) هو عمرو بن أبي حسن كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الآتي من طريق وهيب ( قال لعبد الله بن زيد) الأنصاري ( وهو) أي الرجل المفسر بعمرو بن أبي حسن ( جد عمرو بن يحيى) المازني المذكور مجازًا لا حقيقة لأنه عمّ أبيه، وإنما أطلق عليه الجدودة لكونه في منزلته: ( أتستطيع أن تريني) أي هل تستطيع الإراءة إياي ( كيف كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوضأ) كأنه أراد أن يريه بالفعل ليكون أبلغ في التعليم ( فقال عبد الله بن زيد) أي الأنصاري ( نعم) أستطيع أن أريك ( فدعا بماء) عقب قوله ذلك ( فأفرغ) أي صبّ من الماء ( على يديه) بالتثنية، وفي رواية الأربعة على يده بالإفراد على إرادة الجنس ( فغسل مرتين) وفي رواية الأربعة فغسل يديه مرتين كذا في رواية مالك وعند غيره من الحفاظ ثلاثًا فهي مقدمة على رواية الحافظ الواحد لا يقال أنهما واقعتان لاتحاد مخرجهما، والأصل عدم التعدد، لأن في رواية مسلم من طريق حبّان بن واسع عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ وفيه وغسل يده اليمنى ثلاثًا ثم الأخرى ثلاثًا، فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديثين غير متحد، ( ثم مضمض واستنثر ثلاثًا) أي بثلاث غرفات كما في رواية وهيب، وللكشميهني واستنشق ثلاثًا.
والرواية الأولى تستلزم الثانية من غير عكس قاله ابن حجر، وعورض بأن ابن الأعرابي وابن قتيبة جعلاهما واحدًا وقد مرّ في المضمضة والاستنشاق.
( ثم غسل وجهه ثلاثًا ثم غسل يديه مرتين مرتين) بالتكرار ( إلى) أي مع ( المرفقين) بالتثنية مع فتح الميم وكسر الفاء، وفي رواية الأصيلي بكسر الميم وفتح الفاء، وفي رواية المستملي والحموي إلى الرفق بالإفراد على إرادة الجنس وهو مفصل الذراع والعضد وسمي به لأنه يرتفق به في الاتكاء ويدخل في غسل اليدين خلافًا لزفر لأن إلى في قوله تعالى: { إلى المرفقين} بمعنى مع كالحديث كقوله تعالى: { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52] أو متعلقة بمحذوف تقديره مضافة إلى المرافق.
قال البيضاوي: ولو كان كذلك لم يبق معنى للتحديد ولا لذكره مزيد فائدة لأن مطلق اليد يشتمل عليها.
وقيل: ( إلى) تفيد الغاية مطلقًا وأما بدخولها في الحكم أو خروجها منه فلا دلالة لها عليه وإنما يعلم من خارج، ولم يكن في الآية وكأن الأيدي متناولة لها فحكم بدخولها احتياطًا.
وقيل: ( إلى) من حيث أنها تفيد الغاية تقتضي خروجها وإلا لم تكن غاية كقوله: { فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} وقوله: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] لكن لما لم تتميز الغاية هاهنا من ذي الغاية وجب دخولها احتياطًا اهـ.

ووقف زفر مع المتيقن.
وقال إسحاق بن راهويه: يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وبمعنى مع فبينت السُنّة أنها بمعنى مع.
وقال الإمام الشافعي في الأُم: لا أعلم مخالفًا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء، قال ابن حجر: فعلى هذا فزفر محجوج بالإجماع.


( ثم مسح رأسه) زاد ابن الطباع في روايته كله كما في حديثه الروي عند ابن خزيمة في صحيحه ( بيديه) بالتثنية ( فأقبل بهما وأدبر) بهما ولمسلم مسح رأسه كله وما أقبل وما أدبر وصدغيه ( بدأ بمقدم رأسه) بفتح الدال المشددة من بمقدم بأن وضع يديه عليه وألصق مسبحته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه ( حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردّهما إلى المكان الذي بدأ منه) ليستوعب جهتي الشعر بالمسح، وعلى هذا يختص ذلك بمن له شعر ينقلب وإلاّ فلا حاجة إلى الرد، فلو ردّ لم يحسب ثانية لأن الماء صار مستعملاً.
وهذا التعليل يقتضي أنه لو ردّ ماء المرة الثانية حسب ثالثة بناء على الأصح من أن المستعمل في النفل طهور إلا أن يقال السنّة كون كل مرة بماء جديد، والجملة من قوله بدأ عطف بيان لقوله فأقبل بهما وأدبر، ومن ثم لم تدخل الواو على قوله بدأ، والظاهر أنه ليس مدرجًا من كلام مالك بل هو من الحديث، ولا يقال هو بيان للمسح الواجب كما قال به مالك وابن علية وأحمد في رواية وأصحاب مالك غير أشهب فبيانه واجب لأنه يلزم منه وجوب الرد إلى المكان الذي بدأ منه، ولا قائل بوجوبه.
ويلزم أن يكون تثليث الغسل وتثنيته واجبين لأنهما بيان أيضًا، فالحديث ورد في الكمال ولا نزاع فيه بدليل أن الإقبال والإدبار لم يذكرا في غير هذا الحديث، وقد وقع في رواية خالد بن عبد الله الآتية قريبًا في باب من تمضمض واستنشق من غرفة واحدة ومسح برأسه ما أقبل وما أدبر كآية المائدة بالباء، واختلف فيها فقيل: زائدة للتعدية وتمسك به من أوجب الاستيعاب، وقيل للتبعيض.
وعورض بأن بعض أهل العربية أنكر كونها للتبعيض.
قال ابن برهان: من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء عن أهل اللغة بما لا يعرفونه.
وأجيب: بأن ابن هشام نقل التبعيض عن الأصمعي والفارسي والقتيبي وابن مالك والكوفيين وجعلوا منه { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] انتهى.

