فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {وكان عرشه على الماء} [هود: 7]، {وهو رب العرش العظيم} [التوبة: 129]

( قَولُهُ بَابُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم)
كَذَا ذَكَرَ قِطْعَتَيْنِ مِنْ آيَتَيْنِ وَتَلَطَّفَ فِي ذِكْرِ الثَّانِيَةِ عَقِبَ الْأُولَى لِرَدِّ مَنْ تَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ أَنَّ الْعَرْشَ لَمْ يَزَلْ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَكَذَا مَنْ زَعَمَ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْعَرْشَ هُوَ الْخَالِقُ الصَّانِعُ وَرُبَّمَا تَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَرَوِيُّ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ هُوَ الرُّمَّانِيُّ بِالرَّاءِ وَالتَّشْدِيدِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا فَأَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ وَهَذِهِ الْأَوَّلِيَّةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا فَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ قَالَ هَذَا بَدْءُ خَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاءَ وَعَرْشُهُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ فَأَرْدَفَ الْمُصَنِّفُ بقوله رب الْعَرْش الْعَظِيم إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْعَرْشَ مَرْبُوبٌ وَكُلُّ مَرْبُوبٍ مَخْلُوقٌ وَخَتَمَ الْبَابَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةِ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَإِنَّ فِي إِثْبَاتِ الْقَوَائِمِ لِلْعَرْشِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ جِسْمٌ مُرَكَّبٌ لَهُ أَبْعَاضٌ وَأَجْزَاءٌ وَالْجِسْمُ الْمُؤَلَّفُ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ اتَّفَقَتْ أَقَاوِيلُ هَذَا التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ هُوَ السَّرِيرُ وَأَنَّهُ جِسْمٌ خَلَقَهُ اللَّهُ وَأَمَرَ مَلَائِكَتَهُ بِحَمْلِهِ وَتَعَبَّدَهُمْ بِتَعْظِيمِهِ وَالطَّوَافِ بِهِ كَمَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ بَيْتًا وَأَمَرَ بَنِي آدَمَ بِالطَّوَافِ بِهِ وَاسْتِقْبَالِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْآيَاتِ أَيِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ارْتَفَعَ فَسَوَّى خَلَقَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَسَوَّاهُنَّ خَلَقَهُنَّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ لَكِنْ بِلَفْظِ فَقَضَاهُنَّ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء قَالَ ارْتَفع وَفِي قَوْله فقضاهن خَلَقَهُنَّ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالَّذِي وَقَعَ فَسَوَّاهُنَّ تَغْيِيرٌ وَوَقَعَ لَفْظُ سَوَّى أَيْضًا فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَة فصلت فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَجَابَ بِهِ عَنِ الْأَسْئِلَةِ الَّتِي قَالَ السَّائِلُ إِنَّهَا اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ فِيهَا أَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ قَبْلَ خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ ثُمَّ إِنَّ فِي تَفْسِيرِ سَوَّى بِخَلَقَ نَظَرًا لِأَنَّ فِي التَّسْوِيَةِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَلْقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِي خلق فسوى .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ اسْتَوَى عَلَا عَلَى الْعَرْشِ وَصله الْفرْيَابِيّ عَن وَرْقَاء عَن بن أبي نجيح عَنهُ قَالَ بن بَطَّالٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الِاسْتِوَاءِ الْمَذْكُورِ هُنَا فَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ مَعْنَاهُ الِاسْتِيلَاءُ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ من غير سيف وَدم مهراق وَقَالَتِ الْجِسْمِيَّةُ مَعْنَاهُ الِاسْتِقْرَارُ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ ارْتَفَعَ وَبَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ عَلَا وَبَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ الْمُلْكُ وَالْقُدْرَةُ وَمِنْهُ اسْتَوَتْ لَهُ الْمَمَالِكُ يُقَالُ لِمَنْ أَطَاعَهُ أَهْلُ الْبِلَادِ وَقِيلَ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ التَّمَامُ وَالْفَرَاغُ مِنْ فِعْلِ الشَّيْءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وَلما بلغ أشده واستوى فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ أَتَمَّ الْخَلْقَ وَخَصَّ لَفْظَ الْعَرْشِ لِكَوْنِهِ أَعْظَمَ الْأَشْيَاءِ وَقِيلَ إِنَّ عَلَى فِي قَوْلِهِ عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى إِلَى فَالْمُرَادُ عَلَى هَذَا انْتَهَى إِلَى الْعَرْشِ أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَرْشِ لِأَنَّهُ خَلَقَ الْخلق شَيْئا بعد شَيْء ثمَّ قَالَ بن بَطَّالٍ فَأَمَّا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَاهِرًا غَالِبًا مُسْتَوْلِيًا وَقَولُهُ ثُمَّ اسْتَوَى يَقْتَضِي افْتِتَاحَ هَذَا الْوَصْفِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَلَازِمُ تَأْوِيلِهِمْ أَنَّهُ كَانَ مُغَالَبًا فِيهِ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِقَهْرِ مَنْ غَالَبَهُ وَهَذَا مُنْتَفٍ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُجَسِّمَةِ فَفَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّ الِاسْتِقْرَارَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْحُلُولُ وَالتَّنَاهِي وَهُوَ مُحَالٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَائِقٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذَا استويت أَنْت وَمن مَعَك على الْفلك وَقَولُهُ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ قَالَ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ اسْتَوَى عَلَا فَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ وَقَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالْعُلَى.

