ذِكْرُ مَا صَحَّ عِنْدَنَا مِنْ ذَلِكَ سَنَدُهُ



: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

333 حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرٍ فَوَقَفَ ، فَقَالَ : إِيتُونِي بِجَرِيدَتَيْنِ ، فَأَتَوْهُ بِهِمَا ، فَجَعَلَ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَالْأُخْرَى عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذَا كَانَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا يَنْفَعُهُ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ ؟ قَالَ : يُخَفَّفُ عَنْ عَذَابِهِ مَا دَامَ فِيهَا نُدُوَّةٌ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

334 حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ ، وَحَوْثَرَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْقَرِيِّ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ الْخَزَّازُ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ قَاسِمٍ الرِّحَالِ ، سَمِعَ أَنَسًا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرِبَةً لِبَنِي النَّجَّارِ ، كَأَنَّهُ يَقْضِي فِيهَا حَاجَةً ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَهُوَ كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ ، وَهُوَ يَقُولُ : لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ أَهْلِ الْقُبُورِ مَا أَسْمَعَنِي

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

335 وَمِنْهُ خَبَرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : الْمُؤْمِنُ إِذَا كَانَ فِي قُبُلٍ مِنَ الْآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، نَزَلَتْ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ كَأَنَّ وجُوهَهُمُ الشَّمْسُ ، مَعَ كُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمْ كَفَنٌ وَحَنُوطٌ ، فَجَلَسُوا مِنْهُ مَدَّ بَصَرِهِ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي قُبُلٍ مِنَ الْآخِرَةِ ، وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، نَزَلَتْ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوجُوهِ مَعَهُمْ سَرَابِيلُ مِنْ قَطِرَانٍ ، وَثِيَابٌ مِنْ نَارٍ ، فَأَجْلَسُوهُ فَانْتَزَعُوا نَفْسَهُ وَفِي ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّهُ لَا أَحَدَ يُفَارِقُ الدُّنْيَا مِنْ بَنِي آدَمَ ، مِمَّنْ قَدْ بَلَغَ حَدَّ التَّكْلِيفِ ، مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ ، إِلَّا عَنْ عِلْمٍ مِنْهُ بِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ فِي آخِرَتِهِ ، مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ تَأْتِيهُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي حَالِ نُزُولِ الْمَوْتِ بِهِمْ فِي صُورَةٍ مُخَالِفَةٍ الصُّوَرَ الَّتِي تَأْتِي بِهَا أَهْلَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَأَهْلَ النِّفَاقِ ، وَبِحَالٍ خِلَافَ الْحَالَةِ الَّتِي تَأْتِي بِهَا الْكُفَّارَ ، وَفِي ذَلِكَ لَا شَكَّ لِلْمُؤْمِنِ الْمَعْرِفَةُ بِحَالِهِ وَمَنْزِلَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ ، وَلِلْكَافِرِ الْيَقِينُ بِحَالِهِ عِنْدَهُ . وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أَنَّهَا هَذِهِ الْبِشَارَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَهِيَ ظُهُورُ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ بِهِمْ حَتَّى يُعَايِنُوهُمْ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، عَنْهُ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

336 ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، وَقَتَادَةَ : { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } قَالَ : هِيَ الْبِشَارَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

337 حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ أَبِي بِسْطَامٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ : { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَفِيهِ أَيْضًا الْبَيَانُ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، فِي الْمَوْتِ قَبْلَ لِقَاءِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا عَايَنَ مَلَائِكَةَ اللَّهِ قَدْ أَتَتْهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبَشِّرُهُ لِنَفْسِهِ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ عَلِمَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَحَالَتَهُ فِي آخِرَتِهِ ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَحُقَّ لَهُ ، لِعِلْمِهِ بِمَا هُوَ إِلَيْهِ صَائِرٌ مِنَ الرَّاحَةِ وَالسُّرُورِ ، وَمَا هُوَ عَنْهُ مُنْتَقِلٌ مِنَ الْعَنَاءِ وَالتَّعَبِ وَالْهُمُومِ وَالْحُزْنِ ، وَاللَّهُ لِلِقَائِهِ أَشَدُّ حُبًّا ، وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ اللَّهِ فَعَايَنَهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبَشِّرُهُ بِالْبَلَاءِ وَتَقُولُ لِنَفْسِهِ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَغَضَبٍ ، انْقَطَعَ مِنْهُ الرَّجَاءُ ، فَأَيْقَنَ بِالْعَذَابِ وَالْبَلَاءِ ، وَأَنَّهُ صَائِرٌ إِلَى الْخُلُودِ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ، فَكَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ ، وَاللَّهُ لِلِقَائِهِ أَكْرَهُ . وَقَدْ تَأَوَّلَ هَذَا الْخَبَرَ ، أَعْنَى الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ نَحْوَ تَأْوِيلِنَا بَعْضُ السَّلَفِ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

