مَا ذُكِرَ مِنْ وِلَايَةِ خُزَاعَةَ الْكَعْبَةَ بَعْدَ جُرْهُمٍ وَأَمْرِ مَكَّةَ

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

مَا ذُكِرَ مِنْ وِلَايَةِ خُزَاعَةَ الْكَعْبَةَ بَعْدَ جُرْهُمٍ وَأَمْرِ مَكَّةَ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

123 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنِي جَدِّي ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ ، عَنِ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، قَالَ : لَمَّا طَالَتْ وِلَايَةُ جُرْهُمٍ اسْتَحَلُّوا مِنَ الْحَرَمِ أُمُورًا عِظَامًا ، وَنَالُوا مَا لَمْ يَكُونُوا يَنَالُونَ ، وَاسْتَخَفُّوا بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ ، وَأَكَلُوا مَالَ الْكَعْبَةِ الَّذِي يُهْدَى إِلَيْهَا سِرًّا وَعَلَانِيَةً ، وَكُلَّمَا عَدَا سَفِيهٌ مِنْهُمْ عَلَى مُنْكَرٍ وَجَدَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ ، وَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ، حَتَّى دَخَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِامْرَأَتِهِ الْكَعْبَةَ ، فَيُقَالُ فَجَرَ بِهَا أَوْ قَبَّلَهَا ، فَمُسِخَا حَجَرَيْنِ ، فَرَقَّ أَمْرُهُمْ فِيهَا ، وَضَعُفُوا وَتَنَازَعُوا أَمَرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَاخْتَلَفُوا ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ أَعَزِّ حَيٍّ فِي الْعَرَبِ وَأَكْثَرِهِمْ رِجَالًا وَأَمْوَالًا وَسِلَاحًا ، وَأَعَزَّ عِزَّةٍ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو ، قَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا ، فَوَعَظَهُمْ وَقَالَ : يَا قَوْمِ ، أَبَقُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَرَاقِبُوا اللَّهَ فِي حَرَمِهِ وَأَمْنِهِ ، فَقَدْ رَأَيْتُمْ وَسَمِعْتُمْ مَنْ هَلَكَ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ قَوْمَ هُودٍ وَقَوْمَ صَالِحٍ وَشُعَيْبٍ ، فَلَا تَفْعَلُوا ، وَتَوَاصَلُوا وَتَوَاصُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَانْتَهُوا عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَلَا تَسْتَخِفُّوا بِحَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْتِهِ الْحَرَامِ ، وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْأَمْنِ وَالْقُوَّةِ فِيهِ ، وَإِيَّاكُمُ و الْإِلْحَادَ فِيهِ بِالظُّلْمِ ، فَإِنَّهُ بَوَارٌ ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَا سَكَنَهُ أَحَدٌ قَطُّ فَظَلَمَ فِيهِ وَأَلْحَدَ ؛ إِلَّا قَطَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دَابِرَهُمْ ، وَاسْتَأْصَلَ شَأْفَتَهُمْ ، وَبَدَّلَ أَرْضَهَا غَيْرَهُمْ ، فَاحْذَرُوا الْبَغْيَ ، فَإِنَّهُ لَا بَقَاءَ لِأَهْلِهِ ، قَدْ رَأَيْتُمْ وَسَمِعْتُمْ مَنْ سَكَنَهُ قَبْلَكُمْ مِنْ طَسْمٍ وَجَدِيسٍ وَالْعَمَالِيقِ مِمَّنْ كَانُوا أَطْوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَارًا ، وَأَشَدَّ قُوَّةً ، وَأَكْثَرَ رِجَالًا وَأَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ، فَلَمَّا اسْتَخَفُّوا