هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1699 وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ ، فَقِيلَ : مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا ، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا ثُمَّ قَالَ : يَا عُمَرُ ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ ؟
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1699 وحدثني زهير بن حرب ، حدثنا علي بن حفص ، حدثنا ورقاء ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة ، فقيل : منع ابن جميل ، وخالد بن الوليد ، والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا ، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله ، وأما العباس فهي علي ، ومثلها معها ثم قال : يا عمر ، أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه ؟
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Huraira reported that the Messenger of Allah (ﷺ) sent Umar for (collecting) Sadaqa (zakat), and it was said that Ibn Jamil, Khalid b. Walid and 'Abbas the uncle of the Messenger of Allah (ﷺ), refused (to pay it). Upon this the Messenger of Allah (ﷺ) said:

Ibn Jamil is taking revenge but for this that he was destitute and Allah made him rich. As regards Khalid, you are unjust to Khalid, for be reserved his armours and weapons for the sake of Allah, and as for 'Abbas, I shall be responsible for it and an equal amount along with it. And he again said: 'Umar, bear this in mind, the uncle of a person is like his father.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة، فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله.
وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله.
وأما العباس فهي علي ومثلها معها.
ثم قال يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه؟.



المعنى العام

شاء الله الحكيم الخبير أن يرزق بعض الناس من أيدي الناس، وأن يهب الغنى لقوم ليعطوا قوماً آخرين، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة أغنياء، لا يحتاج أحد لأحد، لكن لمصلحة البشر فضل بعضهم على بعض في الرزق، ليثاب الغنى المعطى عن عطائه، ويثاب الفقير على صبره ورضاه بقدره، جعل للفقراء حقاً في مال الأغنياء، وحق معلوم للسائل والمحروم، يؤخذ من الأغنياء فيرد إلى الفقراء، أوحى إلى نبيه مقدار حق الفقير في مال الغني، وهو قليل من كثير وكان من الحكمة أن يجعل نصاباً يعد الغني به غنياً: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة أي ليس على من لم يملك أربعمائة قدح من القمح أو الشعير أو الذرة أو التمر أو الزبيب زكاة.

وليس فيما دون خمس ذود صدقة.
أي ليس على من لم يملك خمسة من الإبل زكاة.

وليس فيما دون خمس أواق صدقة.
أي ليس على من لم يملك خمس أواق من الفضة زكاة.

وليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة.
فلا زكاة على السيد في عبيده وخيله، وهكذا أوضح الشرع الحكيم نصاب الزكاة وما به يعتبر الغني غنياً، وما يجب عليه من حق للفقير.

أما القدر المشروع، والحق المعلوم فهو العشر من الزروع والثمار التي تسقى بماء المطر دون كفاح أو تعب للزراع، ونصف العشر من الزروع والثمار التي تسقى بالآلات [الساقية أو الطنبور أو الدلو أو نحوها] .

ومع وضوح الحق الشرعي للفقير في مال الغني أعان الشارع الحاكم على النفوس الأمارة بالسوء، طلب الله من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ من أموال الأغنياء حقوق الفقراء: { { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } } [التوبة: 103] .

إن النفس البشرية شحيحة بما تملك، والشيطان يعدها الفقر، ويأمرها بالبخل والشح، وقليل منها الذي يجود من تلقاء نفسه.

ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يطلب حقوق الفقراء، ويبعث السعاة والعمال إلى القبائل في بلادهم ومضاربهم يجبون الزكاة، وكان يختار لهذه المهمة كبار المسلمين، لبعد الشبهة عنهم من جهة، ولقوة إيمانهم وقوة شخصيتهم من جهة أخرى، فيستحي منهم من يستحي، ويخشاهم من يخشى.

وكان من هؤلاء السعاة العاملين على الزكاة عمر بن الخطاب، خرج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إلى القوم، فمر بابن جميل وقد أغناه الله بعد فقر، آتاه من الإبل والبقر والغنم ما شاء، طالبه عمر بحق الفقراء، فبخل وتولى وأعرض وامتنع عن الدفع، ونصحه عمر فلم يسمع لنصح.
تحول عمر إلى خالد بن الوليد الفارس المشهور سيف الله المسلول، فوجد عنده خيلاً كثيرة، وأسلحة وفيرة، فطالبه بزكاتها؛ فقال خالد: لقد حبستها للجهاد.
فأصر عمر على أخذ زكاتها، فلم يستجب خالد.
فانصرف إلى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وعنده مال كثير، طلب منه الزكاة فاعتذر له.
فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو ثلاثتهم، فغضب صلى الله عليه وسلم على ابن جميل وقال: كيف ينسى أنه كان فقيراً فأغناه الله؟ واعتذر عن خالد والعباس.
أما خالد فلا زكاة على ماله الذي حبسه في سبيل الله.
وأما العباس فهو عمي والعم كالوالد وأنا أتحمل وألتزم عنه ما لزمه ومثله معه، لكنه قد أسلفنا زكاة ماله عامين، هذا العام والعام القابل.

وعلم الصحابة والمسلمون أن الزكاة لا عذر لأحد في عدم أدائها ولو كان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المباحث العربية

( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) أي زكاة، أي ليس في ذلك قدر محدد مفروض شرعاً.
والصدقة في الشرع وإن كانت تطلق على الزكاة الواجبة وعلى العطاء المتطوع به، بل شاعت عرفاً في التطوع، لكنها هنا مراد بها الزكاة المفروضة، والشرع يستعملها كثيراً كذلك، قال تعالى: { { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } } [التوبة: 103] ، وقال: { { إنما الصدقات للفقراء والمساكين... } } [التوبة: 60] .

والأوسق جمع وسق بفتح الواو وكسرها، لغتان، والفتح أشهر، ويجمع كذلك على أوساق كما هو لفظ الرواية الثالثة، والوسق: مكيال للحبوب كان يستخدم في العصر الأول، ويقدر بستين صاعاً، والصاع: مكيال كان معروفاً ومستعملاً أيضاً، ويقدر بأربعة أمداد.
والمد كذلك مكيال، ويقدر بملء كفين لإنسان معتدل الخلقة، وقد اختلف مسمى هذه المكاييل في العراق عنها في المدينة، فصاع المدينة خمسة أرطال وثلث الرطل بالبغدادي، وصاع العراق ثمانية أرطال بالبغدادي، وسواء كان المكيالان مختلفين حجماً على الحقيقة، أم متساويين حجماً، والخلاف لفظي سببه اختلاف وزن الأرطال، أو قدر قوم المكيل بموزون أثقل، والآخر بموزون أخف.
سواء أكان هذا أم ذاك فالذي يعنينا تقدير النصاب بما هو معلوم لنا في العصر الحديث، وقد قدره عالم موثوق به بأربعمائة قدح، وهي أربعة أرادب وويبة بالكيل المصري، فالكيلة المصرية على هذا ستة آصع، وهي تساوي أربعة وعشرين مداً.

والنصاب بالوزن أربعون وأربعمائة وألف رطل من القمح، ويوازي ثلاثة وخمسين وستمائة كيلو جراماً تقريباً، فالصاع بالوزن ( 2.
6)
كيلو جراماً.

وهذه المقادير تقريبية إذ بعض الحبوب أثقل من بعض، وبعض حفنات الرجال تغاير حفنات البعض.

( ولا فيما دون خمس ذود صدقة) الذود بفتح الذال وسكون الواو من الثلاثة إلى العشرة عند الأكثر، وقيل: إلى التسعة وهي كالنفر والرهط، لا واحد لها من لفظها، ولفظ خمس هنا بدون تاء.
قال سيبويه: تقول ثلاث ذود، لأن الذود مؤنث.
وقال النووي: رواه بعضهم خمسة ذود وكلاهما لرواة كتاب مسلم، والأول أشهر، وكلاهما صحيح في اللغة لانطلاقه على المذكر والمؤنث.
اهـ والمنقول أنه مؤنث.
فإثبات التاء في خمسة على المعنى والتأويل، وحكى في خمس ذود تنوين خمس على جعل ذود بدلاً منه، والمعروف إضافة ذود إلى خمس والإضافة بيانية، أي خمس هي ذود، كما تقول ثلاثة نفر، أي ثلاثة هم نفر.
وتمييز العدد هنا محذوف، والأصل خمس من الإبل، أو ذود من الإبل كما صرح به في الرواية الخامسة.

