4592 حَدَّثَنَا يَحْيَى ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ عَامِرٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : يَا أُمَّتَاهْ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ ؟ فَقَالَتْ : لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلاَثٍ ، مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ : مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ ، ثُمَّ قَرَأَتْ : { لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ } ، { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } . وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ ، ثُمَّ قَرَأَتْ : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا } . وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ ، ثُمَّ قَرَأَتْ : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } الآيَةَ وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ |
4592 حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر ، عن مسروق ، قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فقالت : لقد قف شعري مما قلت ، أين أنت من ثلاث ، من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } ، { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب } . ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا } . ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ، ثم قرأت : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } الآية ولكنه رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين |
شرح الحديث من فتح الباري لابن حجر
( .
قَوْلُهُ سُورَةُ وَالنَّجْمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلْبَاقِينَ وَالنَّجْمِ حَسْبُ وَالْمُرَادُ بِالنَّجْمِ الثريا فِي قَول مُجَاهِد أخرجه بن عُيَيْنَة فِي تَفْسِيره عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ النَّجْمُ وَالنُّجُومُ ذَهَبَ إِلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ قَالَ الشَّاعِرُ وَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ فِي مُسْتَجَرِّهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْقَوْلُ لَهُ وَجْهٌ وَلَكِنْ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ قَالَهُ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ ثُمَّ رَوَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُرْآنُ إِذَا نَزَلَ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظِ النَّجْمُ نُجُومُ الْقُرْآنِ .
قَوْلُهُ وقَال مُجَاهِدٌ ذُو مِرَّةٍ ذُو قُوَّةٍ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِلَفْظِ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ قُوَّةُ جِبْرِيلَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذُو مِرَّةٍ أَيْ شِدَّةٍ وَإِحْكَامٍ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاس فِي قَوْله ذُو مرّة قَالَ ذُو خَلْقٍ حَسَنٍ .
قَوْلُهُ قَابَ قَوْسَيْنِ حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ سَقَطَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَوَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَيْ قَدْرَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى أَوْ أَقْرَبَ .
قَوْلُهُ ضِيزَى عَوْجَاءُ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ أَيْضًا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ ضِيزَى جَائِرَةٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيّ من وَجه ضَعِيف عَن بن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ نَاقِصَةٌ تَقُولُ ضَأَزْتُهُ حَقَّهُ نَقَصْتُهُ .
قَوْلُهُ وَأَكْدَى قَطَعَ عَطَاءَهُ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِلَفْظِ اقْتَطَعَ عَطَاءَهُ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَمِنْ طَرِيق أُخْرَى مُنْقَطِعَة عَن بن عَبَّاسٍ أَعْطَى قَلِيلًا أَيْ أَطَاعَ قَلِيلًا ثُمَّ انْقَطع وَأخرج بن مرْدَوَيْه من وَجه لين عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَعْطَى قَلِيلًا ثُمَّ قَطَعَ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْكُدْيَةِ بِالضَّمِّ وَهُوَ أَنْ يَحْفِرَ حَتَّى يَيْأَسَ مِنَ الْمَاءِ .