     وَقَالَ  سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ وَهِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ.
وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ ارْتَفَعَ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِفْ بِهِ نَفْسَهُ قَالَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّةِ هَلِ الِاسْتِوَاءُ صِفَةُ ذَاتٍ أَوْ صِفَةُ فِعْلٍ فَمَنْ قَالَ مَعْنَاهُ عَلَا قَالَ هِيَ صِفَةُ ذَاتٍ وَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ هِيَ صِفَةُ فِعْلٍ وَإِنَّ اللَّهَ فَعَلَ فِعْلًا سَمَّاهُ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ لَا أَنَّ ذَلِكَ قَائِمٌ بِذَاتِهِ لِاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَدْ أَلْزَمَهُ مَنْ فَسَّرَهُ بِالِاسْتِيلَاءِ بِمِثْلِ مَا أَلْزَمَ هُوَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ صَارَ قَاهِرًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَلْزَمُ أَنَّهُ صَارَ غَالِبًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَالِانْفِصَالُ عَنْ ذَلِكَ لِلْفَرِيقَيْنِ بِالتَّمَسُّكِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حكيما فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ قَالُوا مَعْنَاهُ لَمْ يزل كَذَلِك كَمَا تقدم بَيَانه عَن بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ فُصِّلَتْ وَبَقِيَ مِنْ مَعَانِي اسْتَوَى مَا نُقِلَ عَنْ ثَعْلَبٍ اسْتَوَى الْوَجْهُ اتَّصَلَ وَاسْتَوَى الْقَمَرُ امْتَلَأَ وَاسْتَوَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ تَمَاثَلَا وَاسْتَوَى إِلَى الْمَكَانِ أَقْبَلَ وَاسْتَوَى الْقَاعِدُ قَائِمًا وَالنَّائِمُ قَاعِدًا وَيُمْكِنُ رَدُّ بَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي إِلَى بَعْضٍ وَكَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنِ بن بَطَّالٍ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِ الْفَارُوقِ بِسَنَدِهِ إِلَى دَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ اللُّغَوِيَّ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى فَقَالَ هُوَ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا أَخْبَرَ قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّمَا مَعْنَاهُ اسْتَوْلَى فَقَالَ اسْكُتْ لَا يُقَالُ اسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مُضَادٌّ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الْأَزْدِيِّ سَمِعْتُ بن الْأَعْرَابِيِّ يَقُولُ أَرَادَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ أَنْ أَجِدَ لَهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الرَّحْمَنُ على الْعَرْش اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى فَقُلْتُ وَاللَّهِ مَا أَصَبْتُ هَذَا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى اسْتَوْلَى لَمْ يَخْتَصَّ بِالْعَرْشِ لِأَنَّهُ غَالِبٌ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَنَقَلَ مُحْيِي السُّنَّةِ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَأَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ مَعْنَاهُ ارْتَفَعَ.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد وَالْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُمَا بِنَحْوِهِ وَأَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالْإِقْرَارُ بِهِ إِيمَانٌ وَالْجُحُودُ بِهِ كُفْرٌ وَمِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سُئِلَ كَيْفَ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فَقَالَ الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَعَلَى اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى رَسُولِهِ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ كُنَّا وَالتَّابِعُونَ مُتَوَافِرُونَ نَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ وَنُؤْمِنُ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَخْرَجَ الثَّعْلَبِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش فَقَالَ هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَيْفَ اسْتَوَى فَأَطْرَقَ مَالِكٌ فَأَخَذَتْهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ وَكَيْفَ عَنْهُ مَرْفُوعٌ وَمَا أَرَاكَ إِلَّا صَاحِبَ بِدْعَةٍ أَخْرِجُوهُ وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ نَحْوُ الْمَنْقُولِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَكِنْ قَالَ فِيهِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَالَ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَشَرِيكٌ وَأَبُو عَوَانَةَ لَا يُحَدِّدُونَ وَلَا يُشَبِّهُونَ وَيَرْوُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَلَا يَقُولُونَ كَيْفَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ قَوْلُنَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَعَلَى هَذَا مَضَى أَكَابِرُنَا وَأَسْنَدَ اللَّالَكَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الرَّبِّ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ وَلَا تَفْسِيرٍ فَمَنْ فَسَّرَ شَيْئًا مِنْهَا.

     وَقَالَ  بِقَوْلِ جَهْمٍ فَقَدْ خَرَجَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ لِأَنَّهُ وَصَفَ الرَّبَّ بِصِفَةِ لَا شَيْءَ وَمِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ وَمَالِكًا وَالثَّوْرِيَّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصِّفَةُ فَقَالُوا أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَت بِلَا كَيفَ وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ لِلَّهِ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا رَدُّهَا وَمَنْ خَالَفَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَقَدْ كَفَرَ.
وَأَمَّا قَبْلَ قِيَامِ الْحُجَّةِ فَإِنَّهُ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَلَا الرُّؤْيَةِ وَالْفِكْرِ فَنُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَنْفِي عَنْهُ التَّشْبِيهَ كَمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ لَيْسَ كمثله شَيْء وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ كُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ فَتَفْسِيرُهُ تِلَاوَتُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الضُّبَعِيِّ قَالَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي قَوْله الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى قَالَ بِلَا كَيْفٍ وَالْآثَارُ فِيهِ عَنِ السَّلَفِ كَثِيرَةٌ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النُّزُولِ وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ كَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يُشْبِهُهُ مِنَ الصِّفَاتِ.

     وَقَالَ  فِي بَابِ فَضْلِ الصَّدَقَةِ قَدْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ فَنُؤْمِنُ بِهَا وَلَا نَتَوَهَّمُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ كَذَا جَاءَ عَن مَالك وبن عُيَيْنَة وبن الْمُبَارَكِ أَنَّهُمْ أَمَرُّوهَا بِلَا كَيْفٍ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَأَنْكَرُوهَا وَقَالُوا هَذَا تَشْبِيهٌ.

     وَقَالَ  إِسْحَاقُ بن رَاهْوَيْهِ إِنَّمَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ لَوْ قِيلَ يَدٌ كَيَدٍ وَسَمْعٌ كَسَمْعٍ.

     وَقَالَ  فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ قَالَ الْأَئِمَّةُ نُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ غَيْرِ تَفْسِير مِنْهُم الثَّوْريّ وَمَالك وبن عُيَيْنَة وبن الْمُبَارك.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يُكَيِّفُوا شَيْئًا مِنْهَا.
وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ فَقَالُوا مَنْ أَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُشَبِّهٌ فَسَمَّاهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُعَطِّلَةٌ.