( ولا فيما دون خمس أواق صدقة) تمييز العدد محذوف، صرح به في الرواية الخامسة من الورق.
قال النووي: هكذا هو في الرواية الأولى أواقي بالياء، وفي باقي الروايات أواق بحذف الياء، وكلاهما صحيح.
قال أهل اللغة: الأوقية بالهمزة وتشديد الياء جمعها أواقي بتشديد الياء، وأواقي بتخفيف الياء، وأواق بحذفها: قال ابن السكيت في الإصلاح: كل ما كان من هذا النوع، واحده مشدداً جاز في جمعه التشديد والتخفيف، ومنه السرية والسراري.

ثم قال النووي: وأجمع أهل الحديث والفقه وأئمة أهل اللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون درهماً، وهي أوقية الحجاز.
قال القاضي عياض: ولا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوجب الزكاة في أعداد منها، ويقع بها البيوعات والأنكحة، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة.
قال: وهذا يبين أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمان عبد الملك بن مروان، وأنه جمعها برأي العلماء، وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانق، قول باطل، وإنما معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام وعلى صفة لا تختلف، بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم، وكانت صغاراً وكباراً، وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة، ويمنية ومغربية، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه، وتصييرها وزناً واحداً لا يختلف، وأعياناً، ليستغنى فيها عن الموازين، فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم.

قال القاضي: ولا شك أن الدراهم كانت حينئذ معلومة، وإلا فكيف كانت تعلق بها حقوق الله تعالى في الزكاة وغيرها؟ وحقوق العباد؟ ولهذا كانت الأوقية معلومة.

قال النووي: هذا كلام القاضي.
وقال أصحابنا: أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن المعروف، وهو أن الدرهم ستة دوانق، وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، ولم يتغير المثقال في الجاهلية والإسلام.
اهـ.

هذا، ولتحديد الأوقية ونصاب الفضة والذهب بحوث مستفيضة وآراء متشعبة عرض كثير منها الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه -فقه الزكاة- وانتهى إلى أن الدرهم 2.
975 من الجرامات، فنصاب الفضة ( 595) خمسة وتسعون وخمسمائة من الجرامات المعروفة في زماننا.

وأن المثقال من الذهب وزنه ( 4.
25)
أربعة جرامات وربع الجرام فنصاب الذهب ( 85) خمسة وثمانون جراماً.

وأولى الآراء بالقبول أن تقدر العملات الورقية المتداولة بالذهب، فعلى تقدير أن ثمن الجرام من الذهب الخالص ( 25) خمسة وعشرون جنيهاً مصرياً في هذه الأيام يكون النصاب ( 2125) خمسة وعشرين ومائة وألفين من الجنيهات المصرية، ويخرج منها ربع العشر.

( خمسة أوساق من تمر) قال النووي: وهو صحيح، جمع وسق بكسر الواو، كحمل وأحمال، وقد سبق أن الوسق بفتح الواو وبكسره.
اهـ.

( خمس أواق من الورق) قال أهل اللغة: يقال: ورق، وورق بكسر الراء وإسكانها، والمراد به هنا الفضة كلها، مضروبها وغيره.
واختلف أهل اللغة في أصله، فقيل: يطلق في الأصل على جميع الفضة.
وقيل: هو حقيقة المضروب دراهم، ولا يطلق على غير الدراهم إلا مجازاً، وهذا قول كثير من أهل اللغة.
ذكره النووي.

( وفيما سقى بالسانية نصف العشر) السانية الإبل التي يستقى عليها، وفي رواية البخاري وما سقى بالنضح نصف العشر، أي ما سقى باستخراج الماء بآلة أو بحيوان، فذكر الإبل كالمثال.

( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) في إحدى روايتي البخاري في غلامه بدل في عبده وهما بمعنى الرقيق.

( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة) أي بعثه ساعياً قابضاً للصدقات، والتعبير مشعر بأنها صدقة الفرض، لأن صدقة التطوع لا يبعث عليها السعاة.
وسيأتي تفصيل لذلك في فقه الحديث.

( فقيل) قائل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما صرح به في بعض روايات البخاري.

( منع ابن جميل) المفعول محذوف، أي منع الزكاة، وامتنع عن دفعها.
قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه.

( ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله) ما ينقم بكسر القاف، أي ما ينكر، أو ما يكره، وكان فقيراً فأغناه الله بما أفاء على رسوله وبما أبيح للمسلمين من الغنائم، وبرفع النفي والاستثناء يصبح المعنى: ينكر ابن جميل أنه كان فقيراً فأغناه الله؟ وإذا كان لا ينكر ذلك فلم يمتنع عن أداء الزكاة؟.

( وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً) بادعائكم أنه منع أداء واجب عليه، والمقصود خالد بن الوليد.

( قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله) احتبس أي حبس، والأدراع جمع درع، والأعتاد جمع عتد بفتح العين والتاء، كأزمان جمع زمن وهو ما يتأهب به للحرب من سلاح وخيل وآلات، أي وقف ملابسه الحربية ودوابه في سبيل الله، فلا زكاة عليه فيها، فليس مانعاً لما وجب عليه.

( وأما العباس فهي علي) أي لازمة لي ألتزم بإخراجها عنه.

( ومثلها معها) أي وألتزم بمثل ما وجب عليه بالإضافة إلى ما وجب.

( أما شعرت) أي ما علمت علماً محسوساً يمس البدن ويحسه الإنسان.

( أن عم الرجل صنو أبيه) أي مثل أبيه، فابن أخيه مثل ابنه.

فقه الحديث

أحاديث الباب تعرضت لزكاة أنواع الزروع والثمار، وزكاة الماشية، وزكاة الفضة، وليس معنى ذلك عدم الزكاة فيما لم تتعرض له، فليس فيها حصر ولا قصر، وقد أجمع العلماء على وجوب الزكاة في بعض ما لم يذكر كالذهب واختلفوا في بعض آخر، كما سيأتي.

ومن هنا سنتناول موضوع الزكاة بصفة عامة، محاولين استيفاء دليل كل فريق، وعلى الله قصد السبيل.

وقبل الخوض في الخلاف نؤكد ما هو معلوم من أنه لا خلاف في مشروعية صدقة التطوع في أي صنف من الأموال، وأن مراد من قال بعدم وجوب الزكاة في صنف ما أن مالكه لا يأثم بالامتناع من التصدق.
فالخلاف في إثم الممتنع من زكاة الأصناف المختلف فيها وعدم إثمة، وليس في مشروعية الصدقة والإثابة عليها.

ويمكن تقسيم الأموال المتداولة بين الناس إلى خمسة أقسام:

مزروعات ومواشي ونقد وعروض تجارة وركاز:

أما المزروعات: فيقسمها العلماء إلى: ثمار وزروع، وهذا التقسيم للضبط، وإلا فالثمار نتاج شجر مزروع، لكنها لما كان النتاج متكرراً مع بقاء أصل الشجرة فرق بينه وبين النتاج الذي يقطع مع شجره .

والثمار كثيرة الأنواع منها ثمر النخل وثمر الكرم والتين والتفاح والسفرجل والرمان والخوخ والمشمش والجوز واللوز والموز والبرتقال واليوسفي والليمون والمانجو والكمثرى وغيرها كثير وكثير.

والشافعية على أن الزكاة تجب في ثمر النخل والكرم فقط، ولا تجب فيما سوى ذلك من الثمار، ويستدلون بما رواه أبو داود والترمذي والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في الكرم أنها تخرص كما يخرص النخل، فتؤدى زكاته زبيباً كما تؤدى زكاة النخل تمراً.