قَوْلُهُ رَبُّ الشعرى هُوَ مِرْزَمُ الْجَوْزَاءِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِلَفْظِهِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الشِّعْرَى الْكَوْكَبُ الَّذِي خَلْفَ الْجَوْزَاءِ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَأَخْرَجَ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَتْ فِي خُزَاعَةَ وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الشِّعْرَى وَهُوَ الْكَوْكَبُ الَّذِي يَتْبَعُ الْجَوْزَاءَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ كَانَ نَاسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ هَذَا النَّجْمَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الشِّعْرَى وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ النَّجْمُ الَّذِي يَتْبَعُ الْجَوْزَاءَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدَّيْنَوَرِيُّ فِي كتاب الأنواء الغدرة وَالشِّعْرَى الْعَبُورُ وَالْجَوْزَاءُ فِي نَسَقٍ وَاحِدٍ وَهُنَّ نُجُومٌ مَشْهُورَةٌ قَالَ وَلِلشِّعْرَى ثَلَاثَة أزمان إِذا رؤيت غُدْوَةً طَالِعَةً فَذَاكَ صَمِيمُ الْحَرِّ وَإِذَا رُؤِيَتْ عِشَاءً طَالِعَةً فَذَاكَ صَمِيمُ الْبَرْدِ وَلَهَا زَمَانٌ ثَالِثٌ وَهُوَ وَقْتُ نَوْئِهَا وَأَحَدُ كَوْكَبَيِ الذِّرَاعِ الْمَقْبُوضَةِ هِيَ الشِّعْرَى الْغُمَيْصَاءُ وَهِيَ تُقَابِلُ الشِّعْرَى الْعَبُورَ وَالْمَجَرَّةُ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ لِكَوْكَبِهَا الْآخَرِ الشَّمَالِيُّ الْمِرْزَمُ مِرْزَمُ الذِّرَاعِ وَهُمَا مِرْزَمَانِ هَذَا وَآخَرُ فِي الْجَوْزَاءِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ انْحَدَرَ سُهَيْلٌ فَصَارَ يَمَانِيًّا فَتَبِعَتْهُ الشِّعْرَى فَعَبَرَتْ إِلَيْهِ الْمَجَرَّةَ وَأَقَامَتِ الْغُمَيْصَاءُ فَبَكَتْ عَلَيْهِ حَتَّى غَمَصَتْ عَيْنُهَا والشعريان الغميصاء والعبور يطلعان مَعًا.
وَقَالَ بن التِّينِ الْمِرْزَمُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ نَجْمٌ يُقَابِلُ الشِّعْرَى مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ لَا يُفَارِقُهَا وَهُوَ الْهَنْعَةُ .
قَوْلُهُ الَّذِي وَفَّى وَفَّى مَا فُرِضَ عَلَيْهِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِلَفْظِهِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْس قَالَ وَفِي أَي بلغ وروى بن الْمُنْذِرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْخَذُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ حَتَّى جَاءَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفِي أَن لَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى وَمِنْ طَرِيقِ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ نَحْوُهُ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سَمَّى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ الَّذِي وَفَّى لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحين تُصبحُونَ وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا وَفِي عَمَلِ يَوْمِهِ بِأَرْبَعِ رَكْعَات من أول النَّهَار قَوْله أزفت الآزقة اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ سَقَطَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ هُنَا وَيَأْتِي فِي الرِّقَاقِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ كَذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ دَنَتِ الْقِيَامَةُ .
قَوْلُهُ سَامِدُونَ الْبَرْطَمَةُ كَذَا لَهُمْ وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ وَالْقَابِسِيِّ الْبَرْطَنَةُ بِالنُّونِ بَدَلَ الْمِيمِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ يَتَغَنَّوْنَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ أَفَمِنْ هَذَا الحَدِيث تعْجبُونَ قَالَ من هَذَا الْقُرْآن وَأَنْتُم سامدون قَالَ الْبَرْطَمَةُ قَالَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ السَّامِدُونَ يَتَغَنَّوْنَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانُوا يَمُرُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِضَابًا مُبَرْطِمِينَ قَالَ.
وَقَالَ عِكْرِمَة هُوَ الْغناء بالحميرية وروى بن عُيَيْنَة فِي تَفْسِيره عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ وَأَنْتُمْ سامدون هُوَ الْغِنَاءُ بِالْحِمْيَرِيَّةِ يَقُولُونَ اسْمُدْ لَنَا أَيْ غَنِّ لَنَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاس فِي قَوْله وَأَنْتُم سامدون قَالَ الْغِنَاءُ قَالَ عِكْرِمَةُ وَهِيَ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ إِذَا أَرَادَ الْيَمَانِيُّ أَنْ يَقُولَ تَغَنَّ قَالَ اسْمُدْ لَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجه آخر عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَاهُونَ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ غَافِلُونَ وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ مُعْرِضُونَ تَنْبِيهٌ الْبَرْطَمَةُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْإِعْرَاضُ.
وَقَالَ بن عُيَيْنَةَ الْبَرْطَمَةُ هَكَذَا وَوَضَعَ ذَقَنَهُ فِي صَدْرِهِ .
قَوْلُهُ وقَال إِبْرَاهِيمُ أَفَتُمَارُونَهُ أَفَتُجَادِلُونَهُ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِهِ وَجَاءَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِيهِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ .
قَوْلُهُ وَمَنْ قَرَأَ أَفَتَمْرُونَهُ يَعْنِي أَفَتَجْحَدُونَهُ كَذَا لَهُمْ وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ أَفَتَجْحَدُونَ بِغَيْرِ ضَمِيرٍ وَقَدْ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يقْرَأ أفتمارونه يَقُولُ أَفَتَجْحَدُونَهُ فَكَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَرَأَ بِهِمَا مَعًا وَفَسَّرَهُمَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ هُشَيْمٍ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَهَكَذَا قَرَأَ بن مَسْعُودٍ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقَرَأَهَا الْبَاقُونَ وَبَعض الْكُوفِيّين أفتمارونه أَيْ تُجَادِلُونَهُ.
قُلْتُ قَرَأَهَا مِنَ الْكُوفِيِّينَ عَاصِمٌ كَالْجُمْهُورِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ كَانَ شُرَيْحٌ يَقْرَأُ أَفَتُمَارُونَهُ وَمَسْرُوقٌ يَقْرَأُ أَفَتَمْرُونَهُ وَجَاءَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَرَأَهَا كَذَلِكَ لَكِنْ بِضَمِّ التَّاءِ .
قَوْلُهُ مَا زاغ الْبَصَرُ بَصَرُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ.
وَقَالَ مَا زَاغَ إِلَخْ وَلَمْ يُعَيِّنِ الْقَائِلَ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ.
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ بَصَرُ مُحَمَّدٍ يُقَلِّبُهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي قَوْله مَا زاغ الْبَصَر قَالَ رَأَى مُحَمَّدٌ جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ الْمَلَكِ وَمَسْأَلَةُ الرُّؤْيَةِ مَشْهُورَةٌ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ .
قَوْلُهُ وَمَا طَغَى وَمَا جَاوَزَ مَا رَأَى فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَا بَدَّلَ وَمَا هُوَ بَقِيَّةُ كَلَامِ الْفَرَّاءِ أَيْضًا وَلَفْظُهُ وَمَا جَاوَزَ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ من طَرِيق مُسلم البطين عَن بن عَبَّاس فِي قَوْله مَا زاغ الْبَصَر مَا ذَهَبَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَمَا طَغَى مَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ .
قَوْلُهُ فَتَمَارَوْا كَذَّبُوا كَذَا لَهُمْ وَلَمْ أَرَ فِي هَذِهِ السُّورَة فتماروا وَإِنَّمَا فِيهَا أفتمارونه وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهَا وَفِي آخِرِهَا تَتَمَارَى وَلَعَلَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَّاخِ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَهِيَ قَوْله فتماروا بِالنذرِ وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ عَنْ بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا تَتَمَارَى تُكَذِّبُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ اخْتَصَرَ كَلَامَ الْفَرَّاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى فبأى آلَاء رَبك تتمارى قَالَ فَبِأَيِّ نِعْمَةِ رَبِّكَ تُكَذِّبُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَوْله فتماروا بِالنذرِ كَذَّبُوا بِالنُّذُرِ .
قَوْلُهُ وقَال الْحَسَنُ إِذَا هَوَى غَابَ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ قَوْله.
وَقَالَ بن عَبَّاس أغْنى وأقنى أعْطى فأرضى وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَقْنَى قَنَعَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ أَخْدَمَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَقْنَى جَعَلَ لَهُ قِنْيَةً أَيْ أُصُولَ مَالٍ قَالَ وَقَالُوا أَقْنَى أَرْضَى يُشِيرُ إِلَى تَفْسِير بن عَبَّاسٍ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ قِنْيَةٌ مِنَ الرِّضَا
[ قــ :4592 ... غــ :4855] قَوْله حَدثنَا يحيى هُوَ بن مُوسَى .
قَوْلُهُ عَنْ عَامِرٍ هُوَ الشَّعْبِيُّ .
