فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج، لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج» وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح "

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ)
وَقَعَ فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ لِأَنَّهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ تَصَرَّفَ فِيهِ فَاخْتَصَرَ مِنْهُ لَفْظَ مِنْكُمْ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الشِّفَاهِيَّ لَا يَخُصُّ وَهُوَ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَعُمُّ نَصًّا أَوِ اسْتِنْبَاطًا ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الصِّيَامِ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ كَمَا تَرْجَمَ بِهِ لَيْسَ فِيهِ مِنْكُمْ .

     قَوْلُهُ  وَهَلْ يَتَزَوَّجُ مَنْ لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّكَاحِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا وَقع بَين بن مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ فَأَجَابَهُ بِالْحَدِيثِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَا أَرَبَ فِيهِ لَهُ فَلَمْ يُوَافِقْهُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ وَافَقَهُ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ رَمَزَ إِلَى مَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ لَا يَتُوقُ إِلَى النِّكَاحِ هَلْ يُنْدَبُ إِلَيْهِ أَمْ لَا وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ بَعْدُ



[ قــ :4795 ... غــ :5065] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ وَهِيَ تَرْجَمَةُ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَن بن مَسْعُودٍ وَلِلْأَعْمَشِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِإِسْنَادِهِ بِعَيْنِهِ إِلَى الْأَعْمَشِ .

     قَوْلُهُ  كُنْتُ مَعَ عَبْدِ الله يَعْنِي بن مَسْعُودٍ .

     قَوْلُهُ  فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى كَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أبي أنيسَة عَن الْأَعْمَش عِنْد بن حِبَّانَ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ شَاذَّةٌ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن هِيَ كنية بن مَسْعُود وَظن بن الْمُنِير أَن الْمُخَاطب بذلك بن عُمَرَ لِأَنَّهَا كُنْيَتُهُ الْمَشْهُورَةُ وَأَكَّدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنه وَقع فِي نسخته من شرح بن بطال عقب التَّرْجَمَة فِيهِ بن عُمَرَ لَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى وَقَصَّ الْحَدِيثَ فَكَتَبَ بن الْمُنِيرِ فِي حَاشِيَتِهِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بن عُمَرَ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي زَمَنِ الشَّبَابِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ شَابًّا كَذَا قَالَ وَلَا مَدْخَلَ لِابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَصْلًا بَلِ الْقِصَّةُ وَالْحَدِيثُ لِابْنِ مَسْعُودٍ مَعَ أَن دَعْوَى أَن بن عُمَرَ كَانَ شَابًّا إِذْ ذَاكَ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَأُبَيِّنُهُ قَرِيبًا فَإِنَّهُ كَانَ إِذْ ذَاكَ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ .

     قَوْلُهُ  فَخَلَيَا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ فَخلوا قَالَ بن التِّينِ وَهِيَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ وَاوِيٌّ يَعْنِي مِنَ الْخَلْوَةِ مِثْلُ دَعَوَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمَّا اثقلت دعوا الله انْتَهَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِذْ لَقِيَهُ عُثْمَانُ فَقَالَ هَلُمَّ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَاسْتَخْلَاهُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ عُثْمَانُ هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ لَعَلَّ عُثْمَانَ رَأَى بِهِ قَشَفًا وَرَثَاثَةَ هَيْئَةٍ فَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى فَقْدِهِ الزَّوْجَةَ الَّتِي تُرَفِّهُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَ أَحْمد وَمُسلم ولعلها أَن تذكرك مَا مَضَى مِنْ زَمَانِكَ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَعَلَّكَ يَرْجِعُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ وَفِي رِوَايَةِ زيد بن أبي أنيسَة عِنْد بن حِبَّانَ لَعَلَّهَا أَنْ تُذَكِّرَكَ مَا فَاتَكَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مُعَاشَرَةَ الزَّوْجَةِ الشَّابَّةِ تَزِيدُ فِي الْقُوَّةِ وَالنَّشَاطِ بِخِلَافِ عَكْسِهَا فَبِالْعَكْسِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ يَا عَلْقَمَةُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ هَكَذَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ أَنَّ مُرَاجَعَةَ عُثْمَانَ لِابْنِ مَسْعُودٍ فِي أَمْرِ التَّزْوِيجِ كَانَتْ قَبْلَ اسْتِدْعَائِهِ لِعَلْقَمَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عِنْدَ بن حِبَّانَ بِالْعَكْسِ وَلَفْظُ جَرِيرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ فَاسْتَخْلَاهُ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ قَالَ لِي تَعَالَ يَا عَلْقَمَةُ قَالَ فَجِئْتُ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَلَا نُزَوِّجُكَ وَفِي رِوَايَةِ زَيْدٍ فَلَقِيَ عُثْمَانَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَامَا وَتَنَحَّيْتُ عَنْهُمَا فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ يُسِرُّهَا قَالَ ادْنُ يَا عَلْقَمَةُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ أَلَا نُزَوِّجُكَ وَيَحْتَمِلُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ عُثْمَان أعَاد على بن مَسْعُودٍ مَا كَانَ قَالَ لَهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَدْعَى عَلْقَمَةَ لِكَوْنِهِ فَهِمَ مِنْهُ إِرَادَةَ إِعْلَامِ عَلْقَمَة بِمَا كَانَا فِيهِ .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ فِي رِوَايَةِ زَيْدٍ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا فَقَالَ لَنَا وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ شَابٌّ فَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ رَأَيْتُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ مِنْ أَجْلِي وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَأَنَا أُحَدِّثُ الْقَوْمَ .

