هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1467 وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1467 وحدثني حرملة بن يحيى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، أخبرني عبد الرحمن الأعرج ، أنه سمع أبا هريرة ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Huraira reported Allah's Messenger (ﷺ) as saying:

The best day on which the sun has risen is Friday; on it Adam was created, on it he was made to enter Paradise, on it he. was expelled from it.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها.


المعنى العام

شاء الله -عز وجل- أن يجعل للأمم أياماً يسبغ عليهم فيها فضله، ويرغبهم في التسابق في الخيرات في هذه المواسم، فهناك أيام مفضلة على مستوى العام كيوم عرفة والأيام العشر، وليال على مستوى السنة كليلة القدر، وشهر على مستوى الأشهر كشهر رمضان.

وهناك يوم كل أسبوع هو يوم الجمعة، خير يوم طلعت عليه الشمس كل أسبوع، عرض على اليهود ليعظموه ويقيموا شعائر العبادة فيه، فجادلوا موسى عليه السلام، وطلبوا منه أن يجعل لهم السبت بدل الجمعة، لأن الله في اعتقادهم لم يخلق شيئاً يوم السبت، فأوحي إلى موسى أن دعهم واختيارهم.

نسوا أن الله خلق آدم في يوم جمعة، وأدخله الجنة في يوم جمعة، وأخرجه من الجنة في يوم جمعة، ولا تقوم الساعة إلا في يوم جمعة.

لقد هدى الله الأمة الإسلامية لاختيار يوم الجمعة، فتجمع في المدينة قبل الهجرة مسلموها واختاروا يوم الجمعة يوماً للتلاقي وتجمعوا وصلى بهم سعد بن زرارة، وأوحى الله تعالى إلى نبيه صحة اجتهاد أصحابه واختيارهم لهذا اليوم للتجمع، فجمع بهم ( عقب وصوله المدينة) .

لقد أصبح المسلمون بهذه الفضيلة آخر الأمم زماناً وأولها فضيلة ومنزلة سبق اليهود والنصارى في الوجود، وسبقوا في إتيانهم التوراة والإنجيل، لكن المسلمين فضلوا بنسخ كتابهم لما سبقه من الكتب، وفضلوا بيوم الجمعة وما فيه من ساعة يجاب فيها الداعي ويعطى ما يطلب فضلاً من الله وكرماً.

وشاء الله تكريم الأمة المتأخرة في الوجود بتقديمها في البعث، وتقديمها في القضاء بين الناس، وتقديمها في دخول الجنة.

إن يوم الجمعة وصلاة الجمعة سوق حسنات وفضل رابحة، فما أسعد من أفاد من هذه السوق فسعى إلى المسجد مبكراً مغتسلاً متطيباً فأنصت للخطبة وصلى ما كتب له، وما أشقى من نكص على عقبه واستهواه الشيطان فأنساه ذكر الله وحال بينه وبين حضور صلاة الجمعة، فمن لم يحافظ عليها طبع الله على قلبه وجعله من الغافلين المطرودين من رحمته ورضوانه.

المباحث العربية

( كتاب الجمعة) بضم الميم على المشهور، وقد تسكن، وحكى فتحها، وكسرها.

واتفق العلماء على أن يوم الجمعة كان يسمى في الجاهلية القديمة يوم العروبة، بفتح العين، وسمي في الإسلام بيوم الجمعة، واختلفوا في سبب هذه التسمية ومتى أطلقت؟ لورود روايات ضعيفة، فقيل: سمى بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه.
وقيل: لأن خلق آدم جمع فيه.
وقيل: لأن كعب بن لؤي كان يجمع قومه فيه فيذكرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي.
وقيل: إن قصياً هو الذي كان يجمعهم.
ومعنى هذا أن التسمية بالجمعة حصلت في الجاهلية قبل الإسلام، ومال إلى ذلك الحافظ بن حجر، فقال: قال أهل اللغة في الجمعة: هو يوم العروبة، فالظاهر أنهم غيروا أسماء الأيام السبعة بعد أن كانت تسمى: أول، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شبار.
وقال الجوهري: كانت تسمى الاثنين أهون في أسمائهم القديمة.
قال الحافظ: وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء، وهي هذه المتعارف عليها الآن كالسبت والأحد إلى آخرها.

وجزم ابن حزم بأنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية، وأنه سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه.