قَوْلُهُ عَنْ مَسْرُوقٍ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ زِيَادَةُ قِصَّةٍ فِي سِيَاقِهِ فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنِ الشّعبِيّ قَالَ لَقِي بن عَبَّاسٍ كَعْبًا بِعَرَفَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَكَبَّرَ كَعْب حَتَّى جاوبته الْجبَال فَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ هَكَذَا فِي سِيَاقِ التِّرْمِذِيِّ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ هَذَا الْوَجْه فَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ نَقُولُ إِنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ فَكَبَّرَ كَعْبٌ.
وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ وَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ قَالَ مَسْرُوقٌ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ الْحَدِيثَ وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ كَعْبٍ مِثْلَهُ قَالَ يَعْنِي الشَّعْبِيَّ فَأَتَى مَسْرُوقٌ عَائِشَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَظَهَرَ بِذَلِكَ سَبَبُ سُؤَالِ مَسْرُوقٍ لِعَائِشَةَ عَنْ ذَلِكَ .
قَوْلُهُ يَا أُمَّتَاهُ أَصْلُهُ يَا أُمَّ وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ فَأُضِيفَ إِلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِغَاثَةِ فَأُبْدِلَتْ تَاءً وَزِيدَتْ هَاءُ السَّكْتِ بَعْدَ الْأَلِفِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ إِذَا نَادَوْا قَالُوا يَا أُمَّهْ عِنْد السكت وَعند الْوَصْل يَا أمت بِالْمُثَنَّاةِ فَإِذَا فَتَحُوا لِلنُّدْبَةِ قَالُوا يَا أُمَّتَاهُ وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ.
وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ قَوْلَ مَسْرُوقٍ يَا أُمَّتَاهُ لَيْسَ لِلنُّدْبَةِ إِذْ لَيْسَ هُوَ تَفَجُّعًا عَلَيْهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ .
قَوْلُهُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ قَالَتْ لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي أَيْ قَامَ مِنَ الْفَزَعِ لِمَا حَصَلَ عِنْدَهَا مِنْ هَيْبَةِ اللَّهِ وَاعْتَقَدَتْهُ مِنْ تَنْزِيهِهِ وَاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْقَفُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ كَالْقُشَعْرِيرَةِ وَأَصْلُهُ التَّقَبُّضُ وَالِاجْتِمَاعُ لِأَنَّ الْجِلْدَ يَنْقَبِضُ عِنْدَ الْفَزَعِ فَيَقُومُ الشَّعْرُ لِذَلِكَ .
قَوْلُهُ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ أَيْ كَيْفَ يَغِيبُ فهمك عَن هَذِه الثَّلَاث وَكَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحْضِرَهَا وَمُعْتَقِدًا كَذِبَ مَنْ يَدَّعِي وُقُوعَهَا .
قَوْلُهُ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ مَسْرُوقٍ الْمَذْكُورِ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ .
قَوْلُهُ ثُمَّ قَرَأت لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفِ عَائِشَةُ وُقُوعَ الرُّؤْيَةِ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا لَذَكَرَتْهُ وَإِنَّمَا اعْتَمَدَتْ الِاسْتِنْبَاطَ عَلَى مَا ذَكَرَتْهُ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَدْ خَالَفَهَا غَيْرُهَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالصَّحَابِيُّ إِذَا قَالَ قَوْلًا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ حُجَّةً اتِّفَاقًا وَالْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكِ فِي الْآيَةِ الْإِحَاطَةُ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الرُّؤْيَةَ انْتَهَى وَجَزْمُهُ بِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تنف الرُّؤْيَة بِحَدِيث مَرْفُوع تبع فِيهِ بن خُزَيْمَةَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِهِ النَّفْيُ لَا يُوجِبُ عِلْمًا وَلَمْ تَحْكِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ لَمْ يَرَ رَبَّهُ وَإِنَّمَا تَأَوَّلَتِ الْآيَةَ انْتَهَى وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ الَّذِي شَرَحَهُ الشَّيْخُ فَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ فِي الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ مَسْرُوقٌ وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ أَلَمْ يقل الله وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيل وَأخرجه بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ دَاوُدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ فَقَالَ لَا إِنَّمَا رَأَيْتُ جِبْرِيلَ مُنْهَبِطًا نَعَمْ احتجاج عَائِشَة بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة خالفها فِيهِ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ.