قالوا: ولأن ثمرة النخل والكرم تعظم منفعتهما، لأنهما من الأقوات والأموال المدخرة المقتاتة وتجب الزكاة في الزروع عند الشافعية في كل ما يقتات به عادة وفي غير الضرورة كالحنطة والشعير والدخن والذرة والأرز والعدس واللوبيا والحمص والباقلا، ولا تجب في الكمون والكراويا والكزبرة والسمسم وبذر القطن وبذر الكتان وبذر الفجل وغير ذلك مما يشبهه، كما لا تجب في الخضراوات والبقول والقثاء والبطيخ ونحوها.

قال النووي: وبهذا كله قال مالك وأبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة وزفر: يجب العشر في كل ما أخرجته الأرض إلا الحطب والقصب الفارسي والحشيش الذي ينبت بنفسه.

قال العبدري: وقال الثوري وابن أبي ليلى: ليس في شيء من الزروع زكاة إلا التمر والزبيب والحنطة والشعير.
وقال أحمد: يجب العشر في كل ما يكال ويدخر من الزرع والثمار، فأما ما لا يكال كالقثاء والبصل والخيار والبطيخ والرياحين وجميع البقول فليس فيها زكاة.

وقال داود: ما أنبتته الأرض ضربان: موسق، وغير موسق، فما كان موسقاً وجبت الزكاة فيما بلغ منه خمسة أوسق، ولا زكاة فيما دونها، وما كان غير موسق ففي قليله وكثيره الزكاة فتحصل من هذا:

1- وجوب الزكاة في النخل والعنب والحنطة والشعير عند الجميع.

2- يضيف الشافعية والمالكية وأبو يوسف ومحمد إلى ما سبق كل ما يقتات به عادة ويدخر من الحبوب كالأرز والذرة والحمص.

3- يعمم الإمام أحمد الزكاة في كل ما يكال ويدخر من الزروع والثمار.

4- يستقل أبو حنيفة بالقول بوجوب الزكاة في جميع الثمار، وفي الخضراوات، ويشاركه في ذلك داود الظاهري ولا يوافقه الشافعية والمالكية والحنابلة.

وقد حاول بعض العلماء ترجيح مذهب أبي حنيفة باعتباره أنفع للفقير، وهذا الاعتبار مردود، لأن المشرع أعلم بالفقير وأرحم به من كل المخلوقات، فالاعتبار للشرع أولاً، ولا اعتبار لشيء ورد الشرع بخلافه.

والغريب أنه قال عن حديث: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة.
إنه ضعيف مع أنه في الصحيحين متفق عليه.

إن مذهب أبي حنيفة يعوزه الدليل، بل هو مخالف للدليل الشرعي، فقد روى البيهقي حديث معاذ عن الخضر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عنها.
قال النووي: ورواه الترمذي مختصراً: أن معاذاً كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات وهي البقول، فقال: ليس فيها شيء.
قال الترمذي: ليس إسناده بصحيح.
قال: وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شيء.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم، أنه ليس في الخضراوات صدقة.
وقال البيهقي بعد أن روى هذا الحديث وأحاديث مراسيل: هذه الأحاديث كلها مراسيل إلا أنها طرق مختلفة، فيؤكد بعضها بعضاً، ومعها قول الصحابة رضي الله عنهم.
اهـ.

وأقوى ما يرد به على أبي حنيفة أن الخضراوات كانت تزرع في المدينة في عهده صلى الله عليه وسلم ولم يثبت أنه أخذ منها زكاة، وبالتالي لم يثبت أنه أعطى فقيراً كمية من البصل أو الثوم كزكاة مثلاً، ولو حصل مرة لنقل إلينا، على أن الأصل عدم الوجوب، والوجوب لا يثبت إلا بالدليل، ولا دليل، والإمام مالك، وهو الذي يعتمد عمل أهل المدينة، قال بعدم وجوب الزكاة في الخضراوات مما يؤكد أن عمل أهل المدينة على خلاف مذهب أبي حنيفة.
والله أعلم.

وقد اختلف الشافعية في وجوب الزكاة في الزيتون بناء على أن الشافعي قال في القديم: تجب فيه الزكاة، معتمداً قول ابن عباس: في الزيتون الزكاة.
وقال في الجديد: لا زكاة فيه، لأنه ليس بقوت فأشبه الخضراوات.

قال النووي: والقولان مشهوران، والأصح أنه لا زكاة فيه.

قال البيهقي: ولم يثبت في الزيتون إسناد تقوم به حجة، والأصل عدم الوجوب، ولا زكاة فيما لم يرد فيه حديث صحيح، أو كان في معنى ما ورد به حديث صحيح.
اهـ

أما الإمام مالك: فلم يتردد في القول بوجوب الزكاة في الزيتون.

وألحق بالزروع والثمار العسل على اعتبار أن النحل يعيش غالباً في الأشجار ويقتات من الزروع والثمار، وقد اختلف في زكاته الشافعية على قولين: أصحهما: عدم الوجوب، لأنه لم يثبت بوجوبه خبر صحيح، ولأنه مائع خارج من حيوان، فأشبه اللبن، واللبن لا زكاة فيه بالإجماع، وعلى هذا القول الإمام مالك، أما أبو حنيفة فقال بوجوب الزكاة في العسل إذا لم يكن بأرض خراج، وأما الإمام أحمد فقال بوجوب الزكاة فيه سواء أكان في أرض خراجية أو غير خراجية، وأدلتهم مبسوطة في كتب الفروع.

وقد بينت الرواية السادسة مقدار ما يخرج من زكاة الزروع والثمار، وهو العشر فيما سقى بغير مئونة، ونصف العشر فيما سقى بمئونة ثقيلة كالنواضح والدواليب.
قال النووي: وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين.
ونقل البيهقي الإجماع فيه.

كما وضحت الروايات الخمس الأولى أنه لا زكاة إلا إذا بلغ الزرع أو الثمر نصاباً وهو خمسة أوسق، وقد وضحنا الوسق والنصاب في المباحث العربية.

وقال النووي: وتضم ثمار العام الواحد بعضها إلى بعض في إكمال النصاب وإن اختلفت أوقاته، ولا خلاف أن ثمرة العام الثاني لا تضم إلى الأول في إكمال النصاب.

بقى في زكاة الزروع والثمار مسألتان:

الأولى: أنه لو كانت الأرض مؤجرة فهل تجب الزكاة على المالك؟ أو على المستأجر؟ أو على كل منهما؟.

قال النووي: وإذا أجر أرضه فمذهبنا أن عشر زرعها على المستأجر الزارع، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد وداود.
وقال أبو حنيفة يجب على صاحب الأرض.

ولو استعار أرضاً فزرعها فعشر الزرع على المستعير عندنا وعند العلماء كافة، وعند أبي حنيفة روايتان، أشهرهما هذا، والثانية على المعير.
وهذا عجب.
اهـ.

والشيخ القرضاوي في كتابه فقه الزكاة يرى المالك والمستأجر شريكين في إخراج الزكاة ( يقصد المستأجر بالنقود المحددة) ويوزع نصيب كل منهما توزيعاً جديداً أيضاً، فيقول: إيجار الأرض عشرين جنيهاً مثلاً، وأخرجت من القمح عشر أرادب، وكان الأردب يساوي خمسة جنيهات.
فيكون مقدار الخارج 10×5= 50 جنيهاً، فإنه يخرج عن ستة أرادب فقط، والأربعة الأخرى تطرح مقابل الإيجار.

والجزء الذي طرح من نصيب المستأجر الزارع -وهو ما يقابل الأجرة من المحصول والذي أعفي من زكاته- دخل في نصيب المالك وأدى عنه الزكاة الواجبة، وهو أحق بها وأولى بأدائها من المستأجر في هذا القدر.

وهذا الرأي يميل نحو مذهب أبي حنيفة إلى حد كبير، وكل ما يرد على أبي حنيفة يرد عليه، يرد عليه محاذير أخرى لا ترد على أبي حنيفة، فأبو حنيفة حينما جعل الزكاة على المالك ربطها بنتاج أرضه وملكه، ترتفع بارتفاع ما أعطى الله، وتنخفض بانخفاضه، فتكون شكراً ونماء، وإن كانت الزيادة لم تعد على المالك حينئذ، لكنها ستعود إليه في سمعة أرضه وزيادة الرغبة فيها بخلاف هذا الرأي الجديد، فالزكاة على أجرة محددة زادت الغلة والعطية من الله للزارع أو نقصت ما دامت تبلغ نصاباً، فتحولت الزكاة بالنسبة للمالك حينئذ إلى زكاة النقود بدلاً من زكاة الزروع، فلا يقبل عقلاً ولا شرعاً حينئذ أن يدفع المالك عشر الإيجار أو نصف عشره -كما قرر صاحب الرأي- وإنما زكاته الشرعية ربع العشر إن كانت عليه زكاة في هذا المال.