( فقد لغوت) قال أهل اللغة: يقال: لغا يلغو كغزا يغزو، ويقال: لغي يلغى بكسر الغين في الماضي وفتحها في المضارع كعمي يعمى.
لغتان.
الأولى أفصح.
قال النووي: وظاهر القرآن يقتضي هذه الثانية التي هي لغة أبي هريرة، قال الله تعالى: { { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } } [فصلت: 26] بفتح الغين.
وهذا من لغى يلغى -معتل الآخر بالألف، وعند إسناده إلى واو الجماعة تحذف الألف وتبقى الفتحة كدليل عليها- ولو كان الأول لقال: والغوا بضم الغين.
قال ابن السكيت: مصدر الأول اللغو، ومصدر الثاني اللغى كالعمى.
اهـ.

أقول: وصريح القرآن في آية أخرى مع اللغة الأولى في قوله تعالى: { { وإذا مروا باللغو مروا كراماً } } [الفرقان: 72] ومعنى فقد لغوت أي قلت اللغو، وهو الكلام السقط المُلغى الباطل المردود.

( إذا قلت لصاحبك: أنصت) المراد من الصاحب المخاطب مطلقاً، فالمراد أصل الصحبة الحاصل بمجرد المجاورة، ولفظ أنصت غير مراد لذاته، بل هو مثل لأقل الكلام مهما كان في صالح الخطبة، فإذا منع منع غيره من باب أولى.

( ذكر يوم الجمعة) لأصحابه يشعرهم بفضله، ويحثهم على العناية به وشغله بالطاعات.

( فيه ساعة) أي قطعة من الزمن، وليس المراد ما هو مشهور من كونها ستين دقيقة.

( لا يوافقها) أي لا يصادفها، أعم من أن يقصدها أولاً.

( وهو يصلي) في الرواية الرابعة قائم يصلي ولما كان وقت الساعة الوارد في الأحاديث ليس وقت صلاة -كما سيأتي في فقه الحديث- حذفها بعض المحدثين من بعض النسخ وأثبتها محققوهم، ووجهوها بأن انتظار الصلاة في حكم الصلاة، أو بأن المراد من الصلاة معناها اللغوي وهو الدعاء، وحملوا القيام في الرواية الرابعة على الملازمة والمواظبة، من قبيل قوله تعالى: { { ما دمت عليه قائماً } } [آل عمران: 75] أي مواظباً.

( يسأل الله شيئاً) في الرواية الرابعة يسأل الله خيراً فالمراد من الشيء ما فيه خير دنيوي أو ديني، لا عموم الشيء مما يشمل الحرام، فعند ابن ماجه: ما لم يسأل حراماً.
وعند أحمد: ما لم يسأل إثماً أو قطيعة رحم.

( وأشار بيده يقللها) من كلام أبي هريرة، وفاعل أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وضحت بعض الروايات هذه الإشارة، فقالت: ووضع أنملته على بطن الوسطى أو الخنصر.
وفي الرواية الرابعة: وقال بيده.
ومعناها أشار إشارة مفهومة كالقول ففيها استعارة تصريحية تبعية.

( عن أبي بردة...) أصل الإسناد: عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال النووي: هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم، وقال: لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة، ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه.

قال: والصواب أنه من قول أبي بردة، هذا قول الدارقطني.
ودافع النووي عن مسلم فقال: هذا الذي استدركه بناء على القاعدة المعروفة له ولأكثر المحدثين: أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع، أو إرسال واتصال، حكموا بالوقف والإرسال، وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة، والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخاري ومسلم ومحققي المحدثين أنه يحكم بالرفع والاتصال، لأنها زيادة ثقة اهـ.

ونحن نميل إلى القاعدة المعروفة لأكثر المحدثين لما فيها من زيادة الاحتياط.

( في شأن ساعة الجمعة) أي في شأن ساعة الإجابة التي في يوم الجمعة؟

( هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة) يحتمل أن يكون المراد تقدير المدة، أي هي مقدار ما بين كذا إلى كذا، ويحتمل أن يكون المراد تحديد الوقت وأنها في هذا الزمن، وفي تحديدها خلاف طويل يأتي في فقه الحديث.

( خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة) أي خير يوم من أيام الأسبوع، فأفضلية يوم الجمعة إنما هي بالنسبة للسبت والأحد وغيرهما؛ أما خير أيام السنة فيوم عرفة.