قُلْتُ أَلَيْسَ الله يَقُول لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار قَالَ وَيْحَكَ ذَاكَ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ الَّذِي هُوَ نُورُهُ وَقَدْ رَأَى رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ نَفْيُ الْإِحَاطَةِ بِهِ عِنْدَ رُؤْيَاهُ لَا نَفْيَ أَصْلِ رُؤْيَاهُ وَاسْتَدَلَّ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ لَا يُنَافِي الرُّؤْيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَصْحَابِ مُوسَى فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كلا وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ عَجِيبٌ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْإِدْرَاكِ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ الْبَصَرُ فَلَمَّا نُفِيَ كَانَ ظَاهِرَهُ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ الْإِدْرَاكِ الَّذِي فِي قِصَّةِ مُوسَى وَلَوْلَا وُجُودُ الْأَخْبَارِ بِثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ مَا سَاغَ الْعُدُولُ عَنِ الظَّاهِرِ ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْأَبْصَارُ فِي الْآيَةِ جَمْعٌ مُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَقَدْ ثَبَتَ دَلِيلُ ذَلِكَ سَمْعًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لمحجوبون فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْكُفَّارَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا ناظرة قَالَ وَإِذَا جَازَتْ فِي الْآخِرَةِ جَازَتْ فِي الدُّنْيَا لِتَسَاوِي الْوَقْتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَرْئِيِّ انْتَهَى وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ جَيِّدٌ.
وَقَالَ عِيَاضٌ رُؤْيَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَائِزَةٌ عَقْلًا وَثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ بِوُقُوعِهَا لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ.
وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَالَ مَالِكٌ إِنَّمَا لَمْ يُرَ سُبْحَانَهُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ بَاقٍ وَالْبَاقِي لَا يُرَى بِالْفَانِي فَإِذَا كَانَ فِي الْآخِرَةِ وَرُزِقُوا أَبْصَارًا بَاقِيَةً رَأَوُا الْبَاقِيَ بِالْبَاقِي قَالَ عِيَاضٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَامِ اسْتِحَالَةُ الرُّؤْيَةِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ الْقُدْرَةِ فَإِذَا قَدَّرَ اللَّهُ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَمْتَنِعْ.
قُلْتُ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا يُؤَيِّدُ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَمِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَإِنْ جَازَتِ الرُّؤْيَةُ فِي الدُّنْيَا عَقْلًا فَقَدِ امْتَنَعَتْ سَمْعًا لَكِنْ مَنْ أَثْبَتَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ أَنْ يَقُولَ إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ فَذَهَبت عَائِشَة وبن مَسْعُودٍ إِلَى إِنْكَارِهَا وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى إِثْبَاتِهَا وَحَكَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّ مُحَمَّدًا رأى ربه وَأخرج بن خُزَيْمَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ إِثْبَاتَهَا وَكَانَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ إِذَا ذُكِرَ لَهُ إِنْكَارُ عَائِشَةَ وَبِه قَالَ سَائِر أَصْحَاب بن عَبَّاسٍ وَجَزَمَ بِهِ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَالزُّهْرِيُّ وَصَاحِبُهُ مَعْمَرٌ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَغَالِبِ أَتْبَاعِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ رَآهُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ وَعَن أَحْمد كالقولين قلت جَاءَت عَن بن عَبَّاسٍ أَخْبَارٌ مُطْلَقَةٌ وَأُخْرَى مُقَيَّدَةٌ فَيَجِبُ حَمْلُ مُطْلَقِهَا عَلَى مُقَيَّدِهَا فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ وَالْكَلَام لمُوسَى والرؤية لمُحَمد وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى إِبْرَاهِيمَ بِالْخُلَّةِ الحَدِيث وَأخرج بن إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَن بن عمر أرسل إِلَى بن عَبَّاسٍ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ نَعَمْ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رأى وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى قَالَ رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ وَلَهُ مِنْ طَرِيق عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ رَآهُ بِقَلْبِهِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أخرجه بن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَطاء أَيْضا عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمْ يَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِهِ إِنَّمَا رَآهُ بِقَلْبِهِ وعَلى هَذَا فَيمكن الْجمع بَين إِثْبَات بن عَبَّاسٍ وَنَفْيِ عَائِشَةَ بِأَنْ يُحْمَلَ نَفْيُهَا عَلَى رُؤْيَةِ الْبَصَرِ وَإِثْبَاتُهُ عَلَى رُؤْيَةِ الْقَلْبِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِرُؤْيَةِ الْفُؤَادِ رُؤْيَةُ الْقَلْبِ لَا مُجَرَّدَ حُصُولِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَالِمًا بِاللَّهِ عَلَى الدَّوَامِ بَلْ مُرَادُ مَنْ أَثْبَتَ لَهُ أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ خُلِقَتْ فِي قَلْبِهِ كَمَا يَخْلُقُ الرُّؤْيَةَ بِالْعَيْنِ لِغَيْرِهِ وَالرُّؤْيَةُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا شَيْءٌ مَخْصُوصٌ عَقْلًا وَلَوْ جَرَتِ الْعَادة بخلقها فِي الْعين وروى بن خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ ذَلِكَ فَقَالَ نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ وَلِأَحْمَدَ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ نُورًا وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْهُ قَالَ رَآهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنِهِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مُرَادُ أَبِي ذَرٍّ بِذِكْرِهِ النُّورَ أَيِ النُّورُ حَالَ بَيْنَ رُؤْيَتِهِ لَهُ بِبَصَرِهِ وَقَدْ رَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ قَوْلَ الْوَقْفِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَعَزاهُ لجَماعَة مِنَ الْمُحَقِّقِينَ وَقَوَّاهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَابِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَغَايَةُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِلطَّائِفَتَيْنِ ظَوَاهِرُ مُتَعَارِضَةٌ قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ قَالَ وَلَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْعَمَلِيَّاتِ فَيُكْتَفَى فِيهَا بِالْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الْمُعْتَقَدَاتِ فَلَا يُكْتَفَى فِيهَا إِلَّا بِالدَّلِيلِ الْقطعِي وجنح بن خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِلَى تَرْجِيحِ الْإِثْبَاتِ وَأَطْنَبَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَحمل مَا ورد عَن بن عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِعَيْنِهِ وَمَرَّةً بِقَلْبِهِ وَفِيمَا أَوْرَدْتُهُ مِنْ ذَلِكَ مُقْنِعٌ وَمِمَّنْ أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم الإِمَام أَحْمد فروى الْخلال فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنِ الْمَرْوَزِيِّ.
قُلْتُ لِأَحْمَدَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يُدْفَعُ قَوْلُهَا قَالَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ رَبِّي قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهَ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ مِنْ قَوْلِهَا وَقَدْ أَنْكَرَ صَاحِبُ الْهَدْيِ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ قَالَ وَإِنَّمَا قَالَ مَرَّةً رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ.
وَقَالَ مَرَّةً بِفُؤَادِهِ وَحَكَى عَنْهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ رَآهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ وَهَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْحَاكِي فَإِنَّ نُصُوصَهُ مَوْجُودَةٌ ثُمَّ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ كَانَ الْإِسْرَاءُ مَنَامًا وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ كَانَ بِرُوحِهِ دُونَ جَسَدِهِ فَإِنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فَإِنَّ الَّذِي يَرَاهُ النَّائِمُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً بِأَنْ تَصْعَدَ الرُّوحُ مَثَلًا إِلَى السَّمَاءِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ أَنْ يَرَى النَّائِمُ ذَلِكَ وَرُوحُهُ لَمْ تَصْعَدْ أَصْلًا فَيَحْتَمِلُ مَنْ قَالَ أُسْرِيَ بِرُوحِهِ وَلَمْ يَصْعَدْ جَسَدُهُ أَرَادَ أَنَّ رُوحَهُ عُرِجَ بِهَا حَقِيقَةً فَصَعِدَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ وَجَسَدُهُ بَاقٍ فِي مَكَانِهِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ كَمَا أَنَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ شُقَّ صَدْرُهُ وَالْتَأَمَ وَهُوَ حَيٌّ يَقْظَانُ لَا يَجِدُ بِذَلِكَ أَلَمًا انْتَهَى وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِسْرَاءِ تَأْبَى الْحَمْلَ عَلَى ذَلِكَ بَلْ أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ وَعُرِجَ بِهِمَا حَقِيقَةً فِي الْيَقَظَةِ لَا مَنَامًا وَلَا اسْتِغْرَاقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْهَدْيِ أَيْضًا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِسْرَاءَ تَعَدَّدَ وَاسْتَنَدَ إِلَى اسْتِبْعَادِ أَنْ يَتَكَرَّرَ .
