فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب فضل الفقر

( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ الْفَقْرِ)
قِيلَ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا إِلَى تَحْقِيقِ مَحَلِّ الْخِلَافِ فِي تَفْضِيلِ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى أَوْ عَكْسِهِ لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ الْحَصْرُ فِي ذَلِكَ فَيُحْمَلُ كُلُّ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْغِنَى عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ غَنِيَّ النَّفْسِ لَمْ يَكُنْ مَمْدُوحًا بَلْ يَكُونُ مَذْمُومًا فَكَيْفَ يَفْضُلُ وَكَذَا مَا وَرَدَ مِنْ فَضْلِ الْفَقْرِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ غَنِيَّ النَّفْسِ فَهُوَ فَقِيرُ النَّفْسِ وَهُوَ الَّذِي تَعَوَّذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ وَالْفَقْرُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ عَدَمُ الْمَالِ وَالتَّقَلُّلُ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْفَقْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيّ الحميد فَالْمُرَادُ بِهِ احْتِيَاجُ الْمَخْلُوقِ إِلَى الْخَالِقِ فَالْفَقْرُ لِلْمَخْلُوقِينَ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لَا يَنْفَكُّونَ عَنْهُ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ لِأَحَدٍ وَيُطْلَقُ الْفَقْرُ أَيْضًا عَلَى شَيْءٍ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الصُّوفِيَّةُ وَتَفَاوَتَتْ فِيهِ عِبَارَاتُهُمْ وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيُّ نَفْضُ الْيَدِ مِنَ الدُّنْيَا ضَبْطًا وَطَلَبًا مَدْحًا وَذَمًّا وَقَالُوا إِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ سَوَاءٌ حَصَلَ فِي يَدِهِ أَمْ لَا وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ الْمَاضِي فِي الْبَابِ قَبْلَهُ أَنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ وَالْمُرَادُ بِالْفَقْرِ هُنَا الْفَقْرُ مِنَ الْمَالِ وَقد تكلم بن بَطَّالٍ هُنَا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ فَقَالَ طَالَ نِزَاعُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْفَقْرَ وَاحْتَجَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحِيحِ وَالْوَاهِي وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ الْغِنَى بِمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا بِبَابٍ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْأَقَلُّونَ إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَحَدِيثِ سَعْدٍ الْمَاضِي فِي الْوَصَايَا إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً وَحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ حَيْثُ اسْتَشَارَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَالِهِ كُلِّهِ فَقَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ وَحَدِيثِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ وَفِي آخِرِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْتُ فِي هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ الدَاوُدِيِّ الْفَقْرُ وَالْغِنَى مِحْنَتَانِ مِنَ اللَّهِ يَخْتَبِرُ بِهِمَا عِبَادَهُ فِي الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عملا.

     وَقَالَ  تَعَالَى ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة وَثَبت أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَعِيذُ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ مُتَقَابِلَانِ لِمَا يَعْرِضُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي فَقْرِهِ وَغِنَاهُ مِنَ الْعَوَارِضِ فَيُمْدَحُ أَوْ يُذَمُ وَالْفَضْلُ كُلُّهُ فِي الْكَفَافِ لِقولِهِ تَعَالَى وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تبسطها كل الْبسط.

     وَقَالَ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا وَسَيَأْتِي قَرِيبًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  أَسْأَلُكَ غِنَايَ وَغِنَى هَؤُلَاءِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا الْحَدِيثَ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بِهِ الْكَفَافَ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَمِمَّنْ جَنَحَ إِلَى تَفْضِيلِ الْكَفَافِ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فَقَالَ جَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ الْحَالَاتِ الثَّلَاثَ الْفَقْرَ وَالْغِنَى وَالْكَفَافَ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوَّلَ حَالَاتِهِ فَقَامَ بِوَاجِبِ ذَلِكَ مِنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ ثُمَّ فُتِحَتْ عَلَيْهِ الْفُتُوحُ فَصَارَ بِذَلِكَ فِي حَدِّ الْأَغْنِيَاءِ فَقَامَ بِوَاجِبِ ذَلِكَ مِنْ بَذْلِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ وَالْمُوَاسَاةِ بِهِ وَالْإِيثَارِ مَعَ اقْتِصَارِهِ مِنْهُ عَلَى مَا يَسُدُّ ضَرُورَةَ عِيَالِهِ وَهِيَ صُورَةُ الْكَفَافِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا قَالَ وَهِيَ حَالَةٌ سَلِيمَةٌ مِنَ الْغِنَى الْمُطْغِي وَالْفَقْرِ الْمُؤْلِمِ وَأَيْضًا فَصَاحِبُهَا مَعْدُودٌ فِي الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَّفَهُ فِي طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا بَلْ يُجَاهِدُ نَفْسَهُ فِي الصَّبْرِ عَنِ الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى الْكَفَافِ فَلَمْ يَفُتْهُ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ إِلَّا السَّلَامَةُ مِنْ قَهْرِ الْحَاجَةِ وَذُلِّ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي غِنَى النَّفْسِ وَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَرُزِقَ الْكَفَافَ وَقَنِعَ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ نَحْوَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيّ وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَالْكَفَافُ الْكِفَايَةُ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ هُوَ مَا يَكُفُّ عَنِ الْحَاجَاتِ وَيدْفَع للضرورات وَلَا يُلْحِقُ بِأَهْلِ التَّرَفُّهَاتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ حَصَلَ عَلَى مَطْلُوبِهِ وَظَفِرَ بِمَرْغُوبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا أَيِ اكْفِهِمْ مِنَ الْقُوتِ بِمَا لَا يُرْهِقُهُمْ إِلَى ذُلِّ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ فُضُولٌ تَبْعَثُ عَلَى التَّرَفُّهِ وَالتَّبَسُّطِ فِي الدُّنْيَا وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْكَفَافَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَآلِهِ بِأَفْضَلِ الْأَحْوَالِ وَقَدْ قَالَ خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا أخرجه بن الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَلِيلِ الْعَمَلِ قَلِيلِ الذُّنُوبِ أَفْضَلُ أَوْ رَجُلٌ كَثِيرُ الْعَمَلِ كَثِيرُ الذُّنُوبِ فَقَالَ لَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا فَمَنْ حَصَلَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَاقْتَنَعَ بِهِ أَمِنَ مِنْ آفَاتِ الْغِنَى وَآفَاتِ الْفَقْرِ وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ لَوْ صَحَّ لَكَانَ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَة وَهُوَ مَا أخرجه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ نُفَيْعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ مَا مِنْ غَنِيٍّ وَلَا فَقِيرٍ إِلَّا وَدَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ أُوتِيَ مِنَ الدُّنْيَا قُوتًا.