     وَقَالَ  إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ اخْتَلَفَتْ مَسَالِكُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الظَّوَاهِرِ فَرَأَى بَعْضُهُمْ تَأْوِيلَهَا وَالْتَزَمَ ذَلِكَ فِي آيِ الْكِتَابِ وَمَا يَصِحُّ مِنَ السُّنَنِ وَذَهَبَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ إِلَى الِانْكِفَافِ عَنِ التَّأْوِيلِ وَإِجْرَاءِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَوَارِدِهَا وَتَفْوِيضِ مَعَانِيهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ عَقِيدَةً اتِّبَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ لِلدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ فَلَوْ كَانَ تَأْوِيل هَذِه الظَّوَاهِر حتما لَا وَشك أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُمْ بِهِ فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَإِذَا انْصَرَمَ عَصْرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنِ التَّأْوِيلِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَجْهُ الْمُتَّبَعُ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّالِثِ وَهُمْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ كَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثُ وَمَنْ عَاصَرَهُمْ وَكَذَا مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَكَيْفَ لَا يَوْثُقُ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ بِشَهَادَةِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ وَقَسَّمَ بَعْضُهُمْ أَقْوَالَ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ قَوْلَانِ لِمَنْ يُجْرِيهَا عَلَى ظَاهِرِهَا أَحَدُهُمَا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَهُمُ الْمُشَبِّهَةُ وَيَتَفَرَّعُ مِنْ قَوْلِهِمْ عِدَّةُ آرَاءٍ وَالثَّانِي مَنْ يَنْفِي عَنْهَا شَبَهَ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ لِأَنَّ ذَاتَ اللَّهِ لَا تُشْبِهُ الذَّوَاتَ فَصِفَاتُهُ لَا تُشْبِهُ الصِّفَاتِ فَإِنَّ صِفَاتِ كُلِّ مَوْصُوفٍ تُنَاسِبُ ذَاتَهُ وَتُلَائِمُ حَقِيقَتَهُ وَقَوْلَانِ لِمَنْ يُثْبِتُ كَوْنَهَا صِفَةً وَلَكِنْ لَا يُجْرِيهَا عَلَى ظَاهِرِهَا أَحَدُهُمَا يَقُولُ لَا نُؤَوِّلُ شَيْئًا مِنْهَا بَلْ نَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ وَالْآخَرُ يُؤَوِّلُ فَيَقُولُ مَثَلًا مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ الِاسْتِيلَاءُ وَالْيَدُ الْقُدْرَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَوْلَانِ لِمَنْ لَا يَجْزِمُ بِأَنَّهَا صِفَةٌ أَحَدُهُمَا يَقُولُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً وَظَاهِرُهَا غَيْرُ مُرَادٍ وَيَجُوزُ أَنْ لَا تَكُونَ صِفَةً وَالْآخَرُ يَقُولُ لَا يُخَاضُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا بَلْ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاس الْمجِيد الْكَرِيم والودود الحبيب وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ قَالَ الْمجِيد الْكَرِيم وَبِه عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ قَالَ الْوَدُودُ الْحَبِيبُ وَإِنَّمَا وَقَعَ تَقْدِيمُ الْمَجِيدِ قَبْلَ الْوَدُودِ هُنَا لِأَنَّ الْمُرَادَ تَفْسِيرُ لَفْظِ الْمَجِيدِ الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَلَمَّا فَسَّرَهُ اسْتَطْرَدَ لِتَفْسِيرِ الِاسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ قُرِئَ مَرْفُوعًا بِالِاتِّفَاقِ وَذُو الْعَرْشِ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لَهُ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي الْمَجِيدُ بِالرَّفْعِ فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَبِالْكَسْرِ فَيكون صفة الْعَرْش قَالَ بن الْمُنِيرِ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ يَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ الْعَرْشِ إِلَّا أَثَرَ بن عَبَّاسٍ لَكِنَّهُ نَبَّهَ بِهِ عَلَى لَطِيفَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْمَجِيدَ فِي الْآيَةِ عَلَى قِرَاءَةِ الْكَسْرِ لَيْسَ صِفَةً لِلْعَرْشِ حَتَّى لَا يُتَخَيَّلَ أَنَّهُ قَدِيمٌ بَلْ هِيَ صِفَةُ اللَّهِ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ الرَّفْعِ وَبِدَلِيلِ اقْتِرَانِهِ بِالْوَدُودِ فَيَكُونُ الْكَسْرُ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ لِتَجْتَمِعَ الْقِرَاءَتَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ أَنَّهَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَرْدَفَهُ بِهِ وَهُوَ يُقَالُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ إِلَخْ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ إِذَا قَالَ الْعَبْدُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَجَّدَنِي عَبْدِي ذكره بن التِّينِ قَالَ وَيُقَالُ الْمَجْدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الشَّرَفُ الْوَاسِعُ فَالْمَاجِدُ مَنْ لَهُ آبَاءٌ مُتَقَدِّمُونَ فِي الشَّرَفِ.
وَأَمَّا الْحَسَبُ وَالْكَرَمُ فَيَكُونَانِ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آبَاءٌ شُرَفَاءُ فَالْمَجِيدُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنَ الْمَجْدِ وَهُوَ الشَّرَفُ الْقَدِيمُ.

     وَقَالَ  الرَّاغِبُ الْمَجْدُ السَّعَةُ فِي الْكَرَمِ وَالْجَلَالَةِ وَأَصْلُهُ .

     قَوْلُهُ مْ مَجَدَتِ الْإِبِلُ أَيْ وَقَعَتْ فِي مَرْعًى كَثِيرٍ وَاسِعٍ وَأَمْجَدَهَا الرَّاعِي وَوُصِفَ الْقُرْآنُ بِالْمَجِيدِ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنَ الْمَكَارِمِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ انْتَهَى وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَا يَمْتَنِعُ وَصْفُ الْعَرْشِ بِذَلِكَ لِجَلَالَتِهِ وَعَظِيمِ قَدْرِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّاغِبُ وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِالْكَرِيمِ فِي سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْوَدُودِ بِالْحَبِيبِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَعْنَى الْمُحِبِّ وَالْمَحْبُوبِ لِأَنَّ أَصْلَ الْوُدِّ مَحَبَّةُ الشَّيْءِ قَالَ الرَّاغِبُ الْوَدُودُ يَتَضَمَّنُ مَا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ وَمَحَبَّتِهِمْ لَهُ .

     قَوْلُهُ  يُقَالُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ مَحْمُودٍ مِنْ حَمِدَ كَذَا لَهُمْ بِغَيْرِ يَاءٍ فِعْلًا مَاضِيًا وَلِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَحْمُودٌ مِنْ حَمِيدٍ وَأَصْلُ هَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي كِتَابِ الْمَجَازِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مجيد أَيْ مَحْمُودٌ مَاجِدٌ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ غَرَضُهُ مِنْهُ أَنَّ مَجِيدًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَقَدِيرٍ بِمَعْنَى قَادِرٍ وَحَمِيدًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فَلِذَلِكَ قَالَ مَجِيدٌ مِنْ مَاجِدٍ وَحَمِيدٌ مِنْ مَحْمُودٍ قَالَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَحْمُودٌ مِنْ حَمِيدٍ وَفِي أُخْرَى مِنْ حَمِدَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ أَيْضًا وَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَمِيدٌ بِمَعْنَى حَامِدٍ وَمَجِيدٌ بِمَعْنَى مُمَجَّدٍ ثُمَّ قَالَ وَفِي عِبَارَةِ الْبُخَارِيِّ تَعْقِيدٌ.

قُلْتُ وَهُوَ فِي قَوْلِهِ مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ وَالْأَوْلَى فِيهِ مَا وُجِدَ فِي أَصْلِهِ وَهُوَ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ تِسْعَةَ أَحَادِيثَ لِبَعْضِهَا طَرِيق أُخْرَى الأول حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَقَولُهُ فِي السَّنَدِ أَنبأَنَا أَبُو حَمْزَةَ هُوَ السُّكَّرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ وَقَولُهُ



[ قــ :7022 ... غــ :7418] عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ حَدَّثَنَا جَامِعٌ وَجَامِعٌ هَذَا يُكْنَى أَبَا صَخْرَةَ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ فَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ وَحَّدَ بَيْنَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَبَيْنَ الْقِصَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ أَلَا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي فَقَالَ لَهُ أَبْشِرْ فَقَالَ قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلَالٌ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلَا أَنْتُمَا قَالَا قَبِلْنَا الْحَدِيثَ فَفَسَّرَ الْقَائِل من بَنِي تَمِيمٍ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ وَفَسَّرَ أَهْلَ الْيَمَنِ بِأَبِي مُوسَى وَوَجْهُ التَّعَقُّبِ التَّصْرِيحُ فِي قِصَّةِ أَبِي مُوسَى بِأَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِالْجِعْرَانَةِ وَظَاهِرَ قِصَّةِ عِمْرَانَ أَنَّهَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ فَافْتَرقَا وَزعم بن الْجَوْزِيّ ان الْقَائِل أعطنا هُوَ الأفرع بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ .

     قَوْلُهُ  إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ فِي الْمَغَازِي جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى إِرَادَةِ بَعْضِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَالْمُرَادُ وَفْدُ تَمِيم كَمَا جَاءَ صَرِيحًا عِنْد بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُؤَمِّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ سُفْيَانَ جَاءَ وَفْدٌ بَنِي تَمِيمٍ .

     قَوْلُهُ  اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَمِيمٍ وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ نَجَا مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَرَتَّبُ جَزَاؤُهُ على وفْق عملة الا ان يعفوا اللَّهُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ بَشَّرَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنَّةِ حَيْثُ عَرَّفَهُمْ أُصُولَ الْعَقَائِدِ الَّتِي هِيَ الْمَبْدَأُ وَالْمَعَادُ وَمَا بَيْنَهُمَا كَذَا قَالَ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّعْرِيفُ هُنَا لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاق الحَدِيث وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ فِي قَوْلِ بَنِي تَمِيمٍ جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لَا يَنْعَقِدُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحْدَهَا.
وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ قَوْلُ أَهْلِ الْيَمَنِ لَا بَنِي تَمِيمٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ بن التِّين لَكِن وَقع عِنْد بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مَعْنٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ مَا نَصُّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَهْلَ الْيَمَنِ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ هَذَا الرَّاوِي كَأَنَّهُ اخْتَصَرَ الْحَدِيثَ فَوَقَعَ فِي هَذَا الْوَهْمِ .

     قَوْلُهُ  قَالُوا بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا زَادَ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ مَرَّتَيْنِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَامِعٍ فِي الْمَغَازِي فَقَالُوا اما إِذا بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا وَفِيهَا فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ ذَلِكَ وَفِي أُخْرَى فِي الْمَغَازِي من طَرِيق سُفْيَان أَيْضا فرؤي ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَفِيهَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشَّرْتَنَا وَهُوَ دَالٌّ عَلَى إِسْلَامِهِمْ وَإِنَّمَا رَامُوا الْعَاجِلَ وَسَبَبُ غَضَبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِشْعَارُهُ بِقِلَّةِ عِلْمِهِمْ لِكَوْنِهِمْ عَلَّقُوا آمَالَهُمْ بِعَاجِلِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ وَقَدَّمُوا ذَلِكَ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ الَّذِي يُحَصِّلُ لَهُمْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ دَلَّ .

     قَوْلُهُ مْ بَشَّرْتَنَا عَلَى أَنَّهُمْ قَبِلُوا فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ طَلَبُوا مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا نَفَى عَنْهُمُ الْقَبُولَ الْمَطْلُوبَ لَا مُطْلَقَ الْقَبُولِ وَغَضِبَ حَيْثُ لَمْ يَهْتَمُّوا بِالسُّؤَالِ عَنْ حَقَائِقِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَالْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ وَلَمْ يَعْتَنُوا بِضَبْطِهَا وَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْ مُوجِبَاتِهَا وَالْمُوَصِّلَاتِ إِلَيْهَا قَالَ الطِّيبِيُّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ جُلُّ اهْتِمَامِهِمْ إِلَّا بِشَأْنِ الدُّنْيَا قَالُوا بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ .

     قَوْلُهُ  فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ فَجَاءَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ .

     قَوْلُهُ  قَالُوا قَبِلْنَا زَادَ أَبُو عَاصِمٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَا رَسُولَ الله وَكَذَا عِنْد بن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَامِعٍ .

     قَوْلُهُ  جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَتَمُّ الرِّوَايَاتِ الْوَاقِعَةُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَحَذَفَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي بَعْضِهَا أَوْ بَعْضَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالُوا قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَخْبِرْنَا عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ كَيْفَ كَانَ وَلَمْ أَعْرِفِ اسْمَ قَائِلِ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا الْأَمْرُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ .

     قَوْلُهُ  كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَانَ اللَّهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ بِمَعْنَى كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ وَهِيَ أَصَرْحُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ وَهِيَ مِنْ مُسْتَشْنَعِ الْمَسَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ وَوَقَفْتُ فِي كَلَامٍ لَهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يُرَجِّحُ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى غَيْرِهَا مَعَ أَنَّ قَضِيَّةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَقْتَضِي حَمْلَ هَذِهِ عَلَى الَّتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ لَا الْعَكْسَ وَالْجَمْعُ يُقَدَّمُ عَلَى التَّرْجِيحِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الطِّيبِيُّ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ حَالٌ وَفِي الْمَذْهَبِ الْكُوفِيِّ خَبَرٌ وَالْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ إِذِ التَّقْدِيرُ كَانَ اللَّهُ مُنْفَرِدًا وَقَدْ جَوَّزَ الْأَخْفَشُ دُخُولَ الْوَاوِ فِي خَبَرِ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا نَحْوَ كَانَ زَيْدٌ وَأَبُوهُ قَائِمٌ عَلَى جَعْلِ الْجُمْلَةِ خَبَرًا مَعَ الْوَاوِ تَشْبِيهًا لِلْخَبَرِ بِالْحَالِ وَمَالَ التُّورْبَشْتِيُّ إِلَى أَنَّهُمَا جُمْلَتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ لَفْظَةُ كَانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِحَسَبِ حَالِ مَدْخُولِهَا فَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْأَزَلِيَّةُ وَالْقِدَمُ وَبِالثَّانِي الْحُدُوثُ بَعْدَ الْعَدَمِ ثُمَّ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَطْفَ قَوْله وَكَانَ عَرْشه على المَاء عَلَى قَوْلِهِ كَانَ اللَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ عَنْ حُصُولِ الْجُمْلَتَيْنِ فِي الْوُجُودِ وَتَفْوِيضِ التَّرْتِيبِ إِلَى الذِّهْنِ قَالُوا وَفِيهِ بِمَنْزِلَةِ ثُمَّ.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي قَوْله وَكَانَ عَرْشه على المَاء مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ اللَّهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَعِيَّةُ إِذِ اللَّازِمُ مِنَ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ الِاجْتِمَاعُ فِي أَصْلِ الثُّبُوتِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ قَالَ غَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ لِنَفْيِ تَوَهُّمِ الْمَعِيَّةِ قَالَ الرَّاغِبُ كَانَ عِبَارَةٌ عَمَّا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ لَكِنَّهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى تُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الْأَزَلِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَانَ الله بِكُل شَيْء عليما قَالَ وَمَا اسْتُعْمِلَ مِنْهُ فِي وَصْفِ شَيْءٍ مُتَعَلِّقًا بِوَصْفٍ لَهُ هُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ فَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ لَازِمٌ لَهُ أَوْ قَلِيلُ الِانْفِكَاكِ عَنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَانَ الشَّيْطَانُ لرَبه كفورا وَقَوله وَكَانَ الْإِنْسَان كفورا وَإِذَا اسْتُعْمِلَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعْمَلُ عَلَى حَالِهِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَ نَحْوَ كَانَ فُلَانٌ كَذَا ثُمَّ صَارَ كَذَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ وُجِدَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا .

     قَوْلُهُ  أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ انْحَلَّتْ نَاقَتُكَ مِنْ عِقَالِهَا وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْمِلَةً لِذَلِكَ الْحَدِيثِ.

قُلْتُ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَسَانِيدِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى نَظِيرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عِمْرَانُ وَلَوْ وُجِدَ ذَلِكَ لَأَمْكَنَ أَنْ يُعْرَفَ مِنْهُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ عِمْرَانُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اتُّفِقَ أَنَّ الْحَدِيثَ انْتَهَى عِنْدَ قِيَامِهِ .

     قَوْلُهُ  وَأَيْمُ اللَّهِ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ .

     قَوْلُهُ  لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ الْوُدُّ الْمَذْكُورُ تَسَلَّطَ عَلَى مَجْمُوعِ ذَهَابِهَا وَعَدَمِ قِيَامِهِ لَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ لِأَنَّ ذَهَابَهَا كَانَ قَدْ تَحَقَّقَ بِانْفِلَاتِهَا وَالْمُرَادُ بِالذَّهَابِ الْفَقْدُ الْكُلِّيُّ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَبْلَ بَابَيْنِ وَقَولُهُ هُنَا وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاق بن رَاهْوَيْهِ وَالْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ حِينَ التَّحْدِيثِ بِذَلِكَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْعَرْشَ كَانَ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى الْمَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَاءِ مَاءَ الْبَحْرِ بَلْ هُوَ مَاءٌ تَحْتَ الْعَرْشِ كَمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرْتُهُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَحْرِ بِمَعْنَى أَنَّ أَرْجُلَ حَمَلَتْهُ فِي الْبَحْرِ كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ مِمَّا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض قَالَ إِنَّ الصَّخْرَةَ الَّتِي الْأَرْضُ السَّابِعَةُ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْتَهَى الْخَلْقِ عَلَى أَرْجَائِهَا أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَجْهُ إِنْسَانٍ وَأَسَدٍ وَثَوْرٍ وَنِسْرٍ فَهُمْ قِيَامٌ عَلَيْهَا قد أحاطوا بالأرضين وَالسَّمَوَات رؤوسهم تَحْتَ الْكُرْسِيِّ وَالْكُرْسِيُّ تَحْتَ الْعَرْشِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ الَّذِي صَحَّحَهُ بن حِبَّانَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ مُجَاهِدٍ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي التَّفْسِيرِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :704 ... غــ :740] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَحْمَدُ كَذَا لِلْجَمِيعِ غَيْرُ مَنْسُوبِ وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ الْكَلَابَاذِيُّ انه احْمَد بن سيار الْمَرْوَزِيُّ.