قَوْلُهُ فَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً وَطَلَبَ التَّخْفِيفَ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ فَإِنَّ دَعْوَى التَّعَدُّدِ تَسْتَلْزِمُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي أَنَّ فَرْضِيَّةَ الْخَمْسِينَ وَقَعَتْ بَعْدَ أَنْ وَقَعَ التَّخْفِيفُ ثُمَّ وَقَعَ سُؤَالُ التَّخْفِيفِ وَالْإِجَابَةُ إِلَيْهِ وَأُعِيدَ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي إِلَى آخِرِهِ انْتَهَى وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا مِمَّنْ قَالَ بِالتَّعَدُّدِ يَلْتَزِمُ إِعَادَةَ مِثْلِ ذَلِكَ يَقَظَةً بَلْ يَجُوزُ وُقُوعُ مِثْلِ ذَلِكَ مَنَامًا ثُمَّ وُجُودُهُ يَقَظَةً كَمَا فِي قِصَّةِ الْمَبْعَثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا وَيَجُوزُ تَكْرِيرُ إِنْشَاءِ الرُّؤْيَةِ وَلَا تُبْعِدُ الْعَادَةُ تَكْرِيرَ وُقُوعِهِ كَاسْتِفْتَاحِ السَّمَاءِ وَقَوْلِ كُلِّ نَبِيٍّ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ بَلِ الَّذِي يُظَنُّ أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ بَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ فَوَكَزَ بَيْنَ كَتِفِي فَقُمْتُ إِلَى شَجَرَةٍ فِيهَا مِثْلُ وَكْرَيِ الطَّائِرِ فَقَعَدْتُ فِي أَحَدِهِمَا وَقَعَدَ جِبْرِيلُ فِي الْأُخْرَى فَسَمَتْ وَارْتَفَعَتْ حَتَّى سَدَّتِ الْخَافِقَيْنِ وَأَنَا أُقَلِّبُ طَرْفِي وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَمَسَّ السَّمَاءَ لَمَسِسْتُ فَالْتَفَتُّ إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ جَلَسَ لِأَجْلِي وَفَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ فَرَأَيْتُ النُّورَ الْأَعْظَمَ وَإِذَا دُونَهُ الْحِجَابُ وَفَوْقَهُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ.
وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ بَصْرِيًّا مَشْهُورًا.
قُلْتُ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ .
قَوْلُهُ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ هُوَ دَلِيلٌ ثَانٍ اسْتَدَلَّتْ بِهِ عَائِشَةُ عَلَى مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ مِنْ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَصَرَ تَكْلِيمَهُ لِغَيْرِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَهِيَ الْوَحْيُ بِأَنْ يُلْقِيَ فِي رَوْعِهِ مَا يَشَاءُ أَوْ يُكَلِّمَهُ بِوَاسِطَةٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ رَسُولًا فَيُبَلِّغَهُ عَنْهُ فَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ انْتِفَاءَ الرُّؤْيَةِ عَنْهُ حَالَةَ التَّكَلُّمِ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ مُطْلَقًا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ وَعَامَّةُ مَا يَقْتَضِي نَفْيَ تَكْلِيمِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ فَيَجُوزُ أَنَّ التَّكْلِيمَ لَمْ يَقَعْ حَالَةَ الرُّؤْيَةِ .
قَوْلُهُ وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تكسب غَدا إِلَخْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ لُقْمَانَ .
قَوْلُهُ وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بلغ الْآيَةَ يَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ .
قَوْلُهُ وَلَكِنْ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَكِنَّهُ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ أَصْلِ السُّؤَالِ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ مَسْرُوقٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَهُوَ .
قَوْلُهُ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رأى وَقَوله وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ أَتَاهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ وَلَهُ فِي رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ بن مَسْعُود أبْصر جِبْرِيل وَلم يبصر ربه