قُلْتُ وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَدْفَعُ أَصْلَ السُّؤَالِ عَنْ أَيِّهِمَا أَفْضَلُ الْغِنَى أَوِ الْفَقْرُ لِأَنَّ النِّزَاعَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنِ اتَّصَفَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ أَيُّهُمَا فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ وَلِهَذَا قَالَ الدَاوُدِيُّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا إِنَّ السُّؤَالَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ لَا يَسْتَقِيمُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا لَيْسَ لِلْآخَرِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ وَإِنَّمَا يَقَعُ السُّؤَالُ عَنْهُمَا إِذَا اسْتَوَيَا بِحَيْثُ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الْعَمَلِ مَا يُقَاوِمُ بِهِ عَمَلَ الْآخَرِ قَالَ فَعِلْمُ أَيُّهُمَا أفضل عِنْد الله انْتهى وَكَذَا قَالَ بن تَيْمِيَةَ لَكِنْ قَالَ إِذَا اسْتَوَيَا فِي التَّقْوَى فَهُمَا فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَهْلِ الدُّثُورِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجُمُعَةِ وَمُحَصَّلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الْغِنَى عَلَى الْفَقْرِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ زِيَادَةِ الثَّوَابِ بِالْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ إِلَّا إِنْ فَسَّرَ الْأَفْضَلَ بِمَعْنَى الْأَشْرَفِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صِفَات النَّفس فَالَّذِي يحصل لِلنَّفْسِ مِنَ التَّطْهِيرِ لِلْأَخْلَاقِ وَالرِّيَاضَةِ لِسُوءِ الطِّبَاعِ بِسَبَبِ الْفَقْرِ أَشْرَفُ فَيَتَرَجَّحُ الْفَقْرُ وَلِهَذَا الْمَعْنَى ذَهَبَ جُمْهُورُ الصُّوفِيَّةِ إِلَى تَرْجِيحِ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ لِأَنَّ مَدَارَ الطَّرِيقِ عَلَى تَهْذِيبِ النَّفْسِ وَرِيَاضَتِهَا وَذَلِكَ مَعَ الْفَقْرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْغِنَى انْتهى.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ صُورَةُ الِاخْتِلَافِ فِي فَقِيرٍ لَيْسَ بِحَرِيصٍ وَغَنِيٍّ لَيْسَ بِمُمْسِكٍ إِذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْفَقِيرَ الْقَانِعَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الْبَخِيلِ وَأَنَّ الْغَنِيَّ الْمُنْفِقَ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقِيرِ الْحَرِيصِ قَالَ وَكُلُّ مَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ وَلَا يُرَادُ لِعَيْنِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إِلَى مَقْصُودِهِ فَبِهِ يَظْهَرُ فَضْلُهُ فَالْمَالُ لَيْسَ مَحْذُورًا لِعَيْنِهِ بَلْ لِكَوْنِهِ قَدْ يَعُوقُ عَنِ اللَّهِ وَكَذَا الْعَكْسُ فَكَمْ مِنْ غَنِيٍّ لَمْ يَشْغَلْهُ غِنَاهُ عَنِ اللَّهِ وَكَمْ مِنْ فَقِيرٍ شَغَلَهُ فَقْرُهُ عَنِ اللَّهِ إِلَى أَنْ قَالَ وَإِنْ أَخَذْتَ بِالْأَكْثَرِ فَالْفَقِيرُ عَنِ الْخَطَرِ أَبْعَدُ لِأَنَّ فِتْنَةَ الْغِنَى أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَمِنَ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تَجِدَ انْتَهَى وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْغَنِيَّ الشَّاكِرَ أَفْضَلُ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ شَيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ الْغَنِيُّ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقِيرِ لِأَنَّ الْغِنَى صِفَةُ الْخَالِقِ وَالْفَقْرُ صفة الْمَخْلُوقِ وَصِفَةُ الْحَقِّ أَفْضَلُ مِنْ صِفَةِ الْخَلْقِ فَقَدِ اسْتَحْسَنَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكِبَارِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْتُهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي أَصْلِ النِّزَاعِ إِذْ لَيْسَ هُوَ فِي ذَاتِ الصِّفَتَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي عَوَارِضِهِمَا وَبَيَّنَ بَعْضُ مَنْ فَضَّلَ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ كَالطَّبَرِيِّ جِهَتَهُ بِطَرِيقٍ أُخْرَى فَقَالَ لَا شَكَّ أَنَّ مِحْنَةَ الصَّابِرِ أَشَدُّ مِنْ مِحْنَةِ الشَّاكِرِ غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فَأَصْبِرَ.