بِحَرَمِ اللَّهِ وَأَلْحَدُوا فِيهِ بِالظُّلْمِ أَخْرَجَهُمُ اللَّهُ مِنْهَا بِالْأَنْوَاعِ الشَّتَّى ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخْرَجَ بِالذَّرِّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخْرَجَ بِالْجَدْبِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخْرَجَ بِالسَّيْفِ ، وَقَدْ سَكَنْتُمْ مَسَاكِنَهُمْ ، وَوَرِثْتُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ، فَوَقِّرُوا حَرَمَ اللَّهِ ، وَعَظِّمُوا بَيْتَهُ الْحَرَامَ ، وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ وَعَمَّا فِيهِ ، وَلَا تَظْلِمُوا مَنْ دَخَلَهُ وَجَاءَ مُعَظِّمًا لِحُرُمَاتِهِ ، وَآخَرَ جَاءَ بَايِعًا لِسِلْعَتِهِ أَوْ مُرْتَغِبًا فِي جِوَارِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ تَخَوَّفْتُ أَنْ تَخْرُجُوا مِنْ حَرَمِ اللَّهِ خُرُوجَ ذُلٍّ وَصَغَارٍ ، حَتَّى لَا يَقْدِرَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْحَرَمِ وَلَا إِلَى زِيَارَةِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ لَكُمْ حِرْزٌ وَأَمْنٌ ، وَالطَّيْرُ وَالْوُحُوشُ تَأْمَنُ فِيهِ . فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنْهُمْ يَرُدُّ عَلَيْهِ يُقَالُ لَهُ مُجَذَّعٌ : مَنِ الَّذِي يُخْرِجُنَا مِنْهُ ؟ أَلَسْنَا أَعَزَّ الْعَرَبِ وَأَكْثَرَهُمْ رِجَالًا وَسِلَاحًا ؟ فَقَالَ لَهُ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو : إِذَا جَاءَ الْأَمْرُ بَطَلَ مَا تَقُولُونَ . فَلَمْ يُقْصِرُوا عَنْ شَيْءٍ مِمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَ ، فَلَمَّا رَأَى مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ مَا تَعْمَلُ جُرْهُمٌ فِي الْحَرَمِ ، وَمَا تَسْرِقُ مِنْ مَالِ الْكَعْبَةِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ، عَمَدَ إِلَى غَزَالَيْنِ كَانَا فِي الْكَعْبَةِ مِنْ ذَهَبٍ ، وَأَسْيَافٍ قَلَعِيَّةٍ ، فَدَفَنَهَا فِي مَوْضِعِ بِئْرِ زَمْزَمَ ، وَكَانَ مَاءُ زَمْزَمَ قَدْ نَضَبَ وَذَهَبَ لَمَّا أَحْدَثَتْ جُرْهُمٌ فِي الْحَرَمِ مَا أَحْدَثَتْ ، حَتَّى غَبِيَ مَكَانُ الْبِيرِ وَدَرَسَ ، فَقَامَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو وَبَعْضُ وَلَدِهِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ، فَحَفَرَ فِي مَوْضِعِ بِئْرِ زَمْزَمَ وَأَعْمَقَ ، ثُمَّ دَفَنَ فِيهِ الْأَسْيَافَ وَالْغَزَالَيْنِ ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ كَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ مَأْرِبٍ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ أَلْقَتْ طُرَيْفَةُ الْكَاهِنَةُ إِلَى عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مُزَيْقِيَاءُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَزْدِ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَا بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ ، وَكَانَتْ قَدْ رَأَتْ فِي كَهَانَتِهَا أَنَّ سَدَّ مَأْرِبٍ سَيَخْرَبُ ، وَأَنَّهُ سَيَأْتِي سَيْلُ الْعَرِمِ فَيُخْرِبُ الْجَنَّتَيْنِ ، فَبَاعَ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ أَمْوَالَهُ ، وَسَارَ هُوَ وَقَوْمُهُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ ، لَا يَطَئُونُ بَلَدًا إِلَّا غَلَبُوا عَلَيْهِ وَقَهَرُوا أَهْلَهُ ، حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهُ ، وَلِذَلِكَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ اخْتَصَرْنَاهُ ، فَلَمَّا قَارَبُوا مَكَّةَ سَارُوا وَمَعَهُمْ طُرَيْفَةُ الْكَاهِنَةُ ، فَقَالَتْ لَهُمْ : سِيرُوا وَأَسِيرُوا ، فَلَنْ تَجْتَمِعُوا أَنْتُمْ وَمَنْ خَلَّفْتُمْ أَبَدًا ، فَهَذَا لَكُمْ أَصْلٌ ، وَأَنْتُمْ لَهُ فَرْعٌ . ثُمَّ قَالَتْ : مَهْ مَهْ ، وَحَقِّ مَا أَقُولُ مَا عَلَّمَنِي مَا أَقُولُ إِلَّا الْحَكِيمُ الْمُحْكِمُ ، رَبُّ جَمِيعِ الْإِنْسِ مِنْ عَرَبٍ وَعَجَمٍ . فَقَالُوا لَهَا : مَا شَأْنُكِ يَا طُرَيْفَةُ ؟ قَالَتْ : خُذُوا الْبَعِيرَ فَخَضِّبُوهُ بِالدَّمِ ؛ تَلُونَ أَرْضَ جُرْهُمٍ جِيرَانِ بَيْتِهِ الْمُحَرَّمِ . قَالَ : فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى مَكَّةَ وَأَهْلُهَا جُرْهُمٌ ، وَقَدْ قَهَرُوا النَّاسَ وَحَازُوا وِلَايَةَ الْبَيْتِ عَلَى بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِمْ ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ : يَا قَوْمُ ، إِنَّا قَدْ خَرَجْنَا مِنْ بِلَادِنَا ، فَلَمْ نَنْزِلْ بَلَدًا إِلَّا فَسَحَ أَهْلُهَا لَنَا وَتَزَحْزَحُوا عَنَّا ، فَنُقِيمُ مَعَهُمْ حَتَّى نُرْسِلَ رُوَّادَنَا ، فَيَرْتَادُونَ لَنَا بَلَدًا يَحْمِلُنَا ، فَافْسَحُوا لَنَا فِي بِلَادِكُمْ حَتَّى نُقِيمَ قَدْرَ مَا نَسْتَرِيحُ وَنُرْسِلُ رُوَّادَنَا إِلَى الشَّامِ وَإِلَى الشَّرْقِ ، فَحَيْثُمَا بَلَغَنَا أَنَّهُ أَمْثَلُ لَحِقْنَا بِهِ ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَقَامُنَا مَعَكُمْ يَسِيرًا . فَأَبَتْ جُرْهُمٌ ذَلِكَ إِبَاءً شَدِيدًا ، وَاسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ، وَقَالُوا : لَا وَاللَّهِ مَا نُحِبُّ أَنْ تَنْزِلُوا مَعَنَا فَتُضَيِّقُونَ عَلَيْنَا مَرَاتِعَنَا وَمَوَارِدَنَا ، فَارْحَلُوا عَنَّا حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ ، فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِجِوَارِكُمْ . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ثَعْلَبَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِي مِنَ الْمَقَامِ بِهَذَا الْبَلَدِ حَوْلًا حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيَّ رُسُلِي الَّتِي أَرْسَلْتُ ، فَإِنْ تَرَكْتُمُونِي طَوْعًا نَزَلْتُ وَحَمِدْتُكُمْ وَوَاسَيْتُكُمْ فِي الرَّعْيِ وَالْمَاءِ ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ أَقَمْتُ عَلَى كُرْهِكُمْ ، ثُمَّ لَمْ تَرْتَعُوا مَعِي إِلَّا فَضْلًا ، وَلَنْ تَشْرَبُوا إِلَّا رَنَقًا سُئِلَ أَبُو الْوَلِيدِ عَنِ الرَّنَقِ ، فَقَالَ : الْكَدَرُ مِنَ الْمَاءِ . وَأَنْشَدَ لِزُهَيْرٍ :
كَأَنَّ رِيقَتَهَا بَعْدَ الْكَرَى اغْتَبَقَتْ
مِنْ طَيِّبِ الرَّاحِ لَمَّا بَعْدَ أَنْ غَبَقَا

