ذِكْرُ مَنْ نَهَى عَنْ أَكْلِهِ مِنَ السَّلَفِ

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

ذِكْرُ مَنْ نَهَى عَنْ أَكْلِهِ مِنَ السَّلَفِ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

444 حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَبَّاسٍ ، عَنْ عَرِيبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْيَامِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ ، قَالَ : نَهَى عَلِيٌّ عَنِ الضَّبِّ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

445 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَبَّاسٍ الشَّبَامِيِّ ، عَمَّنْ ذِكْرُهُ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ : أَنَّهُ كَرِهَ الضِّبَابَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَحْمَ الضَّبِّ غَيْرُ حَرَامٍ عَلَى آكِلِهِ أَكْلُهُ ؛ إِذْ لَمْ يَنْهَ عَنْ أَكْلِهِ آكِلَهُ ، عَلَى مَا بَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَأْتِنَا بِتَحْرِيمِهِ إِيَّاهُ عَنْهُ خَبَرٌ يَصِحُّ سَنَدُهُ . وَنَكْرَهُ لَهُ أَكْلَهُ تَقَذُّرًا ، وَنَنْهَاهُ عَنْهُ تَنَزُّهًا ، كَمَا كَرِهَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ تَقَذُّرًا وَعَافَهُ ، فَنَهَى عَنْهُ تَنَزُّهًا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ مِنْهُ لَهُ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : أَوَلَيْسَ قَدْ أَخْبَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَنَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ وَقَدْ غَلَتِ الْقُدُورُ بِلُحُومِهَا بِكَفْئِهَا ؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ فِي كَفْئِهَا - إِنْ كَانَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ لُحُومِ الضِّبَابِ كَانَ حَلَالًا - إِفْسَادَ طَعَامٍ حَلَالٍ أَكْلُهُ ، وَفِي إِفْسَادِ ذَلِكَ - وَهُوَ حَلَالٌ - تَضْيِيعُ مَالٍ ، وَفِي تَضْيِيعِ الْمَرْءِ مَالًا مِنْ مَالِهِ - وَلَا سِيَّمَا الطَّعَامُ الَّذِي هُوَ غِذَاءُ الْأَبْدَانِ وَأَقْوَاتُ الْأَجْسَادِ - الدُّخُولُ فِي مَعَانِي أَهْلِ السَّفَهِ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الْحَجْرَ ، وَالتَّقَدُّمُ عَلَى مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ . قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ - وَإِنْ كَانَ طَعَامًا بِالْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ مِنْ كَرَاهَةِ النَّفْسِ لَهُ وَتَقَذُّرِهَا إِيَّاهُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَرَامٍ عَلَى آكِلِهِ أَكْلُهُ - لَمْ يَسْتَحِقَّ الرَّامِي بِهِ - إِذَا رَمَى بِهِ - وَلَا مُهْرِيقُ قِدْرِهِ - إِذَا أَهْرَاقَهَا - اسْمَ مُضَيِّعِ مَالٍ ، وَمُفْسِدِ طَعَامٍ ، كَمَا غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مُهْرِيقُ قِدْرِ طَبِيخٍ قَدْ أَرَاحَ وَنَمِسَ - حَتَّى صَارَ مِنْ تَغَيُّرِ طَعْمِهِ وَرَائِحَتِهِ إِلَى حَالٍ تَكْرَهُهُ النَّفْسُ ، وَتَعَافُ أَنْ تَطْعَمَهُ - اسْمَ مُضَيِّعِ مَالٍ ، وَلَا مُفْسِدِ طَعَامٍ ؛ بِإِرَاقَتِهِ إِيَّاهُ ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا أَكْلُهُ ، غَيْرُ حَرَامٍ عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ . فَكَذَلِكَ إِرَاقَةُ مُرِيقِ الْقِدْرِ الْغَالِيَةِ بِلُحُومِ الضِّبَابِ - إِذَا أَرَاقَهَا - غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ اسْمَ مُضَيِّعِ مَالٍ ، وَلَا مُفْسِدِ طَعَامٍ ؛ إِذَا كَانَتْ إِرَاقَتُهُ ذَلِكَ تَقَذُّرًا وَتَنَزُّهًا عَمَّا تَنَزَّهَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَذَّرَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَرَاقَ مَا هُوَ غَيْرُ حَرَامٍ عَلَى طَاعِمٍ أَنْ يَطْعَمَهُ وَمَنْ أَنْكَرَ مَا قُلْنَا فِي لُحُومِ الضِّبَابِ عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي وَصَفْنَا ، سُئِلَ عَنِ الْأَطْعِمَةِ النَّمِسَةِ ، وَالْقُدُورِ الْمُرِيحَةِ ، وَالْأَطْبِخَةِ الَّتِي قَدْ مَاتَتْ فِيهَا الْخَنَافِسُ وَالْجِعْلَانُ وَبَنَاتُ وَرْدَانَ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ ، فَتَغَيَّرَتْ رَوَائِحُهَا بِمَوْتِ مَا مَاتَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ ، حَتَّى تَقَذَّرَتِ النُّفُوسُ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَعَافَتْهُ ، فَضْلًا عَنْ أَكْلِهَا ، أَيَأْثَمُ مُرِيقُهَا بِإِرَاقَتِهَا ، وَيَسْتَحِقُّ طَارِحُهَا بِطَرْحِهَا اسْمَ مُضَيِّعِ مَالٍ ، وَمُفْسِدِ طَعَامٍ ؟ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ ، خَرَجَ مِنْ مَعْقُولِ أَهْلِ الْعَقْلِ ، وَخَالَفَ مَا عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأُمَّةِ ، مِنْ إِجَازَتِهِمْ إِلْقَاءَ ذَلِكَ وَطَرْحَهُ وَتَرْكَ أَكْلِهِ . وَإِنْ قَالَ : بَلْ غَيْرُ حَرِجٍ الرَّامِي بِهِ ، وَلَا آثِمٌ مُلْقِيهِ وَمُرِيقُهُ . قِيلَ لَهُ : فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ ، وَبَيْنَ مُرِيقِ قِدْرِ طَبِيخِ لُحُومِ الضِّبَابِ الَّتِي أَرَاقَهَا مَنْ أَرَاقَهَا تَقَذُّرًا وَتَنَزُّهًا ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ حَرَامٍ أَكْلُهُ ، وَلَا حَرِجٍ طَاعِمُهُ ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ ، بِأَنَّ مُرِيقَ مَا وَصَفْنَا - مِنَ الْقُدُورِ الَّتِي قَدْ مَاتَتْ فِيهَا الدَّوَابُّ الَّتِي ذَكَرْنَا - أَرَاقَ مَا عِلَّتُهُ إِرَاقَتُهُ فَرْضًا ؛ لِتَنَجُّسِهِ بِمَوْتِ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَنَّ مُرِيقَ الْقِدْرِ الْمَطْبُوخِ فِيهَا لُحُومُ الضِّبَابِ ، أَرَاقَ مَا هُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ عِنْدَكُمْ غَيْرُ حَرَامٍ ، خَالَفَ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ وَكُلِّفَ تَثْبِيتَ مَا مَاتَ فِيهِ مِنَ الدَّوَابِّ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ ، مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ . وَفِي عِزَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، صِحَّةُ الْقَوْلِ بِأَنَّ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَطْعُومِ مَا لِصَاحِبِهِ إِلْقَاؤُهُ وَطَرْحُهُ ، وَتَرْكُ أَكْلِهِ تَقَذُّرًا وَتَنَزُّهًا ، وَهُوَ بِأَكْلِهِ - لَوْ أَكَلَهُ - غَيْرُ آثِمٍ ، وَلَا طَاعِمٍ حَرَامًا . وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ ؛ صَحَّ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ لُحُومَ الضِّبَابِ الَّتِي وَصَفْنَا ، وَثَبَتَتْ صِحَّةُ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ آكِلَهَا إِنْ أَكَلَ ، لَمْ يَأْكُلْ بِأَكْلِهَا حَرَامًا ، وَإِنْ أَلْقَاهَا وَنَبَذَهَا ، لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مُضِيعًا مَالًا ، لَا مُفْسِدًا طَعَامًا ، وَلَا لَازِمُهُ بِذَلِكَ لَوْمٌ وَلَا إِثْمٌ فِيهِ . وَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ كَذَلِكَ ؛ صِحَّةُ مَعْنَى الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لُحُومِ الضِّبَابِ كُلِّهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ فِيَ أَمْرِهِ مَنْ أَمَرَ بِأَكْلِ ذَلِكَ ، إِعْلَامًا مِنْهُ أُمَّتَهُ أَنَّهُ حَلَالٌ غَيْرُ حَرَامٍ . وَفِي تَرْكِهِ أَكْلَهُ وَنَهْيِهِ مَنْ نَهَى عَنْ أَكْلِهِ ، إِعْلَامُهُمْ كَرَاهَتَهُ أَكْلَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : لَا آمُرُ بِهِ ، وَلَا أَنْهَى عَنْهُ إِخْبَارٌ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْدُبُ إِلَى اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهُ فِي مَطَاعِمِهِمِ اسْتِعْمَالَ الطَّيِّبِ مِنْ بَهَائِمِ الْأَنْعَامِ مِنَ الثَّمَانِيَةِ الْأَزْوَاجِ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى تَحْلِيلَهَا فِي كِتَابِهِ ، وَسَائِرِ الْأَغْذِيَةِ الَّتِي طَيَّبَهَا فِي تَنْزِيلِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا يُحَرِّمُهُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيمَ الْخَبَائِثِ الَّتِي أَبَانَ تَحْرِيمَهَا فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ حَرِجٍ طَاعِمُهُ وَلَا آثِمٍ ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا بِأَكْلِهِ عَلَى أَكْلِ مَا يُكْرَهُ لَهُ أَكْلُهُ ، كَمَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَى أَكْلِ مَا قَدْ نَمِسَ مِنَ الْقُدُورِ وَأَنْتَنَ مِنْ مَوْتِ الْخَنَافِسِ وَبَنَاتِ الْوَرْدَانِ وَالْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ فِيهِ ، مُتَقَدِّمٌ عَلَى مَا يُكْرَهُ لَهُ أَكْلُهُ ، وَيُخْتَارُ لَهُ تَرْكُهُ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ فِيمَا

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