أما قياس الأجرة العينية المحددة التي يتقاضاها المالك من المستأجر على المقدار غير المحدد الذي يحصل عليه المالك في المزارعة، فهو قياس فاسد، فشتان بين المقيس والمقيس عليه، شتان بين قابل للزيادة والنقص وبين ما لا يقبل.

إن أبا حنيفة لم يوجب على المالك زكاة إذا لم تخرج الأرض ما يزكى، ومقتضى هذا الرأي أن المالك يدفع زكاة ما حصل عليه من الأجرة ولو لم تخرج الأرض شيئاً، إذ لا فرق بالنسبة له بين أن تنتج الأرض أو لا تنتج.

تلك محاذير توجه إلى هذا الرأي بالإضافة إلى كل المحاذير الموجهة لأبي حنيفة، وهي كثيرة ووجيهة، ومذكورة في كتب الفروع، فمن أرادها فليرجع إليها.

المسألة الثانية:الزكاة والخراج: والخراج هو ما يدفعه واضع يده على أرض ملك للدولة في مقابل الانتفاع بها لا على طريق الإجارة.

قال النووي: وتكون الأرض خراجية في صورتين.

إحداهما: أن يفتح الإمام بلدة عنوة وقهراً [أي حارب أهلها المسلمين ولم يعقدوا معهم صلحاً، بل حكم بينهم وبين المسلمين السيف وحده، فتصبح أموال البلد ملكاً وغنيمة] المفروض أن يقسمها الإمام بين الغانمين، لكنه قد يعوضهم عنها بعوض آخر، ثم يقفها على المسلمين [جميعاً، المعاصرين والذين لم يلحقوا بهم، أي تصبح ملكاً للدولة] ويضرب عليها خراجاً [نقداً أو غلة يقدر حسب طاقة الأرض، يدفعه للدولة أهل الأرض الأولون -بعد أن يقرهم الإمام عليها- في مقابل انتفاعهم واستثمارهم لها] .

الثانية: أن يفتح بلدة صلحاً على أن الأرض للمسلمين [ملكاً] ويسكنها الكفار بخراج معلوم، فالأرض تكون فيئاً للمسلمين، والخراج أجرة لها، لا تسقط بإسلامهم، وكذا إذا انجلى الكفار عن بلدة، وقلنا: إن الأرض تصير وقفاً على المسلمين، يضرب عليها خراج يؤديه من سكنها، مسلماً كان أو ذمياً.

قال: وأما البلاد التي فتحت قهراً وقسمت أرضها بين الغانمين، وثبتت في أيديهم، وكذا التي أسلم أهلها عليها، والأرض التي أحياها المسلمون فكلها عشرية، وأخذ الخراج منها ظلم.
اهـ.

قال صاحب المغني : لم نعلم شيئاً مما فتح عنوة قسم بين المسلمين إلا خيبر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم نصفها، فصار ذلك لأهله الذين قسم عليهم لا خراج عليه.
وسائر ما فتح عنوة مما فتحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده كأرض الشام والعراق ومصر وغيرها لم يقسم منه شيء اهـ.

هذه الأرض الخراجية التي يدفع واضعو اليد عليها خراجاً للدولة يجب عليهم أن يخرجوا زكاة ما يخرج منها عند الجمهور.

قال النووي: اتفق الأصحاب على أن الخراج لا يسقط الزكاة، وبه قال جمهور العلماء.

قال ابن المنذر: هو قول أكثر العلماء، وممن قال به: مالك والليث وأحمد وداود.
وقال أبو حنيفة: لا يجتمع عشر وخراج، فلا زكاة عليها.
اهـ.

وساق النووي أدلة أبي حنيفة ورد عليها بما لا يسمح به المقام.

أما زكاة الماشية: فلا تجب إلا في ثلاثة أنواع منها، هي: الإبل والبقر والغنم، لأن الأخبار وردت بإيجاب الزكاة فيها، ولأن الإبل والبقر والغنم تكثر منافعها، ويطلب نماؤها بالكبر والنسل، فاحتملت المواساة في الزكاة، ولا تجب فيما سوى ذلك من المواشي كالبغال والحمير، وفي زكاة الخيل خلاف يأتي تفصيله قريباً.
وللزكاة في هذه الأنواع شرطان متفق عليهما وشرطان مختلف فيهما نعرضها بإيجاز:

الشرط الأول: أن تبلغ نصاباً وقد حددت الروايات الأولى والثانية والرابعة والخامسة نصاب الإبل بخمس، وحددت رواية البخاري النصاب لكل، وما يؤخذ منها للزكاة في حديث طويل، قسمه البخاري على الأبواب كل قطعة منه في الباب المناسب، ولا خلاف بين العلماء في اشتراط هذا الشرط، فليس فيما دون النصاب زكاة بالإجماع المستند إلى الأحاديث الصحيحة.

الشرط الثاني: أن يحول الحول على النصاب، لأن ما دون الحول يحتمل المواساة ولا يعتبر صاحبه من الأغنياء، فإن نقص أثناء الحول ولو واحدة من المواشي ولو لفترة قصيرة لم تجب الزكاة.
قال صاحب المهذب: فإن كان عنده نصاب فهلك منه واحد أو باعه انقطع الحول، فإن نتج له واحد أو رجع إليه ما باعه استأنف الحول، وإن نتجت واحدة ثم هلكت واحدة لم ينقطع الحول، لأن الحول لم يخل من نصاب.

وقال النووي: اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن بقاء الماشية في ملكه حولاً كاملاً شرط الزكاة، فلو زال الملك في لحظة من الحول ثم عاد انقطع الحول، واستأنف الحول من حين يجدد الملك.
اهـ.

وإذا كان عنده نصاب من الماشية فتوالدت أثناء الحول ضمت إلى الأمهات في الحول وعدت معها إذا تم حول الأمهات، وأخرج عنها وعن الأمهات زكاة المال الواحد، لما رواه مالك في الموطأ والشافعي بإسنادهما الصحيح عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أعتد عليهم بالسخلة التي يروح بها الراعي على يديه.
وعن علي رضي الله عنه: عد الصغار مع الكبار.
ولأنه من نماء النصاب وفوائده، فلم ينفرد بالحول.

فالصغار تضم إلى الكبار في الحول، وتزكى لحولها، وتجعل كأنها موجودة معها في جميع الحول بشرطين:

أن تولد قبل تمام حول الكبار، وأن تكون الكبار بدونها نصاباً، ولا تضم للحول صغار مشتراة.
هذا مذهب الشافعية.
وقال أبو حنيفة: تضم الصغار إلى النصاب، سواء كانت متولدة منه أم اشتراها وتزكى بحول الكبار.

وقال مالك: إذا كان عنده عشرون من الغنم -أي دون النصاب- فولدت أثناء الحول وبلغت نصاباً زكى الجميع من حين ملك الكبار، وإن اشترى صغاراً مولودة من غير كباره لم تضم.

وعن أحمد رواية كمالك، ورواية كالشافعية.

وقال داود: لا زكاة في السخال -أي الصغار- سواء كانت تابعة أم مستقلة، ولا ينعقد عليها حول، لأن اسم الشاة لا يقع عليها غالباً.

الشرط الثالث: أن تكون سائمة، أي راعية في كلأ مباح أكثر العام، وقد ورد وصف السوم في صحيح البخاري، ولفظه: في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين منها شاة.

وقيس الإبل والبقر في اشتراط السوم على الغنم، وما ورد من أحاديث مطلقة خالية من السوم فهو محمول على ما ورد فيه السوم حملاً للمطلق على المقيد.