قُلْتُ وَكَأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ طَبْعُ الْآدَمِيِّ مِنْ قِلَّةِ الصَّبْرِ وَلِهَذَا يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ بِحَقِّ الصَّبْرِ أَقَلَّ مِمَّنْ يَقُومُ بِحَقِّ الشُّكْرِ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا وُجِدَ بِخَطِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْزُوقٍ كَلَامُ النَّاسِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مُخْتَلِفٌ فَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْفَقْرَ وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْغِنَى وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْكَفَافَ وَكُلُّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَهُوَ أَيُّ الْحَالَيْنِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ حَتَّى يَتَكَسَّبَ ذَلِكَ وَيَتَخَلَّقَ بِهِ هَلِ التَّقَلُّلُ مِنَ الْمَالِ أَفْضَلُ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ مِنَ الشَّوَاغِلِ وَيَنَالَ لَذَّةَ الْمُنَاجَاةِ وَلَا يَنْهَمِكَ فِي الِاكْتِسَابِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ طُولِ الْحِسَابِ أَوِ التَّشَاغُلُ بِاكْتِسَابِ الْمَالِ أَفْضَلُ لِيَسْتَكْثِرَ بِهِ مِنَ التَّقَرُّبِ بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي قَالَ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ مَا اخْتَارَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ مِنَ التَّقَلُّلِ فِي الدُّنْيَا وَالْبُعْدِ عَنْ زَهَرَاتِهَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَنْ حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا بِغَيْرِ تَكَسُّبٍ مِنْهُ كَالْمِيرَاثِ وَسَهْمِ الْغَنِيمَةِ هَلِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى إِخْرَاجِهِ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ يَتَشَاغَلَ بِتَثْمِيرِهِ لِيَسْتَكْثِرَ مِنْ نَفْعِهِ الْمُتَعَدِّي قَالَ وَهُوَ عَلَى الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.

قُلْتُ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَبْذُلَ إِلَى أَنْ يَبْقَى فِي حَالَة الْكَفَافِ وَلَا يَضُرُّهُ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ ذَلِكَ إِذَا سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَدَعْوَى أَنَّ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ كَانُوا عَلَى التَّقَلُّلِ وَالزُّهْدِ مَمْنُوعَةٌ بِالْمَشْهُورِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى قِسْمَيْنِ بَعْدَ أَنْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمُ الْفُتُوحُ فَمِنْهُمْ مَنْ أَبْقَى مَا بِيَدِهِ مَعَ التَّقَرُّبِ إِلَى رَبِّهِ بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْمُوَاسَاةِ مَعَ الِاتِّصَافِ بِغِنَى النَّفْسِ وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ لَا يُبْقِي شَيْئًا مِمَّا فُتِحَ عَلَيْهِ بِهِ وَهُمْ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّائِفَةِ الْأُخْرَى وَمَنْ تَبَحَّرَ فِي سِيَرِ السَّلَفِ عَلِمَ صِحَّةَ ذَلِكَ فَأَخْبَارُهُمْ فِي ذَلِكَ لَا تُحْصَى كَثْرَةً وَحَدِيثُ خَبَّابٍ فِي الْبَابِ شَاهِدٌ لِذَلِكَ وَالْأَدِلَّةُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَثِيرَةٌ فَمِنَ الشِّقِّ الْأَوَّلِ بَعْضُ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهَا وَمِنَ الشِّقِّ الثَّانِيَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَفَعَهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْغَنِيَّ التَّقِيَّ الْخَفِيَّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ دَالٌّ لِمَا قُلْتُهُ سَوَاءٌ حَمَلْنَا الْغِنَى فِيهِ عَلَى الْمَالِ أَوْ عَلَى غِنَى النَّفْسِ فَإِنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ وَعَلَى الثَّانِي يَتَنَاوَلُ الْقِسْمَيْنِ فَيَحَصُلُ الْمَطْلُوبُ وَالْمُرَادُ بِالتَّقِيِّ وَهُوَ بِالْمُثَنَّاةِ مَنْ يَتْرُكُ الْمَعَاصِيَ امْتِثَالًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَاجْتِنَابًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْخَفِيُّ ذُكِرَ لِلتَّتْمِيمِ إِشَارَةً إِلَى تَرْكِ الرِّيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا التَّرَدُّدُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَالْأَوْلَى فِي حَقِّهِ أَنْ يَتَكَسَّبَ لِلصَّوْنِ عَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ أَوْ يَتْرُكَ وَيَنْتَظِرَ مَا يُفْتَحُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَصَحَّ عَنْ أَحْمَدَ مَعَ مَا اشْتُهِرَ مِنْ زُهْدِهِ وَوَرَعِهِ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ الْزَمِ السُّوقَ.