     قَوْلُهُ  يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ الْمَعْشَرُ جَمَاعَةٌ يَشْمَلُهُمْ وَصْفٌ مَا وَالشَّبَابُ جَمْعُ شَابٍّ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى شَبَبَةٍ وَشُبَّانٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالتَّثْقِيلِ وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّهُ لَمْ يُجْمَعْ فَاعِلٌ عَلَى فُعَّالٍ غَيْرُهُ وَأَصْلُهُ الْحَرَكَةُ وَالنَّشَاطُ وَهُوَ اسْمٌ لِمَنْ بَلَغَ إِلَى أَنْ يُكْمِلَ ثَلَاثِينَ هَكَذَا أَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ يُقَالُ لَهُ حَدَثَ إِلَى سِتَّةِ عَشَرَ سَنَةً ثُمَّ شَابٌّ إِلَى اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ ثُمَّ كَهْلٌ وَكَذَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الشَّبَابِ أَنَّهُ مِنْ لَدُنِ الْبُلُوغِ إِلَى اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ.

     وَقَالَ  بن شَاسٍ الْمَالِكِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ إِلَى أَرْبَعِينَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ الشَّابَّ مَنْ بَلَغَ وَلَمْ يُجَاوِزِ الثَّلَاثِينَ ثُمَّ هُوَ كَهْلٌ إِلَى أَنْ يُجَاوِزَ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ هُوَ شَيْخٌ.

     وَقَالَ  الرُّويَانِيُّ وَطَائِفَةٌ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ سُمِّيَ شَيْخًا زَاد بن قُتَيْبَةَ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْخَمْسِينَ.

     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَاق الاسفرايني عَنِ الْأَصْحَابِ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إِلَى اللُّغَةِ.
وَأَمَّا بَيَاضُ الشَّعْرِ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ .

     قَوْلُهُ  مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ خَصَّ الشَّبَابَ بِالْخِطَابِ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ قُوَّةِ الدَّاعِي فِيهِمْ إِلَى النِّكَاحِ بِخِلَافِ الشُّيُوخِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى مُعْتَبَرًا إِذَا وُجِدَ السَّبَبُ فِي الْكُهُولِ وَالشُّيُوخِ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  الْبَاءَةُ بِالْهَمْزِ وَتَاءِ تَأْنِيثٍ مَمْدُودٌ وَفِيهَا لُغَةٌ أُخْرَى بِغَيْرِ هَمْزٍ وَلَا مَدٍّ وَقَدْ يُهْمَزُ وَيُمَدُّ بِلَا هَاءٍ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا الْبَاهَةُ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ بِهَاءٍ بَدَلَ الْهَمْزَةِ وَقِيلَ بِالْمَدِّ الْقُدْرَةُ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ وَبِالْقَصْرِ الْوَطْءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِالْبَاءَةِ النِّكَاحُ وَأَصْلُهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَبَوَّؤُهُ وَيَأْوِي إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ اشْتُقَّ الْعَقْدُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ أَصْلِ الْبَاءَةِ لِأَنَّ من شَأْن من يتَزَوَّج الْمَرْأَة أَن يبوءها مَنْزِلًا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهِيَ مُؤَنُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ وَيَقْطَعَ شَرِّ مَنِيِّهِ كَمَا يقطعهُ الوجاء وعَلى هذاالقول وَقَعَ الْخِطَابُ مَعَ الشَّبَابِ الَّذِينَ هُمْ مَظِنَّةُ شَهْوَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَنْفَكُّونَ عَنْهَا غَالِبًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا وَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مُؤَنَ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ لِدَفْعِ شَهْوَتِهِ وَالَّذِي حَمَلَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا عَلَى مَا قَالُوهُ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ قَالُوا وَالْعَاجِزُ عَنِ الْجِمَاعِ لَا يُحْتَاجُ إِلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِ الشَّهْوَةِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْبَاءَةِ عَلَى الْمُؤَنِ وَانْفَصَلَ الْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ عَنْ ذَلِك بالتقدير الْمَذْكُور انْتهى وَالتَّعْلِيل الْمَذْكُور للبازري وَأَجَابَ عَنْهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَخْتَلِفَ الِاسْتِطَاعَتَانِ فَيَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ أَيْ بَلَغَ الْجِمَاعَ وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَيَكُونَ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَيْ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّزْوِيجِ.