سَحَّ السِّقَاتُ عَلَى نَاجُودِهَا شَبَمًا
مِنْ مَاءِ لِينَةَ لَا طَلْقًا وَلَا رَنِقَا
وَإِنْ قَاتَلْتُمُونِي قَاتَلْتُكُمْ ، ثُمَّ إِنْ ظَهَرْتُ عَلَيْكُمْ سَبَيْتُ النِّسَاءَ ، وَقَتَلْتُ الرِّجَالَ ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَحَدًا مِنْكُمْ يَنْزِلُ الْحَرَمَ أَبَدًا . فَأَبَتْ جُرْهُمٌ أَنْ تَتْرُكَهُ طَوْعًا ، وَتَعَبَّأَتْ لِقِتَالِهِ ، فَاقْتَتَلُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَأُفْرِغَ عَلَيْهِمُ الصَّبْرُ ، وَمُنِعُوا النَّصْرَ ، ثُمَّ انْهَزَمَتْ جُرْهُمٌ ، فَلَمْ يَنْفَلِتْ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ ، وَكَانَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَدِ اعْتَزَلَ جُرْهُمًا ، وَلَمْ يَعْنِ جُرْهُمًا فِي ذَلِكَ ، وَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أُحَذِّرُكُمْ هَذَا . ثُمَّ رَحَلَ هُوَ وَوَلَدُهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ حَتَّى نَزَلُوا قَنْوَنَا وَحَلْيَ ، وَمَا حَوْلَ ذَلِكَ فَبَقَايَا جُرْهُمٍ بِهَا إِلَى الْيَوْمِ ، وَفَنِيَتْ جُرْهُمٌ ، أَفْنَاهُمُ السَّيْفُ فِي تِلْكَ الْحَرْبِ ، وَأَقَامَ ثَعْلَبَةُ بِمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا فِي قَوْمِهِ وَعَسَاكِرِهِ حَوْلًا ، فَأَصَابَتْهُمُ الْحُمَّى ، وَكَانُوا فِي بَلَدٍ لَا يَدْرُونَ فِيهِ مَا الْحُمَّى ، فَدَعَوْا طُرَيْفَةَ ، فَأَخْبَرُوهَا الْخَبَرَ ، فَشَكَوْا إِلَيْهَا الَّذِي أَصَابَهُمْ ، فَقَالَتْ لَهُمْ : قَدْ أَصَابَنِي بُؤْسُ الَّذِي تَشْكُونَ ، وَهُوَ مَفْرِقُ مَا بَيْنَنَا . قَالُوا : فَمَاذَا تَأْمُرِينَ ؟ فَقَالَتْ : فِيكُمْ وَمِنْكُمُ الْأَمِيرُ وَعَلَى التَّسْيِيرِ . قَالُوا : فَمَا تَقُولِينَ ؟ قَالَتْ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا هَمٍّ بَعِيدٍ ، وَجَمَلٍ شَدِيدٍ ، وَمَزَادٍ جَدِيدٍ ، فَلْيَلْحَقْ بِقَصْرِ عُمَانَ الْمَشِيدِ . فَكَانَ أَزْدُ عُمَانَ . ثُمَّ قَالَتْ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا جَلَدٍ وَقَصْرٍ ، وَصَبْرٍ عَلَى أَزَمَاتِ الدَّهْرِ ، فَعَلَيْهِ بِالْأَرَاكِ مِنْ بَطْنِ مُرٍّ . فَكَانَتْ خُزَاعَةُ . ثُمَّ قَالَتْ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الرَّاسِيَاتِ فِي الْوَحْلِ الْمُطْعِمَاتِ فِي الْمَحَلِّ ، فَلْيَلْحَقْ بِيَثْرِبَ ذَاتِ النَّخْلِ . فَكَانَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ . ثُمَّ قَالَتْ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الْخَمْرَ وَالْخَمِيرَ ، وَالْمُلْكَ وَالتَّأْمِيرَ ، وَتَلَبُّسَ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ ، فَلْيَلْحَقْ بِبُصْرَى وَعُوَيْرَ . وَهُمَا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ ، فَكَانَ الَّذِي سَكَنُوهُمَا آلَ جَفْنَةَ مِنْ غَسَّانَ . ثُمَّ قَالَتْ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الثِّيَابَ الرِّقَاقَ ، وَالْخَيْلَ الْعِتَاقَ ، وَكُنُوزَ الْأَرْزَاقِ ، وَالدَّمَ الْمُهْرَاقَ ، فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ . فَكَانَ الَّذِي سَكَنُوهَا آلَ جَذِيمَةَ الْأَبْرَشِ ، وَمَنْ كَانَ بِالْحِيرَةِ مِنْ غَسَّانَ ، وَآلِ مُحَرِّقٍ ، حَتَّى جَاءَهُمْ رُوَّادُهُمْ ، فَافْتَرَقُوا مِنْ مَكَّةَ فِرْقَتَيْنِ ، فِرْقَةٌ تَوَجَّهَتْ إِلَى عُمَانَ ، وَهُمْ أَزْدُ عُمَانَ ، وَسَارَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ نَحْوَ الشَّامِ ، فَنَزَلَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ ابْنَا حَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، وَهُمُ الْأَنْصَارُ بِالْمَدِينَةِ ، وَمَضَتْ غَسَّانُ فَنَزَلُوا الشَّامَ ، وَلَهُمْ حَدِيثٌ طَوِيلٌ اخْتَصَرْنَاهُ ، وَانْخَزَعَتْ خُزَاعَةُ بِمَكَّةَ ، فَأَقَامَ بِهَا رَبِيعَةُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، وَهُوَ لُحَيٌّ ، فَوَلِيَ أَمْرَ مَكَّةَ ، وَحِجَابَةَ الْكَعْبَةِ . وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ يَذْكُرُ انْخِزَاعَ خُزَاعَةَ بِمَكَّةَ ، وَمَسِيرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَغَسَّانَ إِلَى الشَّامِ :
فَلَمَّا هَبَطْنَا بَطْنَ مُرٍّ تَخَزَّعَتْ
خُزَاعَةُ مِنَّا فِي حُلُولٍ كَرَاكِرِ