     وَقَالَ  لِآخَرَ اسْتَغْنِ عَنِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْغِنَى عَنْهُمْ.

     وَقَالَ  يَنْبَغِي لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ وَأَنْ يُعَوِّدُوا أَنْفُسَهُمُ التَّكَسُّبَ وَمَنْ قَالَ بِتَرْكِ التَّكَسُّبِ فَهُوَ أَحْمَقُ يُرِيدُ تَعْطِيلَ الدُّنْيَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ.

     وَقَالَ  أُجْرَةُ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْجُلُوسِ لِانْتِظَارِ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ.

     وَقَالَ  أَيْضًا مَنْ جَلَسَ وَلَمْ يَحْتَرِفْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ إِلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَأَسْنَدَ عَنْ عُمَرَ كَسْبٌ فِيهِ بَعْضُ الشَّيْءِ خَيْرٌ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى النَّاسِ وَأَسْنَدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَتَرَكَ مَالًا اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَجْمَعْهُ إِلَّا لِأَصُونَ بِهِ دِينِي وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ وَنَحْوِهِمَا مِنَ السَّلَفِ نَحْوَهُ بَلْ نَقَلَهُ الْبَرْبَهَارِيُّ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وانه لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ تَرَكَ تَعَاطِيَ الرِّزْقِ مُقْتَصِرًا عَلَى مَا يُفْتَحُ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ الْغِنَى بِآيَةِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمن رِبَاط الْخَيل الْآيَةَ قَالَ وَذَلِكَ لَا يَتِمٌّ إِلَّا بِالْمَالِ وَأَجَابَ مَنْ فَضَّلَ الْفَقْرَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الْغِنَى فِي جَانِبٍ أَفْضَلَ مِنَ الْفَقْرِ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مُطْلَقًا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ



[ قــ :6109 ... غــ :6447] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ .

     قَوْلُهُ  مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ مِنْ أَوَائِلِ النِّكَاحِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا وَهُوَ خِطَابٌ لِجَمَاعَةٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عِنْد أَحْمد وَأبي يعلى وبن حِبَّانَ بِلَفْظِ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْظُرْ إِلَى أَرْفَعِ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَيْنَيْكَ قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ فِي حُلَّةٍ الْحَدِيثَ فَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْئُولَ هُوَ أَبُو ذَرٍّ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ سَهْلٍ أَنَّ الْخِطَابَ وَقَعَ لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو ذَرٍّ وَوُجِّهَ إِلَيْهِ فَأَجَابَ وَلِذَلِكَ نَسَبَهُ لِنَفْسِهِ.
وَأَمَّا الْمَارُّ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِابْنِ حِبَّانَ سَأَلَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ هَلْ تَعْرِفُ فُلَانًا.

قُلْتُ نَعَمْ الْحَدِيثَ وَوَقَعَ فِي الْمَغَازِي لِابْنِ إِسْحَاقَ مَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ أَوِ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ كَمَا سَأَذْكُرُهُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَيِ الْمَسْئُولُ .

     قَوْلُهُ  رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ أَيْ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَشْرَاف النَّاس وَوَقع كَذَلِك عِنْد بن مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ .

     قَوْلُهُ  هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ آخِرِهِ أَيْ جَدِيرٌ وَحَقِيقٌ وَزْنًا وَمَعْنًى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ قَالُوا حَرِيٌّ .

     قَوْلُهُ  إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ أَيْ تُجَابَ خِطْبَتُهُ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ تُقْبَلَ شَفَاعَتُهُ وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ فِي رِوَايَتِهِ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ وَفِي رِوَايَة بن حِبَّانَ إِذَا سَأَلَ أُعْطِيَ وَإِذَا حَضَرَ أُدْخِلَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ زَادَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ فُقَرَاء الْمُسلمين وَفِي رِوَايَة بن حِبَّانَ مِسْكِينٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ .

     قَوْلُهُ  هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَهْمُوزٌ .

     قَوْلُهُ  مِثْلِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَعَ التَّفْضِيلُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ مُمَيِّزِهِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ هَذَا لِأَنَّ الْبَيَانَ وَالْمُبِينَ شَيْء وَاحِد زَاد أَحْمد وبن حِبَّانَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةِ بن حِبَّانَ الْأُخْرَى خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ الْأَرْضِ مِنَ الْآخِرِ وَطِلَاعُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَآخِرَهُ مُهْمَلَةٌ أَيْ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنَ الْأَرْضِ كَذَا قَالَ عِيَاضٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْمُرَادُ مَا فَوْقَ الْأَرْضِ وَزَادَ فِي آخِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا يُعْطَى هَذَا كَمَا يُعْطَى الْآخَرُ قَالَ إِذَا أُعْطِيَ خَيْرًا فَهُوَ أَهْلُهُ وَإِذَا صُرِفَ عَنْهُ فَقَدْ أُعْطِيَ حَسَنَةً وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُون الرَّوْيَانِيّ فِي مُسْنده وبن عَبْدِ الْحَكَمِ فِي فُتُوحِ مِصْرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ فِي مُسْنَدِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا مِصْرَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ تَسْمِيَةُ الْمَارِّ الثَّانِي وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ كَيْفَ تَرَى جُعَيْلًا.

قُلْتُ مِسْكِينًا كَشَكْلِهِ مِنَ النَّاسِ قَالَ فَكَيْفَ تَرَى فُلَانًا.

قُلْتُ سَيِّدًا مِنَ السَّادَاتِ قَالَ فَجُعَيْلٌ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفُلَانٌ هَكَذَا وَتَصْنَعُ بِهِ مَا تَصْنَعُ قَالَ إِنَّهُ رَأْسُ قَوْمِهِ فَأَتَأَلَّفُهُمْ وَذكر بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ مُرْسَلًا أَوْ مُعْضَلًا قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتُ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعَ مِائَةَ مِائَةٍ وَتَرَكْتُ جُعَيْلًا قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَجُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ الْأَرْضِ مِثْلَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ وَلَكِنِّي أَتَأَلَّفُهُمَا وَأَكِلُ جُعَيْلًا إِلَى إِيمَانِهِ وَلِجُعَيْلٍ الْمَذْكُورِ ذِكْرٌ فِي حَدِيثِ أَخِيهِ عَوْف بْنِ سُرَاقَةَ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَفِي حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَقِيلَ فِيهِ جِعَالٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ ثَانِيهِ وَلَعَلَّهُ صُغِّرَ وَقِيلَ بَلْ هُمَا أَخَوَانِ وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضْلِ جُعَيْلٍ الْمَذْكُورِ وَأَنَّ السِّيَادَةَ بِمُجَرَّدِ الدُّنْيَا لَا أَثَرَ لَهَا وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِالْآخِرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ وَأَنَّ الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَظُّ مِنَ الدُّنْيَا يُعَاضُ عَنْهُ بِحَسَنَةِ الْآخِرَةِ فَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِلْفَقْرِ كَمَا تَرْجَمَ بِهِ لَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ لتفضيل الْفَقِير على الْغَنِيّ كَمَا قَالَ بن بَطَّالٍ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ فُضِّلَ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَهُ لَا فَقِيرَ فِيهِمْ وَإِنْ كَانَ لِفَضْلِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ.

قُلْتُ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَلْتَزِمُوا الْأَوَّلَ وَالْحَيْثِيَّةُ مَرْعِيَّةٌ لَكِنْ تَبَيَّنَ مِنْ سِيَاقِ طُرُقِ الْقِصَّةِ أَنَّ جِهَةَ تَفْضِيلِهِ إِنَّمَا هِيَ لِفَضْلِهِ بِالتَّقْوَى وَلَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةً فِي فَقِيرٍ مُتَّقٍ وَغَنِيٍّ غَيْرِ مُتَّقٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنِ اسْتِوَائِهِمَا أَوَّلًا فِي التَّقْوَى وَأَيْضًا فَمَا فِي التَّرْجَمَةِ تَصْرِيحٌ بِتَفْضِيلِ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ فَضِيلَةِ الْفَقْرِ أَفْضَلِيَّتُهُ وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ أَفْضَلِيَّةِ فَقِيرٍ عَلَى غَنِيٍّ أَفَضَلِيَّةُ كُلِّ فَقِيرٍ عَلَى كُلِّ غَنِيٍّ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ شَرْحِهِ فِي الْجَنَائِزِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكُفْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَذُكِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَأَحَلْتُ بِشَرْحِهِ عَلَى الْمَغَازِي فَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ ذُهُولًا





[ قــ :6110 ... غــ :6448] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَقَعَ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ بِهَذَا السَّنَدِ سَوَاءً حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ .

     قَوْلُهُ  عُدْنَا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْعِيَادَةِ .

     قَوْلُهُ  هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَيْ بِأَمْرِهِ وَإِذْنِهِ أَوِ الْمُرَادُ بِالْمَعِيَّةِ الِاشْتِرَاكُ فِي حُكْمِ الْهِجْرَةِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حِسًّا إِلَّا الصِّدِّيقُ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ أَيْ جِهَةَ مَا عِنْده من الثَّوَاب لاجهة الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ كَمَا مَضَى فِي الْهِجْرَةِ عَنِ الْأَعْمَشِ فَوَجَبَ وَإِطْلَاقُ الْوُجُوبِ عَلَى اللَّهِ بِمَعْنَى إِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ .

     قَوْلُهُ  أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ أَيْ إِثَابَتُنَا وَجَزَاؤُنَا .