هذا ما قاله الجمهور، وأوجب مالك الزكاة في المعلوفة واعتبرها كالسائمة سواء بسواء عملاً بالأحاديث المطلقة، وأجاب عن الأحاديث التي ورد فيها السوم بأنها خرجت مخرج الغالب، وليس قيداً وشرطاً.

الشرط الرابع: أن لا تكون الإبل أو البقر عاملة في الحرث وسقي الزرع وحمل الأمتعة والماء، أما ما كان معداً للعمل فهو كالثياب والعبيد والدار والدابة مقصود به نفع مالكه وكفايته وحاجته، فلا زكاة فيه عند جمهور الفقهاء، وخالفهم مالك فقال بوجوب الزكاة فيها، ولم يفرق بين العاملة وغير العاملة كما لم يفرق بين السائمة وغير السائمة.

أما الخيل فلا زكاة فيها مطلقاً عند الشافعية وأبي يوسف ومحمد وأحمد وحكى عن مالك والليث أيضاً.
أما أبو حنيفة فيوافق الجمهور في الخيل المعدة للركوب أو للجهاد أو للحمل، فلا زكاة عليها سواء أكانت سائمة أو غير سائمة، ويخالفهم في الخيل التي تربى للنسل والنتاج، فيوجب فيها الزكاة بشرط أن تكون إناثاً كلها، أو ذكوراً وإناثاً، أما إذا كانت كلها ذكوراً فلا زكاة فيها عنده لعدم صلاحيتها للتناسل والنمو والتكثير.
ويعتبر فيها الحول دون النصاب.
قال: ومالكها بالخيار، إن شاء أعطى عن كل فرس ديناراً، وإن شاء قومها وأخرج ربع عشر قيمتها.

وحجة الجمهور حديث أبي هريرة -روايتنا السابعة: ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة.
وهو متفق عليه، فالذكور والإناث والمعد للركوب والمعد للتناسل كل ذلك يستوي في الدخول في كونه فرسه وما يدعيه البعض من أن قوله: فرسه.
يشعر أنه فرسه الذي يركبه ويجاهد عليه ادعاء بعيد، بل العكس هو الصحيح، فإن الفرس الذي يركبه والذي يجاهد عليه يمكن إضافته إلى وظيفته، فيقال: فرس الركوب وفرس الجهاد، ولا كذلك المعد للنسل، فليس له إلا أن يقال عنه فرسه.

كما أن تأييد أبي حنيفة بأن ظاهر الحديث وعمومه لكل فرس غير مراد بدليل اتفاقهم على إيجاب الزكاة فيما اتخذ للتجارة من الخيل، هذا التأييد لا يفيد، لأن كل العروض التي لا زكاة فيها -ومنها الخيل- إذا استعملت في التجارة وجبت فيها الزكاة، وموطن النزاع الخيل في غير التجارة والحديث صريح في عدم وجوب الزكاة فيها.

وأما قولهم: إن السكوت عن إيجاب الزكاة فيها بلفظ صريح لا يدل على عدم الوجوب جزماً، فقد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة في نقود الفضة بالنص الصريح، ولم يصح عنه في الذهب مثل ذلك، ففي هذا القول بعد شديد عن موطن النزاع، لأن الذي معنا ليس سكوتاً عن إيجاب الزكاة فيها بلفظ صريح بل الذي معنا نفي وجوب الزكاة فيها بلفظ صريح ومتفق عليه.

وأما استدلالهم بحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في الخيل السائمة في كل فرس دينار.
فهو لا ينهض لمقاومة الحديث الصحيح، فقد قال الدارقطني: تفرد به عورك وهو ضعيف جداً.
والله أعلم.

وأما النصاب وما يؤخذ زكاة من هذه الأصناف فقد حددتها السنة النبوية قولاً وعملاً:

فنصاب الإبل أوله خمس، ولا شيء فيما دون الخمس بالإجماع، وروايتنا الخامسة صريحة في ذلك: ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة.
وزكاة الخمس شاة جذعة من الضأن -وهي ما استكملت سنة ودخلت في الثانية على الأصح، وقيل: هي ما استكملت ستة أشهر- أو ثنية من المعز، وهي ما استكملت سنتين ودخلت في الثالثة، وقيل: هي ما استكملت سنة واحدة.
وإن أخرج أنثى أجزأ بلا خلاف، إذ هي أفضل من الذكر عند التربية، وإن أخرج ذكراً أجزأ على القول الراجح عند الجمهور.

فإن بلغت الإبل عشراً ففيها شاتان، وما بين الخمس والعشر [ويعرف عند الفقهاء بالوقص -بفتح الواو وفي القاف لغتان الفتح والإسكان، وبالوقس بالسين، كما يعرف بالشنق] لا زكاة فيه عند الجمهور، شأنه شأن ما قبل الخمس، قال الشافعي: ليس في الشنق من الإبل والبقر والغنم شيء.
والحاصل أن الوقص يطلق على ما لا زكاة فيه سواء كان بين نصابين أو دون النصاب الأول، لكن أكثر ما يستعمل فيما بين النصابين.

وما ذكرناه من أن الأوقاص لا زكاة فيها هو الأصح عند الشافعية، وحكاه العبدري عن أبي حنيفة ومحمد وأحمد وداود، وهو الصحيح في مذهب مالك، وعن مالك في رواية أن فيها الزكاة.
وهو قول غير عملي، ولم يؤثر أنهم أخذوا في ست من الإبل شاة وخمس شاة.

والفرق بين الأوقاص أنها تلغى ولا زكاة فيها، وبين ما زاد على النصاب في المعشرات والذهب والفضة حيث إنها لا تلغى ويجب فيها الزكاة أن الشرع لم يحدد فيها تسلسلاً في النصاب كما حدد في النعم، فكان ما زاد على النصاب فيها تابعاً للنصاب.
والله أعلم.

فإن بلغت الإبل خمس عشرة ففيها ثلاث شياه.

فإن بلغت عشرين ففيها أربع شياه.

فإن بلغت خمساً وعشرين ففيها ناقة بنت مخاض -وهي التي أكملت سنة ودخلت في الثانية- أو ابن مخاض، والمخاض الحمل، وسمى بذلك لأن أمه بعد السنة تلحق بالحوامل غالباً، ولا يزال ابن مخاض حتى يدخل في الثالثة.

قال النووي: أجمعوا على أن الواجب في أربع وعشرين فما دونها الغنم، وأجمعوا على أن في خمس وعشرين بنت مخاض.
إلا ما روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: فيها خمس شياه، فإذا صارت ستاً وعشرين ففيها بنت مخاض.
قال ابن المنذر: ولا يصح عن علي.

فإن بلغت الإبل ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون أو ابن لبون، وهو ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة، قالوا: سمي بذلك لأن أمه وضعت غيره وصارت ذات لبن غالباً، ولا يزال ابن لبون حتى يدخل في السنة الرابعة.

فإن بلغت الإبل ستاً وأربعين ففيها حقة، وهي ما استكملت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، قالوا: سميت بذلك لأنها استحقت أن يحمل عليها وتركب ويطرقها الفحل فتحمل منه ولا تزال حقة حتى تدخل في السنة الخامسة.

فإن بلغت إحدى وستين ففيها جذعة، وهي ما استكملت أربع سنين ودخلت في الخامسة ولا تزال جذعة حتى تدخل في السادسة.

وهي آخر الأسنان المنصوص عليها في زكاة الإبل.

فإن بلغت ستاً وسبعين ففيها بنتاً لبون.

فإن بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان

فإن بلغت واحدة وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون.

وعلى هذه الأعداد وهذه المقادير انعقد الإجماع.
أما الأعداد والمقادير الآتية فقد خالف فيها أبو حنيفة.

أما الجمهور فقال: بعد هذا يستقر تسلسل النصاب، فيجب في كل أربعين: بنت لبون، وفي كل خمسين: حقة، فيجب في مائة وثلاثين: بنتاً لبون وحقة، فيتغير الفرض هنا بتسعة، ثم يتغير بعشرة عشرة أبداً، ففي مائة وأربعين: حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين: ثلاث حقاق، وفي مائة وستين: أربع بنات لبون، وفي مائة وسبعين: ثلاث بنات لبون وحقة.
وفي مائة وثمانين: حقتان وبنتاً لبون، وفي مائة وتسعين: ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي مائتين: أربع حقاق أو خمس بنات لبون، وفي مائتين وعشر: أربع بنات لبون وحقة، وفي مائتين وعشرين: حقتان وثلاث بنات لبون، وفي مائتين وثلاثين: ثلاث حقاق وبنتاً لبون، وعلى هذا أبداً.

وأما أبو حنيفة فقال: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين تستأنف الفريضة، فتعود الزكاة إلى الغنم، في خمس: شاة، وفي عشر: شاتان، وفي خمس عشرة: ثلاث شياه، وهكذا تعاد المقادير السابقة الذكر، فمن ملك مائة وخمساً وعشرين فزكاته حقتان وشاة، ومن ملك مائة وثلاثين فزكاته حقتان وشاتان.
وهكذا.

واستدل الجمهور ومالك والشافعي وأحمد بما ثبت في البخاري من حديث أنس: أن أبا بكر رضي الله عنه كتب هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم -هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله....
إلى آخر الحديث الطويل الذي قسمه البخاري على أنواع الماشية، وجمعه النووي في مكان واحد وفيه: فإذا زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.

كما استدلوا بحديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة ولم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه، فلما قبض عمل به أبو بكر حتى قبض، وعمر حتى قبض.
وفيه نحو ما في حديث أنس.
قال النووي: رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.

أما أبو حنيفة فقد استند إلى حديث عمرو بن حزم، وقد رواه أبو داود في المراسيل وضعفه كثير من العلماء، وقال بنسخه بعض المحققين على أساس أن استعمال عمرو بن حزم على نجران كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بمدة، وأما كتاب الصديق أبي بكر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه ولم يخرجه إلى العمال حتى أخرجه أبو بكر.
والله أعلم.

ومن دراسة جدول الإبل نجد الشريعة الإسلامية قد راعت في نظامها الاقتصادي تشجيع إنتاج الثروة الحيوانية، فلم تجعل الزكاة كالضريبة التصاعدية التي تتبناها النظم الاقتصادية المعاصرة، ولم تثبتها كلها على مقدار واحد كما هو الحال في زكاة النقدين -الذهب والفضة.
وإنما شجعت المستثمرين في تربية الإبل فأفسحت كثيراً فترة السماح بين النصابين، فبينما نرى الأوقاص التي لا زكاة فيها أربعة من الإبل بين الخمسة والعشرة وبين العشرة والخمسة عشر، نرى الأوقاص التي لا زكاة فيها قد أصبحت عشرة بين الخمسة والعشرين والستة والثلاثين، ثم أصبحت أربعة عشر بين الستة والأربعين وبين الواحد والستين، ثم أصبحت تسعة وعشرين بين الواحد والتسعين والمائة والواحد والعشرين، فامتدت فترة السماح من أربعة إلى عشرة ثم إلى أربعة عشر، ثم إلى تسعة وعشرين، وسنرى قريباً من ذلك في زكاة البقر، وأكثر من ذلك بكثير في زكاة الغنم، مما يشجع على زيادة الإنتاج ويئول إلى كون الضريبة تنازلية في واقع الأمر، وقد لاحظ رجال الاقتصاد المعاصر هذه الظاهرة الكريمة، فكتبوا عنها جزاهم الله خيراً.

ونصاب البقر أوله ثلاثون، بإجماع المذاهب الأربعة، وفيها تبيع، وهو الذي له سنة، قيل: سمي تبيعا لأنه يتبع أمه، وقيل: لأن قرنيه يتبعان أذنيه، والأنثى تبيعة، ويقال لها: جذءة.
ثم لا شيء فيما زاد على الثلاثين حتى تبلغ أربعين وفيها مسنة، وهي التي لها سنتان، وسميت مسنة لزيادة سنها، ويقال لها: ثنية، ثم لا شيء فيما زاد على الأربعين حتى تبلغ الستين، وفيها تبيعان، ثم يستقر الحساب بعشرة عشرة، ففي سبعين: تبيع عن ثلاثين ومسنة عن أربعين، وفي ثمانين: مسنتان، وفي تسعين: ثلاثة أتبعة، وفي مائة: تبيعان عن ستين ومسنة عن أربعين، وفي مائة وعشرة: مسنتان عن ثمانين وتبيع عن ثلاثين، وفي مائة وعشرين: ثلاثة مسنات أو أربعة أتبعة، وفي مائة وثلاثين: ثلاثة أتبعة عن تسعين ومسنة عن أربعين، وفي مائة وأربعين: مسنتان عن ثمانين وتبيعان عن ستين، وفي مائة وخمسين: خمسة أتبعة.
وهكذا أبداً.

وخالف أبو حنيفة في الرواية المشهورة عنه، فقال: ما زاد على الأربعين فبحسابه؛ في كل بقرة ربع عشر مسنة، فليست عنده أوقاص، ويعمل القيمة في الزكاة بدلاً من أصل المزكى.

وزكاة البقر واجبة بالإجماع المستند إلى السنة، فقد روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أنهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده -أو- والذي لا إله غيره -كما حلف- ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها إلا أتي بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه تطؤه بأخفافها، وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس.

وحجة الجمهور ما رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأمرني أن أخذ من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة.

وهناك أقوال أخرى في نصاب البقر ومقدار زكاته رأينا عدم التعرض لها مخافة التطويل، فمن أرادها فليرجع إليها في كتب الفقه.

وواضح من قول الجمهور أن الشريعة الإسلامية قد شجعت تربية هذا النوع من الماشية بإعطاء فترة سماح خالية من الزكاة بصفة عامة.
تسع من البقر بين كل فرضين، وفترة سماح أطول بين الأربعين والستين فوصل الوقص إلى تسع عشرة، والاحتفاظ بفترة السماح بين كل فرضين مهما بلغ العدد يجعل للشريعة الإسلامية ميزة منفردة عن نظم العالم المعاصر التي تفرض الضرائب تصاعدياً مما يتنافى وتشجيع الاستثمار.

وإذا كانت فترة السماح في البقر لم تبلغ فترة السماح في الإبل فقد عوض البقر بفترة سماح أكبر في أول النصاب، إذ عفي عن تسع وعشرين من البقر بينما لم يعف عن الإبل إلا عما دون الخمس.
والله أعلم.

أما نصاب الغنم فأوله أربعون، وليس فيما دون ذلك صدقة واجبة.
وفي الأربعين شاة واحدة وهذه النسبة هي عينها نسبة الزكاة في النقدين وعروض التجارة ربع العشر [2.
5/]
ولو لاحظنا في الإبل أن خمساً منها تقرب في تقديرها من أربعين شاة حيث قالوا في الهدي : إن الناقة تكفي عن سبعة.
وفي قول لسعيد بن المسيب، وإسحق وابن خزيمة: أنها تكفي عن عشرة لحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشراً من الغنم ببعير.
لو لاحظنا ذلك وجدنا أول نصاب الغنم وأول نصاب الإبل ومقدار الزكاة فيهما متقارباً.

ويبقى الواجب شاة واحدة حتى تبلغ الغنم مائة وإحدى وعشرين فيجب شاتان، ويبقى الواجب شاتين حتى تبلغ الغنم مائتين وواحدة فيجب ثلاث شياه، ويبقى الواجب ثلاث شياه حتى تبلغ الغنم أربعمائة فيجب أربع شياه، فإذا بلغت خمسمائة فخمس شياه، وستمائة ست شياه، وهكذا في كل مائة شاة، ولا يتغير الفرض إلا عند رأس المائة.

( فائدة) الضرائب التي تفرضها الدول في العصر الحديث أنواع: منها الضريبة ذات النسبة الثابتة من أول الفرض إلى ما لا نهاية كأن يقال: إذا بلغ الدخل ألف جنيه فما زاد فالضريبة [5/] مثلاً.
ومنها الضريبة التصاعدية ذات الشرائح المستقلة كأن يقال مثلاً: ضريبة ما زاد على الألف الأولى حتى الألفين [5/] وضريبة ما زاد على الألفين حتى الثلاثة [7/] وضريبة ما زاد على الثلاثة حتى الأربعة [10/] وهكذا، وقد وصلت هذه الضريبة التصاعدية في بعض البلاد إلى [60/] .