حَمَوْا كُلَّ وَادٍ مِنْ تِهَامَةَ وَاحْتَمَوْا
بِصُمِّ الْقَنَا وَالْمُرْهَفَاتِ الْبَوَاترِ

فَكَانَ لَهَا الْمِرْبَاعُ فِي كُلِّ غَارَةٍ
تَشُنُّ بِنَجْدٍ وَالْفِجَاجِ الْعَوَابِرِ

خُزَاعَتُنَا أَهْلُ اجْتِهَادٍ وَهِجْرَةٍ
وَأَنْصَارُنَا جُنْدُ النَّبِيِّ الْمُهَاجِرِ

وَسِرْنَا فَلَمَّا أَنْ هَبَطْنَا بِيَثْرِبٍ
بِلَا وَهَنٍ مِنَّا وَلَا بِتَشَاجُرِ

وَجَدْنَا بِهَا رِزْقًا عَدَامِلَ بُقِّيَتْ
وَآثَارَ عَادٍ بِالْحِلَالِ الظَّوَاهِرِ

فَحَلَّتْ بِهَا الْأَنْصَارُ ثُمَّ تَبَوَّأَتْ
بِيَثْرِبِهَا دَارًا عَلَى خَيْرِ طَايِرِ

بَنُو الْخَزْرَجِ الْأَخْيَارُ وَالْأَوْسُ إِنَّهُمْ
حَمَوْهَا بِفِتْيَانِ الصَّبَاحِ الْبَوَاكِرِ

نَفَوْا مَنْ طَغَى فِي الدَّهْرِ عَنْهَا وَذَبَّبُوا
يَهُودًا بِأَطْرَافِ الرِّمَاحِ الْخَوَاطِرِ

وَسَارَتْ لَنَا سَيَّارَةٌ ذَاتُ قُوَّةٍ
بِكَوْمِ الْمَطَايَا وَالْخُيُولِ الْجَمَاهِرِ

يَؤُمُّونَ نَحْوَ الشَّامِ حَتَّى تَمَكَّنُوا
مُلُوكًا بِأَرْضِ الشَّامِ فَوْقَ الْمَنَابِرِ

يُصِيبُونَ فَصْلَ الْقَوْلِ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ
إِذَا وَصَلُوا أَيْمَانَهُمْ بِالْمَحَاضِرِ

أُولَاكَ بَنُو مَاءِ السَّمَاءِ تَوَارَثُوا
دِمَشْقًا بِمُلْكٍ كَابِرًا بَعْدَ كَابِرِ
قَالَ : فَلَمَّا حَازَتْ خُزَاعَةُ أَمْرَ مَكَّةَ وَصَارُوا أَهْلَهَا ، جَاءَهُمْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ ، وَقَدْ كَانُوا اعْتَزَلُوا حَرْبَ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ ، فَلَمْ يَدْخُلُوا فِي ذَلِكَ ، فَسَأَلُوهُمُ السُّكْنَى مَعَهُمْ وَحَوْلَهُمْ ، فَأَذِنُوا لَهُمْ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، وَقَدْ كَانَ أَصَابَهُ مِنَ الصَّبَابَةِ إِلَى مَكَّةَ مَا أَحْزَنَهُ ، أَرْسَلَ إِلَى خُزَاعَةَ يَسْتَأْذِنُهَا فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ وَالنُّزُولِ مَعَهُمْ بِمَكَّةَ فِي جِوَارِهِمْ ، وَمَتَّ إِلَيْهِمْ بِرَأْيِهِ وَتَوْرِيعِهِ قَوْمَهُ عَنِ الْقِتَالِ وَسُوءِ السِّيرَةِ فِي الْحَرَمِ وَاعْتِزَالِهِ الْحَرْبَ ، فَأَبَتْ خُزَاعَةُ أَنْ تُقَرِّرَهُمْ ، وَنَفَتْهُمْ عَنِ الْحَرَمِ كُلِّهِ ، وَلَمْ يَتْرُكُوهُمْ يَنْزِلُونَ مَعَهُمْ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ - وَهُوَ رَبِيعَةُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ - لِقَوْمِهِ : مَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ جُرْهُمِيًّا قَدْ قَارَبَ الْحَرَمَ فَدَمُهُ هَدَرٌ . فَنَزَعَتْ إِبِلٌ لِمُضَاضِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيِّ مِنْ قَنَوْنَا تُرِيدُ مَكَّةَ ، فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى وَجَدَ أَثَرَهَا قَدْ دَخَلَتْ مَكَّةَ ، فَمَضَى عَلَى الْجِبَالِ مِنْ نَحْوِ أَجْيَادٍ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ يَتَبَصَّرُ الْإِبِلَ فِي بَطْنِ وَادِي مَكَّةَ ، فَأَبْصَرَ الْإِبِلَ تُنْحَرُ وَتُؤْكَلُ ، لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهَا ، فَخَافَ إِنْ هَبَطَ الْوَادِيَ أَنْ يُقْتَلَ ، فَوَلَّى مُنْصَرِفًا إِلَى أَهْلِهِ ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ :
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إِلَى الصَّفَا
أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ

وَلَمْ يَتَرَبَّعْ وَاسِطًا فَجَنُوبَهُ
إِلَى الْمُنْحَنَا مِنْ ذِي الْأَرَاكَةِ حَاضِرُ