     وَقَالَ  الْحَاكِمُ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَشَيْخُهُ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَجَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ وَاسِطَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ طَرَفًا مِنْهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ هُنَاكَ مَبْسُوطًا .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَنَسٌ لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُور لَكِن أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَةَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْهُ نَزَلَتْ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مبديه فِي شَأْنِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَكَانَ زَيْدٌ يَشْكُو وَهَمَّ بِطَلَاقِهَا يَسْتَأْمِرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ هُنَا بِلَفْظِ وَعَنْ ثَابِتٍ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ إِلَخْ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ مَوْصُولٌ أَنَّهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ بِمُعَلَّقٍ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  لَوْ كَانَ كَاتِمًا إِلَخْ فَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَوْصُولا عَن أنس وَذكر بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ نَسَبَ قَوْلَهُ لَوْ كَانَ كَاتِمًا لَكَتَمَ قِصَّةَ زَيْنَبَ إِلَى عَائِشَةَ قَالَ وَعَنْ غَيْرِهَا لَكَتَمَ عَبَسَ وَتَوَلَّى.

قُلْتُ قَدْ ذَكَرْتُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ حَدِيثَ عَائِشَةَ قَالَتْ لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ الْحَدِيثَ وَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ كَاتِمًا شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ الْحَدِيثَ وَاقْتَصَرَ عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ عَلَى نِسْبَتِهَا إِلَى عَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَغْفَلَ حَدِيثَ أَنَسٍ هَذَا وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ تَخْرِيج حَدِيث عَائِشَة وَفِي الْبَاب عَن بن عَبَّاسٍ وَأَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فِي عَبَسَ وَتَوَلَّى فَلَمْ أَرَهَا إِلَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أحد الضُّعَفَاء أخرجه الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ كَانَ يُقَالُ لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ لَكَتَمَ هَذَا عَنْ نَفسه وَذكر قصَّة بن أُمِّ مَكْتُومٍ وَنُزُولَ عَبَسَ وَتَوَلَّى انْتَهَى وَقَدْ أَخْرَجَ الْقِصَّةَ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرِيُّ وَالْحَاكِمُ مَوْصُولَةً عَنْ عَائِشَةَ وَلَيْسَ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَأَخْرَجَهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلَةً وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ هِشَامٍ وَتَفَرَّدَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ بِوَصْلِهِ عَن هِشَام وأخرجها بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ كَذَلِكَ بِدُونِهَا وَكَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَأَوْرَدَهَا عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ وَالضَّحَّاكِ وَالْحَكَمِ وَغَيْرِهِمْ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِهَا وَزَوَّجَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَوق سَبْعِ سَمَاوَاتٍ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَارِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ حَمَّادٍ بِهَذَا السَّنَدِ بِلَفْظِ نَزَلَتْ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَلَمَّا قَضَى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا الْآيَةَ وَكَانَتْ تَفْخَرُ إِلَخْ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ عِيسَى بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ وَهُوَ آخِرُ مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ ثُلَاثِيَّاتِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ لِعِيسَى حَدِيثٌ آخَرُ فِي اللِّبَاسِ لَكِنَّهُ لَيْسَ ثُلَاثِيًّا وَلَفْظُهُ هُنَا وَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْفِرْيَابِيِّ وَأَبِي قُتَيْبَةَ عَنْ عِيسَى أَنْتُنَّ أَنْكَحَكُنَّ آبَاؤُكُنَّ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْبَعْضِ وَإِلَّا فَالْمُحَقَّقُ أَنَّ الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا مِنْهُنَّ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ فَقَطْ وَفِي سَوْدَةَ وَزَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ وَجُوَيْرِيَةَ احْتِمَالٌ.
وَأَمَّا أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَصَفِيَّةُ وَمَيْمُونَةُ فَلَمْ يُزَوِّجْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أَبُوهَا وَوَقَعَ عِنْد بن سَعْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ قَالَتْ زَيْنَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَسْتُ كَأحد من نِسَائِك لَيست مِنْهُم امْرَأَةٌ إِلَّا زَوَّجَهَا أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ أَهلهَا غَيْرِي وَسَنَده ضَعِيف وَمن وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ زَيْنَبُ مَا أَنَا كَأَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُنَّ زُوِّجْنَ بِالْمُهُورِ زوجهن الْأَوْلِيَاء وانا زَوجنِي الله رَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ وَفِي مُرْسَلِ الشَّعْبِيِّ قَالَتْ زَيْنَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْظَمُ نِسَائِكَ عَلَيْكَ حَقًّا أَنَا خَيْرُهُنَّ مَنْكِحًا وَأَكْرَمُهُنَّ سَفِيرًا وَأَقْرَبُهُنَّ رَحِمًا فَزَوَّجَنِيكَ الرَّحْمَنُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ وَكَانَ جِبْرِيلُ هُوَ السَّفِيرُ بِذَلِكَ وَأَنَا ابْنَةُ عَمَّتِكَ وَلَيْسَ لَكَ مِنْ نِسَائِكَ قَرِيبَةٌ غَيْرِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِ الْحُجَّةِ وَالتِّبْيَانِ لَهُ .

     قَوْلُهُ  مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ فِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَنَسٍ الْمَذْكُورَةِ عَقِبَ هَذَا وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ وَسَنَدُهُ هَذِهِ آخِرُ الثُّلَاثِيَّاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْبُخَارِيِّ وَتَقَدَّمَ لِعِيسَى بْنِ طَهْمَانَ حَدِيثٌ آخَرُ غَيْرُ ثُلَاثِيٍّ تَكَلَّمَ فِيهِ بن حِبَّانَ بِكَلَامٍ لَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَطْعَمَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ خُبْزًا وَلَحْمًا يَعْنِي فِي وَلِيمَتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَعَنْ ثَابِتٍ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ إِلَخْ كَذَا وَقَعَ مُرْسَلًا لَيْسَ فِيهِ أَنَسٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ يَعْلَى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مَوْصُولًا بِذِكْرِ أَنَسٍ فِيهِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ مَوْصُولًا وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ عَنْ حَمَّادٍ مَوْصُولًا أَيْضًا وَقَدْ بَيَّنَ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ كَيْفِيَّةَ تَزْوِيجِ زَيْنَبَ قَالَ لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ اذْكُرْهَا عَلَيَّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ





[ قــ :705 ... غــ :741] .

