الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ الْمُحَاسِبيُّ
الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ الْمُحَاسِبيُّ وَمِنْهُمُ الْمُشَاهِدُ الْمُرَاقِبِيُّ وَالْمُسَاعِدُ الْمُصَاحِبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيُّ كَانَ لِأَلْوَانِ الْحَقِّ مُشَاهِدًا وَمُرَاقِبًا وَلِآثَارِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُسَاعِدًا وَمُصَاحِبًا ، تَصَانِيفُهُ مُدَوَّنَةٌ مَسْطُورَةٌ وَأَقْوَالُهُ مُبَوَّبَةٌ مَشْهُورَةٌ وَأَحْوَالُهُ مُصَحَّحَةٌ مَذْكُورَةٌ كَانَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ رَاسِخًا وَرَاجِحًا وَعَنِ الْخَوْضِ ، فِي الْفُضُولِ جَافِيًا وَجَانِحًا وِلِلْمُخَالِفِينَ الزَّائِغِينَ قَامِعًا وَنَاطِحًا وَلِلْمُرْيدِينَ وَالْمُنِيبِينَ قَابِلًا وَنَاصِحًا وَقِيلَ : إِنَّ فِعْلَ ذَوِي الْعُقُولِ الْأَخْذُ بِالْأُصُولِ وَالتَّرْكُ لِلْمَفْضُولِ وَاخْتِيَارُ مَا اخْتَارَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ |
14991 أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَوَّاصُ فِي كِتَابِهِ وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : كَانَ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيُّ يَجِيءُ إِلَى مَنْزِلِنَا فَيَقُولُ : اخْرُجْ مَعِي نَصْحُنْ فَأَقُولَ لَهُ : تُخْرِجُنِي مِنْ عُزْلَتِي وَأَمْنِي عَلَى نَفْسِي إِلَى الطُّرُقَاتِ وَالْآفَاتِ وَرُؤْيَةِ الشَّهَوَاتِ ؟ فَيَقُولُ : اخْرُجْ مَعِي وَلَا خَوْفَ عَلَيْكَ ، فَأَخْرُجُ مَعَهُ فَكَانَ الطَّرِيقُ فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَا نَرَى شَيْئًا نَكْرَهُهُ فَإِذَا حَصُلْتُ مَعَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ قَالَ لِي : سَلْنِي فَأَقُولُ لَهُ : مَا عِنْدِي سُؤَالٌ أَسْأَلُكَ فَيَقُولُ لِي : سَلْنِي عَمَّا يَقَعُ فِي نَفْسِكَ فَتَنْهَالُ عَلَيَّ السُّؤَالَاتُ فَأَسْأَلُهُ عَنْهَا فَيُجِيبُنِي عَلَيْهَا لِلْوَقْتِ ثُمَّ يَمْضِي إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَعْمَلُهَا كُتُبًا |
14992 أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ يَقُولُ : كُنْتُ كَثِيرًا أَقُولُ لِلْحَارِثِ : عُزْلَتِي أُنْسِي وَتُخْرِجُنِي إِلَى وَحْشَةِ رُؤْيَةِ النَّاسِ وَالطُّرُقَاتِ ؟ فَيَقُولُ لِي : كَمْ تَقُولُ لِي أُنْسِي فِي عُزْلَتِي لَوْ أَنَّ نِصْفَ الْخَلْقِ تَقَرَّبُوا مِنِّي مَا وَجَدْتُ بِهِمْ أُنْسًا وَلَوْ أَنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ نَأَى عَنِّي مَا اسْتَوحَشْتُ لِبُعْدِهِمْ |
14993 أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : كَانَ الْحَارِثُ كَثِيرَ الضُّرِّ فَاجْتَازَ بِي يَوْمًا وَأَنَا جَالِسٌ ، عَلَى بَابِنَا فَرَأَيْتُ فِيَ وَجْهِهِ زِيَادَةَ الضُّرِّ مِنَ الْجُوعِ فَقُلْتُ لَهُ : يَا عَمِّ لَوْ دَخَلْتَ إِلَيْنَا نِلْتَ مِنْ شَيْءٍ عِنْدَنَا فَقَالَ : أَوَ تَفْعَلُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ وَتَسُرُّنِي بِذَلِكَ وَتَبَرُّنِي فَدَخَلْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَدَخَلَ مَعِي وَعَمَدْتُ إِلَى بَيْتِ عَمِّي وَكَانَ أَوْسَعَ مِنْ بَيْتِنَا لَا يَخْلُو مِنْ أَطْعَمَةٍ فَاخِرَةٍ لَا يَكُونُ مِثْلُهَا فِي بَيْتِنَا سَرِيعًا فَجِئْتُ بِأَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الطَّعَامِ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَ لُقْمَةً فَرَفَعَهَا إِلَى فِيهِ فَرَأَيْتُهُ يَلُوكُهَا وَلَا يَزْدَرِدُهَا فَخَرَجَ وَمَا كَلَّمَنِي فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ لَقِيتُهُ فَقُلْتُ : يَا