قُلْتُ وَتَهَيَّأَ لَهُ هَذَا لِحَذْفِ الْمَفْعُولِ فِي الْمَنْفِيِّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْبَاءَةَ أَوْ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ التَّزْوِيجِ وَقَدْ وَقَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَرِيحًا فَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ وَمِثْلُهُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلِلْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمَازِرِيِّ فَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاءَةِ الْجِمَاعُ وَلَا مَانِعَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ بِأَنْ يُرَادَ بِالْبَاءَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَطْءِ وَمُؤَنِ التَّزْوِيجِ وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَشْكَلَهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرْشِدَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْجِمَاعَ مِنَ الشَّبَابِ لِفَرْطِ حَيَاءٍ أَوْ عَدَمِ شَهْوَةٍ أَوْ عَنهُ مثلا إِلَى مَا يهيء لَهُ اسْتِمْرَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّ الشَّبَابَ مَظِنَّةُ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَسْرِهَا فِي حَالَةِ أَنْ يَسْتَمِرَّ كَسْرُهَا فَلِهَذَا أَرْشَدَ إِلَى مَا يَسْتَمِرُّ بِهِ الْكَسْرُ الْمَذْكُورُ فَيَكُونُ قَسَمَ الشَّبَابَ إِلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَتُوقُونَ إِلَيْهِ وَلَهُمُ اقْتِدَارٌ عَلَيْهِ فَنَدَبَهُمْ إِلَى التَّزْوِيجِ دَفْعًا لِلْمَحْذُورِ بِخِلَافِ الْآخَرِينَ فَنَدَبَهُمْ إِلَى أَمْرٍ تَسْتَمِرُّ بِهِ حَالَتُهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ بِهِمْ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَهِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَجِدُونَ شَيْئًا وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي لَا يَجِدُ أُهْبَةَ النِّكَاحِ وَهُوَ تَائِقٌ إِلَيْهِ يُنْدَبُ لَهُ التَّزْوِيجُ دَفْعًا لِلْمَحْذُورِ .