بَلَى نَحْنُ كُنَّا أَهْلَهَا فَأَزَالَنَا
صُرُوفُ اللَّيَالِي وَالْجُدُودُ الْعَوَاثِرُ

وَبَدَّلَنَا رَبِّي بِهَا دَارَ غُرْبَةٍ
بِهَا الذِّيبُ يَعْوِي وَالْعَدُوُّ الْمُحَاصِرُ

فَإِنْ تَمِلِ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بِكُلِّهَا
وَتُصْبِحُ حَالٌ بَعْدَنَا وَتَشَاجُرُ

فَكُنَّا وُلَاةَ الْبَيْتِ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ
نَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ وَالْخَيْرُ ظَاهِرُ

مَلَكْنَا فَعَزَّزْنَا فَأَعْظِمْ بِمُلْكِنَا
فَلَيْسَ لِحَيٍّ غَيْرِنَا ثَمَّ فَاخِرُ

فَأَنْكَحَ جَدِّي خَيْرَ شَخْصٍ عَلِمْتُهُ
فَأَبْنَاؤُهُ مِنَّا وَنَحْنُ الْأَصَاهِرُ

فَإِنْ تَنْثَنِي الدُّنْيَا عَلَيْنَا بِحَالِهَا
فَإِنَّ لَهَا حَالًا وَفِيهَا التَّشَاجُرُ

فَأَخْرَجَنَا مِنْهَا الْمَلِيكُ بِقُدْرَةٍ
كَذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ تَجْرِي الْمَقَادِرُ

أَقُولُ إِذَا نَامَ الْخَلِيُّ وَلَمْ أَنَمْ
إِذَا الْعَرْشُ لَا يَبْقَى سُهَيْلٌ وَعَامِرُ

وَبُدِّلْتُ مِنْهُمْ أَوْجُهًا لَا أُحِبُّهَا
وَحِمْيَرُ قَدْ بُدِّلْتُهَا وَالْيَحَابِرُ

وَصِرْنَا أَحَادِيثًا وَكُنَّا بِغِبْطَةٍ
كَذَلِكَ عَضَّتْنَا السِّنُونَ الْغَوَابِرُ

فَسَحَّتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ تَبْكِي
لِبَلْدَةٍ بِهَا حَرَمٌ أَمْنٌ وَفِيهَا الْمَشَاعِرُ

بِوَادٍ أَنِيسٍ لَيْسَ يُؤْذِي حَمَامَةً
وَلَا مُنْفِرًا يَوْمًا وَفِيهَا الْعَصَافِرُ

وَفِيهَا وُحُوشٌ لَا تُرَامُ أَنِيسَةٌ
إِذَا خَرَجَتْ مِنْهَا فَمَا أَنْ تُغَادِرُ

فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تُعَمَّرُ بَعْدَنَا
جِيَادٌ فَمَمْضَى سَيْلِهِ فَالظَّوَاهِرُ

فَبَطْنُ مِنًى وَحْشٌ كَأَنْ لَمْ يَسِرْ بِهِ
مُضَاضٌ وَمِنْ حُبِّي عَدِيًّا عَمَايِرُ
وَقَالَ أَيْضًا :
يَا أَيُّهَا الْحَيُّ سِيرُوا إِنَّ قَصْرَكُمُ
أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا

إِنَّا كَمَا كُنْتُمُ كُنَّا فَغَيَّرَنَا
دَهْرٌ فَسَوْفَ كَمَا صِرْنَا تَصِيرُونَا

حُثُّوا الْمَطِيَّ وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمَّتِهَا
قَبْلَ الْمَمَاتِ وَقَضُّوا مَا تُقَضُّونَا

قَدْ مَالَ دَهْرٌ عَلَيْنَا ثُمَّ أَهْلَكَنَا
بِالْبَغْيِ فِيهِ وَبِرَّ النَّاسِ نَاسُونَا

إِنَّ التَّفَكُّرَ لَا يُجْدِي بِصَاحِبِهِ
عِنْدَ الْبَدِيهَةِ فِي عِلْمٍ لَهُ دُونَا

قَضُّوا أُمُورَكُمُ بِالْحَزْمِ إِنَّ لَهَا
أُمُورَ رُشْدٍ رَشَدْتُمْ ثُمَّ مَسْنُونَا

وَاسْتَخْبِرُوا فِي صَنِيعِ النَّاسِ قَبْلَكُمُ
كَمَا اسْتَبَانَ طَرِيقٌ عِنْدَهُ الْهُونَا

