ذِكْرُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ
ذِكْرُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ جَائِزٌ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ وَالْوُضُوءَ لَا يَجُوزُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْرِبَةِ سِوَى النَّبِيذِ . فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الطَّهَارَةِ بِهِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ إِلَّا بِالْمَاءِ خَاصَّةً ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ تَيَمَّمَ لَا يَجْزِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ . هَذَا مَذْهَبُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَتَوَضَّأُ بِالنَّبِيذِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ قَالَ : الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَيَعْقُوبُ ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ : لَا يُتَوَضَّأُ بِلَبَنٍ وَلَا بِنَبِيذٍ . وَفِيهِ لِلْحَسَنِ قَوْلٌ ثَانٍ ، وَهُوَ أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَكَرِهَ عَطَاءٌ الْوُضُوءَ بِاللَّبِنِ ، وَكَرِهَ أَبُو الْعَالِيَةِ الِاغْتِسَالَ بِالنَّبِيذِ ، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْوُضُوءِ بِاللَّبِنِ ، فَقَالَ : لَا تَوَضَّئُوا بِاللَّبِنِ ، إِذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمُ الْمَاءَ فَلْيَتَيَمَّمْ بِالصَّعِيدِ . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى شَرِيكٍ عَنْ مُوَرِّقٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ . وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ ، بِإِسْنَادٍ لَا يَثْبُتُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ . وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : النَّبِيذُ وُضُوءٌ لِمَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ . رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عِكْرِمَةَ . وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ : إِنِ ابْتُلِيَ وَتَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ جَازَ . كَمَا وَصَفَ أَبُو الْعَالِيَةِ تَمَرَاتٍ أُلْقِيَتْ فِي الْمَاءِ حَتَّى غَيَّرَ اللَّوْنِ ، فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّيَمُّمِ وَجَمْعُهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ . |
167 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، قال حدثنا أَبُو بَكْرٍ ، قال حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ قَالَهُ النُّعْمَانُ : لَا يَجْزِي أَنْ يَتَوَضَّأَ حَتَّى مِنَ الْأَشْرِبَةِ إِلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ . وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِنَبِيذِ الزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَلَا لِسَائِرِ الْأَنْبِذَةِ . وَوَافَقَهُ زُفَرُ عَلَى مَقَالَتِهِ . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَتَوَضَّأُ بِهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ . وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هَذَا قَوْلٌ خَامِسٌ |
168 وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضٌ مَنْ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِال نَّبِيذِ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ فَسَأَلَنِي ، فَقَالَ : أَمَعَكَ وَضُوءٌ ؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَعِي إِدَاوَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ نَبِيذٍ . فَقَالَ : تَمْرَةٌ طَيْبَةٌ ، وَمَاءٌ طَهُورٌ . فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْفَجْرَ . حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ ، قال حدثنا عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ الْعَبْسِيِّ ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ . وَرَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَقَالُوا : حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِصُحْبَةِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَلَا بِالسَّمَاعِ مِنْهُ . وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَأَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرِوَايَةِ رَجُلٍ مَجْهُولٍ مَعَ أَنَّ عَلْقَمَةَ قَدْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ |
169 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قال حدثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ، قال حدثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ لَا يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } افْتَرَضَ اللَّهُ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ ، وَفَرَضَ عَلَى مَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ مِنَ الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ التَّيَمُّمَ بِالصَّعِيدِ فَلَيْسَ يَجُوزُ طَهَارَةٌ إِلَّا بِالْمَاءِ أَوِ الصَّعِيدِ ، إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ |
170 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمْسِسْهُ بَشَرَتَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ |
171 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ، قال حدثنا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ ، قال حدثنا عَوْفٌ ، قال حدثنا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ ، حدثنا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَدَعَا بِوَضُوءٍ ، ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَانْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ ، فَإِذَا رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ، وَلَا مَاءَ قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَلَوْ كَانَتِ الطَّهَارَةُ تَجْزِي بِغَيْرِ الْمَاءِ لَأَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ، وَلَا مَاءَ اطْلُب نَبِيذَ كَذَا ، أَوْ شَرَابَ كَذَا ، فَدَلَّ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجْزِي إِلَّا بِالْمَاءِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فَالتَّيَمُّمُ |
ذِكْرُ الْمَاءِ يُخَالِطُهُ الْحَلَالُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الَّذِي يُخَالِطُهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إِذَا كَانَ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ لَمْ يُتَوَضَّأْ بِهِ . كَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهُ ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقَعَ فِي الْمَاءِ أَلْبَانٌ أَوِ الْقَطْرَانُ . وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : إِنْ ظَهَرَ رِيحُ الْقَطْرَانِ فِي الْمَاءِ لَمْ يُتَوَضَّأْ بِهِ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ الْمَمْزُوجِ بِالْعَسَلِ ، وَلَا بِالْمَاءِ الَّذِي يُبَلُّ فِيهِ الْخُبْزُ . وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ ، قَالَهُ الزُّهْرِيُّ فِي كِسَرٍ بُلَّتْ فِي مَاءٍ غَيَّرَتْ لَوْنَهُ ، أَوْ لَمْ تُغَيِّرْهُ ، قَالَ : يُتَوَضَّأُ بِهِ . وَذُكِرَ عَنْ يَعْقُوبَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَاءٍ غُلِيَ بِأُشْنَانٍ ، أَوْ بَأْسٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا يَتَعَالَجُ بِهِ النَّاسُ فَيَغْتَسِلُونَ وَيَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْبَابُونَجِ وَشِبْهِهِ ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ يَجْزِي بِذَلِكَ مَا لَمْ يَغْلِبْ ذَلِكَ فَيَكُونُ ثَخِينًا ، فَإِذَا ثَخُنَ فَإِنَّهُ لَا يَجْزِي ، وَلَيْسَ يَجْزِي الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمِيَاهِ تُطْبَخُ حَتَّى تَتَحَوَّلَ عَنْ حَالِهَا إِلَى حَالٍ غَيْرِهَا وَيُسَمَّى بِغَيْرِ اسْمِ الْمَاءِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَمَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَلَمْ يُغَيِّرِ الْمَاءَ لَوْنًا ، وَلَا طَعْمًا ، وَلَا رِيحًا ، فَالطَّهَارَةُ بِهِ جَائِزَةٌ ، وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَمَا غَيَّرَ الْمَاءَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ حَتَّى لَا يُقَالَ لَهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ فَالْوُضُوءُ بِهِ غَيْرُ جَائِزٌ ، وَذَلِكَ إِذَا ظَهَرَ فِي الْمَاءِ مَا اخْتَلَطَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى لَا يُسَمَّى مَاءٌ مُطْلَقٌ . |