وقال بعضهم: الحكم في الآية مجمل في حق المقدار فقط لأن الباء للإلصاق باعتبار أصل الوضع، فإذا قرنت بآلة المسح يتعدى الفعل بها إلى محل المسح فيتناول جميعه كما تقول: مسحت الحائط بيدي ومسحت رأس اليتيم بيدي فيتناول مسح الحائط كله، وإذا قرنت بمحل المسح يتعدى الفعل بها إلى الآلة فلا تقتضي الاستيعاب، وإنما تقتضي التصاق الآلة بالمحل وذلك لا يستوعب الكل عادة فمعنى التبعيض إنما ثبت بهذا الطريق.
وقال الشافعي احتمل قوله: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} جميع الرأس أو بعضه، فدلّت السُّنّة أن بعضه يجزئ.
وروى الشافعي أيضًا من حديث عطاء أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ فحسر العمامة عن رأسه قال ابن حجر: وهو مرسل لكنه اعتضد من وجه آخر موصولاً أخرجه أبو داود من حديث أنس، وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله فقد اعتضد كلٌّ من المرسل والموصول بالآخر وحصلت القوة من الصورة المجموعة، وهذا مثال لا ذكره الشافعي من أن الرسل يعتضد بمرسل آخر أو مسند، وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس قاله ابن المنذر وغيره ولم يصح من أحد من الصحابة إنكار ذلك قاله ابن جزم، وهذا كله مما يقوى به المرسل انتهى.


وقد روى مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة، فلو
وجب الكل لما اقتصر علي الناصية، وأما استدلال الحنفية على إيجاب مسح الربع بمسحه عليه الصلاة والسلام بالناصية وأنه بيان للإجمال في الآية لأن الناصية ربع الرأس.
فأجيب عنه بأنه لا يكون بيانًا إلا إذا كان أوّل مسحه كذلك بعد الآية، وبأن قوله بناصيته يحتمل بعضها كما سبق نظيره في برؤوسكم، وقد ثبت وجوب أصل المسح فجاحده كافر لأنه قطعي واختلف في مقداره فجاحده لا يكفّر لأنه ظني.

( ثم غسل رجليه) أطلق الغسل فيهما ولم يذكر فيه تثليثًا ولا تثنية كما سبق في بعض الأعضاء إشعارًا بأن الوضوء الواحد يكون بعضه بمرة وبعضه بمرتين وبعضه بثلاث، وإن كان الأكمل التثليث في الكل ففعله بيانًا للجواز والبيان بالفعل أوقع في النفوس منه بالقول وأبعد من التأويل.
ورواة هذا الحديث الستة كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري وقد دخلها، وفيه رواية الابن عن الأب والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في الطهارة ومسلم فيها والترمذي مختصرًا والنسائي وابن ماجة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم مسح كل الرَّأْس فِي الْوضُوء وَلَفظ: ( كُله) ، مَوْجُود عِنْدهم إلاَّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي فَإِنَّهُ سَاقِط.

والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ أَن الْبابُُ الأول مترجم بترك الْوضُوء من الغشي إلاَّ إِذا كَانَ مُثقلًا، وَهَذَا الْبابُُ يشْتَمل على مسح جَمِيع الرَّأْس، وَهُوَ جُزْء من الْوضُوء.

لِقَوْلِ اللَّهِ تَعالىَ وامْسَحُوا بِرُوسِكُمْ

احْتج البُخَارِيّ فِي وجوب مسح جَمِيع الرَّأْس بقوله تَعَالَى { وامسحو برؤوسكم} ( الْمَائِدَة: 6) واحتجاجه بِهِ إِنَّمَا يتم إِذا كَانَت: الْبَاء، زَائِدَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ مَالك، رَحمَه الله تَعَالَى.

وقالَ ابنُ المُسَيَّبِ المَرْأةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ تمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا

أَي: قَالَ ابْن الْمسيب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوَصله ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) : حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عبد الْكَرِيم يعْنى ابْن مَالك عَن سعيد بن الْمسيب الْمَرْأَة وَالرجل فِي مسح الرَّأْس سَوَاء.
قَوْله: ( بِمَنْزِلَة الرجل) أَي: فِي وجوب مسح جَمِيع الرَّأْس، هَكَذَا فسره الْكرْمَانِي، وَمَعَ هَذَا يحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَنه بِمَنْزِلَة الرجل فِي وجوب أصل الْمسْح، فَحِينَئِذٍ هَذَا الْأَثر لَا يساعد البُخَارِيّ فِي تبويبه لمسح كل الرَّأْس، وَنقل عَن أَحْمد أَنه قَالَ: يَكْفِي الْمَرْأَة مسح مقدم رَأسهَا.
وَسُئِلَ مالِكٌ: أيُجْزِىءُ أنْ يَمْسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ فاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ زَيْدٍ