( نحن الآخرون) بكسر الخاء، أي المتأخرون في زمن الوجود عن الأمم الأخرى.

( ونحن السابقون يوم القيامة) قيل: المراد بالسبق السبق الزمني ليوم الجمعة عن السبت والأحد، فإن يوم الجمعة وإن كان مسبوقاً بسبت وأحد قبله إلا أنه لا يتصور اجتماع الأيام الثلاثة متوالية إلا ويكون يوم الجمعة سابقاً، وهذا القول بعيد عن المراد، لأنه يجعل قوله: يوم القيامة.
حشواً مخلاً، والأولى أن المراد أننا السابقون بالفضل ودخول الجنة، فإن هذه الأمة أول من يحشر وأول من يحاسب وأول من يقضى بينهم -كما جاء في الرواية الثانية عشرة- وأول من يدخل الجنة، كما جاء في الرواية العاشرة، فالمعنى نحن الآخرون زماناً الأولون منزلة.

( بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا) المراد كل أمة من أمتي اليهود والنصارى، وفي الرواية العاشرة والحادية عشرة: بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا.
والمقصود من ضمير أنهم اليهود والنصارى بدليل التفصيل الآتي في نص الحديث.
و بيد بفتح الباء وسكون الياء مثل غير وزناً ومعنى، وتكون بمعنى على وبمعنى من أجل والكل يصح هنا، والكلام من قبيل تأكيد المدح بما يشبه الذم، ووجه التأكيد فيه ما أدمج فيه من معنى النسخ، لأن الناسخ هو السابق في الفضل وإن كان متأخراً في الوجود، وبهذا التقرير يظهر موقع قوله: نحن الآخرون مع كونه أمراً واضحاً.
اهـ.
ذكره الحافظ ابن حجر.

والمراد من الكتاب: التوراة والإنجيل.

( وأوتيناه من بعدهم) الضمير المنصوب لجنس الكتاب والمراد القرآن الكريم.

( ثم هذا اليوم الذي كتبه الله علينا هدانا الله له) الإشارة إلى يوم الجمعة، و اليوم بدل أو عطف بيان، والموصول خبره، أو صفته، والخبر: هدانا الله له.

والمراد من كتابته علينا كتابة تعظيمه وفرض تعظيمه.

( فالناس لنا فيه تبع) المراد من الناس اليهود والنصارى، والمراد من التبعية تبعية الأيام.

( اليهود غداً) أي عيد اليهود واليوم المعظم عندهم غداً السبت، وإنما قدرنا مضافاً عيد لأن ظرف الزمان لا يقع خبراً عن جثة.

( والنصارى بعد غد) أي وعيد النصارى بعد غد الأحد.

( فاختلفوا) في اختيار اليوم الذي يعظمونه، وطلبوا من موسى أن يحلهم من تعظيم الجمعة وأن يجعل لهم السبت بدله.

( إذا كان يوم الجمعة) كان تامة، و يوم الجمعة فاعل، أي إذا جاء يوم الجمعة.

( كان على كل باب من أبواب المسجد) أل في المسجد للجنس والمراد على أبواب كل مسجد تصلي فيه الجمعة.

( ومثل المهجر كمثل الذي يهدي البدنة) مثل بفتح الميم والثاء و المهجر بضم الميم وفتح الهاء وكسر الجيم المشددة، والتهجير مطلق التبكير، كذا قال الخليل بن أحمد وغيره.
قال النووي: ومنه الحديث: لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه.
أي التبكير إلى كل صلاة.

وعن الفراء وغيره: التهجير: السير في الهاجرة، أي الحر.
قال القرطبي: الحق أن التهجير هنا من الهاجرة وهو السير وقت الحر، وهو صالح لما قبل الزوال وبعده.

( مثل الجذور) مثل بفتح الميم وتشديد الثاء المفتوحة، أي مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الجزور لأجر المبكر) .

( ثم نزلهم حتى صغر إلى مثل البيضة) نزل بفتح النون وتشديد الزاي المفتوحة، وصغر بفتح الصاد وتشديد الغين المفتوحة، أي ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر منازلهم في السبق والفضيلة حتى صغر منازلهم إلى مثل البيضة.

( ثم أنصت) قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ المحققة، ونقله بعضهم: انتصت بزيادة تاء، وهي لغة صحيحة، يقال: أنصت ونصت وانتصت، ثلاث لغات.