كُنَّا زَمَانًا مُلُوكَ النَّاسِ قَبْلَكُمُ
بِمَسْكَنٍ فِي حَرَامِ اللَّهِ مَسْكُونَا
قَالَ : فَانْطَلَقَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو نَحْوَ الْيَمَنِ إِلَى أَهْلِهِ ، وَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ مَا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَكَّةَ ، وَمَا فَارَقُوا مِنْ إِمَّتِهَا وَمُلْكِهَا ، فَحَزِنُوا عَلَى ذَلِكَ حُزْنًا شَدِيدًا ، فَبَكَوْا عَلَى مَكَّةَ ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ الْأَشْعَارَ فِي مَكَّةَ ، وَاحْتَازَتْ خُزَاعَةُ بِحِجَابَةِ الْكَعْبَةِ وَوِلَايَةِ أَمْرِ مَكَّةَ ، وَفِيهِمْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا ، لَا يُنَازِعُهُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَطْلُبُونَهُ ، فَتَزَوَّجَ لُحَيٌّ وَهُوَ رَبِيعَةُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ - فُهَيْرَةَ بِنْتَ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيِّ مَلِكِ جُرْهُمٍ ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرًا ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ ، وَبَلَغَ بِمَكَّةَ وَفِي الْعَرَبِ مِنَ الشَّرَفِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَرَبِيٌّ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهُوَ الَّذِي قَسَمَ بَيْنَ الْعَرَبِ فِي حِطْمَةٍ حَطَمُوهَا عَشْرَةَ آلَافِ نَاقَةٍ ، وَقَدْ كَانَ قَدْ أَعْوَرَ عِشْرِينَ فَحْلًا ، وَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مَلَكَ أَلْفَ نَاقَةٍ فَقَأَ عَيْنَ فَحْلِ إِبِلِهِ ، فَكَانَ قَدْ فَقَأَ عَيْنَ عِشْرِينَ فَحْلًا ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَطْعَمَ الْحَاجَّ بِمَكَّةَ سَدَايِفَ الْإِبِلِ وَلُحْمَانَهَا عَلَى الثَّرِيدِ ، وَعَمَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ جَمِيعَ حَاجِّ الْعَرَبِ بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ ، وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ شَرَفُهُ فِي الْعَرَبِ كُلَّ مَذْهَبٍ ، وَكَانَ قَوْلُهُ فِيهِمْ دِينًا مُتَّبَعًا لَا يُخَالَفُ ، وَهُوَ الَّذِي بَحَرَ الْبَحَيْرَةَ ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ ، وَحَمَى الْحَامِيَ ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ ، وَنَصَبَ الْأَنْصَابَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، وَجَاءَ بِهُبَلَ مِنْ هِيتَ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ ، فَنَصَبَهُ فِي بَطْنِ الْكَعْبَةِ ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَالْعَرَبُ تَسْتَقْسِمُ عِنْدَهُ بِالْأَزْلَامِ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَانَ أَمْرُهُ بِمَكَّةَ فِي الْعَرَبِ مُطَاعًا لَا يُعْصَى ، وَكَانَ بِمَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ جُرْهُمٍ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ، وَكَانَ شَاعِرًا ، فَقَالَ لِعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ حِينَ غَيَّرَ الْحَنِيفِيَّةَ :
يَا عَمْرُو لَا تَظْلِمْ بِمَكَّةَ
إِنَّهَا بَلَدٌ حَرَامْ

سَائِلْ بِعَادٍ أَيْنَ هُمْ
وَكَذَاكَ تَحْتَرِمُ الْأَنَامْ

وَبَنِي الْعَمَالِيقِ الَّذِينَ
لَهُمْ بِهَا كَانَ السَّوَامْ
فَزَعَمُوا أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ أَخْرَجَ ذَلِكَ الْجُرْهُمِيَّ مِنْ مَكَّةَ ، فَنَزَلَ بِأُطُمٍ مِنْ أَعْرَاضِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ الشَّامِ ، فَقَالَ الْجُرْهُمِيُّ ، وَقَدْ تَشَوَّقَ إِلَى مَكَّةَ :
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
وَأَهْلِي مَعًا بِالْمَأْزِمَيْنِ حُلُولُ

وَهَلْ أَرَيَنَّ الْعِيسَ تَنْفُخُ فِي الْبَرَا
لَهَا بِمِنًى وَالْمَأْزِمَيْنِ ذَمِيلُ

مَنَازِلُ كُنَّا أَهْلَهَا لَمْ تَحُلْ بِنَا
زَمَانٌ بِهَا فِيمَا أَرَاهُ تَحُولُ