أيجزىء: يجوز فِيهِ الوجان: احدهما: بِفَتْح الْيَاء من جزى أَي كفى، والهمزة فِيهِ للاستفهام.
وَالثَّانِي: بِضَم الْيَاء من الْإِجْزَاء وَهُوَ الْأَدَاء الْكَافِي لسُقُوط التَّعَبُّد بِهِ، وَفِي بعض النّسخ: بِبَعْض رَأسه، وَفِي بَعْضهَا: بعض الرَّأْس، والسائل عَن مَالك فِي مسح الرَّأْس هُوَ إِسْحَاق بن عِيسَى ابْن الطباع، بَينه ابْن خُزَيْمَة فِي ( صَحِيحه) من طَرِيقه، وَلَفظه: سَأَلت مَالِكًا عَن الرجل يمسح مقدم رَأسه فِي وضوئِهِ أيجزيه؟ فَقَالَ: حَدثنِي عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن عبد الله بن زيد، قَالَ: ( مسح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وضوئِهِ من ناصيته إِلَى قَفاهُ، ثمَّ رد يَدَيْهِ إِلَى ناصيته فَمسح رَأسه كُله) ..
     وَقَالَ  بَعضهم: مَوضِع الدّلَالَة من الحَدِيث وَالْآيَة: ان لفظ الْآيَة مُجمل لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يُرَاد بهَا مسح الْكل، عَن أَن: الْبَاء، زَائِدَة، أَو مسح الْبَعْض على أَنَّهَا تبعيضية، فَتبين بِفعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن المُرَاد الأول.
قلت: لَا إِجْمَال فِي الْآيَة، وَإِنَّمَا الْإِجْمَال فِي الْمِقْدَار دون الْمحل، لِأَن الرَّأْس وَهُوَ مَعْلُوم، وَفعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بَيَانا للإجمال الَّذِي فِي الْمِقْدَار، وَهَذَا الْقَائِل لَو علم معنى الْإِجْمَال لما قَالَ لفظ الْآيَة مُجمل.
قَوْله: ( فاحتج) اي: مَالك احْتج بِحَدِيث عبد الله بن زيد الَّذِي سَاقه هُنَا على عدم الْإِجْزَاء فِي مسح بعض الرَّأْس، وَالْمعْنَى: أَنه لما سُئِلَ عَن مسح الرَّأْس روى هَذَا الحَدِيث وَاحْتج بِهِ على أَنه لَا يجوز أَن يقْتَصر بِبَعْض الرَّأْس.



[ قــ :182 ... غــ :185 ]
- حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قالَ أخبرنَا مالِكٌ عَنْ عَمرِو بن يَحْيىَ المَازِنيِّ عَنْ أبِيهِ أنَّ رَجُلاً قالَ لَعْبدِ اللَّهِ بنِ زَيْدٍ وَهوَ جَدُّ عَمْرِو بنِ يَحْيىَ أتَسْتَطِيعُ أنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَوَضَّا فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ زَيْدٍ نَعَمْ فَدَعًّ بِماءٍ فَأفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاثاً ثُمَّ غَسَلَ وجْهَهُ ثَلاثاً ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْن مَرَّتَيْنِ إلَى المِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رأْسَهُ بِيَدَيْهِ فأقْبَلَ بِهِمَا وَأدْبَرَ بَدَأَ بِمقَدَّم رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى المَكانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ مسح رَأسه) .
إِلَى آخِره.

بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة.
الأول: عبد الله يُوسُف التنيسِي.
الثَّانِي: مَالك بن انس.
الثَّالِث: عَمْرو بن يحيى بن عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم، وَقد تقدمُوا.
الرَّابِع: أَبوهُ يحيى بن عمَارَة بن أبي حسن، واسْمه تَمِيم بن عبد بن عَمْرو بن قيس، وَأَبُو حسن لَهُ صُحْبَة، وَكَذَا لعمارة فِيمَا جزم بِهِ ابْن عبد الْبر..
     وَقَالَ  أَبُو نعيم: فِيهِ نظر..
     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: عمَارَة بن أبي حسن الْأنْصَارِيّ الْمَازِني، لَهُ صُحْبَة، وَقيل: ابوه بَدْرِي وعقبي.
الْخَامِس: الرجل السَّائِل هُوَ عمر بن يحيى، وَإِنَّمَا قَالَ: جد عَمْرو بن يحيى تجوزاً لِأَنَّهُ عَم أَبِيه، وَسَماهُ جَداً لكَونه فِي مَنْزِلَته.
وَقيل: إِن المُرَاد بقوله هُوَ عبد الله بن زيد وَهَذَا وهم، لِأَنَّهُ لَيْسَ جَداً لعَمْرو بن يحيى لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا، وَذكر فِي ( الْكَمَال) فِي تَرْجَمَة عَمْرو بن يحيى أَنه ابْن بنت عبد الله بن زيد.
قَالُوا: إِنَّه غلط، وَقد ذكر مُحَمَّد بن سعد أَن أم عَمْرو بن يحيى هِيَ حميدة بنت مُحَمَّد بن إِيَاس بن بكير،.