( حتى يفرغ من خطبته) قال النووي: هكذا هو في الأصول، من غير ذكر الإمام وعاد الضمير إليه للعلم به، وإن لم يسبق له ذكر.

( فاستمع وأنصت) هما شيئان متمايزان، وقد يجتمعان، فالاستماع الإصغاء، والإنصات السكوت، قال تعالى: { { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } } [الأعراف: 204]

فقه الحديث

ترمي هذه الأحاديث إلى بيان فضل يوم الجمعة من جهتين: اشتماله على ساعة الإجابة، وهداية الله لنا لتقديسه:

1- أما ساعة الإجابة: فقد أكثر العلماء القول فيها، هل هي باقية أو رفعت؟ وعلى القول ببقائها هل هي في كل جمعة؟ أو جمعة واحدة من كل سنة؟ وإذا كانت في كل جمعة هل لها وقت معين من اليوم؟ أو وقتها مبهم؟ وهل وقتها ثابت أو ينتقل؟

أفاض في هذا البحث الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري قائلاً: وها أنا أذكر تلخيص ما اتصل إلى من الأقوال مع أدلتها، ثم أعود إلى الجمع بينها والترجيح.
اهـ.

ونحن نلخص تلخيص الحافظ ومن أراد المبسوط فليرجع إليه.

الرأي الأول: أنها رفعت.
وقد زيفه ابن عبد البر، ورده السلف على قائله.

الثاني: أنها موجودة لكن في جمعة واحدة من كل سنة.
قاله كعب الأحبار لأبي هريرة فرده عليه أبو هريرة.

الثالث: من طلوع الفجر في كل جمعة إلى طلوع الشمس.

الرابع: من عصر يوم الجمعة إلى غروب الشمس.

الخامس: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة.

السادس: من الزوال إلى أن يدخل الإمام في الصلاة.

السابع: إذا أذن، وإذا رقى المنبر، وإذا أقيمت الصلاة.

الثامن: حين افتتاح الخطبة.

التاسع: حين الجلوس بين الخطبتين.

العاشر: ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة.

الحادي عشر: من صلاة العصر إلى غروب الشمس.

وقد عد الحافظ ابن حجر أكثر من أربعين قولاً، وأولاها بالقبول أنها من حين يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة.
قال المحب الطبري: أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى [روايتنا السادسة] .
وروي عن الإمام مسلم أنه قال: حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه.
وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة.
وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره.
وقال النووي: هو الصحيح، بل الصواب.
انتهى من فتح الباري بتصرف.

2- وأما هداية الله لنا لتعظيم هذا اليوم بالطاعة فظاهر التعبير أن اختيار يوم الجمعة من المسلمين كان عن اجتهاد منهم، ويشهد له ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل سورة الجمعة، قالت الأنصار: إن لليهود يوماً يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى كذلك، فهلم فلنجعل يوماً نجتمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكر، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلى بهم يومئذ.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا وإن كان مرسلاً فله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه ابن خزيمة من حديث كعب بن مالك قال: كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسعد بن زرارة.
الحديث فمرسل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة باجتهاد.
ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو بمكة، فلم يتمكن من إقامتها، ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة.

وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق.
اهـ.

أما إضلال الله اليهود والنصارى عن هذا اليوم -كما هو نص روايتنا الثانية عشرة- بعد أن فرض الله عليهم هذا اليوم -كما تفيد روايتنا الحادية عشرة- فقد شرحه ابن بطال بقوله: ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن، وإنما يدل -والله أعلم- أنه فرض عليهم يوم من أيام الأسبوع وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا إلى يوم الجمعة.
وقال القاضي عياض مؤيداً هذا الرأي: لو كان فرض عليهم بعينه لقيل: فخالفوا بدل اختلفوا.

وصرح السدي بأنهم فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا، روى ذلك ابن أبي حاتم عن طريق أسباط بن نصر عن السدي قال: إن الله فرض على اليهود الجمعة، فأبوا، وقالوا: يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئاً فاجعله لنا، فجعل عليهم.

ومال النووي إلى هذا الرأي فقال: وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم، كما وقع لهم في قوله تعالى: { { وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة } } [البقرة: 58] وغير ذلك، وكيف لا وهم القائلون: سمعنا وعصينا؟

ويؤخذ من مجموع الأحاديث:

1- من الروايتين الأولى والثانية يؤخذ الإنصات لسماع الخطبة وقد سبق تفصيل القول فيه.