     قَوْلُهُ  فَلْيَتَزَوَّجْ زَادَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ هُنَا فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَكَذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ جَمِيعِ مَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَكَذَا ثَبَتَ بِإِسْنَادِهِ الْآخَرِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّ حَذْفَهَا مِنْ قِبَلِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ شَيْخِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَإِنَّمَا آثَرَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَتَهُ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِ التَّصْرِيحِ فِيهَا مِنَ الْأَعْمَشِ بِالتَّحْدِيثِ فَاغْتُفِرَ لَهُ اخْتِصَارُ الْمَتْنِ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ وَقَولُهُ أَغَضُّ أَيْ أَشَدُّ غَضًّا وَأَحْصَنُ أَيْ أَشَدُّ إِحْصَانًا لَهُ وَمَنْعًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْفَاحِشَةِ وَمَا أَلْطَفَ مَا وَقَعَ لِمُسْلِمٍ حَيْثُ ذكر عقب حَدِيث بن مَسْعُودٍ هَذَا بِيَسِيرِ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ إِذَا أَحَدُكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى الْمُرَادِ من حَدِيث الْبَاب.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَفْعَلُ عَلَى بَابِهَا فَإِنَّ التَّقْوَى سَبَبٌ لِغَضِّ الْبَصَرِ وَتَحْصِينِ الْفَرْجِ وَفِي مُعَارَضَتِهَا الشَّهَوِيَّةِ الدَّاعِيَةِ وَبَعْدَ حُصُولِ التَّزْوِيجِ يَضْعُفُ هَذَا الْعَارِضُ فَيَكُونُ أَغَضَّ وَأَحْصَنَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ وُقُوعَ الْفِعْلِ مَعَ ضَعْفِ الدَّاعِي أَنْدَرُ مِنْ وُقُوعِهِ مِنْ وُجُودِ الدَّاعِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلُ فِيهِ لِغَيْرِ الْمُبَالَغَةِ بَلْ إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ فَقَطْ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فِي رِوَايَةِ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِيهِ إِغْرَاءٌ بِالْغَائِبِ وَمِنْ أُصُولِ النَّحْوِيِّينَ أَنْ لَا يُغْرَى الْغَائِبُ وَقَدْ جَاءَ شَاذًّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ عَلَيْهِ رَجُلًا لَيَسْنِيَ عَلَى جِهَةِ الْإِغْرَاءِ.
وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَوْجُودٌ لِابْنِ قُتَيْبَةَ وَالزَّجَّاجِيِّ وَلَكِنْ فِيهِ غَلَطٌ مِنْ أَوْجُهٍ أَمَّا أَوَّلًا فَمِنَ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ لَا إِغْرَاءَ بِالْغَائِبِ وَالصَّوَابُ فِيهِ إِغْرَاءُ الْغَائِبِ فَأَمَّا الْإِغْرَاءُ بِالْغَائِبِ فَجَائِزٌ وَنَصَّ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوِّزُ دُونَهُ زَيْدًا وَلَا يَجُوِّزُ عَلَيْهِ زَيْدًا عِنْدَ إِرَادَةِ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ وَإِنَّمَا جَازَ لِلْحَاضِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَلَالَةِ الْحَالِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ لِعَدَمِ حُضُورِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالْحَالَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُرَادِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ الْمِثَالَ مَا فِيهِ حَقِيقَةُ الْإِغْرَاءِ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتَهُ فَلَمْ يُرِدِ الْقَائِلُ تَبْلِيغَ الْغَائِبِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ قَلِيلُ الْمُبَالَاةِ بِالْغَائِبِ وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ مْ إِلَيْكَ عَنِّي أَيِ اجْعَلْ شُغْلَكَ بِنَفْسِكَ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُغْرِيَهُ بِهِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ دَعْنِي وَكُنْ كَمَنْ شُغِلَ عَنِّي.
وَأَمَّا ثَالِثًا فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إِغْرَاءُ الْغَائِبِ بَلِ الْخِطَابُ لِلْحَاضِرِينَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فالهاء فِي قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ لَيْسَتْ لِغَائِبٍ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْحَاضِرِ الْمُبْهَمِ إِذْ لَا يَصِحُّ خِطَابُهُ بِالْكَافِ وَنَظِيرُ هَذَا .

     قَوْلُهُ  كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى إِلَى أَنْ قَالَ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيه شَيْء وَمِثْلُهُ لَوْ قُلْتَ لِاثْنَيْنِ مَنْ قَامَ مِنْكُمَا فَلَهُ دِرْهَمٌ فَالْهَاءُ لِلْمُبْهَمِ مِنَ الْمُخَاطَبَيْنَ لَا للْغَائِب أه مُلَخصا مُلَخَّصًا وَقَدِ اسْتَحْسَنَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ بَالِغٌ وَقَدْ تَفَطَّنَ لَهُ الطِّيبِيُّ فَقَالَ قَالَ أَبُو عبيد قَوْله فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ إِغْرَاءُ غَائِبٍ وَلَا تَكَادُ الْعَرَبُ تُغْرِي إِلَّا الشَّاهِدَ تَقُولُ عَلَيْكَ زَيْدًا وَلَا تَقُولُ عَلَيْهِ زَيْدًا إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الضَّمِيرُ الْغَائِبُ رَاجِعًا إِلَى لَفْظَةِ مَنْ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَولِهِ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ وَبَيَانٌ لِقَوْلِهِ مِنْكُمْ جَازَ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ إِيرَادَ هَذَا اللَّفْظِ فِي مِثَالِ إِغْرَاءِ الْغَائِبِ هُوَ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَجَوَابُ عِيَاضٍ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَأَكْثَرُ كَلَامِ الْعَرَبِ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ كَذَا قَالَ وَالْحَقُّ مَعَ عِيَاضٍ فَإِنَّ الْأَلْفَاظَ تَوَابِعُ لِلْمَعَانِي وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ مُجَرَّدًا هُنَا .