     وَقَالَ  غَيره: هِيَ أم النُّعْمَان بنت أبي حَيَّة.
وَالله اعْلَم.
وَقد اخْتلف رُوَاة ( الْمُوَطَّأ) فِي تعْيين هَذَا السَّائِل فأبهمه أَكْثَرهم.
قَالَ معن بن عِيسَى فِي رِوَايَته عَن عَمْرو عَن ابيه يحيى: إِنَّه سمع أَبَا مُحَمَّد بن حسن، وَهُوَ جد عَمْرو بن يحيى.
قَالَ لعبد الله بن زيد، وَكَانَ من الصَّحَابَة فَذكر الحَدِيث،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ: عَن مَالك حَدثنَا عَمْرو عَن أَبِيه يحيى أَنه سمع جده أَبَا حسن يسْأَل عبد الله بن زيد، وَكَذَا سَاقه سَحْنُون فِي ( الْمُدَوَّنَة) ..
     وَقَالَ  الشَّافِعِي فِي ( الْأُم) : عَن مَالك عَن عَمْرو عَن أَبِيه.
فَإِن قلت: هَل يُمكن أَن يجمع هَذَا الِاخْتِلَاف؟ قلت: يُمكن أَن يُقَال: اجْتمع عِنْد عبد الله بن زيد بن ابي حسن الْأنْصَارِيّ وَابْنه عَمْرو وَابْن ابْنه عمَارَة بن أبي حسن، فَسَأَلُوهُ عَن صفة وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَتَوَلَّى السُّؤَال مِنْهُم لَهُ عمَارَة بن أبي حسن، فَحَيْثُ نسب إِلَيْهِ السُّؤَال كَانَ على الْحَقِيقَة، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال عِنْد البُخَارِيّ فِي بابُُ الْوضُوء من التور، قَالَ: حَدثنِي عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ عمي، يعْنى عَمْرو بن أبي حسن، يكثر الْوضُوء، فَقَالَ لعبد الله ابْن زيد: أَخْبرنِي، فَذكره.
وَحَيْثُ نسب السُّؤَال إِلَى أبي حسن فعلى الْمجَاز لكَونه كَانَ الْأَكْبَر وَكَانَ حَاضرا، وَحَيْثُ نسب السُّؤَال ليحيى بن عمَارَة فعلى الْمجَاز أَيْضا لكَونه ناقل الحَدِيث، وَقد حضر السُّؤَال، وَكَانُوا كلهم متفقين على السُّؤَال، غير أَن السَّائِل مِنْهُم كَانَ عَمْرو بن أبي حسن، ويوضح ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) من حَدِيث الدَّرَاورْدِي عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن عَمه عَمْرو بن أبي حسن.
قَالَ: كنت كثير الْوضُوء فَقلت لعبد الله بن زيد ... الحَدِيث السَّادِس: من الرِّجَال عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وَالْأَخْبَار، كَذَلِك والعنعنة وَالْقَوْل.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مذنيون إلاَّ عبد الله بن يُوسُف وَقد دَخلهَا.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة الابْن عَن الْأَب.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي الطَّهَارَة فِي خَمْسَة مَوَاضِع عَن عبد الله بن يُوسُف هُنَا، وَعَن مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل وَسليمَان بن حَرْب، كِلَاهُمَا عَن وهيب، وَعَن خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، وَعَن مُسَدّد عَن خَالِد بن عبد الله وَعَن أَحْمد ابْن يُونُس عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون، خمستهم عَن عَمْرو بن يحيى الْمَازِني عَن أَبِيه بِهِ.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الصَّباح، وَعَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا، وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى، وَعَن عبد الرَّحْمَن بن بشر.
وَأخرجه الْأَرْبَعَة أَيْضا فِي الطَّهَارَة: فَأَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد وَعَن القعْنبِي وَعَن الْحسن بن عَليّ، وَالتِّرْمِذِيّ عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ بِهِ مُخْتَصرا.
وَالنَّسَائِيّ عَن عقبَة بن عبد الله بن الْيَعْمرِي وَعَن مُحَمَّد بن مسلمة والْحَارث بن مِسْكين وَعَن مُحَمَّد بن مَنْصُور؛ وَابْن مَاجَه عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان وحرملة بن عِيسَى كِلَاهُمَا عَن الشَّافِعِي عَن مَالك وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة مُخْتَصرا، وَعَن عَليّ بن مُحَمَّد مُخْتَصرا.

بَيَان اللُّغَات والمعاني قَوْله: ( فأفرغ على يَده) أَي: فصب المَاء على يَده، وَفِي بعض الرِّوَايَات: ( يَدَيْهِ) .
قَوْله: وَفِي رِوَايَة مُوسَى عَن وهيب: فأكفأ، بهمزتين.
وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن حَرْب فِي بابُُ مسح الرَّأْس مرّة عَن وهيب: فكفأ، بِفَتْح الْكَاف وهما لُغَتَانِ بِمَعْنى.
يُقَال: كفأ الْإِنَاء وأكفأه إِذا أماله..
     وَقَالَ  الْكسَائي: كفأت الْإِنَاء كببته، وأكفأته أملته، وَالْمرَاد فِي الْمَوْضِعَيْنِ أفراغ المَاء من الْإِنَاء على الْيَد.
قَوْله: ( فَغسل يَده مرَّتَيْنِ) بإفراد الْيَد فِي رِوَايَة مَالك، وتثنية الْيَد فِي رِوَايَة وهيب وَسليمَان بن بِلَال عِنْد البُخَارِيّ، وَكَذَا الدراورذي عِنْد ابي نعيم، وَفِي رِوَايَة مَالك: ( فَغسل يَده مرَّتَيْنِ) .
بإفراد الْيَد، يحمل على الْجِنْس، ثمَّ إِنَّه عِنْد مَالك مرَّتَيْنِ، وَعند هَؤُلَاءِ ثَلَاثًا، وَكَذَا لخَالِد بن عبد الله عِنْد مُسلم فان قلت: لِمَ لَا يحمل هَذَا على الوقعتين؟ قلت: الْمخْرج وَاحِد وَالْأَصْل عدم التَّعَدُّد.
قَوْله: ( ثمَّ تمضمض واستنثر) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( مضمض واستنشق) وَمعنى استنثر: استنشق المَاء ثمَّ اسْتِخْرَاج ذَلِك بِنَفس الْأنف، والنثرة الخيشوم وَمَا ولاه وتشق واستنشق المَاء فِي أَنفه صبه فِيهِ وَيُقَال نشر وانتشر واستنشر إِذا حرك النشرة، وَهِي طرف الْأنف..
     وَقَالَ  بَعضهم: الاستنثار يسْتَلْزم الِاسْتِنْشَاق بِلَا عكس.
قلت: لَا نسلم ذَلِك، فَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَابْن قُتَيْبَة: الِاسْتِنْشَاق والاستنثار وَاحِد.
قَوْله: ( ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا) أَي: ثَلَاث مَرَّات، وَلم تخْتَلف الرِّوَايَات فِي ذَلِك.
قَوْله: ( ثمَّ غسل يَدَيْهِ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ) كَذَا بتكرار: مرَّتَيْنِ، وَلم تخْتَلف الرِّوَايَات عَن عَمْرو بن يحيى فِي غسل الْيَدَيْنِ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق حبَان بن وَاسع عَن عبد الله بن زيد: ( انه رأى النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، تَوَضَّأ وَفِيه يَده الْيُمْنَى ثَلَاثًا ثمَّ الْأُخْرَى ثَلَاثًا) فَيحمل عل أَنه وضوء آخر لكَون مخرج الْحَدِيثين غير مُتحد.
قَوْله: ( إِلَى الْمرْفقين) كَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي: إِلَى الْمرْفق، بِالْإِفْرَادِ على إِرَادَة الْجِنْس.
قَوْله: ( ثمَّ مسح رَأسه) زَاد ابْن الطباع لَفظه: كُله، وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة، وَفِي رِوَايَة خَالِد بن عبد الله: ( مسح بِرَأْسِهِ) ، بِزِيَادَة: الْبَاء.
قَوْله: ( ثمَّ غسل رجلَيْهِ) ، وَفِي رِوَايَة وهيب الْآتِيَة إِلَى الْكَعْبَيْنِ.

