حَجُّ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنْسَاءُ الشُّهُورِ وَمَوَاسِمُهُمْ وَمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

حَجُّ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنْسَاءُ الشُّهُورِ وَمَوَاسِمُهُمْ وَمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

195 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنِي جَدِّي ، قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَاني ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَتِ الْعَرَبُ عَلَى دِينَيْنِ : حِلَّةٍ وَحُمْسٍ ، فَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَكُلُّ مَنْ وَلَدَتْ مِنَ الْعَرَبِ ، وَكِنَانَةُ وَخُزَاعَةُ ، وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ ، وَجُشَمُ ، وَبَنُو رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، وَأَزْدُ شَنُوءَةَ ، وَجُذَمُ ، وَزُبَيْدٌ ، وَبَنُو ذَكْوَانَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ، وَعَمْرُو اللَّاتِ ، وَثَقِيفٌ ، وَغَطَفَانُ ، وَالْغَوْثُ ، وَعَدْوَانُ ، وَعِلَافٌ ، وَقُضَاعَةُ ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا أَنْكَحُوا عَرَبِيًّا امْرَأَةً مِنْهُمُ اشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلَدَتْ لَهُ فَهُوَ أَحْمَسِيٌّ عَلَى دِينِهِمْ ، وَزَوَّجَ الْأَدْرَمُ تَيْمُ بْنُ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ ابْنَهُ مَجْدًا ابْنَةَ تَيْمٍ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَلَى أَنَّ وَلَدَهُ مِنْهَا أَحْمَسِيٌّ عَلَى سُنَّةِ قُرَيْشٍ وَفِيهَا يَقُولُ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ جَعْفَرٍ الْكِلَابِيُّ :
سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى
نُمَيْرًا وَالْقَبَائِلَ مِنْ هِلَالِ
وَذَكَرُوا أَنَّ مَنْصُورَ بْنَ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ تَزَوَّجَ سَلْمَى بِنْتَ ضُبَيْعَةَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَعْصُرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ ، فَوَلَدَتْ لَهُ هَوَازِنَ ، فَمَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا ، فَنَذَرَتْ سَلْمَى لَئِنْ بَرَأَ لَتَحْمِسَنَّهُ ، فَلَمَّا بَرَأَ حَمَسَتْهُ ، فَلَمْ تَكُنْ نِسَاؤُهُمْ يَنْسِجْنَ وَلَا يَغْزِلْنَ الشَّعْرَ ، وَلَا يَسْلِئْنْ السَّمْنَ إِذَا أَحْرَمُوا . قَالَ : وَكَانَتِ الْحُمْسُ إِذَا أَحْرَمُوا لَا يَأْتَقِطُوا الْأَقِطَ ، وَلَا يَأْكُلُوا السَّمْنَ وَلَا يَسْلَئُونَهُ ، وَلَا يَمْخُضُونَ اللَّبَنَ ، وَلَا يَأْكُلُونَ الزُّبْدَ ، وَلَا يَلْبَسُونَ الْوَبَرَ وَلَا الشَّعْرَ ، وَلَا يَسْتَظِلُّونَ بِهِ مَا دَامُوا حُرُمًا ، وَلَا يَغْزِلُونَ الْوَبَرَ وَلَا الشَّعْرَ وَلَا يَنْسِجْنَهُ ، وَإِنَّمَا يَسْتَظِلُّونَ بِالْأَدَمِ ، وَلَا يَأْكُلُونَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ الْحَرَمِ ، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ ، وَلَا يَخْفِرُونَ فِيهَا الذِّمَّةَ ، وَلَا يَظْلِمُونَ فِيهَا ، وَيَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهِمْ ثِيَابُهُمْ ، وَكَانُوا إِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلَ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدَرِ - يَعْنِي أَهْلَ الْبُيُوتِ وَالْقُرَى - نَقَبَ نَقْبًا فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ ، فَمِنْهُ يَدْخُلُ وَمِنْهُ يَخْرُجُ ، وَلَا يَدْخُلُ من بَابَهُ ، وَكَانَتِ الْحُمْسُ تَقُولُ : لَا تُعَظِّمُوا شَيْئًا مِنَ الْحِلِّ ، وَلَا تُجَاوِزُوا الْحَرَمَ فِي الْحَجِّ ، فَلَا يَهَابُ النَّاسُ حَرَمَكُمْ ، وَيَرَوْنَ مَا تُعَظِّمُونَ مِنَ الْحِلِّ كَالْحَرَمِ فَقَصَّرُوا عَنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ وَهُوَ مِنَ الْحِلِّ ، فَلَمْ يَكُونُوا يَقِفُونَ بِهِ وَلَا يُفِيضُونَ مِنْهُ ، وَجَعَلُوا مَوْقِفَهُمْ فِي طَرَفِ الْحَرَمِ مِنْ نَمِرَةَ بِمَفْضَى الْمَأْزِمَيْنِ ، يَقِفُونَ بِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، وَيَظَلُّونَ بِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْأَرَاكِ مِنْ نَمِرَةَ ، وَيُفِيضُونَ مِنْهُ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ ، فَإِذَا عَمَّمَتِ الشَّمْسُ رُءُوسَ الْجِبَالِ دَفَعُوا . وَكَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ ، لَا نَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ وَنَحْنُ الْحُمْسُ . فَتَحَمَّسَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ وَلَدَتْ ، فَتَحَمَّسَتْ مَعَهُمْ هَذِهِ الْقَبَائِلُ ، فَسُمِّيَتِ الْحُمْسَ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْحُمْسُ حُمْسًا لِلتَّشْدِيدِ فِي دِينِهِمْ ، فَالْأَحْمَسِيُّ فِي لُغَتِهِمُ الْمُشَدِّدُ فِي دِينِهِ ، وَكَانَتِ الْحُمْسُ مِنْ دِينِهِمْ إِذَا أَحْرَمُوا أَنْ لَا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنَ الْبُيُوتِ وَلَا يَسْتَظِلُّوا تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ ، يَنْقُبُ أَحَدُهُمْ نَقْبًا فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ ، فَمِنْهُ يَدْخُلُ إِلَى حُجْرَتِهِ وَمِنْهُ يَخْرُجُ ، وَلَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِهِ ، وَلَا يَجُوزُ تَحْتَ أُسْكُفَّةِ بَابِهِ وَلَا عَارِضَتِهِ ، فَإِذَا أَرَادُوا بَعْضَ أَطْعِمَتِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ ، تَسَوَّرُوا مِنْ ظَهْرِ بُيُوتِهِمْ وَأَدْبَارِهَا حَتَّى يَظْهَرُوا عَلَى السُّطُوحِ ، ثُمَّ يَنْزِلُونَ فِي حُجْرَتِهِمْ ، وَيُحَرِّمُونَ أَنْ يَمُرُّوا تَحْتَ عَتَبَةِ الْبَابِ ، وَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَحْرَمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَدَخَلَ بَيْتَهُ ، وَكَانَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَوَقَفَ الْأَنْصَارِيُّ بِالْبَابِ ، فَقَالَ لَهُ : أَلَا تَدْخُلُ ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : إِنِّي أَحْمَسِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَنَا أَحْمَسِيٌّ ، دِينِي وَدِينُكَ سَوَاءٌ . فَدَخَلَ الْأَنْصَارِيُّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَآهُ دَخَلَ مِنْ بَابِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } وَكَانَتِ الْحِلَّةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، أَوَّلُ مَا يَطُوفُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ يَحُجُّهَا عُرَاةً ، وَكَانَتْ بَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَعَكٌّ مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، فَكَانُوا إِذَا طَافَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ عُرْيَانَةً ، تَضَعُ إِحْدَى يَدَيْهَا عَلَى قُبُلِهَا ، وَالْأُخْرَى عَلَى دُبُرِهَا ، ثُمَّ تَقُولُ :
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ
وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَكَانَتْ قَبَائِلُ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَغَيْرِهِمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً ، الرِّجَالُ بِالنَّهَارِ وَالنِّسَاءُ بِاللَّيْلِ ، فَإِذَا بَلَغَ أَحَدُهُمْ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ لِلْحُمْسِ : مَنْ يُعِيرُ مَصُونًا ؟ مَنْ يُعِيرُ مَعُوزًا ؟ فَإِنْ أَعَارَهُ أَحْمَسِيٌّ ثَوْبَهُ طَافَ بِهِ ، وَإِلَّا أَلْقَى ثِيَابَهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ دَخَلَ لِلطَّوَافِ ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا عُرْيَانًا ، وَكَانُوا يَقُولُونَ : لَا نَطُوفُ فِي الثِّيَابِ الَّتِي قَارَفْنَا فِيهَا الذُّنُوبَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى ثِيَابِهِ ، فَيَجِدُهَا لَمْ تُحَرَّكْ ، وَكَانَ بَعْضُ نِسَائِهِمْ تَتَّخِذُ سُيُورًا فَتُعَلِّقُهَا فِي حَقْوَتِهَا وَتَسْتَتِرُ بِهَا ، وَهُوَ يَوْمَ تَقُولُ فِيهَا قَوْلَ الْعَامِرِيَّةِ :
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ
فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ
إِلَّا أَنْ يَتَكَرَّمَ مِنْهُمْ مُتَكَرِّمٌ فَيَطُوفَ فِي ثِيَابِهِ ، فَإِنْ طَافَ فِيهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهَا أَبَدًا وَلَا يَنْتَفِعَ بِهَا وَيَطْرَحَهَا لَقًا . وَاللَّقَا هَذِهِ الثِّيَابُ الَّتِي يَطُوفُونَ فِيهَا ، يَرْمُونَ بِهَا بَابَ الْمَسْجِدِ ، فَلَا يَمَسُّهَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ حَتَّى تُبْلِيَهَا الشَّمْسُ وَالْأَمْطَارُ وَالرِّيَاحُ وَوَطْءُ الْأَقْدَامِ ، وَفِيهِ يَقُولُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الْأَسَدِيُّ :
كَفَى حَزَنًا كَرَّى عَلَيْهِ كَأَنَّهُ
لَقًا بَيْنَ أَيْدِي الطَّائِفِينَ حَرِيمُ