عَمِّ سَرَرْتَنِي ثُمَّ نَغَّصْتَ عَلَيَّ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ أَمَّا الْفَاقَةُ فَكَانَتْ شَدِيدَةً وَقَدِ اجْتَهَدْتُ أَنْ أَنَالَ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي قَدَّمْتَهُ إِلَيَّ وَلَكِنْ بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ عَلَامَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الطَّعَامُ عِنْدَ اللَّهِ مَرْضِيًّا ارْتَفَعَ إِلَى أَنْفِي زَمَنُهُ فَوْرَةً ، فَلَمْ تَقْبَلْهُ نَفْسِي فَقَدْ رَمَيْتُ بِتِلْكَ اللُّقْمَةِ فِي دِهْلِيزِكُمْ وَخَرَجْتُ |
14994 أَخْبَرَنِي جَعْفَرٌ ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ ، يَقُولُ : مَاتَ أَبُو الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَإِنَّ الْحَارِثَ لَمُحْتَاجٌ إِلَى دَانِقِ فِضَّةٍ وَخَلَّفَ أَبُوهُ مَالًا كَثِيرًا وَمَا أَخَذَ مِنْهُ حَبَّةً وَاحِدَةً وَقَالَ : أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لَا يَتَوَارَثَانِ وَكَانَ أَبُوهُ وَاقِفِيًّا |
14995 سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ خَيْرَانَ الْفَقِيهَ ، يَقُولُ : رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ بِبَابِ الطَّاقِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ مُتَعَلِّقًا بِأَبِيهِ وَالنَّاسُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ يَقُولُ : طَلِّقِ امْرَأَتَكَ فَإِنَّكَ عَلَى دَيْنٍ وَهِيَ عَلَى غَيْرِهِ |
14996 سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْإِمَامِ ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : سَأَلْتُ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيَّ : مَا تَفْسِيرُ خَيْرِ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي ؟ قَالَ : هُوَ قُوتُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ وَلَا تَهْتَمَّ لَرِزْقِ غَدٍ |
14997 أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَوَّاصُ فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْفَقِيهُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مَسْرُوقٍ ، وَالْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولَانِ : سَمِعْنَا الْحَارِثَ الْمُحَاسِبِيَّ ، يَقُولُ : فَقَدْنَا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ لَا نَكَادُ نَجِدُهَا إِلَى الْمَمَاتِ : حُسْنُ الصِّيَانَةِ وَحُسْنُ الْقَوْلِ مَعَ الدِّيَانَةِ وَحُسْنُ الْإِخَاءِ مَعَ الْأَمَانَةِ |
14998 أَخْبَرَنِي جَعْفَرٌ فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ الْبَلَدِيَّ ، يَقُولُ : بَلَغَنِي عَنِ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : الْعِلْمُ يُوَرِّثُ الْمَخَافَةُ وَالزُّهْدُ يُوَرِّثُ الرَّاحَةَ وَالْمَعْرِفَةُ تُوَرِّثُ الْإِنَابَةَ قَالَ : قَالَ الْحَارِثُ : مَنْ صَحَّحَ بَاطِنَهُ بِالْمُرَاقَبَةِ وَالْإِخْلَاصِ زَيَّنَ ظَاهِرَهُ بِالْمُجَاهَدَةِ وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } |
14999 أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : قَالَ الْحَارِثُ : لَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَطْلُبَ الْوَرَعَ بِتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ ، وَقَالَ : قَالَ الْحَارِثُ : إِذَا أَنْتَ لَمْ تَسْمَعْ نِدَاءَ اللَّهِ فَكَيْفَ تُجِيبَ دَاعِيَ اللَّهِ ؟ وَمَنِ اسْتَغْنَى بِشَيْءٍ دُونَ اللَّهِ فَقَدْ جَهِلَ قَدْرَ اللَّهِ وَقَالَ : الظَّالِمُ نَادِمٌ وَإِنْ مَدَحَهُ النَّاسُ وَالْمَظْلُومُ سَالِمٌ وَإِنْ ذَمَّهُ النَّاسُ وَالْقَانِعُ غَنِيٌّ وَإِنْ جَاعَ وَالْحَرِيصُ فَقِيرٌ وَإِنْ مَلَكَ |