     قَوْلُهُ  فِي السَّمَاءِ ظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ إِذِ اللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحُلُولِ فِي الْمَكَانِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ جِهَةُ الْعُلُوِّ أَشْرَفَ مِنْ غَيْرِهَا أَضَافَهَا إِلَيْهِ إِشَارَةً إِلَى عُلُوِّ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَبِنَحْوِ هَذَا أَجَابَ غَيْرُهُ عَنِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ مِنَ الْفَوْقِيَّةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الرَّاغِبُ فَوْقَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَالْجِسْمِ وَالْعَدَدِ وَالْمَنْزِلَةِ وَالْقَهْرِ فَالْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ الْعُلُوِّ وَيُقَابِلُهُ تَحْتَ نَحْوَ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا من فَوْقكُم أَو من تَحت ارجلكم وَالثَّانِي بِاعْتِبَارِ الصُّعُودِ وَالِانْحِدَارِ نَحْوَ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَالثَّالِثُ فِي الْعَدَدِ نَحْوَ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوق اثْنَتَيْنِ وَالرَّابِع فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ كَقَوْلِهِ بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا وَالْخَامِسُ يَقَعُ تَارَةً بِاعْتِبَارِ الْفَضِيلَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ نَحْوَ ورفعنا بَعضهم فَوق بعض دَرَجَات أَوِ الْأُخْرَوِيَّةِ نَحْوَ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة وَالسَّادِسُ نَحْوَ قَوْلِهِ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم انْتهى مُلَخصا الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَاب ويحذركم الله نَفسه وَيَأْتِي بعض الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي لوح مَحْفُوظ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إِمَّا الْقَضَاءُ الَّذِي قَضَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي أَيْ قَضَى ذَلِكَ قَالَ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ أَيْ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ فَهُوَ لَا يَنْسَاهُ وَلَا يُبَدِّلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي كتاب لَا يضل رَبِّي وَلَا ينسى وَإِمَّا اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ أَصْنَافِ الْخَلْقِ وَبَيَانُ أُمُورِهِمْ وَآجَالِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَيَكُونُ مَعْنَى فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ أَيْ ذَكَرَهُ وَعَلِمَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ خَلْقٌ مَخْلُوقٌ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ فَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُمَاسُّوا الْعَرْشَ إِذَا حَمَلُوهُ وَإِنْ كَانَ حَامِلُ الْعَرْشِ وَحَامِلُ حَمَلَتِهِ هُوَ اللَّهُ وَلَيْسَ قَوْلُنَا إِنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ أَيْ مُمَاسٌّ لَهُ أَوْ مُتَمَكِّنٌ فِيهِ أَوْ مُتَحَيِّزٌ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِهِ بَلْ هُوَ خَبَرٌ جَاءَ بِهِ التَّوْقِيفُ فَقُلْنَا لَهُ بِهِ وَنَفَيْنَا عَنْهُ التَّكْيِيفَ إِذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَولُهُ فَوْقَ عَرْشِهِ صِفَةُ الْكِتَابِ وَقِيلَ إِنَّ فَوْقَ هُنَا بِمَعْنَى دُونَ كَمَا جَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى بعوضة فَمَا فَوْقهَا وَهُوَ بعيد.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ يُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فَوْقَ الْعَرْشِ أَنَّ الْحِكْمَةَ اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ حَامِلًا لِمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَثَرِ حِكْمَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَغَامِضِ غَيْبِهِ لِيَسْتَأْثِرَ هُوَ بِذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَكْبَرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى انْفِرَادِهِ بِعِلْمِ الْغَيْبِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْش اسْتَوَى أَيْ مَا شَاءَهُ مِنْ قُدْرَتِهِ وَهُوَ كِتَابُهُ الَّذِي وَضَعَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِيهِ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْجِهَادِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَى





[ قــ :707 ... غــ :743] قَوْلِهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ لِأَنَّهُ لَا آمِرَ لَهُ وَلَا نَاهِي يُوجِبُ عَلَيْهِ مَا يَلْزَمُهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِنْجَازُ مَا وَعَدَ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  مِائَةُ دَرَجَةٍ فَلَيْسَ فِي سِيَاقِهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ هُوَ جَمِيعُ دَرَجِ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِيهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَرْفُوعِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وبن حِبَّانَ وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْد آخر آيَة تقرأها وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ آلَافٍ وَمِائَتَيْنِ وَالْخُلْفُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْكُسُورِ وَقَولُهُ فِيهِ كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ اخْتَلَفَ الْخَبَرُ الْوَارِدُ فِي قَدْرِ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَذَكَرَ هُنَاكَ مَا وَرَدَ فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهَا مِائَةُ عَامٍ وَفِي الطَّبَرَانِيُّ خَمْسُمِائَةٍ وَيُزَادُ هُنَا مَا أخرجه بن خُزَيْمَة فِي التَّوْحِيد من صَحِيحه وبن أبي عَاصِم فِي كتاب السّنة عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَفِي رِوَايَةِ وَغِلَظُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَبَيْنَ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَبَيْنَ الْمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَالْعَرْشُ فَوْقَ الْمَاءِ وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ دُونَ قَوْلِهِ وَبَيْنَ السَّابِعَةِ وَالْكُرْسِيِّ إِلَخْ وَزَادَ فِيهِ وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى الْعَرْشِ مِثْلُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْد أبي دَاوُد وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مَرْفُوعًا هَلْ تَدْرُونَ بُعْدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قُلْنَا لَا قَالَ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ قَالَ وَمَا فَوْقَهَا مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ثُمَّ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْبَحْرُ أَسْفَلُهُ مِنْ أَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ فَوْقَهُ ثَمَانِيَةٌ أَوْعَالٍ مَا بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ وَرُكَبِهِنَّ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ الْعَرْشُ فَوْقَ ذَلِكَ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ اللَّهُ فَوْقَ ذَلِكَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ اخْتِلَافِ هَذَا الْعَدَدِ فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ تُحْمَلَ الْخَمْسُمِائَةِ عَلَى السَّيْرِ الْبَطِيءِ كَسَيْرِ الْمَاشِي عَلَى هِينَتِهِ وَتُحْمَلُ السَّبْعِينَ عَلَى السَّيْرِ السَّرِيعِ كَسَيْرِ السُّعَاةِ وَلَوْلَا التَّحْدِيدُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى السَّبْعِينَ لَحَمَلْنَا السَّبْعِينَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فَلَا تُنَافِي الْخَمْسَمِائَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنِ الْفَوْقِيَّةِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَقَولُهُ فِيهِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِنَصْبِ فَوْقَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي قَبْلَ هَذَا وَحَكَى فِي الْمَشَارِقِ أَنَّ الْأَصِيلِيَّ ضَبَطَهُ بِالرَّفْعِ بِمَعْنَى أَعْلَاهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَطَالِعِ.