بَيَان الْإِعْرَاب قَوْله: ( أتستطيع) ؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام.
قَوْله: ( أَن تريني) فكلمة أَن، مَصْدَرِيَّة، وَالْجُمْلَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا مفعول: تَسْتَطِيع، وَالتَّقْدِير: هَل تَسْتَطِيع الإراءة إيَّايَ كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ؟ قَوْله: ( يتَوَضَّأ) جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا خبر: كَانَ، وَيجوز أَن تكون تَامَّة وَيكون قَوْله: ( يتَوَضَّأ) حَالا.
قَوْله: ( نعم) ، مقول القَوْل، وَهُوَ يكون جملَة، وَالتَّقْدِير: نعم أَسْتَطِيع أَن أريك.
قَوْله: ( فَدَعَا بِمَاء) الْفَاء: للتعقيب، وَكَذَا: الْفَاء فِي: فافرغ، وَفِي: فَغسل يَدَيْهِ، وَأما كلمة: ثمَّ، فِي سِتَّة مَوَاضِع فِي الحَدِيث بِمَعْنى: الْوَاو، وَلَيْسَت على مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ، وَهُوَ: الْإِمْهَال.
كَذَا قَالَ ابْن بطال.
قلت: ثمَّ، فِي هَذِه الْمَوَاضِع للتَّرْتِيب لِأَن: ثمَّ، تسْتَعْمل لثَلَاثَة معَان: التَّشْرِيك فِي الحكم، وَالتَّرْتِيب، والمهلة.
مَعَ أَن فِي كل وَاحِد خلافًا، وَالْمرَاد من التَّرْتِيب هُوَ التَّرْتِيب فِي الْإِخْبَار لَا التَّرْتِيب فِي الحكم مثل مَا يُقَال بَلغنِي مَا صنعت الْيَوْم ثمَّ مَا صنعت أمس أعجب! أَي: ثمَّ أخْبرك أَن الَّذِي صَنعته أمس أعجب.
قَوْله: ( بَدَأَ بِمقدم رَأسه) إِلَى قَوْله: ( مِنْهُ) بَيَان لقَوْله: ( فَأقبل بهما وَأدبر) ، وَلذَلِك لم تدخل الْوَاو عَلَيْهِ.
قَوْله: ( بَدَأَ مِنْهُ) إِلَى آخِره من الحَدِيث، وَلَيْسَ مدرجاً من كَلَام مَالك.

بَيَان استنباط الاحكام الأول: فِيهِ غسل الْيَد قبل شُرُوعه فِي الْوضُوء، وَذكر هُنَا مرَّتَيْنِ، وَذكر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، ثمَّ إِن هَذَا الْغسْل لَيْسَ من سنَن الْوضُوء وَلَا من الْفُرُوض، وَذهب دَاوُد وَابْن جرير الطَّبَرِيّ إِلَى إِيجَاب ذَلِك، وَأَن المَاء ينجس إِن لم تكن الْيَد مغسولة..
     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: غسلهمَا عبَادَة؛.

     وَقَالَ  مَالك: السّنة أَن يغسل يَدَيْهِ قبل الشُّرُوع فِي الْوضُوء مرَّتَيْنِ، كَمَا هُوَ فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث.
قلت: فِيهِ أَقْوَال خَمْسَة: الأول: إِنَّه سنة، وَهُوَ الْمَشْهُور عندنَا، كَذَا فِي ( الْمُحِيط) و ( الْمَبْسُوط) وَيدل عَلَيْهِ أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لم يتَوَضَّأ قطّ إلاَّ غسل يَدَيْهِ.
وَفِي ( الْمَنَافِع) تَقْدِيم غسلهمَا إِلَى الرسغين سنة تنوب عَن الْفَرْض، كالفاتحة تنوب عَن الْوَاجِب وَفرض الْقِرَاءَة.
الثَّانِي: إِنَّه مُسْتَحبّ للشَّاكِّ فِي طَهَارَة يَده، كَذَا رُوِيَ عَن مَالك.
الثَّالِث: إِنَّه وَاجِب على المنتبه من نوم اللَّيْل دون نوم النَّهَار، قَالَ أَحْمد.
الرَّابِع: إِن من شكّ: هَل أَصَابَت يَده نَجَاسَة أم لَا؟ يجب غسلهمَا فِي مَشْهُور مَذْهَب مَالك.
الْخَامِس: إِنَّه وَاجِب على المنتبه من النّوم مُطلقًا، وَبِه قَالَ دَاوُد وَأَصْحَابه.
وَفِي الْحَوَاشِي تَقْدِيم غسل الْيَدَيْنِ للمستيقظ يتْرك بِالْحَدِيثِ، وإلاَّ فسببه شَامِل لَهُ وَلغيره.

