بَابُ احْتِيَالِ أَهْلِ الْهَوَى وَمَا يَجْنِي عَلَيْهِمُ الرُّقَبَاءُ
561 حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْوَاسِطِيُّ النَّحْوِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ تَغْلِبَ يُدْعَى زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو , وَقَالَ : كَانَ فِينَا رَجُلٌ لَهُ ابْنَةٌ شَابَّةٌ جَمِيلَةٌ , وَكَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ يَهْوَاهَا وَتَهْوَاهُ , فَمَكَثَ بِذَاكَ دَهْرًا , ثُمَّ إِنَّ الْجَارِيَةَ خَطَبَهَا بَعْضُ الْأَشْرَافِ فَأَرْغَبَ فِي الْمَهْرَ , فَأَنْعَمَ أَبُو الْجَارِيَةِ , وَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِلْخِطْبَةِ , فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ لِأُمِّهَا : يَا أُمِّي , فَمَا يَمْنَعُ أَبِي أَنْ يُزَوِّجَنِي مِنَ ابْنِ عَمِّي ؟ قَالَتْ : أَمْرٌ كَانَ مَقْضِيًّا قَالَتْ : وَاللَّهِ مَا أَحْسَنَ , رَبَّاهُ صَغِيرًا , ثُمَّ يَدَعُهُ كَبِيرًا , ثُمَّ قَالَتْ : أَيْ أُمِّي , إِنِّي وَاللَّهِ حَامِلٌ , فَاكْتُمِي إِنْ شِئْتِ أَوْ بُوحِي , فَأَرْسَلَتِ الْأُمُّ إِلَى الْأَبِ فَخَبَّرَتْهُ , فَقَالَ : اكْتُمِي هَذَا الْأَمْرَ , ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْقَوْمِ , فَقَالَ : يَا هَؤُلَاءِ , إِنِّي كُنْتُ قَدْ أَجَبْتُكُمْ , إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ رَجَوْتُ فِيهِ الْأَجْرَ , وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّى قَدْ زَوَّجَتُ ابْنَتِي فُلَانَةَ ابْنَ أَخِي فُلَانًا , فَلَمَّا انْقَضَى ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ : أَدْخِلُوهَا عَلَيْهِ , فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ : هِيَ بِالرَّحْمَنِ كَافِرَةٌ إِنْ دَخَلَ عَلَيْهَا سَنَةً أَوْ يَتَبَيَّنُ حَمْلُهَا قَالَ : فَمَا دَخَلَ بِهَا إِلَّا بَعْدَ حَوْلٍ , فَعَلِمَ أَهْلُهَا أَنَّهَا احْتَالَتْ عَلَى أَبِيهَا |
562 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ , عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ قَالَ : كَانَ وَضَّاحُ الْيَمَنِ نَشَأَ هُوَ وَأُمُّ الْبَنِينَ صَغِيرَيْنِ , فَأَحَبَّهَا وَأَحَبَّتْهُ , وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا , حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ حُجِبَتْ عَنْهُ , فَطَالَ بِهَا الْبَلَاءُ , فَحَجَّ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ , فَبَلَغَهُ جَمَالُ أُمِّ الْبَنِينَ وَأَدَبُهَا , فَتَزَوَّجَهَا وَنَقَلَهَا مَعَهُ إِلَى الشَّامِ . قَالَ : فَذَهَبَ عَقْلُ وَضَّاحٍ عَلَيْهَا , وَجَعَلَ يَذُوبُ وَيَنْحُلُ , فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْبَلَاءُ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ , فَجَعَلَ يَطِيفُ بِقَصْرِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي كُلِّ يَوْمٍ , لَا يَجِدُ حِيلَةً , حَتَّى رَأَى يَوْمًا جَارِيَةً صَفْرَاءَ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى تَأَنَّسَ بِهَا , فَقَالَ لَهَا : هَلْ تَعْرِفِينَ أُمَّ الْبَنِينَ ؟ قَالَتْ : إِنَّكَ تَسْأَلُ عَنْ مَوْلَاتِي , فَقَالَ : إِنَّهَا لَابْنَةُ عَمِّي , وَإِنَّهَا لَتُسَرُّ بِوَضْعِي لَوْ أَخْبَرْتِيهَا قَالَتْ : إِنِّي أُخْبِرُهَا , فَمَضَتِ الْجَارِيَةُ فَأَخْبَرَتْ أُمَّ الْبَنِينَ , فَقَالَتْ : وَيْلَكِ أَوَحَيٌّ هُوَ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَتْ : قُولِي لَهُ : كُنْ مَكَانَكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ رَسُولِي , فَلَنْ أَدَعَ الِاحْتِيَالَ لَكَ , فَاحْتَالَتْ إِلَى أَنْ أَدْخَلَتْهُ إِلَيْهَا فِي صُنْدُوقٍ , فَمَكَثَ عِنْدَهَا حِينًا , حَتَّى إِذَا أَمِنَتْهُ أَخْرَجَتْهُ فَقَعَدَ مَعَهَا , وَإِذَا خَافَتْ عَيْنَ رَقِيبٍ أَدْخَلَتْهُ الصُّنْدُوقَ . فَأُهْدِيَ يَوْمًا لِلْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ جَوْهَرٌ , فَقَالَ لِبَعْضِ خَدَمِهِ : خُذْ هَذَا الْجَوْهَرَ فَامْضِ بِهِ إِلَى أُمِّ الْبَنِينَ , وَقُلْ لَهَا : أُهْدِيَ هَذَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينِ فَوَجَّهَ بِهِ إِلَيْكِ . فَدَخَلَ الْخَادِمُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَوَضَّاحٌ مَعَهَا فَلَمَحَهُ وَلَمْ تُشْعُرْ أُمُّ الْبَنِينَ , فَبَادَرَ إِلَى الصُّنْدُوقِ فَدَخَلَهُ , فَأَدَّى الْخَادِمُ الرِّسَالَةَ إِلَيْهَا وَقَالَ لَهَا : هَبِي لِي مِنْ هَذَا الْجَوْهَرِ حَجَرًا . فَقَالَتْ : لَا أُمَّ لَكَ , وَمَا تَصْنَعُ أَنْتَ بِهَذَا , فَخَرَجَ وَهُوَ عَلَيْهَا حَنِقٌ , فَجَاءَ الْوَلِيدَ فَخَبَّرَهُ الْخَبَرَ وَوَصَفَ لَهُ الصُّنْدُوقَ الَّذِي رَآهُ دَخَلَهُ , فَقَالَ لَهُ : كَذَبْتَ لَا أُمَّ لَكَ , ثُمَّ نَهَضَ الْوَلِيدُ مُسْرِعًا فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ وَفِيهِ صَنَادِيقُ عِدَادٌ , فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى ذَلِكَ الصُّنْدُوقِ الَّذِي وَصَفَ لَهُ الْخَادِمُ , فَقَالَ : يَا أُمَّ الْبَنِينَ هَبِي لِي صُنْدُوقًا مِنْ صَنَادِيقِكِ هَذِهِ , فَقَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , هَيَ وَأَنَا لَكَ . فَقَالَ : مَا أُرِيدُ غَيْرَ هَذَا الَّذِي تَحْتِي قَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنَ أُمُورِ النِّسَاءِ , فَقَالَ : مَا أُرِيدُ غَيْرَهُ , فَقَالَتْ : هُوَ لَكَ , فَأَمَرَ بِهِ فَحُمِلَ , وَدَعَا بِغُلَامَيْنِ فَأَمَرَهُمَا بِحَفْرِ بِئْرٍ فَحَفَرَا , حَتَّى إِذَا حَفَرَا فَبَلَغَا الْمَاءَ وَضَعَ فَمَهُ عَلَى الصُّنْدُوقِ وَقَالَ : أَيُّهَا الصُّنْدُوقُ , قَدْ بَلَغَنَا عَنْكَ شَيْءٌ , فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَقَدْ دَفَنَّا خَبَرَكَ وَدَرَسْنَا أَثَرَكَ , وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَمَا عَلَيْنَا فِي دَفْنِ صُنْدُوقٍ مِنْ خَشَبٍ . وَخَرَجَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأَلْقِيَ بِهِ فِي الْحُفْرَةِ , وَأَمَرَ بِالْخَادِمِ فَقُذِفَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَوْقَهُ وَطَمَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا التُّرَابَ . قَالَ : فَكَانَتْ أُمُّ الْبَنِينَ تُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ تَبْكِي إِلَى أَنْ وُجِدَتْ فِيهِ يَوْمًا مَكْبُوبَةً عَلَى وَجْهِهَا مَيِّتَةً |
564 وَأَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيُّ لِعَلِيِّ بْنِ الْجَهْمِ : خَافَتْ مُلَاحَظَةَ الرَّقِيبِ فَصَدَّهَا عَنْهُ الْحَذَارُ وَقَلْبُهَا مَعْمُودُ دَارَتْ بِعَبْرَتِهَا الْجُفُونُ وَلَمْ تَفِضْ فَكَأَنَّمَا بَيْنَ الْجُفُونِ مَزِيدُ |
567 وَأَنْشَدَنِي أَبُو سَهْلٍ الرَّازِي لِأَبِي تَمَّامٍ الطَّائِيِّ : خَوْفُ الرَّقِيبِ عَلَيُّ عَزْلُ رَقِيبِ وَبَعِيدُ سِرِّي عِنْدَهُ كَقَرِيبِ إِنْ قُلْتَ شَارِكْ حَافِظِي فَمَا لَهُ مِمَّا يُحَاوِلُ غَيْرُ عَدِّ ذُنُوبِي وَأَصَابَ مَحْجُوبَ الضَّمِيرِ بِظَنِّهِ فَكَأَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ الْمَحْجُوبِ وَإِذَا نَظَرْتَ قَرَأْتَ بَيْنَ عُيُونِنَا سِمَةَ الْهَوَى هَذَا حَبِيبُ حَبِيبِ فَالصَّبْرُ مَكْتُومٌ لَدَيْهِ بَيْنَنَا وَالْوَصْلُ يَمْشِي فِي ثِيَابِ غَرِيبِ |