     قَوْلُهُ  بِالصَّوْمِ عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ بِالْجُوعِ وَقِلَّةِ مَا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ وَيَسْتَدْعِي طُغْيَانَ الْمَاءِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَى ذِكْرِ الصَّوْمِ إِذْ مَا جَاءَ لِتَحْصِيلِ عِبَادَةٍ هِيَ بِرَأْسِهَا مَطْلُوبَةٌ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ الصَّوْمِ فِي الْأَصْلِ كَسْرُ الشَّهْوَةِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّهُ أَيِ الصَّوْمَ .

     قَوْلُهُ  لَهُ وِجَاءٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ أَصْلُهُ الْغَمْزُ وَمِنْهُ وَجَأَهُ فِي عُنُقِهِ إِذَا غَمَزَهُ دَافِعًا لَهُ وَوَجَأَهُ بِالسَّيْفِ إِذَا طَعَنَهُ بِهِ وَوَجَأَ أُنْثَيَيْهِ غمزهما حَتَّى رضهما وَوَقع فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ وَهُوَ الْإِخْصَاءُ وَهِيَ زِيَادَةٌ مُدْرَجَةٌ فِي الْخَبَرِ لَمْ تَقَعْ إِلَّا فِي طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ هَذِهِ وَتَفْسِيرُ الْوِجَاءِ بِالْإِخْصَاءِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْوِجَاءَ رَضُّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْإِخْصَاءَ سَلُّهُمَا وَإِطْلَاقُ الْوِجَاءِ عَلَى الصِّيَامِ مِنْ مَجَازِ الْمُشَابَهَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَجَا بِفَتْحِ الْوَاوِ مَقْصُورٌ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ.