ومنها الضريبة التصاعدية ذات الشرائح المتداخلة كأن يقال مثلاً: ضريبة ما زاد على الألف الأول حتى الألفين [5/] فإذا ما زاد على الألفين حتى الثلاثة فالضريبة من أول وعائها تنتقل إلى [7/] وهكذا، وفي مثل هذه الحالة قد يتمنى من ترقى وحصل على علاوة يتمنى لو أنها لم تكن، لأن مجموع دخله سينقص لا يزيد.

ولم نسمع في الاقتصاد الحديث أن دولة من دول العالم جعلت الضريبة تنازلية، تقل كلما زاد الدخل.
لكن نظام زكاة الإسلام في أغلب ما يزكى ينحو ناحية التنازلية، وفي القليل يثبت النسبة لهدف جليل، فهو في الاستثمار والنتاج الحيواني الذي ينتفع به كافة البشر يشجع ويغري فينزل بنسبة الزكاة إذا زاد الإنتاج، ولما كان لا يشجع الاكتناز وكثرة النقد كيلا يكون دولة بين الأغنياء ثبت النسبة على [2.
5/]
.

وقد مر بنا قريباً في زكاة الإبل أن المقدار الواقع بين نصابين والمعفى من الزكاة يرتفع كلما كثر الإنتاج والاستثمار، فرأينا الأوقاص التي كانت أربعة صارت عشرة، ثم صارت أربعة عشر، ثم صارت تسعة وعشرين، مما ينزل بنسبة الزكاة، وهكذا الأمر في نسبة زكاة البقر، لكن هذه الظاهرة في زكاة الغنم واضحة وكبيرة، فزكاة الغنم بدأت بـ[2.
5/]
في أربعين شاة: شاة واحدة، ثم انخفضت حتى وصلت أقل إلى من [1/] حين تبلغ الغنم مائة وعشرين ففيها شاة واحدة.
وحين ارتفعت إلى شاتين في مائة وإحدى وعشرين أي إلى أقل من [2/] أخذت تنخفض حتى وصلت إلى [1/] حين بلغت الشياه مائتين وفيها شاتان، وحين ارتفعت إلى ثلاث شياه في مائتين وواحدة بنسبة [1.
5/]
أخذت تنخفض حتى وصلت إلى أقل بكثير من [1/] حين بلغت الشياه تسعاً وتسعين وثلاثمائة وفيها ثلاث شياه، ثم ثبتت في كل مائة شاة، وهي في هذا لم تقف عند 1/ بل هي تنخفض أيضاً بسبب الأوقاص، ففي تسع وتسعين وخمسمائة: خمس شياه.

وهكذا يتبين بجلاء ميزة الاقتصاد في تشريع الإسلام على غيره من التشريعات الوضعية، وأنه يشجع الإنتاج والاستثمار ويدفع العاملين إلى زيادة العمل للحصول على زيادة الثمر فتعمر الأرض ويزيد الخير ويعم الرخاء.

وأما زكاة النقد فقد نصت على نصابه في الفضة الرواية الأولى والثانية والرابعة، وفيها: وليس فيما دون خمس أواق صدقة، وفي الرواية الخامسة: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة.
والورق الفضة.

والمقصود بالنقد هنا الذهب والفضة، سواء أكانا مضروبين دنانير ودراهم أو كانا مصنعين حلياً وأواني، أو كانا سبائك، على خلاف يأتي في حلي النساء.

والأوقية أربعون درهماً، فالخمس الأواقي مائتا درهم، فنصاب الفضة مائتا درهم، تبلغ مائة وأربعين مثقالاً، حيث إن الدرهم سبعة أعشار المثقال، وقد قدر النصاب بـ( 595) بخمسة وتسعين وخمسمائة من الجرامات.

فمن ملك من الفضة نقوداً أو سبائك ما يبلغ هذا الوزن وجبت عليه الزكاة.

وأما نصاب الذهب فلم يرد في أحاديث الباب ولا في الأحاديث الصحيحة، لكن مجموع ما ورد فيه يجعله سنداً قوياً يعمل به، من ذلك ما رواه ابن ماجه من حديث ابن عمر وعائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين ديناراً فصاعداً نصف دينار.
وكان عمل الصحابة وإجماع الأمة على هذا وأن نصاب الذهب عشرون مثقالاً، أي ما يساوي خمسة وثمانين جراماً.

قال القاضي عياض: المعول عليه في نصاب الذهب الإجماع.

وقال مالك في الموطأ: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين ديناراً عيناً -يعني ذهباً- كما تجب في مائتي درهم.

وقال الشافعي في الأم: لا أعلم اختلافاًَ في أن ليس في الذهب صدقة حتى تبلغ عشرين، فإذا بلغت عشرين مثقالاً ففيها الزكاة.
اهـ.

كما أجمع المسلمون على أن المقدار الواجب في زكاة الذهب والفضة ربع العشر، بعد أن يحول الحول.
وقد حاول بعض العلماء أن يربط بين قيمة النصاب في الذهب والفضة وبين النصاب في الزروع أو المواشي إذا ارتفعت أو انخفضت قيمة الذهب والفضة، بحيث يرتفع بوزن النصاب فيهما إذا انخفضت قوة الشراء بهما، وينخفض بوزن النصاب فيهما إذا ارتفعت قوة الشراء بهما، لكن هذه المحاولة مردودة، فإن الشرع هو الذي حدد المقادير، ولا مجال للاجتهاد فيها، فالزرع زرع، والإبل إبل، والبقر بقر، والذهب ذهب، والفضة فضة.
ولا يستطيع العلماء -فيما أعتقد- أن يعللوا: لماذا كان أول نصاب الإبل خمساً؟ بينما كان أول نصاب البقر ثلاثين؟ فالبحث في القوة الشرائية خبط ودخول في متاهات يكثر فيها المخطئ ويقل المصيب.

أما الأوراق النقدية المتداولة في هذا العصر بديلة عن الذهب والفضة اللذين كانا متداولين كأساس للتعامل وكأثمان للأشياء، فعنها جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ما يلي:

1- الشافعية قالوا: الورق النقدي، التعامل به من قبيل الحوالة على البنك بقيمته، فيملك قيمته ديناً على البنك، والبنك مليء، مستعد للدفع، حاضر، ومتى كان المدين بهذه الأوصاف وجبت زكاة الدين في الحال.

2- الحنفية قالوا: الأوراق المالية -البنكنوت- من قبل الدين القوي، إلا أنها يمكن صرفها فضة فوراً، فيجب فيها الزكاة فوراً.

3- المالكية قالوا: أوراق البنكنوت -وإن كانت سندات دين إلا أنها يمكن صرفها فضة فوراً وتقوم مقام الذهب في التعامل، فيجب فيها الزكاة بشروطها.

4- الحنابلة قالوا: لا تجب زكاة الورق النقدي إلا إذا صرف ذهباً أو فضة ووجدت فيه شروط الزكاة.

ويقول الشيخ محمد حسنين مخلوف في رسالته التبيان في زكاة الأثمان: زكاة الأوراق المالية باعتبار قيمتها الوضعية عند جريان الرسم بها في المعاملات واتفاق الملة على اتخاذها أثماناً للمقومات، وعلى ذلك فوجوب الزكاة فيها ثابت بالقياس كزكاة الفلوس والنحاس.
اهـ.

ويقول الشيخ القرضاوي في كتابه فقه الزكاة: إن هذه الأوراق أصبحت -باعتماد السلطات الشرعية إياها، وجريان التعامل بها- أثمان الأشياء ورءوس الأموال؛ وبها يتم البيع والشراء والتعامل داخل كل دولة، ومنها تصرف الأجور والرواتب والمكافآت وغيرها، وعلى قدر ما يملك المرء منها يعتبر غناه، ولها قوة الذهب والفضة في قضاء الحاجات، وتيسير المبادلات وتحقيق المكاسب والأرباح، فهي بهذا الاعتبار أموال نامية أو قابلة للنماء، شأنها شأن الذهب والفضة.
اهـ.