446 حَدَّثَكُمْ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحُبْرَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكَلِ الضَّبِّ قِيلَ : هَذَا خَبَرٌ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ فِي الدِّينِ حُجَّةٌ ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ فِي الدِّينِ حُجَّةٌ ، لَمْ يَكُنْ لِمَا قُلْنَا خِلَافًا ؛ إِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا نَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ نَهْيَ تَكَرُّهٍ وَتَقَذُّرٍ ، لَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ . وَإِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا ذَلِكَ ، ثُمَّ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيَانِ مُرَادِهِ مِنْ ذَلِكَ ؛ كَانَ عَلَى مَا انْتَهَى ذَلِكَ إِلَيْهِ الدَّيْنُونَةُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ الصِّحَاحُ بِنَقْلِ الْعُدُولِ الْأَثْبَاتِ عَنْهُ ، بِإِذْنِهِ فِي أَكْلِ ذَلِكَ وَإِبَاحَتِهِ ، وَأَنَّ كَرَاهَتَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِ قَوْمِهِ ، لَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ حَرَامٌ . وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ عَنْ أَنَّ نَهْيَهُ عَنْ أَكْلِهِ - لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ - بِمَعْنَى التَّكَرُّهِ وَالتَّقَذُّرِ ، لَا بِمَعْنَى التَّحْرِيمِ ، وَلَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ : وَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سُئِلَ عَنِ الضَّبِّ : إِنَّ أُمَّةً مُسِخَتْ فَأَرْهَبُ أَنْ تَكُونُهُ ، وَقَوْلِهِ : فَلَعَلَّ هَذَا مِنْهُمْ ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسُوخِ مِنَ الْخَبَرِ الَّذِي

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

447 حَدَّثَكَ بِهِ ، مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ ابْنَتُ أَبِي سُفْيَانَ : اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ سَأَلْتِ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ ، لَا يُعَجَّلُ مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ حِلِّهَا ، وَلَا يُؤَخَّرُ بَعْدَ حِلِّهَا ، وَلَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَكِ - أَوْ يُعِيذَكِ - مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابٍ فِي النَّارِ ، كَانَ خَيْرًا لَكِ . قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ ، مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ الَّذِينَ مُسِخُوا ؟ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ لَا يُهْلِكُ أُمَّةً فَيُبْقِي لَهَا نَسْلًا أَوْ عَاقِبَةً فَهَذَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُسُوخِ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُبْقِي لَهَا نَسْلًا وَلَا عَاقِبَةً ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ لَا يُبْقِي لِلْمُسُوخِ نَسْلًا وَلَا عَاقِبَةً ، ثُمَّ يَقُولَ فِي الضِّبَابِ : أَرْهَبُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُسُوخِ الَّتِي مُسِخَتْ ؟ فَإِنْ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّبِّ : إِنَّ أُمَّةً مُسِخَتْ فَأَرْهَبُ أَنْ تَكُونَهُ . وَلَا فِي قَوْلِهِ : فَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهُمْ ، خِلَافٌ لِقَوْلِهِ : إِنَّ اللَّهَ لَا يُهْلِكُ أُمَّةً فَيُبْقِي لَهَا نَسْلًا وَلَا عَاقِبَةً ؛ إِذْ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ الَّتِي مُسِخَتْ يَوْمَئِذٍ هِيَ الضِّبَابَ الْآنَ بِأَعْيَانِهَا ، لَا أَنَّهَا نَسْلُهَا ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمُسُوخُ الَّتِي مُسِخَتْ بَعْضَ هَذِهِ الضِّبَابِ ، بَقِيَتْ إِلَى الْآنَ لَمْ تُعْقِبْ ، وَتَكُونُ الُّتِي تُعْقِبُ مِنْهَا غَيْرَ الْأُمَّةِ الَّتِي مُسِخَتْ فَحُوِّلَتْ فِي صُوَرِهَا . قِيلَ لَكَ : فَهَذَا خِلَافُ الْقَوْلِ الَّذِي

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

448 حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُرِّيُّ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَعِشْ مَسْخٌ قَطُّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَلَمْ يَأْكُلْ ، وَلَمْ يَشْرَبْ ، وَلَمْ يَنْسِلْ وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَسَائِرَ الْخَلْقِ فِي السِّتَّةِ الْأَيَّامِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ ، فَمَسَخَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ - يَعْنِي الَّذِينَ مَسَخَهُمْ قِرَدَةً فِي صُورَةِ الْقِرَدَةِ - وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِمَنْ شَاءَ كَيْفَ شَاءَ ، وَيُحَوِّلُهُ كَيْفَ يَشَاءُ . فَمَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا إِذًا ، إنْ كَانَ الَّذِينَ مُسِخُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَائِزًا عِنْدَكَ أَنْ يَكُونُوا هُمْ هَذِهِ الضِّبَابَ الْيَوْمَ ، أَوْ أَنْ يَكُونُوا كَانُوا مَوْجُودِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ مَرَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الزَّمَانِ مَا مَرَّ ، وَأَتَى عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّهُورِ مَا أَتَى ، وَهَذَا الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإنْكَارِهِ لِلْمَسْخِ عَيْشًا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ؟ وَإِنْ أَنْتَ قُلْتَ بِتَصْحِيحِ الْقَوْلِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قِيلَ لَكَ : فَمَا وَجْهُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضِّبَابِ إِذًا ، إِذْ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ : إِنَّ أُمَّةً مُسِخَتْ فَأَرْهَبُ أَنْ تَكُونَهُ ، وَالْمُسُوخُ قَدْ هَلَكَتْ وَبَادَتْ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالَّذِي قُدِّمَ إِلَيْهِ فَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ مِنْهَا ، وَالَّذِي سُئِلَ عَنْهُ مِنْهَا ، لَا هُوَ الْمَسْخُ ، وَلَا هُوَ مِنْ نَسْلِهَا ، فَمَا وجُوهُ كَرَاهَتِهِ أَكْلَ ذَلِكَ حِذَارًا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأُمَّةِ الَّتِي مُسِخَتْ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ أَنَّ الْمَسْخَ لَا يُعْقِبُ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ؟ قِيلَ لَهُ : أَمَّا الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رُوِيَ بِمَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّ الْمَسْخَ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ، فَخَبَرٌ فِي سَنَدِهِ نَظَرٌ ؛ لِعِلَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : أَنَّ الضَّحَّاكَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ بِشْرَ بْنَ عُمَارَةَ لَيْسَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحًا ؛ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافٌ ، وَكَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّبِّ الَّذِي قُدِّمَ إِلَيْهِ أَوْ سُئِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : هُوَ مِنَ الْأُمَّةِ الَّتِي مُسِخَتْ بِأَعْيَانِهَا ، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَعَلَّ هَذَا مِنْهُمْ ، وَأَرْهَبُ أَنْ تَكُونَهُ . وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِقَوْلِهِ : لَعَلَّ هَذَا مِنْهُمْ : مِنْهُمْ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ ، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ نَوْعِهِمْ فِي الْمِثَالِ . وَأَرْهَبُ أَنْ تَكُونَهُ : بِمَعْنَى أَنْ تَكُونَ نَظِيرَهُ فِي الْمِثَالِ وَالشَّبَهِ ، لَا أَنَّهَا هِيَ بِأَعْيَانِهَا . وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ مَا قُلْنَا ، كَانَتْ كَرَاهَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَهَا لِمُشَابَهَتِهَا فِي الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ خَلْقًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَغَيَّرَهُ عَنْ هَيْئَتِهِ وَصُورَتِهِ إِلَى صُورَتِهَا ، وَكَذَلِكَ هِيَ عِنْدَنَا . وَإِذَا صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ؛ صَحَّتْ مَخَارِجُ مَعَانِي مَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَسْخَ لَا يُعْقِبُ ، وَقَوْلِهِ إِذْ سُئِلَ عَنِ الضَّبِّ : إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ فَلَعَلَّ هَذَا مِنْهُمْ ، وَمَخْرَجُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ الْمَسْخَ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَذَلِكَ أنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ الْمَمْسُوخَةُ هَلَكَتْ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَلَمْ تُعْقِبْ وَلَمْ تَنْسِلْ ، وَتَكُونَ كَرَاهَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ الضِّبَابِ إِذْ كَرِهَهُ ؛ حِذَارًا أَنْ تَكُونَ مِنْ نَوْعِ مَا مَسَخَ اللَّهُ مِنَ الْأُمَّةِ الَّتِي مَسَخَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، إِذْ كَانَ لَمْ يَمْسَخْ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَلْقًا مِنْ خَلْقِهِ عَلَى صُورَةِ دَابَّةٍ مِنَ الدَّوَابِّ ، إِلَّا كَرَّهَ إِلَى أُمَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ لَحْمِ تِلْكَ الدَّابَّةِ الَّتِي مَسَخَ ذَلِكَ الْخَلْقَ عَلَى صُورَتِهِ أَوْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ . وَذَلِكَ كَتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ لُحُومَ الْخَنَازِيرِ الَّتِي مُسِخَتْ عَلَى صُورَتِهَا أُمَّةٌ مِنَ الْيَهُودِ ، وَكَتَحْرِيمِهِ لُحُومَ الْقِرَدَةِ الَّتِي مُسِخَتْ عَلَى صُورَتِهَا مِنْهُمْ أُمَّةٌ أُخْرَى ، وَتَكْرِيهِهِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ . فَإِنْ قَالَ : أَفَكَانَتْ عِنْدَهُ الضِّبَابُ مِنَ الْمُسُوخِ ، وَسَبِيلُهَا سَبِيلُهَا ؟ قِيلَ : إِنَّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أُمَّةً مُسِخَتْ فَأَرْهَبُ أَنْ تَكُونَهُ ، وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : فَلَعَلَّ هَذَا مِنْهُمْ ، بَيَانًا وَاضِحًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا مِنْ نَوْعِ الْأُمَّةِ الَّتِي مُسِخَتْ - وَلِذَلِكَ لَمْ تُحَرَّمْ - وَأَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْهَا مَا تَبَيَّنَ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ لَحَرَّمَ أَكْلَهَا عَلَى آكِلِهَا ، وَلَكِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى خَلْقًا مُشْكِلًا ، يُشْبِهُ خَلْقَ الْمُسُوخِ ؛ فَكَرِهَ أَكْلَهَا لِذَلِكَ ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُ ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ الْوَحْيُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَفِي صِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ كَرَاهَتِهِ أَكْلَ لُحُومِ الضِّبَابِ ، مَعَ إِذْنِهِ لِآكِلِيهَا فِي أَكْلِهَا ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ مِنَ أُمُورِ الدِّينِ أُمُورًا ، الْوَرَعُ فِي الْإِحْجَامِ عَنِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهَا ، وَالْفَضْلُ فِي الْكَفِّ وَالْإِمْسَاكِ عَنْهَا ، وَإنْ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ التَّقَدُّمُ عَلَيْهَا ؛ وَذَلِكَ إِذَا الْتَبَسَتْ عَلَى الْمَرْءِ أَسْبَابُهَا ، وَلَمْ يَتَّضِحْ لَهُ وَجْهُ صِحَّتِهَا وُضُوحًا بَيِّنًا ، كَالَّذِي فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ ؛ أَخْذًا مِنْهُ بِالِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ ، وَاسْتِبْرَاءً مِنْهُ لِدِينِهِ ؛ إِذْ خَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْمُسُوخِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ نَظَائِرَهَا عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَنْهَ آكِلَهُ عَنْ أَكْلِهِ ؛ إِذْ لَمْ تَكُنْ وَضَحَتْ لَهُ صِحَّةُ أَمْرِهِ أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الْمُسُوخِ . وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْمُتَمَسِّكُ مِنْ أُمَّتِهِ بِمِنْهَاجِهِ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ ؛ يُحْجِمُ عَنِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ ؛ أَخْذًا مِنْهُ بِالِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ ، وَاسْتِبْرَاءً لِدِينِهِ ، وَلَا يَذُمُّ الْمُتَقَدِّمَ عَلَيْهِ ذَمَّ مُؤَثِّمٍ ، وَلَا يَلُومُهُ لَوْمَ مُعَنِّفٍ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

ذِكْرُ الْبَيَانِ عَمَّا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنَ الْغَرِيبِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي لَحْمِ الضَّبِّ : إِنَّمَا عَافَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
يَعْنِي بِقَوْلِهِ : عَافَهُ : كَرِهَهُ ، يُقَالُ مِنْهُ : عَافَ فُلَانٌ هَذَا الشَّيْءَ فَهُوَ يَعَافُهُ عَيْفًا ، وَعُيُوفًا ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ :
لَكَالثَّوْرِ يَوْمَ الْوِرْدِ يُضْرَبُ ظَهْرُهُ
وَمَا ذَنْبُهُ أَنْ عَافَتِ الْمَاءَ مَشْرَبَا

وَمَا ذَنْبُهُ أَنْ عَافَتِ الْمَاءَ بَاقِرٌ
وَمَا إِنْ تَعَافُ الْمَاءَ إِلَّا لِيُضْرَبَا
وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ :
دَعَتْهُ نِيَّةٌ عَنَّا قَذُوفٌ
وَعَافَ الْبِشْرَ فَانْتَجَعَ الْمِلَاحَا
وَالْعِيَافَةُ غَيْرُ هَذَا الْمَعْنَى ، وَهِيَ شَبِيهَةُ الْكِهَانَةِ وَزَجْرِ الطَّيْرِ وَالسَّوَانِحِ وَالْبَوَارِحِ ، يُقَالُ مِنْهُ : عَافَ الْعَائِفُ ، فَهُوَ يَعِيفُ عِيَافَةً ، وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ :
مَا تَعِيفُ الْيَوْمَ فِي الطَّيْرِ الرَّوَحْ
مِنْ غُرَابِ الْبَيْنِ أَوْ تَيْسٍ بَرَحْ
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ : فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا أَغْسَقَ ، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ .
مَعْنَاهُ : إِذَا أَظْلَمَ ، يُقَالُ مِنْهُ : غَسَقَ اللَّيْلُ يَغْسِقُ غُسُوقًا ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَخِّرُوا السَّحُورَ ، وَعَجِّلُوا الْإِفْطَارَ ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوَا اللَّيْلَ يَغْسِقُ عَلَى الظِّرَابِ .
وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } ، يَعْنِي بِذَلِكَ : مِنْ شَرِّ مُظْلِمٍ إِذَا هَجَمَ بِظَلَامِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ : فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ ضَبًّا مَحْنُوذًا ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْمَحْنُوذِ : الْمَشْوِيَّ ، الَّذِي قَدْ أُنْضِجَ شَيًّا .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَى الْمَحْنُوذِ : الْمَشْوِيُّ ، وَقَالَ : يُقَالُ مِنْهُ : حَنَذْتُ فَرَسِي : بِمَعْنَى سَخَّنْتُهُ وَعَرَّقْتُهُ ، وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الْعَجَّاجِ :
وَفَرَغَا مِنْ رَعْيِ مَا تَلَزَّجَا
وَرَهِبَا مِنْ حَنْذِهِ أَنْ يَهْرَجَا
وَقَالَ الْآخَرُونَ مِنْهُمُ : الْحَنْذُ : التَّعْرِيقُ .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : كُلُّ شَيْءٍ شُوِيَ فِي الْأَرْضِ إِذَا خُدَّتْ لَهُ فِيهَا فَدُفِنَ فِيهَا وَغُمِّمَ فَهُوَ الْمَحْنُوذُ ، وَقَالَ : تَحْنِيذُ الْخَيْلِ : إِلْقَاءُ الْجِلَالِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ عَلَيْهَا لِتَعْرَقَ ، وَذَكَرَ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ : إِذَا سَقَيْتَهُ فَأَحْنِذْ : يَعْنِي اخْفِسْ ، يُرَادُ بِهِ : أَقِلَّ الْمَاءَ وَأَكْثَرِ النَّبِيذَ .
وَهَذِهِ أَقْوَالٌ - وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ قَائِلِيهَا - مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي ، وَالْحَنْذُ : هُوَ مَا وَصَفْتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، أَعْنِي فِي قَوْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ : فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : { فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } ، يُعْنَى بِهِ : بِعِجْلٍ نَضِيجٍ ، قَدْ أُنْضِجَ شَيًّا .
وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَهُمْ فِي بُطُونِ التِّلَاعِ وَرُءُوسِ الْآكَامِ ، فَإِنَّ التِّلَاعَ : جَمْعُ تَلْعَةٍ ، وَهِيَ مَجَارِيَ الْمِيَاهِ مِنَ الْأَمَاكِنِ الْمُرْتَفِعَةِ إِلَى بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ مِمَّا انْخَفَضَ مِنْهَا ، وَإِيَّاهَا عَنَى ذُو الرُّمَّةِ بِقَوْلِهِ :
دَهَاسٍ سَقَاهَا الدَّلْوُ حَتَّى تَنَطَّقَتْ
بِنَوْرِ الْخُزَامَى فِي التِّلَاعِ الْجَوَائِفِ
وَكَذَلِكَ أَبُو النَّجْمِ بِقَوْلِهِ :
كَأَنَّ رِيحَ الْمِسْكِ وَالْقَرَنْفُلِ
نَبَاتُهُ بَيْنَ التِّلَاعِ السُّيَّلِ
وَأَمَّا الْآكَامُ : فَإِنَّهَا جَمْعُ أَكَمَةٍ ، يُقَالُ لِوَاحِدَتِهَا أَكَمَةٌ ، ثُمَّ تُجْمَعُ : أَكَمٌ ، وَأُكْمٌ ، وَأُكُمٌ ، وَآكَامٌ ، وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ عَلَى مَا حَوْلَهُ مِنَ الْأَرْضِ ، لَا يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا .
وَمِنَ الْأَكَمِ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ :
بَلْ بَلَدٍ مِلْءِ الْفِجَاجِ قَتَمُهْ
,
لَا يُشْتَرَى كَتَّانُهُ وَجَهْرَمُهْ
,
يُجْتَابُ ضَحْضَاحَ السَّرَابُ أَكَمُهْ
وَمِنَ الْأُكْمِ بِسُكُونِ الْكَافِ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ :
كَأَنَّ فَوْقَ الْأُكْمِ مِنْ غُثَائِهِ
قَطَائِفَ الشَّأْمِ عَلَى عَبَائِهِ
وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ لِلْأَعْرَابِ الَّذِينَ أَتَوْهُ : أَمَا تَأْكُلُونَ الْهَبِيدَ ، فَإِنَّ الْهَبِيدَ هُوَ الْحَنْظَلُ ، يُؤْخَذُ فَيُنْقَعُ أَيَّامًا سَبْعَةً ، ثُمَّ يُقْشَرُ مِنْ قِشْرِهِ الْأَعْلَى ، ثُمَّ يُطْحَنُ فَيُخْرَجُ مِنْهُ دَسَمٌ ، وَتُتَّخَذُ مِنْهُ عَصِيدَةٌ .
وَقَدْ حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الْهَبِيدَ إِذَا قُشِرَ صَارَ كَهَيْئَةِ النَّشَا ، وَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ أَكْلَ مِنْهُ ، وَإِيَّاهُ عَنَى الطِّرِمَّاحَ بِقَوْلِهِ :
يُمْسِي بِعَقْوَتِهَا الْهِجَفُّ كَأَنَّهُ
حَبَشِيُّ حَازِقَةٍ غَدَا يِتَهَبَّدُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ يَتَهَبَّدُ : يَطْلُبُ الْحَنْظَلَ لَيَعْمَلَ بِهِ مَا وَصَفْتُ .