568 حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّهْرِيُّ , حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : كَانَ السَّرِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيُّ يُشَبِّبُ بِامْرَأَةٍ , وَكَانَ قَصِيرًا ذَمِيمًا أُرَيْمِضَ , فَخَرَجَ يَوْمًا بِجَانِبِ الْحَرَّةِ يَمْشِي , فَبَصُرَ بِهَا فِي نِسْوَةٍ يَظْعَنَّ , فَقَالَ لِرَاعٍ فِي غَنْمٍ : أَعْطِنِي جُبَّتَكَ وَعَصَاكَ وَاتْرُكْنِي فِي غَنَمِكَ وَتَنَحَّ عَنِّي , وَجَعَلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا , فَفَعَلَ الرَّاعِي ذَلِكَ , فَخَرَجَ السَّرِيُّ يَمْشِي فِي الْغَنَمِ حَتَّى دَنَا مِنَ النِّسْوَةِ وَدَنَوْنَ مِنْهُ , وَهِيَ تَظُنُّهُ رَاعِيَ الْغَنَمِ , فَجَعَلَ يَبْحَثَ بِعَصَاهُ فِي الْأَرْضِ فَقُلْنَ لَهُ : يَا رَاعِيَ , أَذَهَبَ لَكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قُلْنَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : قَلْبِي مَالَ , فَعَرَفْتُهُ الْمَرْأَةُ حَيْثُ قَالَ هَذَا , فَضَرَبْتُ بِكُمِّهَا عَلَى وَجْهِهَا وَقَالَتِ : السَّرِيُّ أَخْزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى . فَقَالَ السَّرِيُّ : يَا مِسْكُ رُدِّي فُؤَادَ الْهَائِمِ الْكَمِدِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَطْلُبِي بِالْعَقْلِ وَالْقَوَدِ أَمَّا الْفُؤَادُ فَشَتَّى قَدْ ذَهَبْتِ بِهِ فَلَا يَضُرُّكِ أَلَّا تُحْزِنِي جَسَدِي حُزْتِ الْجَمَالَ وَنَشْرًا طَيِّبًا أَرَجًا فَمَا تَشُمِّينَ إِلَّا مِسْكَةَ الْبَلَدِ قَالَ عَمِّي : حَدَّثَ أَبِي الْمَهْدِيَّ الْحَدِيثَ فَاسْتَطْرَفَهُ , وَأَنْشَدَهُ الشِّعْرَ فَاسْتَحْسَنَهُ |
569 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الْجُعْفِيُّ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ كُثَيِّرَ عَزَّةَ لَقِيَ جَمِيلًا , فَقَالَ لَهُ : مَتَى عَهْدُكَ بِبُثَيْنَةَ ؟ قَالَ : مَالِي بِهَا عَهْدٌ مُنْذُ عَامِ أَوَّلَ وَهِيَ تَغْسِلُ ثَوْبًا بِوَادِي الرُّومِ , فَقَالَ لَهُ كُثَيِّرٌ : أَتُحِبُّ أَنْ أَعِدَهَا لَكَ اللَّيْلَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَأَقْبَلَ إِلَى بُثَيْنَةَ , فَقَالَ لَهُ أَبُوهَا : أَيَا فُلَانٌ , مَا رَدَّكَ ؟ أَمَا كُنْتَ عِنْدَنَا قَبِيلٌ ؟ قَالَ : بَلَى , وَلَكِنْ أَحْضَرَنِي أَبْيَاتٌ قُلْتُهَا فِي عَزَّةَ قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ لَهَا : يَا عَزُّ أَرْسَلَ صَاحِبِي عَلَى نَأْيِ دَارِي وَالرَّسُولُ تَوَكَّلُ بِأَنْ تَجْعَلِي بَيْنِي وَبَيْنَكِ مَوْعِدًا وَأَنْ تُخْبِرِينِي مَا الَّذِي فِيهِ أَفْعَلُ أَمَا تَذْكُرِينِي الْعَهْدَ يَوْمَ لَقِيتُكُمْ بِأَسْفَلِ وَادِي الرُّومِ وَالثَّوْبُ يُغْسَلُ فَقَالَتْ بُثَيْنَةُ : اخْتَبِئْ , فَقَالَ أَبُوهَا : مَا هَاجَكِ يَا بُثَيْنَةُ ؟ قَالَتْ : كَلْبٌ لَا يَزَالُ يَأْتِينَا مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْجَبَلِ بِاللَّيْلِ , وَأَنْصَافِ النَّهَارِ . قَالَ : فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ : قَدْ وَعَدَتْكَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْجَبَلِ بِاللَّيْلِ وَأَنْصَافِ النَّهَارِ , فَالْقَهَا إِذَا شِئْتَ |