وهذا كلام جيد، فأوراق البنكنوت اليوم لا تستمد قيمتها من أن المدين بها البنك المليء المقر الحاضر المستعد للدفع، وإنما تستمد قيمتها من قوة التعامل بها، إذ يمكن لحاملها في الحال أن يشتري بها ذهباً وفضة، فتتحول في غمضة عين إلى ذهب، وفضة فوجوب الزكاة فيها لا يقبل النقاش على هذا الأساس.

أما أواني الذهب والفضة وتحفهما فحرام استعمالها للرجال والنساء جميعاً، ولا خلاف بين العلماء في أن ما حرم استعماله من الذهب والفضة وجبت الزكاة فيه.

لكن هل المعتبر في النصاب هنا الوزن أو القيمة التي ترتفع بحسن الصنعة؟ قولان نختار الأول.

وأما الحلي من الذهب والفضة فشأنها مع الرجال شأن استعمال أوانيهما، حرام وفيها الزكاة، لكن الحلي للنساء ذهباً كانت أو فضة في زكاتها خلاف أوجب بعضهم فيما بلغ نصاباً الزكاة مطلقاً، ولم يوجبها بعضهم مطلقاً، وبعضهم أوجبها فيما جاوز المعتاد لأمثالها، وفيما اتخذ كنزاً.
وهو الذي نميل إليه.
والله أعلم.

وأما عروض التجارة فلم ترد زكاتها في أحاديث الباب، لكن نقل ابن المنذر الإجماع على زكاتها إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول، قال: أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول، روى ذلك عن عمر وابنه وابن عباس.
وبه قال الفقهاء السبعة والحسن وجابر بن زيد وميمون بن مهران وطاووس والنخعي والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو عبيدة وإسحاق وأصحاب الرأي ( أبو حنيفة وأصحابه) وهو مذهب مالك وأحمد.

وقال القاضي ابن العربي: الزكاة واجبة في العروض من أربعة أدلة:

الأول: قول الله عز وجل: { { خذ من أموالهم صدقة } } [التوبة: 103] وهذا عام في كل مال.

الثاني: أن عمر بن عبد العزيز كتب بأخذ الزكاة من العروض، وحكم بذلك على الأمة، وقضى به، فارتفع الخلاف بحكمه.

الثالث: أن عمر بن الخطاب قد أخذها قبله.

الرابع: أن أبا داود ذكر عن سمرة بن جندب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعد للبيع.
قال: ولم يصح فيه خلاف عن السلف.
اهـ.

وقال الخطابي: وزعم بعض المتأخرين من أهل الظاهر أن لا زكاة فيها.
وهو مسبوق بالإجماع.

وأما الركاز ونعني به الكنز الذي يوضع في الأرض بفعل المخلوق والمعدن الذي يوجد في الأرض بخلق الخالق، فلم تتعرض له أحاديث الباب، لكن الحنفية على أن فيه الخمس استناداً إلى حديث: في الركاز الخمس.
رواه الجماعة.
وذهب أحمد إلى أن فيه ربع العشر، وهو قول لمالك والشافعي، وفي قول لمالك: أن ما يتكلف مؤونة عمل فيه ربع العشر وما لا يتكلف مؤونة عمل فيه الخمس.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- بيان أقل النصاب لزكاة الإبل والفضة والزروع والثمار.

2- بيان المقدار الواجب إخراجه زكاة في الزروع والثمار.

3- استدل بالرواية السابعة بعض أهل الظاهر على عدم وجوب الزكاة في العبد والفرس مطلقاً ولو كانا للتجارة، ورد عليهم بأن زكاة التجارة تشمل العروض التي لا زكاة فيها، فنفى زكاتها في التربية لا ينفي زكاتها للتجارة، وزكاة التجارة لكل العروض ثابتة بالإجماع، فيخص به العموم في هذا الحديث.
وقد مر قريباً مذاهب العلماء في زكاة الخيل.

4- ويؤخذ من الرواية التاسعة بعث الإمام السعاة والعمال لجباية الزكاة، والحديث مشعر بأن بعث عمر إنما كان لصدقة الفرض، لأن صدقة التطوع لا يبعث عليها السعاة.
وقال ابن القصار المالكي: الأليق أنها صدقة التطوع، لأنه لا يظن بهؤلاء الصحابة أنهم منعوا الفرض، وتعقب بأن ما منعوه كلهم جحداً ولا عناداً.
أما ابن جميل فقد قيل: إنه كان منافقاً ثم تاب بعد ذلك، وأما خالد فكان متأولاً بإجزاء ما حبسه عن الزكاة، وكذلك العباس.

5- ويؤخذ منه عذر المؤول، فقد قبل صلى الله عليه وسلم عذر خالد والعباس ودافع عنهما.

6- واستدل بقصة خالد على جواز إخراج مال الزكاة في شراء السلاح وغيره من آلات الحرب، والإعانة بها في سبيل الله، وذلك بناء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل إخبار من أخبره بمنع خالد، حملاً على أن خالداً لم يصرح بالمنع وإنما نقلوه عنه بناء على ما فهموه، ويكون معنى تظلمون خالداً أي بنسبتكم إياه إلى المنع وهو لا يمتنع، وكيف يمنع الفرض وقد تطوع بتحبيس سلاحه وخيله؟.

كما يجيب الجمهور بجواب آخر؛ وهو أنهم ظنوا أن الخيل والعتاد للتجارة فطالبوه بزكاة قيمتها، فأعلمهم صلى الله عليه وسلم بأنه لا زكاة عليه فيما حبس.

7- واستدل بالقصة على مشروعية تحبيس الحيوان والسلاح.

8- وأن الوقف يجوز بقاؤه تحت يد محتبسه.

9- وعلى جواز إخراج العروض في الزكاة.

10- وعلى صرف الزكاة إلى صنف واحد من الثمانية، ويجوز إخراجها للمجاهدين، وهذا ظاهر صنيع البخاري.
ونقل عن بعض السلف أنه كان لا يرى بأساً من أن يعطى الرجل من زكاة ماله في الحج.
والأكثرون على أن المراد من سبيل الله الغازي غنياً كان أو فقيراً، إلا أن أبا حنيفة قال: يختص بالغازي المحتاج.
وعن أحمد وإسحاق: الحج من سبيل الله.
قاله الحافظ ابن حجر، ثم قال: وتعقب ابن دقيق العيد جميع ذلك بأن القصة واقعة عين؛ محتملة لما ذكر ولغيره، فلا ينهض الاستدلال بها عن شيء مما ذكر.
قال: ويحتمل أن يكون تحبيس خالد إرصاداً وعدم تصرف، ولا يبعد أن يطلق على ذلك التحبيس، فلا يتعين الاستدلال بذلك لما ذكر.

11- وفي قصة ابن جميل تنبيه الغافل على ما أنعم الله به عليه من نعمة الغنى بعد الفقر، ليقوم بحق الله عليه.

12- والعتب على منع الواجب، والتقريع بسوء الصنيع.

13- وجواز ذكره في غيبته بذلك.

14- واعتذار الإمام عن بعض الرعية بما يسوغ الاعتذار به.

15- ومن قوله: وأما العباس فهي علي ومثلها معها.
التزام الإمام وتحمله عن بعض الرعية ما يجب عليه.
وقيل معناه: هي عندي قرض، لأنني استلفت منه صدقة عامين.
وقد أخرج الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنا كنا احتجنا فتعجلنا من العباس صدقة ماله سنتين.
واستبعد هذا بادعاء أن قصة التعجيل إنما وردت في غير هذا الوقت، لأنها لو كانت في ذات الوقت لأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بذلك لئلا يطالبه، ولكان الاعتذار عن عمه بذلك وليس بقوله: أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه.
لكن رواية الدارقطني تصرح بأن قصة التعجيل هي في الوقت ذاته، فلفظها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر ساعياً، فأتى العباس فأغلظ له؛ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام والعام المقبل.
قال الحافظ ابن حجر: وفي إسناده ضعف، ولو ثبت لكان رفعاً للإشكال.

والله أعلم