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : لَأَنْ يُهْدَى إِلَى أَحَدِنَا الضَّبَّةُ الْمَكُونَةُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ تُهْدَى لَهُ الدَّجَاجَةُ السَّمِينَةُ ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالضَّبَّةِ الْمَكُونَةِ : الَّتِي قَدْ جَمَعْتِ الْبَيْضَ فِي بَطْنِهَا ، يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ : قَدْ مَكِنَتِ الضَّبَّةُ ، وَأَمْكَنَتْ ، وَهِيَ ضَبَّةٌ مَكُونٌ .
وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : أَقِرُّوا الطَّيْرَ فِي مَكِنَاتِهَا ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ : مُكُنَاتِهَا ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يُوَجِّهُهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى ، وَإِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرٌ بِإِقْرَارِ الطَّيْرِ عَلَى بَيْضِهَا حَتَّى تُفْرِخَ ، وَيَزْعُمُ أَنَّ الْمَكِنَاتِ جَمْعُ مَكِنَةٍ ، وَأَنَّهَا بَيْضُ الطَّائِرِ ، وَيَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ قِيلَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ ، وَإنْ كَانَ الْمَكِنَاتُ لَا تُعْرَفُ إِلَّا لِلضِّبَابِ ، كَمَا قِيلَ : مَشَافِرُ الْحَبَشِ ، وَإِنَّمَا الْمَشَافِرُ لِلْإِبِلِ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ فِي صِفَةِ الْأَسَدِ :
لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ
وَلَا أَظْفَارَ لِلْأَسَدِ ، وَإِنَّمَا لَهُ مَخَالِبُ .
وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ آخَرُونَ ، وَقَالُوا : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى أَمْكِنَتِهَا ، وَامْضُوا لِأُمُورِكَمْ ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى .
قَالُوا : وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ سَفَرًا أَوْ غَزْوًا أَوْ أَمْرًا مِنَ الْأُمُورِ ، أَثَارَ الطَّيْرَ مِنْ أَوْكَارِهَا ؛ لِيَنْظُرَ أَيَّ وَجْهٍ تَسْلُكُ ، وَإِلَى أَيِّ نَاحِيَةٍ تَطِيرُ ، فَإِنْ طَارَتْ ذَاتَ الْيَمِينِ خَرَجَ لِسَفَرِهِ وَمَضَى لِأَمْرِهِ ، وَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الشِّمَالِ ؛ رَجَعَ وَلَمْ يَمْضِ ؛ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِرُّوهَا فِي أَمَاكِنِهَا ، وَأَبْطَلَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ ، كَمَا أَبْطَلَ الِاسْتِقْسَامَ بِالْأَزْلَامِ .
وَقَالَ الْآخَرُونَ : بَلْ هَذَا تَصْحِيفٌ مِنَ الرُّوَاةِ ، وَخَطَأٌ مِنْهُمْ ، وَلَا نَعْرِفُ الْمَكِنَاتِ إِلَّا اسْمًا لِبَيْضِ الضِّبَابِ دُونَ غَيْرِهَا .
قَالُوا : وَنَرَى أَنَّ رَاوِيَ ذَلِكَ سَمِعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَقِرُّوا الطَّيْرَ فِي وُكُنَاتِهَا ، بِالْوَاوِ .
وَقَالُوا : وَوُكُنَاتُ الطَّيْرِ : مَوَاضِعُ عُشِّهَا ، وَحَيْثُ تَسْقُطُ عَلَيْهِ مِنَ الشَّجَرِ وَتَأْوِي إِلَيْهِ .
وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِبَيْتِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ :
وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فِي أُكُنَاتِهَا
بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الْأَوَابِدِ هَيْكَلِ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَا قَالَ هَؤُلَاءِ .
وَذَلِكَ أَنَّا إِنْ وَجَّهْنَا ذَلِكَ إِلَى مَا قَالَهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى مَكِنَاتِهَا أَمْكِنَتُهَا ؛ خَرَجْنَا عَنِ الْمَعْرُوفِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْأَمْكِنَةِ : مَكِنَةٌ .
وَإِنْ وَجَّهْنَاهُ إِلَى مَا قَالَهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَنَى بِالْمَكِنَاتِ بَيْضَهَا ؛ دَخَلْنَا أَيْضًا فِي نَحْوِ الَّذِي أَنْكَرْنَا مِنَ الْخُرُوجِ عَنِ الْمَعْرُوفِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا تُعْرَفُ الْمَكِنَاتُ إِلَّا لِلضِّبَابِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، فَأَمَّا الطَّيْرُ فَلَمْ يُسْمَعْ بِالْمَكِنَاتِ .
وَإِنْ قُلْنَا مَا قَالَهُ الَّذِينَ نَسَبُوا رُوَاةَ الْخَبَرِ إِلَى الْخَطَأِ فِيمَا نَقَلُوهُ ؛ كُنَّا قَدْ تَقَدَّمْنَا عَلَى مَا لَا يَقِينَ عِنْدَنَا بِهِ .
وَلَكِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الرِّوَايَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ : أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكَنَاتِهَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْكَافِ ، فَتَكُونُ الْمَكَنَاتُ حِينَئِذٍ جَمْعُ مَكْنَةٍ ، وَالْمَكْنَةُ : اسْمٌ مِنَ التَّمَكُّنِ ، فَعْلَةٌ مِنْهُ ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : مَكَنَ فُلَانٌ بِمَوْضِعِ كَذَا : بِمَعْنَى تَمَكَّنَ فِيهِ ، فَهُوَ يَمْكُنُ فِيهِ مَكْنًا ، وَمَكْنَةً ، ثُمَّ تُجْمَعُ الْمَكْنَةُ مَكَنَاتٍ ، كَمَا يُقَالُ : قَعَدَ فُلَانٌ قَعْدَةً وَقَعَدَاتٍ ، وَجَلَسَ جَلْسَةً وَجَلَسَاتٍ ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ : أَقِرُّوا الطَّيْرَ الَّتِي تَزْجُرُونَهَا فِي مَوَاضِعِهَا الْمُتَمَكِّنَةِ فِيهَا ، الَّتِي هِيَ بِهَا مُسْتَقِرَّةٌ ، وَامْضُوا لِأُمُورِكَمْ ، فَإِنَّ زَجْرَكُمْ إِيَّاهَا غَيْرُ مُجْدٍ عَلَيْكُمْ نَفْعًا ، وَلَا دَافِعٍ عَنْكُمْ ضَرًّا .
وَأَمَّا قَوْلُ ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي فَزَارَةَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضِبَابٍ قَدِ احْتَرَشَهَا ، أَوِ اخْتَرَشَهَا ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا هُوَ : قَدِ احْتَرَشَهَا ، وَلَا مَعْنَى لِلشَّكِّ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَفَ مَعْنَى احْتِرَاشِ الضِّبَابِ ، فَجَعَلَ الْخَبَرَ بِالشَّكِّ عَلَى مَا وَصَفْتُ .
وَمَعْنَى احْتِرَاشِ الضِّبَابِ : تَحْرِيكُ طَالِبِ اصْطِيَادِهَا فِي جُحْرِهَا الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ عُودًا ، أَوْ وَتِدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ؛ لِيُخْرِجَ الضَّبُّ ذَنَبَهُ ؛ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْحَرَكَةَ الَّتِي أَحَسَّهَا فِي جُحْرِهِ حَرَكَةُ حَيَّةٍ أَوْ أَفْعَى ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَيَّةَ أَوِ الْأَفْعَى رُبَّمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ جُحْرَهُ ، فَإِذَا سَمِعَ الضَّبُّ حِسَّ دُخُولِهِ ، أَخْرَجَ ذَنَبَهُ فَضَرَبَهَا بِهِ ، فَقَطَعَهَا ثِنْتَيْنِ ، فَإِذَا حَرَّكَ طَالِبُ اصْطِيَادِهِ وَمُحْتَرِشُهُ فِي جُحْرِهِ مَا وَصَفْتُ ، وَاحْتَرَشَ بِذَلِكَ الضَّبُّ ؛ أَخْرَجَ ذَنَبَهُ وَهُوَ يَحْسِبُهُ حَيَّةً أَوْ أَفْعَى ؛ لِيَضْرِبَهَا بِهِ ، فَإِذَا أَخْرَجَ ذَنَبَهُ قَبَضَ عَلَيْهِ الْمُحْتَرِشُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ جُحْرِهِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى أَمَّ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ فِي قَوْلِهِ :
فَيَا عَجَبًا ، أَتُوعِدُنِي نُمَيْرٌ
بِرَاعِي الْإِبْلِ يَحْتَرِشُ الضِّبَابَا
وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ : فَنَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الضِّبَابِ وَنَحْنُ مُرْمِلُونَ ، فَإِنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : وَنَحْنُ مُرْمِلُونَ : وَنَحْنُ مُقْوُونَ ، قَدْ نَفِدَتْ أَزْوَادُنَا فَلَا زَادَ مَعَنَا .
يُقَالُ : قَدْ أَرْمَلَ الْقَوْمُ وَأَقْوَوْا وَأَنْفَضُوا : إِذَا نَفِدَتْ أَزْوَادُهُمْ .
وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى :
إِذَا حَضَرَانِي قُلْتُ لَوْ تَعْلَمَانِهِ
أَلَمْ تَعْلَمَا أَنِّي مِنَ الزَّادِ مُرْمِلُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ : فَأَمَرَنَا فَأَكْفَأْنَاهَا ، فَقَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى قَبْلُ أَنَّ الصَّوَابَ فِيهِ : فَكَفَأْنَاهَا ، وَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الْفَصِيحِ ، مِنْهُ : كَفَأْتُ الْإِنَاءَ : وَذَلِكَ إِذَا قَلَبْتَهُ وَأَرَقْتَ مَا فِيهِ .
وَلَكِنَّا نُؤَدِّي الْخَبَرَ عَلَى مَا سَمِعْنَاهُ مِنْ أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِنَا ، مَا لَمْ يُحِلِ الْمَعْنَى .

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،