     قَوْلُهُ  لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا أَيْ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْأَجْرِ عَلَى الْمَالِ فِي الدُّنْيَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِالنِّسْبَةِ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَصْدَ الْأَوَّلَ هُوَ مَا تَقَدَّمَ لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْفُتُوحِ كَمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاشَ إِلَى أَنْ فُتِحَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ انْقَسَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَوَاسَى بِهِ الْمَحَاوِيجَ أَوَّلًا فَأَوَّلًا بِحَيْثُ بَقِيَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الْأُولَى وَهُمْ قَلِيلٌ مِنْهُمْ أَبُو ذَرٍّ وَهَؤُلَاءِ مُلْتَحِقُونَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَبَسَّطَ فِي بَعْضِ الْمُبَاحِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِكَثْرَةِ النِّسَاءِ وَالسَّرَارِيِّ أَوِ الْخَدَمِ وَالْمَلَابِسِ وَنَحْوِ ذَلِك وَلم يستكثر وهم كثير وَمِنْهُم بن عُمَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ فَاسْتَكْثَرَ بِالتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا مَعَ الْقِيَامِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَهُمْ كَثِيرٌ أَيْضًا مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَإِلَى هَذَيْنَ الْقِسْمَيْنِ أَشَارَ خَبَّابٌ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَمَا الْتَحَقَ بِهِ تَوَفَّرَ لَهُ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مُقْتَضَى الْخَبَرِ أَنَّهُ يُحْسَبُ عَلَيْهِمْ مَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَالِ الدُّنْيَا مِنْ ثَوَابِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رَفَعَهُ مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرَهُمْ الْحَدِيثَ وَمِنْ ثَمَّ آثَرَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ قِلَّةَ الْمَالِ وَقَنِعُوا بِهِ إِمَّا لِيَتَوَفَّرَ لَهُمْ ثَوَابُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا لِيَكُونَ أَقَلَّ لِحِسَابِهِمْ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  مِنْهُمْ مُصْعَبُ بن عُمَيْر بِصِيغَة التصغير هُوَ بن هِشَامِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُصَيٍّ وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى هِجْرَةِ الْمَدِينَةِ قَالَ الْبَرَاءُ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وبن أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ الْقُرْآنَ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِل الْهِجْرَة وَذكر بن إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَهُ مَعَ أَهْلِ الْعَقَبَةِ الْأُولَى يُقْرِئُهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ وَكَانَ مُصْعَبٌ وَهُوَ بِمَكَّةَ فِي ثَرْوَةٍ وَنِعْمَةٍ فَلَمَّا هَاجَرَ صَارَ فِي قِلَّةِ فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَمَا عَلَيْهِ إِلَّا بُرْدَةٌ لَهُ مَرْقُوعَةٌ بِفَرْوَةٍ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَآهُ لِلَّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ النِّعَمِ وَالَّذِي هُوَ فِيهِ الْيَوْمَ .

     قَوْلُهُ  قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ أَيْ شَهِيدًا وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بن عُمَيْر بِسَنَد صَحِيح عِنْد بن الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ .

     قَوْلُهُ  وَتَرَكَ نَمِرَةً بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ ثُمَّ رَاءٍ هِيَ إِزَارٌ مِنْ صُوفٍ مُخَطَّطٍ أَوْ بُرْدَةٌ .

     قَوْلُهُ  أَيْنَعَتْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ أَيِ انْتَهَتْ وَاسْتَحَقَّتِ الْقَطْفَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَنَعَتْ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهِيَ لُغَةٌ قَالَ الْقَزَّازُ وَأَيْنَعَتْ أَكْثَرُ .

     قَوْلُهُ  فَهُوَ يَهْدِبُهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا بعْدهَا مُوَحدَة أَي يقطفها قَالَ بن بَطَّالٍ فِي الْحَدِيثِ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنَ الصِّدْقِ فِي وَصْفِ أَحْوَالِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى مُكَابَدَةِ الْفَقْرِ وَصُعُوبَتِهِ مِنْ مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ وَفِيهِ أَنَّ الْكَفَنَ يَكُونُ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ وَأَنَّ الْمَيِّتَ يَصِيرُ كُلُّهُ عَوْرَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْكَمَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ سَائِرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ ثمَّ قَالَ بن بَطَّالٍ لَيْسَ فِي حَدِيثِ خَبَّابٍ تَفْضِيلُ الْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ هِجْرَتَهُمْ لَمْ تَكُنْ لِدُنْيَا يُصِيبُونَهَا وَلَا نِعْمَةٍ يَتَعَجَّلُونَهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ لِلَّهِ خَالِصَةً لِيُثِيبَهُمْ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ فَتْحِ الْبِلَادِ تَوَفَّرَ لَهُ ثَوَابُهُ وَمَنْ بَقِيَ حَتَّى نَالَ مِنْ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا خَشِيَ أَنْ يَكُونَ عَجَّلَ لَهُمْ أَجْرَ طَاعَتِهِمْ وَكَانُوا عَلَى نَعِيمِ الْآخِرَةِ أَحْرَصَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ .

     قَوْلُهُ  سَلْمُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّام بن زَرِيرٍ بِزَايٍّ ثُمَّ رَاءٍ وَزْنُ عَظِيمٍ وَأَبُو رَجَاءٍ هُوَ الْعُطَارِدِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ وَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ هَذَا .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ أَيُّوبُ وَعَوْفٌ.