     وَقَالَ  أَبُو زَيْدٍ لَا يُقَالُ وَجَاءَ إِلَّا فِيمَا لَمْ يَبْرَأْ وَكَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِذَلِكَ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ تَرْكُ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ أَرْشَدَهُ إِلَى مَا يُنَافِيهِ وَيُضْعِفُ دَوَاعِيَهُ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ وَقَدْ قَسَّمَ الْعُلَمَاءُ الرَّجُلَ فِي التَّزْوِيجِ إِلَى أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ التَّائِقُ إِلَيْهِ الْقَادِرُ عَلَى مُؤَنِهِ الْخَائِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَهَذَا يُنْدَبُ لَهُ النِّكَاحُ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يجب وَبِذَلِك قَالَ أَبُو عوَانَة الاسفرايني مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي صَحِيحِهِ وَنَقَلَهُ الْمِصِّيصِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ وَجْهًا وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَأَتْبَاعِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا خَيَّرَتْ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى فَوَاحِدَة أَو مَا ملكت ايمانكم قَالُوا وَالتَّسَرِّي لَيْسَ وَاجِبًا اتِّفَاقًا فَيَكُونُ التَّزْوِيجُ غَيْرَ وَاجِبٍ إِذْ لَا يَقَعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَهَذَا الرَّدُّ مُتَعَقَّبٌ فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا بِوُجُوبِهِ قَيَّدُوهُ بِمَا إِذَا لَمْ يَنْدَفِعِ التَّوَقَانُ بِالتَّسَرِّي فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ تَعَيَّنَ التَّزْوِيجُ وَقد صرح بذلك بن حَزْمٍ فَقَالَ وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَى الْوَطْءِ إِنْ وَجَدَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ أَوْ يَتَسَرَّى أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنَ الصَّوْمِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُمُ الْعَقْدُ لَا الْوَطْءُ وَالْعَقْدُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَدْفَعُ مَشَقَّةَ التَّوَقَانِ قَالَ فَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ وَمَا تَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ لَمْ يَذْهَبُوا إِلَيْهِ كَذَا قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ أَكْثَرُ الْمُخَالِفِينَ بِوُجُوب الْوَطْء فَانْدفع الْإِيرَاد.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ احْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ قَالَ فَلَمَّا كَانَ الصَّوْمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَمُبْدَلُهُ مِثْلَهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّوْمِ مُرَتَّبٌ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ وَلَا اسْتِحَالَةَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ أَوْجَبْتُ عَلَيْكَ كَذَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَأَنْدُبْكَ إِلَى كَذَا وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْقَادِرِ التَّائِقِ إِلَّا إِذَا خَشِيَ الْعَنَتَ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اقْتصر بن هُبَيْرَةَ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ الَّذِي نَطَقَ بِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَقَدْ يَجِبُ عِنْدَنَا فِي حَتَّى مَنْ لَا يَنْكَفُّ عَنِ الزِّنَا إِلَّا بِهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْمُسْتَطِيعُ الَّذِي يَخَافُ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ مِنَ الْعُزُوبَةِ بِحَيْثُ لَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّزْوِيجِ لَا يَخْتَلِفُ فِي وجوب التَّزْوِيج عَلَيْهِ وَنبهَ بن الرِّفْعَةِ عَلَى صُورَةٍ يَجِبُ فِيهَا وَهِيَ مَا إِذا نَذره حَيْثُ كَانَ مُسْتَحبا.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَسَّمَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ النِّكَاحَ إِلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَجَعَلَ الْوُجُوبَ فِيمَا إِذَا خَافَ الْعَنَتَ وَقَدَرَ عَلَى النِّكَاحِ وَتَعَذَّرَ التَّسَرِّي وَكَذَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ وَهُوَ الْمَازِرِيُّ قَالَ فَالْوُجُوبُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَنْكَفُّ عَنِ الزِّنَا إِلَّا بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَالتَّحْرِيمُ فِي حَقِّ مَنْ يُخِلُّ بِالزَّوْجَةِ فِي الْوَطْءِ وَالْإِنْفَاقِ مَعَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَتَوَقَانِهِ إِلَيْهِ وَالْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ مِثْلِ هَذَا حَيْثُ لَا إِضْرَارَ بِالزَّوْجَةِ فَإِنِ انْقَطَعَ بِذَلِكَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الطَّاعَةِ مِنْ عِبَادَةٍ أَوِ اشْتِغَالٍ بِالْعِلْمِ اشْتَدَّتِ الْكَرَاهَةُ وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ فِيمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْعُزُوبَةِ أَجْمَعَ مِنْهُ فِي حَالِ التَّزْوِيجِ وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا إِذا حصل بِهِ معنى مَقْصُودا من كثر شَهْوَةٍ وَإِعْفَافِ نَفْسٍ وَتَحْصِينِ فَرْجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْإِبَاحَةُ فِيمَا انْتَفَتِ الدَّوَاعِي وَالْمَوَانِعُ وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَمَرَّ بِدَعْوَى الِاسْتِحْبَابِ فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لِلظَّوَاهِرِ الْوَارِدَةِ فِي التَّرْغِيبِ فِيهِ قَالَ عِيَاضٌ هُوَ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ يُرْجَى مِنْهُ النَّسْلُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْوَطْءِ شَهْوَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكَمْ وَلِظَوَاهِرِ الْحَضِّ عَلَى النِّكَاحِ وَالْأَمْرِ بِهِ وَكَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي نَوْعٍ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ غَيْرِ الْوَطْءِ فَأَمَّا مَنْ لَا يُنْسِلُ وَلَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ وَلَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ فَهَذَا مُبَاحٌ فِي حَقِّهِ إِذَا عَلِمَتِ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ وَرَضِيَتْ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهُ مَنْدُوبٌ أَيْضًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ مَنِ اجْتَمَعَتْ لَهُ فَوَائِدُ النِّكَاحِ وَانْتَفَتْ عَنْهُ آفَاتُهُ فَالْمُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ التَّزْوِيجُ وَمَنْ لَا فَالتَّرْكُ لَهُ أَفْضَلُ وَمَنْ تَعَارَضَ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِ فَلْيَجْتَهِدْ وَيَعْمَلْ بِالرَّاجِحِ.

قُلْتُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فَأَمَّا حَدِيثُ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ فَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة أخرجه بن حبَان وَذكره الشَّافِعِي بلاغا عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ تَنَاكَحُوا تَكَاثَرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ تَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ وَلَا تَكُونُوا كَرَهْبَانِيَّةِ النَّصَارَى وَوَرَدَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ أَيْضًا مِنْ حَدِيث الصنَابحِي وبن الْأَعْسَرِ وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَحَرْمَلَةَ بْنِ النُّعْمَانِ وَعَائِشَةَ وَعِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ فَلَمْ أَرَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ إِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَنَا بِالرَّهْبَانِيَّةِ الْحَنِيفِيَّةَ السمحة وَعَن بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ التَّبَتُّلِ وَسَيَأْتِي فِي بَابٍ مُفْرَدٍ وَحَدِيثُ مَنْ كَانَ مُوسِرًا فَلَمْ يَنْكِحْ فَلَيْسَ مِنَّا أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ بن أَبِي نَجِيحٍ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ وَحَدِيثِ طَاوُسٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي الزَّوَائِدِ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ من التَّزْوِيج عجز أَو فجور أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ الْإِشَارَةُ إِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ النِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ امْرَأَةً صَالِحَةً فَقَدْ أَعَانَهُ عَلَى شَطْرِ دِينِهِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي الشَّطْرِ الثَّانِي وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَ فِي الْكَثِيرِ مِنْهَا ضَعْفٌ فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي التَّزْوِيجِ أَصْلًا لَكِنْ فِي حَقِّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّسْلُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا إِرْشَادُ الْعَاجِزِ عَنْ مُؤَنِ النِّكَاحِ إِلَى الصَّوْمِ لِأَنَّ شَهْوَةَ النِّكَاحِ تَابِعَةٌ لِشَهْوَةِ الْأَكْلِ تَقْوَى بِقُوَّتِهِ وَتَضْعُفُ بِضَعْفِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَازِ الْمُعَالَجَةِ لِقَطْعِ شَهْوَةِ النِّكَاحِ بِالْأَدْوِيَةِ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى دَوَاءٍ يُسَكِّنُ الشَّهْوَةَ دُونَ مَا يَقْطَعُهَا أَصَالَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِرُ بَعْدُ فَيَنْدَمُ لِفَوَاتِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَكْسِرُهَا بِالْكَافُورِ وَنَحْوِهِ وَالْحُجَّةُ فِيهِ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا على منع الْجب والخصاه فَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ التَّدَاوِي بِالْقَطْعِ أَصْلًا وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النِّكَاحِ الْوَطْءُ وَلِهَذَا شُرِعَ الْخِيَارُ فِي الْعُنَّةِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ وَتَحْصِينِ الْفَرْجِ بِكُلِّ مُمْكِنٍ وَعَدَمِ التَّكْلِيفِ بِغَيْرِ الْمُسْتَطَاعِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ حُظُوظَ النُّفُوسِ وَالشَّهَوَاتِ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَى أَحْكَامِ الشَّرْعِ بَلْ هِيَ دَائِرَةٌ مَعَهَا وَاسْتَنْبَطَ الْقَرَافِيُّ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ أَنَّ التَّشْرِيكَ فِي الْعِبَادَةِ لَا يَقْدَحُ فِيهَا بِخِلَافِ الرِّيَاءِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ بِهَذَا الْقَصْدِ صَحِيحٌ مُثَابٌ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَأَرْشَدَ إِلَيْهِ لِتَحْصِيلِ غَضِّ الْبَصَرِ وَكَفِّ الْفَرْجِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ اه فَإِنْ أَرَادَ تَشْرِيكَ عِبَادَةٍ بِعِبَادَةٍ أُخْرَى فَهُوَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَإِنْ أَرَادَ تَشْرِيكَ الْعِبَادَةِ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُسَاعِدُهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الِاسْتِمْنَاءِ لِأَنَّهُ أَرْشَدُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ التَّزْوِيجِ إِلَى الصَّوْمِ الَّذِي يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ فَلَوْ كَانَ الِاسْتِمْنَاءُ مُبَاحًا لَكَانَ الْإِرْشَادُ إِلَيْهِ أَسْهَلَ وَتُعُقِّبَ دَعْوَى كَوْنِهِ أَسْهَلَ لِأَنَّ التَّرْكَ أَسْهَلُ مِنَ الْفِعْلِ وَقَدْ أَبَاحَ الِاسْتِمْنَاءَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ لِأَجْلِ تَسْكِينِ الشَّهْوَةِ وَفِي قَوْلِ عُثْمَانَ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَلَا نُزَوِّجُكَ شَابَّةً اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الشَّابَّةِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ بِكْرًا وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ بَعْدَ أَبْوَابٍ