مَضَى أَوَّلُونَا رَاضِيِينَ بِشَأْنِهِمْ
جَمِيعًا وَغَالَتْنِي بِمَكَّةَ غُولُ
قَالَ : فَكَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ يَلِي الْبَيْتَ وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ ، حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ حَلِيلُ بْنُ حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو ، فَتَزَوَّجَ إِلَيْهِ قُصَيٌّ ابْنَتَهُ حُبَّى ابْنَةَ حَلِيلٍ ، وَكَانُوا هُمْ حُجَّابَهُ ، وَخُزَّانَهُ ، وَالْقُوَّامُ بِهِ ، وَوُلَاةَ الْحَكَمِ بِمَكَّةَ ، وَهُوَ عَامِرٌ لَمْ يَخْرَبْ فِيهِ خَرَابٌ ، وَلَمْ تَبْنِ خُزَاعَةُ فِيهِ شَيْئًا بَعْدَ جُرْهُمٍ ، وَلَمْ تَسْرِقْ مِنْهُ شَيْئًا عَلِمْنَاهُ وَلَا سَمِعْنَا بِهِ ، وَتَرَافَدُوا عَلَى تَعْظِيمِهِ وَالذَّبِّ عَنْهُ . وَقَالَ فِي ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو الْغَبْشَانِيُّ :
نَحْنُ وَلِينَاهُ فَلَمْ نَغُشَّهْ
وَابْنُ مُضَاضٍ قَايِمٌ يَهُشُّهْ

يَأْخُذُ مَا يُهْدَى لَهُ يَفُشُّهْ
نَتْرُكُ مَالَ اللَّهِ مَا نَمُشُّهْ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

124 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ ، قَالَ : خَرَجَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ يُرِيدُونَ الْيَمَنَ ، فَأَصَابَهُمْ عَطَشٌ شَدِيدٌ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ ، وَأَمْسَوْا عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ ، فَسَارُوا جَمِيعًا ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو سَلَمَةَ : إِنِّي أَرَى نَاقَتِي تُنَازِعُنِي شِقًّا ، أَفَلَا أُرْسِلُهَا وَأَتْبَعُهَا ؟ قَالُوا : فَافْعَلْ . فَأَرْسَلَ نَاقَتَهُ وَتَبِعَهَا ، فَأَصْبَحُوا عَلَى مَاءٍ وَحَاضِرٍ ، فَاسْتَقَوْا وَسَقَوْا ، فَإِنَّهُمْ لَعَلَى ذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ ، فَقَالَ : مَنِ الْقَوْمُ ؟ فَقَالُوا : مِنْ قُرَيْشٍ . قَالَ : فَرَجَعَ إِلَى شَجَرَةٍ ، فَقَامَ أَمَامَ الْمَاءِ ، فَتَكَلَّمَ عِنْدَهَا بِشَيْءٍ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا ، فَقَالَ : لِيَنْطَلِقَنَّ أَحَدُكُمْ مَعِي إِلَى رَجُلٍ يَدْعُوهُ . قَالَ أَبُو سَلَمَةَ : فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ ، فَوَقَفَ بِي تَحْتَ شَجَرَةٍ ، فَإِذَا وَكْرٌ مُعَلَّقٌ . قَالَ : فَصَوَّتَ بِهِ : يَا أَبَهْ يَا أَبَهْ . قَالَ : فَزَعْزَعَ شَيْخٌ رَأْسَهُ ، فَأَجَابَهُ . قَالَ : هَذَا الرَّجُلُ قَالَ لِي : مَنِ الرَّجُلُ ؟ قُلْتُ : مِنْ قُرَيْشٍ . قَالَ : مِنْ أَيِّهَا ؟ قُلْتُ : مِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ . قَالَ : أَيُّهُمْ ؟ قُلْتُ : أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ . قَالَ : أَيْهَاتَ مِنْكَ ، أَنَا وَيَقَظَةُ سِنٌّ ، أَتَدْرِي مَنْ يَقُولُ :
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إِلَى الصَّفَا
أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ

بَلَى نَحْنُ كُنَّا أَهْلَهَا فَأَزَالَنَا
صُرُوفُ اللَّيَالِي وَالْجُدُودُ الْعَوَاثِرُ
قُلْتُ : لَا . قَالَ : أَنَا قَائِلُهَا ، أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيُّ ، أَتَدْرِي لِمَ سُمِّيَ أَجْيَادٌ أَجْيَادًا ؟ قُلْتُ : لَا . قَالَ : جَادَتْ بِالدِّمَاءِ يَوْمَ الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَقَطُورَا ، أَتَدْرِي لِمَ سُمِّيَ قُعَيْقِعَانُ قُعَيْقِعَانَ ؟ قُلْتُ : لَا . قَالَ : لِتَقَعْقُعِ السِّلَاحِ فِي ظُهُورِنَا لَمَّا طَلَعْنَا عَلَيْهِمْ مِنْهُ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،