     وَقَالَ  حَمَّادُ بْنُ نَجِيحٍ وَصَخْرٌ عَنْ أَبِي رَجَاء عَن بن عَبَّاسٍ أَمَّا مُتَابَعَةُ أَيُّوبَ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.
وَأَمَّا مُتَابَعَةُ عَوْفٍ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.
وَأَمَّا مُتَابَعَةُ حَمَّادِ بْنِ نَجِيحٍ وَهُوَ الْإِسْكَافُ الْبَصْرِيُّ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ عَنْهُ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْكِتَابَيْنِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَقَدْ وَثَّقَهُ وَكِيع وبن معِين وَغَيرهمَا وَأما مُتَابعَة صَخْر وَهُوَ بن جُوَيْرِيَةَ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُعَافَى بن عمرَان عَنهُ وبن مَنْدَهْ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ وَحَمَّادُ بْنُ نَجِيحٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ وَقَدْ وَقَعَتْ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ صَخْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا رَجَاء حَدثنَا بن عَبَّاسٍ بِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَوْفٍ.

     وَقَالَ  أَيُّوبُ عَنْ أَبِي رَجَاء عَن بن عَبَّاسٍ وَكِلَا الْإِسْنَادَيْنِ لَيْسَ فِيهِ مَقَالٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا.

     وَقَالَ  الْخَطِيبُ فِي الْمُدْرَجِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَسَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ وَحَمَّادِ بْنِ نَجِيحٍ وَصَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ أَبِي رَجَاء عَن عمرَان وبن عَبَّاسٍ بِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَمَعَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَن بن عَبَّاسٍ وَسَلْمٌ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ وَلَعَلَّ جَرِيرًا كَذَلِكَ وَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ بِالْوَجْهَيْنِ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ فِطْرٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ فَالْحَدِيثُ عَنْ أبي رَجَاء عَنْهُمَا وَالله اعْلَم قَالَ بن بَطَّالٍ لَيْسَ





[ قــ :6111 ... غــ :6449] .

     قَوْلُهُ  اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ يُوجِبُ فَضْلَ الْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْفُقَرَاءَ فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ فَأَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُ أَكْثَرُ أَهْلِ الدُّنْيَا الْفُقَرَاءُ إِخْبَارًا عَنِ الْحَالِ وَلَيْسَ الْفَقْرُ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ وَإِنَّمَا دَخَلُوا بِصَلَاحِهِمْ مَعَ الْفَقْرِ فَإِنَّ الْفَقِيرَ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لَا يَفْضُلُ.

قُلْتُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّحْرِيضُ عَلَى تَرْكِ التَّوَسُّعِ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا أَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النِّسَاءِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَمْرِ الدِّينِ لِئَلَّا يَدْخُلْنَ النَّارَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ قِيلَ بِمَ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يكفرن بِالْإِحْسَانِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ



[ قــ :611 ... غــ :6450] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَجَّاجِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَنَسٍ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  عَلَى خِوَانٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا أَكَلَ خُبْزًا مُرَقَّقًا حَتَّى مَاتَ قَالَ بن بَطَّالٍ تَرْكُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَكْلَ عَلَى الْخِوَانِ وَأَكْلَ الْمُرَقَّقِ إِنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا اخْتِيَارًا لِطَيِّبَاتِ الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ وَالْمَالُ إِنَّمَا يُرْغَبُ فِيهِ لِيُسْتَعَانَ بِهِ عَلَى الْآخِرَةِ فَلَمْ يَحْتَجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى بَلْ يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الْقَنَاعَةِ وَالْكَفَافِ وَعَدَمِ التبسط فِي ملاذ الدُّنْيَا وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث بن عُمَرَ لَا يُصِيبُ عَبْدٌ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا إِلَّا نَقَصَ مِنْ دَرَجَاتِهِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الله كَرِيمًا أخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ





[ قــ :6113 ... غــ :6451] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو شيبَة جده لِأَبِيهِ وَهُوَ بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَاسْمُهُ إِبْرَاهِيمَ أَصْلُهُ مِنْ وَاسِطَ وَسَكَنَ الْكُوفَةَ وَهُوَ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا مُسْلِمٌ لَكِنْ مُسْلِمٌ يُكَنِّيهِ دَائِمًا وَالْبُخَارِيُّ يُسَمِّيهِ وَقَلَّ أَنْ كَنَّاهُ .

     قَوْلُهُ  وَمَا فِي بَيْتِي شَيْءٌ إِلَخْ لَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصَايَا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْمُصْطَلِقِيِّ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَيْئًا لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالشَّيْءِ الْمَنْفِيِّ مَا تَخَلَّفَ عَنْهُ مِمَّا كَانَ يَخْتَصُّ بِهِ.
وَأَمَّا الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ فَكَانَ بَقِيَّةَ نَفَقَتِهَا الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا فَلَمْ يَتَّحِدِ الْمَوْرِدَانِ .