الثَّانِي: فِيهِ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق، وهما سنتَانِ فِي الْوضُوء، فرضان فِي الْغسْل.
وَبِه قَالَ الثَّوْريّ..
     وَقَالَ  الشَّافِعِي: سنتَانِ فيهمَا، وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة وَالْحكم وَرَبِيعَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث، وَهُوَ رِوَايَة عَن عَطاء وَأحمد، وَعنهُ أَنَّهُمَا واجبتان فيهمَا، وَهُوَ مَذْهَب ابْن أبي ليلى وَحَمَّاد وَإِسْحَاق.
وَالْمذهب الرَّابِع: أَن الِاسْتِنْشَاق وَاجِب فِي الْوضُوء وَالْغسْل دون الْمَضْمَضَة، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد، وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد.

الثَّالِث: فِيهِ أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مضمض واستنشق ثَلَاثًا بِثَلَاث غرفات، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَفِي ( الرَّوْضَة) .
فِي كيفيته وَجْهَان: أصَحهمَا: يتمضمض من غرفَة ثَلَاثًا، ويستنشق من أُخْرَى ثَلَاثًا.
وَالثَّانِي: بست غرفات.
وَاسْتدلَّ أَصْحَابنَا بِحَدِيث التِّرْمِذِيّ رَوَاهُ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي: ( مضمض ثَلَاثًا، واستنشق ثَلَاثًا) ،.

     وَقَالَ : حَدِيث حسن صَحِيح.
فَإِن قلت: لَمْ يحكِ فِيهِ ان كل وَاحِدَة من المضامض والاستنشاقات بِمَاء وَاحِدَة بل حكى انه تمضمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا قلت مضمونه ظَاهرا مَا ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ أَن يَأْخُذ لكل وَاحِد مِنْهُمَا مَاء جَدِيدا، وَكَذَا روى الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه يَأْخُذ ثَلَاث غرفات للمضمضة، وَثَلَاث غرفات للاستنشاق.

الرَّابِع: فِيهِ غسل الْوَجْه ثَلَاث مَرَّات، وَلَيْسَ فِيهِ خلاف.

الْخَامِس: فِيهِ غسل يَدَيْهِ مرَّتَيْنِ، وَجَاء فِي رِوَايَة مُسلم: ثَلَاثًا.
فَإِن قلت: هَل هَذَا يغسل يَدَيْهِ هَهُنَا من أول الْأَصَابِع أَو يغسل ذِرَاعَيْهِ؟ قلت: ذكر فِي الأَصْل غسل ذِرَاعَيْهِ لَا غير لتقدم غسل الْيَدَيْنِ إِلَى الرسغ مرّة، وَفِي ( الذَّخِيرَة) : الْأَصَح عِنْدِي أَن يُعِيد غسل الْيَدَيْنِ ظاهرهما وباطنهما، لِأَن الأول كَانَ سنة افْتِتَاح الْوضُوء، فَلَا يَنُوب عَن فرض الْوضُوء.

السَّادِس: فِيهِ أَن الْمرْفقين هما يدخلَانِ فِي غسل الْيَدَيْنِ عِنْد الْجُمْهُور، خلافًا لزفَر وَمَالك فِي رِوَايَة، وَقد روى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث جَابر: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَوَضَّأ أدَار المَاء على مرفقيه) ، وروى الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث وَائِل بن حجر: ( وَغسل ذِرَاعَيْهِ حَتَّى جَاوز الْمرْفق) ، وروى الطَّحَاوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ثَعْلَبَة بن عباد الْعَبْدي عَن أَبِيه مَرْفُوعا: ( ثمَّ غسل ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يسيل المَاء على مرفقيه) .

السَّابِع: فِيهِ مسح رَأسه، احْتج بِهِ مَالك وَابْن علية وَأحمد فِي رِوَايَة عَليّ أَن مسح جَمِيع الرَّأْس فرض؛ وَلَكِن أَصْحَاب مَالك اخْتلفُوا، فَقَالَ أَشهب: يجوز مسح بعض الرَّأْس،.

     وَقَالَ  غَيره: الثُّلُث فَصَاعِدا، وَعِنْدنَا وَعند الشَّافِعِي: الْفَرْض مسح بعض الرَّأْس.
فَقَالَ أَصْحَابنَا: ذَلِك الْبَعْض هُوَ ربع الرَّأْس، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة لِأَن الْكتاب مُجمل فِي حق الْمِقْدَار فَقَط، لِأَن: الْبَاء، فِي ( وامسحو برؤوسكم) للإلصاق بِاعْتِبَار أصل الْوَضع، فَإِذا قرنت بِآلَة الْمسْح يتَعَدَّى الْفِعْل بهَا إِلَى مَحل الْمسْح فَيتَنَاوَل جَمِيعه، كَمَا تَقول: مسحت الْحَائِط بيَدي، ومسحت رَأس الْيَتِيم بيَدي، فَيتَنَاوَل كُله، وَإِذا قرنت بِمحل الْمسْح يتَعَدَّى الْفِعْل بهَا إِلَى الْآلَة فَلَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَاب، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي إلصاق الْآلَة بِالْمحل، وَذَلِكَ يستوعب الْكل عَادَة بل أَكثر الْآلَة ينزل منزلَة الْكل فيتأدى الْمسْح بإلصاق ثَلَاثَة أَصَابِع بِمحل الْمسْح، وَمعنى التَّبْعِيض إِنَّمَا يثبت بِهَذَا الطَّرِيق لَا بِمَعْنى أَن: الْبَاء، للتَّبْعِيض، كَمَا قَالَه الْبَعْض.
وَقد أنكر بعض أهل الْعَرَبيَّة كَون: الْبَاء، للتَّبْعِيض،.