338 ذِكْرُ الرِّوَايَةِ الْوَارِدَةِ عَنْهُ بِذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَ بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ : وَأَرَى هَذَا عِنْدَ حَضْرَةِ الْمَوْتِ وَحِينَ نُزُولِ الْعَذَابِ أَوِ الْبُشْرَى ، فَأَمَّا الْيَوْمَ ، فَإِنَّا نَكْرَهُ الْمَوْتَ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الْمُؤْمِنَ حِينَ يَنْزِلُ بِهِ الْمَوْتُ وَيُعَايِنُ مَا يُعَايِنُ ، وَدَّ أَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ وَاللَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَهُ ، وَإِذَا كَانَ عَدُوَّ اللَّهِ وَنَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ ، وَعَايَنَ مَا يُعَايِنُ ، وَدَّ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ أَبَدًا ، وَاللَّهُ يَبْغِضُ لِقَاءَهُ ، وَهَذِهِ الِاطِّلَاعَةُ هِيَ الْهَوْلُ الَّذِي قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لَوْ أَنَّ لِي مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ لَافْتَدَيْتُ مِنْ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ ، وَالَّذِي قَالَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ : إِنِّي الْيَوْمَ أَسِيرُ الْمَوْتِ ، مَا أَدَعُ عَلَيَّ دِينَارًا ، وَلَا أَدَعُ مَالًا ، وَلَا أَدَعُ عِيَالًا أَخَافُ عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ ، لَوْلَا هَوْلُ الْمَطْلَعِ ، وَذَلِكَ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ ، مِنْ رِضَاهُ عَنْهُ أَوْ سَخَطِهِ عَلَيْهِ ، لِظُهُورِ مَلَائِكَتِهِ لَهُ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ وَنُزُولِ الْمَوْتِ بِهِ ، إِمَّا بِالصُّورَةِ الَّتِي تَظْهَرُ لِمَنْ رَبُّهُ عَنْهُ رَاضٍ ، وَإِمَّا بِالصُّورَةِ الَّتِي تَظْهَرُ لِمَنْ رَبُّهُ عَلَيْهِ سَاخِطٌ . فَطُوبَى لِمَنْ ظَهَرَتْ لَهُ مَلَائِكَةُ اللَّهِ عِنْدَ نُزُولِ مَنِيَّتِهِ بِهِ بِالصُّورَةِ الْحَسَنَةِ الْمَحْبُوبَةِ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ ظَهَرَتْ لَهُ مَنِيَّتُهُ بِالصُّورَةِ الْقَبِيحَةِ الْمَكْرُوهَةِ .

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَمَّا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنَ الْغَرِيبِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ : فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ ، وَاللَّحْدُ : هُوَ الْقَبْرُ يُحْفَرُ لِلْمَوْتِ مُعْتَرِضًا فِي جَانِبٍ ، وَفِيهِ لُغَتَانِ : لَحْدٌ ، بِفَتْحِ اللَّامِ : هِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ ، وَلُحْدٌ بِضَمِّهَا : وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْعَالِيَةِ ، وَكُلُّ مَائِلٍ إِلَى جَانِبٍ فَهُوَ لَاحِدٌ إِلَيْهِ وَمُلْحِدٌ .
يُقَالُ مِنْهُ : قَدْ لَحَدَ فُلَانٌ إِلَى كَذَا وَكَذَا ، فَهُوَ يَلْحَدُ إِلَيْهِ لَحْدًا ، إِذَا مَالَ إِلَيْهِ وَأَلْحَدَ إِلَيْهِ ، فَهُوَ يُلْحِدُ إِلْحَادًا ، وَمِنْهُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَمَنْ يُرِدِ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : بِإِلْحَادٍ ، يَمِيلُ إِلَى الظُّلْمِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ
قَدْنِي مِنْ نَصْرِ الْخُبَيْبَيْنِ قَدِي
لَيْسَ أَمِيرِي بِالشَّحِيحِ الْمُلْحِدِ
يَعْنِي بِالْمُلْحِدِ : الْمَائِلَ إِلَى الظُّلْمِ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَائِلِ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ فِي الدِّينِ مُلْحِدٌ ، وَمِنَ اللَّحْدِ قَوْلُ الْأَخْطَلِ :
أَمَّا يَزِيدُ فَإِنِّي لَسْتُ نَاسِيَهُ
حَتَّى يُغَيِّبَنِي فِي الرَّمْسِ مَلْحُودُ
يَعْنِي بِالْمَلْحُودِ : قَبْرًا مَحْفُورًا عَلَى مَا وَصَفْتُ .
وَمِنَ الْإِلْحَادِ قَوْلُ الْآخَرِ :
يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النَّبِيِّ وَرَهْطِهِ
بَعْدَ الْمُغَيَّبِ فِي سَوَاءِ الْمُلْحِدِ
يَعْنِي بِالْمُلْحِدِ : الْقَبْرَ الْمَحْفُورَ .
وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَعَهُمْ سَرَابِيلُ مِنْ قَطِرَانٍ ، وَالسَّرَابِيلُ جَمْعُ سِرْبَالٍ ، وَهُوَ الْقَمِيصُ وَمَا يُلْبَسُ مِنْ شَيْءٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
لَعَمْرُكَ مَا تَبْلَى سَرَابِيلُ عَامِرٍ
مِنَ اللُّؤْمِ مَا دَامَتْ عَلَيْهَا جُلُودُهَا
وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ :
وَمِثْلِكِ بَيْضَاءِ الْعَوَارِضِ طَفْلَةٍ
لَعُوبٍ تُنَسِّينِي إِذَا قُمْتُ سِرْبَالِي
وَأَمَّا الْقَطِرَانُ : فَهُوَ الَّذِي تَهْنَأُ بِهِ الْإِبِلُ ، وَفِيهِ لُغَاتٌ ثَلَاثٌ : قَطِرَانٌ ، وَقَطْرَانٌ ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ ، وَقِطْرَانٌ ، بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ ، وَمِنْ الْقِطْرَانِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ الْعِجْلِيِّ :
جَوْنٌ كَأَنَ الْعَرَقَ الْمَنْتُوحَا
أَلْبَسُهُ الْقِطْرَانَ وَالْمَسُوحَا
وَأَمَّا الْقَطِرَانُ ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ ، فَمِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : { سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ } ، وَقَدْ كَانَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ تَقُولُ فِي الْقَطِرَانِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : إِنَّهُ النُحَاسُ الْمُذَابُ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ ، وَأَمَّا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنَ الْقَطِرَانِ فَهُوَ مَا ذَكَرْتُ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ : فَتَخْرُجُ مِنْهُ كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ ، يَعْنِي بِالنَّفْخَةِ : مَا خُصَّ بِهِ الْمِسْكُ مِنْ طِيبِ الرِّيحِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ ذِي حَظٍّ مِنْ شَيْءٍ وَقَسْمٍ وَنَصِيبٍ ، فَهُوَ ذُو نَفْحَةٍ مِنْهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ } يَعْنِي بِهِ نَصِيبًا مِنْهُ وَقَسْمًا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : يُلْحِفَانِ الْأَرْضَ بِشُعُورِهِمَا ، فَإِنَّهُ يَعْنِي : يُغَطِّيَانِهَا بِهَا ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلِّحَافِ , لِحَافٌ ، لِتَغْطِيَتِهِ مَا تَحْتَهُ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمِلْحَفَةِ ، مِلْحَفَةٌ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ : أَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ ، وَهُوَ الرَّعْدُ الشَّدِيدُ الصَّوْتِ الَّتِي تَقْصِفُ صَوَاعِقُهُ مَا أَصَابَتْهُ وَتَدُقُّهُ وَتُحَطِّمُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : قَصَفَ فُلَانٌ ظَهْرَ فُلَانٍ ، يَقْصِفُهُ ، وَذَلِكَ إِذَا كَسَرَهُ وَدَقَّهُ ، يُقَالُ مِنْهُ : سَمِعْتُ قَصِيفَ الرَّعْدِ وَوَئِيدَهُ وَوَأْدَهُ وَرَزْمَتَهُ وَهَزْمَتَهُ ، كُلُّ ذَلِكَ شِدَّةُ صَوْتِهِ ، وَمِنَ الْقَاصِفِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ : { فَيُرْسِلُ عَلَيْهِمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ } .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْبَرْقَ الَّذِي يَكَادُ مِنْ شِدَّةِ ضِيَاءِ لَمَعَانِهِ يَلْتَمِعُ الْأَبْصَارَ وَيَسْتَلِبُهَا .
وَأَصْلُ الْخَطْفِ السَّلْبُ ، يُقَالُ : خَطَفَ فُلَانٌ فُلَانًا كَذَا ، إِذَا اسْتَلَبَهُ إِيَّاهُ ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْخَطْفَةِ هِيَ اسْتِلَابُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ يَوْمَ الْغَارَةِ مَا أَفَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ غَنَائِمِهِمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالنَّهْبَةِ .
وَمِنَ الْخَطْفِ قِيلَ لِلْخُطَّافِ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ بِهِ الدَّلْوُ مِنَ الْبِئْرِ خُطَّافٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلِبُ مَا عَلَقَ بِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ :
خَطَاطِيفُ حُجْنٌ فِي حِبَالٍ مَتِينَةٍ
تُمَدُّ بِهَا أَيْدٍ إِلَيْكَ نَوَازِعُ
وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ } ، يَقُولُ : إِلَّا مِنَ اسْتَرَقَ مِنَ الشَّيَاطِينِ السَّمْعَ فَاسْتَلَبَ مِنْهُ شَيْئًا ، { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } .
وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ : فَأُلْقُوا فِي الطُّوَى ، فَإِنَّ الطُّوَى : هِيَ الْبِئْرُ الْمَطْوِيَّةُ ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَفْعُولَةٌ ، مَطْوُويَةٌ ، صُرِفَتْ إِلَى فَعِيلٍ ، كَمَا قِيلَ : كَفٌّ خَضِيبٌ وَلِحْيَةٌ دَهِينٌ ، يُرَادُ بِهَا : مَخْضُوبَةٌ ، وَمَدْهُونَةٌ ، ثُمَّ صُرِفَتْ إِلَى خَضِيبٍ وَدَهِينٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
مَاذَا بِالطَّوِيِّ طَوِيِّ بَدْرٍ
مِنَ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ
وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : يَمْثُلَ لَهُ يَنْتَصِبَ لَهُ قَائِمًا ، يُقَالُ : مِنْهُ مَثُلَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ قَائِمًا حِينَ رَآهُ مَثْلًا ، وَمُثُولًا ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأُخْطَلِ :
فَمَا بِهِ غَيْرُ مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ
إِذَا أَحَسَّ بِشَخْصٍ نَابِئٍ مَثَلَا
يَعْنِي بِقَوْلِهِ : مَثَلَا : انْتَصَبَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : فَلْيَتَّخِذْ مَنْزِلًا وَبَيْتًا يَقْعُدُ فِيهِ مِنَ النَّارِ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ ، يُقَالُ مِنْهُ : تَبَوَّأَ فُلَانٌ مَنْزِلًا مِنْ بَنِي فُلَانٍ ، إِذَا اتَّخَذَهُ ، وَبوَّأْتُهُ أَنَا مَنْزِلًا .
وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ يَحْكِي عَنِ الْعَرَبِ : أَبَأْتُ الْقَوْمَ مَنْزِلًا ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } .
وَمِنْهُ : مَبَاءَةُ الْإِبِلِ : وَهُوَ مُرَاحُهَا الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ وَتَبِيتُ فِيهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الطِّرِمَّاحِ بْنِ حَكِيمٍ :
طَرَفُ التَّنَائِفِ مَا يُبِنُّ مَبَاءَةً
حَوْلَيْنِ طَيِّبَ بَنَّةِ الْأَبْعَارِ
وَيُقَالُ : فُلَانٌ بِبِيئَةِ سُوءٍ ، يَعْنِي بِهِ : بِحَالِ سَوْءٍ .
وَبَأَوْتُ عَلَى الْقَوْمِ ، إِذَا فَخَرْتُ عَلَيْهِمْ ، وَالْبَأْوُ : الْكِبْرُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ :
فَلَمَّا أَنْ دَنَوْنَ لَهُ تَأَيَّى
وَلَوْلَا بَأْوُهُ لَنَجَا طِمَاحَا
وَأَمَّا الْبَاءَةُ فِي النِّكَاحِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيْكُمْ بِالْبَاءَةِ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، يَعْنِي بِالْبَاءَةِ : النِّكَاحَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : بَاءَ فُلَانٌ بِالْإِثْمِ ، فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَقَرَّ بِهِ وَتَحَمَّلَهُ وَانْصَرَفَ بِهِ ، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ حدثناؤُهُ : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ } أَيِ انْصَرَفُوا مُعْتَرِفِينَ بِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمُ : الْقَتْلَى بَوَاءٌ ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : أَكْفَاءٌ .
يُقَالُ مِنْهُ : بَاءَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ ، إِذَا كَانَ كُفْأً لَهُ فِي الْقَتْلِ إِذَا قُتِلَ .
وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَيَعْرُجُ بِهَا الْمَلِكُ ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : فَيَعْرُجُ بِهَا ، فَيَصْعَدُ بِهَا وَيَرْتَفِعُ ، يُقَالُ مِنْهُ : عَرَجَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ يَعْرُجُ عُرُوجًا ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : { يُدَبِّرَ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } .
وَيُقَالُ أَيْضًا : عَرَجَ فُلَانٌ يَعْرُجُ عَرْجَا ، إِذَا مَشَى مِشْيَةَ الْعُرْجَانِ ، فَأَمَّا إِذَا صَارَ ذَلِكَ خِلْقَةً فِي الْإِنْسَانِ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ : عَرِجَ فَهُوَ يَعْرُجُ عَرَجَا .
وَأَمَّا التَّعْرِيجُ ، فَإِنَّهُ مَعْنًى غَيْرُ ذَلِكَ ، وَهُوَ الْمَيْلُ إِلَى الشَّيْءِ وَالْإِقَامَةُ عَلَيْهِ ، يُقَالُ مِنْهُ : مَضَى فُلَانٌ وَمَا عَرَّجَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِمْ ، وَيُقَالُ : مَالِي عَلَيْهِ عُرْجَةٌ ، وَلَا عَرْجَةٌ ، وَلَا تَعَرُّجٌ ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ وَمَضَى .
وَأَمَّا الْعَرْجُ مِنَ الْإِبِلِ ، فَغَيْرُ مَا ذَكَرْنَا كُلِّهِ ، وَهُوَ مِنَ الْإِبِلِ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِينَ .
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى يَقُولُ : هُوَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَفَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا ، يُجْمَعُ أَعْرَاجًا .
وَكَانَ الْأَصْمَعِيُّ يَقُولُ : هُوَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ إِلَى أَلْفٍ .
وَالْعَرْجُ أَيْضًا غَيْبُوبَةُ الشَّمْسِ ، كَذَلِكَ كَانَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ فِيمَا بَلَغَنَا يَقُولُ ، وَكَانَ يُنْشِدُ فِي ذَلِكَ :
حَتَّى إِذَا مَا الشَّمْسُ هَمَّتْ بِعَرْجٍ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،