قَالَ الْكَلْبِيُّ : فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَنْسَأَ الشُّهُورَ مِنْ مُضَرَ مَالِكُ بْنُ كِنَانَةَ ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ كِنَانَةَ نَكَحَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ ثَوْرٍ الْكِنْدِيِّ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي كِنْدَةَ ، وَكَانَتِ النَّسَاءَةُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي كِنْدَةَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُلُوكَ الْعَرَبِ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ ، وَكَانَتْ كِنْدَةُ مِنْ أَرْدَافِ الْمَقَاوِلِ ، فَنَسَأَ ثَعْلَبَةُ بْنُ مَالِكٍ ، ثُمَّ نَسَأَ بَعْدَهُ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ وَهُوَ الْقَلَمَّسُ ، ثُمَّ نَسَأَ بَعْدَهُ سَرِيرُ بْنُ الْقَلَمَّسِ ، ثُمَّ كَانَتِ النَّسَاءَةُ فِي بَنِي فُقَيْمٍ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ نَسَأَ مِنْهُمْ أَبُو ثُمَامَةَ جُنَادَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمٍ ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، أَنَا لَهُ جَارٌ فَأَخِّرُوا عَنْهُ . فَخَفَقَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا الْجِلْفُ الْجَافِي ، قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عِزَّكَ بِالْإِسْلَامِ . فَكُلُّ هَؤُلَاءِ قَدْ نَسَأَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَالَّذِي يَنْسَأُ لَهُمْ إِذَا أَرَادُوا أَنْ لَا يُحِلُّوا الْمُحَرَّمَ قَامَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الصَّدْرِ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، لَا تُحِلُّوا حُرُمَاتِكُمْ ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَكُمْ ، فَإِنِّي أُجَابُ وَلَا أُعَابُ ، وَلَا يُعَابُ لِقَوْلٍ قُلْتُهُ . فَهُنَالِكَ يُحَرِّمُونَ الْمُحَرَّمَ ذَلِكَ الْعَامَ . وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا الْأَوَّلَ ، وَصَفَرَ صَفَرَ الْآخَرَ ، فَيَقُولُونَ : صَفَرَانِ ، وَشَهْرَا رَبِيعٍ ، وَجُمَادَيَانِ ، وَرَجَبٌ ، وَشَعْبَانُ ، وَشَهْرُ رَمَضَانَ ، وَشَوَّالٌ ، وَذُو الْقَعْدَةِ ، وَذُو الْحِجَّةِ . فَكَانَ يُنْسَأُ الْإِنْسَاءُ سَنَةً وَيُتْرَكُ سَنَةً ؛ لِيُحِلُّوا الشُّهُورَ الْمُحَرَّمَةَ ، وَيُحَرِّمُوا الشُّهُورَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ إِبْلِيسَ ، أَلْقَاهُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ فَرَأَوْهُ حَسَنًا ، فَإِذَا كَانَتِ السَّنَةُ الَّتِي يَنْسَأُ فِيهَا ، يَقُومُ فَيَخْطُبُ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ ، وَيَجْتَمِعُ النَّاسُ إِلَيْهِ يَوْمَ الصَّدْرِ ، فَيَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي قَدْ أَنْسَأْتُ الْعَامَ صَفَرَ الْأَوَّلَ - يَعْنِي الْمُحَرَّمَ . فَيَطْرَحُونَهُ مِنَ الشُّهُورِ وَلَا يَعْتَدُّونَ بِهِ ، وَيَبْتَدِئُونَ الْعِدَّةَ ، فَيَقُولُونَ لِصَفَرٍ وَشَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ صَفَرَيْنِ ، وَيَقُولُونَ لِشَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَلِجُمَادَى الْأُولَى شَهْرَيْ رَبِيعٍ ، وَيَقُولُونَ لِجُمَادَى الْآخِرَةِ وَلِرَجَبٍ جُمَادَيَيْنِ ، وَيَقُولُونَ لِشَعْبَانَ رَجَبًا ، وَلِشَهْرِ رَمَضَانَ شَعْبَانَ ، وَيَقُولُونَ لِشَوَّالٍ شَهْرَ رَمَضَانَ ، وَلِذِي الْقَعْدَةِ شَوَّالًا ، وَلِذِي الْحِجَّةِ ذَا الْقَعْدَةِ ، وَلِصَفَرٍ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُحَرَّمُ الشَّهْرُ الَّذِي أَنْسَأَهُ ذَا الْحِجَّةِ ، فَيَحُجُّونَ تِلْكَ السَّنَةَ فِي الْمُحَرَّمِ ، وَيَبْطُلُ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ شَهْرًا يُنْسِئُهُ ، ثُمَّ يَخْطُبُهُمْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ أَيْضًا ، فَيَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ ، لَا تُحِلُّوا حُرُمَاتِكُمْ ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَكُمْ ، فَإِنِّي أُجَابُ وَلَا أُعَابُ ، وَلَا يُعَابُ لِقَوْلٍ قُلْتُهُ ، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَحْلَلْتُ دِمَاءَ الْمُحِلِّينَ طَيِّئٍ وَخَثْعَمٍ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ . وَإِنَّمَا أَحَلَّ دِمَاءَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْدُونَ عَلَى النَّاسِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنْ بَيْنِ الْعَرَبِ ، فَيُعرُّونَهُمْ يَطْلُبُونَ بِثَأْرِهِمْ ، وَلَا يَقِفُونَ عَنْ حُرُمَاتِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَمَا يَفْعَلُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ ، فَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ مِنَ الْحِلَّةِ وَالْحُمْسِ لَا يَعْدُونَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَوْ لَقِيَ أَحَدُهُمْ قَاتِلَ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ ، وَلَا يَسْتَاقُونَ مَالًا ؛ إِعْظَامًا لِلشُّهُورِ الْحُرُمِ ، إِلَّا خَثْعَمَ وَطَيِّئَ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَعْدُونَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، فَهُنَالِكَ يُحَرِّمُونَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ الْمُحَرَّمَ ، وَهُوَ صَفَرٌ الْأَوَّلُ ، ثُمَّ يَعُدُّونَ الشُّهُورَ عَلَى عِدَّتِهِمُ الَّتِي عَدُّوهَا فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ ، فَيَحُجُّونَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَجَّتَيْنِ ، ثُمَّ يُنْسَأُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، فَيُنْسَأُ صَفَرٌ الْأَوَّلُ فِي عِدَّتِهِمْ هَذِهِ ، وَهُوَ صَفَرٌ الْآخَرُ فِي الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ ، حَتَّى تَكُونَ حَجَّتُهُمْ فِي صَفَرٍ أَيْضًا حَجَّتَيْنِ ، وَكَذَلِكَ الشُّهُورُ كُلُّهَا حَتَّى يَسْتَدِيرَ الْحَجُّ فِي كُلِّ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً إِلَى الْمُحَرَّمِ الَّذِي ابْتَدَءُوا مِنْهُ الْإِنْسَاءَ ، يَحُجُّونَ فِي الشُّهُورِ كُلِّهَا ، فِي كُلِّ شَهْرٍ حَجَّتَيْنِ ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ ، أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ : { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ } . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } . فَلَمَّا كَانَ عَامُ فَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ ، اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ عَلَى مَكَّةَ ، وَمَضَى إِلَى حُنَيْنٍ فَغَزَا هَوَازِنَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا مَضَى إِلَى الطَّائِفِ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنِ الطَّائِفِ إِلَى الْجِعْرَانَةِ ، فَقَسَمَ بِهَا غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ لَيْلًا مُعْتَمِرًا ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ لَيْلَتِهِ ، وَمَضَى إِلَى الْجِعْرَانَةِ ، فَأَصْبَحَ بِهَا كَبَائِتٍ ، فَأَنْشَأَ الْخُرُوجَ مِنْهَا رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَهَبَطَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ فِي بَطْنِ سَرِفَ حَتَّى لَقِيَ طَرِيقَ الْمَدِينَةِ مِنْ سَرِفَ ، وَلَمْ يُؤْذَنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ تِلْكَ السَّنَةِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّ وَقَعَ تِلْكَ السَّنَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ عَتَّابًا عَلَى الْحَجِّ تِلْكَ السَّنَةَ ، سَنَةَ ثَمَانٍ ، وَلَا أَمَرَهُ فِيهِ بِشَيْءٍ ، فَلَمَّا جَاءَ الْحَجُّ حَجَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فَدَفَعُوا مَعًا ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي نَاحِيَةٍ ، يَدْفَعُ بِهِمْ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ وَيَقِفُ بِهِمُ الْمَوَاقِفَ ؛ لِأَنَّهُ أَمِيرُ الْبَلَدِ ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ مِمَّنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فِي نَاحِيَةٍ ، يَدْفَعُ بِهِمْ أَبُو سَيَّارَةَ الْعَدْوَانِيُّ عَلَى أَتَانٍ عَوْرَاءَ رَسَنُهَا لِيفٌ . قَالَ : فَلَمَّا كَانَ سَنَةَ تِسْعٍ ، وَقَعَ الْحَجُّ فِي ذِي الْحِجَّةِ ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْحَجِّ ، وَعَلَّمَهُ الْمَنَاسِكَ ، وَأَمَرَهُ بِالْوُقُوفِ عَلَى عَرَفَةَ وَعَلَى جَمْعٍ ، ثُمَّ نَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةٌ خِلَافَ أَبِي بَكْرٍ ، فَبَعَثَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَمَرَهُ إِذَا خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ وَفَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ قَامَ عَلِيٌّ ، فَقَرَأَ عَلَى النَّاسِ سُورَةَ بَرَاءَةٌ ، وَنَبَذَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عَهْدَهُمْ ، وَقَالَ : لَا يَجْتَمِعَنَّ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ عَلَى هَذَا الْمَوْقِفِ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا . وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الَّذِي يَخْطُبُ عَلَى النَّاسِ وَيُصَلِّي بِهِمْ ، وَيَدْفَعُ بِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ ، فَلَمَّا كَانَ سَنَةَ عَشْرٍ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ ، فَحَجَّ رَسُولُ اللَّهِ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ، وَهِيَ حَجَّةُ التَّمَامِ ، فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ، فَلَا شَهْرَ يُنْسَأُ ، وَلَا عِدَّةَ تُخَطَّا ، وَإِنَّ الْحَجَّ فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . قَالَ : وَكَانَتِ الْإِفَاضَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى صُوفَةَ ، وَصُوفَةُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَخْزَمُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسَدِ ، وَكَانَ أَخْزَمُ قَدْ تَصَدَّقَ بِابْنٍ لَهُ عَلَى الْكَعْبَةِ يَخْدُمُهَا ، فَجَعَلَ إِلَيْهِ حَبَشِيَّةُ بْنُ سَلُولِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْخُزَاعِيُّ الْإِفَاضَةَ بِالنَّاسِ عَلَى الْمَوْقِفِ ، وَحَبَشِيَّةُ يَوْمَئِذٍ يَلِي حِجَابَةَ الْكَعْبَةِ وَأَمْرَ مَكَّةَ ، يَصْطَفُّ النَّاسُ عَلَى الْمَوْقِفِ ، فَيَقُولُ حَبَشِيَّةُ : أَجِيزِى صُوفَةُ . فَيَقُولُ الصُّوفِيُّ : أَجِيزُوا أَيُّهَا النَّاسُ . فَيَجُوزُونَ . يُقَالُ : إِنَّ امْرَأَةً مِنْ جُرْمٍ تَزَوَّجَهَا أَخْزَمُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسَدِ ، وَكَانَتْ عَاقِرًا ، فَنَذَرَتْ إِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا أَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ عَبْدًا لَهَا يَخْدُمُهَا وَيَقُومُ عَلَيْهَا ، فَوَلَدَتْ مِنْ أَخْزَمَ الْغَوْثَ ، فَتَصَدَّقَتْ بِهِ عَلَيْهَا ، فَكَانَ يَخْدُمُهَا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ مَعَ أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمٍ ، فَوَلِيَ الْإِجَازَةَ بِالنَّاسِ ؛ لِمَكَانِهِ مِنَ الْكَعْبَةِ ، وَقَالَتْ أُمُّهُ حِينَ أَتَمَّتْ نَذْرَهَا ، وَخَدَمَ الْغَوْثُ بْنُ أَخْزَمَ الْكَعْبَةَ :
إِنِّي جَعَلْتُ رَبِّ مِنْ بُنَيَّهْ
رَبِيطَةً بِمَكَّةَ الْعَلِيَّةْ

فَبَارِكَنَّ لِي بِهَا أَلِيَّهْ
وَاجْعَلْهُ لِي مِنْ صَالِحِ الْبَرِيَّةْ
فَوَلِيَ الْغَوْثُ بْنُ أَخْزَمَ الْإِجَازَةَ مِنْ عَرَفَةَ وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ فِي زَمَنِ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ حَتَّى انْقَرَضُوا ، ثُمَّ صَارَتِ الْإِفَاضَةُ فِي عَدْوَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ فِي زَمَنِ قُرَيْشٍ فِي عَهْدِ قُصَىٍّ ، وَكَانَتْ مِنْ بَنِي عَدْوَانَ فِي آلِ زَيْدِ بْنِ عَدْوَانَ يَتَوَارَثُونَهُ ، حَتَّى كَانَ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ سَيَّارَةٌ الْعَدْوَانِيُّ ، وَهُوَ عُمَيْرٌ الْأَعْزَلُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدْوَانَ ، وَكَانَ أَيْضًا مِنْ عَدْوَانَ حَاكِمُ الْعَرَبِ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ ، فَإِذَا كَانَ الْحَجُّ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ ذَا الْحِجَّةِ ، خَرَجَ النَّاسُ إِلَى مَوَاسِمِهِمْ ، فَيُصْبِحُونَ بِعُكَاظٍ يَوْمَ هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ ، فَيُقِيمُونَ بِهِ عِشْرِينَ لَيْلَةً ، تَقُومُ فِيهَا أَسْوَاقُهُمْ بِعُكَاظٍ ، وَالنَّاسُ عَلَى مَدَاعِيهِمْ وَرَايَاتِهِمْ مُنْحَازِينَ فِي الْمَنَازِلِ ، تَضْبِطُ كُلَّ قَبِيلَةٍ أَشْرَفُهَا وَقَادَتُهَا ، وَيَدْخُلُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي بَطْنِ السُّوقِ ، فَإِذَا مَضَتِ الْعِشْرُونَ انْصَرَفُوا إِلَى مَجَنَّةَ ، فَأَقَامُوا بِهَا عَشْرًا أَسْوَاقُهُمْ قَائِمَةٌ ، فَإِذَا رَأَوْا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ انْصَرَفُوا إِلَى ذِي الْمَجَازِ ، فَأَقَامُوا بِهِ ثَمَانِي لَيَالٍ أَسْوَاقُهُمْ قَائِمَةٌ ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ ذِي الْمَجَازِ إِلَى عَرَفَةَ ، فَيَتَرَوَّوْنَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْمَاءِ بِذِي الْمَجَازِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ؛ لِتَرَوِّيهِمْ مِنَ الْمَاءِ بِذِي الْمَجَازِ ، يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا تَرَوَّوْا مِنَ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَاءَ بِعَرَفَةَ وَلَا بِالْمُزْدَلِفَةِ يَوْمَئِذٍ ، وَكَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ آخِرَ أَسْوَاقِهِمْ ، وَإِنَّمَا كَانَ يَحْضُرُ هَذِهِ الْمَوَاسِمِ بِعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَذِي الْمَجَازِ التُّجَّارُ َمَنْ كَانَ يُرِيدُ التِّجَارَةَ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِهِ مَتَى أَرَادَ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِمَّنْ لَا يُرِيدُ التِّجَارَةَ ، خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، فَيَتَرَوَّوْا مِنَ الْمَاءِ ، فَتَنْزِلُ الْحُمْسُ أَطْرَافَ الْحَرَمِ مِنْ نَمِرَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ ، وَتَنْزِلُ الْحِلَّةُ عَرَفَةَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَنَتِهِ الَّتِي دَعَا فِيهَا بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَا يَقِفُ مَعَ قُرَيْشٍ وَالْحُمْسِ فِي طَرَفِ الْحَرَمِ ، وَكَانَ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ . قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : أَضْلَلْتُ بَعِيرًا يَوْمَ عَرَفَةَ ، فَخَرَجْتُ أَقُصُّهُ وَأَتَّبِعُهُ بِعَرَفَةَ ، إِذْ أَبْصَرْتُ مُحَمَّدًا بِعَرَفَةَ ، فَقُلْتُ : هَذَا مِنَ الْحُمْسِ ، مَا يُوقِفُهُ هَاهُنَا ؟ فَعَجِبْتُ لَهُ . قَالَ : وَكَانُوا لَا يَتَبَايَعُونَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَلَا أَيَّامِ مِنًى ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ أَحَلَّ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ } . وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : ( فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ ) يَعْنِي مِنًى وَعَرَفَةَ وَعُكَاظَ وَمَجَنَّةَ ، وَذَا الْمَجَازِ ، فَهَذِهِ مَوَاسِمُ الْحَجِّ . فَإِذَا جَاءُوا عَرَفَةَ أَقَامُوا بِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ ، فَتَقِفُ الْحِلَّةُ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، وَتَقِفُ الْحُمْسُ عَلَى أَنْصَابِ الْحَرَمِ مِنْ نَمِرَةَ ، فَإِذَا دَفَعَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَةَ وَأَفَاضُوا ، أَفَاضَتِ الْحُمْسُ مِنْ أَنْصَابِ الْحَرَمِ ، وَأَفَاضَتِ الْحِلَّةُ مِنْ عَرَفَةَ ، حَتَّى يَلْتَقُوا بِمُزْدَلِفَةَ جَمِيعًا ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ إِذَا طَفَلَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ وَكَانَتْ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ ، كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْوَقْتُ دَفَعَتِ الْحِلَّةُ مِنْ عَرَفَةَ ، وَدَفَعَتْ مَعَهَا الْحُمْسُ مِنْ أَنْصَابِ الْحَرَمِ ، حَتَّى يَأْتُوا جَمِيعًا مُزْدَلِفَةَ فَيَبِيتُونَ بِهَا ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الْغَلَسِ وَقَفَتِ الْحِلَّةُ وَالْحُمْسُ عَلَى قُزَحَ ، فَلَا يَزَالُونَ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَصَارَتْ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ دَفَعُوا مِنْ مُزْدَلِفَةَ ، وَكَانُوا يَقُولُونَ : أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ . أَيْ أَشْرِقْ بِالشَّمْسِ حَتَّى نَدْفَعَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْحُمْسِ : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } ، يَعْنِي مِنْ عَرَفَةَ . وَالنَّاسُ الَّذِينَ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْهَا أَهْلُ الْيَمَنِ وَرَبِيعَةُ وَتَمِيمٌ ، فَلَمَّا حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ بِعَرَفَةَ ، فَقَالَ : إِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ إِذَا صَارَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ ، وَيَدْفَعُونَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ ، وَإِنَّا لَا نَدْفَعُ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، وَنُحِلَّ فِطْرَ الصَّائِمِ ، وَنَدْفَعُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، هَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ قَالَ الْكَلْبِيُّ : وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَسْوَاقُ بِعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَذِي الْمَجَازِ قَائِمَةً فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى كَانَ حَدِيثًا مِنَ الدَّهْرِ ، فَأَمَّا عُكَاظٌ فَإِنَّمَا تُرِكَتْ عَامَ خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ بِمَكَّةَ مَعَ أَبِي حَمْزَةَ الْمُخْتَارِ بْنِ عَوْفٍ الْأَزْدِيِّ الْإِبَاضِيِّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ، خَافَ النَّاسُ أَنْ يُنْهَبُوا وَخَافُوا الْفِتْنَةَ ، فَتُرِكَتْ حَتَّى الْآنَ ، ثُمَّ تُرِكَتْ مَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَاسْتَغْنَوْا بِالْأَسْوَاقِ بِمَكَّةَ وَبِمِنًى وَبِعَرَفَةَ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ : وَعُكَاظٌ وَرَاءَ قَرْنِ الْمَنَازِلِ بِمَرْحَلَةٍ عَلَى طَرِيقِ صَنْعَاءَ فِي عَمَلِ الطَّائِفِ عَلَى بَرِيدٍ مِنْهَا ، وَهِيَ سُوقٌ لِقَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ وَثَقِيفٍ ، وَأَرْضُهَا لِنَصْرٍ ، وَمَجَنَّةُ سُوقٌ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ عَلَى بَرِيدٍ مِنْهَا ، وَهِيَ سُوقٌ لِكِنَانَةَ ، وَأَرْضُهَا مِنْ أَرْضِ كِنَانَةَ ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا بِلَالٌ :
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
بِفَخٍّ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ
وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
وَشَامَةُ وَطَفِيلٌ جَبَلَانِ مُشْرِفَانِ عَلَى مَجَنَّةَ . وَذُو الْمَجَازِ سُوقٌ لِهُذَيْلٍ عَنْ يَمِينِ الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ قَرِيبٌ مِنْ كَبْكَبٍ ، عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ عَرَفَةَ ، وَحُبَاشَةُ سُوقُ الْأَزْدِ ، وَهِيَ فِي دِيَارِ الْأَوْصَامِ مِنْ بَارِقٍ مِنْ صَدْرِ قَنَوْنَا وَحَلْيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ ، وَهِيَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى سِتِّ لَيَالٍ ، وَهِيَ آخِرُ سُوقٍ خَرِبَتْ مِنْ أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ وَالِي مَكَّةَ يَسْتَعْمِلُ عَلَيْهَا رَجُلًا يَخْرُجُ مَعَهُ بِجُنْدٍ ، فَيُقِيمُونَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ رَجَبٍ مُتَوَالِيَةٍ ، حَتَّى قَتَلَتِ الْأَزْدُ وَالِيًا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ غِنَى ، بَعَثَهُ دَاوُدُ بْنُ عِيسَى بْنِ مُوسَى فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ ، فَأَشَارَ فُقَهَاءُ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى دَاوُدَ بْنِ عِيسَى بِتَخْرِيبِهَا ، فَخَرَّبَهَا ، وَتُرِكَتْ إِلَى الْيَوْمِ ، وَإِنَّمَا تُرِكَ ذِكْرُ حُبَاشَةَ مَعَ هَذِهِ الْأَسْوَاقِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ وَلَا فِي أَشْهُرِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي رَجَبٍ . قَالَ : وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ أَفْجَرَ الْفُجُورِ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، تَقُولُ قُرَيْشٌ وَغَيْرُهَا مِنَ الْعَرَبِ : لَا تَحْضُرُوا سُوقَ عُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَذِي الْمَجَازِ إِلَّا مُحْرِمِينَ بِالْحَجِّ . وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ أَنْ يَأْتُوا شَيْئًا مِنَ الْمَحَارِمِ أَوْ يَعْدُوا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَفِي الْحَرَمِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْفِجَارَ لِمَا صُنِعَ فِيهِ مِنَ الْفُجُورِ ، وَسُفِكَ فِيهِ مِنَ الدِّمَاءِ ، فَكَانُوا يَأْمَنُونَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَفِي الْحَرَمِ ، وَكَانُوا يَقُولُونَ : إِذَا بَرَأَ الدُّبُرُ ، وَعَفَى الْوَبَرُ ، وَدَخَلَ صَفَرٌ ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ . يَعْنُونَ إِذَا بَرَأَ دُبُرُ الْإِبِلِ الَّتِي كَانُوا شَهِدُوا الْمَوْسِمَ وَحَجُّوا عَلَيْهَا وَعَفَا وَبَرُهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فِي الْإِسْلَامِ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَاعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَةً كُلُّهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَعُمْرَةُ الْقَضَا مِنْ قَابِلٍ ، وَعُمْرَتُهُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ ، كُلُّهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، وَأَرْسَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَعَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ ، فَاعْتَمَرَتْ مِنَ التَّنْعِيمِ . قَالَ : وَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ يُحْدِثُ الْحَدَثَ بِقَتْلِ الرَّجُلِ أَوْ يَلْطُمُهُ ، أَوْ يَضْرِبُهُ ، فَيَرْبِطُ لِحَا مِنْ لِحَا الْحَرَمِ قِلَادَةً فِي رَقَبَتِهِ ، وَيَقُولُ : أَنَا صَرُورَةٌ ، فَيُقَالُ : دَعُوا الصَّرُورَةَ بِجَهْلِهِ ، وَإِنْ رَمَى بِجَعْرِهِ فِي رجلِهِ . فَلَا يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَإِنَّ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أُخِذَ بِحَدَثِهِ . قَالَ : فَكَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ وَهُوَ رَبِيعَةُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْخُزَاعِيُّ ، وَهُوَ الَّذِي غَيَّرَ دِينَ الْحَنِيفِيَّةِ دِينَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا سَيِّدَا مُطَاعًا ، يُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَيَحْمِلُ الْمَغْرَمَ ، وَكَانَ مَا قَالَ لَهُمْ فَهُوَ دِينٌ مُتَّبَعٌ لَا يُعْصَى ، وَكَانَ إِبْلِيسُ يُلْقِي عَلَى لِسَانِهِ الشَّيْءَ الَّذِي يُغَيِّرُ بِهِ الْإِسْلَامَ ، فَيَسْتَحْسِنُهُ فَيَعْمَلُ بِهِ ، فَيَعْمَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَ بِهُبَلَ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ فَجَعَلَهُ فِي الْكَعْبَةِ ، وَجَعَلَ عِنْدَهُ سَبْعَةَ قِدَاحٍ يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا ، فِي كُلِّ قَدَحٍ مِنْهَا كِتَابٌ يَعْمَلُونَ بِمَا يَخْرُجُ فِيهِ ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَمْرًا أَوْ سَفَرًا أَخْرَجَ مِنْهَا قَدَحَيْنِ ، فِي أَحَدِهِمَا مَكْتُوبٌ أَمَرَنِي رَبِّي ، وَفِي الْآخَرِ نَهَانِي ، ثُمَّ يَضْرِبُ بِهِمَا وَمَعَهُمَا قَدَحُ غَفْلٍ ، فَإِنْ خَرَجَ النَّاهِي جَلَسَ ، وَإِنْ خَرَجَ الْآمِرُ مَضَى ، وَإِنْ خَرَجَ الْغَفْلُ أَعَادَ الضَّرْبَ ، حَتَّى يَخْرُجَ إِمَّا النَّاهِي وَإِمَّا الْآمِرُ ، وَالْبَاقِي مِنَ الْقِدَاحِ سَبْعَةٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا ، مِنْهَا قَدَحٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ الْعَقْلُ ، وَقَدَحٌ فِيهِ نَعَمْ ، وَقَدَحٌ فِيهِ لَا ، وَقَدَحٌ فِيهِ مِنْكُمْ ، وَقَدَحٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِكُمْ ، وَقَدَحٌ فِيهِ مُلْصَقٌ ، وَقَدَحٌ فِيهِ الْمِيَاهُ ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْتِنُوا غُلَامًا ، أَوْ يُنْكِحُوا أَيِّمًا ، أَوْ يَدْفِنُوا مَيِّتًا ، ذَهَبُوا إِلَى هُبَلَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَزُورٍ ، ثُمَّ قَالُوا لِغَاضِرَةَ بْنِ حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ - وَكَانَتِ الْقِدَاحُ إِلَيْهِ - فَقَالُوا : هَذِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَجَزُورٌ ، لَقَدْ أَرَدْنَا كَذَا وَكَذَا ، فَاضْرِبْ لَنَا عَلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ . فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ أَهْلُهُ خَرَجَ الْعَقْلُ أَوْ نَعَمْ أَوْ مِنْكُمْ ، فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَوْا إِلَيْهِ فِي أَنْفُسِهِمْ ، وَإِنْ خَرَجَ لَا ضَرَبَ عَلَى الْمِيَاهِ ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْكُمْ كَانَ مِنْهُمْ وَسِيطًا ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِكُمْ كَانَ حَلِيفًا ، وَإِنْ خَرَجَ مُلْصَقٌ كَانَ دَعِيًّا نَفِيًّا . فَمَكَثُوا زَمَانًا وَهُمْ يَخْلِطُونَ ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَىٍّ غَيَّرَ تَلْبِيَةَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي بَعْضِ مَوَاسِمِ الْحَجِّ وَهُوَ يُلَبِّي ، إِذْ مَثُلَ لَهُ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ نَجْدِيٍّ عَلَى بَعِيرٍ أَصْهَبَ ، فَسَايَرَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ لَبَّى إِبْلِيسُ ، فَقَالَ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ . فَقَالَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ . فَقَالَ إِبْلِيسُ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ . فَقَالَ عَمْرٌو مِثْلَ ذَلِكَ . فَقَالَ إِبْلِيسُ : إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ . فَقَالَ عَمْرٌو : وَمَا هَذَا ؟ قَالَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ : إِنَّ بَعْدَ هَذَا مَا يُصْلِحُهُ : إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ لُحَىٍّ : مَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا . فَلَبَّاهَا ، فَلَبَّى النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَانُوا يَقُولُونَ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ تَلْبِيَتُهُمْ حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ ، وَلَبَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَةَ إِبْرَاهِيمَ الصَّحِيحَةَ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ ، لَا شَرِيكَ لَكَ ، فَلَبَّاهَا الْمُسْلِمُونَ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،