     وَقَالَ  ابْن برهَان: من زعم أَن: الْبَاء، تفِيد التَّبْعِيض فقد جَاءَ أهل اللُّغَة بِمَا لَا يعْرفُونَ، وَقد جعل الْجِرْجَانِيّ معنى الإلصاق فِي: الْبَاء، أصلا وَإِن كَانَت تَجِيء لمعانٍ كَثِيرَة..
     وَقَالَ  ابْن هَاشم: أثبت مَجِيء: الْبَاء، للتَّبْعِيض الْأَصْمَعِي والفارسي والقتبي وَابْن مَالك.
قيل: والكوفيون، وَجعلُوا مِنْهُ: { عينا يشرب بهَا عباد الله} ( الْإِنْسَان: 6) قيل وَمِنْه: { وامسحوا برؤوسكم} ( الْمَائِدَة: 6) فَالظَّاهِر

أَن: الْبَاء، فيهمَا للإلصاق.
وَقيل: هِيَ فِي آيَة الْوضُوء للاستعانة، وَإِن فِي الْكَلَام حذفا وَقَلْبًا، فَإِن: مسح، يتَعَدَّى إِلَى المزال عَنهُ بِنَفسِهِ، وَإِلَى المزيل: بِالْبَاء، فَالْأَصْل امسحوا رؤوسكم بِالْمَاءِ.
فان قلت: أَلَيْسَ أَن فِي التَّيَمُّم حكم الْمسْح ثَبت بقوله: { فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} ( النِّسَاء: 43) ، ثمَّ الإستيعاب فِيهِ شَرط؟ قلت: عرف الِاسْتِيعَاب فِيهِ إِمَّا بِإِشَارَة الْكتاب، وَهُوَ أَن الله تَعَالَى أَقَامَ التَّيَمُّم فِي هذَيْن العضوين مقَام الْغسْل عِنْد تعذره، والاستيعاب فرض بِالنَّصِّ، وَكَذَا فِيمَا قَامَ مقَامه، أَو عرف ذَلِك بِالسنةِ وَهُوَ قَوْله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( يَكْفِيك ضربتان: ضَرْبَة للْوَجْه وضربه للذراعين) .
وَأما على رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِنَّه لَا يشْتَرط الِاسْتِيعَاب فَلَا يرد شَيْء.
فَإِن قلت: الْمسْح فرض، والمفروض مِقْدَار الناصية، وَمن حكم الْفَرْض أَن يكفر جاحده، وجاحد الْمِقْدَار لَا يكفر، فَكيف يكون فرضا؟ قلت: بل جَاحد، أصل الْمسْح كَافِر لِأَنَّهُ قَطْعِيّ، وجاحد الْمِقْدَار لَا يكفر لِأَنَّهُ فِي حق الْمِقْدَار ظَنِّي.
فان قلت: أَيهَا الْحَنَفِيّ! إِنَّك استدللت بِحَدِيث الْمُغيرَة على أَن الْمِقْدَار فِي الْمسْح هُوَ قدر الناصية، وَتركت بَقِيَّة الحَدِيث وَهُوَ: الْمسْح على الْعِمَامَة.
قلت: لَو عَملنَا بِكُل الحَدِيث يلْزم بِهِ الزِّيَادَة على النَّص، لِأَن هَذَا خبر الْوَاحِد، وَالزِّيَادَة بِهِ على الْكتاب نسخ، فَلَا يجوز.
وَأما الْمسْح على الرَّأْس فقد ثَبت بِالْكتاب فَلَا يلْزم ذَلِك، وَأما مَسحه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، على الْعِمَامَة فأوله الْبَعْض بَان المُرَاد بِهِ مَا تَحْتَهُ من قبيل إِطْلَاق اسْم الْحَال على الْمحل، وأوله الْبَعْض بِأَن الرَّاوِي كَانَ بَعيدا عَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَمسح على رَأسه وَلم يضع الْعِمَامَة من رَأسه، فَظن الرَّاوِي أَنه مسح على الْعِمَامَة..
     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: وَأحسن مَا حمل عَلَيْهِ أَصْحَابنَا حَدِيث الْمسْح على الْعِمَامَة أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَعَلَّه كَانَ بِهِ مرض مَنعه كشف رَأسه، فَصَارَت الْعِمَامَة كالجبيرة الَّتِي يمسح عَلَيْهَا للضَّرُورَة..
     وَقَالَ  بَعضهم: فَإِن قيل: فَلَعَلَّهُ اقْتصر على مسح الناصية لعذر لِأَنَّهُ كَانَ فِي سفر، وَهُوَ مَظَنَّة الْعذر، وَلِهَذَا مسح على الْعِمَامَة بعد مسح الناصية، كَمَا هُوَ ظَاهر سِيَاق مُسلم من حَدِيث الْمُغيرَة.
قُلْنَا: قد رُوِيَ عَنهُ مسح مقدم الرَّأْس من غير مسح على الْعِمَامَة.
وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي من حَدِيث عَطاء: ( أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فحسر الْعِمَامَة عَن رَأسه وَمسح مقدم رَأسه) ، وَهُوَ مُرْسل، لكنه اعتضد من وَجه آخر مَوْصُولا، أخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث أنس.
وَفِي إِسْنَاده أَبُو معقل لَا يعرف حَاله، فقد اعتضد كل من الْمُرْسل والموصول بِالْآخرِ، وحصلت الْقُوَّة من الصُّورَة الْمَجْمُوعَة.
قلت: قَول هَذَا الْقَائِل من أعجب الْعَجَائِب لِأَنَّهُ يَدعِي أَن الْمُرْسل غير حجَّة عِنْد إِمَامه، ثمَّ يَدعِي أَنه اعتضد بِحَدِيث مَوْصُول ضَعِيف باعترافه هُوَ، ثمَّ يَقُول: وحصلت الْقُوَّة من الصُّورَة الْمَجْمُوعَة، فَكيف تحصل الْقُوَّة من شَيْء لَيْسَ بِحجَّة وَشَيْء ضَعِيف؟ فَإِذا كَانَ الْمُرْسل غير حجَّة يكون فِي حكم الْعَدَم، وَلَا يبْقى إلاَّ الحَدِيث الضَّعِيف وَحده، فَكيف تكون الصُّورَة الْمَجْمُوعَة؟ .