     قَوْلُهُ  يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ شَمِلَ جَمِيعَ الْحَيَوَانِ وَانْتَفَى جَمِيعُ الْمَأْكُولَاتِ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ هُنَا الْبَعْضُ وَالشَّطْرُ يُطْلَقُ عَلَى النِّصْفِ وَعَلَى مَا قَارَبَهُ وَعَلَى الْجِهَةِ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا وَيُقَالُ أَرَادَتْ نِصْفَ وَسْقٍ .

     قَوْلُهُ  فِي رَفٍّ لِي قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الرَّفُّ شِبْهُ الطَّاقِ فِي الْحَائِطِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ الرَّفُّ خَشَبٌ يَرْتَفِعُ عَنِ الْأَرْضِ فِي الْبَيْتِ يُوضَعُ فِيهِ مَا يُرَادُ حِفْظُهُ.

قُلْتُ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِلْمُرَادِ .

     قَوْلُهُ  فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ بِكَسْرِ الْكَافِ فَفَنِيَ أَي فرغ قَالَ بن بَطَّالٍ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْأَخْذِ مِنَ الْعَيْشِ بِالِاقْتِصَادِ وَمَا يَسُدُّ الْجَوْعَةَ.

قُلْتُ إِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ بِالْقَصْدِ إِلَيْهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْثِرُ بِمَا عِنْدَهُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ خَيْبَرَ وَغَيْرِهَا مِنْ تَمْرٍ وَغَيْرِهِ يَدَّخِرُ قُوتَ أَهْلِهِ سَنَةً ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ كَانَ مَعَ ذَلِك إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ طاريء أَوْ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ يُشِيرُ عَلَى أَهْلِهِ بِإِيثَارِهِمْ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى نَفَادِ مَا عِنْدَهُمْ أَوْ مُعْظَمِهِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا شَبِعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ وَلَوْ شِئْنَا لَشَبِعْنَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهَا فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ قَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّ الطَّعَامَ الْمَكِيلَ يَكُونُ فَنَاؤُهُ مَعْلُومًا لِلْعِلْمِ بِكَيْلِهِ وَأَنَّ الطَّعَامَ غَيْرَ الْمَكِيلِ فِيهِ الْبَرَكَةُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ مِقْدَارُهُ.

قُلْتُ فِي تَعْمِيمِ كُلِّ الطَّعَامِ بِذَلِكَ نَظَرٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ لِعَائِشَةَ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي أَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ وَوَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مِزْوَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمَرَاتٍ فَقُلْتُ ادْعُ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ قَالَ فَقَبَضَ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ قَالَ خُذْهُنَّ فَاجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدٍ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُنَّ فَأَدْخِلْ يَدَكَ فَخُذْ وَلَا تَنْثُرْ بِهِنَّ نَثْرًا فَحَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكُنَّا نَأْكُلُ وَنُطْعِمُ وَكَانَ الْمِزْوَدُ مُعَلَّقًا بِحَقْوِي لَا يُفَارِقُهُ فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْقَطَعَ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُطَوَّلًا وَفِيهِ فَأَدْخِلْ يدك فَخذ وَلَا تكفيء فَيُكْفَأَ عَلَيْكَ وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَنَحْوَهُ مَا وَقَعَ فِي عُكَّةِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أُمَّ مَالِكٍ كَانَتْ تُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ فَتَعْمَدُ إِلَى الْعُكَّةِ فَتَجِدُ فِيهَا سَمْنًا فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ تَرَكْتِهَا مَا زَالَ قَائِمًا وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا النَّهْيُ مَعَ الْأَمْرِ بِكَيْلِ الطَّعَامِ وَتَرْتِيبِ الْبَرَكَةِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ مِنْ حَدِيث الْمِقْدَام بن معد يكرب بِلَفْظِ كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَيْلَ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ مَطْلُوبٌ مِنْ أَجْلِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلِهَذَا الْقَصْدِ يُنْدَبُ.
وَأَمَّا الْكَيْلُ عِنْدَ الْإِنْفَاقِ فَقَدْ يَبْعَثُ عَلَيْهِ الشُّحُّ فَلِذَلِكَ كُرِهَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا حَتَّى كَالَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ سَبَبُ رَفْعِ النَّمَاءِ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَصْرِ وَالْكَيْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الِالْتِفَاتُ بِعَيْنِ الْحِرْصِ مَعَ مُعَايَنَةِ إِدْرَارِ نِعَمِ اللَّهِ وَمَوَاهِبِ كَرَامَاتِهِ وَكَثْرَةِ بَرَكَاتِهِ وَالْغَفْلَةُ عَنِ الشُّكْرِ عَلَيْهَا وَالثِّقَةُ بِالَّذِي وَهَبَهَا وَالْمَيْلُ إِلَى الْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ خَرْقِ الْعَادَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ رُزِقَ شَيْئًا أَوْ أُكْرِمَ بِكَرَامَةٍ أَوْ لُطِفَ بِهِ فِي أَمْرٍ مَا فَالْمُتَعَيِّنُ عَلَيْهِ مُوَالَاةُ الشُّكْرِ وَرُؤْيَةُ الْمِنَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يُحْدِثُ فِي تِلْكَ الْحَالة تغييرا وَالله اعْلَم