     وَقَالَ  إِنَّمَا قَيَّدَهُ الْأَصِيلِيُّ بِالنَّصْبِ كَغَيْرِهِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَوْقَهُ لِلْفِرْدَوْسِ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ بَلْ هُوَ رَاجِعُ إِلَى الْجَنَّةِ كُلِّهَا وَتُعُقِّبَ بِمَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ هُنَا وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَإِنَّ الضَّمِيرَ لِلْفِرْدَوْسِ جَزْمًا وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ لِلْجِنَانِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمِنْهَا تَفَجَّرُ لِأَنَّهَا خَطَأٌ فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ وَسُفْيَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ وَمِنْهُ بِالضَّمِيرِ الْمُذَكَّرِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ يَسْ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا إِثْبَاتُ أَنَّ الْعَرْشَ مَخْلُوقٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ لَهُ فَوْقًا وَتَحْتًا وَهُمَا مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ صِفَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ فِي بَابِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ من كتاب الرقَاق قَالَ بن بَطَّالٍ اسْتِئْذَانُ الشَّمْسِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهَا حَيَاةً يُوجَدُ الْقَوْلُ عِنْدَهَا لِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْجَمَادِ وَالْمَوَاتِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِئْذَانُ أُسْنِدَ إِلَيْهَا مَجَازًا وَالْمُرَادُ مَنْ هُوَ مُوَكَّلٌ بِهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي جَمْعِ الْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ آخِرُ سُورَةِ بَرَاءَةٌ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى





[ قــ :709 ... غــ :745] لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفسكُم إِلَى قَوْله وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّ لِلْعَرْشِ رَبًّا فَهُوَ مَرْبُوبٌ وَكُلُّ مَرْبُوبٍ مَخْلُوقٌ وَمُوسَى شَيْخُهُ فِيهِ هُوَ بن إِسْمَاعِيلَ وَإِبْرَاهِيمُ شَيْخُ شَيْخِهِ فِي السَّنَدِ الْأَوَّلِ هُوَ بن سَعْدٍ وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ الْمُعَلَّقَةُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ وَصَلَهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ وَرِوَايَتُهُ الْمُسْنَدَةُ تَقَدَّمَ سِيَاقُهَا فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مَعَ شَرْحِ الحَدِيث الحَدِيث الثَّامِن حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي دُعَاءِ الْكَرْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كتاب الدَّعْوَات وَسَعِيد فِي سَنَده هُوَ بن أَبِي عَرُوبَةَ وَأَبُو الْعَالِيَةِ هُوَ الرِّيَاحِيُّ بِكَسْرٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ خَفِيفَةٍ وَاسْمُهُ رُفَيْعٌ بِفَاءٍ مُصَغَّرٌ.
وَأَمَّا أَبُو الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ فَاسْمُهُ زِيَادُ بْنُ فَيْرُوزَ وَرِوَايَتُهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي أَبْوَابِ تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ ذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا وَتَقَدَّمَ بِهَذَا السَّنَدِ الَّذِي هُنَا تَامًّا فِي كِتَابِ الْأَشْخَاصِ وَقَولُهُ





[ قــ :7031 ... غــ :747] .

     وَقَالَ  الْمَاجِشُونُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَعَبْدُ الله بن الْفضل أَي بن الْعَبَّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ إِنَّمَا رَوَى الْمَاجِشُونَ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْأَعْرَجِ لَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَحَكَمُوا عَلَى الْبُخَارِيِّ بِالْوَهْمِ فِي قَوْلِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَحَدِيثُ الْأَعْرَجِ الَّذِي أُشِيرَ إِلَيْهِ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ كَمَا قَالُوا وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَكِنْ تَحَرَّرَ لِي أَنَّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْخَيْنِ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ طَرَفًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَظَهَرَ لِي أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ عَنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْأَعْرَجِ أَرْجَحُ وَمِنْ ثَمَّ وَصَلَهَا الْبُخَارِيُّ وَعَلَّقَ الْأُخْرَى فَإِنْ سَلَكْنَا سَبِيلَ الْجَمْعِ اسْتَغْنَى عَنِ التَّرْجِيحِ وَإِلَّا فَلَا اسْتِدْرَاكَ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي الْحَالَيْنِ وَكَذَا لَا تعقب على بن الصَّلَاحِ فِي تَفْرِقَتِهِ بَيْنَ مَا يَقُولُ فِيهِ الْبُخَارِيُّ قَالَ فُلَانٌ جَازِمًا فَيَكُونُ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ بِخِلَافِ مَا لَا يَجْزِمُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ جَازِمًا بِصِحَّتِهِ وَقَدْ تَمَسَّكَ بَعْضُ مَنِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْمِثَالِ فَقَالَ جَزَمَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ وَهْمٌ وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا حَرَّرْتُهُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْمَتْنِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَقَدْ سَاقَهُ هُنَاكَ بِتَمَامِهِ بِسَنَدِ الْحَدِيثِ هُنَا تَكْمِلَةٌ وَقَعَ فِي مُرْسَلِ قَتَادَةَ أَنَّ الْعَرْشَ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ عَرْشه على المَاء قَالَ هَذَا بَدْءُ خَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاءَ وَعَرْشُهُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعٌ لَكِنَّ سَنَدُهُ ضَعِيف