الثَّامِن: فِيهِ الْبدَاءَة فِي مسح الرَّأْس بمقدمه، وَرُوِيَ فِي هَذَا الْبابُُ أَحَادِيث كَثِيرَة.
فَعِنْدَ النَّسَائِيّ من حَدِيث عبد الله بن زيد: ( ثمَّ مسح رَأسه بيدَيْهِ، فَأقبل بهما وادبر، بَدَأَ بِمقدم رَأسه ثمَّ ذهب بهما إِلَى قَفاهُ، ثمَّ ردهما حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ) .
وَعند ابْن أبي شيبَة من حَدِيث الرّبيع: ( بَدَأَ بمؤخره ثمَّ مد يَدَيْهِ على ناصيته) .
وَعند الطَّبَرَانِيّ: ( بَدَأَ بمؤخر رَأسه ثمَّ جَرّه إِلَى مؤخره) .
وَعند أبي دَاوُد: ( يبْدَأ بمؤخره ثمَّ بمقدمه وبإذنه كليهمَا) .
وَفِي لفظ: ( مسح الراس كُله من قرن الشّعْر كل ناحيته لمنصب الشّعْر لَا يُحَرك الشّعْر عَن هَيئته) .
وَفِي لفظ: ( مسح رَأسه كُله وَمَا أقبل وَمَا أدبر وصدغيه) .
وَعند الْبَزَّار من حَدِيث أبي بكرَة يرفعهُ: ( تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) وَفِيه: ( مسح بِرَأْسِهِ يقبل بِيَدِهِ من مقدمه إِلَى مؤخره وَمن مؤخره إِلَى مقدمه) .
وَعند ابْن نَافِع من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ( وضع يَدَيْهِ على النّصْف من رَأسه ثمَّ جرهما إِلَى مقدم رَأسه ثمَّ أعادهما إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وجرهما إِلَى صدغيه) .
وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث أنس: ( أَدخل يَده من تَحت الْعِمَامَة فَمسح بِمقدم رَأسه) .
وَفِي كتاب ابْن السكن: ( فَمسح بَاطِن لحيته وَقَفاهُ) .
وَفِي ( مُعْجم) الْبَغَوِيّ وَكتاب ابْن ابي خَيْثَمَة: ( مسح رَأسه إِلَى سالفته) .
وَفِي كتاب النَّسَائِيّ عَن عَائِشَة، ووصفت وضوءه، عَلَيْهِ السَّلَام، وَوضعت يَدهَا فِي مقدم رَأسهَا ثمَّ مسحت إِلَى مؤخره، ثمَّ مدت بِيَدَيْهَا بأذنيها، ثمَّ مدت على الْخَدين.
فَهَذِهِ أوجه كَثِيره يخْتَار المتوضىء أَيهَا شَاءَ، وَاخْتَارَ بعض أَصْحَابنَا رِوَايَة عبد الله بن زيد..
     وَقَالَ  بَعضهم: فِي قَوْله: بَدَأَ بِمقدم رَأسه، حجَّة على من قَالَ: السّنة أَن يبْدَأ بمؤخر الرَّأْس الى ان يَنْتَهِي الى مقدمه.
قلت: لَا يُقَال: إِن مثل هَذَا حجَّة عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ ورد فِيهِ الْأَوْجه الَّتِي ذَكرنَاهَا الْآن، وَالَّذِي قَالَ: السّنة أَن يبْدَأ بمؤخر الرَّأْس اخْتَار الْوَجْه الَّذِي فِيهِ البداء بمؤخر الرَّأْس، وَله أَيْضا أَن يَقُول: هَذَا الْوَجْه حجَّة عَلَيْك أَيهَا الْمُخْتَار فِي الْبدَاءَة بالمقدم.

التَّاسِع: فِيهِ غسل الرجلَيْن إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَالْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْمرْفقين.

الْعَاشِر: فِيهِ جَرَيَان التلطف بَين الشَّيْخ وتلميذه فِي قَوْله: ( أتستطيع أَن تريني) إِلَى آخِره.

الْحَادِي عشر: فِيهِ جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي إِحْضَار المَاء من غير كَرَاهَة.

الثَّانِي عشر: فِيهِ التَّعْلِيم بِالْفِعْلِ.

الثَّالِث عشر: فِيهِ أَن الاغتراف من المَاء الْقَلِيل لَا يصير المَاء مُسْتَعْملا، لِأَن فِي رِوَايَة وهيب وَغَيره: ثمَّ أَدخل يَده.

الرَّابِع عشر: فِيهِ اسْتِيعَاب مسح الرَّأْس، وَلَكِن سنة لَا فرضا، كَمَا قَرَّرْنَاهُ.

الْخَامِس عشر: فِيهِ الِاقْتِصَار فِي مسح الرَّأْس على مرّة وَاحِدَة.