2- وأن الكلام بعد الخطبة وقبل الإحرام بالصلاة لا بأس به.

3- ومن الرواية الخامسة عشرة يؤخذ مشروعية غسل الجمعة وفضيلته وقد سبق تفصيله.

4- ومن قوله: فصلى ما قدر له.
يؤخذ استحباب التنفل قبل خروج الإمام يوم الجمعة وهو مذهب الشافعية والجمهور.

5- وأن النوافل المطلقة لا حد لها.

6- ومن الرواية السادسة عشرة استحباب تحسين الوضوء، بالغسل ثلاثاً، ودلك الأعضاء، وإطالة الغرة والتحجيل، وتقديم الميامين، والإتيان بسننه المشهورة.

7- وكراهية مس الحصا أثناء الخطبة، ومثله العبث والانشغال عنها بأي من المشاغل.

8- والحث على إقبال القلب والجوارح على الخطبة.

9- وفضل هذه الأعمال يوم الجمعة مع ملاحظة الأعمال الواردة في روايات أخرى، لذا قال الحافظ ابن حجر: إن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميع ما تقدم من غسل وتنظف وتطيب ولبس أحسن الثياب والمشي بالسكينة وترك التخطي والتفرقة بين الاثنين، وترك الأذى والتنفل والإنصات وترك اللغو اهـ.

والمراد بالموصول في: غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى.
الذنوب الصغائر ففي رواية: حط عنه ذنوب ما بينه وبين الجمعة الأخرى.
والجمعة الأخرى هي السابقة، أي من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل الوقت من الجمعة التي مضت حتى تكون سبعة أيام بلا زيادة ولا نقصان، ثم يضم إليها ثلاثة أيام من التي بعدها، كما جاء في بعض الروايات، على معنى عدم المؤاخذة بها إذا وقعت، وعلى هذا تتوارد المغفرة مرتين على الأيام الثلاثة بعد صلاة الجمعة التي بعدها كما تتوارد المغفرة للصغائر بفعل طاعات أخرى كثيرة كرمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة وصيام يوم عرفة إلى يوم عرفة، بل إن الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر، مصداقاً لقوله تعالى: { { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } } [النساء: 31] لهذا قال محققو العلماء: إذا لم يكن للمرء صغائر تكفر رجى له أن يكفر عنه بمقدار ذلك من الكبائر أو أعطى من الأجر والثواب بمقدار ذلك.
والله ذو الفضل العظيم.

10- حرص الشارع على بعث وإثارة دواعي الاجتهاد والإكثار من الصلاة والدعاء لتحقيق خير هذه الأمة، وذلك بإبهام ساعة إجابة الدعاء.

11- فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة، وفضله بما جاء في الرواية السابعة والثامنة من أنه فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة.
وقد اعترض القاضي عياض على اعتبار هذه الميزات من الفضائل، فقال: الظاهر أن هذه الفضائل المعدودة ليست لذكر فضيلته، لأن إخراج آدم وقيام الساعة لا يعد فضيلة، وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع، ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحات لنيل رحمة الله ودفع نقمته.
اهـ.

ورد عليه بعضهم فقال: الجميع من الفضائل، وخروج آدم من الجنة هو سبب وجود الذرية وهذا النسل العظيم، ووجود الرسل والأنبياء والصالحين والأولياء، ولم يخرج منها طرداً بل لقضاء أوتار ثم يعود إليها، وأما قيام الساعة فسبب لتعجيل جزاء الأنبياء والصديقين والأولياء وغيرهم وإظهار كرامتهم وشرفهم.
اهـ.

12- فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

13- قوله في الرواية الحادية عشرة: فهدانا الله له.
وقوله في الرواية الثانية عشرة: أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا.
فيه دلالة لمذهب أهل السنة أن الهداية والإضلال والخير والشر كله بإرادة الله تعالى، وهو فعله جل شأنه، خلافاً للمعتزلة.

14- ويؤخذ منه أن سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأمة.

15- وأن الاجتهاد في زمن نزول الوحي جائز.

16- ومن قوله: فالناس لنا تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد.
أن الجمعة أول الأسبوع شرعاً، ويدل على ذلك تسمية الأسبوع كله جمعة، وكانوا يسمون الأسبوع سبتاً.

والله أعلم